الأستاذ محمود والموت.. إلى جني مع الشكر

الأستاذ محمود والموت.. إلى جني مع الشكر


01-18-2003, 02:44 AM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=11&msg=1207677643&rn=0


Post: #1
Title: الأستاذ محمود والموت.. إلى جني مع الشكر
Author: Yasir Elsharif
Date: 01-18-2003, 02:44 AM


تجدون أدناه الفقرة الأولى من الفصل الأول في كتاب "القرآن ومصطفى محمود والفهم العصري". وفيه يرد الأستاذ محمود على رأي الدكتور في مسألة الموت. ومنها يتضح أن مواجهة الموت بما يستحقه تقتضي أن يكون الإنسان موحداً. والتوحيد لا يدرك بالقراءة وإنما بالممارسة في التأدب مع الربوبية وذلك لا يأتي إلا باتباع النبي محمد صلى الله عليه وسلم. "قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله".. فيكون الموت أحب غائب إلينا، ولا نحتاج أن نخاف منه.. وهذا ما ظهر في مثل هذا اليوم قبل ثمانية عشر سنة..
"ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله وهو محسن واتبع ملة إبراهيم حنيفا، واتخذ الله إبراهيم خليلا"
"ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أمواتا بل أحياء ولكن لا تشعرون"




الفصل الأول

لا إله إلا الله

ليس هذا أول فصول الكتاب، ولكنه الفصل قبل الأخير، ونحن إنما قدمناه، فجعلناه أول فصول الرد على الدكتور مصطفى، لأنه فصل مخصص للحديث عن الكلمة، (لا اله الا الله).. وهذه هي كلمة التقوى، وانما يجيء اتقانه لباقي الفصول بسبيل من اتقانه لهذا الفصل، وانما يجيء اتقانه لهذا الفصل بسبيل من اتقانه للتقوى.. والتقوى علم، وعمل بمقتضى العلم.. فهي، في أول الطريق، علم بالشريعة، وعمل في العبادة.. وهي، في وسط الطريق، علم بالحقيقة، وعمل في تصحيح العبودية.. وهي، في أخريات الطريق، فناء عن العلم، وبقاء بالحياة – الحياة الحية، الواسعة، الرغيدة – حياة الله، التي تنزهت عن ان تؤوفها آفة، أو ينقصها منقص..
و(لا اله الا الله) هي هادية التوحيد.. والتوحيد هو العلم اللدني، الذي يؤخذ من الله مكافحة.. فهو لا يعلمنا اياه النبي، الا في معنى انه فاتح بابه، وقدوة السلوك اليه.. ولقد قال النبي في ذلك: (إنما أنا قاسم، والله يعطي، ومن يرد الله به خيراً يفقهه في الدين.. ولا تزال هذه الأمة قائمة على امر الله، لا يضرهم من خالفهم، حتى يجيء أمر الله.) اراد بقوله (انما انا قاسم) انه معلم الشريعة، ومعلم الطريقة، وقدوة السلوك.. وأراد بقوله: (والله يعطي) ان الله هو الذي يعلم حقائق الدين، لا أنا.. وهذا هو معنى قوله تعالى: (واتقوا الله، ويعلمكم الله)..
والتوحيد علم ذوق، فهو لا يدرك بالقراءة.. ومعنى (علم ذوق) انه انما يجيء عن طريق الممارسة، والتجربة في العبادة.. فمن التمسه عن غير هذا الطريق سقط على الدعاوى، وتخبط في متاهات الجهل.. ونحن نتهم الدكتور مصطفى محمود بأنه اعتمد على القراءة في تحصيله للتوحيد.. وليس معنى هذا ان الدكتور لا يعبد، ولكن معناه انه لم يتقن العبادة حتى يدخل بها مداخل العبودية، اذ ليست مرحلة العبادة مرحلة تذوق الحقيقة، وانما هي مرحلة اعداد لهذا التذوق.. هي مرحلة عقيدة، في حين ان مرحلة تذوق الحقيقة مرحلة علم.. ولا يستقيم الحديث لمتحدث عن اصول الدين قبل اتقانه مرحلة العلم هذه.. ذلك بأن الإسلام يقع على مرحلتين: مرحلة الإيمان، ومرحلة الايقان... فأما مرحلة الإيمان فلها ثلاث درجات: الإسلام، ثم الايمان، ثم الإحسان.. واما مرحلة الإيقان فلها ثلاث درجات، ايضا: علم اليقين، ثم علم عين اليقين، ثم علم حق اليقين، وبعد حق اليقين يجيء الإسلام، الذي هو دين الله، الذي لا يقبل غيره.. قال تعالى: (ان الدين عند الله الاسلام).. وقال تعالى: (ومن يبتغ غير الاسلام دينا فلن يقبل منه، وهو في الآخرة من الخاسرين) ولا يشم أحد شميم معرفة اصول الدين قبل ان ينزل أدنى منازل الإيقان، وهي منزلة علم اليقين..
فمرحلة الإيمان مرحلة عقيدة، ومرحلة الإيقان مرحلة علم.. ويتضح من كلام الدكتور مصطفى انه لم ينزل هذه المنزلة.. وخير ما يكشف لنا ذلك منه حديثه عن هذا الفصل، (لا اله الا الله).. ثم حديثه عن الفصل الذي يليه، وعنوانه (مخير أم مسير).. فلنأخذ في استعراض حديثه عن (لا اله الا الله).. وأول الدلائل على ان الدكتور مصطفى لم يرح رائحة اليقين قوله من صفحة 240: (لا اله الا الله.. اذن لا معبود الا الله..
