لن أستطيع أن أمنحك كل هذه الأغراض.. هكذا رد عليّ صاحب البقالة.. لم تكن المشكلة تكمن في الندرة التي بانت ملامحها في صفوف الوقود.. الأزمة أن حكومة الفريق عبدالرحيم أعلنت الحرب على أكياس النايلون.. لكنها الحرب الصحيحة في الوقت الخطأ.. يبدو تمسك الخرطوم المتسخة مثل رجل يرتدي جلباباً بالياً وممزقاً، لكن فوق ذلك يضع على صدره ربطة عنق أنيقة.. نسيت أن أخبركم أن حل الأزمة كلفني سبعة جنيهات أو سبع رغيفات بمعيار اليوم.
في موسم تحرير الاقتصاد الذي تختبيء من ورائه الحكومة تصدر إشارات تفيد بالإضراب ولا تؤدي إلى النتائج المرجوة.. بالأمس أعلنت حكومة الخرطوم تكوين شرطة لحماية المستهلك وضبط الأسعار.. لن نتحدث عن حماية المستهلك، لأن ولاية الخرطوم استوردت بصات من المملكة العربية السعودية خرجت من الاستخدام الآدمي منذ سنوات.. رغم ذلك قامت ولاية الخرطوم بتحميل المواطن السوداني فاتورة التخلص من النفايات الخليجية.. لم تكن تلك المرة الأولى.. فقد اشترت قبل سنوات ذات الحكومة بصات قديمة من بلدية دبي.. عن أي مستهلك تتحدث الحكومة؟!
نعود لفكرة شرطة رقابة الأسعار.. هنا يكمن التفكير الخاطئ أو الذي تريد أن تسوقه الحكومة السودانية أن ارتفاع أسعار الخبز مثلاً سببه جشع أصحاب الأفران.. وأن تدني قيمة جنيهنا سببه المضاربة بين تجار قرية في شرق النيل.. جربت الحكومة استخدام المسدس لتطويع الدولار.. النتيجة أن العرض المرن للدولار اختفى في السوق الموازي فيما زاد الطلب الحاد.
المعادلة الاقتصادية واضحة.. الحل يكمن في تحرير الاقتصاد لا رفع الأسعار.. تحرير الاقتصاد معمول به في الغرب.. المواطن الفقير لا يتأثر بتلك للسياسات.. لأن دولة الرفاه تطعمه من جوع وتشغيله من مرض.. وتوفر له المأوى.. تحرير الاقتصاد يحدث حينما تخرج الحكومة وشركاتها من السوق.. يتحقق الرفاه عبر نظرتي العرض والطلب في سوق منافسة عادل وشفاف.
في تقديري.. ترتكب الحكومة حماقات اقتصادية حينما تهرول نحو التحرير.. قبل أن تصل إلى الهدف تعود إلى السياسات الشمولية.. أو حين تعتبر أن الشعارات يمكن أن تخدع المواطن المغلوب على أمره.. كيف يستقيم أن تطلب الحكومة من كل المصارف والصرافات أن تصرف كل التحويلات بالعملة الصعبة.. ثم بعد ذلك تعتبر أن بيع دولار واحد في السوق الموازي جريمة غسيل أموال.. كيف تقنع مستثمر أجنبي أن يضخ أمواله في مثل هذا المناخ المضطرب؟
بصراحة.. أشعر أحياناً أن الحكومة ضاع عليها الدرب على (الموية).. بل إنها تمارس سياسة النقائض أو تجمع بين حملات محاربة السلاح وأكياس النايلون والذي بات استخدامه أو تصنيعه جريمة.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة