الزول ياهو. . الزول ياهو - صالح فرح

يحسبون كل صيحة عليهم
كان الصاحب يلصق أذنه بجدار الغرفة ويظل زمنا مشدودا على وضعه كمن يريد ألا يفوته شئ . فاستغرب الجليس منظر الصاحب ولم يستطع الصبر على ما يرى ، فسأله ما به . ولم يجبه الصاحب وإنما طلب إليه أن يفعل كما يفعل هو , وأن يرخي سمعه وينتظر . وفعل الجليس كما كانت نصيحة الصاحب وانتظر وانتظر ولكنه لم يسمع شيئا ، وأفضى للصاحب بأنه لم يسمع شيئا ، فما كان من الصاحب إلا أن صاح " ما هو دا المجنني " .
في الأنظمة الشمولية هنالك مشابهة بين تلك الأنظمة و قصـة ذلك الصاحب . إنهم يتسمعون ويتجسسـون ويتتبعون ، وما يقومون به " يودي الزول للجنون ". وفي فورة من جنونهم يخرجون قصة . . حلقة من مسلسل يتجدد بين الحين والآخر ، على فترات تتقارب أو تتباعد . الناظر لجغرافية البلاد العسكرية سيجد قوات للجيش السوداني وقوات للدفاع الشعبي وقوات خاصة وقوات للأمن وقوات للشرطة وقوات للحركة الشعبية وقوات مني أركو مناوي إلى جانب مليشيات الحكومة ، ويجد الخرطوم نفسها قلعة دون الوصول إليها كتائب من ذوي الأزياء الرســـمية وشلل من الإنتهازيين وقناصي الفرص مدسوسين بين الجميع ، ثم نقاط للتفتيش وأخرى للجباية . ولكن مخرجي المـسرحيات ، فطيرة العجن ، يغفلون كل ذلك أو يجهلونه فلا غرابة إذن أن يفوتهم أخذه في الحسبان ، ولا غرابة إذن أن تخرج مسرحياتهم هابطة المستوى ، بعضها يثير الضحك على رداءته وبعضها يستوجب الرثاء والسخرية . أكبر الظن أن المؤلفين والمخرجين أرادوا إستدرار العطف وطلب الشفقة أو شغل الناس وإبقاءهم بعيدا عن التفكير في عائدات النفط أو عن المحاسبة حول وجوه الصرف . ولكنهم أغفلوا أو لعلهم جهلوا أن للناس عقولا تميز . وما الغرابة أن يجهلوا أن للناس عقولا تميز وهم قد جهلوا هذا الواقع الذي أوجدوه في جغرافية البلد العسكرية .
قال محدثي إن السلطات منعت النشر حول الموضوع . ولا أدري لماذا ذلك إن كانت المسألة مؤكدة والحقيقة لا شك فيها . أتراهم في خوف أن تكشف مناقشة الأمر علنا سادية أهل القرار ، ولكــن فيم الخوف وقد قــيل إن صدقا أو كذبا أن " اللختشو ماتو " .
وبعيدا عن كل الوقائع والإفتراضات إن زعم المؤامرات ضد النظام وما يصاحب ذلك من نشر وإذاعة مضر بمصلحة البلد إذ فيه مدعاة للظن إن لم يكن التيقن بعدم الإستقرار وفي ذلك تنفير للمســتثمرين الذين بدأوا يتدفقون على البلد . أفلا تكفي دارفور والشرق والجنوب والشمال فرادى حتى نجمع إليهم السودان في دفقة واحدة ؟
إن القصة كلها تذكرني بالصبية في الشوارع يطاردون بعض البلهاء بالصياح ، الزول ياهو. . الزول ياهو . ولكن ماذا ، إن كانوا " يحسبون كل صيحة عليهم " .

السوداني – 30/10/2007

.

Quote: إنهم يتسمعون ويتجسسـون ويتتبعون

Quote: ويجد الخرطوم نفسها قلعة دون الوصول إليها كتائب من ذوي الأزياء الرســـمية وشلل من الإنتهازيين وقناصي الفرص مدسوسين بين الجميع ، ثم نقاط للتفتيش وأخرى للجباية

Quote: شغل الناس وإبقاءهم بعيدا عن التفكير في عائدات النفط أو عن المحاسبة حول وجوه الصرف . ولكنهم أغفلوا أو لعلهم جهلوا أن للناس عقولا تميز . وما الغرابة أن يجهلوا أن للناس عقولا تميز وهم قد جهلوا هذا الواقع الذي أوجدوه في جغرافية البلد العسكرية .