نيالا أيتها المدينة الفاضلة بقلم مجدي مكي المرضي

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-24-2024, 03:05 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
01-11-2016, 05:33 PM

مجدي مكي المرضي
<aمجدي مكي المرضي
تاريخ التسجيل: 01-11-2016
مجموع المشاركات: 9

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
نيالا أيتها المدينة الفاضلة بقلم مجدي مكي المرضي

    04:33 PM Jan, 11 2016

    سودانيز اون لاين
    مجدي مكي المرضي-الخرطوم-السودان
    مكتبتى
    رابط مختصر



    بينما كنت أتصفح بنهم "سيرة الترحال عبر الأطلنطي" للأخ الصديق والدبلوماسى الكاتب خالد موسي دفع الله، فإذا بي يستوقفني عنوانٌ أعاد ضخ الدم إلي أوردتي التي كانت مستقرة دونما هياج وهي تستجيب لتداخلات المد و الجزر عند قراءة هذا السفر العميق حتى دلفت إلى ذلك العنوان:

    "نيالا...المدينة التي عطست جمالاً فلم يشمتها أحد".

    أبدأ شكري لك أخي خالد وأنت تكتب عن هذه المدينة الفاضلة التي رسمت زواياها و خطوطها بدقة متناهية في أوصال جل من عاشوا بها...إن لم يكن كلهم...فمسحت عن ذاكرتنا بعض غبار الزمن الجميل وأعدت إلينا شريط الذكريات التي تجري فينا مجرى الدم في العروق.

    لم يسجل قلبي خفقة عشق لمكان مثلما فعل لمدينة "نيالا" و لم يبق عقلي مساحة إستئثار بفكرة، ردحاً طويلاً من الزمان و ما تزال، مثلما بقيت "نيالا". تذكرت هنا الكاتبة أحلام مستغانمي حين تقول:"الأكثر وجعاً ليس ما لم يكن يوماً لنا...بل ما امتلكناه برهة من الزمن وسيظل ينقصنا إلي الأبد".

    ستظل "نيالا" دوماً مدينة أخرى بالنسبة لي. أشباه المدن كثيرة فهي إستثناءٌ لا تشبهها مدينة. أراها أمامي أنثى فرسٍ أصيل وهى تخرج مختالة بدلالٍ من نهر الجمال السرمدي لتنفض عنها حبيبات الماء العالقة في شعر ذيلها الطويل. أراها، رغم جور الزمان وتكلس المكان، فتاةً غراء مُموسقة، تصطف مع صويحباتها في إنتظار إعلان إسم الفائز بمسابقة ملكة جمال المدن. لم يزينها صالون تجميل أو يغطي جيدها الزمرد، بل تقف مبرأة من كل شئ، تعرض فقط دواخلها الحبلى بقيم المجتمع في ذلك الزمان.

    لقد أصبت أخي خالد و أنت تعطيها الحق في أن تختال بتنوعها الفسيفسائي.

    كان في نيالا كل السودان...بل لم نكن نعرف حينها أن السودان قبائل متفرقة و أقاليم متعددة و لهجات مختلفة. كان السودان بالنسبة لنا، ونحن صغار ثم على أبواب التحول الفسيولوجي، لحمة واحدة تمثله "نيالا" و من ثم باقي المدن.

    كانت "نيالا" تضاريس مختلفة. شرقها جبلي تطلع منه الشمس مشرئبة مبتسمة...أشعتها حانية غير لاسعة. جنائنها حُبلى بخيرٍ كثير...أشجارها خضراء وظلالها وارفة...كأمٍ رؤوم تضم أطفالها بعد نوبات شقاوة ولهو. يشطر المدينة واديها...فهو ماردٌ تخرجه الأمطار الغزيرة من سباته العميق في قمقمه الرابض غرباً فيفور هائجاَ و يستشيط غضباً على إمتداد مجراه حتى تهدأ ثورته بعد أن يبتلع ما يجده أمامه لا يفرق بين جماد و و نبات و حيوان.

    أما غابة "كندوة" التي لم يبقى من شجرها إلا جذوراَ عميقة تحت الأرض إستعصت على عوامل التعرية فلنا معها ذكريات الصبا و الأيام الخوالي. تقع غابة "كندوة" ناحية الجنوبي الشرقي من المدينة. تحتضن الأسر بحنوٍ تام و هم يهرعون إليها للترواح و المؤانسة.

    لا أنسى ذلك اليوم الذي داهمنا فيه الوادي، على حين غرة، فسد علينا طريق العودة، فبتنا ليلتنا تلك في الغابة و نحن نتوسد التراب الذي أرسل إليه القمر خيوطه المبعثرة فإستحال بياضاً كاشفاً ستر تلك الليلة فكانت سيمفونية رائعة من الأحاديث المشوقة لا خوف فيها من حيوان مفترس نهابه أو بشر يصوب سلاحاً نحونا فنتجنبه.

    كانت "نيالا" مجتمعاً مترابطاً متماسكاً...لا أثر فيه لقبلية و لا مكان فيه لجهوية. نخرج صباحاً جميعنا إلي المدارس في زي واحد من قماش الدمورية و نعود ظهراً إلي منازلنا وقد أصاب القماش شيئاً من بقايا طعام يتفق الجميع في مكوناته.

    نخرج بعدها عصراً للعب الكرة في أزقة الأحياء و شوارعها ثم نعود عند مغيب الشمس لنبدأ فترة المذاكرة التي سرعان ما تقصر عندما يداهمنا النعاس فنملأ صدورنا هواءً لنطفئ به المصابيح إستعداداً للنوم.

    لم يكن الليل موحشاً في "نيالا"...كان أمناً وسلاماً...كان سكينة و طمأنينة. لم تعرف البيوت أسلاكاً شائكة ولا الأبواب عاصية بأقفالها المعقدة. كان الليل سباتاً...وكفى!

    لله درك أخي خالد...لقد أطلقت في دواخلي فقاعات الشجى فلست أدرى أيحتمل القلب ركضاً ألملمها؟

    ذكرت أسماء كثيرة أعادت إلى النفس بعضاً من ذكريات الماضي التي ما زالت أسافينها مغروسة بحبٍ في دواخلي.

    أرى الآن التاريخ يهرول إلى الوراء ليتوقف عند بعض الشخوص و الأمكنة. تنسرب من بين فتحات الزمن صورة مدرسة نيالا الغربية الإبتدائية بفنائها الواسع الممتد غرباً و شرقاً. كان هذا الفناء يشهد حركة طابور الصباح بعد أن يقرع الجرس إيذاناً ببدء اليوم الدراسي. كان طابور الصباح بداية العملية التعليمية و التربوية معاً. يصطف الجميع كل صباحٍ فيبدأ درس النظام و الانضباط دونما حاجة إلى حصة. يقف الأستاذ خطيباً بكل هيبته ليبدأ درس إحترام المعلم و الإنصات لما يقول و العمل بما يأمر.

    تمضي السنون تباعاً لننتقل إلى مدرسة جنوب دارفور المتوسطة "ذات النهرين" التى شهدت مولد حقبة جديدة من أعمارنا والتي تعامل معها معلمونا بكل مهنية وهم يطبقون بسلاسة وعفوية كل قواعد التربية السليمة، فكانوا لنا المرشد و المنار ونحن نخوض أتون تيار مرحلة الشباب. لن تطمس الأيام أبداً ذكرى المربى الكبير الأستاذ السماني الشعراني، مدير المدرسة آنذاك، الذي كان مدرسة متكاملة ننهل منها العلوم أنفعها و الأخلاق أكملها.

    من بين الأسماء التي نقشت على جدران القلب وجودها الأبدي فى تلك المدينة...أستاذنا الكبير علي خميس (عليه رحمة الله) مدير مدرسة نيالا الثانوية الذي غرس فينا حب الأمكنة فأحببنا مدرستنا كأمٍ لنا كيف لا وهي تعد فينا لولوج عالم الجامعات. لا يكتمل الحديث عن نيالا الثانوية دون ذكر أستاذنا الجليل كربيش (نسأل الله له الرحمة أيضاً) ذلك المعلم القامة، الذي كنا نهابه احتراما فيبادل احترامنا له حباً و عطفاً و أبوة.

    أما رفاق الصبا والدراسة فهم كثرُ...الأخ عبدالله الربيع، الذي يحمل القرآن في صدره، حفظاً و معرفة، فأمتلك به نواصي اللغة وآدابها...الأخ عارف على سعيد تكنة، القانوني و الشاعر و الإذاعي، الذي يمتلك رصيداً هائلاً من القصائد التي ينظمها بلغة قوية رصينة وهو لم يزل إبن عقدين من الزمان. أذكر أيضاً ذلك البرنامج الإذاعي "واحة الأدب" الذي كان يضم ثلاثتنا، الربيع و تكنة وشخصي، فكنا نلتقي كثيراً في مراحل إعداده لنتبادل الأفكار و الرؤى. كان من يشرف على إعداد هذا البرنامج الأخ الصديق الشهيد عبد الحى الربيع، "ذلك السمندل الذي غاب في أحداق تلودى" و " الذى ارتحل عن دنيانا مثل النوار خلسة" كما كتب عنه الأخ خالد موسى في مقاله الرصين الذي نشرته صحيفتا "الانتباهة" و "السوداني".

    بكيت بكاءً مريراً كطفلٍ غرٍ لا يعرف ما يريد وأنا أتذكر عبد الحى الربيع...حط السواد رحاله على قلبي كأنه عباءة إمرأة ثكلي و كأن قدري أن أختم مقالتي بكاءً على فراق مدينتي "نيالا" وأنا أجتر ذكريات الماضي وذكرى إستشهاد الصديق الرائع عبد الحى الربيع ذلك الإنسان الملاك الذي كان يحلق في مدن السودان المتناثرة أداءً لواجبه فحلقت روحه لتنكفئ على سفوح جبال تلودي.

    "نيالا" أيتها المدينة الفاضلة...أختم حديثى عنكِ الآن... صار المداد دموعاً أغرقتني وقلمي!





    أحدث المقالات
  • استعدو جميعا ﻹيقاف تكرار مهزلة ( نيفشا ) أو ( أبوجا ) أو ( الدوحة ) في( أديس أبابا ) وفي مكان وأي
  • تأريخ الصراع بين السودان ومصر عبرالتاريخ 2 بقلم د أحمد الياس حسين
  • تنصيب أحمد هرون ملكاً..!! بقلم عبد الباقى الظافر
  • «2»..!!! بقلم أسحاق احمد فضل الله
  • ساعد الله العراقيين بقلم حيدر محمد الوائلي
  • محمد أحمد سليمان (لوكا-دكه): ولا ينتهي العزاء عند نذالة الإنقاذ بقلم عبد الله علي إبراهيم
  • قناة النيل الأزرق: الكارثة بقلم حيدر أحمد خير الله
  • الكَذِبُ لِمَصْلَحَةِ مَنْ يا (غندور) ؟! بقلم د. فيصل عوض حسن
  • ليس دفاعاً عن الطبقة الوسطى بقلم نورالدين مدني























                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>

تعليقات قراء سودانيزاونلاين دوت كم على هذا الموضوع:
at FaceBook




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de