غـــواص اللغـــة العـــربيـــة - صـالح فـرح

غـــواص اللغـــة العـــربيـــة - صـالح فـرح


08-31-2007, 02:50 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=140&msg=1188568223&rn=0


Post: #1
Title: غـــواص اللغـــة العـــربيـــة - صـالح فـرح
Author: tariq
Date: 08-31-2007, 02:50 PM


بداية القرن العشرين شهدت إنشاء الجامعة المصرية بالقاهرة ، وتبع ذلك السعي لخلق الكادر الوطني المؤهل ليقوم بالتدريس مكان الأساتذة الأجانب الذين بدأت بهم الجامعة . ولتلك الغاية بعثت مصر بطلابها للجامعات الفرنسية ليتأهلوا ولم تبعث بهم إلى بريطانيا رغم أنها كانت تحت الحماية البريطانية . الرواد الأوائل للدراسة في فرنسا كان منهم طه حسين وتوفيق الحكيم وأحمد لطفي السيد وغيرهم . وكرواد لجيل النهضة التي انتظمت مصر كان لكل منهم إسهامه الذي لم تقتصر الإفادة من فيضه على مصر وحدها وإنما امتد ذلك إلى كل بلد عربي ولكل كاتب أو متـحدث بالعربية . عبد العزيز فهمي باشا كان من اولئك الرواد . لم يكن أديبا كاتبا كطه حسين ، أو مؤلفا قاصا كتوفيق الحكيم أو مفكرا فيلسوفا كأحمد لطفي السيد الذي كان يلقب بأستاذ الجيل ، وإنما كان " خالف تذكر " ، إذ نادى بكتابة العربية بالحروف اللاتينية . ولم لا ؟ فلقد فعلها ومنذ سنوات قليلة مصطفى أتاتورك في تركيا فقنن كتابة اللغة التركية بالحروف اللاتينية وقد كانت تكتب بالحروف العربية على نحو ما عليه الحال اليوم بالنسبة للفارسية وللأوردو . وتطور الجدل وامتد إلى اتهام العربية نفسها بالقصور عن مواكبة العصر ، وإلى اقتراح بأن تصبح الدارجة هي لغة الكتابة مكان العربية الفصيحة . وهكذا يختفي وعاء اللغة الجامع لأهل العربية ليخلفه التفكك إذ لكل بلد لغته الدارجة . وانتهت البدعة وما تفرعت إليه ولم تكتب العربية بالحروف اللاتينية ولم يبدل الناس لغتهم الفصيحة ليكتبوا بلهجاتهم الدارجة . على خط الجدل الذي كان قائما بشأن اللغة العربية دخل شاعر النيل ـ كما كان يلقب ـ حافط إبراهيم . في دفاع العربية عن نفسها قالت في شعر حافظ :
وسعت كتاب الله لفظا وغايـة وما ضقت عن آي به وعـظات
أنا البحر في أحشائه الدر كامن فهل سألوا الغواص عن صدفات
عند غواص اللغة العربية الميزان الصرفي أداته في اصطياد الإشتقاقات من الفعل . بعض الإشتقاقات اعتادها الناس حتى لو أنك جئت بآخر رغم كفايته لما أنت بصدده استغربه سواد الناس وربما استنكروه . ذلك هو الحال مع ما قد تكون معرفته ميسورة لك ، فكيف إذا كان اللفظ من تلك الألفاظ الجامدة التي ليس لها ما تشتق عنه ككلمة "الأقم " ولذلك كان لا بد لمن وصف بها التيس أن يردف ذلك بالشرح أنها تعني التيس الذي لا قرون له .
ومهما يكن فإن كلمة التيس في عمل أدبي منذ قالها علي بن الجهم الشاعر العباسي يمدح أمير المؤمنين فيشبهه بالتيس لم أسمعها إلا عند الجزارين ( أم القصابين أكثر فصاحة ) . ولكن تيس بن الجهم كانت له قرون ليقارع بها أما هذا التيس فلا قرون له .
قديما قال صفي الدين الحلي :
إنما الحيزبون والدردبيس والطخا والنقاخ والعلطبيـس
........................
لغة تنفر المسامع مـــنها حين تروى وتشمئز النـفوس
وقبيح أن يسلك النــــافر الوحشي منها ويترك المأنوس
إن خير الألفاظ ماطرب السامع منه وطاب فيه الجـــلـيس
...........................
أتراني إذ قلـــــت للحب ياعلقُ درى أنه العزيز النفيس
بقي أن تعرف أن الحيزبون والدردبيس قيل تعنيان المرأة العجوز ، وأن الطخا هو السحاب المرتفع ، وأن التفاخ هو الماء البارد العذب ، وأن العلطبيس هو الأملس البراق ونضيف أن الأقم للتيس هو التيس الذي لاقرون له .
حكوا أن البحتري الشاعر الأموي كان يمدح الخليفة في بعض شعره ويأتي من الألفاظ بكل ما هو مستصعب ، فاحتج بعض الحضور: لماذا تقول ما لا يفهم ؟ فهل لنا أن نعيد السؤال ؟ لعلنا لو نجد مجيبا لا يريد ان يعرض أو يستعرض !

صالح فرح ،
أبوظبي.
صحيفة السوداني 25/8/07