الأدب والمنفى ... ندوة شاركفيها كل من - ادونيس _ إبراهيم الكونى - واسينى الاعراج - وآخرين....

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-25-2024, 03:25 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مكتبة بدرالدين محمد الأمير بلول (بدر الدين الأمير)
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
04-03-2007, 05:38 PM

بدر الدين الأمير
<aبدر الدين الأمير
تاريخ التسجيل: 09-28-2005
مجموع المشاركات: 22958

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأدب والمنفى ... ندوة شاركفيها كل من - ادونيس _ إبراهيم الكونى - واسينى الاعراج - وآخرين. (Re: بدر الدين الأمير)

    أراضي المنفى ، وطن الكتابة
    واسيني الأعراج
    1- جدي كان حاضرا يومها...

    كان الربيع، ولكن القلب كان حزينا ومنتهكا. شيء غامض كان يشتعل في الداخل كالحرائق المهولة، ولم أكن قادرا على مقاومته. هكذا ياتون ... وبصمت يذهبون . لست أدري كيف جاءتني هذه الجملة وانا أقف مع كمشة من الأصدقاء على قبر محمد ديب ،يوم دفناه في مقبرة فرنسية مسيحية صغيرة إلى جانب أقارب زوجته، وقبر رجل منسي لم يبق من اسمه الإكلمة: آيت التي تعني في اللغة الأزيغية "آل" على أطراف باريس .لقد كان ديب أبا مؤسسا للأداب الوطني الجزائري المكتوب باللغة الفرنسية، ومناضلا من أجل وطن خذله، ولكنه ظل وفيا له وللكتابة، لأنها لم تخنه أبدا حتى يوم وفاته، بل حتى بعد ذلك بسنوات، إذ نشر آخر نصوصه : لايزا(1) بعد موته.
    الذي أغرقني في نوبة من الالم الذي لا اسم ولا طعم له إلا الخوف من المبهم، هو الموت في الصمت والعزلة، وبعيدا عن جزء حي من الذاكرة. وكان يمكن أن يتحول موت محمد ديب إلى تظاهرة وطنية لودفن في الجزائر، ولو وجد وطنا يُشغل بأديب ،ويدرك بقليل من النباهة فقط ، أن كاتبا مثل ديب هولقية ثمينة لا تتكرر أبدا، لكن الأوطان تلتفت باستمرار صوب البياض والفراغ لكي لا تري خرابها في عيون الفنانين والكتاب المغلقة قبل الوقت. الجرح الذي مس ديب كان كبيرا وعظيما ولم بإمكانه إلا أن يموت وحيدا بعد ان عاش أكثر من خمسين سنة منفيا، في عزلة لا شيء يملأها إلا الكتابة، والكتابة فقط.
    السؤال المعتم الذي كان يدور بصمت في رأس الكمشة التي ودعت محمد ديب هو : هل نموت جميعا هكذا ، في صقيع هذا الربيع الذي غابت شمسه؟ لا نساوي حتي مساحة قبر في أوطاننا؟ تراجيديا المنفى أنها لا تترك لك وقتا للتفكير وهي تداهمك بوسائلها الأكثر فتكا: النسيان . هكذا سيموت الآخرون.
    عندما التفت نحوي، أجدني ضائعا داخل المسافات التي لا ينتهي امتدادها. يبدو لي أن حياة الترحال المستمر ورثتها عن جدي الموريسكي الذي عندما انغلقت عليه سبل الدنيا في غرناطة (في القرن السادس عشر) ، التفت نحو العدوة الخرى . لم كتبه أو ما بقي منها بعد رماد المحرقة التي أكلت كل شيء. وولى وجهه شطر مدينة المارية(2) التي حملته سفنها وقذفت به نحو أرض لم يكن يعرفها ولكنه كان يحس بأنينها. قيل له : سيقتلك أهلك هناك ، فلا أحد يعرفك. قال : لن أبقى في أرض لذتها في حرق الكتب. سأذهب مهمت كانت العواقب. قيل له : اذهب ولكنك ستعود، المنفى دائما شيء مؤقت يبدأ بكلمة عابرة. وينتهي بسؤال معقد. قال : عندما نحط الرحال في مكان ما ونستقر فيه، لا يوجد المؤقت أبدا.
