الأيادي الخضراء(٤): محمد صالح "التلودي" أو محمد صالح "بِركِيّة" بقلم عبدالرحيم محمد صالح

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 03-28-2024, 04:55 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
08-31-2015, 05:52 AM

عبدالرحيم صالح
<aعبدالرحيم صالح
تاريخ التسجيل: 08-31-2015
مجموع المشاركات: 3

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
الأيادي الخضراء(٤): محمد صالح "التلودي" أو محمد صالح "بِركِيّة" بقلم عبدالرحيم محمد صالح

    05:52 AM Aug, 31 2015
    سودانيز اون لاين
    عبدالرحيم صالح-Washington DC
    مكتبتى فى سودانيزاونلاين



    عبدالرحيم محمد صالح
    Salih (at) American (dot) edu
    الأصل والنسب:

    هو "محمد صالح محمد محمد خير"، واسمه التسلسلي كما ورد في التاريخ الشفاهي هو "محمد صالح ود محمد ود محمد خير ود محمد ود عبد الله ود محمد ود علي إلى أن يصل إلى جده الأكبر جمللَّة ود شِمعيش ود طريف والذي ينتسب إليه "الطريفات" (أولاد طريف) وهم فرع من فروع الكبابيش البدو الرعاة وقد عُرِف بالتلودي وينطقون اسمه "حُمَّد صالِح ود مُحُمَّد ". وهو علم ومَعلَم خيرٍ من معالم أرقو بلاد المنجل والطنبور كما أسماها البعض. مشهورٌ عنه أنّه كان رجلاً خصيب الجَناب سَخِيّاً له أيادٍ خضراء وقائداً محلياً فذاً ومن رموز قيادات المنطقة ومن أكثرهم دراية بطرق جلب الخير للناس والمعالجة الإيجابية لقضاياهم.
    نعرف أنّه وُلِد في نهايات القرن قبل الماضي، ولا نعرف لذلك تاريخ محدد، فقد وضعته أمه في زمان لم يهتم الناس فيه بكتابة تاريخ الميلاد ولكن نعرف أنّه "كباشي" تماماً من ناحية الأب. أما والدته فهي "أمنة بت عبد الرزاق ود أحمد"، وهي من سُرَّة عرب القراريش من منطقة "سنين نار" شرق مدينة أرقو، وبذلك هو"قراشي" تماماً من ناحية الأم. فوالداه من العرب الرحل الذين حطوا رحالهم على ضفاف النيل بعد ترحال دام طويلا. أخذوا مواقعهم جنوباً وشمالا حول المجرى المائي المسمى بحوض "السليم" ذلك الحوض الذي يبدأ رحلته من دنقلا "العُرْضي" ويسير بمحازاة مجرى النيل من جهة الشرق ليلتقي به مرة أخرى عند مدينة ارقو. ثم تنحسر مياهه بعد الفيضانات مخلفة كمّا هائلا من الطمي الذي تغطيه مساحات كبيرة من العشب الأخضر فيفرح لرؤيته الجميع ويَسُرّون لأنه مصدر خير عميم- لهم ولأنعامهم. والتي يجعلون لها حظائر متعددة يتم تجميعها ليلا ويطلقون سراحها نهارا لكي تتجول في المراعي الواسعة وتعود بذخيرة وافرة من الحليب فيحلبون الحَلُوب من الشاءِ والإِبِل ما يشاءون ثم يتركون ما تبقى لصغارها ويسمونها "الوقير" والتي يتم حفظها في حظائر منفصلة يقال لها "الوَكر" طيلة ساعات النهار فهم قومٌ حَلَبةٌ ويسعون الحلبوت من الشاء والحلائب من النوق والفحول الجراجِر من الجمال. وللتلودي فيم نعرف عمّان هما حمد محمد خير وحسب الله محمد خير. وكذلك له أربع عمّات هن سمحة محمد خير، شيخة محمد خير، آمنة محمد خير وفاطمة محمد خير. وله أخوان هما الخير محمد محمد خير و محمد خير محمد محمد خير (الخير وحُمّد خير) وأخواته هن أم الحسين محمد محمد خير، حسونه محمد محمد خير(حسونة وأم الحسين)

    عمل منذ نشأته في أنشطة الرعي والتجارة، كحال العرب في المنطقة في ذاك الزمان، تزوج زواجه الأول في أواسط العشرينيات من إحدى بنات عرب القراريش في منطقة "شدَّا" في المحس، وأنجب منها إبنه الأكبر "إدريس". بدأ في العشرينيات التحرك في نشاط تجاري صغير، وكانت وجهته الأولى " وادي حلفا"، وفي أواخر العشرينيات أتجه إلى مدينة الأبيض، ساعياً إلى توسيع نشاطه التجاري، بعد سنوات في الأبيض، حصل على عطاء حكومي لترحيل محصول القطن في مناطق جبال النوبة بجنوب كردفان "منطقة تلودي وما حولها" ـ ومن هنا جاء لقبه "محمد صالح تلودي" ـ عَلِمَ وهو في مدينة الأبيض أن الحكومة أعلنت عن عطاء لترحيل القطن قصير التيلة ليتم نقلها بالجمال من مزارع القطن في منطقة جبال النوبة إلي أماكن بعينها ليتم ترحليها بعد جمعها بالسكة الحديد. تقدم للعطاء وهو لا يملك جملاً واحداً. وقيل إن المفتش الأنجليزي استغرب في ذلك. فقال محمد صالح للمفتش أنه يستطيع توفير ألف جمل جاهزة بالرجال والعتاد وإِعداد ما يُحتاج إِليه من لوازم الترحيل في ظرف إسبوع واحد. أتجه إلى أهله الكبابيش في شمال كردفان واستطاع بالفعل أحضار الجمال المطلوبة تماماً كما ورد في شروط العطاء. وقد كتب المفتش الأنجليزي إنّ رجلاً استطاع توفير ألف جمل في أسبوع يستطيع تجهيز حملة كاملة في أقل من شهر وأسهب المفتش في وصف قوة شخصية تلودي وثقة أهله فيه. وبذلك توسع نشاطه التجاري وكبرت ثروته المالية حتى صار من أغنى أغنياء مدينة الأبيض أحدى أكبر المراكز التجارية في السودان في ذلك الزمان. بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، أواخر الأربعينيات، قرر الرجوع إلى أرقو، حاملاً معه كل ثروته،. وكانت فكرته هي إستثمار ماله في إنشاء مشروع زراعي كبير، يساعد من خلاله في تطوير المنطقة، ويعين أهله وأهل المنطقة على الإستقرار وتحسين حالهم ونمط حياتهم. إنشأ المشروع الزراعي، وكان من أكبر المشاريع في المنطقة، وحقق الكثير مما كان يطمح إليه.
    أصل إسم بِرْكِيّة:
    عندما ذهب محمد صالح "التلودي" إلى مدينة الأُبيض في آواخر عشرينيات القرن الماضي، نزل عند أحد أصحابه من منطقة " بِرْكِيّة" غرب أرقو واسمه "عثمان" وكان "عثمان" معروف في الإبيض بـ "عثمان بِرْكِيّة"، وكان يعمل لدى مأمور كردفان. بدأ أهل المدينة يتعرفون على الوجه الجديد في مدينتهم (محمد صالح صاحب "بركية") ومع الزمن تحول الاسم إلى "محمد صالح بركية" لا علاقة دم لمحمد صالح التلودي بإسرة بركية في مدينة "بارا" أو في مدينة "الخرطوم"، العلاقة بينه وبين عائلة آل بركية المعروفة علاقة اجتماعية و(عُشرة) وتشابه في الألقاب.
    أبناء محمد صالح التلودي:
    تزوج محمد صالح الشاب زوجته الأولى من عرب منطقة "شدَّا" في المحس، وأنجب منها ولد واحد وهو إبنه الأكبر إدريس وكان آنذاك يعمل في التجارة بين حلفا ودنقلا ثم بدأ التوسع في التجارة فاتجه إلى الأبيض وبدأ التوسع في التجارة وتفتحت معارفه برجال الأعمال فازدادت ثروته وصارت مدة أقامته في الأبيض أكثر منها في أرقو فتزوج زوجته الثانية أميرة، حفيدة الشيخ إسماعيل الولي، من مدينة الأبيض، وأنجب منها ولد واحد وهو ابنه الثاني "محمد" الملقب بـ محمد بركية الشاعر وكان ذلك حوالي عام ١٩٣٩ ، وابنه محمد تخرج مهندسا زراعيا وهو شاعرٌ معروف له العديد من الأغنيات الشهيرة مثل "الهدف" لصلاح ابن البادية (صبرت على الهدف سنوات وصبر أيوب عليّ قليل) و"أميرة الشباب" لزكي عبدالكريم و "زهرة أرقو" و"متغرِّب" و “يا يمه زوريها” لإدريس إبراهيم، "تعتذر بعد إيه" لعبدالزيز داؤود وغيرهاوقد سطع نجم محمد محمدصالح ولمع جوار شعراء أرقو الآخرين مثل حمزة الملك ومحي الدين فارس وحسن إبراهيم الأفندي ومحمد نجيب محمد وغيرهم فلا غرابة أن تكون أرقو "قسيبة" (صومعة) الشعر والشعراء. ثم تَزَوَّجَ في آل السنهوري زوجته الثالثة (مومنين بت السنهوري)، من إسرة "السناهير" في مدينة الأبيض، وأنجب منها ولد وبنتين، وهم: "سيد شمس الدين" و "زينب" و "فاطمة" . زوجته الرابعة (بت الروبي)، من أسرة الروبي، من كبار تجار مدينة الأبيض، وأنجب منها ولد واحد وهو "أحمد". زوجته الخامسة (نفيسه علي كِمير)، من إسرة "كِمير" من كبار تجار مدينة الأبيض، وأنجب منها ولد وبنت، وهم: "سيد الحسن" و "شريفة". زوجته السادسة (حوة بت أبو سنينة) ، من أسرة أبو سنينة ، من وجهاء مدينة الأبيض، وأنجب منها بنت واحده وهي "آمنة". بعد عودته لأرقو تزوج ثلاث مرات زوجته السابعة (نعمة بلال صالح)، من جيرانهم في منطقة "وادي حُمَّد خير"، وأنجب منها ولدين وهما "عبد المنعم" و"مامون". زوجته الثامنة (فاطمه الأمين)،من "أبتة غرب" ، وأنجب منها بنت واحدة. زوجته التاسعة والأخيرة، (الزلال بنت صالح عبد الرزاق) ، من أخواله في منطقة "سنين نار" شرق أرقو، وأنجب منها ولد وبنت وهما "حسين" و "التومة" . ذكر بنفسه أنه تزوج نساء كَرائم وجمع بين ضرائر أخريات ولكن لم ينجب منهن أطفال، لذلك لم يرد ذكرهن كثيراُ

    رغم علامات النبوغ والقوة والجرأة والوضوح التي كانت تبدو عليه ومقدرته على القراءة والكتابة لكن لا نعرف أين درس التلودي ولكن هجرته إلى الأبيض صقلت تجاربه وكانت فرصة سانحة لتوسيع مداركه من خلال ما أتاحته له تعارف وتواصل وتعامل مع تجار وموظفين قدموا من مناطق شتى فخرج منها بخبرة غنية ونفس رضية.
    تلودي السياسي:
    كانت دوائر دنقلا من أهم الدوائر الجغرافية في كل الأنتخابات البرلمانية في ظل الأنظمة الديمقراطية في الأعوام: ١٩٥٣، ١٩٥٨، ١٩٦٥، ١٩٦٨، ١٩٨٥. كان التلودي رقما صعبا ومن أصحاب النفوذ القوي في أوساط الاتحاديين. بدأت دوائر دنقلا الجغرافية، رغم المنافسة الشرسة من جانب حزب الأمة، وكأنها مقفولة للاتحاديين إذ فاز فيها في الانتخابات الأولى التي أُجريت عام١٩٥٣م الدكتور أمين السيد على الشيخ الزبير حمد الملك (ناظر ومدير الإدارة الأهلية) وصار وزيرا للصحة، ومثّل دائرة دنقلا في البرلمان. والدكتور أمين السيد لمن لايعرفونه تخرج في مدرسة كتشنر الطبية، ثم عمل طبيبا في مصلحة الصحة وترقى إلى وصل الى وظيفة نائب مدير، ولم يكن له اهتمام يُذكر بالسياسة ، أي لم يكن سياسيا او يهتم كثيرا بالسياسة حتى قبل الانتخابات بوقت قصير. لكن كان لأهله انتماء معروف لطائفة الختمية وعاش في بيئة صوفية ختمية تبدأ يومها وتختمه بمرحبا بالمصطفى يا مسهلا. فأختاره الأتحاديون لمؤهلاته العالية ومعرفته بالعمل في دواوين الحكومة ليخوض الأنتخابات ضد الشيخ الزبير حمد الملك، وشاءت الظروف ، ربما الأقدار، أو الصدفة إن يكون أمين السيد هو الطبيب الكبير الوحيد في الحزب الوطني الاتحادي الذي فاز في البرلمان ليتم إختياره وزيرا للصحة بل سهولة ويسر، إلا أنً فوزه في الانتخابات على الزبير حمد الملك ومرشح حزب الامة أثار جدلا سياسياً واسعاً حيث طالب نواب من حزب الامة مناقشة الموضوع في البرلمان لأنّ الزبير حمد الملك ومؤيدوه، شكوا بل اشتكوا من تزوير الانتخابات. وحسب ماجاء وثيقة أمريكية ترجمها ونشرها الأستاذ الصحفي محمد علي صالح ذكرت أنّ الزبير أفتخر بأنّه سلسيل ملوك دنقلا. و إن ما اسماهم " أولاد الريف" وهو لفظ مخفف لما يعرف بـ "الفلاليح" ، يقصد الذين هاجر أجدادهم من مصر، والذين يتمركزون في دنقلا و أرقو، والذين ينتمي اليهم أمين السيد، هم الذين زوروا الانتخابات. لفظ "الفلاليح" لفظ فيه إساءة وتقليل يطلق على أصحاب البشرة "البيضاء"، ولعلها تعني الأَشائِب من الناس أي الأَخْلاط، ففلاحين جمع فلاح، وهي أسر دخل بعضها مع المماليك وبعضها له أصول مصرية معروفة من الفيوم (الفيومي) وقوص (القوصي) وقنا (قناوي) كماهو معروف وقد وقف ودعم ما اسماهم الزبير "أولاد الريف" الدكتور أمين السيد ضد الشيخ الزبير، وكان هتاف مؤيدي حزب الأمة "ود الفلاح ما فيه خير يعيش الشيخ الزبير" رغم أنّ الشيخ الزبير نفسه متزوج مما اسماهم الفلاليح زوجته الأولى من مدينة أرقو وتربطها علاقة دم بآل حسنين وآل مقلد. وقد استطاع الزبير استمالة بعض عرب القراريش إلى جانبه واستعان بآل جعفر ود مصطفى كبير مشائخ القراريش في كريمة للتأثير على بعضهم واستخدم كل الوسائل لشق صف القراريش لصالحه بما في ذلك تمليك الأراضي الزراعية والظهور بمظهر مشائخ العرب واستعان بالشاعرة الخيرابية من البشارين الخيراب بدنقلا والتي كانت تلقي الشعر وهي راكبة على ظهر ناقة، ولها قصائد دارجة وملاحم في مدح الشيخ الزبير سارت بها الركبان منها "النيل ماشي مويته كتيرة ملكنا الليلة" و"النصرة هيلك يا الزبير" حيث كان يطوف على القرى في موكب مهيب على ظهر فرس ومن خلفه العمد والمشائخ والحرس الخاص والتابعين وتعلو الهتافات والزغاريد ويقف ليحيي الموالين.
    وفي الجانب الآخر كان لمحمد صالح تلودي وهو رجل حباه الله بالشجاعة أعطاه الله القبول عند الناس وكساه هيبة وجلالاً، دور هام ومحوري في جمع أهله من الكبابيش والقراريش والذين كانوا يرون أنّ السياسة عمل لا جدوى من ورائه، ولا فائدة تستدرك من أدائه، فقد استطاع تلودي ، وهو من أهل المَحاشد والمَخاطب، حشدهم خلف أمين السيد ضد الزبير مستفيداً من أخطاء أو أقوال عنصرية منسوبة للشيخ الزبير، فبدأ تلودي، في فترة وجيزة، وكأنه قوة ثالثة ثم صار دور التلودي أكثر وضوحا في انتخابات سنة ١٩٥٦م والتي كانت المنافسة فيها بين الشيخ الزبير حمد الملك و صهره (شقيق زوجة الزبير) توفيق أحمد خليفة والتي فاز فيها الزبير، و الانتخابات في دائرة دنقلا لاتخلو من الغرابة، فعند خروج الختمية من الوطني الاتحادي وتأسيس حزب الشعب الديمقراطي، وصارَ الناس بَعدَها في اخْتِلافِ ، استعان الشيخ الزبير ببعض أعيان السادة الأدارسة وباصهاره وأخواله "الفقرا" أحفاد الفقيه محمد إبراهيم (المعروف بتور الشرق ود إبراهيم) والذين هم حملة لواء السادة الختمية ولحمة طريقتها وسداتها لما لهم من مكانة في نفوس الناس. وكان الفقرا يقرأون البراق في مسجدهم العتيق ويرددون " قوم يا شباب ختم الريدة للسيد علي الميرغني" في الموالد والأعياد ولكنهم يوم الانتخابات يصوتون لصالح حزب الأمة! وبذلك يفصلون مابين الدين والسياسة فعلا لا قولا. فهم ليسوا أنصارا بل يمكن أن نطلق عليهم "ختمية حزب أمة" من دون منازع. وقد أطلق الاتحاديون على ذلك التحالف "تحالف الرجعية والكهنوت" ومن هنا جاء الهتاف الشهير "الكهنوت جزاه الموت " وقد سألت الوالد، أمد الله في أيامه، وهو ممن يمكن أن نطلق عليهم "ختمي حزب أمة" فقال "ياولدي الختمية ديل أهل سجادة ما فيهم كلام تب، لكن في السياسة يختوا ويصيبوا ونحن في الدين معاهم لكن في السياسة لا". ولذلك رغم الوجود القوي لحزب الأمة بدنقلا قل ماتجد فيهم الأنصار و قل ماتجد في تلك النواحي يحفظ أو يقرأ راتب الأمام المهدي عليه السلام.
    ثم جاءت انتخابات سنة ١٩٦٤م وكانت المنافسة فيها بين علي محمود حسنين المحامي (وطني اتحادي) وعز الدين السيد (وطني اتحادي أيضاً) و محمد صالح عمر (جبهة الميثاق الإسلامي) وفاز فيها عز الدين السيد، ووقف فيها تلودي مع علي محمود. ويقال إنّ الشيخ الزبير عندما علم بأنه لن يفوز في الإنتخابات أمر الموالين له في شمال الدائرة للتصويت لصالح عزالدين السيد نكاية في تلودي وتفادياً لفوز على محمود الأكثر شراسة في محاربة الإدارة الأهلية. ثم انتخابات سنة ١٩٦٨م وكان المنافسة فيهاعالية جدا بين نفس المرشحين وفاز فيها هذه المرة علي محمود حسنين على الرغم من أنه لم يكن المرشح الرسمي للحزب الإتحادى الديمقراطي وكانت تصب في مصلحة تلودي وحلفائه. وقف تلودي أيضا بقوة مع أحمد مختار جبرة مرشح الحزب الإتحادي في واحدة من أقوى الانتخابات وكانت هتفات الإتحادين على ظهور اللواري التي تجوب القرى والحلال والأسواق "الشعب إختار أحمد مختار" وكانت الهتافات المناوئة من حزب الأمة أكثر شراسة "أحمد مختار آكال الفار في حامدنار" كان الناس يجوبون القرى على ظهور اللواري التى تطلق صافراتها (بوري تلاتة) ويلوح الهاتفون بعمامتهم أو جرائد النخيل وهم يهتفون على أنغام البوري في حماسٍ شديد. يقال إنّ تلودي هو من نحت هتاف "المأجورين بالفتّة" الشهير في وصف أتباع الشيخ الزبير الذين كانوا يذهبون لليالي السياسية التي تقام أمام ديوان العمودية في إيماني حيث تنحر الذبائح ويقدم للحضور العشاء والشيخ الزبير رجلٌ مضياف كريم. وقد واجه نفر من قراريش الدوم تلودي ولاموه على وصفه لهم بـ "المأجورين بالفتّة" فأنكر ذلك أمام نفرٍ من الناس. الهتاف الأخير كان الأكثر شهرة حيث يقف اللوري محملا بالهاتفين من الإتحادين أمام منازل الموالين للشيخ الزبير وأعضاء حزب الأمة وتعلو الهتافات يا "مأجورين بالفتّة"، يا "مأجورين بالفتّة"، يا "مأجورين بالفتّة" وأحيانا يعدل الهتاف حسب الشخص المعني مثلا" الفتة أم شطة أحمتنا النطة، الفتة أم شطة أحمتنا النطة" وحينما يشاهدون أحد الرموز يهتفون "فتة بي توم ولحم مردوم وسليكة تحوم أحمتنا ننوم". كل ذلك حدث دون أن تدون حالة عنف واحدة ولم تفسد تلك الهتآت الود بين الأهالي إلا في حالات نادرة ومحدودة. أكثر ماتميّزت منطقة دنقلا هو التعايش السلمي والتداخل بين الأعراق والمجموعات التي جاءت أو هاجرت إلى المنطقة لأسباب متباينة تباين المجوعات نفسها فنجد الدناقلة والمحس والقراريش والكبابيش والعبابدة والبشارين وغيرهم يعيشون في سلام ووفاق. لهذا استقبل الأهالي أولاد الريف بكل كرم وحفاوة عندما جاءوا وافدين بعائلاتهم من مصر هربا من بطش محمد علي باشا ومطاردته للمماليك، وكذلك عندماجاءوا فيما بعد كإداريين وموظفين ودعاة وأصحاب حرف، فأهل المنطقة يتمتعون بروح إنسانية مشحونة بالقيم الجميلة، فهم أصحاب أرث حضاري ضارب في القدم والشواهد لى على ذلك كثيرة ، فالواقع يشهد ويؤكد أن أولاد الريف والأهالي اختلطوا ببعضهم البعض بشكل تلقائي عبر التزاوج والتصاهروالتعامل اليومي في التجارة والزراعة والهم المشترك فتعاونوا في السراء والضراء ولم يفسد الود بينهم إلا في حالات معزولة ونادرة وذلك رغم الاستقطاب السياسي الحاد.
    وقد ظهر في الساحة السياسية في الخرطوم فى حوالي أواخر الخمسينات من القرن الماضي إتحاد أبناء دنقلا بقيادة بعض الخريجين ودخل في صراع لاهوداة فيه ضد الإدارة الأهليّة، حيث كانوا يرون أن نظام الإدارة الأهلية نظام متسلط عاجز عن تلبية مطالب المواطنين وكانوا يرون أن الإدارة الأهلية إن كان لابد لها أن تستمر يجب أن تكون خياراً شعبياً لأهل المنطقة وليس أرثا كما في أنحاء السودان ويجب أن تكون النظارة والعمودية والشياخات بالانتخاب الحر االمباشر وقد مارس الإتحاد ضغوطاً شديدة عن طريق الندوات المفتوحة في الخرطوم والمذكرات للمسئوليين فى الخرطوم والذين كانوا من يتهربون مواجهة الموضوع ويعتبرونه سياسيا حساسا ويخشون أن يصبح ذلك سابقة ونموذجاً يحذو حذوه بقية مناطق السودان التى كان فيها الإرث فقط هو الذى يحدد الأحقيّة لمناصب الإدارة الأهلية. أحس الزبير بالخطر الذي تواجهه الأدارة الأهلية والتي هو ناظرها ورأسها انتبه الزبير لنمو دور التلودي وحلفائه والمناؤين له وللإدارة الأهلية فبدأ بالاستراتجية الأولى وهي تقليم أظافر مشايخ العرب القراريش والضغط عليهم فكان أن بدأ بالشيخ حميدة العطا شيخ القراريش في المنطقة الجنوبية والذي بحكم منصبه كشيخ تحت إدارته فاعفاه من منصبه بعد أن اتهمه بالتقصير في جمع الخراج وعيّن مكانه شقيقه العمدة عبدالله الملك بدلا عنه حيث تم إعفاء الشيخ من دون حقوق أو مكافأة وبعد تدخل الأجاويد والأعيان تم تعينه ساعي بريد (بالجمل) بين كريمة ودنقلا. والخطوة الثانية كان تحجيم دور أولاد العندي وآل ودالحاج وتعيين أحد الموالين له وهو الشيخ أحمد محمد فضل المعروف بشيخ دكّوري. والخطوة الثالثة كانت إعفاء الشيخ ود إدريس في المنطقة الشمالية من منصبه وتعينه ساعي بريد (بالجمل) وبذلك انتهت سلطات مشايخ العرب وتم توزيع المناصب إلى أخوته وأقربائه. ثم انتقلت الأدارة الأهلية لتسيطر على طلبات الحصول على الأراضي السكنية والأراضي الزراعية عن طريق الحيازة، وضع اليد أو الفلاحة والاستصلاح فكان لابد من موافقة الشيخ أو شيخ البلد والعمدة للتوقيع بالاستحقاق وإن الأرض خالية من النزاع وقد استخدمت طلبات الحصول على أراضي سكنية أو زراعية كوسائل للترغيب وكسب الولاء السياسي والضغط على الخصوم فتم إطلاق يد العُمد والمشايخ ليعطوا أو يحرموا من شاءوا. ثم سيطرت الأدارة الأهلية علي مزادات قطع وبيع الأخشاب في غابات البركة وشبيكة وكدركة وغيرها. تمددت الإدارة الأهلية لتسيطر على عوائد الأسواق والمرافق الأخرى وبذلك ضرَبت الادارة الأهلية رَوْقَها ومَدت أَطْنابَها وكاد الزبير أن يمسك بالقبضة الحديدية حين جاء إنقلاب مايو ١٩٦٩م مستفيدا من انشقاقات الإتحادين مثل مساندة الأهالي لعزالدين السيد ورفضهم المرشح الرسمي للحزب المرحوم محمد حسين الرفاعي وكذلك خوض علي محمود الإتحادي القح الإنتخابات مستقلا ضد مرشح الحزب ومستغلا سلطات الأدارة الأهلية وأدواتها. حلت مايو الأدارة الأهلية وعزلت الشيخ الزبير والعمد الآخرين وجاءت بقانون "الأرض لمن يفلحها" فوجدت ترحيبا لامثيل له عند عرب القراريش والكبابيش والعبابدة والبشاريين حيث تم توزيع أراضي حوض السليم الخصبة على المستحقين والقادرين على الزراعة منهم، فغنوا لمايو الأشتراكية أيدوها ولنميري الذي أعطاهم الأرض وأصبحوا أصحاب حق و"خلوا الجُمال ركبوا اللواري" بل أصبحوا واحدة من أكبر القوى أقتصادية في دنقلا . ويقال إن تلودي أيد قرار مايو بحل الإدارة الأهلية ولكن لم يمر عام على قيام مايو حتى أممت مشروع تلودي الخاص والذي استثمر فيه جل أمواله ومعظم وقته، صار التلودي كمن أُخذ منه ابنه. توقف العمل بالمشروع الزراعي خلال الفترة من ١٩٧٠ وحتى ١٩٧٩م، بسبب سياسات الدولة وقرارات التأميم، وكذلك بسبب فشل الإدارات الشعبية المحلية في تشغيل المشروع. بعد كفاح طويل، وفي العام ١٩٧٩م تمكن التلودي من إسترداد مشروعه وتشغيله تحت إدارته الخاصة وبمساعدة أبنائه، ولا يزال المشروع يعمل حتى الآن، لكن تقلصت مساحتة الزراعية بسبب اتساع الرقعة السكنية لمدينة أرقو وضواحيها، وتدهورت حالة المشروع كثيراُ في السنوات الأخيرة.
    عُرِف التلودي بأنّه كَرِيمة من كَرائم قومه، الشَّجاعَة فيه سجِيَّة، والجُود فيه غريزة، ومرشداً لا يضل من تقفى أثره، كما كان مجيراً يُجير ولا يُجار عليه. وعلى امتداد عمره المديد تأزر التلودي السماحة وإلتحف الكرم والجود ولم يعرف عنه إقدام على قبيح أو غلظة في قول، بفضل فضائله وفواضله نمت بينه وبين أهله وابناء عشيرته علائق وارفة رغم أن السياسة قد ملكت عليه أقطار نفسه، فكانوا ومازلوا يكنون له حب عميق، فقد نحت في وجدانهم وقائع وأرث وشهامة يصعب أن تنمحي. وقديماً قيل "قد مات قوم وما ماتت فضائلهم وعاش قومٌ وهم في الناس أموات". في صبيحة يوم من أيام الله توفى "محمد صالح التلودي" في منزله في أرقو الشرقية "وادي حُمَّد خير" سنة ١٩٨٠م، ودفن بأرقو. أسلم الإمام الروح لبارئها سبحانه، بعد مسيرة موفقة غنية بالعطاء وتوفى من وراءه أبناؤه: أدريس، محمد، أحمد، سيد شمس الدين، نسأل الله لهم جميعاً الرحمة والغفران، ونسأل الله أن يمد في أيام الباقين منهم ويبارك فيهم وفي ذرياتهم.

    أحدث المقالات
  • هل وصلت الرسالة؟ لا... لم تصل: جامعة الأزهر وجوائز البحث العلمي! 08-31-15, 02:16 AM, أيوب عثمان
  • .......تايه بين القوم/الشيخ الحسين/ الشيخ الحسين 08-31-15, 02:14 AM, الشيخ الحسين
  • لا وقت للمكابرة وخداع الذات بقلم نورالدين مدني 08-31-15, 02:13 AM, نور الدين مدني


  • الشاعرة والكاتبة الروسية ريفيكا ليفتانت Revekka Levitant بقلم د.الهادى عجب الدور 08-30-15, 07:38 PM, الهادى عجب الدور
  • خدام جالية الجوف.. بقلم نور الدين محمد عثمان نور الدين 08-30-15, 07:35 PM, نور الدين محمد عثمان نور الدين
  • الموت بدون رائحة بقلم سري القدوة 08-30-15, 07:34 PM, سري القدوة
  • سياسة العزل إعدامٌ للنفس وإزهاقٌ للروح (1) بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي 08-30-15, 07:32 PM, مصطفى يوسف اللداوي
  • أنت حبيب الله بقلم ماهر إبراهيم جعوان 08-30-15, 07:31 PM, ماهر إبراهيم جعوان
  • ولأنه الرئيس ولا احد سواه ...!!!! بقلم سميح خلف 08-30-15, 07:30 PM, سميح خلف
  • رسالة الي الشيوعي الشفيع خضر بقلم شوقي بدرى 08-30-15, 05:17 PM, شوقي بدرى
  • يا حلا قولاي أور ... يا حلا هدوت ، هدوت ، لا نخاف الموت بقلم آدم أركاب 08-30-15, 04:14 PM, آدم أركاب
  • الورم الفاشستي الداعشي بقلم الفاضل عباس محمد علي 08-30-15, 04:11 PM, الفاضل عباس محمد علي
  • السلطة والجنس عند السودانيين (3/3) بقلم دكتور الوليد ادم مادبو 08-30-15, 04:08 PM, الوليد ادم مادبو
  • العنصرية والأنانية هما أسُ الدَاء(4) بقلم عبد العزيز سام 08-30-15, 04:06 PM, عبد العزيز عثمان سام
  • إشتباكات روتانا سلام.. وكشف المستور!! بقلم نور الدين محمد عثمان نور الدين 08-30-15, 03:21 PM, نور الدين محمد عثمان نور الدين
  • المحاولات الفاشلة (لأدلجة) معاوية محمد نور و(تجييره) حزبيا! (9 من 11) بقلم محمد وقيع الله 08-30-15, 03:18 PM, محمد وقيع الله
  • مع امريكا اين المشكلة ..!! بقلم عبدالباقي الظافر 08-30-15, 03:13 PM, عبدالباقي الظافر
  • نبكي أحرفا !! بقلم صلاح الدين عووضة 08-30-15, 03:12 PM, صلاح الدين عووضة
  • كان منهوباً ..!! بقلم الطاهر ساتي 08-30-15, 03:10 PM, الطاهر ساتي
  • الجهاز الاستثماري للضمان الاجتماعي بقلم محمد الحسن محمد علي 08-30-15, 06:39 AM, حيدر احمد خيرالله
  • خربشات مسرحية (2) لصوص لكن شرفاء بقلم محمد عبد المجيد أمين (براق) 08-30-15, 06:35 AM, محمد عبد المجيد أمين(عمر براق)
  • كيف سجل مجلس السلم والأمن الأفريقي خمسة إصابات في شباك نظام الإنقاذ ؟ الحلقة السادسة ( 6- 7 ) 08-30-15, 06:34 AM, ثروت قاسم
  • الخاء فتحا ثم ضما بقلم الحاج خليفة جودة - سنجة 08-30-15, 06:31 AM, الحاج خليفة جودة
  • البرلمان السوداني و تخريفه السياسي بقلم بدوي تاجو 08-30-15, 05:02 AM, بدوي تاجو
  • أنين بائعة الهوى . . في دولة الحرائر بقلم اكرم محمد زكى 08-30-15, 04:59 AM, اكرم محمد زكى
  • إلى كتائب القسام في الحرب القادمة بقلم د. فايز أبو شمالة 08-30-15, 04:57 AM, فايز أبو شمالة
  • الزول الوسيم: كاتال في الخلا عقبان كريم في البيت (المقال الخاتم) بقلم عبد الله علي إبراهيم 08-30-15, 01:28 AM, عبدالله علي إبراهيم
  • التميزيون الصغار يمتنون على السودان الشمالي بقلم بدوي تاجو 08-30-15, 01:24 AM, بدوي تاجو
  • لماذا تظلمون الأطباء (1) بقلم عميد معاش طبيب سيد عبد القادر قنات 08-30-15, 01:23 AM, سيد عبد القادر قنات
  • دارفور ليس ملكأ لتجاني سيسي يا أمين حسن عمر بقلم محمد نور عودو 08-30-15, 01:21 AM, محمد نور عودو
  • الإنشطارات السيـاجتماعية تهدد مصالح الجميع بقلم نورالدين مدني 08-30-15, 01:19 AM, نور الدين مدني























  •                   


    [رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>

    تعليقات قراء سودانيزاونلاين دوت كم على هذا الموضوع:
    at FaceBook




    احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
    اراء حرة و مقالات
    Latest Posts in English Forum
    Articles and Views
    اخر المواضيع فى المنبر العام
    News and Press Releases
    اخبار و بيانات



    فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
    الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
    لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
    About Us
    Contact Us
    About Sudanese Online
    اخبار و بيانات
    اراء حرة و مقالات
    صور سودانيزاونلاين
    فيديوهات سودانيزاونلاين
    ويكيبيديا سودانيز اون لاين
    منتديات سودانيزاونلاين
    News and Press Releases
    Articles and Views
    SudaneseOnline Images
    Sudanese Online Videos
    Sudanese Online Wikipedia
    Sudanese Online Forums
    If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

    © 2014 SudaneseOnline.com

    Software Version 1.3.0 © 2N-com.de