(ولن يعبد بعضنا بعضا.. ولن يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً ولن نقتتل على شئ وقد ادركنا أنه لا شئ هناك..
(ولن يأخذنا الغرور وقد ادركنا اننا خيالات ظل تموج على صفحة الماء..
(ولن نفرح بثراء ولن نحزن لفقر ولن نتردد أمام تضحية ولن نجزع أمام مصيبة فقد أدركنا ان كل هذه حالات عابرة..
(وسوف تلهمنا هذه الحقيقة ان نصبر على أشد الآلام.. فهي آلام زائلة شأنها شأن المسرات..
(لن نخاف الموت.
وكيف يخاف ميت من الموت؟؟)
انتهى حديث الدكتور مصطفى.. وأنت، حين تقرأه، يخيل إليك أنه يمكنك تحصيل هذا الادراك في جلسة واحدة، أو في أيام قلائل، بعدها تملك الصبر على (أشد الآلام)..
وما هو هذا الادراك؟؟ هو ادراكنا (اننا خيالات ظل تموج على صفحة الماء)!! وهل نحن حقا خيالات ظل؟؟ ام هل نحن خلائف الله في الأرض؟؟
و(لن يخاف ميت من الموت) يقول الدكتور، ثم يردف: (وكيف يخاف ميت من الموت؟؟) فهل رأيت كيف يرى الدكتور انتصارنا على الخوف من الموت؟؟ هو يراه في اليأس من الحياة، وفي اليأس من القدرة على الفرار من الموت.. (وكيف يخاف ميت من الموت؟؟).. والحق غير ذلك.. فإن انتصارنا على الخوف من الموت انما يجيء من اطلاعنا على حقيقة الموت، ومن استيقاننا ان الموت، في الحقيقة، انما هو ميلاد في حيز جديد، تكون فيه حياتنا اكمل، وأتم، وذلك لقربنا من ربنا.. وبالموت تكون فرحتنا، حين نعلم ان به نهاية كربنا، وشرنا، وألمنا.. قال تعالى عنه: (لقد كنت في غفلة من هذا، فكشفنا عنك غطاءك، فبصرك اليوم حديد).. وانما بالبصر الحديد ترى المشاكل بوضوح، وتواجه بتصميم..
وعندما إشتدت بالنبي غصة الاحتضار، وقالت السيدة فاطمة البتول: (وا كرباه لكربك يا أبي!!) أجابها المعصوم: (لا كرب على ابيك بعد اليوم).. وقد سمى الله، تبارك، وتعالى، الموت (اليقين) فقال: (واعبد ربك حتى يأتيك اليقين) و (اليقين)، أيضا، العلم الذي لا يكاد يكون فيه شك، والذي به تتكشف الحقائق المستورة وراء الظواهر.. وانما سمي الموت اليقين لأن به اليقين، ولأن به يتم اليقين الذي يكون قد بدأ هنا عند العارفين، وانما يكون بدؤه بالموت المعنوي الذي هو نتيجة العبادة المجودة.. وعن هذا الموت المعنوي قال المعصوم (موتوا قبل ان تموتوا).. وقال عن ابي بكر الصديق: (من سره ان ينظر الى ميت يمشي في الناس فلينظر الى ابي بكر) هذا هو اليقين الذي باطلاعنا عليه، لا نتحرر من خوف الموت فحسب، وانما به قد يكون الموت أحب غائب الينا..
وما هو الإدراك الذي به توصل الدكتور الى مثل هذا القول الذي قاله: (وكيف يخاف ميت من الموت؟؟) ؟؟
انه من غير شك الادراك الذي تعطيه العقول لحقيقة الموت – الادراك الذي يعطيه النظر – وهو ادراك قاصر، ومخيف.. فان الموت، كما يعطيه النظر العقلي، هو، عند اكثر الناس، نهاية، به تنقطع الحياة، وتسكن الحركة، ويتصلب البدن، ويعود الى تحلل، ونتن، ويستحيل الى تراب.. الم يقل الدكتور نفسه في صفحة 237: (أين كل هذا؟ تحت الردم.. انتهى.. اصبح ترابا.. كان حلما في مخيلة الزمان وغداً نصبح، انا وانت، تحت الردم..) ان هذا هو الموت كما يعطيه نظر العقول غير المرتاضة، ولكن الموت، كما تعطيه حقائق القلوب السليمة، والعقول الصافية، فهو شئ يختلف اختلافا كبيراً.. ولا عبرة بالعقول غير المرتاضة بأدب القرآن فان علمها ليس بعلم، لأنه يقف عند الظاهر، ولا يتعداه الى بواطن الأمور.. وقد قال تعالى في ذلك: (وعد الله، لا يخلف الله وعده، ولكن اكثر الناس لا يعلمون * يعلمون ظاهراً من الحياة الدنيا، وهم، عن الآخرة، هم غافلون) فهم لا يعلمون اللباب، وانما يعلمون القشور، (يعلمون ظاهراً من الحياة الدنيا) ولا يكون بعلم القشور تحرير من الخوف.. هذا هو مبلغ علم الدكتور، وهو به يظن انه (لن يخاف الموت..) ويقول، فيما يشبه البداهة، (وكيف يخاف ميت من الموت؟) ألا ترى انك قد هونت صعباً، وأرخصت عزيزاً؟؟ إني لأرجو أن تحدث مراجعة لأمرك هذا..


Post: #2
Title: Re: الأستاذ محمود والموت.. إلى جني مع الشكر
Author: jini
Date: 01-18-2003, 10:11 PM
Parent: #1

شكرا يا صديقي