حول النسب والهوية الإثنية عند القراريش (and#1633;) عبدالرحيم محمد صالح

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-18-2024, 09:45 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
01-20-2014, 02:24 AM

عبدالرحيم محمد صالح


للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
حول النسب والهوية الإثنية عند القراريش (and#1633;) عبدالرحيم محمد صالح

    ([email protected])
    تقديم
    يتجادل الناس حول الهوية في بنادر الدنيا وبواديها بالتي هي أحسن في المؤتمرات وقاعات المحاضرات تارةً، وبالنبوت (المضبب) عند عند الميل عن الحق واشتداد الخصومة وفجورها أحيانا وبفوهة البندقية حد حُفُوف التصفية العرقية شَراسةً وغلظةً عندما تهَف عُقاب الحروب. بقدر ما الهوية يمكن أن تكون مصدراً للإخاء والفخر والثقة والقوة والألفة إلا أن أنها يمكن أن تصبح أداة رَدَّة شديدة ومنشأ فتنٍ وفتون قتلٍ واقتتال وبلا رحمة في حالات أضطهاد وقهر ذويها أو إذلالهم أو التضييق عليهم.
    للهُوية ثلاثة مستوياتٍ: الهُوية على المستوى الشخصي أو الفردي، الهُوية على المستوى الإثني ثم يأتي المستوى القومي. تغيرت مفاهيم تعريف الهوية علي المستوى الشخصيّ في الآونة الأخيرة كثيرا حيث أصبح من الصعب استيعاب الكم الهائل من التغيرات والمتغيرات التي حدثت ولاتزال تحدث بسبب إشكالية مفهوم"الأنا" والعلاقة ب "الغير" أو "الآخر" سواء كان غريبا أو شبيها والهجرة والحراك والتواصل والاتصالات. فتعريف هوية الشخص في إطارها القديم أصبح لا يفي بالغرض. لذلك بدأت تعريفات ومفاهيم جديدة في مثل"الهوية متعددة الأوجه والأُطر". فالفرد ليس له هوية أحادية بل هويات متعددة لكل منها أهميتها في سياقها. وببساطة وايجاز هو أن يشمل المفهوم الجديد الجوانب المتعددة لهُوية الفرد بما يجعل تفرده الشخصي أكثر وضوحاً. فيُمكِّن هذا المفهوم الجديد الشخص من تقديم هويته في ثوبها الجديد ومن زوايا شتى. مثلاً يمكن أن يكون الفرد أمريكياً وأفريقياً وعربياً ومهاجراً وديمقراطياً ومسلماً وسودانياً شمالياً وصوفياً وقرّاشياً (نسبة إلى القراريش) في نفس الوقت! وكل ذلك في تناسق وانسجام مما يزيد ويجعل تفرد الشخص بيّناً في كل جوانب شخصه ويظهر ثقافته وخاصية وعيه هذه التي هي أساس تحديد هويتة وفهمها وعكس قيمته كشخص متمثلة في التزامه بالسلوك الأخلاقي وامتثاله للقيم والأخلاق العامة ودرجة وعيه بذاته كفرد حر منفتح و مساهم مؤثِّر ومتأثِّر بم حوله مهما كانت درجة إختلاف" الغير ."اليوم وفي كثير من المجتمعات تقديم شخص ما بهويته الإثنية أو الدينية فقط، في غير موضع فخر، يعد منقصة بل إساءة. أُسُّ مشاكل الهوية الشخصية هي في إقناع الغير بأن يروا شخص ما بالطريقة التي يريدها ذلك الشخص لنفسه، أي نظرة ذلك الشخص إلى نفسه في أن تكون مطابقة أو على الأقل مقبولة عند الآخرين .فقد تُختَصَرُ هوية الشخص إلى عدوٍ أو صديق في حالات الصراع حسب قيود الصراع حيث لا تكون الهوية كما يراها صاحبها بنفسه بل كما يراها المتصارعون. وقد يحدث ذلك في الثقافات المضادة خارج حدود الدار والأهل والعمل والشهرة وكذلك في حالتيّ السفر والهجرة عندما يكون الشخص مجهولا لدى الآخرين فيلجأون الى التنميط .فقد يسافر عالم ذرة إلى مجتمع ما حيث لايعرفه الناس فيراه البعض مجرد "خواجة حطب نار" وقد يذهب جراح متخصص إلى دولة ما لايعرفونه فلا يرون فيه غير مهاجر مغمور جاء ليعيش عالة على مجتمعهم وللتوضيح نورد هنا حكاية يرويها الرواة، لا أجزم بصحتها، يُقال إنّ الرئيس السوداني السابق جعفر النميري، رحمه الله، أُدخِل مشفاً متواضعاً في ولاية فيرجينيا الأمريكية أثناء مرضه الأخير فقال لمريض آخر يشاركه الغرفة من باب التعريف بنفسه أنّه رئيس جمهورية سابق! فما كان من المريض غير استدعاء الممرضة بسرعة طالباً نقله إلى غرفة أخرى زاعماً أن زميله في الغرفة مريض عقليا. فهو لم يسمع بنميري والذي حكم السودان and#1633;and#1638;سنة. ولم ير فيه غير مهاجر فقير ومريض وكبير في السن دخل في هذا المشفى المتواضع لتلقى العلاج .فهذا تنميط بائن على أساس "المابيعرفك يجهلك". والتنميط أشبه بصناديق صلبة منفصلة من النظرات الضيقة للآخرين في شاكلة هذا أسود وذلك متطرف وغيرها وهي ما تستعمله بعض الجماعات المتطرفة للاستقطاب في أوساط الذين ليس لهم سعة إدراك او قيم ومعايير لتقبل الآخر المختلف باللعب على أوتار الغريزة العدوانية العنيفة وهذا وادٍ لا نود دخوله في هذا المقال.
    وفي المستوى الثاني دار جدل كثير حول الهوية الإثنية وانعقدت الكثير من المؤتمرات حولها فالقارئ المتابع لأدبيات وجدل الهوية في السودان يلاحظ أنّ هناك حلقة أساسية مفقودة في هذا الجدل إلا وهي إنّ الأصل في مفهوم الهوية الإثنيّة وإن شئت "القبليّة" هو ابتناء النسب أو الأصل بماذا في ذلك الانتحال إن استدعى الأمر .يُعتبر فهم مفهوم الهوية من الأساسيات المفتاحية التي يجب فهمها جيدا لدراسة هوية إي كيان إثني فهي، إي الهوية الأثنية، تنمو وتتشكل، وتتكوّن وتتغاير، وتزدهر فهي تحمل في داخلها دوافع استمرارها أو مسببات فنائها، فقد تذبل الهويات وتموت كما تتعرض للأزمات الاستلاب .والأهم ليس هو صحة النسب من عدمه بل هل هذه الهوية الإثنية معترفٌ بها من أفرادها ومن "الغير" و من الدولة؟ وهل هي متفعِّلة وحيّة تؤدي وظيفتها؟ قد يكون أصل هوية قومية أو إثنية أو حتى "قبيلة" معينة يبدو صحيحاً معقولاً ولكن في كثيرٍ أو قل في بعضٍ كثيرٍ من الأحايين يكون أصل الهوية الإثنية محض أسطورة جذرها ضارب في المثولوجيا وفرعها يعانق السماء. فالابتناء في معناه البسيط هو وجود "أصل" أو أساس يتم عليه ابتناء النسب أو الأصل وشواهد وقرائن تدل على صحة الابتناء ولكنّ لا يسهل معها إثبات أو نفي صحة النسب أو الأصل. ففي دولة كألمانيا مثلا كان هناك اعتقاد سائد في بداية القرن الماضي بتفرد وعبقرية الجنس الآري وسيطر هذا المفهوم على فكر وعقول الساسة وقد كان ذلك من أهم دوافع الإلمان لخوض حربيين عالميتين راح ضحيتها ملايين البشر لضمان نقاء وسيادة ذلك الجنس على البشر. وقد إثبتت الدراسات الحديثة أن الألمان أمة متعدده الأصول مهما كانت درجة التشابه بين السكان. وإنّ كثير سكان من تلك الدولة لا علاقة لهم مهمة بالجنس الآري. عدم صحة هذه الأسطورة لم يغير من الواقع كثيراً فالسكان ألمان ولهم لغة وثقافة وألمانيا مازالت درلة كبرى ومؤثرة لها حدود معروفة وشعب وحكومة وجيش. وكذلك الحال في بريطانيا التى بنت أكبر إمبراطورية في العصر الحديث إنطلاقاً من أسطورة مماثلة، عدم صحة اسطورة الأصل لم يغير من الواقع، فالإنجليز إنجليز رغم كل شئ. ليست مثولوجيا منشأ الأثنية والعِرق وقفاً على أوربا فقط. ففي الجزيرة العربية مثلاً يزعم البعض أنّ جدة قبيلة آل مُرّة من الجن ويطلق عليهم البعض "عيال الجنيّة" وإن كانوا لايرضون ذلك وتلك الأسطورة واضحة. يقال بأن شخص يدعى على بن مُرّة كان يملك كثيراً من الابل وكان يعيش في نواحي الربع الخالي وفي أحدى السنوات ضرب الابل الطاعون فمات معظمها وبقى القليل فقرر الرحيل وفى طريقه رأى فتاة فائقة الجمال هاربة من أسد يريد أكلها فأنقذها فجاءته الفتاة واحتمت به وكان بن مُرّة قد أحبها فتزوجته على الا يقول بسم الله. دخل بالخيمه التى فيها زوجته وكانت على هيئتها الأصلية فخاف منها وقال بسم الله فسمع صوت دوى وانشقت الارض وبلعت الخيمه والجنيّة التى بداخلها فقفز وخطف ابنته وضمها الى حضنه خوف من فقدانها ومن ثم كبرت البنت وتزوجت وجاءت ذرية ال مُرّة. تبلورت وتكوّنت وتم ابتناء هوية تلك القبيلة المشهورة على أسطورة الجنية فأهابت بذلك أعدائها وتمددت على صحارى الربع الخالي ووديانه. والابتناء هنا واضح فعلى بن مرة كان رجل معروفاً وحياة أحفاده في تلك البقاع ثابتٌ ومعروف والطاعون أمر معلوم لدى رعاة الأبل ومذكور ومثبت في صحائف التاريخ. وأيضاً كان هناك اعتقادٌ سائد عند البدو آنذاك ،أي عندما تم الانتناء، أنّه يمكن للإنسان أن يتزوج وينجب من الجن. وكان موضوع الزواج من الجن أمرٌ يصعب نفيه أو إثباته حينذاك. اليوم نعرف أنّ إنجاب طفلة من جنّية مجرد أسطورة .الأهم من ذلك هو أن نفي أو إثبات زواج الإنس من الجن لن يغير في هذا الواقع شئيا مذكورا. فآل مُرّة قبيلة عربيّة معروفة ولها دار معلومة وهي أَرض حَشاةٌ ولكنها مكان احترام الجميع في الجزيرة العربية وتدفع بأبنائها للعمل في الحرس الوطني ومؤسسات الدولة الأخرى دون أن تؤثر إسطورة الأصل على أيٍّ من ذلك. هذا بالطبع لا ينفى ابتناء نسب كثير من المجتمعات والجماعات على أصل صحيح وثابت كما ذكرنا آنفاً.
    والوضع في السودان لايختلف كثيرا عن ذلك. الواقع أنّ أصل وأصول الإثنيات ونسبها نال حظاً كبيرا من البحث والدراسة وكان الأهتمام منصباً على التحقق والتقصي والنقد وإثبات عدم صحة الابتناء أو أن شئت "الانتحال" وهذا أمرٌ لا يُرجى منه نفعاً بينا لعامة الناس ولكنّه عند أهل الأختصاص من أهم عوامل التطوّر في هوية الإثنيات وتحولاتها وقبولها للآخر. فالحكومة التركية ومن بعدها المهدية والأنجليزية والحكومات الوطنية المتعاقبة في مصر والسودان قد اعترفت بأثنية القراريش "كقبيلة" من حيث إعتمادها عليها في جمع الضرائب واصدار صكوك الملكية والاوراق الثبوتية وضبط الأمن وفرض سلطة الدولة وبذلك كان التعامل مع كمؤسسة الأثنية بغض النظر عن صحة النسب والأصل. لذلك وجدت دعم الحكومات المتعاقبة وأحترامها والإهتمام بثقافاتها وإرثها ولغاتها وأشاعة روح التكيف للعيش مع الآخر المختلف. ومثلما هذه الأثنيات في حالة تفاعل وتأثُّر و تغيُّر دائم كذلك حال ثقافاتها فهي في تلاقح وتطور مستمر فهي تغيِّر نفسها وتكتسب المزيد حول الفهم والتعامل مع الآخر دون الحاجة لفرض ذلك بالقوة. ارتباط إدارة مجتمع القراريش بالسلطة في كل من مصر والسودان كان من أهم عوامل بل هو أهم عوامل تحولات الهوية الأثنية وتبدلاتها. فصار أمر القيادة والسلطة القبليّة فيها ليس أمرا ثابتا بل يرتبط بمؤثرات عدة مثل سياسة الدولة والولاء السياسي والفكري والأيديلوجي ونشأت بذلك التحالفات الأثنية والصراع على السلطة داخل الأثنيات، وهي صراعات وصلت حد حمل السلاح وأدت إلى" لعبة" التوازنات القبلية التي مرت بها القبيلة في القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين. وهذا يؤكد أنّ "الهوية" تتكوّن و تُبتنى تُولَد وتنمو وتتغير، وتحمل في دواخلها تيراب بقائها ووقودها وعوامل بقائها أومسببات فنائها كما ذكرنا آنفاً .فهي تتغير لتلائم للمؤثرات السياسية والأقتصادية وتواجه الأزمات .كذلك تتأثر الهوية الأثنية بالتداخل والتعايش مع "الغير" المختلف لأسباب كثيرة منها على سبيل المثال القحط وقلة العدد والتشتت وانعدام الأمن وبعد القيادة القبيلة والانقسامات الداخلية للقبيلة واللجوء إلى التحالف مع القوى المحيطة بها. والتداخل بالنسب والمصاهرة ونسيان الأجيال الجديدة لانتمائهم القديم أو عدم جدوى العودة إلى الجذورالقديمة. اللجوء إلى التحالفات الأثنية والقبلية وتقديم التنازلات والمساومة لتحقيق مآرب وأهداف سياسية قديم قدم التاريخ في السودان وأنصع مثال لذلك في تاريخ السودان المعاصر تحلف الفونج والعبدلاب. أما العهد التركي يمثل أوضح الأمثلة لسياسة خلع وإبدال القيادة القبلية فيكفي تأخر الخراج يوما واحداً سببا كافياً لخلع شيخ قبيلة بل وجلده وسجنه واستمرت نفس السياسة في عهد المهدية والعهد الاستعماري. الحكومات الوطنية لها القدح المعلى في خلق وابتداع مؤثرات أكثر فعالية في تغيير وتحوير الهوية الأثنية فصارت هناك عدة أذرعة بجانب الخلع والتعيين. الأعلام الرسمي من تلفزة وأذاعات وصحف والسيطرة على المطبوعات والمناهج ومؤسسات الدين واللغة والمكونات الأخرى أحدثت آثار هائلة في العادات والقيم وطرق تفكير والفهم. اندثر الكثير من الثقافات الشعبية والموروثات بل واللغات والعادات والتقاليد من ذاكرة الشعوب لعدم مقدرتها الصمود أمام أذرعة الدولة وترسانتها المدججة بإسلحة الأيديلوجيا الفتّاكة والتي أحتكرت إنتاج وتسويق وتوزيع عمليات الإنتاج الثقافي والإجتماعي وصارت الحكم الذي يقرر و يحكم تصرفات اللاعبين الأساسيين داخل في داخل إستاد الدولة الثقافي الاجتماعي. ومثال ذلك وجود أكثر من عشرين أجتهادا أو رأيا عن أصول مجموعة أثنية بعينها ولكنّ هناك رأياً واحدا من هذه جميعاً هو الذي تم تكريسه بوصفه الأكثر قبولاً بين عامة القراء والمثقفين علي السواء وهو الذي يتماشى مع توجهات الدولة.
    هناك ثلاث مدارس لدراسة الهوية الأثنية: المدرسة الأولى هي مدرسة الماهِيّوية الجوهرية (primordial or "essentialist")والتى ترى أن الهويات شيئ طبيعي وذاتي وهي موجودة داخل الجماعات بشكل طبيعي والجوانب الثقافية للهوية فيها كلها داخلية المنشأ والتطور أي أنّ الهوايات "منها وفيها" لا تتكون الهويات من مؤثرات وعوامل خارجية . المدرسة الثانية هي المدرسة الذرائعية (Instrumentalists)والتي قامت على نقد الجوهرية وهي ترى أن الهوية نتاج التداخل حيث تستخدمها الصفوة وسيلة للتداخل والكسب أو الجشع والتظلم فهي ترى أنّ حدود الهويات الأثنية مفتوحة للاستيعاب وعليه تتكون وتتغير الهوايات الإثنية بالتداخل مع الآخرين . والمدرسة الثالثة هي مدرسة البنويين الوظيفيين (Structural Functionalism)والتى تعترض على أفكار الجوهريين والذرائعيين وترى الهوية كابتناء اجتماعي و ظاهرة حديثة مرنة قابلة للتغيير والتحوّل وتعول على تاريخ الصراعات والقوى الخارجية وأثرها في تحولات الهوية . وهذه المدراس تكاد تتفق بمقادير مختلفة أن الهوية الإثنية في حد ذاتها ليست مصدراً للعنف والحروب ولكنها سرعات ماتستخدم كوسائل تعبئة وإدوات للاستقطاب أحيانا أو الإقصاء في حالات الصراع والحروب .ففي رأي المدرسة الثالثة تتحول وتتبدل الهوية تحت الضغوط والصراعات فبنية الهوية وأصلها هيكل اجتماعي للأفراد ليعيشون في إطاره وليس غاية بل وسيلة للتكيُّف والعيش مع الآخر المختلف.

    المستوي الثالث هو هوية الدولة . إنّ تحديد هوية الدولة بالأنتماء لعالم دون الآخر بنصٍ في الدستور لن يجدي شئيا ولن يصمد كثيرا أمام تيارات العولمة سريعة الأنتشار. فالمنوال العام في هوية الدول هو الابتعاد فرض الهويّة الواحدة المنغلقة على ثوابتها والرافضة لهويّات أخرى وعن تحديد هوية الدولة الا مما يكفل حريتها ضد الاضطهاد والطغيان ويضمن الحرية والعيش الكريم وفصل جهاز الدولة عن بناء الهويّة .فعلى سبيل المثال أصدرت إدارة الدولة في ليبيا قراراً بالإنسحاب من جامعة الدول العربية وإعلان ليبيا دولة أفريقية في أكتوبر عام and#1634;and#1632;and#1632;and#1634;م. فلم يؤثر ذلك القرار علي أهل ليبيا ولا على الدول العربية ولم يهتم به أحد في الدول الأفريقية ذلك أنّ الأنتماء والهوية لايمكن فرضها أو حظرها بقرارت رئاسية.
    نظام الدولة في السودان بشكله الحالي هو نظام موروث لم تبتدعه حكومات ما بعد الأستقلال. منصب وسُلطات رئيس الجمهورية مثلا هي نفسها سُلطات حكمدار عام السودان في العهد التركي وهي نفسها سُلطات الحاكم العام الأنجليزي السلطة المُطلقة وكلهم حكموا نفس الدولة من نفس المقر علي شارع النيل. فشكل ومفهوم الدولة السودانية علي النمط الأوربي أُنشِأ و فُرض ونُفذ بواسطة حكومات إستعمارية أجنبية لم تكن الهوية والحريات والعدل والتنمية المتوازنة ضمن اهتماماتها. وكان بناء الدولة على النمط الأوربي ذات السلطة المركزية القوية هو السائد حتى عهد قريب ومازال سائدا في معظم الدول العربية والأفريقية و كان هذا هو أيضا فهم النخب التى حكمت السودان لشكل ومفهوم الدولة وكانت غاية سياساتها تكوين الدولة-الأمة-القومية إن صحت الترجمة من ماكس فيبر التى تطمح إلى توحيد الأمة و فرض سيادتها على وأجزائها ولجم جماعاتها العرقية وتميل إلى منح الأولوية لثقافة ولغة خاصة الا وهي العربية. ولازال هذا الأعتقاد سائدا في العالم وله مدارسه الفكرية ومنظريه مثل أرنست قلنر الذي يرى أنّ التغير الاقتصادي يتطلب التجانس الثقافي. أو مثل جان فرانسوا بايارت مؤلف كتاب الدولة في افريقيا : سياسة البطن والذي يعتقد أنّ هذه التي في أفريقيا ليست دولا أنما إمم من الناس يسكنون في رقع جغرافية يطلق عليها جزافا كلمة دولة تتحكم فيها مجموعات من الصفوة ورجال الأعمال الفاسدين .بدأت في الآونة الأخيرة ظهور الدول متعددة الإتنيات والقوميات تثير الإنتباه لأنماط مغايرة للنمط الأوربي مثل تجربة الولايات المتحدة كدولة رائدة وتجربة الهند كدولة في طريقها الي الصدارة في بناء دولة ديمقراطية متعددة القوميات والأثنيات الثقافات والأديان .ويكون فيها العدل والحرية والمساوه وحياد الدولة المرتكز على قوة الناخب وقدرته علي مساءلة المُنتخَب مهما علت درجة وظيفته. وأن تُمثَل مناطق الدولة المختلفة حسب عدد ناخبيها المسجلين وحسب وزنها السكاني وتسهل الوحدة بين المكونات الاجتماعية عبر التجاور والاختلاط والتزاوج والتعايش والوئام الاثني والديني وهذا هو الأنسب لدولة مثل السودان متعددة الإثنيات والأعراق والألسن. فالهوية، في أصلها وأساسها، ثقافة وليست عرقاً، والعرق النقي في حقيقته لا وجود له إلا في أوهام العنصريين. ومنذ أكثر قرنين، لم تسفر بحوث بعض الأنثروبولوجيين عن نقاء العِرق غير الخيبة. وقد قالها لهم العالم الفرنسي ليفي شتراوس فلم يستبينوا النصح إلا ضحى الغد. وكثيراً مايخلط الناس بين العرق والإثنية فمفهوم العرق غير دقيق وليس علميا، يقوم على تقييم الملامح والسمات أما الإثنية هي تصنيف المجموعات أنثروبولوجيا بناء على عوامل مثل اللغة والعادات والتقاليد والمأكل والملبس وغيرها. وكما ذكر مختار بن الغوث قد يزعم البعض أنهم من عرق واحد ومثال ذلك الفرس والألمان فهم يرون أنّهم آريون ولكن هوية الفرس تختلف عن هوية الألمان وقد تكون الأعراق مختلفة والهوية واحدة ومثال ذلك مصر. فالمصري مصري، ولكنهم خليط من القبط، والعرب، والنبط، والبربر، والزنج، والترك، والكرد، والفرس، والروم، والشركس، واليونان، والسلاف، والألبان وغيرهم. ثانياً ليس اللون من الهوية والسمات البشرية بما فيها اللون متغيرة وليست ثابتة ولا علاقة بين السمات الطبيعية والمقدرة العقلية، ولا يوجد اختلاف طبيعي بين "أجناس" البشر إلا في الثقافة والمعرفة.
    الهوية والأصل والمنشأ عند القراريش
    تعود أصول القراريش (أهل الكور والباصور)، حسب مصادر التاريخ الشفاهي والمدوّن، إلى الشريف أحمد القرّاش والذي وصل إلى صعيد مصر قادما من الحجاز في حوالي العقد الثاني من القرن التاسع الهجري الموافق العقد الاول من القرن الخامس عشر الميلادي . وتقول الروايات إن الأمير عبيدالله بن الأمير عبدالله حفيد السلطان العباسي المستعصم بالله جاء الي جنوب مصر بمعية ابنه محمد وابن أخيه الشريف أحمد القراش ودخلوا مصر من جهة الجنوب من اليمن عبر السودان ونزلوا ضيفوفا على الشيخ محمد المهللي أحد أحفاد الخليفة العباسي بجهة إدفو محافظة أسوانand#1632; وبعد مدة الضيافة أخبر الأمير عبيدالله الشيخ المهللي بعزمه ترك ابنه وابن أخيه أحمد القراش ليقيما معه حتى يقف على حل النزاع بين الخليفة المستعين بالله والسلطان الناصر في القاهرة . وطلب من الشيخ المهللي في حالة عدم عودته أن يخيرهما بين البقاء والعودة ثم مضي لحيث يريد .ولم يعد الأمير عبيد الله فشاورهما الشيخ المهللي في أمر البقاء في مصر فوافقا فقام بتزويج ابنته لمحمد بن الأمير عبيد الله. وتزوج أحمد القراش من أحدى قريباته. فانجب أحمد القراش غنيم جد الغنيمية في مصر والسودان وأيضا أنجب علي وهو جد القراريش في مصر والسودان.
    وتم ابتناء هوية معظم مجموعات القراريش علي الشريف أحمد القراش ولكن اختلفوا في أصله فمنهم من قال إنه من أحفاد الزبير بن العوام وهم معظم قراريش الذين هاجروا جنوبا لما يعرف اليوم بالسودان وبالتالي ربطوا أصلهم بالقبائل الرعوية (البدوية) في شمال السودان واعتبروا الكواهلة والعبابدة والمناصير الذين يشاركونهم أصل المنشأ أبناء عمومة لهم (تجدر الأشارة إلى أن المجموعات المستقرة شمال السودان تزعم النسب العباسي). فقد أعدّ الأستاذ أمand#1740;ر مصطفى محمد خand#1740;ر علي كتاباً قيماً عن نسب وأصول القراريش (قبand#1740;لة القرارand#1740;ش: رسالة قرand#1740;ش إلى أرض النوبة) وجمع عددا من الوثائق وعدد الشواهد بما فيها كتابات الجغرافيين العرب عن القبائل العربية في جنوب مصر وملاحظات الرحالة الأوربيين الذين عبروا المنطقة ليؤكد نسب القراريش الزبيري ويفنِّد الادعاءت الأخرى.
    أما القراريش في مصر خاصة في نواحي أسوان فهم يردون أصل أحمد القراش إلى الخليفة العباسي المعتصم بالله (عبدالله بن منصور) والذي قتله المغول عند سقوط الخلافة العباسية عام and#1633;and#1634;and#1637;and#1640;م. فهم بذلك عباسيو الأصل حيث يصل نسبهم بعلي أصغر ابناء عبدالله بن عباس رضي الله عنه. أنظر (نسب الأشراف الغنيمية أحفاد العباس عم النبي صلى الله عليه وسلم، لمؤلفه عباس حسين بصري الغنيمي، القاهرة and#1634;and#1632;and#1632;and#1636;) .وكذلك كتاب "الأساس في أنساب بني العباس:تقديم وتقريظ"، حسني أحمد علي العباسي، دار القاهرة. وكذلك هناك كتاب ثالث أصدره الأستاذ عباس حسين بصري عن "عائلة الرُّزوقة الغنيميّة أحفاد العباس عم النبي صلى الله عليه وسلم" عن الغنيمية بالسودان وهم فرع من القراريش. وهو كتاب يوثق للعلاقات والروابط بين عائلات الرُّزوقة الغنيميّة في السودان ويعبر عن معرفة المؤلف الثرة بأنسابهم وأماكن أقامتهم بمصر والسودان.
    وهناك رواية ثالثة لا نعرف مدى انتشارها حصلت عليها من بعض تجار الأبل القراريش في سوق الجِمال في برقاش (وتنطق بالعامية المصرية بِرآش وتقع على تخوم القاهرة) في يناير and#1634;and#1632;and#1633;and#1632;م وهي أنّ القراريش من الخط الزبيري من جهة الأب ونسبتهم إلى مصعب بن الزبير من جهة الأب وهم أشراف من جهة الأم وينتسبون إلى آمنة بنت سيدنا الحسين بن علي رضي الله عنه ولقبها سكينة وسميت على جدتها آمنة بنت وهب والدة الرسول صلى الله عليه وسلم. من دون أن نبخس الناس أشيائهم، المعررف والثابت في كتب السيرة حتى الآن، أن مصعب بن الزبير كان قد تزوج السيدة آمنة بنت الحسين وإنجب منها بنت اسمها فاطمة على اسم جدتها السيدة فاطمة الزهراء ولم ينجب منها ولد، وأبناؤها الآخرون من أزواج آخرين غير مصعب ولكن هذا لن يقلل من قيمة هذا الابتناء، فالابتناء عند أساتذة علم الاجتماع لا تهم صحته من عدمها بل الأهم هو الناتج من الابتناء وهيكله ووظيفته. ولابد للمؤمنين بهذه الرواية من اكتشاف هذا الخطأ في الابتناء فيقومون بالتعديل اللازم المعقول بهدوء وكأن شيئا لم يحدث وهذه قاعدة من قواعد الابتناء وأمر عادي بالنسبة للنسّابة وأهل الإختصاص.
    أركان ابتناء النسب
    أولاً: تقول كتب التاريخ إنّ المستعين بالله أبو الفضل العباس ابن الخليفه محمد المتوكل على الله بن المعتضد بالله وُلد باقاهرة وهوالخليفة العباسي العاشر فى مصر حكم من سنة and#1633;and#1636;and#1632;and#1637;م ـ and#1633;and#1636;and#1633;and#1636;م ، في عهد الدولة المملوكية البرجيّة حيث كان للدولة خليفة عباسي وسلطان مملوكي هو الناصر فرج برقوق (ويُكنّى بالملك الناصر زين الدين أبو السعادات) وكانت سلطة الخليفة اسمية تشريفية. في عام and#1633;and#1636;and#1633;and#1636;م ثار الأمير الأمير المملوكي شيخ المحمودي ونصب نفسه سلطان بإسم المؤيد شيخ وعزل الناصرفرج برقوق وحدد إقامة المستعين بالله في قلعة الجبل إلى إن تم عزله وتعيين شقيقه المعتضد بالله أبو الفتح داؤد وتم ابعاد المستعين بالله إلى الاسكندرية وسجنه إلى أفرج عنه السطان الظاهر ططر فى فترة حكمه عام and#1633;and#1636;and#1634;and#1633;م فعاش فيها أن مات فى سنة الوباء سنة and#1633;and#1636;and#1635;and#1632;م.
    ثانيا: تم خلع وتعيين الناصر فرج برقوق سلطانا في عهد الدولة المملوكية البرجية ثلاث مرات إثنان منهما في عهد خلافة المستعين بالله مما يدل على الخلاف وضرورة الوساطة وسببا وجيهاً لحضور أحمد القراش وعمه الأمير عبيدالله بن الأمير عبدالله حفيد الخليفة المستعصم آخر خلفاء الدولة العباسية في بغداد للتوسط في حل النزاع بين الخليفة المستعين والسلطان الناصر قلاوون في القاهرة.
    ثالثاً: كان الحضور أحمد القراش وعمه وابن عمه إلى مصر عن طريق اليمن لأنّ الشام فى فترة الدولة المملوكية البرجية كانت تحت إدارة الغزو المغولي ومسرحا للصراع بين المغول والصليبيين. وتزامن ذلك مع تمرد نايب حلب "عبد الله جكم" على السلطه فى مصر وتنصيب نفسه سلطان فى الشام لقب نفسه السلطان "العادل" .فكان الطريق إلى مصر عبر الشام ليس آمناً.
    رابعاً: الشيخ المهللي هو محمد بن علي إبي الربيع المستكفي بالله العباسي الأصل وتنسب إليه عدد من العائلات والذي مات ودُفن بقوص وله فيها ضريح معروف.
    خامساً: تقول روايات النسب العباسي للقراريش أن جدهم هو الشريف أحمد قراش، بن قريش، بن الأمير عبد الله، بن الأمير يوسف، بن الأمير عبد العزيز، بن أمير المؤمنين الخليفة أبو جعفر المستنصر بالله، منصور، بن أحمد الناصر لدين الله، بن الحسن المستضيئ، بن المستنجد بالله يوسف، بن المقتضي محمد، بن المستظهر أحمد، بن المقتدي عبدالله، بن محمد الذخيرة، بن القائم عبدالله، بن القادر أحمد، بن الأمير إسحاق، بن المقتدر جعفر، بن المعتضد أحمد، بن الأمير الموفق طلحة، بن جعفر المتوكل على الله، بن ناصر الإسلام المعتصم بالله، بن هارون الرشيد، بن محمد المهدي، بن الخليفة الإمام أبو جعفر المنصور عبدالله، بن محمد الكامل، بن علي السجاد، بن حبر الأمة وترجمان القرآن عبدالله، بن سيد الأعمام العباس، بن عبدالمطلب، بن هاشم.
    سادساً: في وثيقة يقال أنها محفوظة لدى في خلوة الشيخ محمد أحمد غالب (والملقب عند أهله ومريديه بِتور الغار وهو من آل تور شبا الوراريق أهل اللوح والقلم المعروفين وهو قراشي من جهة والدته) بقرية شايقمار نواحي دنقلة تنسب الرعياب وهم بطن من أكبر بطون القراريش إلى جدهم مُحُمَّد الراعي الذي يصل نسبه بجده مُحُمَّد القراش وتصلهم بكاهل وعابد أحفاد الزبير بن العوام وتربط صلة نسبهم بالعبابدة والكواهلة. وهناك وثيقة أوردها الأستاذ أمير محمد خير فلنسميها وثيقة مُحُمَّد على رحمة كُتبت في العام and#1633;and#1635;and#1633;and#1639;هجري الموافق and#1633;and#1640;and#1641;and#1641;ميلادي ونسبه، حسب الوثيقة المنشورة، هو مُحُمَّد على رحمة بن عيسى بن موسى حمد بن عيسى بن موسى على بن عبدالرسول بن محمد القرشي بن حبيش بن راح حسين بن كاهل بن أبرق بن قلباون بن كاهل بن أبرق بن عمران بن عزاز بن عباد بن عبدالله بن الزبير بن العوام بن خويلد
    سابعاً: الهجرة جنوباً إلى السودان. بحلول العصر المملوكى (حوالي and#1633;and#1634;and#1637;and#1632;م) أزدادات اعداد القبائل العربية التي كانت تقطن صعيد مصر(عرب الصعيد) وكان شيوخ القبائل مسئولين عن إدارة قبائلهم. وقد تم تقدير عدد هذه القبائل لاحقاً حسب إحصاء الحملة الفرنسية بحواليand#1638;and#1632; قبيلة عدد ومحاربيها بأكثر من and#1634;and#1632; ألف شخص. فحاولوا إنشاء دولة عربية منفصلة عن سلطة المماليك أعدائهم التقليديين وبدأت هجماتهم على الفلاحين المصريين ونهب محاصيلهم وقراهم في سنوات القحط تشكل هاجسا وتهدد سلطة المماليك الذين أخذوا منهم الحكم وطردوهم من الجيش وجعلوهم "مهمشين" بعد أن كانوا في سدة الحكم حتى نهاية القرن التاسع الميلادي. وبدأت أول حملة ضد عرب الصعيد في عام and#1633;and#1634;and#1637;and#1635;م فأمر الخليفة "بزيادة القطيعة على العرب، و بزيادة القود المأخوذ منهم، ومعاملتهم بالعسف والقهر فذلوا وقلوا، حتى صار أمرهم على ما هو عليه الحال" كما قال المقريزي فأُرسلت إليهم حملة بقيادة فارس الدين أقطاي الجمدار فهزمهم وأغلظ عليهم فهرب الكثيرون منهم جنوباً ويعتقد أن هذه كانت من أكبر موجات الهجرة جنوبا رغم أنها حدثت قبل أكثر من قرنين من رواية حضور أحمد القراش إلى مصر. ثم تجريدة بيبرس الدوادار الثلاثية الشهيرة التى أحاطت بالصعيد اذاقت قبائل العرب الذل والهوان ونكلوا بهم واوثقوا مشايخهم بالقيود واخذوا ما كان لهم من خيل وإبل ومنعوا ان يركب احد من العربان فرساً او يحمل سلاحاً وكان ذلك في عهد السلطان الناصر قلاوون في الدولة المملوكية البحرية فكان ذلك سببا في واحدة من أكبر موجات هجرة العرب جنوبا وحدث ذلك في حوالي منتصف القرن الرابع عشر قبل وصول أحمد القراش الورادة في تاريخ القراريش الشفاهي. و فى عهد السلطان صلاح الدين صالح تمردت القبائل العربية فى الصعيد بزعامة الشيخ عمر بن الأحدب شيخ قبيلة عرك، فقاد الملك الصالح جيشاً إلى الصعيد وحاربهم في معركة كبيرة يقول المؤرخ ابن إياس عنها انه "لم يسمع بمثلها فيما تقدم من الزمان". وقدرعدد القتلى فيها بأكثر من عشرة آلاف شخص. وهرب الشيخ ابن الأحدب وبنو جلدته من قبيلة عرك جنوبا وجمع السلطان روس العرب وعمل منها مصاطب على شط النيل، شبهها ابن إياس بالذي فعله هولاكو فى بغداد. واستمرت التجريدات على الصعيد حتى عهد علي بيك الكبير الذي أنهى تمرد شيخ العرب همام الهواري زعيم عرب الهوارة في النصف الثاني من القرن الثامن عشر كما هو معروف.
    ابتناء النسب العباسيّ والعلوي لمعظم أو أغلب القبائل العربية في جنوب مصر له خلفيته التاريخية المعروفة النسب العلوي في عهد الدولة الفاطمية كان كافياً لوضع الشخص ضمن آهل البيت وحمايته من تغول أمراء الدولة الفاطمية بالأضافة للمكانة الدينية والإجتماعية. وكذلك ابتناء النسب العباسيّ كان كافيا لحماية الشخص من أمراء المماليك وسطوتهم وكسب ود الخليفة العباسيّ وإن كانت سُلطته اسميّة تشريفيّة آنذاك. وكثير منه ابتناء من رجال الدين أو زعماء العشائر من أجل الحكم والإمامة فكثر الجدل حول الابتناء فصار لكل فريق منهم نقيب له ديوان معروف وينحصر عمله تمييز بطونهم ومعرفة أنسابهم وتوثيقها. النسب العباسيّ عند القراريش في مصر، بغض النظر عن صحته أو عدمها، قد تكون له نفس الخلفية التاريخية لابتناء النسب عند القبائل في صعيد مصر.
    وأغلب الظن أن الوضع في بالنسبة للقراريش في السودان يختلف عنه في مصر. القبائل البدوية الكبيرة التي ارتبطت علاقاتهم بها كالعبابدة والكواهلة والمناصير وغيرهم نسبهم زبيري فربما أدت المصالح الاستراتيجية للتغيير من الخط العباسيّ إلى الشبكة الزبيرية. وربما أنفكت بعض بدنات (فروع) القراريش وارتبطت بالقبائل التي تزعم النسب الزبيري لما يمثله ذلك من مصالح وحماية ومعايشة .المعروف أنّ كثيراً من الأنثروبولوجيين يرجحون تحولات الأصل إلى أحداث تاريخيّة سياسية أو أقتصادية حيث تنفك بدنات (بطون أو فروع) المجموعة وتلتحم بمجوعات أخرى لظروف ما فتتبنى أصلها ونسبها فتصير منها وقد تسودها وهو أمر يزيد من تعقيدات الانتماء وهو ما اسماه مارشال سالين "دوغما البدنة".
    وهناك نقطة نحسبها في غاية الأهمية ألا وهي رمزية الانتساب لا حقيقته. إي مجموعة إثنية أو قبيلة أو حلف قبلي أو إي جماعة من الناس تنتمي إلى نسب واحد يرجع إلى جد أعلى تكون الصلة الرمزية الأجتماعية هي الأهم ولكن الصلة الجينولجية الحقيقة دائماً ضيئلة ولا قيمة حقيقية لها. فالمعروف أنّ لكل شخصٍ أب وأم وله إيضاً جدّتان وجدّان. وإذا نزلنا في سلسة النسب في جيل الجد الكبير نجد أنّ الشخص له أربع جدّات وأربعة أجداد. وأذا نزلنا إلى جيل الجد الأكبر نجد أن كل شحص له ثمان جدّات وثمانية أجداد. ونلاحظ أنه تقل الصلة كلما نزلنا في سلسة النسب فعندما نبلغ الجيل العاشر من جيل الأجداد يكون للشخص الواحد and#1633;and#1632;and#1634;and#1636; (ألف وأربعة وعشرون) جدّاً وجدةً. أما إذا نزلنا إلى الجيل الأربعين ودون الحاجة إلى الخوض في عالم التركيب الجيني والزيجوت وميكانيزمات توراث الصفات الوراثية السائد منها والمتنحي، فتكون الصلة الجينولجية البايولجية ضئيلة ولا تذكر. فنسب كل شخص في شكل هرم قاعدته من آلاف الأجداد والجدات وليس في شكل شجرة كما يتصوره البعض. فالعلاقة الجينية بين العباس أو الزبير بن العوّام والقراريش ، أن صحت، لا وزن جينولوجي لها. ولكن لها قيمتها الرمزيّة والأجتماعية العالية في نسب القراريش .رغم عدم أهمية النسب علمياً عند القراريش لا ننكر لذة الارتباط والود والحفاوة والكرم التي يقابل بها القراريش بعضهم البعض، فيذبحون الذبائح ويقيمون الولائم فرحةً بكل قراشي يزورهم بقصد التعارف مهما بعدت درجة القرابة.
    ولكن هل إذا ثبت أو بطل أي من أركان الابتناء النسب اعلاه سيغير من الواقع شيئاً؟ الأنساب لا تُنتقد والاعتقاد السائد هو أنّه قد ينضم المرء إلى غير قبيلته بالخلف والمولاة وقد جاء في الأثر مولى القوم منهم وإذا جاء رجل من قبيلة فدخل أخرى يجوز له الانتساب إلى أي منهما أو الأثنين معاً كما قال ابن حقيل ويكاد يعبر عنه البيت (إذا قالت حذام فصدقوها فإن القول ماقالت حذام). فالقراريش في مصر والسودان كثيرون. وفي مصر لهم أكابر وقرى وروابط معلومة. أما في السودان، ما أنّ ظنَّ القراريش أنهم ابتعدوا عن حملات المماليك والباشوات بهجرتهم جنوبا بدأ محمد علي في الاستعداد لغزو السودان فكان أن أوكل حماية إليهم طريق العتمور. فتمرد شيخهم عيسى لعدم وفاء الباشا بوعده. فأرسل الباشا منشوراً شديد اللهجة الى حكم مديرية دنقلا يأمره فيه بالقبض على الشيخ وأعدامه. المنشور معروف ومحفوظ في دار الكتب المصرية ويبدأ (أقبضوا على هذا اللص الحرامي قاطع الطريق وأعدموه على الخازوق). فكانت واحدة من أوجع الضربات حيث فقدوا زعميهم وخيرة محاربيهم لتبدأ مرحلة "البصارة والدبارة" مع الباشوات والمأمير حتى نهاية الاستعمار التركيّ. وفي عهد المهدية انقسم القراريش إلى قسمين جزء صغير أصبح مولياً للمهدية ولم يشارك في أيّ من معاركها تحت إمرة الشيخ العطا ود شميم والذي جاء في سيرته (العطا ود شميم شيخ القراريش الرقيق خيت الطرابيش) وقصيدة أخرى في مدح جسارته (ركّاب على دود الخلا أب عاجات، يشرب من ضروع العُنَّز الفاردات) وبعدها آلت السلطة لابناء عمومتهم العُنودة (نسبةً إلي العَنْدي) لمعاداتهم الخليفة وتمردهم عليه فعملوا مع بني عمومتهم العبابدة الخلفاء في مساعدة الانجليز، فخبراء العتامير منهم دُهاة عرفوا بالعِفَّة والحِرْفة وجَوْدَة الرأيِ وقلة الكلام. وأحدث ذلك وضعاً غريبا بين آل شميم والعنودة حيث يربطهم الدم وتفرقهم السلطة وصفت شاعرتهم ذلك بقولها (ولاد ود العطا ال للضيف مباشرين لا نلقى الفُراق لا نبقى زينين) .وفي نظارة دنقلا استمر صراع "الشياخة" بين القراريش في عمودية دنقلا إلى أن سلبها الشيخ الزبير حمد الملك عام and#1633;and#1641;and#1635;and#1636; بعد أن استقروا واسْتَأْرَضَوا، فعيّن أخوته وابناء عمومته عُمداً بسلطات واسعة وفرض الأتاوي على إبلهم الهَمُولة منها والحَمُولة (إي إبل الرعي وإبل الركوب) وجعل مشيخات عرب القراريش اسمية ليس فيها غير تحصيل الخراج مقابل نسبة ضئيلة وسنتناول ذلك بشئ من التفصيل في مقالٍ منفصل. والجدير بالذكر أن الحكومة الاستعمارية في السودان كانت قد حددت دار القراريش بعد جدال طويل بالارض الواقعة غرب خط السكة الحديد الذي يربط حلفا بأبي حمد وشمال خط السكة حديد الذي يربط كريمة بأبي حمد ويحدها من الشرق خط التلفون الذي يمثل الحد الفاصل بين البدو والحَضَر على النيل. حيث اعطت الحكومة الاستعمارية سلطات الإدارة الأهلية منع الرعي غرب خط التلفون الا بإذن رسمي. وكان ذلك لأنهم كانوا متعهدي وحماة طريق المحيلة من الحُتوفِ والسُرَّاق ومن "النّهْاضة" و"القيمان" وهو طريق قديم يبدأ من كوع القراشي في تخوم كريمة إلي دلقو (كما أشرنا في مقال سابق) ولهم في وصف في وعر ووغر هذا الطريق أشعار وملاحم وحكايات عجيبة ومثال ذلك الملحمة الشهيرة (العجو المن دلقو جابوهو القراريش، البِعكعِك في السنون ماهو الكريمييش). لذلك عُرفوا أهل المُطْرق والطريق فهم أهل عتامير وصحاري وفلَوات تتراءى فيها العفاريت والسعالي 'فتعوعي" من شدة الحر ووهج النار ويسكنها أب نويرة (أب لمبة) "اليلالي" من ظلمة الليل كما يقولون. وأبلهم معظمها وضحاء وإن كان يخالط بياضها شيء من الصُّفرة وعرفت أبلهم المطروقة بالشاهد و"الشّعِبة" بطول القامة ورقبتها الطويلة وسرعتها وقدرتها على التحمل ولهم نزلات تُعرف بنزلات القراريش وهي الأمكنة التي تنزل فيها القوافل التي يسمونها الدبابيك.
    بدأت حلقة أخرى من صراعات مابعد الاستقرار وترك حياة البدواة في السودان في بداية القرن العشرين بعد أنشاء خط السكة الحديد وانتهاء عهد الحَوايا والمخلوفة الكور والباصور لتنطوي صفحة خلدتها أشعارهم "ركّاب على أب حسكة وعواتي الخيل، وفرتاق محنة العوجة التهد الحيل" وهي حلقة بارزة في سلسلة الصعاب التي لازمتهم منذ المنشأ وحتى يومنا هذا.
    ـــ نواصل ــــ























                  

العنوان الكاتب Date
حول النسب والهوية الإثنية عند القراريش (and#1633;) عبدالرحيم محمد صالح عبدالرحيم محمد صالح 01-20-14, 02:24 AM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>

تعليقات قراء سودانيزاونلاين دوت كم على هذا الموضوع:
at FaceBook




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de