موت انتصار

موت انتصار


03-17-2006, 02:04 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=118&msg=1155169993&rn=1


Post: #1
Title: موت انتصار
Author: محمد حامد جمعه
Date: 03-17-2006, 02:04 PM
Parent: #0

عمر الامين .. شاب و(خريج ) ضجر من رق الوظيفة وبؤسها المقيم .. فتركها لا يلوى على حسب راتبها او جاه درجتها ومضى الى (السوق ) .. فتح دكان صغيرا .. تشاشة .. تجد عنده الشاى والبن والحلبة وكروت الشحن (موباتل واريبا ) وتجد لديه ايضا فى بعض الاحايين منزل للايجار او قطعة ارض فضاء الم بصاحبها كرب فاثر بيعها وتجد عنده يوميا (ملخص ) لاقوال الصحف وتصريحات نقد والترابى وطه والبشير وبرونك وصلاح ادريس والحاج ابو سوط وتضجرات هاشم صديق !
وصار دكانه فى السوق الامدرمانى العتيق ملتقى لثلة من رفاقه وزملائه فى زمن الطلب او رفاق الصبا بالحى وبعض من (افندية ) زاملوه فى مكان العمل ممن رضوا من الوظيفة بالدرجة (الرابطة ) وسلحفائية ظهور (العلاوات ) ورضوا لانفسهم بحياة الموظف بين (دفتر الحضور والانصراف ) وحل الكلمات المتقاطعة وقطع طول النهار ويوم العمل بالثرثرة والنميمة بما يدور بين رؤسائهم فى الاقسام وفلان متملق وفلان صاحب حظوة لانه من (نسابة ) المدير .. كلنا كنا نلتقى عند عمر الامين .. شيوعيون لا يزالون ثوارا واسلاميون من الفريقين واخرين ( مرضانين كوره ) .. نلتقى لا بصورة راتبة ولكن من حين لاخر .. نلتقى .. نتجمع ... ويحتوينا (ود الامين ) بقدرته الفذة على ادارة هذا الجمع الصاخب بالهموم المتقاطعة وبقدرته الغريبة على الاضحاك ولطم عبوس الاسواق ولؤمها بطرافة انيقة وروح لا تعرف الانكسار ..
جوار دكان صاحبنا هذا يوجد دكان (اتصالات ) تديره شابة ولنقل صغيرة وضيئة الملامح ... انيقة فى غير ما اسراف وصبورة ..عرفت فى منطقة دكانها وجواره بالحسم والحزم الكافيين لحمايتها من تفلتات بعض الزبائن .. دكانها به تلفونان احدهما اصيب بالسكتة جراء عطب اضاع الحرارة من المصدر (عمود سوداتل ) والاخر كان يمضى للحاق برفيقه والخروج من الخدمة جراء فاتورة طالت واستطالت حتى بلغت مبلغا كبيرا لا قبل لصاحبة الدكان بدفعه ، وكنا حين ننسجم فى مجلس صحابنا فى دكانه المجاور لها يسرقنا الزمن فيسارع بعضنا ممن يعانون شحا فى ارصدة جولاتهم بالاسراع الى (اتصالات انتصار ) لطمانة والدة او اب او ايضاح اسباب التاخير لمن يعانون من (حكومات قابضة ) فى منازلهم .. زوجات .. وكنت اكثر الحاضرين شقاء .. اذ ان الله كتب لى فى دفتر اصدقائى قوم شح بخلاء لا يستخدمون جولاتهم الا عبر (المس كول ) فضلا عن اخرين فشت بينهم اقتصاديات التقتير فى استخدام وسائل الاتصالات فكنت اضطر احيانا كثيرة للنهوض ودخول (كابنية ) الاتصالات والقول بضجر عبر اسلاك التلفون .. مرحبا معاى منو .. فياتى الرد فى الغالب .. انت زول وهم انت ضارب وتقول معاى منو .. فابتلع الرد لاوضح ... معليش بس فى زول عمل لى مس كول فى تلفونى .. انا محمد حامد ..فياتى الرد من هناك .. ها .. ايوه دا فلان .. هاك .. ثم اكتشف ان الموضوع .. مسالة بسيطة واحيانا كثيرة محض ثرثرة !
دخولى وخروجى وخروج اصدقائى عرفنا على (انتصار ) .. وقصتها .. تركت الجامعة بعد وفاة والدها .. من الفرقة الثانية باحد كليات القانون ببلادنا .. وشالت الشيلة فى غياب شقيق اكبر لتعول اخواتها البنات الموزعات بين الجامعة والمدارس الثانوية ..وعز نصيرها الا من اقارب لها بالخارج يمدونها ما تيسرت احوالهم واستطابت وطابت ... كانت (انتصار ) رمزا نسويا مشرفا .. على صغر سنها .. وقلة تجربتها فى الحياة ... احبها جيرانها فى السوق .. كانت (شيخة ) جعلت من دكانها (مصلى ) كلما يفرغ من الزبائن حين حلول فرض تدخله احد النساء العاملات فى السوق ..بائعة كسرة ..بائعة شاى .. لاداء الصلاة .. كانت (مجاملة ) وست واجب .. اذا الم باحد زبائنها خطب .. تفقدته عبر التلفون فان كان الخطب كبيرا مضت اليه وعادته بعد ان تصطحب امها معها ..
كلما نجتمع فى دكان (ود الامين ) تخرج الينا باشة ضاحكة باسمة وتبدا السلام بالعم (حمدان ) كبير مراجعى احد المؤسسات الخاصة .. (عم حمدان ازيك ) فينهض عم حمدان وغبطة تضى وجهه اهلا انتصار المبروكة .. عروس ولدى .. فتضحك .. وتحرص على مصافحة الجميع .. استاذ محمد كيفك ..حاتم كفارة قالو غلبوكم امبارح .. صديق .. امك بقت كيف .. وهكذا لكل واحد منا تحية وسؤال .. صارت (اخت الجميع ) ..
انتصار .. كانت (امينة ) نسى احدهم ذات شنطة كبيرة داخل دكانها فحفظتها ولما تاخر الرجل فى العودةتسارع لفتح الشنطة لكنها صبرت وسكتت حتى جاء نفس الرجل بعد نحو (15 ) يوما وجلس وقال بنفس مقهور (يا بتى لى شنطة فقدتها فى السوق ما عارف وين ) .. وسافرت الجزيرة وجيت راجع لظرف كدا .. وما عارف غايتو .. لم يكن الرجل يحدثها لانه يعلم او يتذكر انه نسيها هنا ..لكنه تحدث ربما ليفك عن نفسه ضائقة الم الفقد واضراره .. صمتت ..وقالت شنطتك فيها شنو ..؟ فقال ..بها ارواق منزل .. واوراق ثبوتية .. و(45 مليون جنيه كاش ) .. فصمتت .. وقالت انتظر دقائق .. وعادت ومعها عدد من الرجال من جوارها .. واخذت بعض بيانات الرجل وقالت لقد نسى احدهم شنطة هنا .. واعلم انه انت ..ولكن دعنى اولا اقارن بين قولك وما بداخلها وفتحت الشنطة وتطابقت افادة الرجل مع ما بداخلها ... كان موقفا عصيبا .. اصرت فيه على صاحب الشنطة ان يعد النقود التى بداخلها (جنيه يطق جنيه ) فكان المبلغ كاملا .. ليصر على ان يمنحها مبلغ كبير .. كبير .. لكنها رفضت بحسم .. وقالت (لا ) ولا جنيه يا حاج ... واصر الجميع لكنها رفضت ... ورفضت .. ثم رفضت .. الى حد انها يومها اغلقت دكانها باكرا .. وذهبت الى المنزل ..
