إن حب الوطن والوفاء له والانتماء إلى ترابه وأهله، ليس مجرد كلمات تجري على الألسن، تتشدق بها وتخرج في دفقات حماسية تنتاب النفس حيناً ولا تفتأ أن تتوارى لتعود في مناسبة قادمة. إنها قيم عليا تحفر في العقول والقلوب، ودماء تجري في العروق، بل يكون ابن الوطن على استعداد لبذل روحه رخيصة فداء له. وهنا تحضرني كلمات البطل المظفر سيف الدين قُطُز الخوارزمي: ( إن الوفاء للوطن تربية وتنشئة وطنية، ومن يُدِرْ ظهره لأمته فقد أدار ظهره لأمه التي ولدته، فهو حيئنذٍ غير مؤتمن على تلبية نداء الوطن) *** كنت أتأمل هذه الرسالة التي تضمنتها كتب التاريخ، والتي قال فيها القائد (جئناكم بالسلم فأبيتموه واخترتم القتال، وجئناكم بالرأي السديد فتجاهلتموه، فما لكم من غضبتنا خلاص. إن قلوبنا كالجبال، وعددنا كالرمال، فالحصون لدينا لا تمنع، والعساكر لقتالنا لا تنفع، فإنكم أكلتم الحرام، ولا تعُفُّون عند الكلام، وخنتم العهود والأيمان، وتفشى فيكم العقوق والعصيان، فأبشروا بالمذلة والهوان، ( فاليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تستكبرون فى الأرض بغير الحق وبما كنتم تفسقون) (وسيعلم الذين ظلموا أى منقلب ينقلبون) فمن طلب حربنا ندم، ومن قصد أماننا سلم. فإن أنتم لشرطنا وأمرنا أطعتم، فلكم ما لنا وعليكم ما علينا، وإن خالفتم هلكتم، فلا تهلكوا نفوسكم بأيديكم، وقد حذر من أنذر.) لقد أعادتني هذه المعاني التي تئز ثائرة من يقرأها أزاً، وتهزها هزاً، لما يحدث في وطننا الآن الآن، لتلامس صلف العسكر وخيانتهم لقضية الوطن، وبيعها لتجار الحرب. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى هوانهم وخيبتهم في أداء رسالتهم التي أدوا لها القسم. إن رجال السودان عبر التاريخ لم يعرف عنهم سوى الشهامة والبطولات الناصعة. كما أعادتني الرسالة إلى ما سجلته كتب تاريخ البريطانيين، التي دونت حقبة استعمارهم للسودان، من اعتراف بالرجل السوداني في شجاعته وشهامته وكرمه وثقافته وفكره الثاقب. لقد جاء اعترافهم أقرب إلى الفخر والتمجيد. وليس أدل على ذلك من قصيدة شاعرهم رديارد كبلنغ (Rudyard Kipling) عن فروسية وشجاعة المقاتل السوداني. وتحدث فيها عن الثورات الوطنيـة التي واجهتها الإمبراطوريـة التى لم تغب عنهـا الشمس، واصفاً قتال الجندي السوداني بأنه الأشرس والأصعب. يقول في أجزاء من قصيدته : كانت لنا صولات حرب جمة عبر البحار مع الكثير من الرجال منهم الشجاع والجبان تعاركنا مع البيتـان والزولو والبورمبيين فكان أروع المقـاتلـين ذلك المغـوار الأجعــد الليـفـي الشـعر لـقـد أعـجـزنا صـمـوده إذ كان رابضاً لنا يندس في سواتر الأشجار ليـعـقـر خـيـولنـا بغتـة ويستبيح ساحة الحراس في سواكن المحصنة يـعابث الجنود لذا نهديك صادق التحايا في بلادك السودان إن كنت في الحيـاة بائسـاً تعاني فـأنت في الحـروب قـمـة الفـخـار إليك شـهــادة الإبلاء في المنازلة وإن أردتـهـا ممهــورة باسـمنا نعطيكـهـا *** لقد أصابتنا أيـدي (البوير) بلطمة انكسار و (البورمبون) أرعدوا أوصالنا من فزع وعانينا من (الزولو) متاعب جسيمة ولكن صار كل هؤلاء في جـوار(الفزى وزي) قصـاراً. نزجيك فخرنا وأنت بائس تعاني ولكـن في الحـروب قـمـة الفخــار أيها الأسـود الوثـاب لقد اقتحمت صـف الإنجلـيز في اقتـدار وعلى خلفية هذا المشهد البطولي، وفي هذا الوقت العصيب الذي تمر به بلادنا، نتساءل ويسأل لسانُ حالنا من أطلقنا عليهم (قوات شعبنا المسلحة) : أين مقاتلونا الذين عرفهم تاريخ هذا البلد الأبي الذي لا يرضى ظلما ولا هواناً؟ أين النخوة وأين الوطنية؟ وأين الشعور بانتمائكم إلى هذا الوطن الذي ورثكم مجدا وعزة ومكانة، كنا نتباهى بها بين الشعوب والأمم ؟ وأين الغيرة على الأنسان والأرض والعرض؟ فكونوا أحفاد علي عبد اللطيف وعثمان دقنة وعبد الفضيل الماظ وود حبوبة ... أو لا تكونوا . وتذكروا أن التاريخ يسجل ولا يترك وراءه حادثة، وأن ذاكرة الشعوب لا تنسى ، (ومن يقدم مثقال ذرة من وفاء يرها ومن يرتكب مثقال ذرة من الخذلان يرها). كمال [email protected]
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة