ماذا يحمل الصادق المهدي في جعبته للقاء جون قرنق بابوجا؟

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 03-28-2024, 09:25 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مكتبة د.جون قرنق
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
05-25-2003, 07:18 AM

Deng
<aDeng
تاريخ التسجيل: 11-28-2002
مجموع المشاركات: 52539

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ماذا يحمل الصادق المهدي في جعبته للقاء جون قرنق بابوجا؟ (Re: Deng)

    الاخت رباح الصادق و لاخ خالد عويس .
    هذا هي الرسائل التي حملها الصادق المهدي.

    الرواية داخل الرواية(2) من تديين السياسة الى الفصل بين رئاستي الدولة والحكومة، بقلم منصور خالد

    أحداث الخرطوم التى أتينا على ذكرها تهون أمام ما حدث في جيبوتى في نهاية نوفمبر من العام المنصرم (اتفاق البشير مع صادق المهدي) لما لذلك الحدث من أثر عميق على مجمل عمل المعارضة. ولعل الحدث نفسه ما كان ليستعصى على الاحتواء لولا تداعياته وإسقاطاته, وراء تلك التداعيات والاسقاطات كانت بيانات ومبادرات وتصريحات الصادق المهدي . بيد ان في المقامة الصادقية روايات داخل الرواية ما كنا نريد أن نخوض في خبرها على صفحات الصحف, إذ هناك منبر داخلي يضمنا واياه هو التجمع الوطني الديمقراطي. ففى منتديات التجمع المغلقة كانت لنا ولغيرنا مع الرجل مداولات في حدود احترام هو به جدير. ولكن الصادق آثر الخروج بالحديث إلى منابر الإعلام المسموع والمنظور والمرئي, لو قنع الرجل في ذلك ببسط رؤاه والدفاع عنها لما تصدينا له على صفحات الصحف. ولكنه ذهب في حملات إعلامية متتالية إلى إدانة حلفائه, والانتقاص من التنظيم الجامع الذي يربط بينه وبينهم, في ظلم وتجن كبيرين. ثم مضى في تلك السكة العوجاء وكأنه حسب أن توقير الآخرين له, وصبرهم على ما أصابهم, دليل ضعف وهوان على النفس. لهذا لا نملك بعد أن كانت للصادق البُداءة, وبعد أن سد على الصبر كل المذاهب إلا ان نحمل القلم, أولاً للرد على التجني الظالم, ثم من بعد لإبانة الفتوق والخروق في خطاب الصادق وهى فتوق وخروق لن يفلح في ضم أجزائها أمهر الحائكين. وإن كان فضول القول يوقع الخصومة بين الناس, فالتغالى فيه قد يؤدي الى المهالك والتناقض. الذين يحسنون الظن بالصادق يقولون ان التناقض لا يعود إلى عدم التدبر في الرأي, وإنما هو نتاج لقانون النتائج غير المحسوبة (law of unintended consequences ), في حين يرى آخرون أن المحنة تكمن في أن الصادق لا يترك أمراً بدأه يمضى لنهاياته, بل يردفه دوماً بآخر ينكث نسيجه. فما هى الحقيقة؟ الصادق مثقف واسع الاطلاع, وكاتب متمكن من أدوات الكتابة, ومحدث فصيح العبارة, ثم هو بعد ذلك صاحب إرث سياسي عظيم. هذه كلها صفات ومآثر حميدة كان من الممكن أن تنجب قائداً عظيماً يفخر به الأنصار ويستنصر به البعداء. هذه المآثر أفسدها الصادق بشيئين, الأول: هو تركه النقائض تتصارع في داخله, لا يدرى لأي جهة يميل.. ألمعارفه العصرية الواسعة والتي ما فتىء يجليها على الناس فيما يكتب, أم لإرثه التأريخي الحديث في المهدية الثانية التي كان إماماها عبد الرحمن والصديق أكثر الناس حرصاً على التوفيق بين كل أهل السودان على اختلاف دياناتهم بل ورؤاهم, ومن تلك الرؤى ما يحسبه البعض خروجاً عن الملة, أم لثورة دينية وطنية ذات طموح يتجاوز حدود السودان, المهدية الأولى. كانت للصادق الخيرة في أن يصطفي واحداً من هذه البدائل, أو يأخذ من كل واحدة منها بطرف ثم يوافق بينه وبين الواقع المحلى والعالمى الماثل. عِوضاً عن هذا رغب الصادق في الجمع بين النقائض, فالصادق الحداثى يسعى لارساء قواعد الديموقراطية بمفهومها اللبرالى, واحترام حقوق الإنسان وحرية العقيدة بالمعنى السائد في عالم اليوم, ولكنه ـ في ذات الوقت ـ يجهد نفسه لاستيعاب جماعات في بنائه الجديد لا يقود فكرها وتقود مناهجها إلا إلى تقويض الأساس الذى يعكف على بنائه. أراد أيضاً اقتفاء أثر الأمامين عبد الرحمن والصديق في سعيهما لتوحيد أهل السودان, وللامام عبد الرحمن منهج في ذلك لا يخفى على اللبيب, التواضع الأدبى. كان الامام عبد الرحمن يقول في سبيل جمع شمل أهل السودان سأصدق الذى يكذب على, وسأنخدع لمن يريد خديعتى (البكضب عَلَّى باصدقه, والبغشنى بانغشى ليه عشان أوحد السودان) . الصادق أيضاً صادق في رغبته للم الشمل, ولكنه يريده على طريقته الفردانية على مستوى الفكر لا مستوى الممارسة, لأن الصادق متواضع في تعامله العادى مع الناس. أما على مستوى الفكر يتعامل الصادق مع غيره وكأنه رجل قُل, وفرد لا أحد له. رأيه هو الفصل, لا يخالفه إلا جاهل أو قاصر. ولنا عنه في هذا نقول كثيرة, إذ نحن لا نتقول عليه بعض الأقاويل. الصادق أيضاً يوحى دوماً بأنه تجسيد عصرى للامامة الأولى, وتلك امامة ملهمة, رأى أنصارها في الامام قائداً طاهراً حق له أن يدعو غيره للطهرانية, وعرفوا فيه مفكراً قذف الله النور في قلبه وألقى الأمر في روعه, فحق له ـ في نظرهم ـ أن يفتى بالقول الفصل. كما خالف الامام كثيرون دون أن ينكر أغلبهم وطنية الثورة التى فجرها. الصادق هو امتداد لهذا الميراث الوطنى ويهفو لأن يكون تجسيداً له, ولكنه ينقض غزله بيده عند ما يجعل من المودودية (نسبة لأبى الأعلى المودودى) نبراساً يضيء له طريق الإسلام, ولعل لصداقته بالترابى أثر في ذلك.