بالجملة كانت (انتصار ) سودانية اصيلة .. ورمز مشرف لانسان بلادنا .. ونساء وكريمات بلادنا ... واهل بلادنا .. الغبش والعامة .. ملح الارض .. معسرين وطبعهم جميل .. وصبرهم جميل ..
غبت فترة عن مجلس (ود الامين ) وغبت عن (انتصار ) وغاب جمعنا لعلة المت بوالدة صاحبنا اضطرته للسفر الى (الشمالية ) ...حتى كان يوم امس ورايت ان ابر (البارة انتصار ) بزيارة تفقدية .. وحين دلفت الى شارع دكانها لاحظت صمتا مريبا لا يتسق مع ضوضاء السوق عادة فقلت فى نفسى لعلهم (ناس المحلية ) بفظاظتهم المعهودة وهوان الناس عليهم فيضطر غالب من فى السوق الى اغلاق متاجرهم او فتح ابوابها خلسة حتى وقفت امام دكان انتصار .. كان مغلقا .. استغربت .. ثم تلفت يمنة ويسرة وسالت بائع متجول كان يتخذ من احد ظلال الاشجار صالة للعرض .. اسمع انت انتصار يا ود الحبوب الليلة ما اشتغلت ولا شنو .. صمت ود الحبوب .. ارخى نظره الى الارض .. ثم جال بعبنه .. ثم نظر الى والم عظيم يكاد يقفز من ملامح وجه .. الدوام لله يا ابنى .. انتصار توفت ليها يومين .. ...
أأأ ... صحت .. ثم ..شنو .. جلست على حجر ضخم .. امسح وجهى .. حينا .. ثم انهض لاعود واجلس .. لا حول ولا قوة الا بالله .. لا اله الا الله محمد رسول الله .. ومضيت ... بعيدا عنه اكمل الشارع ثم اعود اليه .. والرجل يمسح بطرف عمامته دمعات تطفر منه كلما وقفت امامه ... وامضى عنه .. ثم اعود .. سخونة قاسية تلفح وجهى .. ماتت انتصار .. انا لله وانا اليه رجعون ... كان يوم امس يوما قاسيا ... زادت قسوته حين نقلت النبأ للعم حمدان وود الامين ... وذهبنا جميعا الى (ام انتصار ) .. وزال عجبى عن سر قوة وجسارة وشموخ انتصار وجدنا اما امة من الصبر ... والجلد ... مسحت دموعنا بصبرها الجميل .. انتصار عافية منها ... جات من دكانها نامت .. صحت قالت عندها قبضة وبعد شوية توفت .. الله يرحمها .. بت مبروكة ... كان انتو اخوانها وبتعزوها .. كترو ليها من الدعاء .. ففعلنا كلنا ..سنفعل .. لها ولكل اموات المسلمين ... وها انا ارجو منكم زوار هذا البوست ان ...تدعو لانتصار ... بالرحمة ... والقبول ...
مضت انتصار ... لم ينعها كبير .. ولم يتملق روحها دعى باعلان كذوب فى الصحف ولكن يبقى العزاء فى ان من عرفوها .. احبوها ..لوجه الله ... وغسلوها بدموعهم ودعواتهم .. فشارك بالدعاء .. فتاة تقية وسودانية ... بت بلد ... ومسلمة ودودة .. وعفوا (انتصار ) ان نشرت اسمك .. هاهنا .. فقد عرفناك ... تؤثرين الصمت ... حتى فى رحيلك

Post: #2
Title: Re: موت انتصار
Author: omer almahi
Date: 03-17-2006, 03:47 PM

اخي محمد تحية واحتراما

اتضرع الى الله ليغفر لإنتصار ويرحمها ويحسن إليها

والله لوكنت اعلم خاتمة هذه الحكاية المؤلمة لما قرأتها



شكرا لك اخي

Post: #3
Title: Re: موت انتصار
Author: Yassir Tayfour
Date: 03-17-2006, 08:54 PM
Parent: #2

رحمها الله رحمة واسعة، واسكنها مع الصديقين والشهداء




انا لله وانا اليه راجعون