الرئيس لا يحاكم الرئيس

الرئيس لا يحاكم الرئيس


06-12-2002, 11:59 AM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=1&msg=1023879572&rn=0


Post: #1
Title: الرئيس لا يحاكم الرئيس
Author: Al-Masafaa
Date: 06-12-2002, 11:59 AM

Dr. Abdulatif Alboony
Rayaam newspaper


جاء في صحيفة «الوطن» الغراء الصادرة بتاريخ 9 يونيو 2002م ان شخصية قومية سعت لاجراء صلح بين الرئيسين السابقين جعفر نميري والصادق المهدي وان الأول وافق بينما تحفظ الثاني اذ قال :«انه عاف عن نميري في كل ما لحق به من اضرار شخصية ولكنه لا يعفو عن اشياء هي ملك للشعب السوداني إلا اذا اعتذر للشعب عنها مثل قوانين سبتمبر وقتل شيخ فوق السبعين وفظائع الجزيرة ابا وودنوباوي وبعد ذلك يمكن للصادق ان يطبع علاقته مع نميري» .. واختتم بالقول :«اذا تحقق ذلك فانا سأكون اسعد الناس».

قبل ايام معدودة كنا مع الفنان الكبير محمد وردي فسألته عن سر العداء بينه وبين النميري وما هو شكل العلاقة بينهما الآن فقال لنا :«ان النميري استدعاه ذات مرة الى مكتبه فقال له : انت ليه بتكرهني؟ فقال له وردي : انت حاكم ومن ح
أي مواطن ان يحب الحاكم أو يكرهه ولكن انا الذي اسأل : انت ليه بتكرهني؟» وقال وردي : انه عندما كان بالقاهرة ذهب لزيارة الراحل المقيم سيد خليفة وهو على سرير المرض فوجد عنده النميري فمد النميري يده لمصافحة وردي ولكن وردي احجم فلم يمد يده للنميري وجلس على الكرسي وبعد تلك الحادثة حدثت مناسبة عزاء لوردي اذ توفى خاله بالقاهرة وكان وردي يستقبل المعزين فجاء نميري لاداء واجب العزاء وقابله وردي وتقبل منه العزاء بل وجلس معه وتحادثا حديثاً ودياً.

بعد قراءة افادات الصادق وافادات وردي يمكن ان نتكهن انه اذا حدثت أية مناسبة اجتماعية للسيد الصادق كرهاً ــ لا قدر الله ــ أو فرحاً بدون تهتدون ــ وجاء النميري مشاركاً فان الصادق سوف يستقبله ويجالسه بل واذهب الى اكثر من ذلك الى القول بانه اذا حدثت مناسبة اجتماعية للنميري فسوف يبادر الصادق بالذهاب الىه لان هذه هي الاخلاق السودانية فالمشاركات الاجتماعية هي التي تطفئ حرائق الخصومات علىه تبقى مطالبة الصادق للنميري بالاعتذار عن سياسات اتخذها عندما كان حاكماً لا مكان لها من الاعراب.

فوق هذا وذاك ان العلاقة بين الرئيسين السابقين على المستوى الشخصي امر يهم الرجلين فهما ابناء مدينة واحدة بل وربما حي واحد وطائفة واحدة على الاقل من حيث الابعاد الاسرية وهي لا تهم الشعب السوداني كثيراً ولكن يبقى الجانب الموضوعي في هذه العلاقة المتمثل في بعض سياسات نميري «الرعناء» التي اتخذها وهو حاكم «عام» للسودان فهل المطلوب منه الاعتذار عنها واظهار الندم علىها، واذا لم يفعل ذلك هل يقاطعه الشعب اجتماعياً؟ واذا فعل هل يفتح الشعب له احضانه؟.

في تقديري انها ليست هي القضية، فالقضية قضية توثيق ومحاكمات تاريخية فالذي يجب السعي نحوه هو معرفة الملابسات التي ادت الى تلك السياسات فالنميري عندما فعل ما فعل لم يكن قاطع طريق انما كان حاكماً للسودان وبدستور مهما كان رأي الناس فيه فان كان هنالك قطع طريق فهو انقلابه على النظام الديمقراطي وبعد ذلك جاءت الشرعية الثورية والشرعية الدستورية والشرعية الفلانية والشرعية الفرتكانية .. وكل الشعب السوداني بمن فيهم الصادق المهدي صاحب النميري في احدى هذه «الشرعيات» ولكن حتى لا تمر التجاوزات دون أى توقف لابد من نوع من المحاكمات فان تعذرت المحاكمات القضائية فلابد من المحاكمات التاريخية حتى يعلم الذين يحكمون البلاد والذين يحلمون بحكمها ان التاريخ لا يرحم وان هنالك ثمناً لابد من دفعه وفي تقديري ان المحاكمات التاريخية انجع من المحاكمات القضائية لان هذه الاخيرة يمكن النفاذ منها بالحيل القانونية اما التاريخية فتخاطب العقل الجمعي، فالنميري عندما كان حاكماً لم يحمل رشاشه ويعمله في الانصار ولم يحاكم الشيخ فوق السبعين ولم يصغ القوانين انما كان هو «الباصم» أو «الشايل» وجه القباحة اذاً لابد من تسليط الضوء على الفاعلىن الحقيقيين أولئك الذين يجلسون خلف الكوالىس ويحكمون من خلال الرؤساء ويفعلون الافاعيل ثم يخرجون منها كالشعرة من العجين.

ان تاريخ السودان الحديث يتحدث عن تجاوزات الحكام كافراد ولكنه لا ينظر للرجال الذين حول الرئيس الامر الذي جعلهم في مأمن ويعيدون انتاج انفسهم أو يستنسِخون أو يستنسَخون مع كل رئيس فيا سيادة «الرئيس» نميري هل يمكن ان تفضفض؟ ليس لارضاء «الرئيس» الصادق انما رحمة بتاريخ السودان وحماية لمستقبله.