    المنفى ليس لعبة مؤقتة نفككها ونرتبها كما نشاء، صيرورة تتحكم في ذواتنا أكثر مما نتحكم فيها. تأكلنا الحياة ولكن عندما يطل علينا الموت من شقوق النوافذ تقفز في أذهاننا أرضنا الأولى، حبنا الأول وتربتنا الأولى وحماقاتنا الأولى. أغمض عينيه وسافر ليستقر على حافة بحر أمسيردا (3) ، عندما يكون الجو جميلا تبدو جبال إسبانيا واضحة وأعتقد أن جدي ، في لحظات الألم والغبن والكبرياء وصفاء الذهن، كان يصعد إلى أعلى قمة من قمم جبال زندل التي تطوق منطقتنا ، ويرمي بصره بعيدا ويستعيد أندلسا صارت ضبابا وذرات حلم مستحيل.
    عتدما حلمت حقائبي للمرة الأولى ، في ذلك الشتاء البارد ، لم أتذكر الشيء الكثير من حياتي البسيطة واليومية ، فقد صار كل شيء امامي أبيض لا معا وبلا لون ، ولكني لم أستطع أن أتفادى خزرة جدي الساخرة من الحياة وهو يرحل بكتبه ويحاول أن يحمي منها من حرائق محاكم التفتيش المقدس ما استطاع ، متحملا الأدخنة ولسعة النيران المشعلة.
    المسافة بيني وبين جدي الندلسي الموريسكي كانت كبيرة ،أكثر من أربعة قرون، ومع ذلك ، وأنا أحمل حقائبي بمشقة ، رايته أمامي ، ينظر إلي بحزن ثم يلتفت نحو جباله الأولى لكي لا يراني أرحل ، بلا دراية ولا قصدية، كنت أقوم بفعل عكسي وكان السنوات والقرون اختزلت لقوم بنفس فعله، لكن هذه المرة مقهورا من بشر يشبهونني في كل شيء إلا في اليقين؟ كل ما كان في كان هشا وممزقا ومهتزا. يقيني الوحيد كان هو الحرية في أن أكون أنا قدر ما أستطيع . الحرية فقط . لم يكن الطلب صعبا ولكنه كان مستحيلا.

    في الطائرة الشتوية التي سحبتني إلى باريس في شهر ديسمبر من سنة 1993، تساءلت و أنا معلق في الفراغ:هل يبدأ المنفى هكذا ، بلغة لفظية، ثم بكلمة مبهمة ثم بسؤال مربك لكل يقين، يعمق الحيرة أكثر مما يفكها؟ أدركت يومها ان ما كان يحدث للآخرين في الدنيا، يمكن أن يمسنا نحن كذلك، الذين نعوم في لذة اليومي الذي لا نتصوره درجة قسوته التي تصل إلى حد فصلنا عن تربتنا؟

    2- شهوة المتخيل
    المنفى؟ ننس ونظنُ أن ذلك لا يحدث إلا للآخرين. المنفى كلمة صغيرة تخبىء وراءها إرثا بشريا ثقيلا ومرا ، مخترقا بالاشواق والفقدان ومؤثثا بالسعادات الصغيرة غير المرئية. ولهذا، فكلما سمعت كلمة منفى، ينتابني إحساس غريب بالبياض، وهذا السؤال المرتبك والهش: مامعنى المنفى بالنسبة لفنان منفاه الأول هو عتاده ولغته التي يكتب بها كما يقول رولان بارث (4) ؟ هو في المنفى من حيث هو كاتب؟ اللغة تصنع عالما موازيا يعج بتفاصيل الحياة التي نحس بانتماء اتها لنا ولكنها لا تنتمي في نهاية المطاف إلا اللغة ونظامها الصارم . وإذن أين يتجلى هذا المعنى العميق الذي تتبطنه هذه الكلمة المولدة للخوف ولمختلف الاهنزازات الداخلية؟ هل المنفى هو افتقاد الأرض التي شيد عليها الفنان ذاكرته وأشواقه ؟ فكم من أرض يملك الكاتب إذن: أرض الطفولة التي يفقدها في سن مبكر ولا تستعيدها إلا الكتابة بشهواتها المختلفة ومخيالها الذي يهزنا بمتعته كلما توغلنا فيه؟ أليس فعل الكتابة عن المكان هو اعتراف ضمني بالفقدان؟.

    هل هي أرض الشباب ، التي سرعان ما تنطفئ داخل مجتمعات مختلفة تحاسبك في حبك وفي تنفسك لانه لا يشبه تنفس الآخرين وخرج عن نظام المجموعة الذي يجب أن لا تُخترق إذليس لك في نظام الهيمنة والسيطرة ، ان تحب، أن تتحرك كما تشتهي ، أي أن لا تكون أنت ولكنك تكون الآخر الذي يشتهي أن يرى صورته المقهورة والمختلفة فيك مما يضطرك إلى ترك أرضك والذهاب بعيدا نحو أرض أخرى ،وربما كانت الكتابة والفن هي وطنك الموازي ؟هل المنفى إذن هو الارتحال عن أرضك، التي ليست هي أرضك الولى ، باتجاه أرض أخرى يفترض أن تمنحك الامان والمحبة وبعضا من الراحة والحرية خصوصا، لان التنقل لو اختزل في الرغبة في العيش والاستمرار في الحياة، يفقد معانيه العميقة والحية. فالمشكلة ليست في الحفاظ على النوع لانه آيل إلى الزوال ويحمل موته ضمن رصيده الجيني الثابت؟ عن أي شيء يبحث الكاتب إذن وهو يغسل يديه من وطن ورثته له التربة وخطابات الاهل والساسة المحنكون؟ عن وطن الحياة الكريمة؟ عن وطن العيش الحر، حيث يمشي ولا يلتفت وراءه كلما سمع وقعا خشنا لا حذية لم يتعود على سماعها ؟ عن وطن الكتابة الذي ينشئ فيه كل حياته الموازية الجمياة؟ وإذن ماهي الخسارات اللاحقة التولدة عن هذا الترحيل القسري من أرضه الصغيرة التي نبت في حدائقها كأية زهرة باتجاه توطين ليس دائما فعلا هينا؟ وماذا يمنح له هذا التنقل من اكتشاف جديدة يحافظ بها على الاستمرارية بمعناها الوجودي وليس البيولوجي فقط؟ أي الأسئلة أختار الإجابة عنها وسط هذه الغابة من المبهم وأنا أشعر بنفسي معنيا بها كلها؟
    معنيا بقوة، لأن بها كلها رائحة من حياتي الصغيرة التي لا أراني بدونها. المنفى كالمرض، لا ياتي دفعة واحدة، يتربي في الأعماق إلى أن يصير قنبلة موقوتة تنفجر حين تشاء.

    3- شجاعتي في منشفتي
    لنبدا من المنفى الاول.
    خسرت قريتي التي بنيت فيها الذاكرة الأولى وشيدتها على فقدان الوالد(1959) في الحرب التحريرية ولم أحتفظ في ذاكرتي إلا بوجهه الطيب وهو يعود من منفاه الاختياري كعامل مهاجر في فرنسا، وهو يغسل وجهي صباحا ثم يضع على رأسي المنشفة الكبيرة وهو يضحك: هل تراني الآن يا واسيني؟ و أتذكر أني كنت أقول له : أراك، وأحاول أن أصنع له صورة من وراء المنشفة ، تشبهه ،وأحيانا أجمل.
    ولماذا ذهبت إلى فرنسا؟ أفضل دائما أن أساله تحت ظلام المنشفة لكي أتجرأ على طرح أسئلتي التي لا تنتهي ، فيجيب: للعمل . قريتنا فقيرة جدا ولا تمنحنا الشيء الكثير للعيش ونضطر للخروج قهرا وليس اختيارا. بلاد فرنسا(هكذا كان يسميها ، وهي ترجمة حرفية لكلمة كان يقولها المغتربون: La France Le Pays de) متعبة لأننا نعمل بمشقة فيها ونحمل الأشياء الثقيلة على ظهرنا وبين أيدينا ولا نتشكى، لأننا إذا فعلنا ذلك سنطرد. الكثير منا يموتون بفعل التعب أو الحوادث المؤلمة، يسقطون من أعالي البنايات أو تسقط على رؤوسهم الكتل الثقيلة. أعاود السؤال : وأنت ألا تختف من ذلك كله؟ أحيانا، ولكن ماذا بأمكاني أن أفعل؟ يجيبني بعد صمت طويل . لكن ... في فرنسا حدائق وأمكنة للراحة ، ومدن نظيفة كذلك ، نتعلم فيها كيف نقرأ ونكتب. أساله من جديد وأنا مستمتع بظلام المنشفة التي تمنحني حرية الكلام ، بحيث أحسه وأراه كما أشتهي ولا يراني: هل تعلمت القراءة والكتابة هناك؟ يجيب وهو لا يخبئ ابتسامته التي أحسها ترتسم على شفتيه الرقيقتين، والتي تزيد من يقينه: تعلمت. سيدة طيبة تعمل معي، علمتني. أتساءل ولا أطرح السؤال: امراأة تعلم والدي؟ هذا الأمر لا يوجد عندنا . بملعنة وخبث طفولي، أتذكر أني أدخلت والدي في المصيدة. لابد أن تكون هي نفسها المرأة التي تتحدث عنها كل نساء العائلة والتي يقال إنها سرقت والدي من أمي. هناك من يتمادى في خياله ويقول إن له أبناء معها . أمي لا تصدق أو تحاول أن تتظاهر بذلك . أساله مرة أخرى بلغة أقل يقينية: فرانساوية؟ طبعا فرانساوية ، يجيبني والدي. أتوغل في السؤال : لماذا لا تأخذ أمي معك وترتاحان هناك. يرد ولا اشعر أنه تأثر لسؤالي :هي هنا في بيتها وأرضها وتسهر على الجميع وأنا هناك أحاول أن أخفف عليكم مشقة الحياة . أكاد أساله : بابا هل هي نفس الرومية (5) التي يتحدثون عنها ؟ مثلما سمعت في حوارات جدتي وامي وخالاتي على الهامش عندما أسترق السمع مثل أي طفل شقي كبر بسرعة ولم يتفطن لسنه الآخرون؟ فجأة ينزع المنشفة من على رأسي ويتضح النور ، فأتوقف عن أسئلتي في باحة الدارو أجلس في حجره انا وحسن أخي ، نشرب القهوة الصباحية. يقول وهو يضحك ولا أدري صدق ما كان يقوله: سيدنا علي هكذا كان يفعل، يضع الحسن على اليسار والحسين على اليمين.


    4- من سرق كتاب اللذة؟
    والدي الذي أدخلني إلى المدرسة الفرنسية والجامع(6) ، استشهد حتى قبل أن أطرح عليه كل أسئلتي التي ما تزال إلي اليوم معلقة في الذاكرة كأية آنية عتيقة تحمل سرها في قدامتها . أمي سارت على هدي وصيته التي تركها وراءه قبل أن تأكله حيطان ثكنة سواني العسكرية ويموت تحت التعذيب الهمجي في صيف 1959.تسألني أمي من حين لآخر عن أحوالي في الجامع: فارد بحماس : انتهيت من حفظ الربع الأول من القرآن الكريم ، وزوقت لوحتي العديد من المرات وبدأت أجلس في الأماكن الخلفية للجامع الأماكن الخلفية تعني أنه أصبح بإمكاني أن آخذ نسخة من النسخ العشر من القرآن وأطلع عليها وأسال الفقية عند الضرورة. أحزن أحيانا لان والدي ذهب قبل أن أخبره بقصة نسخة القرآن في الأماكن الخلفية. استشهد وهو لا يعرف أني تعلمت كما كان يشتهي وأصبحت اقرأ واكتب. لكني لم أحك له عن نسخة القرآن العجيبة التي عثرت عليها في رف المكتبة في نهاية القاعة التي كنا نتعلم فيها .كانت النسخة تحمل نفس الغلاف الحمر .لم تكن تشبه النسخ الأخري في محتواها مطلقا ولا حتي في خطها الذي كان أكثر رقة من الخط القرىني. قلبتها طويلا بسرية كبيرة ولم أكن قادرا على تحملها : سرقتها .فقد فهمتها بسهولة كبيرة لأن كلامها لم يكن كالقرآن الذي تعودت عليه.
    فكرت أن أسال سيدي الفقيه (المعلم في الكتاب) ولكني لم أفعل أبدا . عاودت التهجي و محاولة الفهم، الغريب أني لم أكن أجد أية صعوبة في القراءة. بل أن شهوتي كانت تستيقظ كلما قرأت النص . كلما انتهيت من القراءة ،كنت أخبئ نسختي من وراء النسخ الأخرى حتى لا تأخذها يد غيري. ربما كانت أنانيتي أوربما كان خوفي من أن تسرق . فجأة صرت أحلم بها وبما قرأت . ليلا ، عندما أستعد للنوم ، أرى كل ما فيها يرفرف حول رأسي ويتحول إلى نساء جميلات وعفاريت وحيوانات خرافية وغابات لا حدود لها وذئاب كثيرة . ولكن هذا كله لم يشفني من حبي لهذه النسخة.
