حنين

حنين


10-03-2007, 10:56 AM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=120&msg=1191405361&rn=0


Post: #1
Title: حنين
Author: Mubarak Eltayeb
Date: 10-03-2007, 10:56 AM

صوت الموسيقى يملأ فراغ الصالة العريض، ذهب به الفكر مذاهب شتى، بلاد غريبة متوجه إليها، ‏ترى ما الذي يخبئه له القدر؟ ‏
تحسس خده الأيسر بحركة لا إرادية .. كان الجرح سطحياً لكن أثره ما زال باقياً .. اهتزت السقالة ‏التي كان يقف عليها وهو يناول المعلم القدح المملؤ بالمونة .. لم يشعر إلا وهو يقع في كوم الخرصانة .. ‏زميله في العمل كان يقوم بتقطيع أسلاك الرباط لشد السيخ في البيم .. صادف وقوعه أحد هذه الأسلاك ‏فأحدث ذلك الجرح.‏
عشرون شهراً وثمانية أيام وهو يذكر ذلك الموقف الرهيب .. (يعنى مصر يا ولدي؟؟!!) قالتها أمه ‏وهي تمسح دمعةً أبت إلا أن تتخذ مجرى الشلوخ مساراً لها .. (معليش يمة .. أيام وتعدي وبرجع ليكم ‏بالسلامة إنشاء الله) صمت رهيب .. خطوات متثاقلة (ودعتك لي مأمون الوداعة) هذه الكلمات لم تبرح ‏مسامعه قط.‏
‏ عشرون شهراً وثمانية أيام قضاها في ذلك البلد العربي عمل فيها مهناً لم تخطر بباله قط .. ‏عشرون شهراً وثمانية أيام لم ييأس في الحصول على فيزا لإحدى الدول الأوربية.‏
تحسس جيبه مرة تلو الأخرى .. أخرج جواز سفره .. تصفحه رويداً رويداً .. نظر بتمعن للفيزا ‏ثم أعاد النظر كرة أخرى. ‏
أفكاره خليط من الماضي والمستقبل .. كرة الشراب والدافوري .. الدراسات العليا في ذلك البلد ‏الذي سيكون في غضون بضع ساعات فيه ،، شاي الصباح والجميع متحلقون حول حبوبة .. الخوف من ‏المجهول.‏
سمع صوتاً كأنه آتٍ من غيابة الجب (على ركاب الرحلة رقم .... المتجهة ..... ) لم يسمع بقية التنبيه ‏‏.. مشى بخطوات متثاقلة نحو الكاونتر.‏
بعد عشرين شهراً وأربعة عشرا يوماً وقفت ركشة في ذلك الزقاق الضيق في الحي الشعبي .. لم ‏يجادل سائق الركشة كثيراً في مبلغ المشوار .. لفت انتباهه أن معظم سائقي الركشات يرتدون نفس الطاقية ‏ذات الألوان الثلاثة.‏
بعد عشرين شهراً وأربعة عشرا يوماً .. في ذلك الزقاق الضيق في الحي الشعبي .. وجد أن باب ‏الزنكي ذو الضلفة الواحدة قد تغير إلى باب حديد مطلي باللون الأبيض .. دفع الباب أمامه وهو في ‏منتصف المسافة في الحوش سمع صوت أمه (يا بت أجري شوفي الباب فيهو منو؟)‏