كشفت وزارة الداخلية عن وجود مليوني مهاجر غير شرعي بالبلاد. ويأتي هذا الإعلان استنادا على معلومات وتقارير أجهزة وزارة الداخلية إلا أن منظمات ومصادر أخرى تقدر عدد المهاجرين العشوائيين غير القانونيين من دول الجوار الأفريقي إلى السودان في العشرين عاما الأخيرة بأكثر من خمسة ملايين وافد منهم على الأقل أكثر من مليون تجنسوا وأصبحوا يمارسون حقهم كمواطنين بعد تمكنهم من استخراج هويات سودانية بسهولة وبطريقة غير قانونية . ويعزي مراقبون وجود هذا التسيب في الإجراءات لعدم تفعيل الضوابط الإدارية والقانونية بطريقة فعالة ولعدم وجود أدوات فرز فنية ناجعة في التحري الاجتماعي فضلا عن وجود القبائل الممتدة بين السودان وبعض جيرانه كأثيوبيا وتشاد وأفريقيا الوسطى وجنوب السودان وأريتريا . هذا الواقع ينعكس بوضوح على أداء المؤسسات المعنية مما يجعل من الصعب على عليها في ظل حالات التسيب الإداري وقلة الإمكانيات وغياب الرؤية لحماية الهوية السودانية وعدم وجود تقنيات وكوادر مدربة لضبط الحدود، أن يكون ضبط الوافدين او تحديد هوياتهم وتصنيفهم أمرا ممكنا، وذلك رغم الجهود النظرية للمختصين في وزارة الداخلية التي غالبا ما تظل أسيرة الملفات ولا تجد طريقها إلى أرض الواقع . وما الأوضاع الاقتصادية البائسة والطاردة التي يعيشها أهل السودان خاصة في المدن الكبيرة وفي مقدمتها العاصمة التي تجاوزت العشرة ملايين نسمة إلا نتاجا طبيعيا لفشل سياسات الحكومة وإدارتها للدولة من جانب ولضغوط الهجرة العشوائية من دول الجوار إلى السودان دون ضوابط او قيود من ناحية أخرى . فلم يكن من خيار أمام السودانيين جراء هذه الضغوط الاقتصادية والمعيشية والأمنية والسياسات الطاردة المتعمدة في بعض الأحيان إلا طرق أبواب الهجرات إلى الخارج طلبا للقمة العيش الشريف لتملأ فراغاتهم شرائح الطفيليين المستفيدين عائدات الفساد والمهاجرين الوافدين الذين يمثل السودان بالنسبة لهم مستقرا سهلا أو محطة للعبور للأكثر طموحا منهم . وكان خبراء سودانيون، قد حذروا من تزايد ما وصفوه بـالخطر (المخيف) في معدلات هجرة السودانيين للعمل في الخارج، واشاروا إلى أن معدل هجرة الأطباء السنوي لا يقل عن (5) آلاف طبيب. ويشير جهاز المغتربين إلى أن هجرة الاطباء تعتبر فقد لرأس المال البشري للدولة خاصة وأن تكاليف تعليم وتدريب الطبيب منذ نشأته تصل الى (15) مليون دولار. وكشفت وزارة العمل عن هجرة (50) الف سوداني خلال ستة اشهر فقط في عام 2014 . وفي نهايات عام 2015 أعلن جهاز تنظيم شؤون المغتربين في السودان، عن هجرة نحو 50 ألفاً من الكفاءات السودانية، من أساتذة الجامعات والأطباء والصيادلة والمهندسين والعمال المهرة، بدافع تحسين أوضاعهم المعيشية، بينهم 300 أستاذ من جامعة الخرطوم وحدها .. وكشفت إحصائية جديدة عن هجرة 4.979 من الأطباء والصيادلة، و4.435 من الفنيين التقنيين، بجانب مغادرة 3.415 مهندساً، و39 ألفاً من العمال المهرة خلال العام الماضي. وفي العام 2013 بلغ عدد السودانيين المهاجرين للخارج عبر عقودات عمل لعدد من الدول 66 ألف سوداني خلال السته اشهر الأولى من ذاك العام.. وفي منتصف ديسمبر 2013 أعلنت الحكومة أنها فقدت 34% من كوادر العلماء والباحثين في المركز القومي للبحوث خلال الأشهر الستة الأخيرة من نفس العام .. وفي أغسطس من العام الحالي كشفت وزارة الداخلية عن إحصائية جديدة لطالبي السفر للخارج، وقال مسؤول في إدارة الجوازات إن عدد تأشيرات الخروج المنجزة يوميا تصل إلى 5 ألاف تأشيرة لشرائح مهنية في شتى المجالات .. ورغم تصريحات وزير صحة ولاية الخرطوم المتكررة بأن هجرة الأطباء والكوادر الطبية لا تؤثر في بنية الخدمات الطبية إلا أن المجلس الطبي يؤكد في إحصائية رسمية أن عدد الأطباء المسجلين بالمجلس الطبي يبلغ (49) الف طبيب منهم (6) الاف طبيب اسنان (13) الف صيدلي، وأن عدد الأطباء الاختصاصيين المسجلين لا يتعدي الـ(8) الاف اختصاصي، منهم (927) أخصائي جراحة عاملة، (55) اختصاصي كلي، اختصاصي الصدرية (157) اختصاصي، التخدير (309)، و(962) اختصاصي النساء والتوليد، العظام (200) بالإضافة إلى (8) اختصاصي طواري علما بأن عدد السكان يتجاوز الثلاثين مليونا . سعادة الحكومة بهجرة السودانيين؟ يتهم بعض المراقبين الحكومة بالفشل والعجز في إدارة الدولة بفتحها لأبواب الهجرة أمام الكوادر المدربة وشرائح النخبة من السودانيين لتخفيف الضغط السياسي والاقتصادي عنها دون إدراك لخطورة النتائج المترتبة على إهدار الموارد البشرية المؤهلة وحاجة السودان إليها ويستشهدون على ذلك بالتصريحات العديدة لبعض الوزراء والمسؤولين الذين يشجعون السودانيين على الهجرة في سعادة غامرة . ويستدل آخرون بممارسة السياسات والممارسات الأمنية الطاردة المتعمدة للنظام الحاكم تجاه معارضيه من الكوادر السياسية النشطة وكوادر الخدمة المدنية من الخبراء والعلماء الذين لا يدينون له بالولاء وهي سياسة ارتبطت بسياسة التمكين التي انتهجها النظام منذ مطلع التسعينات واعتماد سياسات القمع الطاردة وهى السياسات التي فتحت أماهم أبواب الهجرة إلى دول العالم تحت برامج اللجوء السياسي وإعادة التوطين حتى بلغت أعدادهم الملايين من خيرة أبناء الشعب السوداني من الكوادر العلمية والمهنية وهو ما جعل النظام يشعر بالارتياح لفترة من الوقت لنجاحه في تشريد الكوادر السياسية المعارضة في الأحزاب والنقابات والاتحادات وتمكنه من بسط هيمنته عبر بناء مؤسسات ومنظمات بديلة من كوادره وانصاره . ولئن أرغم الواقع المعيشي والاقتصادي المتردي في البلاد الالاف إلى البحث حثيثا عن عيش كريم في بلاد واوطان أخرى مهما كانت الشروط ولهم العذر في ذلك مكرهين لا مختارين ، فأن خطر الهجرة العشوائية من دول جوار السودان التي تعيش بؤسا وفقرا شديدا على السودان ونسيجه الاجتماعي وهويته الوطنية يظل الخطر الأكبر في ظل اهتراء الدولة وفشل مؤسساتها وضعف قدرات الكوادر التي تتحكم في القرار وضعف إحساسها بالمخاطر الحقيقية التي تستهدف البلاد على المدى القريب والبعيد . أكثر من سودان يتشكل الآن في أرجاء الدنيا بسبب فشل سياسات الإنقاذ سودان في أميركا وآخر في أوروبا وغيره في استراليا وسودان في الخليج وسودان في أطراف القاهرة ووطن على أرض النيلين لا وجيع له .
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة