مثل نجم أسود في رابعة النهار التقدميّ الوَضَّاح!

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-24-2024, 08:00 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف للعام 2020-2023م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
09-10-2021, 06:28 AM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مثل نجم أسود في رابعة النهار التقدميّ الو� (Re: عبد الحميد البرنس)

    على غير العادة، أخذ الحاج محمود يشقّ طريقه مبكِّراً إلى المسجد، بعد أن رأى في المنام كلباً أسود يضع في فمه غليوناً أسود يتصاعد منه دخان أسود. كان الحاج محمود جلس فور استيقاظه داخل الفرندة على طرف السرير متصالب الساقين ملفوفاً بالعتمة واضعاً رأسه بين كفيه. وقد أخذ يُقلّب في ذاكرته ما قال ابن سيرين عن الأحلام، وعيناه ترنوان إلى شيء أبعد من العتمة والفناء وذكرى زوجته الراحلة وبناته اللائى تزوجن وغادرنه مع أزواجهن إلى مدن بعيدة. أخيراً، غادر الفراش. وهو عائد من المرحاض وإبريق الماء في يده، أخذ يتمتم: "اللهم اجعله خيراً". ثم ما لبث أن جلس القرفصاء في صدر حوش الديوان وطفق يتوضأ من ذلك الإبريق النحاسيّ القديم بتمهل خالطه وجل وقلبه يحدثه أن كارثة لا قبل للنّاس بها في طريقها عاجلاً أو آجلاً لتقويض سلام "هذه" المدينة الوادعة مرة وإلى الأبد". إلا ماذا قد تعني رؤية كلب أسود، غليون أسود، دخان أسود؟

    "اللهم لا نسألك رد القضاء لكن نسألك اللطف فيه"، تمتم الحاج محمود ملقياً بالأمر كلّه على كاهل الخالق ونهض.

    ما أن فتح باب الحوش وتقدّم في الشارع قليلاً في طريقه لرفع آذان الفجر، تجمد الدم في عروقه وتوقفت أنفاسه. كانت الأرض انشقت قبالته عن كلب أسود، وقف على قائمتيه الخلفيتين، أخذ يتلاوعب للحظة بعينين متقدتين كعيني عاشق لا ينقصه الحياء، قبل أن يمرق في الاتجاه المعاكس بذيل معقوف إلى أعلى. لوهلة اختلط في ذهن الحاج الواقع بالوهم. لم يكن متأكداً في أقواله اللاحقة إن كان الكلب الذي برز قبالته كشيطان يمسك غليوناً أم لا؟ حين التفتَ الحاج أخيراً وقد عادت حواسه للعمل لم يكن ثمة ما يلوح وراءه سوى السكون المخيم على امتداد الشارع المترب. "اللهم اجعله خيراً"، بالكاد خرج صوت الحاج محمود هذه المرة. ومع ذلك، سرعان ما قد هدّأ من روعه وأخذ يغذي الخطى مواصلاً السير قدماً إلى المسجد كما قد يسير أي "مؤمن آخر ورع".

    كانت تقترب من الثالثة.

    ما زال هناك في الوقت متسع للتأمّل والتفكّر في خلق الله الواسع العليم والسير بتؤدة، المصابيح مطفأة داخل المنازل، أعمدة الكهرباء الأسمنتية المتعاقبة أعماها عبث الصبية النهاري، أما القمر في تمامه فيطل خلل السحب السوداء السارية ببطء صوب الشمال، يختفي فتعتم الأشياء آخذة من جديد أشكالها المخيفة الغامضة، "الناس غافلون، الآيات بيِّنات، الحكمة لا يبصرها المبصرون، وهذه ساعة يذكر فيها كثيراً اسم الله الواحد الأحد".

    كذلك واصل الحاج محمود الهمس، مبدداً وحشة الطريق محتسباً بقايا الرؤيا المشئومة، فاركاً مسبحة الصندل الحجازية الدقيقة من آن لآن، مغالباً تلك الدموع الحارقة التي ظلّت تملأ عينيه كلما استشعر في أعماقه عظمة الخالق سبحانه وتعالى، أو تذكر "حتى حينه" أمّ بناته التي رحلت منذ سنوات. فجأة انتبه إلى حركة مريبة أخذت تتناهى إليه لاهثة من وسط كومة الأوساخ المتراكمة عند ناصية سور المدرسة الأميرية الحجريّ القصير.

    لم يخالج الحاج محمود الشك لحظة أن الشياطين تتناسل داخل كومة الأوساخ، "تلك الخرابة والعياذ بالله"، في غفلة من عين الإنسان "حامل الأمانة". مثلما حدث قبيل ذلك مع الكلب الأسود، توقف الحاج على بعد خطوة من بداية "الخرابة" وقال بيقين المؤمن الصادق نفسه: "بسم الله الرحمن الرحيم". "أي شيطان لا يفر إذا ما أطلق عليه اسم الجلالة"؟ ردد الحاج البسملة. لا شيء تغير. بدأ القلق يساوره. "بسم الله الرحمن الرحيم". ظل اللهاث نفسه يتفاقم متناهياً من داخل الخرابة. "لو أن الحاج محمود لحظتها لم يكن هو نفسه المؤذن الرسمي للمسجد الكبير لأطلق العنان لساقيه لا يلوي على شيء آخر خلّفه وراءه". شبحان من خيال العتمة، يلتحمان في وضع غريب ومريب، لكأن القاذورات تحتهما سجادة حرير يتمرغ على نعومتها جسدا عاشقين التقيا بلهفة من بعد طول غياب لم ينقطع خلاله نداء الشوق وظمأ رغبة لا رواء له. كان القمر محتجباً آنئذ وراء سحابة سوداء كثيفة، العرق لا يني يتصبب من جبينه وصدغيه مبللاً لحيته البيضاء المستديرة وقلبه يرتجف داخل صدره كأنف فأر حاصره قط في ركن ضيّق، كان استنفد في تلك الدقيقة كل ما في جُعبته من آيات وأدعية وأحاديث مأثورة "وَأَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى لَا تَخَفْ إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ". لا شيء أبداً قد تغير هناك، مع ما ظلّ يتلفظ به تباعاً بوصفه أسلحة المؤمن. ما أن قرر أخيراً مغادرة المكان "بأسرع قدم"، وقد أدرك برعب مدى ضعف إيمانه "الذي لم يصمد طويلاً" إزاء "هذا البلاء الرباني اليسير"، حتى جاء الغيث من السماء "رأساً"، حيث اندلق نور القمر المنير كاشفاً له في ثانية معالم الفصول الدراسية وتضاريس السور الحجري القصير، بل وأدق تفاصيل الشبحين داخل الخرابة، واللذين كادا منذ نحو الدقيقة أن يقلبا نظام العالم القائم في ذهنه رأساً على عقب. رويداً رويداً، أخذ الحاج محمود يفيق من "ذهوله العظيم ذاك". باختصار، بدأ يتنفس الصعداء. وقد وضح له الأمر "الآن" جلياً. إلا أنّه لبث في مكانه لحظات. يلفه الغيظ والغضب والحنق والحيرة والوجوم. وأكثر من ذلك: تخاذل إيمانه في اللحظة الأخيرة! وقد هدأ روعه، عقد الحاج عزمه، فتقدم وسط أكوام أوساخ الخرابة المتلاحمة، شاقاً طريقه كثعلب يقترب بحذر وخفة من حظيرة الحملان. في أحوال أخرى، ما كان له حتى أن يلوث ناظريه بمرأى تلك الخرابة. لقد صمم الحاج!

    كان بين الحاج وبين الشبحين "في منتصف الخرابة" خطوة، حين تبين له وجه الصبي أحمد حسن صديق على نحو شديد الوضوح. "ذلك الفاجر"، قالت "وكالة رويتر المحلية"، ثم رمت نظرة نافذة متناوبة على وجهي أختيَّ جعلت الكبرى تتأمّل أظافرها المطلية حديثاً بينما تغير وجه أمّي قليلاً حالما رأت الأصغر وهي تبادل "وكالة رويتر المحلية" نظرة الند للند بل صعدت إلى حصان جرأتها المعهود لحظة أن مدت عنقها إلى الأمام وقد خيل لي أنها قد تتحول في أي لحظة إلى أذن فيل ضخمة لا محالة. أما جارتنا فاطمة فقد كانت لا تزال هادئة تبتسم بعينيها الجميلتين دون أن تنفك يداها من تهوية وجهها بكتاب: "ألف طريقة وطريقة لصناعة الحلوى ".

    كان نصف الفاسق "أحمد حسن صديق" الأسفل ذاك عارياً إلا من سرواله الساقط عند كاحليه، جلبابه متكوّم بين الصدر والعنق، عيناه شاخصتان في البعيد، بينما ينغرس فكه في الظهر المائل لحمارة أمينة الفرَّاشة التي أغمضت عينيها نصف راقدة مرخية أذنيها الكبيرتين، وقد راحت تلوك شيئاً ما ببطء وتمهل أثارا على ضوء القمر المنير وزادا من غضب الحاج محمود الذي سبق له أن وطأ في أثناء سيره الحذر داخل كومة الأوساخ المتراكمة على "جثة فأر متفسخة". لقد بدا إجمالاً كأن الحمارة تعودت على مثل تلك الممارسة الاستثنائية "الشاذّة"!

    كانت المنازل الساجية الموغلة في سباتها العميق قبالة سور المدرسة الأميرية شاهدة عيان، أوصدت الشماتة والخوف والدهشة آذانها، فبدت غير عابئة بضربات المسبحة المتساقطة على رأس أحمد حسن صديق الذي انتزع نفسه وجذب السروال وأسدل الجلباب في ثانية متقهقراً نحو السور بما قد تبقى له من عقل. لكأن الحمارة التي لا تزال محافظة يا للعجب على هدوئها ذاك، لم تسمع بدورها كل ذلك النداء الخافت المستغيث الحار: "الستر.. الستر الستر.. يا مولانا.. وربَّ الكعبة الشريفة.. لم أفعل هذا الفجور بيدي.. لا لا.. لم أرتكب.. يا مولانا.. هذا المنكر الشنيع بمزاجي.. يشهد الله أنني كنت في عز نومي.. عندما خطفني الشيطان من سريري خطفاً.. ثم.. ثم أحضرني إلى هنا محمولاً على قرنه السابع". حالما أنهى أحمد حسن صديق بشق الأنفس مرافعته الدامعة المنكسرة حدَّ اللوعة والرثاء، زفرتْ الحمارة، وبدا أن الحاج محمود، الذي أنساه هول ما رأى أن يؤذن لصلاة الفجر في ذلك اليوم، قد وجد في داخل كومة الأوساخ متسعاً للحوار، فأخذ يتفكر مليئاً في وجه المراهق الملتصق بظهره إلى سور المدرسة الأميرية الحجري القصير بينما أخذ صوت الديكة ينطلق من أكثر من مكان قائلاً: "لماذا إذن يا ابن الناظر التربوي الرشيد نفسه! لم يكن ذلك القرن من رأس الشيطان قرنه الرابع؟ أو الخامس حتى؟ لماذا قرنه السابع تحديداً؟ وإذا كان للشيطان كما نعلم منذ فجر الخليقة مائة رأس بالتمام والكمال، فإلى أي الرءوس كان ينتمي القرن الذي حملك من سريرك يا فاسق إلى حمارة أمينة الفرَّاشة هذه؟ أيها الفاجر، لماذا تصمت هكذا؟ ها أنت إذن تكذب أيضاً، خذ هذه، وقسما بالله العظيم ثلاثاً، لأنت سيد الفحش كله، لا لا، أنت الشيطان ذاته وقد اتخذ هيئة إنسان داعر، لا، بل ... أنت مُسيلمة الكذّاب شخصيّاً". كان في إمكان هذا الحوار أن يستمر هكذا سجالاً ما بين كر وفر من غير انقطاع إلى ما بعد بزوغ الشمس، وربما حتى "قيام الساعة نفسها"، خاصّة في ظلّ وجود مثل تلك الروايات التي تزعم بوجود نحو المائتي قرن للشيطان، لو لا أن فطن ابن الناظر الذي دأب على ركل عجيزة الحمارة بقدمه خفية من آن لآن إلى مراجعة موقفه الحرج أخيراً، فأطلق العنان لساقيه الخفيفتين كساقي جواد، تاركاً وراءه الحاج محمود وسط نهيق الحمارة الذي علا على حين غرة، ثم.. وبعد أن انغمسن في الصمت لدقائق، مضت "وكالة رويتر المحلية" بالحكاية القديمة نفسها باعثة نسمة أخرى من الضحك في خلايا ذلك النهار الذي بدا لغيظه بلا نهاية قائلة: "يا بنات أمي! سعيدة حقاً.. مَن تتزوج بمُسيلمة الكضّاب. لو طلبني أنا شخصياً للزواج لوضعت ثوبي بين أسناني وركضت نحوه بلا تردد. لا تتضاحكن هكذا... ها ها ها.. لابد أن مَن يفعل ذلك مع حمارة لديه مثل ما لدى الحمار"!

    يتبع:






                  

العنوان الكاتب Date
مثل نجم أسود في رابعة النهار التقدميّ الوَضَّاح! عبد الحميد البرنس09-09-21, 09:27 PM
  Re: مثل نجم أسود في رابعة النهار التقدميّ الو� عبد الحميد البرنس09-10-21, 06:28 AM
    Re: مثل نجم أسود في رابعة النهار التقدميّ الو� النذير بيرو09-10-21, 11:13 AM
      Re: مثل نجم أسود في رابعة النهار التقدميّ الو� ابو جهينة09-10-21, 12:34 PM
        Re: مثل نجم أسود في رابعة النهار التقدميّ الو� osama elkhawad09-10-21, 04:08 PM
      Re: مثل نجم أسود في رابعة النهار التقدميّ الو� عبد الحميد البرنس09-10-21, 10:44 PM
        Re: مثل نجم أسود في رابعة النهار التقدميّ الو� عبد الحميد البرنس09-12-21, 08:42 AM
          Re: مثل نجم أسود في رابعة النهار التقدميّ الو� عبد الحميد البرنس09-12-21, 10:48 PM
            Re: مثل نجم أسود في رابعة النهار التقدميّ الو� ابو جهينة09-12-21, 10:53 PM
              Re: مثل نجم أسود في رابعة النهار التقدميّ الو� عبد الحميد البرنس09-14-21, 10:56 PM
                Re: مثل نجم أسود في رابعة النهار التقدميّ الو� عبد الحميد البرنس09-15-21, 10:54 PM
                  Re: مثل نجم أسود في رابعة النهار التقدميّ الو� عبد الحميد البرنس09-21-21, 10:27 PM
                    Re: مثل نجم أسود في رابعة النهار التقدميّ الو� عبد الحميد البرنس09-24-21, 06:36 AM
                      Re: مثل نجم أسود في رابعة النهار التقدميّ الو� عبد الحميد البرنس09-26-21, 10:27 PM
                        Re: مثل نجم أسود في رابعة النهار التقدميّ الو� ابو جهينة09-27-21, 01:06 PM
                          Re: مثل نجم أسود في رابعة النهار التقدميّ الو� عبد الحميد البرنس09-28-21, 09:23 AM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de