    كان الكتاب ، في عيني ، كبيرا وبداية الدروس في المدرسة الفرنسية تسرق من وقتي. في إحدى المرات وأنا في الخلفية أفكر فيما يمكن فعله، بدأت أعطي لنفسي كل مبررات الدنيا لإخراج النسخة من الجامع : قرآن لا يشبه القرآن ؟ مكتوب بخط غير خطه؟ فيه حديث غريب عن الحب والنساء والسلاطين والعفاريت؟ فيه حتى الخرافات التي تشبه ما كانت ترويه لنا جدتي؟ هل يعقل أن يبقى الكتاب في الجامع وهو مكان مقدس ؟ وانتهيت إلى تحريم بقاء النص في الرف الخلفي . في صدري واعتذرت منه وقلت له إني متعب وخرجت . عند الباب أوقفني . لم أستطع أن أرفع رأسي مخافة أن يرى كل شيء في عيني .تذكرت منشفة والدي ، كم كانت جميلة إذ كان بإمكاني أن أقول ما أشاء بدون خوف من أن يروا ما يتراقص في عيني من كذب جميل . شعرت بالكتاب ثقيلا في صدري . فكرت أن أتركه وأهرب . قال لي : ما بك وتلمس رأسي. ثم أردف : حرارة . مازلت أسمع صوته وأنا أتخطى عتبة الجامع: اسمع يا وليدي ، قل لمك تضع لك الزعتر وقشور الليمون من عسل النحل ... عسل النحل الحقاني، مش الفالسو (7) ، أسمعت وإلا لا؟ فجأة صرت خفيفا وصار الكتاب لا يزن شيئا.
    عندما وصلت إلى البيت كنت محموما بالفعل ولكن من شدة الخوف، قلت لأمي غطيني ونمت محتضنا قرآني. لم أحلم يومها ، ولم أر أى كابوس ولكني كنت داخل غيمة بنفسجية جميلة. بعد أيام، خاطت له جدتي كيسا خاصا وهي تقول : هذا كلام الله ويجب ان يوضع في مكانه اللائق .كنت أضع الكتاب داخله كلما انتهيت من القراءة. كانت جدتي كلما مرت في باحة البيت، بعصاها وسطل مائها للوضوء ، ورأتني أقرأ بلا توقف، ابتسمت من فرط السعادة . لا تخبئ فخرها أمام خالاتي: واسيني وليدي، هو الوحيد من أبنائي الذي تعلم لغة أجداده وقرآنهم . جدتي مثلها مثل أمي، مثل بقي أفراد العائلة الكبار سنا، لا يعرفون لا القراءة ولا الكتابة. يعرفون القرآن من غلافه الأحمر ومن ورقه الطيب المائل إلى صفرة ما ومن رائحة القرآن .عندما كبرت قليلا، اكتشفت أنه لم يكن قرآنا ولكنه كتاب "ألف ليلة وليلة" في جزئه الأول ، بأوراق وحروف ورائحة لم تكن بعيدة عن رائحة القرىن ، وربما كانت رائحة المكان نفسة.
    إلى اليوم مازلت أنقاذ نحور رائحة الكتب قبل أن أكتشف عناوينها. لا أعرف طبعا اليد التي وضعته هناك، في ذلك الرف الصغير ، ولا اعلم إذا ما كان علي أن أشكرها وأقيل يدها بحرارة أو أرفضها لأن كل ما حدث لي فيما بعد مترتب عن تلك اللحظة التي فتحت فيها خطأ كتاب ألف ليلة وليلة. تلك اللحظة غيرت نظام حياتي وأحاسيسي نحو الأشياء و أدخلتني غمار التجربة وقذفتني داخل عالم لم أكن مهيا له ، إذ كان يمكن في أحسن الظروف أن أتحول إلى فقية يدرس القران في القرية ،ومع بعض الحظ،الى مهرب للكتاب والخضر والفواكه، على الحدود المغربية الجزائرية . ولهذا كلما صفوت الى نفسي، اقول : طؤبى لتلك اليد واعتذر منها لأني سرقت متعتها، فقد وضعت في مسلكي اجمل نص قربني من الخيال والكتابة واللذة وأبعدني عن مهالك اليقين.
    تلك ارضي ووطني الأول الذي فقدته وتحول اليوم إلى عالم من الرموز لا وجود له إلا داخل اللغة والأحاسيس. وذلك منفاي، إذ كلما تذكرته تمنيت ان اراه ثانية فقط لقول ما خبأته، وأفعل ما لم أستطع فعله وقتها.





    ولنا عوة لباقى ورقة الروائى الجزائرى
    واسيني الاعرج
                  

العنوان الكاتب Date
الأدب والمنفى ... ندوة شاركفيها كل من - ادونيس _ إبراهيم الكونى - واسينى الاعراج - وآخرين.... بدر الدين الأمير03-31-07, 04:24 PM
  Re: الأدب والمنفى ... ندوة شاركفيها كل من - ادونيس _ إبراهيم الكونى - واسينى الاعراج - وآخرين. بدر الدين الأمير03-31-07, 05:35 PM
  Re: الأدب والمنفى ... ندوة شاركفيها كل من - ادونيس _ إبراهيم الكونى - واسينى الاعراج - وآخرين. Sabri Elshareef03-31-07, 09:01 PM
    Re: الأدب والمنفى ... ندوة شاركفيها كل من - ادونيس _ إبراهيم الكونى - واسينى الاعراج - وآخرين. بدر الدين الأمير03-31-07, 11:11 PM
      Re: الأدب والمنفى ... ندوة شاركفيها كل من - ادونيس _ إبراهيم الكونى - واسينى الاعراج - وآخرين. عبدالمنعم خيرالله04-01-07, 00:03 AM
        Re: الأدب والمنفى ... ندوة شاركفيها كل من - ادونيس _ إبراهيم الكونى - واسينى الاعراج - وآخرين. بدر الدين الأمير04-01-07, 05:49 AM
          Re: الأدب والمنفى ... ندوة شاركفيها كل من - ادونيس _ إبراهيم الكونى - واسينى الاعراج - وآخرين. بدر الدين الأمير04-01-07, 06:53 AM
            Re: الأدب والمنفى ... ندوة شاركفيها كل من - ادونيس _ إبراهيم الكونى - واسينى الاعراج - وآخرين. ايزابيل حلبي04-01-07, 08:38 AM
              Re: الأدب والمنفى ... ندوة شاركفيها كل من - ادونيس _ إبراهيم الكونى - واسينى الاعراج - وآخرين. عشة بت فاطنة04-01-07, 08:44 AM
                Re: الأدب والمنفى ... ندوة شاركفيها كل من - ادونيس _ إبراهيم الكونى - واسينى الاعراج - وآخرين. بدر الدين الأمير04-01-07, 10:00 AM
              Re: الأدب والمنفى ... ندوة شاركفيها كل من - ادونيس _ إبراهيم الكونى - واسينى الاعراج - وآخرين. بدر الدين الأمير04-01-07, 09:47 AM
                Re: الأدب والمنفى ... ندوة شاركفيها كل من - ادونيس _ إبراهيم الكونى - واسينى الاعراج - وآخرين. اساسي04-01-07, 10:24 AM
                  Re: الأدب والمنفى ... ندوة شاركفيها كل من - ادونيس _ إبراهيم الكونى - واسينى الاعراج - وآخرين. بدر الدين الأمير04-01-07, 10:44 AM
            Re: الأدب والمنفى ... ندوة شاركفيها كل من - ادونيس _ إبراهيم الكونى - واسينى الاعراج - وآخرين. بدر الدين الأمير04-01-07, 11:36 AM
  Re: الأدب والمنفى ... ندوة شاركفيها كل من - ادونيس _ إبراهيم الكونى - واسينى الاعراج - وآخرين. Sabri Elshareef04-01-07, 03:14 PM
  Re: الأدب والمنفى ... ندوة شاركفيها كل من - ادونيس _ إبراهيم الكونى - واسينى الاعراج - وآخرين. Sabri Elshareef04-01-07, 03:25 PM
    Re: الأدب والمنفى ... ندوة شاركفيها كل من - ادونيس _ إبراهيم الكونى - واسينى الاعراج - وآخرين. بدر الدين الأمير04-01-07, 09:12 PM
  Re: الأدب والمنفى ... ندوة شاركفيها كل من - ادونيس _ إبراهيم الكونى - واسينى الاعراج - وآخرين. محمود الدقم04-01-07, 10:34 PM
    Re: الأدب والمنفى ... ندوة شاركفيها كل من - ادونيس _ إبراهيم الكونى - واسينى الاعراج - وآخرين. عبدالمنعم خيرالله04-01-07, 11:18 PM
    Re: الأدب والمنفى ... ندوة شاركفيها كل من - ادونيس _ إبراهيم الكونى - واسينى الاعراج - وآخرين. بدر الدين الأمير04-02-07, 07:31 AM
      Re: الأدب والمنفى ... ندوة شاركفيها كل من - ادونيس _ إبراهيم الكونى - واسينى الاعراج - وآخرين. Amira Ahmed04-02-07, 08:10 AM
        Re: الأدب والمنفى ... ندوة شاركفيها كل من - ادونيس _ إبراهيم الكونى - واسينى الاعراج - وآخرين. بدر الدين الأمير04-02-07, 08:57 AM
  Re: الأدب والمنفى ... ندوة شاركفيها كل من - ادونيس _ إبراهيم الكونى - واسينى الاعراج - وآخرين. Sabri Elshareef04-02-07, 12:26 PM
    Re: الأدب والمنفى ... ندوة شاركفيها كل من - ادونيس _ إبراهيم الكونى - واسينى الاعراج - وآخرين. بدر الدين الأمير04-02-07, 04:28 PM
      Re: الأدب والمنفى ... ندوة شاركفيها كل من - ادونيس _ إبراهيم الكونى - واسينى الاعراج - وآخرين. بدر الدين الأمير04-02-07, 05:48 PM
        Re: الأدب والمنفى ... ندوة شاركفيها كل من - ادونيس _ إبراهيم الكونى - واسينى الاعراج - وآخرين. Aymen Tabir04-03-07, 01:49 AM
          Re: الأدب والمنفى ... ندوة شاركفيها كل من - ادونيس _ إبراهيم الكونى - واسينى الاعراج - وآخرين. بدر الدين الأمير04-03-07, 08:41 AM
            Re: الأدب والمنفى ... ندوة شاركفيها كل من - ادونيس _ إبراهيم الكونى - واسينى الاعراج - وآخرين. بدر الدين الأمير04-03-07, 05:38 PM
              Re: الأدب والمنفى ... ندوة شاركفيها كل من - ادونيس _ إبراهيم الكونى - واسينى الاعراج - وآخرين. Aymen Tabir04-03-07, 09:49 PM
              Re: الأدب والمنفى ... ندوة شاركفيها كل من - ادونيس _ إبراهيم الكونى - واسينى الاعراج - وآخرين. بدر الدين الأمير04-04-07, 05:00 PM
  Re: الأدب والمنفى ... ندوة شاركفيها كل من - ادونيس _ إبراهيم الكونى - واسينى الاعراج - وآخرين. osama elkhawad04-05-07, 05:25 AM
    Re: الأدب والمنفى ... ندوة شاركفيها كل من - ادونيس _ إبراهيم الكونى - واسينى الاعراج - وآخرين. بدر الدين الأمير04-05-07, 08:25 AM
      Re: الأدب والمنفى ... ندوة شاركفيها كل من - ادونيس _ إبراهيم الكونى - واسينى الاعراج - وآخرين. بدر الدين الأمير04-08-07, 05:05 PM
        Re: الأدب والمنفى ... ندوة شاركفيها كل من - ادونيس _ إبراهيم الكونى - واسينى الاعراج - وآخرين. بدر الدين الأمير04-09-07, 05:14 PM
          Re: الأدب والمنفى ... ندوة شاركفيها كل من - ادونيس _ إبراهيم الكونى - واسينى الاعراج - وآخرين. بدر الدين الأمير04-09-07, 05:27 PM
            Re: الأدب والمنفى ... ندوة شاركفيها كل من - ادونيس _ إبراهيم الكونى - واسينى الاعراج - وآخرين. بدر الدين الأمير04-10-07, 10:41 AM
              Re: الأدب والمنفى ... ندوة شاركفيها كل من - ادونيس _ إبراهيم الكونى - واسينى الاعراج - وآخرين. بدر الدين الأمير04-11-07, 06:37 PM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de