لا يخفى أهمية وقيمة "مخارج الطوارئ"، فهي أمر إيجابي وحسن، إذا رآه الإنسان ازداد شعوره بالأمان، حتى إن لم يحتج إليه في يوم ما، وجهات الاختصاص عن المباني تبالغ في وضع ضوابط وشروط (مخارج الطوارئ) وخطط الإخلاء!! بل بات يتم تنفيذ خطط الإخلاء (عملياً) بحسب معايير الجودة، وهي متطلب رئيس للحصول على شهادات اعتماد المؤسسات. و(مخارج الطوارئ) هي نفسها قضية (البدائل)، فإن حياة الناس لا تستقيم على حال واحد؛ بل تتقلّب بين الرخاء والشدة، واليسر والعسر، والفقر والغنى، والصحة والمرض والسقم، والتوفيق للعبد في حياته أن يوفق في إدارة برنامج (البدائل) للإفادة مما هو متاح ليحفظ على نفسه بذلك الوقت والجهد، بشرط أن يكون البديل لا يخالف شرعاً ولا نظاماً معتبراً. وقد لاحظت أن مجتمعنا بحاجة ماسة إلى التذكير (المتكرر) والتنبيه (النبيه) في أمر (البدائل)، حتى لا يستمر تكليف الأنفس فوق طاقتها وهذا - للأسف - واقع نشاهده يومياً، وحتى لا تستمر إضاعة الجهود والأوقات، فإنه متى ما ضاق الحال بقلة الوقود مثلاً أسقط الشخص عدداً من الزيارات غير الضرورية واكتفى بالمواصلة بالهاتف، و "لا يكلف الله نفساً إلى وسعها"، فإن الاتصال وقتها يعتبر من مخارج الطوارئ التي تفي وتكفي، سواء في سلام أو زيارة مريض أو تعزية مكلوم أو غيرهم، وهذا بعينه من التطبيقات العملية للقاعدة الفقهية المعتبرة عند فقهاء الإسلام والتي دلّت عليها النصوص الشرعية في الكتاب والسنة وقد ذكرها الإمام العلم العلّامة محمد بن إدريس الشافعي تلميذ الإمام مالك وشيخ الإمام أحمد -رحمهم الله جميعاً - وهي: (إذا ضاق الأمر اتسع) .. وللعامة عبارة (دبِّر نفسك)، وفي الأمثال المشتهرة نجد: (الأحدب يدري كيف ينام). وقد لاحظت في الأيام الماضية طول صفوف و (طوابير) شراء الخبز، وهو منظر كان مؤلماً لي ومحزناً للغاية، وفي ظني أن الواقفين كان عليهم أن ينظروا في البدائل الأخرى للخبز، وما أكثرها !! لمن بحث عنها، وليس المقصود ههنا بيان بدائل معينة، وإنما المقصود التذكير بأهمية البحث عن البدائل، فإن الناس يتفاوتون في ما يناسب حالهم، لذلك تتنوّع البدائل بتنوّع أحوالهم، فإن كثيراً من الشعوب في العالم، بل إن بعض أهل بلدنا في جهات مختلفة يصنعون الخبز في بيوتهم، مع يسر تعليم إنتاجه، وسهولة وسرعة إعداده، ولدينا في موروثنا (القُرّاصة والفطير والكسرة والعصيدة) فإن صناعة واحد منها في البيت أهون بكثير من الوقوف ساعات في انتظار الحصول على الخبز، وقد يكون في (مخارج الطوارئ) في مثل هذا الضيق غير ما ذكر، فقد تلذّذت بأكل الفطير "خبزاً" لكل الأنواع من الفول والعسل والزبادي والرجلة وغيرها، كما وقد جرَّبت بنفسي في الأيام الماضية - عدة مرات - أكل فول (مصلّح) بالملعقة، نعم بالملعقة ووجدته كما وجده من شاركني في ذلك شهيّاً !! ولمن يستغرب ذلك فإن (بليلة) العدسي هي من أشهى الوجبات في موروثنا الجميل خاصة إذا أضيف إليها الشمار والبصل وزيت السمسم أو السمن، فإنها كانت ولا زالت من أهم أطعمة وجبة الإفطار في شهر رمضان لما تحتويه مما أودع الله الخالق فيها من (البروتينات)، إذا ما الفرق بينها وبين الفول (المصلّح) حتى يستغرب من أكل الفول بالملعقة ؟! ومن (مخارج الطوارئ) التي تناسب البعض في مثل هذا الضيق الذي هو في فترة محدودة - غالباً - العناية بالسلطة الخضراء والإفادة من إبداع بعض الشعوب التي تميّزت بالعناية في تجهيزها وتنوعها، أقول هذا من باب تبادل الثقافات والخبرات وعندنا خير كثير في جوانب أخرى أفاد منها غيرنا، وحقيقة لا تنكر فإن مجتمعنا بحاجة إلى إعادة (فرمطة) ثقافته في هذا الجانب، لإعادة بناء موقف كثير من أهله تجاه (السلطة) فهو موقف (سلبي) في الناحية (العملية) وليس إيجابياً؛ فإن البدن بحاجة ماسة إلى كميات من هذا الخضار؛ خاصة في مثل بلدنا حيث تنتشر أمراض ارتفاع ضغط الدم وتصلب الشرايين وارتفاع نسب الكلسترول وأمراض الجهاز الهضمي .. فإن صحن سلطة مشكل كبير عليه إضافات مناسبة يؤكل بالملعقة في بعض الأحيان هو بديل مناسب ومخرج طوارئ موفق للوقوف ساعتين في صف خبز أبيض، وما أدراك ما أضرار الخبز الأبيض!! فإننا رغم إدراك أضراره المؤكدة نصر عليه وحالنا في ذلك يشبه حال النعامة التي تدفن رأسها في الرمال. على الأطباء في (طب الأسرة) والاختصاصيين في برامج التغذية مسؤولية كبيرة في هذا الجانب ولا أرى لهم من الجهود في التوعية في هذه الجوانب ما يشفي ويكفي بحسب اطلاع. وعلى وسائل الإعلام التركيز في مثل هذه القضايا والتغريد داخل السرب لا خارجه والتثقيف في هذه الجوانب بدلاً عن الانصراف ببرامج الأغاني وعرض أزياء المذيعات. والمؤسف أن الحديث عن (البدائل) و (مخارج الطوارئ) يعارضه البعض وربما عدّوه من (الخنوع) و (التخاذل) بزعمهم!! وذلك لأن لهم من الأغراض السياسية التي لا يجدون بغيتهم في تحقيقها إلا في (المتاجرة) بمعاناة أهله، وما أصدق المثل : (كل إناء بما فيه ينضح)!! ولمثل هؤلاء يقال: شتان بين من يناضل لأجل المواطن ويجتهد لما فيه مصلحته وبين من يناضل على ظهر المواطن لأجل مصالح سياسية حزبية!!! والحمد لله الذي عافانا من حال كهذا، ونرجو أن يكون همنا صلاح حال بلدنا رعاة ورعية إذ الجميع في مركب وسفينة واحدة، وننصح قدر المستطاع للراعي والرعية بضوابط شرعية فيها مراعاة مقاصد مرعية .. والموفّق من وفّقه الله..
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة