كنت قد نشرت موضوعاً بعنوان (المؤتمر الوطني والحوار الوطني) بالعدد (1520) بصحيفة (التيار) الغراء – حفظها الله من اعداء الحق ونصراء الباطل – أثنيت فيه علي السيد رئيس الجمهوريه لمبادرته الحضاريه الكريمه المتمثله في فكرة لم شمل السودانيين بشتى ضروبهم وأفكارهم وتطلعاتهم في صعيد واحد ليدلوا بآرائهم بكل جرأه وبمنتهي الصراحه والشفافيه حول كافة الأمور والمسائل المتعلقه بالهويه ونظام الحكم والإداره والقانون تحت مظلة (الحوار الوطني) . أذكر أن ذلك كان بالتحديد في اليوم السابع والعشرين من شهر نوفمبر من العام الماضي . أي بعد مرور شهر ونصف الشهر علي بداية وأنطلاقة ذلك الحوار . وقد تطرقت الي البيئه الصحيه التي يتمتع بها الحوار والي الحريه الكامله التي تحفه والديمقراطيه المطلقه التي تشع في أرجائه . وحمدت الله كثيراً علي ذلك لأنها المره الأولي التي يلتقي فيها السودانيون بتلك الأعداد المهوله وبتلك الثقافات المتنوعه وبتلك الروح الصادقه المملوءه بالأمل والرجاء لمستقبل واعد يزخر بالخير والنماء في وطن يعمه السلام وتتلاقح فيه الافكار وتتكاتف فيه الأيدي ولكن وفي نفس الوقت الذي أبديت فيه ثقتي الشديده في السيد الرئيس وفي نواياه الطيبه الصادقه تجاه هذا الوطن الحبيب أبديت تخوفي من حزب المؤتمر الوطني الذي تمرس وأبدع في أختطاف المبادرات والمؤتمرات قبل أن يقوم بوأدها والتعتيم عليها . ولهذا فقد رجوت ( المؤتمر الوطني) في ختام ذلك الموضوع أن تكون مشاركته في الحوار نابعه من شعاره الذي ظل يرفعه لأكثر من ربع قرن من الزمان المتمثل في (لا للسلطه ولا للجاه) . وهأنذا – وللأسف الشديد – أرى أن رجائي قد ذهب ادراج الرياح . كيف لا ورجل في مقام مساعد الرئيس يستبق مخرجات الحوار ويصرح بأن ( المؤتمر الوطني ) لن يقبل بحكومه أنتقاليه وسيقبل فقط بحكومه قوميه وطبعاً ( المؤتمر الوطني ) يرمي من وراء ذلك الي استوزار جميع من يحملون السلاح ( لايهم العدد ) ليطلق علي الحكومه ( حكومه قوميه ) . ويستمر هو – المؤتمر الوطني – في هيمنته الكامله علي مقابض السلطه في الحكومه وفي البرلمان وفي كافة الأذرع وذلك لسبب بسيط جداً هو أن ( الجاه ) الذي أصاب (المؤتمر الوطني ) ومنسوبيه لايمكن أن يعيش إلا في كنف (السلطه ) فإذا تم نزع السلطه والجاه من هذا الحزب أصبح يتيماً ومنبوذاً كزميله السابق ( الاتحاد الأشتراكي ) وبالطبع هو لا يريد أن يكون كذلك بأي حال من الأحوال . تقول الاحصائيات ( غير الدقيقه ) بأن البلد تعج حالياً بما يربو علي ثلاثه ألف دستوري في المركز والولايات . وطبعاً جميعهم يتمتع بالأمتيازات والمخصصات العاليه الي جانب الحصانه الدستوريه الواقيه من المساءله القانونيه حتي في الحالات الجنائيه . ( والمؤتمر الوطني ) بما عرف عنه من نرجسيه وعدم شعور بأي غيره علي الوطن والمواطن لن يهمه أن يصبح عدد الدستوريين ثلاثين ألفاً بدلاً عن ثلاثه ألف ولايهمه أن يصبح سعر الدولار كذلك عشره أضعاف ما هو عليه الآن المهم فقط وفقط جداً أن يظل هو المتحكم الرئيسي في السلطه بلا منازع وأن يكون جميع الدستوريين القدامى والجدد مجرد ( تمومة جرتق) ليتسنى له إطلاق اسم حكومه قوميه علي وجودهم معه . طبعاً لابد من الاعتراف بأن منسوبي المؤتمر الوطني ليسو جميعاً متعنتين وليسو جميعاً نرجسيين . فبمثلما استبق بعضهم مخرجات الحوار وصرح برفضه للحكومه الأنتقاليه فإن بعضاً آخر منهم صرح بأن مخرجات الحوار لن تتعرض لأي ( فيتو) سواءاً من جانب الحكومه أو من جانب المعارضه ومن هذا المنطلق فنحن المواطنون الصابرون علي جمر الحكومه وعلي رمضاء المعارضه لا يسعنا إلا أن نقول للطرفين نرجو اتقاء الله فينا . أما إذا أرادوا رأينا في ما هم فيه مختلفون فإننا نقول لهم بكل صراحه ووضوح نحن مع مقترح الحكومه الانتقاليه التي يرأسها المشير عمر البشير وتتألف من تكنوقراط لا يعرفون ولاءاً غير الولاء المهني والوطني . هذه الحكومه تكون مدتها ثلاثه أعوام ومهامها محدده وواضحه للجميع إذ أنها لا تتعدى أعداد الدستور الدائم بواسطة لجنه قوميه وأجازته بواسطة استفتاء شعبي بالأضافه لتحسين العلاقات الخارجيه وتحسين الحياه المعيشيه والاعداد لأنتخابات عامه في نهاية الفتره الأنتقاليه يتم بموجبها أنتخاب برلمان وحكومه يقومان بتفعيل الدستور لبسط الحريات ومكافحة الفساد والنهوض بالأقتصاد . إننا إذ نصدح برأينا هذا ندرك تماماً أن كفة مقترح الحكومه القوميه أو ما يسمى بحكومه الوفاق الوطني قد أصبحت راجحه نتيجة لتحركات المؤتمر الوطني في كافة الأتجاهات وبمختلف الوسائل والمغريات مستغلاً في ذلك ضعف المعارضه وخنوعها وتخاذلها علي مر السنين علي الرغم من تراكم الأسباب وتعاقب الأحداث التي كان من الممكن أستثمارها لإسقاط النظام وليس أدل علي ذلك مما هو جار الآن تحت شعار تحرير الأسعار الذي جعل الدوله والسوق يتحالفان ويحكمان قبضتهما علي رقاب الناس حتي صارت الحياه جحيماً لا يطاق وأصبح المواطن السوداني يفتقد في كل يوم جزءاً عزيزاً من صحته الجسديه والنفسيه نتيجة لما يعانيه مادياً ومعنوياً في كل يوم بل في كل ساعه من تصرفات هذا النظام الذي أوصل نفسه وأوصل هذا البلد المنكوب الي طريق مسدود بعد أن ظل يقوده طوال العقود الثلاثه الأخيره عبر نفق مظلم ووفق سياسات وموجهات تفتقر لأدنى درجات المعرفه والحكمه والوطنيه . إن الحكومه القوميه أو حكومة الوفاق الوطني ستزيد الطين بله إذ أنها ستزيد الأنفاق الحكومي من جهه وتوقف التنميه وترفع الأسعار من جهه أخري . هذا من ناحيه أما من الناحيه الأخري وهي الأهم فإن عزوف جهات سياسيه هامه وحركات مسلحه رئيسيه عن الأشتراك فيها سيؤدي الي المزيد من الصراعات المسلحه وغير المسلحه في شتى أرجاء البلاد . لكل هذا وذاك فإننا كنا وما زلنا نصر علي أن الخروج من ذلك النفق المظلم وذلكم الطريق المسدود يكمن في اللجوء الي حكومه أنتقاليه تتشكل من التكنوقراط الذين لا ينتمون لأي جهه سياسيه . وأصرارنا هذا يتأتى من قناعتنا التامه بأن مشاكلنا الأمنيه والأقتصاديه والأجتماعيه جميعها تتجذر من المشكل السياسي الذي أنغرس في هذه الأرض الطيبه يوم أن اقتلعت جذور الحريه والديمقراطيه والشفافيه وأصبح الفكر الواحد والرأي الواحد هو المنار والمسار للجميع والماعاجبو ( ألحس كوعو ). وفي الختام نقول إن الأمل – بعد الله عز وجل – معقود الآن علي الجمعيه العموميه للحوار الوطني وعلي السيد الرئيس لتغليب كفة الحكومه الانتقاليه المكونه من التكنوقراط فقط لتضع السودان في مساره الصحيح الذي يحفظ له كرامته ويعيد له حقوقه ومكانته المرموقه بين دول العالم .
وفق الله الجميع لما فيه الخير ،،، عبدالرحيم الترابي ضابط إداري بالمعاش
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
عبدالرحيم الترابي
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست