|
Re: نص مدهش منقول من صفحة Ayman Hashim (Re: Hatim Alhwary)
|
عندما وصلّ جدي الأكبر-مجهول الإسم بلاد النوبة، كان يملك من الإبل ما يكفي لإخفاء أفق الشمس عند الغروب، كانت القبيلة تتبع مجرى النهر، حتى إذا وجدت نهراً أصغر يقضم الأفعى العظيمة- نهر النيل، مكثوا في جنباتها. *** نزلت العرب من مراكب البلد العجوز، و ضربوا خيامهم حول دنقلا، إمتلأت قرى النهر بالبشر، صادف ذلك بزوغ نجم الشعرى، حيث يحيض النهر، نُصبت الخيام في وادي الضريسة، و تُركت الإبل ترعى الحسكنيت، في المساء و مع تأخر القمر العادي في البزوغ بعد معركة طاحنة مع المرافعين، ظهر القمر من خلف أشجار الأكاسيا، حيث صارت لمعة الصمغ كالذهب، و ظهرت نيران الأفاعي المضللة للمسافرين وراء التلال الرملية. *** جاءت السافل-إبل الجن و رعتّ مع إبل جدي، كل النوق الشبقة كانت فضلاتها خضراء بلورية من حشائش أنهار الجن، لذلك عندما أناخ أقدام الإبل ركضت و تتبعتها القبيلة طيلة الليل. بعد مضي فترة حملها، ولدت نوق بيضاء قمرية، و أصبح الوسم المعروف لها إبل العربي. على خيران دنقلا هناك جلسنا، طلبوا منا أن نرنم ترنيمة للرب، كيف نرنم ونحن فى أرض غريبة؟! لذلك حزمت القبيلة أمتعتها و نزحت جنوباً. *** إستيقظت السماء تبكي، كان دمعاً حاراً من الطرفة البكاية، و إرتفعت رائحة الطين، و مع كل قطرة في تراب السفاية كان ينتفض غبار الأرض المشتاقة للمطر. إحتمت القبيلة ببيوت المرافعين في جبل العين، حيث تظهر فتحة الكهف كعين في إتجاه النيل، و من الأعلى شاهد الجميع كيف كان النيل يزحف بين الأشجار كطفل صغير، تاركاً أثر مروره العطن ماءاً، و لم تُغلق السماء عيونها حتى حلّ محلها الغبار الأسود. كانت أيام حداد، ثمة وتد قد توفي، و إلا كيف إنهارت سماء الأرض الجديدة هكذا، لا تبكي الغيوم إلا عند موت ولي صالح. *** لأيامٍ تلت رعت الإبل قش الكربكان المقدس، و إنتفخت بطونها، و إقتربت القبيلة من النهر رويداً رويداً، وبدأو يألفونه، يلمسون المياه بأطراف أصابعهم، و يمررونها حتى أرجلهم الجافة المشققة، التي إحتل شقوقها الطين. شتتوا بذور القمح، الذي أخرج سرته التي تربطه بالأرض بعد ساعات، حتى إن القمح نما في شقوق أرجلهم. كانت أرضاً خصبة، داكنة و مرعبة. لم تُخرج القش و حسب، أخرجت الأولاد السود من بطن البحر، الجثث الغارقة نبتت في الجروف، حيث تلعب صغار التماسيح بدأت القصص حول أولاد البحر، و الشجر المستحي، وطيور وردية اللون. أزعج البحر العقارب الطينية المشعرة فخرجت، و أغرق البيوت الطينية للزواحف، و نمل الهويملا، حتى أفاعي الرمل، إختنقت. *** لكن ذلك الطين كان شهياً، إشتهته جدتي - مجهولة الإسم عندما كانت حامل، و عندما وضعت خلق الله أول إنسان في قريتنا من طين الكُركتي" الحمأ" خلاصة رحلة النيل من مرتفعات الحبشة، الطين الذي يبعث الحياة في الحقول. عندما بزغت نجمة الشُعرى، وصل جدي (النهر) ، و كانت جدتي (اليابسة) حبلى، كل أهلي الذين وُلدوا كانوا تساباً و من طينهم بُنيت البيوت التي تراها و التي يحنُّ لها جدنا النهر.
Ayman Hashim August 23 at 9:51 AM
|
|
|
|
|
|