    رجل وقواقة ومبادرات مربكة من هذه المنابر أو قل المنطلقات الثلاثة أخذ الصادق يتحدث ويسرف في الحديث حتى أصبح وقواقه, وتقول العرب عن كثير الكلام رجل وقواقة. لو اقتطع الصادق ورقة من كتاب ديجول لكان أجدى له. كان الجنرال العظيم يعقد ثلاثة مؤتمرات صحفية في العام, فقال له أحد صحبه ان فرنسا جميعها تتطلع إلى خطابه بلهف, فلماذا لا يطل عليها بصورة أكثر انتظاماً في مؤتمراته الصحفية. قال ديجول:(يا بني, إن قانون تناقص الغلة ينطبق على الاقتصاد كما ينطبق على حديث الرؤساء) . وعلى أي نتيجة للاسراف في الكلام, والتضارب في الاجتهادات تعثرت الافهام مع أقوال الرجل. كل ذلك سنبين ونفصل, ونحتج فيه بما تقوم الحجج به. لا نردد الشوائع بل ننسب الأقوال لمصادرها, ولا ننقل الأخبار دون أن نلحقها بنقد باطني. بدأ الصادق حياته السياسية الفاعلة بالدعوة للفصل بين الدين والسياسة في محيطه العائلي والطائفي, وكانت له في ذلك مقولات سارت بذكرها الركبان. ولكن ما إن استقر له الأمر حتى أخذ يدعو ـ وصنوه الترابي ـ إلى نهج ديني إسلامي في الحكم, وكان بذلك أول حاكم شمالي في إطار الأحزاب ذات القواعد الدينية يدعو لتديين السياسة وتسييس الدين. في ذلك كان هو على خيار, فلو سار سيرة أبويه لتقفى أثر لجنة الدستور في عهدهما. رئيس تلك اللجنة كان زعيماً من زعماء حزب الأمة يملأ المجالس حساً ومعنى, محمد صالح الشنقيطي, القانوني الضليع والقاضي الشرعي في بداهة عهده بالعمل القانوني. كان الشنقيطي في ذلك المجلس يقول للذين رفعوا شعار الدستور الإسلامي:(تعبير الدستور الإسلامي تعبير غوغائي) . الشنقيطى لم يكن يتحدث عن الإسلام من حيث هو شريعة ومنهاج, وإنما كان يصف توجهاً اختزالياً أو احتكارياً للحقيقة الدينية في مجتمع متعدد الأديان. فاختزال الآخر واحتكار الحقيقة في مثل هذه المجتمعات, ثم الايحاء أو الظن أن تلك المجتمعات ستبقى متماسكة, هو أعلى درجات الغوغائية. تلك كانت هى المرة الأولى التى امتحن فيها الصادق, فسقط في الامتحان وكان السقوط مزدوجاً اذ اراد الصادق ان يكون الشيء ونقيضه في آن, هو مع اليمين في الفكر (التوجه الاسلامي) ومع اليسار في السياسة (التوجه الليبرالي الاشتراكي) وله في ذلك مقالة مشهورة في البرلمان حين قسم المعارضة الى اهل الميمنة (الترابي وجماعته) واهل الميسرة (الحزب الشيوعي والديمقراطيون والليبراليون) تلك المقالة استدعت تعليقاً لاذعاً من الترابي جاء فيه (هذا رجل يقول اني مسلم واني كافر) . امتحانه الثانى كان في برلمان السودان الأخير عندما سعى لوفاق مع أصدقائه القدامى من الإسلاميين الذين اختاروا أن يكونوا سداً منيعاً ضد إرادة الأمة, وفيما يبدو لنا, ما زال في نفس الصادق يومذاك شيء حتى. كما كان للشنقيطي ورثاء في حزب الأمة تضافروا على رئيس حزبهم لرده إلى الصواب, كان يقودهم الدكتور صلاح عبد الرحمن على طه والحاج نقد الله ولم يفلحوا وفي الحالتين لا يستطيع الصادق الادعاء ان لم تكن امامه خيارات بديلة. مع وضوح النتائج التي يقود لها الاصرار على (الحتية) كما تشهد بذلك لقاءات جنيف وجيبوتى, ظن الصادق أن سيكون له الرأي الأخير في قضايا لا تتفق في جوهرها أو محتواها مع المنطق الداخلي لفكرة مركزية أخرى تملكته: الديمقراطية التعددية, حقوق الإنسان, صنع السلام. تلك كلها أمور تجاوزتها المعارضة بميثاق عظيم وأدوات محددة شارك حزبه في الوصول إلى اتفاق ` بشأنها, ولم يعد الناس بحاجة الى اجتهاد حتى في التفاصيل لأنه, كما يقال, الشيطان في التفاصيل. في ذلك كانت للرجل مبادرات مربكة في أمور أغلبها تجاوزها حلفاء الصادق في التجمع بعد أن قلبوا فيها الرأى في مبادراته باعتبارها اسهاماً فكرياً من مثقف موسوعى المعرفة. رغم ذلك اختار الصادق المضى في مبادراته بصورة مذهلة. فإن قادت, مثلاً, الانتخابات في تركيا حزب الرفاه الإسلامي إلى الحكم, وقف الصادق في المنبر يخطب عن بديل ديمقراطي على طريقة الرفاه (إحدى خطب الجمعة بمسجد ود نوباوي) , وإن شهد الجنوب الأفريقي صلحًا رد الحقوق إلى أهلها انبرى الصادق, يدعو (أهل الأبارتايد) الديني في الشمال لحل على طريقة جنوب أفريقيا. لم ينظر الصادق إلى ما هو أدنى, تجارب السودان. ففي السودان تجارب لو وعيها أهله, ومبادرات لو أخذوها مأخذ الجد, لكانوا هم المثال الذي يقتفي في صنع السلام وإدامة الديمقراطية. كلنا ـ ومعنا الصادق ـ يعلم ما ومن الذي أودى بتلك التجارب. لم ينظر الصادق المجتهد أيضاً لتجارب الآخرين في إطار مسارها التأريخي ومحيطها الاجتماعي, قبل أن يجعل منها نبراساً يضيء الطريق لنا في السودان. فتجربة تركيا وراءها محاذير ـ لكيلا نقول ثوابت ـ كما علمنا التأريخ, وزادتنا علماً الأحداث التي تلاحقت من بعد. تلك المحاذير أو الثوابت أرستها الكمالية, فورثاء الكمالية وحماتها يقولون: نعم, للإسلاميين الحق في الوصول للحكم عبر الخيار الديمقراطي, ولكن لا عودة لمفاهيم عهد الخلافة ولا تديين للسياسة. هذا رأى يتفق عليه الناس ويختلفون, ولكنه رأى حاسم ومؤثر على التجربة التى أراد الصادق الاسترشاد بها لاستنباط حكم عام. أما جنوب أفريقيا فلها واقعها هي الأخرى, خرج نيلسون مانديلا من السجن بعد قرابة الثلاث عقود من الزمان يقول: (لا صلح ولا تفاوض إلا بعد إلغاء قوانين الابارتايد وتفكيك مؤسساته, واعتراف النظام بالمؤتمر الوطني الأفريقي) . والتفت مانديلا من بعد يقول للذين والوا المؤتمر بالدعم خارج أفريقيا: (لا ترفعوا الحصار عن نظام الابارتايد حتى تتم تلك الإجراءات) . فمؤتمر الصلح في جنوب أفريقيا ليس حدثاً منعزلاً يريد الصادق منا أن ننتهي إليه بلا مقدمات فحين كان مانديلا يطالب العالم باستمرار الحصار على نظام الابارتايد حتى يفكك اجهزته القمعية أخذ الصادق ـ راعية الحل الجنوب افريقي ـ يدعو دول الجوار لتطبيع علاقاتها مع نظام الابارتايد الدينى في السودان قبل أن يستجيب دكليرك السودان لأدنى ما طالب به الخصوم (خطاب الصادق الصوتى في رمضان الذى أذيع في الخرطوم). ولم يكن مانديلا في هذا مغالياً أو منتقماً جباراً أو استئصالياً, فالضيوف على مائدته في أول عيد ميلاد احتفل به بعد تنصيبه رئيساً ضموا, فيمن ضموا, سجانيه في جزيرة روبين. قال لهم:(لا تثريب عليكم فأنتم مثلي كنتم ضحايا نظام فاسد) . نماذج أخرى عديدة من اجتهادات الصادق سنجيء عليها ونبين ما فيها من تناقض يوحى بان الرجل كثيراً ما رمى بسهمه الى غير غرض. هذا الاستحياء ليس بصحيح. فالرجل عَزَّام على أن لا يفوته جديد, كما هو ثابت على أن يكون له رأى مبادر في شئون بلده, حتى وإن كان الواقع الذى يحيط به يُبدع حجته ويبطل دلائله على أن الصادق لم يقف بمبادراته على شئون الداخل وحده, إذ له في الخارج بادرات يتعهد فيها العالمين بالعناية. فعندما انتهى أمر الجزائر إلى حاكم جديد (عبد العزيز بوتفليقة), أشهر الصادق قلمه ليخاطبه عبر الصحف (الشرق الأوسط) ناصحاً له كيف تحل مشكلة الجزائر. لم يعن للصادق أن أول سؤال سيبدر إلى ذهن المتلقى, أياً كان هو: (لماذا لا يطبق الكاتب الذى أحكمته التجارب فصولاً من ديوان حكمته هذا لحل مشاكل بلاده) . ويوم ان استولى على الحكم قسراً عسكرى باكستانى (برويز مشرف) شحذ الصادق قلمه مرة أخرى ليتقدم بالنصح الى حاكم باكستان الجديد. وليت ذلك كان في محاضره بروالبندى, فلربما بررنا الخطاب بمقتضى الحال والمجال, وإنما جاء في خطاب قرأه على التجمع الوطنى الديمقراطى السودانى في القاهرة. حقاً على مثل هذه الأمور لا يقدم إلا من حسب نفسه بؤرة العالم.


    التجمع ...... وبؤرة العالم ننفج بـدء بـدء من هذه المقدمة إلى استقصاء جنايات التجمع على الصادق ـ إن كان ثمة جنايات ـ حتى أخذ يصليه بشواظ من نار, وعلى صفحات الصحف. ثم نأتى من بعد على علاقته بنظام الجبهة الذى كاد أن يصبح بشيراً له بين الناس بعد كل ما ألحقه ذلك النظام من أذى بالصادق وأخيه وبنيه, بل نكاد نقول ببقية الأسماء الخمسة في النحو. علاقة الصادق والنظام كانت غريبة منذ البداية, فالخطاب الأول الذى وجهه للذين اقتلعوا حكمه قسراً كان خطاب رجل رُبَك مختلط في أمره. كتب الصادق للنظام المتغلب يقول أنه قد تريث حتى يرى ان كان الانقلاب انقلاباً وطنياً أم تم بإيعاز خارجى قبل أن يخاطبه. ثم قال معكم القوة ومعنا الحق, ودعا لحوار بين القوة والحق, وما هكذا تورد الأبل. الحق والقوة مفهومان متضادان في فقه القانون وفي كل شرائع البشر, ولا نظن أن الأخوة (المبرورين) الذين استولوا على الحكم قسوة فعلوا هذا وهم عازمون على الحوار مع من سلبوه حقه. ذلك النظام رغم الخطاب الشفيق ألحق بالصادق إهانات مريرة اتسمت بالجلافة ونبو الذوق, لهذا قد نحمد له تعاليه على الجراح. ولكن الذى لحق برئيس الوزراء وحكومته وبرلمانه وجمهرة الناخبين التى أضفت على الحكم الشرعية أمر لا يملك الصادق حقاً في العفو عنه. ولكن هذا هو الصادق يختلط عنده الخاص والعام, والشيء وضده. هذا هو الصادق أيضاً الذى لم يتعلم بعد أن في الصمت كلاماً, والا فما الذى يدفع حاكماً اغتصب حكمه على مخاطبة المغتصب مخاطبة لا طعم لها ولا معنى. بقى الصادق في السودان ـ من بعد ـ رهين محبسين, السجن والدار. كما بقى حزبه ـ كغيره في الداخل ـ يجابه النظام ويعانى مع من يعانى من ويلاته, وكانت لحزب الأمة وقفات مشهودة مع صحبه في التجمع. ظل حزبه في الخارج أيضاً يعمل مع القوى الأخرى كعنصر أساسى فاعل, في حين آثر الصادق أن ينأى بنفسه عما يدور ـ خاصة في الخارج ـ حتى لا يُمَكِّن النظام الباطش منه. كان يتحدث عن الجهاد المدنى في حين كان غيره ـ ومنهم حزب الأمة ـ يتحدثون عن النضال المسلح والانتفاضة المحمية بالسلاح. ذلك موقف قدرناه حق قدره, بل كنت أردد لبعض من سألنى عن هذا التناقض, المثل النيجرى الذى يقول: (عندما تكون في قلب النهر فآخر ما تفعل هو سب التماسيح) . كان أيضاً في خطب الصادق الدينية وفي مسجد ودنوباوى مؤشرا ً على أن السودان بخير, بل ـ بسبب من ذلك ـ حسب البعض الصادق كفاءً لمن وصفه الشاعر السودانى أبو صلاح بقوله: (دا الأسد الفي قيد نتر) . وكنا موقنين يومذاك أن الصادق المهدى في محبسه سعيد غاية السعادة بما يقوم به التجمع في الخارج, كما كان يستشرف نجاحه في أمد قريب. وفي كتاب سفير لدى السودان قبل الأخير (دونالد بيترسون) الذى نشره في سبتمبر 1999 تحت عنوان (داخل السودان) (Inside Sudan) روايات حول توقعات الصادق لانتصار مرتقب للتجمع ضد النظام, وكان الصادق فيما روى السفير مُسرفاً في تفاؤله وترقبه (Upbeat). تلك هى الروح التى خرج بها الصادق من السودان في هجرته التى أطلق عليها اسم (تهتدون) دون أن يبين لمن وفد إليهم ما عنى بالتعبير. وعلى كل, ما أن حل في ربوع التجمع حتى استقبلناه جميعاً باستبشار, ونهد قرنق من جنوب السودان للقائه. جاء الصادق الى التجمع, وفي جعبته منذ الوهلة الأولى أفكار ومبادرات حول السياسة والتنظيم. كما كان من أكثر الناس غبطة بالعمل العسكرى, بل سعى للنصح بشأنه وأدخل تعبيرات جديدة حوله في أدبيات التجمع مثل (توجيه لطمات عسكرية) أى ضربات لا يفيق منها النظام. وتأكيداً لعزمه على تلك اللطمات توجه الصادق إلى أنصاره بـ (نداء الهجرة) , وفي يقيننا أنه كان يرتقب وفود الأنصار إليه زرافات ووحداناً, وأصحاء سالمين ان لم يكن عُرجاً ومكاسير كما وفدوا لرحاب الأمام الكبير, لا سيما وقد أطلق على قائد جيشه لقب الأمير. تجييش العسكر المجر أمر لم يتم للصادق, في حين تم لغيره. من بين (غيره) هؤلاء كان لواء السودان فأخذنا نتسمع أصواتاً تقول أن في الوجود المكثف لتلك القوات ـ حتى وإن كان أغلب قادتها من المسلمين ما يتهدد هوية الشمال العربية ـ الاسلامية, وكأن وجود بضع آلاف من المناضلين كفيل بأن يغير من هوية يفترض أن تكون ذات جذور راسخة. وفي واقع الامر, ان جميع قادة الجيش الشعبي ولواء السودان في الشمال الجغرافي مسلمون, يوسف كوه جامع في الجبال ومالك عقار في النيل الازرق وعبدالعزيز آدم الحلو في الشرق على أن الذى يردد مثل هذا القول لا يتفكر كثيراً أو قليلاً في مدلولاته أو نتائجه. فالحركة عندما تحارب في الجنوب عبر جيشها الشعبى تتهم بالانفصال, وعندما تحارب في الشمال مع أخوتها الشماليين تصبح مهدداً للهوية التأريخية خاصة إن لم تكتف بالرمزية في النضال المسلح بل تأخذه مأخذ به فما هو المراد منها غير دفعها دفعاً للانفصال. أخذت مبادرات الصادق تترى ـ من بعد ـ حول كل القضايا, التنظيمى منها كما السياسى والعسكرى. ونشهد أن بالرجل ضراوة وولع شديد بالتنظير. ما ابتدر الناس بمبادرة في الصباح إلا وعاجلهم بأخرى في المساء, وكما يقولون, إذا ازدحم الجواب خفي الصواب. تلك المبادرات لم تجد قبولاً عند التجمع إلا بقدر, فما كان من الصادق ألا أن انتقل بها إلى مؤتمرات حزبه لإقرارها حتى يقول للتجمع: (هذا ليس رأيى كفرد, بل هو رأى الحزب) , وكأن ليس للأحزاب الأخرى رؤى وقواعد ومؤتمرات. فالتجمع, ليس هو حزب الأمة, ولا الحزب الاتحادى الديمقراطى, ولا الحركة الشعبية, ولا غيرهم من الأحزاب والجماعات, وكلها ليست على جديلة واحدة. في مثل هذا الكيان الذى جمع فأوعى يفترض أن تكون مبادرات الصادق آراء يستمع لها الناس في جد تقديراً لمكانة صاحبها, ويناقشونها في وضوح وصراحة لأنها تتعلق بجسام الأمور, ثم يقبلون منها ما يقبلون ويرفضون ما يرفضون حسب ما تقضى به حكمتهم. هذا أمر, فيما يبدو, لم يقبله الصادق لأنه, فيما يبدو أيضاً, موقن أشد اليقين أن لا مخرج للسودان إلا بمبادراته, كما لا يرى خلاصاً للسودان إلا بإعطائه فرصة أخرى للحكم, بدون هذا لن يصبح السودان نجياً من محنته. لا بدع في أن يحسن الصادق الظن بنفسه وقد اجتمعت له مزايا الميراث والعلم والفصاحة, ولا غرابة في أن يرى في نفسه أكثر مما يراه غيره, رجلاً لكل الفصول. العجب العجاب هو أن يغيب على اللبيب أن في السياسة ـ كما في المصارف ـ معيار موضوعى واحد ـ وهو معيار ذهبى ـ للحكم على العملاء في المصارف وعلى الطماحين في السياسة. ذلك المعيار يسميه الصيارفه سجل الممارسات السابقة (Track Record). لسنا وحدنا الذى يتظنى هذا, فالسؤال أطل برأسه في الكثير من لقاءات الصادق الصحفية (مجلة الوسط 3/2/,2000 الشرق الأوسط 3/2/2000). رد الصادق على السؤال دوماً السؤال عن سعيه للسلطة المفوضة هو أنه لن يجيء إلى قيادة عمل تنفيذى الا منتخباً, ورده هو أن يترك للشعب تقرير ما يريد. بيد أن السؤال المطروح لا يتعلق بحكم الشعب وإرادته, إذ لا نحسب أن هناك من يظن بأن الصادق يسعى للوصول إلى سدة الحكم عبر دبابة. السؤال يتعلق باسطيقا الديموقراطية, فا لديموقراطية ليست مؤسسات وهياكل وانتخابات. الديموقراطية أيضاً تقاليد ومواضعات. تلك التقاليد دفعت انطونى ايدن عندما قاد بلاده إلى كارثة سياسية بعد حرب السويس إلى التخلى عن رئاسة الحزب والحكومة لها رولد ماكميلان, وحملت جون ميجور ـ رغم نجاحه الباهر في دائرته الانتخابية ـ للتخلى عن رئاسة حزبه لمن يختاره حزبه, وحملت كينوك زعيم حزب العمال بعد فشل حزبه في الانتخابات إلى التخلى عن رئاسة الحزب لسميث والاكتفاء بعضوية مجلس العموم إلى أن صار وزيراً في مجلس الاتحاد الأوروبي, وحملت ديجول العظيم, بعد رفض الشعب لمقترحاته عبر الاستفتاء, على الاستقالة بل قال لأصحابه الذين جاءوا اليه يولولون ويقولون انه رجل لا غنى لفرنسا عنه:(يا أبنائي مقبرة مونمارتر تضم الكثير من الرجال والنساء الذين لا غنى لفرنسا عنهم) . تلك هي اسطيقا الديمقراطية الليبرالية أو ان شئت المستدامة. وعلى كل, جاء الصادق الى التجمع وفي ظنه أنه سيكون صاحب الرأى ا لأعلى لما له من ميزات تفضيلية ترجح به في الميزان. وبدلاً من أن يتلقاه التجمع بالتطويب (beatification) الذى توقعه, تلقاه بعزوف عن الأفكار التى جاء بها, اما لأنها تهز من تماسك التجمع ككيان تتضام فيه المتناقضات التى لا يربطها الا برنامج حد أدنى, أو لأن فيها استباق للأحداث مثل إصراره على البت في قضايا يفترض أن لا تحسم إلا في إطار المؤتمر الدستورى. عدم الاستجابة إلى مبادرات الصادق اتفقت عليها فصائل التجمع كلها, والذى تتفق عليه العامة والجمهور يُعد دليلاً قاطعاً على الشيء, ويسمى في عرف الفقه إجماعاً لا توهنه أحاديث الآحاد تلك حالة لم ترض الصادق فأخذ يعدو إلى غايته تحت رايتين, الأولى هى التجمع حيث واظب في اجتماعاته وبين اجتماعاته على مبادرات متضاربة حتى لم يبق على الأرض كلأ يُرتعى, والعرب تقول أرضاً موظوبة لتلك التى انهكها الرعى فلم يبق فيها كلأ. والثانية هى التجوال عبر المحافل الدولية بوصفه أميناً للشرعية أى الرئيس الشرعى لوزراء السودان. وبالرغم من أن بين فصائل التجمع من كان يحسب تلك الشرعية شرعية منقوصة (الحركة الشعبية لتحرير السودان) إلا أنا جميعاً أيدناه في مسعاه ذلك, وكنا نقدمه لاجتماعاتنا بتلك الصفة. فأن كان في استخدام دعاوى الشرعية سلاح آخر يُستخدم في الحرب ضد الجبهة, فلم لا نستخدمه. قلنا ان الصادق لم يفصح للتجمع عما عناه بـ (تهتدون) في النعت الذى أطلقه على عملية خروجه من السودان, ذهب ظننا في البدء إلى استخارته الله حتى يهديه إلى السبيل الناجى (وجعل لكم فيها سبيلاً لعلكم تهتدون) (الزخرف, 43). بيد أن سيرة الرجل, فيما بعد, لا توحى الا بأنه كان يبتغى لنا هداية كتلك التى قال عنها الله تعالى : (فلا تخشوهم واخشونى ولاتم نعمتى عليكم ولعلكم تهتدون) (البقرة, 2). ازاء عجزه عن حمل التجمع على ما يريد, أى عجزه عن تحديد وقع الخطى بالايقاع الذى يريد, وازاء فشل دعاوى الشرعية ـ وهى دعاوى مشروعة ـ في أن تثمر أكلها. أصيب الصادق باحباط مثل غيره فأخذ يبحث عن طريق أقصر لتحقيق رغائبه, العودة الى سدة الحكم ومراقى السلطة, فبالرجل توق عارم لها. ولعل في قول هنرى كيسنجر, وهو من الذين استخدموا السلطة حتى الثمالة, قدر كبير من الصحة. يقول كيسنجر, (السلطة هى أكبر مقو جنسى) (Aphrodisiac) . على أن توق الصادق للسلطة لا شأن له بجاهها, فله عن ذلك جاه يغنيه, ولا إمرتها فلا نحسبنه طاغية أو متجبراً. محنته هى ما أشرنا إليه, يقينه بأنه وحده هو الذى يملك البلسم الشافي لكل الجراح دون تدبر لما فات, أو تلبث في النظر إلى ما هو كائن. تلك هى البيئة التى ولدت فيها مبادرات الصادق للحل السلمى. مبادرته الأولى كانت في مارس 1998 عقب تحركات قام بها وسطاء داخليون, بعضهم من رجال الدين الذين لجأ إليهم النظام ونحسب أنهم كانوا مهمومين بما يتعرض له أهلهم ودينهم من أذى. ومنهم آخرون, دفعت بعضهم الحمية الوطنية للتوسط, وظل آخرون يرقصون بين السلالم وما دعاهم للتوسط إلا الرغبة في استنقاذ أنفسهم من السفينة الغارقة, وإيجاد موضع قدم لهم في الآتى. ما الذى قضى به التجمع عندما ألحف عليه الصادق بأن يكون للتجمع رأى في مبادرات السلم, خاصة والحل السياسى هو واحد من خياراته دون استثناء للخيارات الأخرى. قررت هيئة القيادة في ذلك الاجتماع: أولاً: حول المبادرات السلمية الداخلية: * (يرفض التجمع المبادرات التى تقوم بها مجموعات غير محايدة بل تصالحت مع النظام وسلمت بشرعيته واطروحاته, فهى مرفوضة جملة وتفصيلاً لأنها محاولات للترويج للنظام وهيمنته على حاضر ومستقبل السودان) . * (كما يرفض جملة وتفصيلاً الدستور الزائف الذى وضعه النظام في ظل المرسوم الدستورى الثانى, وحالة الطوارىء, ومصادرة الديموقراطية وكافة الحريات, ونفي الرأى الآخر بهدف توطيد سيطرة الجبهة على الحكم) . ثانياً: حول المبادرات السلمية الخارجية: * (يؤكد التجمع ثقته في دول الايجاد ويشيد بالدور الهام الذى تضطلع به دول الايجاد لاحلال السلام وتحقيق الديمقراطية في بلادنا. وإذ يشير إلى قبوله لأعلان المبادىء وتضمينها في مقررات اسمرا للقضايا المصيرية, يرى أن المشكل السودانى قومى الأصل لا يقبل التجزئه مما يتطلب إشراك كافة أطرافه حتى يتحقق سلام عادل في ظل نظام ديمقراطى وتصالح أقليمى) . * (يثمن جهود شركاء الايجاد المقدرة في هذه المبادرة ويرى أن هناك دول جوار جغرافي وثقافي ودولاً أخرى ذات وزن في قارتنا يمكن أن تلعب دوراً وتسهم في حل مشكلة السودان الحالية الخانقة. إن إشراك هذه الدول ودعمها لجهود الايجاد يقفل الباب أمام مناورات حكومة الجبهة الساعية لإيجاد مبادرات خارجية أخرى موازية أو معارضة أو بديلة لمبادرة الايجاد) . هذا قرار واضح لا لُبس فيه, فالتجمع لا يسعى لحل سلمى يقود الى الانخراط في النظام بكل سوءاته, والتجمع لا تلهيه التجميلات التى يزيف بها النظام وجهه وحقيقته, والتجمع يعلن على الملأ قبوله لمبادرة الايجاد خاصة اعلان المبادىء ويلح على ضرورة اشراك جميع الاطراف فيها, والتجمع أخيراً يطالب بأن تجد رغبات دول الجوار الأخرى تعبيراً في مبادرة الايجاد دون أن يكون هذا مدخلاً لمبادرات جديدة تتوازى أو تتعارض مع مبادرة الايجاد.


    جنيف حشف وسوء كيل رغم هذا القرار الواضح الصريح رأى الصادق أن يقوم بمبادرة هزت جذع النخلة ولم تسقط الا حشفاً تيبس قبل نضجه. ذلك الحشف أتبعه الترابى بسوء كيل. نشير إلى اللقاء بين الصادق والترابى في جنيف, والذى قيل أنه تم عبر وساطة رتبها كامل الطيب أدريس, كما قيل أنه تم عبر وساطة أسرية. لا يعنينا كثيراً إن انتهى لقاء جنيف بسلام عبر وسيط أو بحلف مصاهرة, ما يهم هو موقف التجمع من ذلك العمل المنفرد بعد فترة قصيرة من قراره الواضح الصريح حول السلم الوساطى مع النظام. هز ذلك اللقاء التجمع هزاً عنيفاً وأخذت بعض فصائله تشحذ أقلامها للنيل منه لولا أن انبرى الدكتور قرنق ليعلن بان من حق الصادق أن يلتقى بمن يشاء من أهل النظام طالما كان هدفه هو التقصى وليس الوصول لاتفاق دون الرجوع للتجمع. وكان قرنق منطقياً مع نفسه, إذ هو يفاوض نفس النظام في اطار الايجاد. ونذكر أننا أدلينا بتصريحين في يوم واحد غداة لقاء جنيف (جريدة الخرطوم وتلفزيون أبوظبي) أسمينا فيهما مهمة الصادق بـ (الاستكشاف) , وقلنا أنه من الخير أن نصمت حتى نسمع من الرجل نفسه ما جاء به من جنيف. كان دافعنا لذلك هو الحرص على وحدة الصف والحيلولة دون توسيع الخروق.


    وفي يونيو 1998 عقدت هيئة القيادة للتجمع اجتماعاً باسمرا كان موضوع الحل السلمى واحداً من أهم موضوعات أجندته, وكان المجتمعون في شغف للاستماع إلى نتائج الرحلة الاستكشافية, إلا أنهم لم يجدوا من الصادق ما يشفي الغليل. كان الصادق واثقاً أشد الثقة بأن ثمة تغييراً كبيراً قد طرأ على الساحة بعد ذلك اللقاء, وأن نظام الخرطوم على استعداد للتفاوض دون شروط, بل الذهاب الى مؤتمر جامع لا يستثنى منه أحد. توقف الناس طويلاً عند تعبير المؤتمر الجامع لأنه تعبير غريب على أدبيات التجمع. فالذى يتحدث عنه التجمع منذ اعلان كوكا دام, ومبادرة السلام, واتفاق القصر (بايضاحاته) , ومقررات اسمرا هو المؤتمر الدستورى الذى يعقد في جو ديمقراطى يتبع تنفيذ إجراءات معينة حددتها قرارات اسمرا, كما حددتها الاتفاقات التى سبقته. والترابى من جانبه لا يريد هذا التعبير, إذ لا يرى معنى للحديث عن الدستور, وهناك دستور قائم صاغته الجبهة, ولا يرى معنى لإجراءات الفترة الانتقالية فالنظام نفسه عاكف على إعادة صياغة نفسه. الترابى منطقى مع نفسه فلا هو طرف في كوكا دام, ولا هو راض عن اتفاق القصر, ولا هو قابل لما قرره (أعداء الله) في اسمرا, حتى بعد أن سرق كل ثيابهم وتظاهر بارتدائها. لهذا لم تعترنا الدهشة عندما قال لتلفزيون السودان عقب عودته من جنيف: (لا أقول أنهم جاءوا إلينا راكعين, ولكن التاريخ سيقول هذا) . ويالهذا من توصيف لصهر حليف!. توقف الناس أيضاً عند عدم افصاح الصادق عن تفصيلات ما دار بينه وبين الترابى, بل اكتفى بالقول: (أمامكم مشروع هو مشروعى ودعكم عما دار في جنيف) . هذا موقف تغلو معه الريبة في النفوس, وهى ريبة زادها كثيراَ حديث الترابى في مؤتمره الصحفي عقب انقلاب البشير عليه. كان في فم الدكتور الفصيح ماء, حين قال : (ليس لى ما أقول فالمجالس بالامانات ولكن الذى اتفق عليه في جنيف أوسع بكثير مما جاء في جيبوتى) .


    الذى يدفع الناس للارتياب أمران هامان, أولهما تاريخى ذو جذور, والثانى راهن مستطرف. فالناس لا ينسون الحلف المقدس بين الصادق والترابى في الستينيات, بدايات الهوس الدينى. والناس يعرفون الركن الخانق الذى انتهى اليه الترابى, أولاً بفشل مشروعه الحضارى, وثانياً بسبب الصراع الذى اخذ يتفجر بينه وبين البشير مما حمله على البحث عن حليف جديد. ومثل أى سياسى ميكافيلى قرر الترابى انقاذ ما يمكن انقاذه من أجندته الإسلامية, والابقاء على دور فاعل له في الساحة السياسية. أما الموضوع الراهن فيتعلق بتوازنات القوى, فالصادق يعلم بأن لا سبيل له لصلح منفرد مع الترابى مع كل الذى أوقعه الترابى بأهل السودان ومنهم أنصاره. لهذا لا بد من تقويض التجمع من أساسه بعزل الحزبين ذويى القاعدة الدينية عنه. كما أن الصادق والترابى يعلمان بأن لا وسيلة لأنهاء الحرب دون وفاق مع الحركة الشعبية, ولهذا لا بد من إخراج الحركة من معادلة التجمع.

    Quote: لتحقيق هذين الهدفين أوعز الصادق للترابى لكتابة رسالتين, احداهما للميرغنى والثانية لقرنق. كشف أمر الرسالة الثانية الدكتور قرنق في مؤتمره الصحفي في الخرطوم عبر الهاتف من اسمرا في 17/11/1999. تقول رسالة الترابى لرئيس الحركة الشعبية: (لو قمت بحركة درامية لاتبعتها بأحسن منها) . وظل حزب الأمة يلحف على قرنق لكيما يرد على تلك الرسالة حتى سئم من الالحاف وقال لمن معه : (لقد انتظرت هذا الخطاب عشر سنوات, فلماذا لا ينتظرون ردى لعشر شهور) . كما أفصح الترابى عن الرسالتين بأسلوبه اللولبى, قال في لقاء صحفي بالدوحة (الاتصال الخاص يجرى عبر الرسل والكتابة مع جون قرنق ومع الميرغنى والصادق, وبالهمس طبعاً) . (الحياة 31/12/1999). فأى استهانة بالرجال هذه, وأى استحقار للعقول ذلك. تلك الغلاظة أُتبعت بما هو أمعن في الزراية بالآخرين, محاولة استمالة الحركة بالمواقع. ذلك موضوع تجافى الدكتور قرنق الخوض فيه, بل أنكره في حديث لحمدي رزق (المصور 17/12/1999) فعل قرنق هذاحفاظاً على سرية الحوار بين الفرقاء, وأيضاً لحرصه على أن لا يثير بنشره ثائرة أحد في التجمع على حزب الأمة. إلى أن جاء الصادق ليكشف الغطاء بنفسه عن المستور, ثم جاء الأمين العام للتجمع ليزيد الأمر ضغثاً على إبالة. قال الصادق في الرد على سؤال لأمانى الطويل بمجلة الأهرام العربى (25/12/1999) حول إغراء الحركة بالمواقع لتنضم إلى سلام جنيف بأنها كانت (ونسة) مع مبارك المهدى. فما الذى جرى في تلك الونسة؟ قال مبارك لمحدثه في الحركة بأن هناك اتفاقاً مع الجبهة على توزيع المواقع في الحكومة والبرلمان مثالثة, ثلث للحركة وثلث لحزب الأمة وثلث للجبهة على أن يتوزع الآخرون ما تبقى. والآخرون يشملون كل قوى التجمع الأخرى بمن فيها الميرغنى الذى يسعون لاستمالته. لبعث المزيد من الطمأنينة في نفس الحركة قال مبارك: (نحن وانتم سُنكَّوِن معاً الثلثين) . رد محدثه بالقول : (وأنتم والجبهة أيضاً تكونان معاً الثلثين) . ومن الغريب أن يجيء تصريح لمبارك في الشرق الأوسط (1/12/1999) قبل وصف الصادق لما دار بأنه (ونسة) , أى أنه أمر لا يأبه به يؤكد خطورة ما كان يدور. أدلى الأمين العام بتصريحه وكأنه ناطق رسمى باسم الجبهة فقال: (الجبهة الإسلامية حزب من الأحزاب الرئيسية العاملة على المسرح السياسى السودانى ... وانطلاقاً من هذه الخلفية تعرف الجبهة الثقل السياسى لكل الأحزاب والقوى المكونة للتجمع, لهذا لديها فهمها وأولوياتها في التعامل مع هذه القوى عندما طرحت قضية الحوار .. للجبهة الإسلامية فهمها في التعامل مع المعارضة بحيث تعتبر حزب الأمة والحركة الشعبية في مقدمة القوى التى يجب أن يتواصل الحديث معها بكل اهتمام وحرص) . صاحب هذا الحديث هو الأمين العام للتجمع كله. لم تكن تلك هى المرة الأولى التى سعى فيها حزب الأمة لاتفاق منفرد مع الحركة على قسمة السلطة, ذلك الاتفاق ان تم كان سيضع حزب الأمة في موقف حرج اليوم إزاء مواقفه المتضاربة. ففى اثناء الحوار بين أطراف التجمع حول وضع رأس الدولة في الفترة الانتقالية, كان رأى الغالبية في التجمع هو اعتماد التقليد السودانى السياسى في فترات الحكم الديمقراطى, مجلس السيادة أو مجلس رأس الدولة لأنه أقرب الى طبيعة السودان وإلى الوضع الذى يدار به التجمع. رأى الصادق كان على خلاف, رأيه هو اتباع النهج الفرنسى: رئيس تنفيذى يتولى سلطات محددة, ورئيس وزراء يتولى السلطات الأخرى. وبالرغم من أن الحركة لم تقدم رأياً مكتوباً في هذا الشأن الا أننا ظللنا نقول ونحن نمثلها داخل التجمع بأن الصورة النهائية لشكل الحكم في مراقيه العليا يجب أن تترك للجنة الدستور, أما الفترة الانتقالية فتقتضى, بطبيعتها, أن يكون هناك وعاء رمزى جامع. قلنا أيضاً داخل التجمع أن التجربة الفرنسية لم تكن تجربة ناجحة الا في الفترات التى سيطر فيها حزب واحد على الرئاسة والبرلمان (حكومة ديجول, حكومة بومبيدو, حكومة جسكار ديشتان, وحكومة ميتران الأولى). أما العهود التى ولى الحكم فيها حزبان فقد وسمت بالصراعات, وهى صراعات لم ينج منها فرنسا الا نظام خدمتها المدنية المتميز (الصراع بين ميتران وبالادور, والصراع بين شيراك وجوسبان). ثم قلنا ما هى العجلة التى تودى بنا للصراع حول شكل الرئاسة في فترة انتقالية لا تتجاوز الاربع سنوات لتنفيذ برنامج محدود لا مجال فيه للاجتهاد. صدق حدسنا عندما رأى حزب الأمة ـ بالرغم من رأى الحركة الذى عبرنا عنه ـ أن يتخذ له مكاناً قصياً (أديس أبابا) للقاء بعض قيادات الحركة لتسويق فكرة النظام الرئاسى مع وعد بأن تكون للحركة رئاسة الحكومة على أن تكون لحزب الأمة رئاسة الجمهورية. ظن مفاوضو حزب الأمة أنهم جعلوا للحركة جعيلة لا تُرد, ولكن خيب أملهم أن قال لهم واحد: وماذا عن الآخرين؟ كما قال الثانىولماذا رئاسة الدولة لكم وليس لنا؟) , ثم أضافلماذا الاستهانة بنا؟ (Why do you take us for granted) ما هى الواصلة بين ذلك الحدث وما دار في جنيف مما اعتبره الترابى من (أمانات المجالس) , ثم بينه وبين ما دار في الخرطوم عشية انقلاب البشير, اجتماع البرلمان للفصل بين رئاسة الدولة ورئاسة الحكومة. نزعم أن هناك علاقة وثيقة بين كل هذه المناورات, إلا أن المناورات تبين أيضاً الفقدان الكامل للنظرة الاستراتيجية للأمور. فمن محاولة لأغواء قيادة دينية (الميرغني) للإنخراط في نظام ليس لها مكان فيه الا على الهامش, إلى محاولة أخرى لأغراء قائد سياسى علمانى (قرنق) بالمشاركة في حكم (ثيوقراطى) أو أشبه بهذا, إلى مناورة أخرى ولما ينقض العام لقسمة جديدة لمراقى الحكم العليا هدفها الأول والأخير هو الحفاظ على أجندة دينية بطلاها الصادق والترابى حسبما تشير قرائن الأحوال, في ذات الوقت الذى يثابر فيه الأخير على استغواء ذلك (العلمانى) بوعد (درامى) . ولو فطن المناورون الى عناوين مقالات (العلمانى) لا محتواها لأدركوا بأنهم لن يبقوا له في مشروعاتهم الأخيرة تلك (تعديل الدستور واقتسام السلطة بين الترابى والصادق), غير إعلان انفصال المناطق التى يسيطر عليها, ولا عتب عليه في ذلك ولا ملامة. ما نزعم به تؤكده التصريحات التى أخذت تتواتر من الخرطوم حول القسمة الجديدة. تقول جريدة القدس وهى قريبة الصلة باركان النظام: (أنه في حالة الوفاق الشامل أو الجزئى سيكون هناك نظام حكم رئاسى معدل على شاكلة النظام الفرنسى. وسيبذل الاسلاميون جهداً لايصال مرشحهم لرئاسة الجمهورية وترك منصب رئيس الوزراء للصادق المهدى مرشح حزب الأمة المرتقب. وكان الأخير قد أبدى أعجابه مراراً بالنظام الرئاسى الفرنسى. ولا يستبعد أن يكون الترابى الذى تربطه به صلة مصاهرة قد فاتحه بهذا الشأن في اجتماعهما الذى عقد في جنيف أول ـ مايو الماضى. ولا شك في أن حديث أعوان الترابى بهذا الخصوص يعزز التكهنات بنية الزعيمين السودانيين في إقامة تحالف أساسه مساندة حزب الأمة حملة الجبهة لترشيح الترابى رئيساً, فيما تساند الجبهة حزب الأمة لترشيح المهدى رئيساً للحكومة. وإذا تحقق هذا التحالف سيكون بوسع الحزبين المتحالفين أن يتربعا على عرش السودان الى ما لا نهاية, تاركين في المعارضة الحزب الاتحادى الديمقراطى بزعامة الميرغنى) .


    وصلاً لما انقطع نعود الى موقف التجمع بعد لقاء جنيف في اجتماعه باسمرا (يونيو 199. في ذلك الاجتماع أُفردت جلسة خاصة للسماع من الصادق عما دار في جنيف, وقال كثير حول انطباعاته ورؤاه واستنتاجاته الا أنه لم يدل بحرف واحد عما قاله الترابي.. رغم مناشدات الرئيس, والحاف جون قرنق في الطلب, وابتهالات التجانى الطيب وعبدون أقاو ممثل اليوساب, ولم يكن هؤلاء قد سمعوا بعد ما قاله الترابى للتلفزيون السودانى في زمن الاعترافات بأنه وصل في جنيف مع الصادق (إلى أبعد مما وصل إليه البشير في جيبوتى) . ونحمد للبشير أن ما وصل إليه كتاب مفتوح. إزاء ذلك لم ير التجمع في الانطباعات والرؤى والاستنتاجات شيئاً جديداً, فأكد مواقفه التى تضمنها قراره في مارس حول الحل السياسى كما أبرز شروطاً أساسية لابد من إيفاء النظام بها لكيما يتوفر المناخ الصالح للحوار, ومع الجهد الجهيد الذى بذله الصادق لإقناع التجمع بخلق آلية للحوار مع الحكومة, كان الرد عليه بانا لا نضع العربة قبل الحصان. في الاجتماع نفسه أكد التجمع تأييده لمبادرة الايجاد وترحيبه بمبادرتى ليبيا ومصر, وعزمه على مناقشة تفصيلاتهما في اجتماعين قادمين بالقاهرة وطرابلس.
                  

العنوان الكاتب Date
ماذا يحمل الصادق المهدي في جعبته للقاء جون قرنق بابوجا؟ Deng05-17-03, 06:03 AM
  Re: ماذا يحمل الصادق المهدي في جعبته للقاء جون قرنق بابوجا؟ مارد05-17-03, 09:12 AM
  Re: ماذا يحمل الصادق المهدي في جعبته للقاء جون قرنق بابوجا؟ beko05-17-03, 01:55 PM
    Re: ماذا يحمل الصادق المهدي في جعبته للقاء جون قرنق بابوجا؟ Abdel Aati05-17-03, 02:42 PM
      Re: ماذا يحمل الصادق المهدي في جعبته للقاء جون قرنق بابوجا؟ خالد عويس05-17-03, 03:24 PM
      Re: ماذا يحمل الصادق المهدي في جعبته للقاء جون قرنق بابوجا؟ Deng05-17-03, 04:38 PM
  Re: ماذا يحمل الصادق المهدي في جعبته للقاء جون قرنق بابوجا؟ zahgandeema05-17-03, 04:22 PM
    Re: ماذا يحمل الصادق المهدي في جعبته للقاء جون قرنق بابوجا؟ خالد عويس05-17-03, 04:46 PM
  Re: ماذا يحمل الصادق المهدي في جعبته للقاء جون قرنق بابوجا؟ رباح الصادق05-17-03, 07:31 PM
    Re: ماذا يحمل الصادق المهدي في جعبته للقاء جون قرنق بابوجا؟ sultan05-19-03, 05:29 PM
      Re: ماذا يحمل الصادق المهدي في جعبته للقاء جون قرنق بابوجا؟ رباح الصادق05-23-03, 02:00 AM
  Re: ماذا يحمل الصادق المهدي في جعبته للقاء جون قرنق بابوجا؟ Deng05-18-03, 04:17 PM
    Re: ماذا يحمل الصادق المهدي في جعبته للقاء جون قرنق بابوجا؟ خالد عويس05-18-03, 04:35 PM
  Re: ماذا يحمل الصادق المهدي في جعبته للقاء جون قرنق بابوجا؟ Deng05-18-03, 04:47 PM
  Re: ماذا يحمل الصادق المهدي في جعبته للقاء جون قرنق بابوجا؟ Deng05-18-03, 05:26 PM
    Re: ماذا يحمل الصادق المهدي في جعبته للقاء جون قرنق بابوجا؟ خالد عويس05-18-03, 06:14 PM
  Re: ماذا يحمل الصادق المهدي في جعبته للقاء جون قرنق بابوجا؟ omdurmani05-18-03, 06:42 PM
  Re: ماذا يحمل الصادق المهدي في جعبته للقاء جون قرنق بابوجا؟ رباح الصادق05-18-03, 07:27 PM
    Re: ماذا يحمل الصادق المهدي في جعبته للقاء جون قرنق بابوجا؟ خالد عويس05-18-03, 07:44 PM
  Re: ماذا يحمل الصادق المهدي في جعبته للقاء جون قرنق بابوجا؟ Raja05-19-03, 10:33 AM
  Re: ماذا يحمل الصادق المهدي في جعبته للقاء جون قرنق بابوجا؟ Deng05-19-03, 03:40 PM
  Re: ماذا يحمل الصادق المهدي في جعبته للقاء جون قرنق بابوجا؟ Deng05-19-03, 04:00 PM
  Re: ماذا يحمل الصادق المهدي في جعبته للقاء جون قرنق بابوجا؟ omdurmani05-19-03, 05:28 PM
  Re: ماذا يحمل الصادق المهدي في جعبته للقاء جون قرنق بابوجا؟ Deng05-23-03, 00:43 AM
  Re: ماذا يحمل الصادق المهدي في جعبته للقاء جون قرنق بابوجا؟ رباح الصادق05-23-03, 02:12 AM
  Re: ماذا يحمل الصادق المهدي في جعبته للقاء جون قرنق بابوجا؟ omdurmani05-23-03, 08:34 AM
    Re: ماذا يحمل الصادق المهدي في جعبته للقاء جون قرنق بابوجا؟ خالد05-23-03, 10:45 AM
  Re: ماذا يحمل الصادق المهدي في جعبته للقاء جون قرنق بابوجا؟ Deng05-25-03, 05:41 AM
  Re: ماذا يحمل الصادق المهدي في جعبته للقاء جون قرنق بابوجا؟ Deng05-25-03, 07:18 AM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de