الإنسان بين الإسلام والحضارة الغربية الحلقةالرابعة والثلاثون بقلم محمد الفاتح عبدالرزاق عبدالله

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-23-2024, 11:11 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
04-16-2019, 00:02 AM

محمد الفاتح عبدالرزاق
<aمحمد الفاتح عبدالرزاق
تاريخ التسجيل: 09-14-2018
مجموع المشاركات: 59

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
الإنسان بين الإسلام والحضارة الغربية الحلقةالرابعة والثلاثون بقلم محمد الفاتح عبدالرزاق عبدالله

    00:02 AM April, 15 2019

    سودانيز اون لاين
    محمد الفاتح عبدالرزاق-Sudan
    مكتبتى
    رابط مختصر



    بسم الله الرحمن الرحيم
    (هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ اللّهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ الْغَمَامِ، وَالْمَلآئِكَةُ، وَقُضِيَ الأَمْرُ، وَإِلَى اللّهِ تُرْجَعُ الأمور)
    الإنسان بين الإسلام والحضارة الغربية
    الإنسان في الإسلام

    الباب السابع
    الفردية والطبيعة الإجتماعية

    الفردية:
    الفردية، في الإسلام هي الأساس.. فلقد خُلق الإنسان فرداً ويعود إلى الله فرداً "وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ".. وقد وكد الأسلام الفردية توكيداً شديداً.. فهي مدار التكليف، فلا تُنصب موازين الحساب، يوم تُنصب إلا للأفراد.. يقول تعالى: "فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ* وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ".. ويقول: "ولا تزر وازرة وزر أخرى".. ويقول: "ونرثه ما يقول ويأتينا فردا".. ويقول: "إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا* لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا* وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا".
    والفردية هي مناط الكمال، والتشريف.. فكمال كل فرد هو أن يحقق ذاتيته _فرديته_ التي تميزه عن كل الأفراد الآخرين.. وبهذه الفردية وحدها، تتفجر مواهب الفرد الذاتية، وتظهر خصائصه، التي يثري بها حياته، وحياة مجتمعه.. والفردية لها أصل أصيل في التوحيد، فالله تعالى كما سبق أن ذكرنا، لا يتجلى لذرتين في الوجود تجلياً واحداً، وهذا معنى قوله تعالى: "يَسْأَلُهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ".. فشأنه هو إبداء ذاته لخلقه، بخلقه، وهو شأن يمتنع فيه التكرار، إذ أنه نقص، وعجز، يتعالى الله عنه علواً كبيراً.. فالفردية هي حقيقة كل فرد، والمطلوب من كل فرد أن يسير بشريعته، إلى حقيقته فيكون فردي الحقيقة، فردي الشريعة..
    وكوننا لا نلقى الله تعالى، إلا فرادى، يجعل الفردية، هي جوهر الأمر بصورة جلية، فملاقاة الله تعالى، إنما هي تقريب صفات العبد من صفات الرب.. وأعلى صفات الرب "الأحدية"، وهي تعني الصمامة الداخلية، والخارجية، التي لا تنقسم، لبراءتها من الأغيار، ولخلوها من الفجوات ومن الفراغ.. وسبيل الإنسان إلى التخلق "بالأحدية" إنما هو التخلق "بالواحدية".. والواحدية هي التفرد الذي لا يشبهه شبيه.. وهذه هي حقيقة كل إنسان، والتي ينبغي أن يسعى بالعمل في العبادة، والمعاملة، إلى مخضها وإبرازها.
    من كل ذلك نصل إلى أن الفرد في الإسلام هو الغاية، وكل ما عداه هو وسيلة إليه، بما في ذلك وسيلة الإسلام والقرآن.. وهذا يعني أن الفرد البشري، إمرأة كان أو رجلاً، عاقلاً أو مختل العقل، يجب ألا يتخذ وسيلة إلى غاية وراءه، وإنما هو الغاية التي تؤدي إليها جميع الوسائل.. وكل فرد، في الحقيقة، فيه جرثومة الإنسان الكامل، حتى لو كان في الوقت الحاضر أبله، وسيأتي اليوم الذي سيبرز فيه إلى مقام عزه، ويحقق كماله، المكتوب له.
    الأنانية:
    الصفة المكملة للفردية هي "الأنانية".. فالإنسان بطبيعته الأصيلة أناني.. والأنانية، من أهم طبائعه.. ونعني بالأنانية، حب الذات، وحب ما يرى الفرد فيه مصلحة ذاته.. فالأنانية هي المحرك الأساسي للعمل، وهي في النهايات الحافز الأساسي لعمل الخير.. فكل فرد بشري، بحكم الجبلة أناني، ومحب لنفسه، ولخير نفسه، وهو لا يعمل إلا لغرض.. وهذا كماله!!
    وموضوع الأنانية هذا، من أكثر المواضيع التي وقع فيها خلط، وتشويش، في الفكر البشري، خصوصاً فيما يتعلق بأمر الدوافع، وأمر المصلحة الذاتية، وتعارضها مع المصلحة الجماعية.. وبصورة خاصة أمر التربية.
    لقد تحدثنا عن أمر الثنائية في القرآن.. كما تحدثنا عن نفس الإنسان السفلى، ونفسه العليا.. النفس العليا هي النفس الإنسانية، والنفس الدنيا هي النفس الحيوانية، في الإنسان.. فالإنسان منقسم بين هاتين النفسين وبين النفسين عدد من درجات النفوس.. يقول تعالى: "فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنَاْ عَلَيْكُم بِوَكِيلٍ".. "يهتدي لنفسه" يعني لنفسه العليا.. "وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا " تعني يضل في متاهات نفسه السفلى، ولم يرتفع منها نحو نفسه العليا.. ويقول تعالى: "إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا".. "التي هي أقوم" هي النفس العليا، وهي النفس التي تكون على الإستقامة، فلا تكون مفرطة في حيوانيتها، ولا مفرطة في روحانيتها، وإنما تكون في استقامة تلتقي فيها فضائل الحيوانية وفضائل الروحانية.. وقد ذكرنا، أن الله تعالى جعل الإنسان، شهوة ركب فيها العقل، وأمره أن يسوسها.. وسياستها إنما هي العمل على نقلها من النفس الدنيا _الحيوانية_ نحو النفس العليا _الإنسانية.
    فعلى ذلك، هنالك أنانية في مستوى النفس السفلى، وهذه أنانية سفلى.. وهنالك أنانية في مستوى النفس العليا، وهذه أنانية عليا.. والسلوك في الدين، هو عمل في التخلي عن الأنانية السفلى، والتحول إلى الأنانية العليا.. والأنانية السفلى، قد ترى مصلحتها ضد مصالح الآخرين، وتعمل على تحصيلها.. والأنانية العليا، لا ترى مصلحتها إلا في مصلحة الآخرين.. الأنانية السفلى تقوم على "الأنا" والأنانية العليا تقوم على "الأنت".. وفي الحالين يعمل الفرد إلى تحقيق مصلحته الذاتية، كل ما هنالك، صاحب الأنانية السفلى، يعمل لتحقيق مصلحته، وهو جاهل بها، فيكون عمله ضد مصلحته، وضد مصالح الآخرين في حين أن صاحب الأنانية العليا، يسعى إلى مصلحته وهو عالم بها، فيعمل من أجل الآخرين، وبعمله من أجل الآخرين يحقق مصلحته الباقية.. يقول الأستاذ محمود، عن الأنانية في المستويين: "وفي السلوك: (لا إله إلا أنت) تعني نفي الأنانية السفلى.. والتشمير والجد، في السير نحو الأنانية العليا.. فإنه كما قلنا، فإن الـ (أنت) في السلوك تعني "نفسك العليا"، وهذا يعني نفي الهوى من العمل، وهو ما عناه المعصوم حين قال: (لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به).. وإنما هذا مأخوذ من إخلاص العبادة لله المطلوب في قوله تعالى: "إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقّ..ِ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ * أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ.. وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء: مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى.. إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ.. إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ)..(ألا لله الدين الخالص).. (الخالص) من شوائب أغراض النفس السفلى.. وأنت لا تستطيع أن تتخلص من شوائب أغراض النفس السفلى إلا بإتقان الصلاة في حضرتي (الإحرام) و (السلام).. وقد تحدثنا عن حضرة (الإحرام)، ونحن هنا في حضرة (السلام).. ففي المعاملة: (لا إله إلا أنت) تعني العمل من أجل الآخرين.. فإن الـ (أنت) هنا تعني: (صاحبك الآخر) ابتداءً من زوجتك وإنتهاء بأبسط الأحياء، والأشياء، في بيئتك.. فليكن شعارك "العمل للغير" قل: (أنت) دائماً، ولا تقل: (أنا)، أبداً..". (أنت) دائماً.. ولا تنس: أقرب طريق إلى الـ (أنت) التي هي نفسك العليا، إنما هو العمل لإسعاد الـ (أنت) التي هي: (صاحبك الآخر).. إن أقرب السبل لإسعاد نفسك هو السبيل الذي يتجه إلى إسعاد غيرك.. فإن أنت إتخذت الطريق (المباشر) للبحث عن سعادة نفسك، فإنك، من غير أدنى ريب، تصل إلى التعاسة، وبسرعة.. فأنت إذا كنت زوجاً، فإن طريقك إلى السعادة الزوجية، لا يتجه (مباشرةً) إلى إسعادك نفسك، وإنما، يتجه إلى إسعادك زوجتك.. وما يقال عن الزوج هنا، يقال عن الزوجة، بل ويقال عن كل إنسان: فإن الطريق إلى إسعاد نفسك يقع في إتجاه إسعادك الآخرين.. فلتكن صيغة توحيدك (الله) التي تفكر فيها، دائماً، هي (لا إله إلا أنت).. في مضمار العبادة، وفي مضمار السلوك، وفي مضمار المعاملة، على أن يكون فهمك، في كل أولئك، على نحو مما ذكرنا آنفاً.. فإنك إن تفعل، تعش، دائماً، بين حضرتي الصلاة، وتكن، إذن، في (صلاة دائمة).. وهذا هو المراد منك".
    المهم، الأنانية طبع أصيل في النفس الإنسانية.. وهنالك اختلاف جذري في التعامل معها، بين الإسلام والحضارة الغربية.. وحديثنا أعلاه، يشير إلى جوهر تميز الإسلام.. وقد تم تناول القضية، وربطها بمجالات الحياة المختلفة، في كتاب "الإسلام ديمقراطي إشتراكي".
    رغم كل حديثنا هذا، عن أصالة الفردية، والأنانية، في الطبيعة الإنسانية، إلا أن الإنسان أيضاً ذو طبيعة إجتماعية.. ولا يمكن معالجة قضاياه، بصورة فعالة ومثمرة، إلا بمعرفة كل من الفردية، والطبيعة الإجتماعية عنده، في آنٍ معاً.
    الطبيعة الإجتماعية:
    الكون كله وحدة، كما سبق أن ذكرنا، والكون في وحدته هذه، يعمل عملاً، متسقاً، متكاملاً، لخدمة بعضه بعضاً.. كل جزء من الكون، يخدم بقية الكون، وكذلك بقية الكون، تخدم كل جزء فيه.. فالتعدد في الكون، في خدمة الفرديات، كما أن الفرديات في خدمة التعدد.. لا يوجد شيء زائد، ولا يوجد نشاز أو شيء ليس في مكانه.. لا شيء على الإطلاق موجود لغير حكمة.. يقول تعالى: "الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا مَّا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِن تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِن فُطُورٍ".. فخلق الرحمن ليس فيه تفاوت نوع، وتفاوت المقدار الذي فيه، ليس فيه، إضطراب ولا خلل، كما ليس فيه فجوات أو تصدع، وإنما هو وحدة، متكاملة متآزرة، خالية من النشاز.. مثل السمفونية الواحدة، التي يؤدي فيها صوت كل آلة، دوره، في وحدة مع أصوات الآلات الأخرى، في إنسجام تام، وهذه هي الوحدة في إطار التعدد.. وهذا هو الأصل بالنسبة لعلاقة الفردية، بالتعدد في المجتمع.. هذا بالطبع في الحقيقة، وهو ما ينبغي أن نعمل ليكون كذلك في الشريعة.
    هذا هو أصل الطبيعة الإجتماعية، للإنسان.. هو أصل توحيدي، في المكان الأول.. وقد أعد الله تعالى الفرد البشري، لهذا الأصل، بأن جعله يرث روح القطيع من الحيوان.. ثم جعله، ليس بالضعيف الذي لا يقدر على المناجزة، في الدفاع عن نفسه، وليس بالقوي الذي يعتمد على قوته كل الإعتماد، كما هو الحال بالنسبة للحيوانات الضارية، ذات الأنياب والمخالب.. وهذا الوضع، هداه للإعتماد على الحيلة _الفكر_ بدل العضلات والمخالب والأنياب.. وهكذا منذ البداية، فارق الإنسان خط حيوان الغابة، وأصبح له خط سير مختلف، يعتمد فيه على الفكر والعمل.. وهذه خاصية، أساسية، ميزت الإنسان على الحيوان.. ثم إن الله تعالى، جعل طفولة الإنسان طويلة، مقارنة بالحيوانات المختلفة.. فضعف التكوين الجسدي، مع طول الطفولة، جعلا من المجتمع بالنسبة للإنسان ضرورة.. فهو لضعفه البدني، أصبح في حاجة للتكتل، مع أبناء جنسه طلباً للحماية، من عدوان الحيوانات الأخرى، الأقوى.. ومن الأعداء، من أبناء جنسه أنفسهم.. وطول الطفولة جعله يعتمد على والديه، خصوصاً أمه، بصورة كاملة، فكانت هذه أصل المجتمع وبدايته.. في الواقع، منذ ظهور الأنثى منفصلة عن الذكر، ومنذ أن أصبحت الحياة تأتي من إلتقاء الأنثى بالذكر، بدأ المجتمع.. وعلى هذا، الطبيعة الاجتماعية، طبيعة أساسية للإنسان.. هي من أسباب وجوده، كما أنها من أسباب إستمرار وجوده، بتوفير الأمن والحماية، وبتيسير أمر الحياة، عن طريق التكافل، والعمل المشترك والتبادلي، وبصورة خاصة الحماية والأمن، وهذا ما جعل الحياة عند الإنسان تتطور بصورة كبيرة جداً.. وأكد أهمية المجتمع كون طفولة الفرد البشري طويلة، الأمر الذي يجعله طوال هذه الطفولة يعتمد بصورة كلية، على أسرته.. والأسرة هي نواة المجتمع.. وفي تكوين الفرد البشري، يلتقي الأب والأم، ومن ورائهما أباؤهما وأمهاتهما.. بل في حقيقة الأمر، الفرد البشري، وارث للنوع البشري كله.. وللأم في تنشئة الطفل البشري، دور أهم بكثير من دور الأب ـ وهذا ما سنراه بالتفصيل.
    فالأسرة، هي نواة التكوين الإجتماعي، وإليها يرجع الدور الأكبر والأهم، في تأسيس وتوجيه الطبيعة الإجتماعية للفرد.. بصورة خاصة، للأسرة الدور الأكبر والأهم في مخض وبلورة العاطفة الإنسانية، عند الفرد، وتنميتها.. والعواطف الإنسانية، كما يقول الأستاذ محمود، هي أفضل ما في الوجود.. بل المقياس الحقيقي لإنسانية الإنسان، هو رهافة حسه، في علاقته مع الآخرين.. فبقدر ما يجد الفرد في نفسه رهافة الحس التي تجعله يفرح لأفراح الآخرين، ويألم لآلامهم، تكون إنسانيته.. والأساس المتين، لهذا، هو روح الأبوة، والأمومة عند الآباء والأمهات، فهم يكاد حبهم لأبنائهم يكون تلقائياً.. ودون مقابل يرجونه.. خصوصاً الأم.. وهو حب ثابت _إلا بالطبع في الحالات الغير طبيعية_ وهذه الخاصية، عند الإنسان، على عظمها، هي من الميراث الإيجابي، الذي ورثه عن الحيوان، إلا أنها عند الإنسان تأصلت بصورة أكبر، ودخلت فيها اعتبارات العقل، واعتبارات القيمة.
    ومن الأسرة تسلسلت وحدات المجتمع الأخرى، وتنوعت العلاقات الإجتماعية، وتشابكت، وتفاعلت، عبر وسائل الإتصال والتواصل، وعلى رأسها، اللغة، والتجارة، والحرب.. واليوم فإن المجتمع البشري، قد أصبح عالمياً.. لكن هذا المجتمع الذي توحد على مستوى الكوكب الأرضي، فقد الروابط القديمة، وحتى رابطة الأسرة نفسها يوشك أن يفقدها، ولذلك أصبح، في وحدته هذه الجغرافية، يفتقر إلى ما يوحده!!
    وقد خرج المجتمع من الغابة.. وقد حكمه قانون الغابة زمناً طويلاً.. ولا نزال نعيش وفق هذا القانون رغم دخولنا المدينة.. فقد نقلنا في دواخلنا الغابة، إلى المدينة، وأصبحنا بذلك نعيش تناقضاً حاداً.. فمن جانب، حققنا أكبر وحدة إجتماعية، ومن الجانب الآخر لازالت هذه الوحدة، تعتمد قانون الغابة القديم، حيث القوة تصنع الحق وتتقاضاه.. من المؤكد أن هنالك تلطيف كبير حدث، ولكنه بعيد جداً عن أن يرتفع لمستوى التحدي الذي يفرضه الواقع.
    منذ البداية لم يكن للمجتمع أن ينشأ إلا على حساب تقييد نزوات الأفراد، وشهواتهم، وإندفاعاتهم الفردية.. وكان هذا التقييد للشهوة، عن طريق العقل، هو البداية الحقيقية، والمدخل الأساسي، لإنسانية الإنسان.. فالمسيرة كلها، عبارة عن تحول بطئ من الغابة إلى المدينة.. من حياة الحيوان حيث الشهوة هي المسيطر والموجه للسلوك، إلى حياة الإنسان، حيث العقل يسيطر على الشهوة، ويوجه السلوك، في جميع مجالاته.. يقول الأستاذ محمود: "لقد نشأ المجتمع البشري في الغابة.. وورث مخلفاتها.. وهي مخلفات لا يزال يعيش أخرياتها، والقاعدة العامة فيها: أن القوة تصنع الحق.. فللقوي حق طبيعي على الضعيف.. يستحقه لمجرد قوته.. ويتقاضاه بقوته.. فالقوة تصنع الحق، وتتقاضى الحق.. فتلك شريعة الحيوانات.. ولا نزال، نحن البشر، حتى في أخريات القرن العشرين، نعتقد هذا ونعمل به".. ولقد كان من حكمة هذا العنف العنيف الذي احتوش الحياة، أن تقوى إرادة الأفراد، فيسيطروا على شهواتهم، ويسيروا بذلك في طريق الإنسانية، بعد أن كانوا مسترسلين في طريق الحيوان السائم.
    ولقد كانت شريعة الغابة تمارس في السلم بالقوانين العنيفة والجائرة التي يضعها الأقوياء لخدمة مصالحهم.. أما في الحرب، فكانت هذه الشريعة تمارس بالسلاح ولقد تحولت، إلى حد كبير، القوة، من قوة العضل والسلاح إلى قوة الحيلة والذكاء، وإن كان اعتبار القوة المادية لا يزال قائماً.. أما قانون الإنسان، فيقوم على أن للضعيف حق، ينص عليه القانون، ويطبقه القضاء، وتنفذه السلطة، وهذا معنى التحول من قانون الغابة إلى قانون الإنسانية.. وقد ظل هذا التحول يجري عبر التاريخ، في بطء شديد، وعبر صور رهيبة من الصراع العنيف الدامي.. ولكنه ظل دائماً في حالة تقدم إلى الأمام، عبر التجربة، في الخطأ والصواب..
    ونحن الآن في مرحلة من مراحل التطور الحضاري، أصبح معها التحول نحو قانون الإنسانية، بصورة متقدمة، ممكناً، بل محتماً، والواقع يفرضه بصورة تجعل الخيار: إما تحقيق قانون الإنسانية، أو تهدد الحياة على الأرض بالدمار..
    كلمة إنسان، وإنسانية، ترجع لغوياً الى (الأنس).. وهي كلمة تفيد عكس (التوحش).. فكأنما الإنسانية تعني الانتقال من حالة التوحش التي كان عليها الحيوان في الغابة، الى حالة من الأنس يتخلص فيها الانسان من كل صور حياة الغابة، التي عليها الحيوان.. وقد خرج الانسان من الغابة، ولمّا يتخلص من حيوانيته.. فالانسانية هي التخلص من القيم الحيوانية ـ قيم الغابة.. ونحن الى الآن، بيننا وبين هذا التخلص، أمد بعيد!!
    بسبب العنف العنيف والصراع الدامي، الذي شهده تطور الحياة، في الأرض، أصبح للفرد البشري طبيعة ثانية تقوم على العنف والعدوان.. ولكن هذه الطبيعة ليست هي الأصل، وإنما هي إنحراف عن الأصل، تسبب فيه الخوف.. أما الطبيعة الأصلية للإنسان، فهي مسالمة.. (راجع كتابنا "الإسلام والسلام"..
    نخلص من كل ما تقدم، أن الفردية هي أصل الطبيعة البشرية.. وفي نفس الوقت الفرد البشري، إجتماعي بطبعه، وأي حل لمشكلات الإنسان، لا بد أن يراعي الجانبين، ويوفق بينهما، فلكل واحد من الجانبين احتياجاته التي لابد أن تلبى إذا أردنا أن ندخل مداخل الإنسانية.

    16/4/2019م























                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>

تعليقات قراء سودانيزاونلاين دوت كم على هذا الموضوع:
at FaceBook




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de