|
Re: البشير والغباء المستديم بقلم عبدالغني بر (Re: عبدالغني بريش فيوف)
|
الأخ الفاضل / عبد الغني ( بريش فيوف ) . التحية لكم وللقراء الكرام : الشق الثاني من الاسم يوحي ويبعد الانتماء للسودان ، وأنت قد تكون من أبناء الدول الشقيقة ، وفي كل الأحوال فالمقال مرحب به رغم ذلك التجريح الشديد الذي يمس سيادة الوطن وأهل الوطن ، والأمر هنا يخرج عن نطاق الفئة التي تناصر خندق البشير وأعوانه ، ليدخل في المحظور الذي يتعدى الخط الأحمر ، فتلك الحروف منكم تتعمد في تجريح شعور الشعب السوداني قبل أن تتعمد في تجريح النظام وسدنة النظام في الخرطوم ، وقد وردت عبارات سفاسف وتفاهة في المقال ، وخاصة حين تصف رمز السودان بالارتجاف أمام ملك السعودية ، بقولكم : ( وهو مرتجف" أنا والله يا خادم الحرمين يا طويل العمر معكم ضد الإيرانيين ..والله أنا معاكم !!".) ، ونحن في زمرة المعارضين للبشير ونظامه طوال سنوات حكمه لا نطعن أبداَ في شجاعة الرجل الذي يمثل السودان حين يقف أي موقف يمثل السودان وشعبه ، ومثل تلك الوقفة الجبانة نعرفها في رؤساء العالم العرب وغير العرب ، ولكن لا نعرفها إطلاقاَ في رؤساء السودان لا في الماضي ولا في الحاضر ، وكان الأدب منك يقتضي أن تحترم الشعب السوداني في رمزه أولاَ ، وأن تحترم اللقاء الذي تم بين الرئيس السوداني وملك المملكة العربية السودانية ثانياَ ، دون ذلك الرتوش التافه الذي يجرح المشاعر .
ونعود لصلب مقالكم ، وصوتك اليوم يدخل ضمن تلك الأصوات التي بدأت الآن تتحرك ولم نسمعها من قبل ، والسؤال الهام الذي يفرض الذات هو : أين كنتم من قبل يا هؤلاء الفصحاء باللسان ؟ ، والسودان لأكثر من نصف قرن من الزمان يواجه المؤامرات وحيداَ والدول العربية تتفرج وكأن الأمر لا يعنيها من بعيد أو من قريب ، وقد عاش السودان تلك السنوات العجاف القاحلة يعاني من الحروب والويلات في ظلال الحصار الدولي الظالم ، وفي ظلال مؤامرات فاقت مقدرات الوطن الجريح حتى تم ذلك الانفصال ، وما زالت الدوائر دائرة على السودان وعلى شعب السودان ، وتلك الحاجة في مواجهة الصعاب والشدة هي التي دفعت بحكومات السودان المتعاقبة أن تلوذ طالبة السند بالسلاح وبالعتاد وبالإمكانيات من الدول الصديقة والشقيقة ، ولكن مع الأسف الشديد فإن تلك الدول الشقيقة وقفت سالبة تتفرج على السودان وأهل السودان ، والحكومات السودانية المتعاقبة رغم اختلاف اتجاهات ووجهاتها لم تجد ذلك السند بذلك القدر المطلوب ، حتى انهارت القوى أخيراَ وتمكنت المؤامرات وجرى الذي جرى ، وتلك المحصلة مبررة بالنظر لتلك الظروف القاسية المهلكة التي مرت بها دولة السودان ، ومبررة كذلك بالنظر لتلك الوقفة المخذية من الأشقاء ، ثم نأتي للحقائق التي واكبت تلك المؤامرات والتي نجحت في تمزيق السودان بوجود الأشقاء ، وللأحداث والمجريات أسرارها .. تلك الأسرار التي يعرفها الشعب السوداني جيداَ ، ومن إرهاصات تلك الأسرار أن قلة من دول العالم قدمت السند والدعم للسودان وللشعب السوداني على استحياء وعلى قدر يسير ، ففي وقت من الأوقات وقف صدام العراق يمد الخرطوم بالعتاد والسلاح ويعين السودان على مواجهة المحن والصعاب ، وتلك الوقفة هي التي جعلت من نظام البشير أن يقف تلك الوقفة المتناقضة العجيبة في حرب الخليج عندما قام صدام بذلك الاحتلال الظالم الغاشم على الكويت الشقيق ، وكانت وقفة الخرطوم وقفة المجروح الذي لا يملك الحيلة في إظهار الخسة والدناءة وإنكار الفضل والعشيرة ، وشيمة إنكار الفضل تدخل في مسميات اللئامة ، التي تعرفها شعوب العالم ولا يعرفها الشعب السوداني . وبالرغم من تلك المبررات الأدبية التي دعت نظام الخرطوم أن تقف تلك الوقفة الغريبة إلا أننا نعلن هنا صريحاَ بأن تلك الوقفة كانت من أكبر أخطاء نظام البشير ، حين وقف يؤازر صدام حسين ذلك المحتل الغاصب للدولة الشقيقة الكويت ، وقد انفرد النظام في ذلك الوقت انفراد البعير المجرب حين لم يجد السند من الشعب السوداني الذي يرفض مبدأ احتلال أية دولة مهما كانت قوة المبررات .
ثم نواصل في عجالة سيرة الدعم والسند من الآخرين ، فحين فقد السودان ذلك السند والدعم بذهاب صدام ونظامه بدأ يبحث عن مساند جديد ، ومن غرائب الأحداث أن دولة إيران التي حاربت صدام لسنوات وسنوات فتحت الأذرع لاحتضان السودان ونظامه , وقدمت الكثير من الدعم العسكري واللوجستي والعتاد والخبرة للسودان المنفرد في ساحة الويلات ، ومرة أخرى لا نعيب على حكومات السودان المتعاقبة حين تطلب العضد والسند من الأصدقاء في عالم موبوء بالمؤامرات والأحلاف والكيديات الظالمة ، والسودان منذ الاستقلال وحتى تاريخ اليوم ما زال يعاني من الحصار والدمار والمؤامرات والعقوبات الظالمة المجحفة ، ودول العالم المتسلطة تريد من دولة السودان أن تجاري هواها ، وحين يلتزم السودان وقفة الحق مع الأصدقاء الأوفياء الذين يقفون معه عند الشدة نجد تلك الأقلام المغرضة التي تهاجم السودان بشراسة وتصف السودان بالدولة الإرهابية التي تقبع في أحضان إيران ! ، وحين يتراجع السودان ويعود لخندق الأشقاء رغم تلك الوقفة المتخاذلة للأشقاء في الماضي نجد تلك الأقلام التي تقول : ( البشير والغباء المستديم ) !! ، فتلك الأقلام ( لا تعجبها العجب ولا تعجبها الصيام في رجب ) ، وهي فقط تريد من نظام البشير أن تواكب الأهواء التي ترضي أمزجة أصحاب الأقلام ، ونحن بالرغم من أننا لسنا في خندق البشير ولسنا في جوقة ذلك النظام الذي أهلك الحرث والنسل .. إلا أننا ننصح نظام البشير المتسلط بصريح القول : ( كفاكم العمل تحت ظلال الحياء والكرم السوداني ) ، وقد جاء الوقت لتتعلموا سياسات المكر والدهاء تلك السياسات التي تجلب الخيرات للبلاد من أية زاوية وبأية حيلة ، ولا تقدموا ( السبت ) قبل أن تجدوا ( الأحد ) ، وإذا جرى الأمر كما قال صاحب القلم هنا ( هل أنت معنا أم مع إيران ؟؟ ) فيجب أن يكون الرد حازما وجازماَ بالقدر الذي يجلب الخيرات للبلاد ( نحن مع الدولارات ومع المليارات ) ، ولا نقف مع أحد دون ذلك السند المفيد الذي يفيد المصالح ، لأن الآخرين لم يقفوا معنا عند الشدائد ، وحتى دولة إيران حين كانت تقدم الدعم كانت تشترط أجندة خبيثة ، هي أجندة تفرق الشمل ولا تجمع ، ولذلك فإن الشقاق والابتعاد حين جري لم يجد من الأمة السودانية تلك الدموع التي تتحسر ، ونحن ندرك جيداَ أن سياسة المنافع والمصالح هي التي تحكم الساحات في عالم اليوم ، ولا تنفع في لغة السياسة مصطلحات العواطف مثل البكاء والغباء والعوجاء والعرجاء ، إنما لغة السياسة هي المكر والدهاء والحيل التي تجلب المصالح والمنافع ، فإذا تحققت تلك المصالح والمنافع فمليون طز على تلك الأقلام النباحة في الساحات .. ومليون طز على نعوت الغباء والبلادة وخلافها التي تلفظها أقلام الأهواء . وتلك الأحرف لا تسوي قيمة المداد الذي كتبت به .
|
|
|
|
|
|