تَخَيّل معي مُباراة في كرة القدم بين فريقي الهلال والمريخ لحسم بطولة الدوري الممتاز.. بصُورةٍ ما تمكّن الناس من معرفة النتيجة قبل الموعد المُحَدّد للمباراة.. افترض أن الأمر أشبه بخيالٍ علمي.. اختراع جديد، آلة قادرة على كشف حجب الزمن لكل ما سيحدث في الثلاثة أيام القادمات.. أشبه بنشرة الطقس التي تتنبّأ بكل دقةٍ بتغيّرات الأحوال الجوية في الأيام القادمة.. وعبرها علمنا تماماً بنتيجة المباراة قبل 72 ساعة من ميقاتها المضروب.. ما الذي تتوقّعه أن يحدث؟
بكل تأكيد؛ لن يدخل المُباراة أحدٌ.. فجمهور الفريق المَهزوم لن يتكبّد مشاق الذهاب للإستاد وخسارة ثمن التذكرة.. أمّا جمهور الفريق الفائز فهو يدرك أن لا حاجة لتشجيع فريق أكّدت آلة الزمن أنّه فاز بنتيجة المباراة قبل لعبها.
بعبارةٍ أُخرى.. السّبب الوحيد الذي يجعل الإستاد يفيض حتى يتدفّق بالجمهور.. فتحصل الفرق المُتنافسة على أموالٍ ضخمةٍ من تذاكر الدخول.. السبب هو (الجهل بالغيب).. لكن إذا فتحت أسرار الغيب تتغيّر الحياة تماماً.
هذا المعنى عبر عنه القرآن الكريم في الآية (فلما قضينا عليه الموت، ما دلهم على موته إلا دابة الأرض تأكل منسأته، فلما خر تبينت الجن أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين) سبأ (14)
فشل العمال الجن في معرفة الغيب كبّدهم شهوراً من العمل المهين وهم يظنون أنّ سيدنا سليمان يراقبهم…
حسناً؛ تعالوا نستفيد من هذه الصورة المُدهشة.. طالما أن العلم بالغيب يُغيِّر من سلوك أو قرارات الإنسان في الحاضر.. فلماذا لا نُطَوِّر الفكرة لترفيع المسلك الإنساني..
كيف؟؟
استخدم قُدراتك العقلية الذاتية لاختراق حجب الغيب.. احصل على نسخةٍ – افتراضيةٍ – من ما سيحدث في المستقبل.. ثم ابنِ عليه قراراتك وسُلوكك في الحَاضر..
مثلاً..
طالب ينتظر الجلوس للامتحان بعد أيّامٍ قلائلٍ.. استخدم خياله وأدرك أنّ النتيجة هي تفوقه بامتياز.. ليس مطلوباً منه أن ينحي الكتب جانباً ويخلد إلى النوم لأنّ ذلك بالضرورة لن يكون المسار المُفضي للحصول على (ممتاز).. لكن بالضرورة عندما يُذاكر فإنّ عقله يستحضر المواد بمُنتهى السلالة لغياب عُنصر (التّوتُّر) والتّرقُّب الذي يُقلِّل من قُدرة العقل في امتصاص ما تلتقطه العين.. بعبارةٍ أُخرى، علم الطالب الغيب أفرغ قلبه من التّوتُّر ورفع قُدرته الاستيعابيّة.
وهكذا؛ انظر في كل مُنعطفات الحياة حولك ثُمّ استخدم فكرة تحويل المُستقبل إلى مَاضٍ للتعامل مع الحَاضر.. تَخَيّل النتيجة النهائية التي تؤول إليها الأمور ثُمّ تَعَامَل مع الحَاضر وفق هذا الإحساس الذي يفرغ القلب من التّوتُّر ويُوفِّر لعقل الإنسان أعلى درجات الفعالية والذكاء.
مثلاً.. رئيسك في العمل؛ تخشى أن تُؤثِّر خلافاتك معه في قراراته ضدك.. حسناً استخدم آلة الزمن وأهرب إلى المُستقبل، حاول ضبط الموجة تماماً مثلما تفعل في جهاز التلفزيون عند البحث عن مَحَطّةٍ بعينها.. فلا تجدها.. وتجد بدلاً منها (شخشخة) تدل على أنّها غير موجودة.. ستكتشف بآلة الزمن أنّ رئيسك في العمل نُقل إلى إدارة أُخرى.. فلا حاجة للتّوتُّر.. تصرف بمُنتهى الهُدُوءِ واستخدم ضميرك في قراراتك.
فَـــن الحياة بـ(المقلوب) يُعلِّمنا أنّ مُتعة الحاضر في أن نعيشه بيقين المُستقبل.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة