مسرحية التسوية السياسية التي تجري الآن بين العسكريين والقحاتة مرفوضة جملتا وتفصيلاً ، وهذا ليس عناد إنما إصرار في الموقف ، هناك فرق بين الإصرار والعناد في المواقف ، هكذا يعي العقلاء وكذلك اصحاب الضمير ، فهم لن يرفضوا التسوية من أجل الرفض بل لتأكيدِ الثوابت التي قامت من أجلها ثورة ديسمبر ، لن نقبل بتسوية ترضي قاتل وتمنحه البراءة او عميلٍ حقير ، أو طاعةٌ لطرفٍ خارجي يُضمر لنا في جوفهِ السعير ، ولأن الإصرار على رفض التسوية له مبرر في حق كل من شارك في التسلق علي دماء الشهداء وجلس مع القاتل ومنحه الحصانة والتقدير ، وساهمَ بعمليةٍ سياسيةٍ حولت السودان لبلدٍ أشبه بغاية البعير ، فالشعب يرفض هذه التسوية ليس تعنتاً كما يظن من تفكيرهُ قصير . لعل أكثر سؤال يُطرح في الساحة السودانية هذه الأيام هو: التسوية التي تجري بين العسكريين والقحاتة هل هي الحل أم العودة إلى المربع الأول ؟
ولعل القاسم المشترك لجميع الإجابات عنه هو أن لا أحد يعرف ما تؤول إليه الأوضاع في القريب العاجل، وكيف وصل السودان إلى هذه النقطة الخطرة التي هي أشبه بحافَة الهاوية؟
دون شك، الإجابة الواقعية عن السؤال أعلاه، تتطلب عدم الاكتفاء برؤية المشهد السياسي الحالي، إذ لا بد من العودة إلى الوراء قليلا لفهم العوامل التي أوصلت هذا المشهد إلى الانسداد السياسي.
في الواقع يمكن القول إن ثلاثة عوامل أساسية تقف وراء المشهد الحالي:
الأول هو خطاب قوي الحرية والتغيير المجلس المركزي الذي بموجبه صنفت السودانيين علي حسب الولاء والانتماء إليهم ، فكل من يتفق علي دستور اللجنة التسيرية لنقابة المحامين مناضل وسوداني ، وكل من ينتقد هذا الدستور فهو كوز ولا يحق له أن يعيش في الدولة السودانية ، خلافا للخطاب الكراهية الذي ساد هذا الكيان خاصة أن هذا الخطاب تحول إلى وسيلة لأقصاء كل من يخالفهم الرأي ، وهو ما أنتج هذا الوضع الآن .
الثاني هو الحرية والتغيير الكتلة الديمقراطية التي صوّرت انقلاب البرهان على أنه بداية عهد ديمقراطي! فيما على أرض الواقع والوقت لم يعطِ الأهمية اللازمة للتحول الديمقراطي، وبناء دولة مؤسسات حقيقية، خاصة مع انتشار مليشيات هذه الكتلة في المدن والعاصمة الخرطوم وهي تهدد الأمن وتخلق الفوضى ، وهو ما أدى إلى تسليم سلطة الدولة لصالح المليشيات، التي تعمل لإخضاع العملية السياسية لشروط بقائها في سُدة المشهد السياسي ، دون الاندماج في القوات السودانية المسلحة ( الجيش) .
الثالث وهو الدور الخارجي الذي وجد بعد سقوط نظام البشير فرصة ذهبية لجعل السودان منطلقا لأجنداته ، خاصة أن السودان يحظى بأهمية إقليمية في المنطقة نسبتا لموقعه الجغرافي .
هذه العوامل الثلاثة تفاعلت مع بعضها ، وهي التي تقف وراء وصول العملية السياسية في السودان إلى طريق مسدود، وقد تجلّت مظاهر هذا الانسداد في عدم قدرة الطبقة السياسية على تلمُّس حلول للمشكلات التي تفاقمت في كل الاتجاهات، وهو ما أدى إلى لجوء بعض الأقاليم الي الإدارة الأهلية ( القبيلة) للمطالبة بحقوقهم وهذا منعطف خطير. في ظل هذه التسوية التي يصنعونها مع العسكر بمفردهم سوف يطول أمد الفترة الإنتقالية التي لا نعرف متي تنتهي؟ وسيظل الحال كل يوم يمر إلي الأسوأ ولا نعرف إلي متي يستمر هذا الحال المؤلم ؟ . .
عناوين الاخبار بسودانيزاونلاينSudaneseOnline اليوم الموافق December, 04 2022
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة