منذ عام ٢٠١٦ كتبت عن تسعة طويلة، لم يكن أسمهم تسعة طويلة بعد، فقد أُطلق عليهم هذا الاسم قبل بضعة أشهر فقط. وكتاباتي موجودة على سودانيز أون لاين (لمحبي الغولاط). سنواجه أصحاب المصلحة بهذه الحقيقة التي يرفضونها ليحملوا الكيزان شماعة عمالتهم. في ذلك الوقت جاءتني رسالة على الإيميل من شخص غاضب لأنني اتهمت جهاز الأمن بهذه الظاهرة مطالباً بأن أقدم أدلة على ذلك، ولا أتذكر إن كنت قد رددت عليه أم لا. فلا حاجة لنا بأدلة، إن كان جهاز الأمن يتسرب إلى غرف النوم ويعرف كل صغيرةوكبيرة ولا يواجه هذه الظاهرة (المصنوعة) فهو مسؤول بلا شك. لقد ذكرت قبلها بأن التغيير حتمي، وبأن هناك دول اخترقت السودان، وبأن هناك خطة تغيير عظيمة قادمة. لكنني كنت مشوشاً تجاهها. بالفعل فمنذ ٢٠١٤ بدأ الضغط على نظام البشير اقتصادياً، وحتى بعد تزلفه للسعودية، لم ينل أي احترام أو دعم. وهكذا بدأ الانحدار في خطة قتل أشبه برواية أجاثا كرستي "جريمة في قطار الشرق" حيث يقوم كل من في القطار بغرز سكينه في صدر المجني عليه. فما هي حقيقة تسعة طويلة هذه؟ ظلت الخرطوم قرية في شكل مدينة، قرية تافهة تحمل ذات مقومات ثقافة الريف ولا تختلف عن الريف إلا في تركز خدماتها الضعيفة (على قلتها)، الصحية والتعليمية والإدارية..الخ. ولكي يتم تحويل الخرطوم لمدينة فإنها يجب أن تحمل -قبل كل شيء- ثقافة المدينة. فمنذ كويتليه وجيري ثم مدرسة شيكاغو وروسمو..الخ أثبتت الدراسات والأبحاث في مجال الجريمة، أن المدينة تتميز عن الريف بشيء أساسي، وهو ارتفاع معدلات الجريمة. هناك مقومات لتحويل منطقة إلى مدينة وذلك عبر تغيير ثقافة سكانها إلى ثقافة المدن، وذلك عبر تحريرها (قوانين تجيزالخمور والدعارة المنظمة والمثلية والإنطلاق من الليبرالية الجندرية)، والتحرير الإقتصادي، والجريمة. التحرير القانوني والاقتصادي يفضي إلى الروح الفردانية وتدمير المنظومات الإجتماعية التقليدية عبر التحول إلى الأسر النووية، (ببساطة كل زول في حاله)، والجريمة تعمق الخوف، والإنزواء، وحذر والبقاء داخل المنزل، وضعف التواصل الاجتماعي الواسع إلا في حالات ضيقة جداً وضرورية (لازم تفكر كتير لو انت في أمدرمان وعايز تشرب شاي مع صاحبك في الخرطوم). هذا التغيير الثقافي، يعني عزل الفرد عن السند الاجتماعي التقليدي (الأسر الممتدة، القبيلة، العشيرة)، وهكذا يتفرغ تماما للعمل وخدمة المؤسسات الرأسمالية. إذا فالجريمة لها دور إيجابي في تغيير ثقافتنا إلى ثقافة فردية. لقد ظلت الثقافة الجماعية تعطل عمل كل المؤسسات العامة والخاصة في الدولة. فيمكنك أن تدخل لأي مصلحة حكومية ولا تجد موظفاً واحداً لأنهم ذهبوا لتعزية أحد زملائهم في وفاة ابنة خالة عمته. أفضت الثقافة الاجتماعية الكلاسيكية إلى الإتكالية، إذ أن شخص واحد قد يعول أسرته وأسرة اشقائه وأبناء عمومته ونسائهم. وهذا لا يخدم الرأسمالية. أفضت الثقافة الجماعية الكلاسيكية إلى ضعف الرغبةفي العمل، لضعف الخوف من الفقر، ولذلك فالعمالة في السودان مؤقتة وغير محترفة..كل ما سبق وغيره كان من اللازم أن يتغير. وللولايات المتحدة تجربتها العميقة، إذ ان الثقافة الريفية في الجنوب الامريكية والتي عطلت الثقافة الصناعية (المدنية) في الشمال الأمريكي كان يجب أن تنتهي، وهكذا تمت خطوات متمرحلة لتقليم اظافرها (تغيير القوانين، إنهاء العبودية، تحرير المرأة لتتحول إلى يد عاملة، حقوق الإنسان _التي لم تشمل حقوق العمال إلا بعد الثورة العمالية بوقت طويل متأثرة بالفلسفة الماركسية- ثم تم الإجهازعلى الثقافة الريفية في الجنوب الأمريكية بحرب حقيقية بدأت بحصار الجنوب بعد أن أوقف الجنوب تصدير القطن-King Cotton) وهكذا انتصرت الرأسمالية في معركتها ضد الثقافةالريفية القديمة وتغيير نمط الزراعة إلى النمط التجاري بدلاً عن الإقطاعي. إذاً فأمريكا لديها فهم عميق لتحويل الشعوب إلى (المدنية)، وهذا ما يحدث الآن بالفعل، إذ يجب أن نفكر كأفراد في جني المال فقط لكي نظل أحياء، والمال عند المؤسسات التابعة للخارج، وهكذا فتسعة طويلة اداة ناجعة وسريعة من ضمن أدوات التغيير إلى المدنية. إن بيئة العمل في الخرطوم ليست بيئة صالحة للتطور إلى بيئة رأسمالية إن لم يمتلك الشعب الثقافة المدنية، عبر الشعور بالخف المزمن نتيجة الفردية. إنها دازاين هايديجر بكل ما تعنيه الكلمة.
عناوين مقالات بسودانيز اون لاين الان اليوم السبت الموافق 18/9/2021
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة