|
Re: قالوا عن قرنق ...بعد رحيله (Re: الكيك)
|
جمادى الآخرة 1426 هـ الأربعاء
السودان بعد مصرع قرنق بقلم : أحمد حجاج أمين عام الجمعية الأفريقية
في غمرة الحزن العميق الذي ينتابنا جميعا في العالم العربي لوفاة المغفور له الملك فهد صدمنا أيضا بمصرع قائد سوداني محنك هو العقيد جون قرنق النائب الأول لرئيس السودان
و رئيس حكومة جنوب السودان و رئيس الحركة الشعبية لتحرير السودان. هذه الوفاة ستكون لها آثار عميقة لما يحدث في السودان في المستقبل و من تداعيات إقليمية في دول الجوار و بالنسبة لنا هنا في مصر.
قرنق الذي انتقل من متمرد إلي قائد عسكري إلي سياسي محنك ومن ماركسي إلي شخص تربطه أوثق العلاقات مع الغرب الرأسمالي( الولايات المتحدة وبريطانيا) ومن عدو للحكومة السودانية إلي نائب لرئيس جمهوريتها ومن انفصالي إلي مؤيد لوحدة السودان( ولو ظاهريا) و هو أمر يوضح التغيرات الهائلة التي طرأت علي الخريطة السودانية خلال العقدين الأخيرين. قابلته مرتان و هو شخصية جذابة و مؤثرة يقنع من يحدثه و يحترمه حتي لو اختلف معه في التوجهات.
بالفعل فأن رحيل قرنق سيترك فراغا كبيرا في الحياة السياسية السودانية إذ يمكن أن نقول انه كان بمثابة صمام الأمان الذي يضمن تنفيذ اتفاقية نيفاشا بين الشمال و الجنوب لأنه كان الشخصية الوحيدة تقريبا التي أمكنها جمع أكبر عدد من الجنوبيين حوله و اكتسب في الوقت نفسه ثقة الفئات و الأحزاب الشمالية المختلفة.
قرنق السياسي أيضا كان من المتوقع أن يلعب دورا هاما بحكم منصبه الجديد في تهدئة الأوضاع في مناطق السودان المتوترة الأخري مثل دارفور و شرق السودان بل إصلاح الوضع مع بعض جيران السودان مثل إرتريا ولكن هذا الحادث الذي أودي بحياته يؤدي إلي خلط كل الأوراق مرة أخري.
طبعا هناك نظرية المؤامرة التي أدت إلي اعتقاد بعض الجنوبيين أن زعيمهم قد اغتيل و لم يسقط في حادث تحطيم مروحية أوغندية و لذلك شهدنا أحداث الشغب في الخرطوم التي قامت بها بعض العناصر الجنوبية و أسفرت عن مصرع العديدين بل أن أحد زعماء حركات التمرد في دارفور لا يعتقد أن الموضوع مجرد حادث بل' مؤامرة كبيرة ضد الشعب السوداني'. من ناحيتي اعتقد أن مصرع جارانج جاء نتيجة تحطم هذه المروحية لسوء الأحوال الجوية و علي العموم أعلن رئيس أوغندا عن تشكيل لجنة تحقيق في الحادث.
هناك استحقاقات قريبة يتوجب علي رئيس الحركة الجديد' سالفا كير' أن يواجهها و أولها تشكيل الحكومة السودانية الجديدة التي من المفترض أن تتم بعد أيام ثم تأكيد سلطته داخل الحركة الشعبية لتحرير السودان في الجنوب حيث لا تزال توجد بعض العناصر المعارضة للاتفاق الذي وقع مع الخرطوم و ثالثا إعادة الصلات مع دول الجوار و الدول المؤثرة و خاصة الولايات المتحدة التي سارعت إلي إيفاد مبعوث للتفاهم مع القيادة الجديدة.' سلفا كير' الرئيس الجديد غير معروف جيدا علي المستوي السوداني و حتي في الجنوب حيث كانت شخصية قرنق طاغية جدا و لم يعرف عنه اتصالاته الدولية الواسعة و لو أنه هو الذي قاد وفد الجنوبيين في مفاوضات' ماشاكوس' في كينيا التي تمخضت عن الاتفاق المعروف عام2002.
وفي مصر فإننا لنا علاقات مع قرنق ترجع إلي سنوات طويلة. وقد نعته رئاسة الجمهورية مؤكدة ثقتها في استمرار مسيرة السلام الشامل. القاهرة فتحت أبوابها لقرنق في وقت كانت الحكومات السودانية المختلفة تعتقد أن إقامة أي اتصالات معه تعد بمثابة التأييد للمعارضة المسلحة في حين أن مصر كانت تري أن هذه الاتصالات هي لمصلحة الشعب السوداني نفسه وعملت علي إقناعه أن مستقبل السودان هو في الوحدة وليس في انفصال الجنوب. ولذلك لاحظنا تحولا في لهجة خطاب قرنق من التأكيد علي حتمية الانفصال إلي القول بان خيار الوحدة قائم إذ ما تحسنت العلاقات بين الجنوبيين والشماليين وعومل الجنوبيون كمواطنين مثل غيرهم داخل السودان كما اقتنع بان سودان المستقبل يجب أن يكون بلدا عربيا أفريقيا في الوقت نفسه علي عكس ما روج له البعض بان لا صلة له بالعالم العربي. ومن القاهرة أيضا خاطب قرنق الرأي العام المصري و العربي كما كان يقابل القيادات السياسية علي أعلي مستوي. وفي عهده فتحت مصر أبواب معاهدها الجامعية لألوف من طلبة الجنوب حيث يقال أن عدد من يدرسون منهم في مصر اكبر من كل من يدرس من الجنوبيين في المعاهد السودانية و أنشأت الحركة الشعبية في تحرير السودان مكتبا لها بالقاهرة هو الوحيد في العالم العربي. علينا- وعلي الفور- إقامة علاقات واتصالات مع القيادة الجنوبية الجديدة التي أري أنها ستضع في أولويتها الإبقاء علي هذه العلاقات المتميزة التي أقامها قرنق مع القاهرة وان نعمل في اتصالاتنا مع جميع الأطراف علي ضمان تنفيذ الاتفاقيات التي وقعت لان أي انتكاسة لها قد تعيد السودان إلي الفوضي من جديد. و هنا يتوجب أن تنسق مصر مع الدول المؤثرة عالميا مثل الولايات المتحدة و مع الدول المجاورة للسودان و حسنا فعلت حينما قررت مشاركة القوات المصرية في عملية حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في جنوب السودان.
|
|
|
|
|
|
|
|
|