في رحيل الرحيم صاحِب مصر المؤمَّنـة .

في رحيل الرحيم صاحِب مصر المؤمَّنـة .


09-01-2007, 01:34 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=140&msg=1188650042&rn=1


Post: #1
Title: في رحيل الرحيم صاحِب مصر المؤمَّنـة .
Author: عبدالله الشقليني
Date: 09-01-2007, 01:34 PM
Parent: #0




في رحيل الرحيم صاحِب مصر المؤمَّنـة


أشعَر أبو الطيب المتنبي:

وكأتمُ الحُبّ يَومَ البَينِ مُنهتِكٌ
وصاحِبُ الدَّمعِ لا تَخفَى سرائرُهُ
قدِ اشتَكَتْ وَحشَةَ الأحياءِ أرْبُعُهُ
وَخَبّرَتْ عَنْ أسى المَوْتى مَقابرُهُ
حتى إذا عُقِدَتْ فيه القِبابُ لَهُ
أهلّ للهِ باديهِ و حاضِرُهُ
وَجَدّدتْ فَرَحاً لا الغَمُّ يَطرُدُهُ
و لا الصّبابةُ في قلْبٍ تُجاوِرُهُ

انكفأ القِدر بما فيه من الطيوب ، فقد سكت القلب المُحِب الذاكِر . لن تُسكِن المدامِع إلا بلّور دمعها الثاكِل فقد رحل عبد الرحيم . ينابيع الجنان المتلألئة تنسكِب مِن على أباريقها من حول الجسد بإذن الله ، تُليّن الجَسد وقد لان قلب صاحبه دهراً لأحبته وأهله ، ومن طوّفته الدُنيا ومَست قُربه.
هذا يوم الميعاد ، جاء الرحيل . موعد الحُزن الذي يذبح النُحور . ندعُوكِ يا أم الظلال الوارِفة قُومي لنجدتنا ، فقد رحل عن مَجرَّة آفاقنا عبدٌ رحيمٌ ، يلقاك مُفتَّر الثقر عند كل فجيعة تٌقبِل أو أفراح ٌ تهِّل . جاء موعد عيد الفقد الأعظم ، هذا نقص الأنفس وتلك نقص الثمرات . لتعوي كل كلاب الدنيا ، فقد هبط علينا ليل الفواجع بثِقله من بعد سكون مريب ، وصمت مُهيب . تفرقت محبته على الأفئدة بطول البِلاد وعرضها ، وخارجها . ظلل بخيمته الأخضرَ منَّا والجَّاف الشوكي والقُحْ . القاتِل والمَقتول مِنا لم يَلتقيا إلا على محبته . فلتهنأ الجنان بموعود الزفاف الجديد ، ولتشرب من الوجه الصبوح أنَّا شاء لها المولى من العمر السرمدي .
قال ابن عربي :

عرائس الأرض تجلى في غلائلها
وفي حلى عليها صاغها الدّيم
تستل فيحلل الأنوار مذهبة
في كل حاشية من نسجها علم
درّ من الأقحوان الغض زينه
حمر اليواقيت في المنثور ينتظم
كأنما بالسماء الأرض شامته
تبكي السماء وثغر الأرض يبتسم

كانت الدُنيا في عينيك سيدي كأنها تركب بُراق الزمان تُسابق اللَّحظ بالبرهة إلى نعيم ، تراه أنتَ إلى زوال . تتسربل أنتَ منذ صحو السَحر عِند كل سكينة من المنام تيسرت من طهارة الأجساد ، حتى اعتادتك أنوار التعبُد المتوهِجة . فغشيتك سكينة المولى . ببسماتِ مُحيَّاك وأنت تلقى العشيرة والأهل . كُنت خير مُرحِّب وخير مُوَدِّع ، وخير جليس بينهم . تأتلف الأرواح على السكينة وهي تستأنِس مجلسك ، كما تأتلف الأذكار عِند كل موقِف تسأل الأنفُس عندها هل من مُعين ؟ .
بدعوتك في زمان غابِر عُقِد قران عَشرة آلاف من بنين وبنات وطنك ، تلجُم بدعوتِك حِجارة الدُنيا القاسية برحابة الدعوة ، فتتفتت القسوة بإذنه تعالى . انتخبت أنتَ من مجالس العِلم عِندك سبعين مُقرءً ، وخُتِم القُرآن في دقائق معدودة . غطت الخيمة القرآنية الجمع وأفردت السكينة أجنحتها على الناس جميعاً ، ونادى الأحبة بعضهم سكن لبعض يتسامرون في الخَير .

يقولون إذا اعترض لكَ السَّوي بفتنته فانظر النشأة الأولى ، ترَ ما يٌسقط الفتنة عنكَ . فإن لم ترَ ، فانظر إلى مصائر الأبدان عند موعِد منتهاها ، ترى الزُهد سيد النفس العابدة يرفل في بهرج النعيم .
ألف سلام عليك سيدي أنَّا حللت ، فقد ألِفتكَ الأرواح وفجعها الفراق ، و نُحِرَتْ الأفئدة المُتيَّمة .

عبد الله الشقليني
20/02/2005