التأميم والمصادرة: رفع الحراسة وإلغاء بعض المصادرات ومراجعة قرارات التأميم بقلم د. عبدالله محمد سلي

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-24-2024, 03:48 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
05-31-2016, 04:34 PM

عبدالله محمد سليمان
<aعبدالله محمد سليمان
تاريخ التسجيل: 01-13-2014
مجموع المشاركات: 28

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
التأميم والمصادرة: رفع الحراسة وإلغاء بعض المصادرات ومراجعة قرارات التأميم بقلم د. عبدالله محمد سلي

    04:34 PM May, 31 2016

    سودانيز اون لاين
    عبدالله محمد سليمان-
    مكتبتى
    رابط مختصر



    المقالة الحادية عشر: محاولة درء آثار الكارثة وأفراح بعض أصحاب الحقوق المغتصبة

    بدء تنفيذ قرارات الإعادة:
    كما ذكرنا في المقال السابق حول تراجع نظام مايو عن قراراته، لم يخيب النميري ظن الذين نظموا الاحتفال به، والذين لا نشك أنه قد كان من خلفهم الكثيرون ممن أصابتهم كارثة التأميم والمصادرة. وصدرت الصحف ومنها الرأي العام العدد رقم 90 بتاريخ 11 أغسطس 1972م وفي صدر صفحاتها الأولى كعنوان رئيس (مراجعة قرارات المصادرة). ثم صدر القرار الجمهوري بتكليف لجنة إعادة النظر في قرارات المصادرة. كما أشارت الصحف إلى دلالات لقاء الرئيس بالقطاع الخاص وأفاضت حول ذلك في افتتاحياتها. ومن ذلك ما ورد بافتتاحية صحيفة الأيام العدد رقم 6602 بتاريخ 13 أغسطس 1972م وعنوانها : حرمة الملكية الخاصة..... في فلسفة الثورة. جاء فيها (أعلن السيد الرئيس عن بدء مراجعة ملكية القطاع العام لبعض الأعمال التجارية الصغيرة التي آلت ملكيتها بقرارات المصادرة التي صدرت في أواخر عام 1970م. وأكد السيد الرئيس أن قرارات التأميم لا رجعة فيها لأنها صدرت بقانون. وأن المراجعة ستشمل المؤسسات التي تمت مصادرتها من سودانيين عاملين في دنيا المال والأعمال وأنها لن تشمل الأجانب الذين ثبت أنهم كانوا يهربون أموالهم أولا بأول.... إن فلسفة الثورة الاقتصادية تقوم على احترام الملكية الخاصة احترامها للملكية العامة إلخ) إذن لقد أصبح لثورة مايو أخيرا " فلسفة" ترعى حرمة الملكية الخاصة وعبر عنها ميثاق العمل الوطني الوليد ،الذي أشارت له الافتتاحية ، تحرم الاستيلاء على ممتلكات الناس الخاصة! علينا أن نصدق أنه قد أصبح لثورة مايو تلك الفلسفة وما زالت أصداء قراراتها المزلزلة تملأ أنحاء البلاد وقانون الاستيلاء الذي أصدرته ثورة مايو وقوانين التأميم في أول تشريعاتها لنزع الملكية الخاصة موجودة ونافذة.
    قرارات رفع الحراسة:
    كان من ثمرات الاحتفاء بالنميري وتكريمه صدور قرارات رفع الحراسة عن الممتلكات وإعادة المؤسسات المصادرة. ففي عدد الصحافة رقم 2857 بتاريخ 15 أغسطس 1972م نشرت بالصفحة الأولى صورة الرئيس القائد وهو يستقبل السيد أميل شفيق وكيل أعمال مخازن بنيامين بالقصر الجمهوري ويهنئه بعد أن أصدر قراره برفع الحراسة عن مخازن بنيامين وقد كان ذلك أول القرارات برد الحقوق إلى أهلها. وأوردت الصحيفة في ذات العدد بجانب الصورة نص القرار الجمهوري رقم (109) برفع الحراسة عن مخازن وممتلكات بنيامين. ونورد نصه هنا كمثال للقرارات الشبيهة التي ستتوالى بعد ذلك التاريخ (أمر- عملا بالسلطات المخولة لي بموجب المادة (10) من قانون الحراسة العامة لسنة 1970م، وتمشيا مع السياسة التي أعلنتها على الشعب السوداني في احتفال القطاع الخاص بسيادة العدل وبما أن التحريات التي أجريت فيما يتعلق بمخازن بنيامين لم تسفر عن ارتكابهم لأي جريمة تبرر تقديمهم للمحاكمة، بموجب القانون حيث أن أصحاب هذه المخازن قد غادروا البلاد بالطرق المشروعة بعد استيفاء جميع الاجراءات القانونية اللازمة لخروجهم وبما أن لديهم وكيلا شرعيا وممتلكات تغطي جميع ما عليهم من الالتزامات وتفيض عن ذلك بكثير ، عليه فإنني بهذا آمر برفع الحراسة عن تلك المخازن وعن ممتلكات أصحابها على أن يباشر وكيلهم الشرعي أعماله فورا في إدارة المحل بعد عملية التسليم والتسلم مع جهاز الحراسة العامة. صدر تحت توقيعي في اليوم الرابع عشر من شهر أغسطس سنة 1972م). هنا يمكن التساؤل: ألم يكن ممكنا التحري عن ارتكاب بنيامين أي جرائم تبرر وضع ممتلكاته تحت الحراسة لأكثر من عامين وتعطيل مصالح وكيله الشرعي قبل اتخاذ قرار وضع تلك الممتلكات تحت الحراسة؟ أم أنها تلك الفورة الهوجاء العمياء التي تمت بعلم النميري وتحت سمعه وبصره وبقرارات وقع عليها كرئيس لمجلس قيادة ثورة مايو. ولقد كان من حق وكيل مخازن بنيامين والعاملين معه الاحتفال بعودة الحق المغتصب لأهله، فحرصوا على التعبير عن شكرهم للرئيس القائد بالإعلان في صحيفة القوات المسلحة والتي نشرت صفحة كاملة في عددها رقم 197 وتاريخ 27/8/1972م بعنوان عريض : شكر من الإدارة والعاملين بمخازن بنيامين . وأوردوا في الإعلان نص القرار الجمهوري وصورة الرئيس القائد يستقبل وكيل بنيامين ويهنئه ويبادله الابتسام. وابتهاجا بالقرار جاء في الاعلان : يسر مخازن بنيامين أن تزف إلى زبائنها الكرام أنها قررت إحداث تخفيض هائل في الأسعار تمشيا مع سياسة محاربة الغلاء وتخفيف العبء على المستهلك – الخميس 24 أغسطس الافتتاح الكبير لمخازن بنيامين – الخرطوم في مواجهة المحطة الوسطي. لكن الذي يلفت النظر في هذا الإعلان هو المساحة التي أفردها للعاملين للتعبير عن فرحتهم برفع الظلم وعودتهم لأعمالهم وكسب قوت عيالهم الذي انقطع لنحو عامين من سيطرة جهاز الحراسة على مورد رزقهم، جاء فيها (العاملون بمخازن بنيامين يشيدون بالقرار: أبدى العاملون بمخازن بنيامين وهم: بشير الخليفة، وعبد المتعال طليمات وعمر أحمد إبراهيم تقديرا كبيرا لقرار السيد رئيس الجمهورية ووصفوه بأنه حكيم وعادل أخرس ألسنة كل الذين يسعون للنيل من عدالة الثورة ورحمتها، وقالوا إن القرار أعاد البسمة إلى شفاه أسرهم التي ظلت تعتمد على عمل أربابها موردا لقوتها- كما عبروا عن امتنانهم للمعاملة الطيبة التي وجدوها من السيد أميل شفيق وكيل مخازن وممتلكات بنيامين. وجددوا ولاءهم للثورة ووعدوا بوضع كل جهودهم في خدمتها وخدمة المواطنين الكرام). ترى كم من العاملين مثل بشير الخليفة وعبد المتعال طليمات وعمر أحمد إبراهيم، ممن تضرروا وهاموا على وجوههم، وعانوا في معاشهم وعانت أسرهم جراء تلك القرارات البلهاء المتعجلة التي طالت عشرات منشآت الأعمال والمحال التجارية بمصادرتها أو وضعها تحت الحراسة؟
    قرارات إعادة المؤسسات المصادرة:
    بعد حوالي ثلاثة أسابيع من احتفال القطاع الخاص بالرئيس القائد وتحديدا في 31/7/1972م صدر القرار الجمهوري رقم (114) بإعادة شركتين مصادرتين لأصحابها هما شركة الثقة التجارية وشركة التبريد الوطنية، ويعتبر هذا القرار أول خطوة على طريق التراجع عن قرارات المصادرة. وجاء في ذلك القرار الذي نشرته صحيفة الأيام في عددها رقم 6619 بتاريخ 1/9/1972م ونورده بنصه كمثال لقرارات إعادة الشركات المصادرة، ما يلي (بعد الاطلاع على قرار المصادرة الصادر من مجلس قيادة الثورة في 14/6/1970م فيما يختص بمصادرة شركتي الثقة والتبريد الوطنية. وبعد الاطلاع على القرار الجمهوري رقم 111 الصادر في 16/8/1972م بتكوين اللجنة الفنية لمراجعة قرارات المصادرة، وبعد الاطلاع على توصية اللجنة المتعلقة بشركتي الثقة التجارية والتبريد الوطنية قرر: أولا يعاد العمل الذي تمت مصادرته للشريكين جعفر سيد أحمد قريش وديمتري زروغلوس على اساس الحسابات المراجعة في تاريخ المصادرة مع أخذ المسحوبات في الاعتبار. ثانيا يحل الشريكان المذكوران محل مؤسسة التبلدي الهندسية في تنفيذ تعهداتها والتزاماتها المترتبة خلال فترة المصادرة وتؤول إليهما الحقوق المستحقة للمؤسسة خلال تلك الفترة، على أن تكون الأرباح التي حققتها المؤسسة بعد المصادرة ملكا للدولة ويسمح للشريكين باستلام تلك الأرباح لاستثمارها شريطة أن يقوما بسدادها لوزارة الخزانة خلال عامين من تاريخ استلامها وبدون فوائد. ثالثا: يُلْزَم الشريكان باستيعاب جميع العاملين الذين يكونون عند تنفيذ أحكام هذا القرار في خدمة المؤسسة على أن يترك أمد استيعاب المديرين لتقدير الشريكين. رابعا: على مدير عام مؤسسات الدولة التجارية اتخاذ جميع الاجراءات والتدابير اللازمة لتنفيذ أحكام هذا القرار بالتعاون والتنسيق مع كل من وزارة الخزانة والمراجع العام – التوقيع جعفر محمد نميري رئيس الجمهورية) هذا نموذج لقرارات إعادة المؤسسات المصادرة والتي توالت بعد ذلك وفق توصيات اللجنة الفنية لمراجعة قرارات المصادرة التي شكلها الرئيس نميري كما سبقت الإشارة.
    استمرت اللجنة الفنية لمراجعة قرارات المصادرة في أعمالها وفي فبراير من عام 1973م صدر بيان عن مكتب الأمين العام لرئاسة الجمهورية بانتهاء أعمالها، جاء فيه أنه بإعلان القرارات الجمهورية الصادرة في الخامس عشر من فبراير 1973م بشأن الشركات المصادرة فإن اللجنة تكون قد فرغت من مهامها وفقا لقرار السيد رئيس الجمهورية. وأوضح البيان أن اللجنة قد رفعت توصياتها للرئيس وسيصدر قرارات لاحقة بشأن الحالات الفردية للذين تأثروا بقرارات المصادرة. كما سيرفع رئيس اللجنة الفنية تقريرا شاملا للرئيس عن سير أعمالها وبعض الملاحظات الهامة التي وقفت عليها أثناء مباشرتها لمهمتها التي استغرقت ستة أشهر كاملة. وأوضح البيان جهود اللجنة في إطار الروح التي حدت بالرئيس إصدار قراره بإعادة النظر في جميع قرارات المصادرة وعلى النحو الذي تضمنه القرار الجمهوري رقم 111 الصادر في السادس عشر من أغسطس عام 1972م والذي تم بموجبه تشكيل لجنة روعي في تكوينها وجود عناصر قانونية واقتصادية. وأوضح البيان أن الرئيس أشاد بأعمال اللجنة الفنية في اجتماعه برئيسها بقصر الشعب وبالجهد الذي اضطلعت به في حيدة ودقة وتقدير عظيم للمسئولية وأوضح البيان أن الرئيس عبر عن اقتناعه بتوصيات اللجنة وأن من شملتهم قرارات المصادرة مجددا قد جانبوا الطريق السوي باتباع أساليب ملتوية يشجبها القانون مما جعل تأكيد المصادرة بشأنهم أمرا لا مناص منه. كما عبر عن ارتياحه لما أوصت به اللجنة من إنزال عقوبات مناسبة على من ثبت للجنة أنهم ارتكبوا بعض المخالفات والتي لم تكن في مجملها ترقى إلى درجة المصادرة الكاملة الأمر الذي يتيح لهم فرصا أخرى لمزاولة أعمالهم وإزالة ما حاق بهم من أضرار. الأيام – 20/2/1973م. وهكذا يتضح أن عملية إعادة النظر في قرارات المصادرة أفضت لثلاثة أنواع من المعالجات: مؤسسات أعيدت فورا لأنه لم يكن ثمة مبرر لمصادرتها، مؤسسات لم تكن مخالفاتها ترقى للمصادرة الكاملة فأعيدت بعد النظر في المخالفات والبت فيها، وأخيرا مؤسسات هنالك مبرر قوي لمصادرتها، بحسب تحريات ورأي اللجنة الفنية، فتم تأكيد قرارات مصادرتها. وعلى كل حال وبعد صدور ذلك البيان من رئاسة الجمهورية، أسدل الستار على قضية القرارات الخاصة بالمؤسسات المصادرة وبقيت الآثار السالبة على الاقتصاد السوداني يعاني منها لأعوام قادمة.
    أفراح أصحاب المؤسسات المصادرة بقرارات الإعادة:
    ما إن بدأ إعلان قرارات إعادة المؤسسات المصادرة عقب احتفال القطاع الخاص بالنميري حتى توالت الإعلانات الضخمة بالصحف تشيد بقرارات الرئيس القائد. فمن تلك الجهات التي أعلنت بصفحات كاملة في الصحف حافظ السيد البربري ومجموعة شركاته والدكتور معلوف، وآل محمد السيد البربري وشركة السجاير الوطنية المحدودة ومجموعة شركات برسميان وإخوان ليمنيوس بإلغاء مصادرة أسهمهم في مؤسسة التقطير الوطنية، ومجموعة شركات سركيس أزمرليان وآل بيطار ومجموعة شركات بيطار وغيرها. وكالت تلك الاعلانات عبارات المدح والثناء لثورة مايو وقائدها، وتحدثت عن عدلها وأخذها بالحق لأهله. فعلى سبيل المثال نشرت الصحف بتاريخ 8/1/1973م الإعلان التالي (جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا. حافظ السيد البربري ومجموعة شركاته، انطلاقا من مفاهيم ثورة مايو الظافرة لتحقيق العدالة والعدل القائم على الانصاف ورد الاعتبار لكل مظلوم، وانطلاقا من العدل النابع من الأصالة الحقيقية التي يتمتع بها ابن السودان البار السيد الرئيس القائد اللواء أ.ح جعفر محمد نميري لتحقيق العدالة بين المواطنين وإرساء قواعد الطمأنينة والمحبة والحرية ، نتقدم لك يا سيادة الرئيس بأجزل الشكر وعظيم الامتنان لقراركم العادل برد الحقوق إلينا مما يزيدنا ثقة في عدالتكم ومحبة في خطوات ثورة مايو البناءة تحقيقا لمجتمع الكفاية والعدل ، ونعاهد الله والوطن ونعاهدك على السير خلف أهداف مايو لدفع المسيرة الاقتصادية الكبرى نحو الغاية المرجوة) وقد وقع هذا الإعلان أبناء حافظ السيد البربري محمد واحمد وسيد وشركائهم على محمد العشي ويوسف محمد العشي. ومثال آخر ما نشرته الصحف في نفس الفترة إشادة من آل بيطار بقرار إعادة شركاتهم ( جبرائيل بيطار– أصالة عن نفسه ونيابة عن آل بيطار ومجموعة شركات بيطار يتقدمون بأجزل آيات الشكر والعرفان لسيادة الرئيس اللواء أركان حرب جعفر محمد نميري على قرار الحق والعدل بإعادة مجموعة شركات بيطار إليهم ويعاهدون الرئيس والشعب السوداني الكريم على مواصلة البذل والجهد ليلا ونهارا من أجل التنمية ودعم الاقتصاد الوطني متمنين للوطن كل تقدم ورفعة وازدهار – جبرائيل بيطار). ومع ما في هذين الاعلانين من عبارات للمدح والثناء والإشادة بقرارات الرئيس نميري وعدالته، ومع ملاحظة أن إعلان شركات مجموعة حافظ البربري أورد صورة ضخمة للرئيس القائد في الإعلان بينما اكتفي إعلان بيطار بإيراد صورة للسيد جبرائيل بيطار مالك المجموعة، إلا أنه يمكن القول بأن النجاح الذي حققه احتفال رجال الأعمال بالنميري والمتمثل في استدراجه لتحقيق أهدافهم، وهو حق مبرر ومشروع كما ذكرنا، وفرحة أصحاب تلك المؤسسات بعودة حقهم المغتصب وممتلكاتهم المسلوبة لهم، والجو العام الذي أحاط بتلك القرارات وتصويرها من قبل أجهزة الإعلام وكأنها عدالة مطلقة من الرئيس القائد ونظام مايو، كل هذا وغيره كان يبرر تلك اللغة الفضفاضة المسهبة في عبارات المدح للنميري ونظام مايو والتي استخدمتها إعلانات أصحاب المؤسسات التي ألغيت قرارات مصادرتها. ولا تثريب عليهم ولا على العاملين معهم ممن أضيرت مصالحهم وضاقت سبل العيش بهم، فقد طغت عليهم الفرحة الغامرة بعودة حقوقهم المغتصبة، وكانوا جميعا في مقام يصدق فيه قول جرير:
    فَإنِي قَدْ رَأَيْتُ عَلَىَ حَقَاً زِيَارَتِيّ الخَلِيفَةَ وامْتِدَاحِي
    سَأشْكُرُ إنْ رَدَدْتَ عَليَ رِيشِي وأَنْبَتَ القَوَادِمَ فِي جَنَاحِي!
    مراجعة قرارات التأميم:
    أعلن النميري في خطابه في الاحتفال الذي نظمه القطاع الخاص تكريما له، أن قرارات التأميم للمصارف والشركات لم تكن موضوعا للمراجعة لأن التأميم تم بموجب قانون كما ورد في حديثه. لكن الحقيقة هي أنه كانت هنالك مراجعات لبعض الأسس التي تم بموجبها التأميم ونصت عليها القوانين ذات العلاقة. وجرت الكثير من الاتصالات ما بين بنك السودان والإدارات الجديدة التي اختارتها سلطة مايو لإدارة تلك البنوك، بشأن المشكلات والصعوبات التي خلقتها ظروف التأميم المفاجئة، وما اكتنف علاقات المصارف المؤممة الخارجية وواجهها من عقابيل. وقد واجهت المصارف المؤممة الكثير من المشكلات في ممارسة نشاطاتها مما أدى في مقبل الأيام إلى دمج بعضها وإعادة توصيف أدوارها في مجمل النشاط الاقتصادي في البلاد. فعلى سبيل المثال كانت هنالك اتصالات تجرى مع بنك الكريدي ليونيه محورها الإشكال القائم حول أسهمه في بنك النيلين. وقد تراجعت حكومة السودان ووقع السيد إبراهيم منعم منصور وزير الاقتصاد والتجارة في يوليو 1972م نيابة عن حكومة السودان "اتفاقية تعويض" مع هذا البنك تمت الموافقة فيها على تعويض الكريدي ليونيه في فترة أقل من تلك التي حددها قانون التأميم. ففي حديث نشرته صحيفة الأيام في عددها رقم 6571 بتاريخ 7/7/1972م أوردت الصحيفة نص اتفاقية التعويض التي وقعها الوزير مع البنك في يوم 24 مايو 1972م، وجاء في مقدمة الاتفاقية (أنه بموجب قانون تأميم البنوك لعام 1970م فإن هذه الاتفاقية تعبر عن صادق رغبة حكومة السودان في تعويض بنك الكريدي ليونيه عن أسهمه في بنك النيلين 40%) ومضت الاتفاقية للنص على أنه وبناء على ذلك تم التوصل بين الطرفين إلى اتفاق، وافق بموجبه بنك الكريدي ليونيه على تقدير صافي القيمة الذي توصلت له لجنة تقييم البنك التي كونت بمقتضى قانون التأميم، وعليه وافق البنك على أن قيمة التعويض هي تلك التي حددتها تلك اللجنة بمبلغ مليون و202 ألفا و150 جنيها سودانيا. بالإضافة لمبلغ إضافي قدره 98 ألفا و530 جنيها وافقت الحكومة على اعتباره من حق بنك كريدي ليونيه يضاف إلى قيمة أسهمه التي قدرتها لجنة التقييم عند صدور قرار التأميم في 25 مايو 1970م. ويبدو أن هذا المبلغ هو الذي كان مثار الخلاف بين تقديرات لجنة التقييم وما يرى بنك الكريدي ليونيه أنه من حقه كتقييم عادل لأسهمه في ملكية بنك النيلين. وبناء على رغبة البنك أن تدفع له قيمة التعويضات تم التوصل إلى جدولة لدفع المبلغ المستحق على ثلاثة أقساط متساوية تدفع على مدى ثلاثة سنوات، على أن يدفع القسط الأول منها في 7 يوليو 1973م والثاني في 7 يوليو 1974م والثالث في 7 يوليو 1975م.
    السيد وزير الاقتصاد والتجارة تحدث إلى الصحف عقب توقيعه الاتفاق قائلا (صدقت النيات فتم الاتفاق بسهولة) ووصف الاتفاق بأنه مثل يحتذى ونموذجا للتعاون الذي يمكن أن يتم لو صدقت النوايا. ومعروف أن الفترة التي حددها كل من قانون تأميم البنوك وقانون تأميم الشركات لتعويض المصارف والشركات المؤممة هي عشرة إلى خمسة عشرة سنة وبسعر فائدة قدره 4%. وأوكل القانون للجان تم تشكيلها مهمة تقييم البنوك والشركات المؤممة وتقدير التعويض لكل بنك وشركة مؤممة ورفع توصياتها لوزير العدل ووزير الخزانة ورئيس مجلس إدارة بنك السودان. وبديهي أن تكون أعمال تلك اللجان ونتائجها وما توصلت له من قيمة للبنوك والشركات المؤممة محل اختلاف وجدل مع أصحاب الحق في التعويضات. وقد تركزت نقاط الخلاف بين الحكومة والشركات والبنوك المؤممة في التالي:
    1. أساس القيمة الدفترية (Book value) الذي أُخذ به في تقييم الأصول والممتلكات أي القيمة الأصلية زائدا أي إضافات أو تجديدات أو إعادة تقييم ناقصا الاستهلاك، لم يكن أساسا مقبولا أو عادلا وطالبوا بالتقييم على أساس القيمة الحالية أي السوقية للأصول.
    2. طالب بعض أصحاب البنوك والشركات المؤممة بتعويضهم عن اسم الشهرة (Goodwill) الذي بنته مؤسساتهم عبر سنوات طويلة، ومعروف في المحاسبة أن للشهرة قيمة ولحساب قيمتها أساليب وطرق محاسبية محددة.
    3. كانت هنالك بعض الاعتراضات على سعر الفائدة الذي حدده قانون تأميم البنوك وقانون تأميم الشركات بنسبة 4%.
    وهكذا فإن الأساس الذي اعتمدت عليه تلك اللجان في تقدير قيمة الأصول الثابتة لم يكن منصفا، وقد اعترف النميري في خطابه في احتفال القطاع الخاص أن اللجان اعتمدت في تقييمها على "القيمة الدفترية للأصول" وقال أن هذا غير منطقي وفيه ظلم لأصحاب الحقوق! ولعلنا نضيف أن الأجواء المتوترة والمشحونة بالشك والريبة والتحامل والعجلة التي صاحبت قرارات التأميم واعقبتها أثناء عمل تلك اللجان، ما كان يمكن أن تتيح عملا مهنيا متقنا. لاسيما وأن تقييم الشركات والبنوك (Company valuation) لأي غرض كان هو من المجالات المحاسبية العويصة، التي تتطلب قدرا كبيرا من العلم المحاسبي والدربة والخبرة للنظر في أساليب وبدائل التقييم للتوصل لنتائج منطقية. فالأصل في تقويم المنشآت والممتلكات هو حدوث تغيير جوهري في هيكل ملكية تلك المنشآت أو الممتلكات. فاستمرار هيكل الملكية بنفس التشكيل لا يتطلب عادة تقويم للمنشأة أو الممتلكات محل الملكية، وذلك استنادا إلى مفهوم الاستمرار المحاسبي الذي يقضي بأن التكلفة التاريخية والتحفظ من أهم المبادئ المحاسبية الواجبة التطبيق عند تقويم صافي أصول أي منشأة أو حق ملكية. وعليه فإن نتائج القياس المحاسبي التقليدي تتمثل في الآتي:
    1. اختلاف التكلفة التاريخية لصافي الأصول أو الممتلكات عن الأسعار الجارية لها.
    2. عدم الاعتراف بالأصول المعنوية كالشهرة وبراءة الاختراع بصورة صريحة في السجلات المحاسبية.
    3. عدم الأخذ في الاعتبار الفرص المستقبلية للنمو الناتجة عن التغيرات الهيكلية المحتملة في الإنتاج والتسويق واستراتيجية الإدارة.
    لهذه الأسباب فإن التقويم المحاسبي التقليدي من القوائم المالية واستنادا إلى القيمة الدفترية للأصول لا يعكس القيمة الحقيقية للمنشأة حين تؤول ملكيتها لجهة أخرى بالتأميم أو البيع أو غيره من أساليب تحول الملكية. ونشك كثيرا في توفر العناصر المهنية ذات العلم والخبرة بأساليب التقييم لتأخذ بكل ما تقدم في اعتبارها، لتفادي مثالب القياس المحاسبي التقليدي، ولتعين اللجان التي أنيط بها تقييم المصارف والمؤسسات المؤممة للتوصل للقيمة العادلة لأصولها. ولذلك لم يكن هنالك أمام لجان التقييم التي شكلها نظام مايو إثر صدور قرارت التأميم غير الأخذ بالقيمة الدفترية وهي، وكما هو معلوم، ايسر البدائل للتقييم ولا تتطلب أكثر من الرجوع للسجلات المحاسبية التاريخية. وبديهي أن تكون نتائج تكن تلك المعالجة المحاسبية لأصول المنشآت المؤممة المصرفية والتجارية غير منطقية وغير عادلة! ويصدق فيها قول البحتري:
    إذا مَا الجُرْحُ رُمَّ عَلَى فَسَادٍ تَبَيْنَ فِيهِ إهْمَالُ الطَبِيبِ!
    وواضح من اعتراضات أصحاب المنشآت المؤممة أن تقييم الشهرة كأصل، على سبيل المثال، قد أُسقط أو تم تجاهله وهو أمر كانت تتطلبه عدالة التقييم. وعلى كل حال يبدو أن بنك الكريدي ليونيه، الذي أوردنا الاتفاقية التي عقدت معه كمثال للمراجعات لأسس تأميم البنوك، سهل على الحكومة كثيرا بالتنازل عن حقه في اسم الشهرة لبنك النيلين، وكذلك قبوله نسبة ال 4% كسعر للفائدة. والذي يبدو واضحا مما استعرضناه أن نظام مايو وإن تمسك بقراراته في التأميم للبنوك والشركات، إلا أنه تراجع كما يوضح هذا المثال عن بعض الأسس التي أصر عليها سابقا ونص عليها قانون التأميم. وقد سعت الحكومة سعيا حثيثا للتفاهم مع تلك البنوك والشركات بالخارج لمعالجة الكثير من المشكلات التي أفرزتها قرارات النظام المزلزلة المتعجلة التي أضرت كثيرا بالاقتصاد السوداني.
    وتجدر الإشارة إلى أن الرئيس نميري عبر عن هذا التراجع أو على الأقل إعادة النظر في قرارات التأميم وأكده، كنهج جديد لنظام مايو، أثناء زيارته الأولى لبريطانيا في مارس 1973م، والتي اصطحب فيها ثلة من وزرائه، ووافق خلالها على فتح ملف التأميمات ومناقشة أسس جديدة لتعويض الشركات البريطانية المؤممة. وبحسب الدكتور منصور خالد أعلن النميري ذلك في مؤتمر صحفي، أوضح فيه أن السودان يرحب بالاستثمار الأجنبي وقال إن الحكومة ستوفر للمستثمرين الأجانب الضمانات اللازمة بموجب القانون السوداني. منصور خالد – السودان والنفق المظلم: قصة الفساد والاستبداد – صفحة 107. وكما هو معلوم لم تُجْدِ تلك المساعي كثيرا في جذب المستثمرين والشركات الأجنبية، ولم تفلح في إعادتهم من جديد لاستثمار أموالهم في السودان لا من بريطانيا ولا من غيرها. فمن جرب المجرب حلت به الندامة كما يقول المثل!








    أحدث المقالات
  • آخر طرفة (الجلوس للامتحانات ميطي)!! بقلم فيصل الدابي/المحامي
  • المؤرّخ ماريو ليفِراني يعيد تشييد بابل في كتابه تخيّل بابل بقلم عزالدين عناية
  • الموساد بحلبة الصراع السوري بقلم فادى عيد
  • آخر نكتة سودانية (مكانيكي جربندي)!! بقلم فيصل الدابي/المحامي
  • قاسم سليماني… وحروب العراق! بقلم داود البصري-كاتب عراقي
  • رسالة دعوية بقلم / ماهر إبراهيم جعوان
  • إنقلاب عسكري للكيزان في جمهورية منطادستان! بقلم أحمد الملك
  • جنوب كردفان بعد ام سردبة بقلم حامد ديدان محمد
  • كلمة وغطايتها بقلم صلاح الباشا
  • مثير للجدل. بقلم حسن عباس النور
  • هذا يحدث في أوربا (ممنوع دخول النساء)!! بقلم فيصل الدابي/المحامي
  • الإستراتيجية الكفاحية الجديدة البديلة بقلم: زياد جرغون
  • الرؤساء القادمين والملف الفلسطيني المرحل بقلم سميح خلف
  • البرمجة الذكية..!! بقلم عثمان ميرغني
  • من أين أتى هؤلاء ..؟ بقلم الطاهر ساتي
  • الحديث ذو (صحون) !! بقلم صلاح الدين عووضة
  • البحر أمامكم...!! بقلم عبد الباقى الظافر
  • أسلحة شرق النيل والإثنين الأسود ! بقلم الطيب مصطفى
  • الفاتح عز الدين .... شن جاب لي جاب بقلم شوقي بدرى
  • ليس بحبس الطلاب وإغلاق الجامعات بقلم نورالدين مدني























                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>

تعليقات قراء سودانيزاونلاين دوت كم على هذا الموضوع:
at FaceBook




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de