السودان: ما بعد اغتيال محمد طه/ حسن ساتي

السودان: ما بعد اغتيال محمد طه/ حسن ساتي


09-06-2006, 07:53 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=148&msg=1161466823&rn=0


Post: #1
Title: السودان: ما بعد اغتيال محمد طه/ حسن ساتي
Author: حيدر حسن ميرغني
Date: 09-06-2006, 07:53 PM

السودان: ما بعد اغتيال محمد طه..!

لم أجد الوقت لتأصيل مثل يردده السودانيون ويقول: (الميتة لا تسمع الصياح)، وما إذا كانت له

امتدادات أخرى في بلاد أخرى، ولكني كتبت وبالحرف الواحد على هذه الصحيفة يوم 10 ديسمبر 2000، قبل ما يقترب

من الستة أعوام أقول:

(حادث مسجد الجرافة مع تهاون الحكومة تجاه الظاهرة لن يكون الاخير، وهو يتطلب قطعاً سياسة جديدة لنزع السلاح

وإحكام محاولة الحصول عليه، حتى لا يصبح حصد الأرواح وجبة عادية في طبق الاخبار السودانية في المستقبل

القريب..!) انتهى.

ويوم أمس، وبعد أن تلقيت النبأ المر باغتيال زميلي رئيس تحرير صحيفة «الوفاق» السودانية محمد طه محمد

أحمد، بعد اختطافه من منزله بعربة مظللة الزجاج، وذبحه بضواحي الخرطوم، حزنت، ثم رأيت إعادة المطالبة التي

قلت بها غداة حادث مسجد الجرافة يوم 8 ديسمبر عام 2000. ولكني أيضا رأيت أن اغتيال محمد طه يدفعنا لأن

نتساءل مجتمعين هذه المرة: وهل سيكون هذا هو الاغتيال الأخير؟ وقبل الإجابة لا بدّ من تغذيتها بسؤال آخر ذي

صلة، خاصة أن اغتيال محمد طه يجدد التساؤل على نحو جديد لا يقنع بمجرد مصادرة السلاح الذي حصد به يومها

عباس عباس المصلين بمسجد الجرافة، وهو يأتزر لافتة اسمها التكفير والهجرة، والتساؤل هو: هل حادث الاغتيال

لصحفي، ولو بسلاح أبيض، هو بداية البداية نحو أفق يعتمد التصفية الجسدية في مآلات وسياقات السياسة

السودانية في المستقبل، ليدفع بذلك المزاج السوداني في أدائه الجمعي نحو أفق جديد، وهو الذي ظل بعيدا عن

العنف وتعاطيه في السياسة واختلاف الرأي، إذا لم تكن صحيفة السودانيين هي الأكثر إشراقا، عربيا وأفريقيا،

في قضايا التسامح والقبول بالآخر الى ما قبل سنوات من نظام الإنقاذ الحالي امتدت منه الى عام 1998. ذلك

المزاج الذي تحفظ ذاكرته وجود رؤساء وزعماء الأحزاب ورموز العمل العام بدون حراسة أو طقوس أمنية في

الأفراح والمآتم، يجلسون مع عامة الناس، ولا يخلون بطقس المناسبة أيا كان.

لست هنا بالطبع في عرض مناقشة الخصومة، التي صنعها الشهيد محمد طه لنفسه، بعد أن أوجد لنفسه منبرا صحفيا

هو صحيفة «الوفاق»، التي لم يكن من رقيب عليها غير نفسه، ومنها أثرى من دون أن يغير الثراء من طيبته

وبساطته حين يخلع رداء الصحفي ويتحدث اليك، إنسانا أقرب الى (الغبش ). فقد أجاد الراحل في صناعة خصومات

سياسية، وأوقعه سوء الحظ مؤخرا في نشر مادة تسيء للرسول الكريم انتهت بتنازل أصحاب الدعوى عنها بمرافعة

منه، وهو القانوني، نبههم فيها الى أن يتأملوا اسمه: محمد طه محمد أحمد محمد أحمد.

لست بصدد ذلك وروح الرجل هي الآن عند مليك مقتدر، ولكني شديد الميل لأن أقرع الأجراس لإيقاظ أهل السودان

على ثقافة العنف التي أشاعها انقلاب يونيو 1989 لسنين من عمره، فجاءت بالذين أقدموا على مذبحة مسجد

الجرافة، ثم مسجد آخر بالثورة، ومن قبلهما اغتيال الفنان خوجلي عثمان. ومعها بالطبع، كرافد يرفد منه

العنف ثقافة التشدد المذهبي والديني، لنجد أنفسنا أمام واقع يقول لنا إن ذلك المناخ ربما سيصبح، إن لم يكن

قد فعل، حاضنة جديدة لمحبطين يمارسون أساليب تنظيمات الإسلام السياسي المتطرفة على النحو الذي تشهده

المنطقة، إما على أرضهم، كما تفعل تلك التنظيمات، وإما لجهة قابلية تنمو معها إمكانيات استقطابهم لصالح

تلك التنظيمات لينفذوا لها مخططها داخليا وخارجيا، ويومها لن تقنع مثل تلك الخلايا برؤوس من وزن الزميل

الراحل محمد طه فقط، وإنما ستبحث عن صيد آخر.

إثارة القضية من منظور أوسع تصبح ضرورة واجب الدولة السودانية قبل منظمات المجتمع المدني، برغم ما يقترب

من اليقين عندي أن العقل السوداني في أدائه الجمعي مصاب بداء التهوين القاتل للقضايا، الى أن يراها رأي

العين وقد تعملقت فيعض أصابع الندم. وقد كان ذلك حاله مع تمرد صغير في توريت قبل الاستقلال عام 1956 ليصبح

بعد 29 عاما الحركة الشعبية لتحرير السودان، ومع آخر صغير أيضا في مطار الفاشر عام 2003، ليصبح دارفور،

هذه القضية التي أصبحت شوكة في الخاصرة الى اليوم والغد المنظور.

رحم الله الراحل محمد طه، وأعان الله السودان الذي جاء اغتيال حامل رأي، مهما كانت درجة الاختلاف معه، في

مرحلة يحلم فيها بأفق جديد في حرية التعبير، بما يعني أن قضية حرية التعبير ذاتها ستخوض معركة جديدة سيكون

النصر فيها رهن أداء أهل العزم.



http://www.aawsat.com/leader.asp?section=3&article=381665&issue=10145