ثقافة التعالى , والغطرسه الفكريه !

( ولا تمشِ فى الأرضِ مرحاً إنك لن تخرق الأرضَ ولن تَبلُغَ الجبالَ طولا )
صدق الله العظيم


( أعظم مفكري هذا العالم كان رجلاً متسامحاً, مسالماً, متواضعاً وبسيطاً... ثم كانت لغته سهله, ومفهومه وغير معقده.. ولكنها عميقه , ومدهشه .. ومؤثره فى نفس الوقت .)

ومن قبل كان المسيح عليه السلام, حينما تجلى قائلاً :
( من لطمك على خدك الأيمن فأدر له خدك الأيسر )... ليس جبناً بالطبع , ولا ضعفاً! ولكنها
أنوار المحبه , وفضيلة السماح .. وقوة منطق الحق والجمال والإخاء والتسامح !

وحتى فى هذه العصور الحديثه, كان ثمة أناسٍ قد أناروا هذه الدنيا بأنوار مبهره وخلابه
ومدهشه.. إلى أن أشرقت بها الأرض .. ثم تغنت طرباً وفرحاً.. ثم ربت وأينعت ردحاًطويلاً من
الزمان ! ... فكان أن إنبلجت من بثهم تلك الإشعاعات الشفيفه, التى سرعان ماسطت وسطعت
بأضوائهاالتى غمرت مشارق الأرض ومغاربها, وطغت بتلك المعانى الجميله والقيم النبيله!
فكانت ثقافه حقيقيه ملتصقه بحياة الجماهير, ومتفاعله مع آمالهم وتطلعاتهم , وهمومهم
وحاجات عصرهم... وكان ثمة مثقفين حقيقيين , ليسوا بمعزلٍ عن الناس ! ولم تك ثقافتهم
ثقافة مبتذله ولا فاحشه ولا بذيئه , ولا أضغاث أحلام !
وما غاندى أو مارتن لوثر كنج , ورفاقهم , عنك ببعيد ! خلى عنك ذاك السراج المنير
أو ذلك القبس الكبير !!!

( فخلف من بعدهم خلف ) ضاعوا فأضاعوا كل شىء ! فكان ما كان, فى هذا الجزء من العالم
فى هذا الوقت من الزمان المنحدر !

ولعلها من أكبر مصائب وآفات هذا الجزء من العالم ! هذه الأنفه ! وهذا الكبريا ! وهذا
التعالى ! ... وذلك النمط لتلك الثقافه المدعيه المتعاليه , عديمة الجدوى . والتى لا
طائل منها ولا منفعه ولا أى فاعليه !!! هى فقط مجرد( فتونه) معرفيه ! وإستعراض للعضلات
والقدرات بلا أى داع ولا معنى ! ... أو لعلها ظاهره من ظواهر الصلف الفكرى والعنجهيه
المعرفيه الجوفاء التى وصلت بنا إلى حد التنابز بالألقاب ! والتلاعب بالألفاظ !والتدنى
السلوكى المريع !

هذه الأنفه الفكريه المفتعله, والغير مبرره , جعلت الثقافه فى وادى والناس فى وادى !
وأخشى ماأخشاه,أن تكون هذه العبارات قد إنطبقت فعلاً على الفئه الغالبه على هذا الجزء
من هذا العالم !

فما الفائده إذاً من هذه الثقافه, ومن كل هذه المعارف الكبيره , والثوره المعلوماتيه
الضخمه , إذا كانت بعيده كل البعد عن أرض الناس ! وعن الحاجات الملحه , وعن ملامسة
واقع الحال المعاش !

فهل هذه ثقافه كسيحه ؟! تعشعش فقط على رؤوس حامليها, ولا تلامس عصب الحياه , أو تمس
حياة الجماهير , ولا مشاكل الشعوب ؟! ... وظلت عاجزه عن مقابلة أبسط الحاجات , وأدنى
متطلبات الحياه .. فلا هى أسمنت ولاهى أضحكت ولا هى أغنت من جوع ! .. ولطالما فشلت فشلاً
ذريعاً فى الوصول إلى عامة الناس , والنهوض بالأمم, والأخذ بأيدي هذه الأجيال الجديده ,
ووضعها فى سلم الترقى خلف أمم راقيه وذوات ثقافات وإنجازات حقيقيه !

فيا أيها الناس , للبلد دى حاجات مُلحه ! وللناس حاجات أكثر إلحاحاً ! فى بلد لو مسكت
فيها طبشيره فى تحت شجره لمساعدة البسطاء من الناس , لكان خير لك من إضاعة الجهد فى
بحوث لا تمت للحياه ولا للواقع بصله !

فبربك قل لى ماذا إستفاد الناس من ثقافة الوجاهه والتبجح هذه, من مثقفين متعالين عن
الناس , فى منطقه تعج بالمثقفين , وتُعانى من أُمية المتعلمين , وتكتظ بملايين الفقراء
والبسطاء من الفلاحين , والحدادين , والنجارين , والبناءين , والعمال, وبائعى الهواء
والماء بالقرب من مجرى النيل العظيم !
هؤلاء البسطاء الذين لم تشرق عليهم بعد, شمس هؤلاء المثقفين! ولم تهب عليهم نسمات هذه
الثقافه ! التى لم يجدوا لها ريحاً ولا رائحةً ولا لوناً ولا طعم !! ولقد عجزت عن النزول
إلى أرض الناس .. فلم تحرث حقلاً , ولم تؤسس مدرسة عصريه , ولم تُشيد حديقة أمام مدخل
بيت !!!

هذا النمط من المثقفين , هو أشبه بلاعب كرة قدم فى دافورى! حريف جداً ومتمكن إلى درجه
تلتصق معها الكره بأقدامه إلتصاقاً, من شدة حذقه وحرفنته ومهارته العاليه! ولكنه على
الرغم من حرفنته , لا يدور إلا حول نفسه ! ( يحاور الجن الأحمر , ويجرك فى طشت ! )لكنو
لا يمرر باص , لا يحرز هدف , ولا يشارك فى صناعة الأهداف ! ولا فى البناء الخططى , ولا فى
التكتيك الجماعى ,لهذه المهارات الجماعيه المؤتلفه , وتلك اللوحات الجماليه البديعه
المشتركه, فى سبيل تحقيق الهدف , وتحقيق تلك الغايه الكبرى , المتمثله فى إسعاد تلك
الجماهير الغفيره الحزينه والمغلوب على أمرها !

up