أما الحقيقة التي لا تقبل الجدال فهي أن الناظر ترك من حقه الدستوري والعُرفي والإنساني أن يتبنَّى قضايا إنسان الشرق بغض النظر عن خلفياته السياسية الشخصية أو حتى مدى إتساع دائرة تمثيلهُ لأبناء الشرق بكافة إنتماءاتهم على أرض الواقع ، فهو الآن لا يتحدَّث بإسم المؤتمر الموطني المحلول ، ولا يتبنَّى برنامجاً سياسياً يمكن إرجاعهُ لأية أجندة حزبية على الأقل في الإطار الظاهري لما بين أيدينا من برامج حزبية ، هذا طبعاً عبر النظر إلى مُجمل القضية من منطق أنها (مسوَّدة) تُعبِّر عن حقوق وتطلُّعات إنسان الشرق على عموميات إنتماءاته القبلية والثقافية والفكرية والسياسية ، أما ما لا يمكن الجِدال فيه هو مضمون ذلك السؤال الذي بات يفرض نفسهُ كلما إستفحل النقاش حول (السُبل) التي يمكن أن يوصل بها أصحاب الحقوق والشاكون من المظالم قضاياهم ورسائلهم إلى أصحاب القرار والحل والعقد في البلاد ، هذا السؤال منطوقهُ هو (هل من سبيل إلى تغيير أشكال ومضامين الإحتجاج والثورات (المشروعة) وفقاً لإختلاف الظرف السياسي وتغيُّر المبادئ التي تنبني عليها قرارات القائمين على أمر الحكم في البلاد ؟) ، فالإحتجاج في زمان الإنقاذ البائدة كان يُكلِّف الكثير من الخسائر التي تبدأ بالأرواح وتنتهي بالتعذيب والتشريد والإعتقال والمضايقة والمحاربة في الحصول على سُبل العيش الكريم عن طريق الإفقار المُتعمَّد وتعميم مبدأ عدم العدالة في توزيع الفُرص والموارد.
أما أشكال ومضامين الإحتجاجات الآن وعبر حيثيات الواقع السياسي الراهن وإرتباطه بإرادة الشعب السوداني الذي بذل دون تحقيقها الغالي والرخيص ، فقد حدَّدتها مسارات واضحة ومُعلنة ومُتخصِّصة في معالجة أخطاء وجراحات الماضي وإيفاء الحقوق لأهلها وإزالة المظالم عن كاهل المُهمَّشين وتعزيز سُبل التوافق بين الخصوم ، فدولة المواطنة السودانية أصبح قوامها العدالة والمساوة وقداسة مؤسسية الدولة وإستتباب مبدأ الإنحياز اللا مشروط للمصلحة الوطنية العامة التي ليست سوى إرادة جماهير ثورة ديسمبر المجيدة ، فمن كان عنده دلائل ضد الناظر ترك فيما يُقال عن دوره في صندوق إعمار الشرق المشوب بفساد الإنقاذ البائدة فليُدلي بلدوهِ ويُبرز الدلائل دون تردَّد وليكُن ذلك بإسم المصلحة الوطنية التي لن يجروء على مناوءتها (جهراً) فيما توفَّر من شفافية كائناً من كان ، ومن يقول أن ما يحدث الآن في الشرق من تهديدات للأمن الوطني والإستقرار الإقتصادي والتنمية القومية هو أجندة تقف خلفها وتدعمها وتموِّلها الخلايا النائمة لفلول النظام البائد فليدعو جهات الإختصاص إلى إثبات ذلك والعمل على منازلتها عبر ثنائية المنهج السياسي والأمني لدى سُلطات الحكم الإنتقالي ، على أن لا يكون ضمن أدوات تلك المُنازلة (إنكار) الشعارات الظاهرية التي يرفعها الناظر ترك بإسم إنسان الشرق أو التهرَّب من الإعتراف بأنها مطالب شرعية وواقعية ومُستحقة ، فالأوضاع الآن في سودان المسار الديموقراطي لا تسمح بمعالجة مثل تلك الأحداث مهما بلغت خطورتها وتداعياتها بالعُنف الرسمي ولو كان مشفوعاً بأسانيد القانون والدستور ، وإلا أدَّى الأمر إلى طامةٍ كُبرى يتمنَّاها أعداء الثورة والمُتضررين من تقدُّم مسيرتها نحو العبور ، أما إتفاق جوبا وما ورد فيه من بنود وإلتزامات بخصوص مسارالشرق فهو إجتهاد بشري وليس أمراً ربَّنياً مُنزلاً ، لذا من (الواجب) ومن المصلحة الوطنية إعادة صياغته ثم التوافُق حولهُ في دائرة أكثر إتساعاً تشمل جميع أصحاب المصلحة بما فيهم من يمثلون المصلحة القومية والمركزية لهذا الوطن الذي بإذن الله سيظل صامداً وشامخاً رغم المحن والإبتلاءات.
<شرق السودان بين الحق والحقيقة.docx> <هيثم الفضل - Copy.jpg>
عناوين مقالات بسودانيز اون لاين الان اليوم السبت الموافق 19/9/2021
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة