رحى الحرب وطاحونة الموت

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-19-2024, 12:30 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
09-26-2014, 04:21 PM

مصطفى يوسف اللداوي
<aمصطفى يوسف اللداوي
تاريخ التسجيل: 03-08-2014
مجموع المشاركات: 1199

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
رحى الحرب وطاحونة الموت

    د. مصطفى يوسف اللداوي



    رمادُ النار كثير، وحطامُ الحرب كبير، وهشيم المعارك في كل مكان، ورائحة الموت كامنةٌ، طاغيةٌ باقية، لا تزول ولا ينساها الناس، ولا تغيب عن الذاكرة ولا تطويها الأيام، تستعيدها الأحلام، وتستنهضها بقساوةٍ الهواجسُ والكوابيسُ، ويعيش هولها الكبار قبل الصغار، والشيوخ أكثر من الأطفال.

    أحياءٌ جميلة قد خمدت أنفاسها، وسكنت حركاتها فلا حياة فيها، وقد كانت على بساطتها هي الحياة، وهي الوطن على امتداده، وإن كانت ضيقةً صغيرة، أو متجاورةً متلاصقة، أو متراكبةً بعضها فوق بعض، أو تتحد في مداخلها، وتشترك في أفنيتها وسطوحها، ولكنها كانت تجمع وتستر، وتحمي وتقي، وكانت فيها السلوى والمتعة، ومنها كانت تنبعث المسرة بجمعها، وتثير المحبة بمن ضمته في جنباتها.

    بيوتٌ كانت تجمع الأحباب، وتضم بين جدرانها أحب الناس وأصدقهم، الكبار بذكرياتهم، والآباء بحنانهم، والأخوة والأخوات بصداقاتهم، والأطفال أكثرهم براءةً وطهراً، وأصدقهم لساناً، وأبينهم للحقيقة حالاً، كانوا فيها يتزاحمون، وفي داخلها يتراكضون ويتنافسون، هم فيها كثرةٌ تضيق بهم الأفنية التي كانت لهم أسرةً ومهداً، ولكنهم إليها يحنون، وهم لها محبون وإليها ينجذبون، وفوقها للنوم كانوا يخلدون.

    بيوتٌ وأحياءٌ فقدت روحها التي كانت، ونزعت الحرب منها بريقها الذي كان، وحرمتها من حيزها في الحياة، وهي التي كانت بمجموعها المجتمع، وبمن فيها الأهل والشعب، وكانت تصنع الحياة، وتخلق الأمل، وتوزع الفرحة، وتنثر بين سكانها السعادة، فلا يضنيها أسى، ولا تبكي عيونها الأحداث، ولا تكسر ظهرها النوائب، ولا تفت في عضدها شدة المصائب وعظم المحن.

    وحجارةٌ متناثرة، تملأ المكان، وتتجمع وكأنها التلال، وتحكي قصصاً عن نفسها كأنها الخيال، وتروي ذكرياتها لكل الأجيال، في كل مكانٍ منها حكاية، وعند كل زاويةٍ فيها رواية، ولادةٌ وموتٌ، واستقبالٌ ووداع، وقدومٌ ورحيل، وزواجٌ وأفراح، وهنا صورة، وهناك قصةٌ وحكاية، يرويها أطفالٌ، ويصغي السمع لها الكبار، فذاكرة الأطفال أصفى وأنقى، وكلماتهم أكثر تعبيراً، وأصدق وصفاً.

    ركامٌ فوق ركام، وحجارةٌ تختلط فيها كل الأشياء الجميلة التي كانت، قد باتت تلالاً، ألوانها تلافيق، ومكوناتها عديدة، فيها من الثياب والأسلاك والسلال والحبال كثير، وفيها أوراقٌ وأخشابٌ وعلبٌ من حديد، وبقايا كتبٍ وأقلامٌ مكسورة، وصفحاتٌ من دفاتر مدرسية، وممحاةٌ وقلم رصاصٍ صغير، وأخرى كراسُ رسمٍ، ودفترُ ذكرياتٍ لبنت صغيرة، ما زالت جدائلها تتراقص، وحمرة الحياء على وجهها تنضى جمالاً.

    وأسياخُ حديدٍ صدئةٍ تخرج من بقايا البيوت، تربط بعض أجزائها ببعض، وتجمع إلى بعضها أشلاءها الممزعة الممزقة، لكن لا حياة فيها من جديد، ولا روح تبعث فيها لتعيش، فقد ذوت وتناثر الكثير من ترابها المتماسك، فطار كغبار، أو سقط كحصى، فلم يعد يمسكه شئ، ولا يثبته ببعضه اسمنت، حتى غدا ركاماً وأتربة، لا تصلح للبناء، ولا تنفع لغير الردم، ولكن إرادة الحياة، وروح الأمل، تخلق من العدم قدرة، ومن الفراغ فرصة، فيستخلصُ الحديدُ، وتهرسُ الكتلُ الإسمنتية، ليعاد بهما البناء من جديد.

    وبناءٌ منهارٌ، وآخرٌ للسقوط آيلٌ، وجدرانٌ تداخلت أعمدتها، وتبعثرت سقوفٌ كانت ترفعها، فلا أعمدةٌ بقيت، ولا بنيانٌ يقوم، ولاسُقُفَاً باتت تظلل الرؤوس، فتهات بسقوطها الشوارع، وضاعت بانهيارها المعالم، وتداخلت الطرق، واستوت من كثرة الركام الأرض، فلا بيتاً يعرفه صاحبه، ولا شجرةً بقيت كانت تميز المنزل، وتعلم الدار، وتشير إلى أنه كان في هذا المكان دورٌ وأحياء.

    بقرت الحربُ بطون البيوت والمساكن، وأخرجت ما في جوفها، وما كانت تخفيه في أستارها، فلا خزائن بقيت تحتفظ بالملابس والثياب، ولا أدراج صانت جواهرها ولا مدخرات الأيام، ولا شيء مما كان في الجيوب أو تحت الثياب، ولا طعاماً كانت ربات البيوت تحفظه مونةً لقادم الأيام، وقسوة الزمان، فقد تكسرت الجرار، وتحطمت الخزائن، وتمزقت الأكياس، وتبعثرت البذور والأغلال، وانسكب الزيت وضاع الخل، وما بقي من المونة ما يئد ولا ما ينفع، وانقلبت قدورٌ كانت على النار راسياتٌ، وانطفأت مواقد ومشاعل كانت تعد طعاماً بسيطاً لا يقوم أوداً، ولا يكفي لتمام صحة.

    بؤسٌ على الوجوه، وزوغانٌ في العيون، ونحافةٌ تطغى على الأبدان، وقوى ضعيفةٌ خائرة، وخطى بطيئةٌ حائرة، لا تعرف أين تسير، وتيهٌ يبحث عن الرشاد، وجوعى يبحثون عن لقمة عيش وكسرة خبز، وآخرون لا مكان لهم ولا بيت، ولا شئ في جيبهم، ولا وعد صادق ينتظرهم، ولا أمل كسنا برقٍ يضيء أمام عيونهم، ولا غيوم في السماء تبشر بفرجٍ قريبٍ، ويسرٍ قادم، ولا سعاةً صادقين، ولا مسؤولين مهمومين، ولا أمناء مخلصين، ولا مفاوضين مستعجلين، ولا جرحى مكلومين، ولا مصابين محزونين.

    بل تجارٌ يحسبون، ومقاولون يتربصون، ومتعهدون ينفذون، كلٌ يحسب غلته، ويزيد في حصته، ويجرف الماء إلى حقله، ويزيح النار إلى قرصه، ويسلط الأضواء على نفسه، والشعب وحده المقروص الجائع، الفقير القانع، المعنى الصابر، المهلهل المستور، فهل من ينظر بصدقٍ إلى حاله، ويرى رحى الحرب وطاحونة المعركة ماذا عملت به، وإلى أين مضت بمستقبله، أم نتركه لحربٍ ضروسٍ وأشد بؤساً، تقتلهم بناب الجوع، أو تغرقهم في عمق البحار، أو تسلمهم إلى يأسٍ يقتل فيهم الروح، ويقضي على الانتماء، وينهي الحب والولاء.























                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>

تعليقات قراء سودانيزاونلاين دوت كم على هذا الموضوع:
at FaceBook




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de