من أشهر تعريفات الثقافة - وهي كثيرة – تعريف تايلور الذي نلخصه في القول بأنها الكل المركب الذي يشمل المعارف والعادات والتقاليد والقيم والمُثل والسلوك وإبداعات الناس الفكرية والفنية . والمعنى اللغوي للثقافة يتضمن التقويم والتهذيب وإصلاح الإعوجاج وهو التثقيف . إذن فالثقافة بمعنييها الإصطلاحي واللغوي تستهدف إعداد الفرد من النواحي المعنوية والفكرية والسلوكية والأخلاقية ليكون مواطنا صالحا ملتزما تجاه مجتمعه ووطنه . الثقافةالعميقة : راج في الأونة الأخيرة مصطلح الدولة العميقة ، وهي كما يعرفها بعض الباحثين -أي الدولة العميقة - التي تتضمن أجندتها الولاء للقومية ومصالح الدولة ، وهي ضمير الدولة ، وأن مؤسساتها السياسية والمالية والأمنية والتشريعية والقضائية والإعلامية جميعها تتحرك في إتجاهات معينة لكنها جميعا في النهاية تصب في مصلحة الدولة العميقة . والثقافة العميقة هي منتوج للدولة العميقة لأنها ثقافة تلزم الفرد بأن ينشد مصلحة الوطن والمصلحة العامة في إتساق مع استراتيجية الدولة العميقة القائمة على عقيدة الوطن أولا لكي تستمر حياتنا . الثقافة العميقة هي وسيلة من الوسائل التي تلقن وتعلم بها الدولة مواطنيها حب الإنتماء للوطن حتى تصبح هذه الثقافة العميقة منهجا وسلوكا للأفراد في المجتمع ، في حين يعتقد البعض أن الوطنية وحب الوطن يتكرس بترديد النشيد الوطني في طابور الصباح ودروس التربية الوطنية في المدارس ، لكن في حالة الثقافة العميقة فإن حب الوطن والإخلاص له يتكرس بمجموعة القيم والسلوك والمُثل والأفكار التي يجدها الفرد في كل مكان يحل فيه ، البيت ، العمل ، المدرسة ، الشارع إلخ .......إلخ . وعندما تقوم الدولة بدورها التربوي من خلال مؤسساتها التي تحمل عقيدة الثقافة العميقة حيث نجدها تلتزم بالنظم والقوانين في تعاملها مع المواطن ، وعدم المساس بحقوق المواطن ومساواة المواطنين أمام القانون وسيادة مفهوم الدولة خادمة للمواطن ،هنا نجد أن الفرد أو المواطن متماهيا مع الدولة فيتعامل مع ممتلكات الدولة والممتلكات العامة على أنها ملكه ، وأن مصلحة المجتمع هي مصلحته ، وبهذا المنهج التربوي للدولة تهيمن الروح العامة وتتراجع الروح الفردية والمصلحة الشخصية لصالح العام . أنظر إلي فترة الستينيات وما قبلها ، وهي الفترة التي بدأت فيها بوادر تكون دولة وطنية حيث بدأت ملامح لثقافة عميقة في الظهور كيف كانت الدولة تتعامل مع المواطنين أبناء الفقراء وغير الفقراء تصرف الدولة على تعليمهم حتى المرحلة الجامعية وتوفر لهم كل مطلوبات العملية التعليمية في كل هذه المراحل وترحلهم من وإلي موطنهم فإذا تخرج الطالب وجد الوظيفة جاهزة ، لذلك تكبر الدولة في نظره منذ تلك المراحل ويشعر أنه مدين لهذه الدولة بعكس الذي يشعر بمعاناة أهلة في تعليمه ومن بعد كل تلك المعاناة يجد إسمه مسجل في طابور العاطلين بعد التخرج . مثل هذا الشخص يصبح لا مبالي ويمكن أن تحوله تلك اللامبالاة إلي كاره للوطن . الثقافة العميقة لا تتجمل بالأيدويولوجيا لأنها تطعن في مصداقيتها في نظرتها للمواطنين , فالأيديولوجيا تقسم المواطنين إلي موالي وغير موالي وهذا يتجاوز مبدأ العدالة ، كما أنها ترى في القبلية والعنصرية والجهوية مهددات للدولة العميقة ، فكلها تحاول إستبدال الولاء للوطن بالولاءت الضيقة . غياب الثقافةالوطنية في مجتمع من المجتمعات يمهد لسيدة ثقافة ضحلة ، وهي وليدة لحظة ليس لها جذور في المجتمع ، تحملها طبقات ليست لديها ولاء للمجتمع وترى مثل هذه الثقافة في قيم الثقافة الوطنية ذات التوجه العام مهددا لمصالحها ، هذه الطبقات تنشأ وتنمو في ظل أنظمة تتعارض أجندتها مع مع أجندة الثقافة الوطنية وهي طبقة الطفيلين واللامنتمين والإنتهازيين والنفعيين ، إذ ينتج هؤلاء سلوكيات مضادة لقيم الثقافة الوطنية لم يعهدها الناس في المجتمع من قبل ، ويتم الترويج لهذه الثقافة السطحية من خلال أجهزة الإعلام ، وشيئا فشيئا تتسلل هذه الثقافة إلي الأفراد في المجتمع حتى تشمل شرائح واسعة في المجتمع ، ويصبح حملة هذه الثقافة قدوة لقطاعات واسعة في المجتمع يقلدونهم بدون وعي ، وتصبح هي الثقافة السائدة ، وعندما تسود مثل هذه الثقافة في المجتمع يصبح المجتمع مكشوفا لعوامل الإستلاب وغيرها من التغريب ، عندما تسود مثل هذه الثقافة السطحية ينشغل الناس بالتوافه ، ويتجه الأفراد إلي الجري وراء المصالح الخاصة ويقل الاهتمام بالمصلة الوطنية العامة ، وعلى مستوى العلاقات بين أفراد المجتمع يقل إحترام الأفراد لبعضهم البعض ، وتختل العلاقة بين المواطن والدولة وتصبح اللامبالاة سيدة الموقف ، وتنتشر المفاهيم الخاظئة بين الناس ، فالصواب يصبح خطاءاً، والخطأ يصبح هو الصواب ، وهكذا تبدأ مرحلة التفكك في الدولة التي يتبعها الإنهيار ، و الذي يحمي من هذه الحالة التي يصل إليها المجتمع هو الثقافة الوطنية ، فقيمها المغروسة في وجدان الناس وخبراتها التي تراكمت طوال عقود من الزمن تستطيع أن تقف أمام هذا المد للثقافة السطحية ، والخراب الذي أحدثته في المجتمع . فالمنتمي للثقافة الوطنية ليس هو ذلك الشخص المتعلم الذي نال حظا من التعليم ، وأصحاب الشهادات العالية ، بل هو كل من التزم في في سلوكة بقيم الثقافة الوطنية سواء متعلما أو أميا ، أمثال هؤلاء يعملون بكل تجرد في أي موقع يجدون أنفسهم فيه ، عمالا أو موظفين أو تجارا أو مسؤولين في الدولة ن أصحاب الوظائف والناصب منهم لا يفرحون بالمنصب أو الوظيفة لأنهم دائما مهمومين بأن يحددثوا فرقا في حياة مجتمعاتهم ، ولا يسعون لتحقيق مصالح ومكاسب خاصة بهم ، وإذا تركوا المنصب أو الوظيفة كانت الأكثرية منهم لا يوجد في أرصدتهم إلا المعاش ، فلم يمتلكوا العمارات والفللوفاره السيارات ، كل ما يأملون فيه أن يوفي البدل لمعاشهم شربء منزل متواضع يأوي الأسرة ، هؤلاء هم الذين يحفظون للوطن حقه وكرامته وسمعته ، أما الذين تفرزهم الثقافة السطحية والذين يتوهمون بأنهم عباقرة زمانهم فهؤلاء عنوان لزمن أسمه زمن ااسمه زمن الإنحطاط .
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة