** ما أصعب الكلام ** الإعدام . (والسؤال المحير . القصاص أم العدل ..) (حوار)

** حوار مع صديقي الفرنسي**

اذا كنت تؤمن ايماناً قاطعاً بأن عقوبة الإعدام منصوص عليها بنص واضح لا جدال فيه بالقرآن ولا تقبل النقاش فأرجو أن تتوقف هنا وتكمل كوب القهوة ثم تنصرف ….
كانت هذه كلمات صديقي الفرنسي ( صعبة منذ البداية) .. وقد أكملت الكوب حتي آخر قطرة لأستطيع استيعاب سؤاله جيداً ….وأتمني أن يكون الجميع قد إ ستوعبه ….وأظنني طلبت كوباً آخر .. وحينما قررت أن اواصل الحوار .. أبعدت عن ذهني فكرة أن ( الغرب واليهود يتربصون بديننا الأسلامي ويحيكون له المؤامرات ) ….

لم أشأ أن يكون الحوار ذو أفق ضيق … وملئ بشعور الهزيمة لذلك كنت منفتحاً بقدر ما أستطيع .. وأظنني قبلت بالمضي في الحوار …
فقال لي … هل تؤمن حقاً بهذه العقوبة … فأجبت بالإيجاب …
- دعنا نفترض أن هنالك شخصان مشتبه بهم في جريمة سرقة وتم ادانة أحدهم … ثم بعد فترة ظهرت أدلة جديدة تدين الآخر وتبرئ الأول ماذا سيكون موقف المحكمة برأيك ..
- بكل تأكيد سيتم سجن الشخص المدان وتبرئة الآخر وربما يحصل علي تعويض من المحكمة …
- وماذا لو لم تكن جريمة سرقة .. ماذا اذا كانت جريمة قتل وتم تنفيذ الحكم … وظهرت الأدلة لاحقاً …
- كان السؤال محيراً بالفعل وأجبته بتلقائية .. أظن أنه سيتم تعويض أسرة الشخص …
- كم سيتم دفعه ….
- هذا هو الأكثر احراجاً ..ولذلك لذت بالصمت …
- كم يساوي قيمة الإنسان عندكم لنري كم ستدفعون ….

( لو لم يكن الأمر اشبه بالتحدي – بيني وبين الأوروبي – لقلت له …. لا يساوي شيئاً بالفعل … ولكن يجب الخروج من هذه الورطة ….
- أظن أن الأمر في النهاية سيكون محاولة للتعويض .. وهنالك مبالغ متفق عليها في الإجراءات القانونية
- جيد .. وهل تعتقد أن هنالك مبلغ مالي سيعوض عن فقدان شخص ما ….
- لا ..
- اذن الأمر لن يكون عادلاً …. قل لي كيف تؤمن بشئ غير عادل ..
-
(أجبته بأن المثل الذي أتي به هو حالة غير عادية .. أن يظهر الدليل بعد حكم الإعدام .. ونادر الحدوث )
- ولكن القوانين أصلاً لم تأتي لتبيح وانما أتت لتمنع أي اصلاً جاءت القوانين للامور غير العادية .. فالسرقة ليس أصل وانما هي حالة شاذة والقتل ايضاّ حالة شاذة ولذلك وضعت القوانين أي انها توضع لمعالجة الحالات الشاذة ….
- أوافق علي ذلك ولكن قل لي منذ متي لا تؤمنون أنتم بعقوبة الإعدام .. فهذه العقوبة قديمة قديم الوجود الإنساني ولم يتم الحديث عنها الا مؤخراً …
- نعم ولكننا لسنا جامدين فنحن نبحث عن العدل أينما كان حتي لو بتعديل الدستور كاملاً ..
- اذا فأنت تقترح الغاء العقوبة لأنها غير عادلة …….
- هل لديك رأي آخر .. هل تري أن هنالك عدل في المثال الذي تحدثنا عنه .. ان الأمر لم يأتي من فراغ فالمشرعون لم يتحدثوا عن هذا الأمر الا بعد تكرار حدوثه أكثر من مرة …
- ولكن ماذا تري العقوبة المناسبة لشخص يفتح النار بلا سبب ليقتل الأبرياء ….أو لشخص يروج المخدرات أو لشخص يعمل علي تقويض نظام ديموقراطي قائم. ..
- أنا اؤمن بانه يجب أن ينال عقاباً رادعاً واظن أن السجن مدي الحياة يكفي وفي ذات الوقت نعطي فرصة كبيرة في حال ظهور أية أدلة جديدة فرصة عادلة بغض النظر عن نوايانا الإنتقامية أو القصاص ………….
(انتهي الحوار) ….
وتبقي الأسئلة موجودة : القصاص أم العدل وهل هنالك فهم آخر لعقوبة الإعدام في الدين الإسلامي وكيف نواجه مثل الموقف الذي ذكره صديقي … وكيف يمكننا الحديث عن العدل في مثل هذه الحالات … أسئلة كثيرة صعب الإجابة وهنالك عدد من الدول الأوروبية لم تلغي عقوبة الإعدام .. فهل أن الأمر يحتاج فقط الي وقت أم أن الدول التي ألغت القانون ستعود مرة أخري لأصداره …. حقاُ ما أصعب الكلام .....