بدر بن عبدالمحسن : صعوبة التكهن بنهايات القصيدة

بدر بن عبدالمحسن : صعوبة التكهن بنهايات القصيدة


05-01-2002, 12:56 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=1&msg=1020254168&rn=0


Post: #1
Title: بدر بن عبدالمحسن : صعوبة التكهن بنهايات القصيدة
Author: خالد عويس
Date: 05-01-2002, 12:56 PM

بدر بن عبد المحسن
صعوبة التكهن بنهايات القصيدة ..
الرياض : خالد عويس . (نشر بجريدة الزمان اللندنية)
قال عنه الناقد الدكتور فهد العرابي الحارثي [ ويظل الشيء الذي يدهشني ويغريني في تجربة بدر هو أنه بقدر ما يبدو متمكناً من أدوات حبه فهو ، في الوقت نفسه ، متمكن كل التمكن من أدوات شعره ، وهذا وضع يريحه بطبيعة الحال ، فالبوح عندي وعنده هو منتصف المغامرة ، وبعض العلاج ، ولافرق بين الشعر كتجربة انفعالية ابداعية لا تقبل الاجترار والتكرار ، وبين الحياة كممارسة وفهم وطموح وتحوّل نحو الأجمل والأمثل ] .
إذن فإن بدر بن عبد المحسن مزج في تجربته بين دفء الحرف الذي يرتاد مغامرة العاطفة الانسانية والنزوع الخالص لتأسيس درب للحداثة السعودية عبر نفاذه العميق في كنه المفردة العامية وتعميق دلالاتها إذ يعمد الى تفريغ محتواها العادي وشحنها بطاقات دلالية تبعث فيها حيوية رمزية تستمد اتساعها من هوامش ومتون المعنى الذي غالباً ما يتسم بالانقلاب على الظاهر ويستبطن هامشاَ لمناورات الشاعر حول معاني بعيدة تتسع باتساع آفاق المتلقي ، إذ يحيلها واحد إلى معانيها القريبة .. وآخر يبحث في موقعها بين المفردات الأخرى الواقعة خلالها وعدم "انسجامها" فى لحظة التلقى الاولى فى سياق القصيدة ، ثم العثور على رنينها واصدائها لاحقا، وفي جوهرها تبدو تجربة بدر غنية بتماساتها المباشرة مع البيئة وانفتاحها على التجريب الإنساني وكأننا نلمح في قصيدته ارتباطاً وثيقاً بالجذور تتخلل تعاريج لغته ، وأصداء تبعثرها ذاكرة متخمة بالتدقيق الرمزي الذي ينبىء عن قريحة تلاقحت مع الشعر الأوربي والعربي المعاصر بحميمية لم تفسح مجالاً لإختلاف فهم جدل الأصل والعصر ، المانع للتجاوب الوثيق مع حفريات رامبو ، بودلير ، لوركا الشعرية ،و تكوينات السياب ، عبد الصبور ، درويش ، فيتوري وغيرهم إذ تتلاقى التجربة في فضاء عريض تتشكل فيه معالم إكتشاف أحاسيس جديدة تتضمنها القصيدة تعّرى الأغراض القديمة و تخاطب عصرها بتوافرها على الذات / الكون ، وغير خافي أن بدر بن عبد المحسن ـ بالذات ـ أحدث نقلة كبيرة في الشعر النبطي السعودي وقاربه كثيراً من الإتجاهات العصرانية للشعر العربي ، ويمكن وضعه ضمن قائمة شعراء دلفوا من باب الشعر باللغة الدارجة إلى منطقة وسطى بين العامية والفصحى ...
أول الرمل وأطراف العذاب
وين تسجع زهور من سحاب
سدرة للمحبة والوفا
أكثر أوراقها حلم وثواب ..
ويكثر بدر من غزله لتضادات المفردات وسياقاتها الرامية لاحداث خلخلة في البناءات القديمة دون اخلال بالوزن وإن تجرأ على القافية ـ كدأب كل شعراء الحداثة ـ احيانا
احملي اللحظة حجر
وطوحيها في المدى
تصبح الساعة دقيقة
غيري الزمن الحقيقة !!
ويعنى الشاعر عناية فائقة بالزمن حيث يوظفه كطاقة ابدية لاتحد ويمنحه امتداداً لا نهائياً بحيث يصعب وضعه بين فاصلتين ولعل هذا مايجعل تجربته أكثر عمقاً من حيث جعله زمناً مبهماً هلامياً لا نهائياً يتأرجح على حدود الكون ..
مالنا وقت .. وقتنا دائماً يجي
الزمان اللي يروح !
ويبدو بدر ممعناً في التفكير بفلسفة الزمن ، قلقاً ازاء تفسيره شعرياً ، وعلى العكس تلوح قلة عنايته بالسمات المكانية :
أرفض أني أموت في قلبك
مادرى بموتي أحد .. حتى أنا
...............................................

مثل البكا... حبيبتي تحتاجني ... تحت الظلام
ومثل الفرح ... حبيبتي أحتاجها ...وسط الزحام
الحب علمها السكوت
والحب علمني الكلام !!
ارفض الصمت .. الحوار

يجترح مفردات " العطش" ، وانتبه" ،"انا " و " الحوار" من غبار اللغة ليموقعها حيث يستعصي وضعها:
أجمل العمر طفل من غلاه
قمت اضمه لصدري واختنق
باقي العمر لو عمره يطول
ما يجي سطر "في ذهن الورق"
..................
وتضحك في عيوني "عبرتي"
.....................
سيل الظلام
يملي الشوارع "ليل "
..................
لا تشد القيد
تجرح يدي .....
أو تجرح "القيد"

إذ أن الروح الباحثة لا تهدأ على معلوم حصري وإنما تشرئب [بشعرها] بحثاً عن مجهول غير محدود :
أعلق الدنيا على مسمار
مدقوق فيه جدار
وتسكن في ساسه الريح
من له سنين يطيح
ولجل الليالي قصار
يذبل ورا صدري الشجن
أشقق أوراق الزمن ... وأنام
وتبلغ جرأته الشعرية نهايتها القصوى ليس بنيته تعليق الدنيا على مسمار وإنما بإبدال أدوار المسمار والجدار ...!!
جرأة بدر لم تقتصر على تفجير فعل الدهشة خلال قصيدة او قصيدتين ، هي دهشة تستقر في أركان معظم قصائده التي لا يمكن التكهن ببدايتها أو نهاياتها أو ركضه بين ضفتيها .. فبدر يؤسس من خلال القصيدة لمفاهيم جديدة لفض بكارة اللغة والشعر معاً :
لوشربت أظمأ لحبيبي ..." وللعطش "!!
...............................................................
جرح ينام وجرح شعر بي .. "وأنتبه "
.........................................................
أعرف أنا نفسي ...
بس .. ودي تقول ...مين "أنا"
......................................................
أبعد عن عيوني "باأشوف"
.....................................................
إن طحت باوصيك
لا تمدّ لي يد ..... ولا تنتظرني
رح !!
( السفح مثل الردى راحة)
......................................................
آه ياطول المسافة بين إحساسي (وصوتي )
غرائبية سبكه للغة جديدة تحاور نفسها ودلالاتها ، وتنفرد بجرسها الموسيقي وقالبها الدرامي يجعل من النص مسرحاً للتخييل وتوليد الرغبة في تفحص المفردات من جديد واحالتها إلى حالة متفجرة من التساؤلات وقدر غير يسير من محاولة سبر الأغوار ، ولم تقتصر تجربة بدر على الأقتراب بقدر من الاحالات الفلسفية ، وإنما حررت المرأة من ثوبها الداجن إلى حالة إنسانية عاصفة هي أصل العطاء الروحي / الشعري الدافق .. والحب من شراك الغزل الممجوج إلى زهو إنساني يحتفي بالجراح ويستعذبها :
أبعتذر عن كل شيء
إلا الهوى ..
ماللهوى عندي عذر ...
.............
يالي أجمل من كلامي عنك واقرب من سكوتي
آه ياطول المسافة بين إحساسي وصوتي
.........................................
أبوعدك .. كان الطريق يبعدك
بامشي الطريق
وكان الجحود بيسعدك
مالي رفيق
ابجمع أوراق السنين وودعك
كان الفراق اللي تبين .. الله معك !!
.........
جمرة غضى ... أضمها بكفي
أضمهاحيل ... حيل
أبي الدفا .. لو تحترق كفى ..
وأبي السفر لليل
بردان أنا تكفى .. أبي أحترق بدفا
لعيونك التحنان .. وعيونك المنفى
جيتك من الأعصار ... جفني المطر والنار !!!
..........
يا أول الحب ... شفتك أنا مرة
أهديت لك قلب .. ورديت لي جمرة
ومن يومها كان الرحيل
وليل الشتا .. القاسي الطويل
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
منشور / الزمان / عدد الثلاثاء / 25 حزيران / يونيو / 2001 م