لم أر العلمانيين خلال السنوات الأخيرة فرحين وسعداء بشيء مثل سعادتهم وفرحهم بمقالات وأحاديث بثها الزعيم والمفكر الإسلامي التونسي الشيخ راشد الغنوشي بُعيد ثورة الربيع العربي في تونس بدا فيها الرجل منقلباً على ما سمي بالإسلام السياسي متراجعاً عن فكره الإسلامي ناقداً للإسلام كمشروع حضاري لإصلاح الدنيا والآخرة ومتناغماً مع المشروعات القائمة على الفكر البشري المادي العلماني المتمرد على سلطان الله تعالى. أما نحن المنتسبين إلى الإسلام فقد كنّا بين مصدق ومكذب لما يقول الرجل نلتمس له العذر أحياناً وننتقده في أحايين كثيرة سيما وأن الرجل شمّت فينا ، ببعض مقولاته ، شانئينا من بني علمان ومنحهم حجة دامغة وشهادة (شاهد من أهلها) بل وجرأهم على الأسلام وشعائره وشرائعه وزادهم يقيناً أن المشروع الإسلامي قد انهار ومات ولا بديل لنا غير تشييعه إلى مثواه الأخير والتسليم بسيادة وانتصار الفكر والحضارة المادية الليبرالية المتمردة على الله تعالى سيما بعد أن أذعن لها أحد كبرائنا وزعمائنا بل والانخراط في ركب (جوقة) بني علمان الذين وجدوا في الغنوشي ما يطمئنهم على صحة مراجعاتهم وانسلاخاتهم الفكرية ويزيدهم اقتناعاً بأنهم لم يتنكبوا الطريق ولم يغيّروا أو يبدلوا حين ركلوا مرجعياتهم القديمة بعد عمر طويل أفنوه في محرابها. كنت ممن أمطروا الغنوشي بوابل من نقدهم فقد كتبت مقالين غاضبين بعنوان (هل نأخذ ديننا من الغنوشي) أرفض فيهما منهج الرجل في التعامل مع ثوابت ومحكمات القرآن الكريم ولكن يبدو أنني لم أفهم الرجل أو ربما لم أدرك أنه كان في كثير من أقواله وكتاباته يتعامل مع حالة المجتمع التونسي المتفرنس الشبيه بالمجتمع المكي غداة صدور التكليف بالرسالة الخاتمة والبعيد عن المثال الرباني التوحيدي المطلق الذي أراده الله للمجتمع المسلم بل وللبشرية جمعاء. أحمد الله تعالى أن الغنوشي ألقم بني علمان حجراً ضخماً بمقاله الأخير الذي نشرناه الأحد الماضي في (الصيحة) بعد أن روجنا له قبل ذلك حتى يقرأه الفرحون من العلمانيين بما ظنوه انكفاء وردة عن المشروع الذي أفنى فيه الغنوشي زهرة شبابه وكهولته وتعرض في سبيله للسجون والمعتقلات والنفي عن الوطن. اللهم لا شماتة فها هو الغنوشي يزأر بسخرية لاذعة من الفرحين بردته المتوهمة ويقول إن ما حدث في مصر وغيرها من تراجع لما يسمى بالإسلام السياسي (لا يعدو انعطافات إلى الخلف هنا أو هناك تحفزاً لانطلاق جديد في منحنى صاعد في الوجهة العامة بما يرجح أنه حتى نقاط التراجع لن تلبث أن تلتحق بالخط البياني العام المتجه إلى الصعود). ثم يقول الغنوشي :(إن الحركة الإسلامية ، المصطلح المفضل لدى الإسلاميين بديلاً عمّا يُسمى الإسلام السياسي ونعني بها جملة المناشط التي تدعو إلى الإسلام باعتباره كلمة الله الأخيرة إلى الناس ومنهاجاً شاملاً للحياة وخطاباً للعالمين ..هذا الإسلام تؤكد كل الدراسات الإحصائية أنه اليوم أكثر الديانات والمناهج الحياتية الايديولوجية سرعة انتشار وتمدد واستقطاب للعقول والإرادات وأن معتنقيه هم الأكثر استعداداً للتضحية بكل غالٍ ونفيس من أجله وغيرة عليه والتزاماً به).. ويضيف الغنوشي مما يفري أكباد بني علمان (إن ما يسمى بالإسلام السياسي يتحرك فوق بساط هو الأوسع اليوم في العالم وقد مكنته تقنيات الاتصال المعاصر من بلوغ سرعات تمدد غير مسبوقة في التاريخ). من الصعب أن أسرد أو ألخص كل ما قال الرجل في هذا المقال الإستراتيجي الطويل الذي أدعو إلى قراءته، لكن ما أود أن أخلص إليه ناصحاً المنهزمين من أصحاب المراجعات الفكرية الذين ترجلوا من مركب الإسلام (السياسي) والله أنكم تركبون المركب الخطأ، فموج الإسلام المبارك والتلاطم قادم قادم لا يقف في طريقه عائق لأنه كلمة الله الأخيرة إلى الناس كافة وأرى بشائر النصر القريب بإذن الله فها هم الغربيون يلطمون الخدود ويشقون الجيوب بعد أن اكتشفوا أن الغرب يتحول إلى الإسلام بوتيرة متسارعة وأنه لن تمضي عقود قليلة حتى يستسلم العالم أجمع للإسلام ومنهجه الرباني فبدلاً من هذا الانهزام المقيت أمام مظاهر الحضارة الغربية الفاجرة الأفضل للمنكسرين من أصحاب المراجعات وغيرهم من بني علمان أن يراجعوا أنفسهم بدلاً من تكرار قصة بلعام بن باعوراء التي حكى عنها القرآن (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آَتَيْنَاهُ آَيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ (*) وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ). assayha
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة