يا جار بيت الله مالك جافي؟...

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-20-2024, 04:46 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف للعام 2019م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
01-16-2020, 07:24 PM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
يا جار بيت الله مالك جافي؟...

    06:24 PM January, 16 2020

    سودانيز اون لاين
    سيف اليزل برعي البدوي-
    مكتبتى
    رابط مختصر



    يا جــار بيــت الله مــالك جـــافي .. .. ونــداء ربك ليس عــنك بخـافـي
    غــذاك من نــعم فـــأنت خــدينها .. .. وحباك جســما طــافح الأعطاف
    في صحــة تحـيا وغــيرك مدنف .. .. وإذا مرضـت فـإن ربــك شـافي
    يدعوك في الخمس الفروض فلا تجب .. تــعصـى وأنت منـعم متعـافـي
    وإلى المساجد سار من في جسمه.. .. ســقمٌ وأقــبل راعــش الأطـراف ِ
    وأتى إليــها مــن بـــه شيــخوخـة .. .. وبقيت في صــمم الغـواية غافي
    وبقيت تســمع في منــامـك أنــها .. .. قــامت وتمــكث في وثـير لحاف ِ
    أو ما سمعت وعيد ربك صــادق .. .. ونهـلت من نبع الكــتاب الصافي
    هـــو آمـــر بأدائـــهــا ومحــذرا .. .. في مــريم وبســـورة الأعـــراف ِ
    أو مــا علمت بأن موتـك قـد دنا .. .. فــتكون محمــولا على الأكـــتاف ِ
    أو ما حسبت حساب قـبر مظـلم .. .. في مهــمه وعليه يــذروا الســافي
    وبــه شجــاع أقــرعٌ مـــتربـصٌ .. .. بجــريــرة الفـــعل القــبيح يكـافي
    فالــموت محـــتـوم وكـــل ورده .. .. آت رعــاع الأرض كـالأشــراف ِ
    سل عنه عادا والأولى قد شـيدوا .. .. دنــياهــم مـن جــمـلة الأســـلاف ِ
    نحتوا الجــبال وقد بنـوا أهرامهم .. .. أجســادهم كالنــخل والصفـصافِ
    ماتوا جميــعا أصبــحوا أثـرا بلا .. .. عـــين ويـأتي الــدور للأخـــلاف ِ
    أتـــراك غــرتــك الدنــية لم تكـن .. .. تدري بمــا يطــلـبك من أحـتـاف ِ
    ستجـيء في يـوم التــغابن عـاريا .. .. عطــشان في كرب القيامة حافي
    فــأجب نـــداء الله قــبــل مــنـيــة .. .. تأتــيك والــقـدر الأكـــيـد يــوافـي
    فالــناس دون هــداية شــيطــانـهم .. .. فــيهم كـذئب فـي قـطـيع خـراف
    بحـــر الحـــياة شــديــدة أمواجــه .. .. وعــبـادة الإنـســان كـالمـجـدافِ
    هــاذي نـصيــحة مشـفق في قـلبه .. .. خــوف عـليك يصوغ منه قوافي
    ويخــاف في يــوم المعــاد تـلومه .. .. وتـقول لم تحـرص على إنصافي
    وتركتني في الــغي دون نصيـحة .. .. ســاهمت في عطبي وفي إتـلافي
    ها قد محضتك كل نصحي ياأخي .. .. حرصــا عـليك أليس ذاك بكافي؟
    أرجــو لقــلبك أن يــذوق هــدايـة .. .. مـن فضــل ربك ســابغ الألطاف ِ
    يا رب رد إلى الهــدى من غرهم .. .. كــيد الغــرور وأنـجهم يـا كــافي
    ---------------------------------------------------------------------
    عولمة الأخلاق.. وأثرها على الشباب المسلم...
    حاول أعداء الإسلام والمسلمين كثيرا القضاء على الإسلام، أو إخضاع بلاد الإسلام عن طريق الحروب والمعارك، فخاضوا مع المسلمين حروبا صليبية طويلة، انتصروا في بعضها وانهزموا في بعضها، احتلوا البلاد أزمنة وخرجوا من بعضها أيضا، وهزمهم المسلمون كثيرا ـ خصوصا في أزمنة قوة دولة الخلافة.. ولكنهم أدركوا في نهاية المطاف أن الغزو العسكري والقهر لا تأتي لهم بالنصر، ولا تنهي الصراع أبدا، فكان لابد من تغيير استراتيجية الغزو والتأثير، فعمدوا إلى سبيل آخر وهو الغزو الفكري، ثم انطلقوا منه إلى سلاح أكثرَ استهواءً، وأشدُّ مَضاءً، وهو إشعال الغرائز، بحملات محمومة، وسيل جارف من المثيرات المنحطة الغاية منها قتلَ المرُوءة، ولا سيما عند الشباب، قوةِ المجتمعات، وعصبِ التغيير والبناء.

    بداية الغزو الثقافي
    كانت بداية الغزو الثقافي لبلاد الإسلام مع ظهور التفوق الحضاري الغربي، والقفزات الهائلة التي سبقوا بها العالم الإسلامي الذي بدت عليه مظاهر الضعف والتخلف في أواخر دولة الخلافة، وخصوصا مع الاحتلال الفرنسي لمصر مما نتج عنه في النهاية انقسام المفكرين إلى قسمين: قسم انهزم تماما أمام هذه الحضارة الغربية ونادى بالأخذ بكل ما فيها من طيب وخبيث، وحتى الأمراض التي في بطونهم.. وقسم آخر لم يستطع أن ينادي بذلك جهارا، وإن كان قد انهزم أيضا أمام هذا التحول الحضاري الرهيب، فحاول التوفيق بين ثقافة الأمة والثقافة الجديدة. وكان ثمة قسم ثالث: وهو الذي حاول أخذ الحسن وترك القبيح، والاستفادة من النافع دون الضار، وأخذ ما يوافق قيمنا وثقافتنا وديننا، ولكن هذا الصوت كان أضعف من أن يسمعه أحد، وكان تيار الانهزامية جارفا وأقوى من أن يقف أمامه. وأنتجت هذه الحالة الصعبة والخطرة معا، ضياعا وفراغا تحياهما الشعوب العربية اليوم، وكان أكثر المتأثرين به فئة الشباب.

    كان من الطبيعي أن تفوز المؤثرات الغربية بالنصيب الأوفر من التأثير الفاعل المنظم بتقنية عالية، وراحت آلة العولمة الثقافية والإعلامية تحرث في أرض العرب، وتجتث جذور الانتماء للدين والقيم ومفاهيم الإسلام والأخلاق العربية، ؛ وتزرع فيها في ذات الوقت من بذورها ومفاهيمها الغربية وتحل في أوساطٍ شباب المسلمين قيم الحرية الشخصية بمفهومها الغربي محل الحفاظ على الشرف والعرض، وتحتل النفعية الفردية والأنانية مكان الروح الجماعية والأنفة، وحلت القسوة والأثرة محل التراحم ونصرة المظلوم، وإغاثة الملهوف وقرى الضيف. وتزامن ذلك مع نظم سياسية وفشل اقتصادي ساعد على تزايد هذا الخلل الاجتماعي وأصاب الناس بالإحباط في إمكانية التغيير.

    ومع حالة الشعور بالإحباط التي أصابت كثيرا من الآباء والمربين انسحب جمهرة من هؤلاء من مسؤولياتهم، وتخلوا عن أدوارهم؛ فاستبدت بالأبناء مؤثرات العولمة الغربية والإعلام التابع له، فملأت الفراغ، وأصبح التلفاز والإنترنت والفيديو كليب آباء وأمهات، يملؤون لهم فراغهم المعرفي والعاطفي، ولم ترحم تلك الوسائل، أو تقتصد، بل أسرفت وأفرطت، وتسارعت وتائر التغريب وتصاعدت جرعاته وهجماته لما يمكن تسميته بعولمة الأخلاق.

    عولمة الأخلاق والهوية العربية
    يقول الأستاذ عبد الوهاب المسيري متحدثا عن خطورة "عولمة الأخلاق": "والخطورة فيها أنها تسعى إلى تجريد المسلم من خصائصه بجعله بحسب تعبير البعض "الإنسان الطبيعي".. فالعولمة هي في جوهرها العودة إلى هذا الإنسان الذي لا يعرف الحدود ولا الهوية ولا الخصوصية، وليس عنده أي إدراك أو اكتراث بالقيم الأخلاقية والمعنوية مثل الكرامة والارتباط بالأرض والوطن والتضحية".

    ولا شك أن هذه النوعية من البشر تكون إفرازا لحياة الترف والبذخ والرفاهية التي تنتج عن التقدم العلمي والتكنولوجي وارتفاع المستوى المعيشي، وتتوافق مع الرفاهية الشديدة التي يعيشها إنسان الغرب، والتي يحاول أن يصدر لنا نتائجها دون حياتها.

    إنهم يدمرون الأخلاق:
    لقد عمل الغرب وأمريكا على تدمير الجانب الأخلاقي عند الشباب خصوصا، وعند عموم الناس، في البلاد التي احتلوها وفي بلاد الشرق عموما، ويعجب الإنسان من هذه الجهود المفرطة التي يبذلونها، والتكاليف الهائلة لتدمير الأخلاق لأنها باختصار تدمير الإنسان، وأي خسار بعد خسران الإنسان.

    كان من أهم الأعمال التي حرص عليها أعداء الإسلام هو إدخال أفلام الجنس إلى غرف نوم المسلمين، وفي ذات الوقت ترويج المخدرات، وتيسير سبل وصولها للشباب خاصة، وقد كان ـ وما زال ـ يوزع في هذه البلاد مجلات وأشرطة لأفلام تجارية وإباحية بأسعار زهيدة في الوقت الذي تتكلف أضعاف أضعاف السعر الذي تباع به، مما يصدق قول الله فيهم: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ}[الأنفال: 36].

    وقد تزامن هذا مع محاولة إحداث ثورة في حياة المرأة وطبيعة حياتها في المجتمع الإسلامي وإخراجها للشارع بأي وسيلة وتحت أي مسمى؛ إذ هو أول وأيسر طرق الفساد، ثم بعد ذلك المناداة بالحرية على الطريقة الغربية والأمريكية والتي لا تتناسب بأي حال مع المجتمع المسلم.

    وقد أدت تلك السياسة بالفعل إلى انزلاق الشباب في تلك المسالك الخبيثة والتردي في تلك الأوحال من الرذيلة، حتى يمكن أن نسميها ظاهرة في أكثر بلاد المسلمين، وصار أكثر الشباب في حالة من الانهيار الأخلاقي والخمول واللامبالاة لواقع الامة ولا حتى لمراد الله من خلقه.

    وقد أعان على هذا الظاهرة أمور اقتصادية وفكرية وثقافية متعددة، وكان أهم من كل ذلك الشعور بالإحباط العام الناتج عن انسداد الأفق، وعدم القدرة على تحقيق الطموحات الشخصية، ثم الحالة الانهزامية العامة للأمة والتي يتعمد الغرب إظهارها للمسلمين حتى يقتل الأمل في قلوبهم ويعيشوا شعور الذل والانكسار واستمراء المذلة والإهانة فلا يحاولون الخروج مما هم فيه.

    الإسلام لا يموت
    مهم جدا أن يفهم الشباب حقيقة المعركة، وأن يعلم أن ما تمر به الأمة إنما هو نتاج وثمار تعرضهم لعقود من التجهيل والتغريب، والهجوم على ثقافتنا ومبادئنا وطرائق تفكيرنا، والهجوم كذلك على كل ما هو إسلامي وكل ما هو أخلاقي، إنها حرب ضروس لم تضع أوزارها ولا للحظة، وكان لابد أن تأتي ببعض ثمارها سنة من سنن الله في الكون.

    غير أن من هذه السنن أيضا أن هذا الدين يمرض ولا يموت، وأنه باق ببقاء الدنيا، وكم طاله وناله من أعدائه ما لو كان مع دين آخر لقضي عليه منذ قرون طويلة، ولكن الله كتب لهذا الدين الغلبة، ولأهله النصر إذا تمسكوا به وعملوا بما فيه.

    إنها إذا معركة مع الذات بمحاولة التمسك بالإسلام، وتطهير النفس من الهوى ووساوس الشيطان، وعدم الاستجابة لحملات الغرب لإسقاط الإنسان أمام نفسه وإظهار عجزه أمام شهواته.

    إن على الشباب أن يدركوا وعلينا أن ننبههم إلى الدور الخطير الذي تقوم به وسائل الإعلام الغربية غير البريئة؛ ومحاولات استقطابهم وتوجيههم إلى الوجهة التي يريدونها لهم، وشغل قلوبهم بملذات النفوس، وشهوات الجسد. ولابد أن يفهموا أيضا أن دور هذه الوسائل هو التحكم في رؤيتنا للعالم وتعمل -عن تقصّد ووعي - على تشكيل صورة سلبية لنا كمسلمين، وتضخيم المساوئ والأخطاء التي تقع من البعض وتعميمها على الإسلام والمسلمين ككل، وفي المقابل تعمل على طمس النماذج المشرقة، ومظاهر المقاومة، وغيرها من دلائل النهوض والصحوة التي تحياها الأمة في المشارق والمغارب.

    إن على أبنائنا وشبابنا أن يعوا أن العالم الغربي يعيش إفلاسا أخلاقيا حقيقيا يعلنه الشرفاء منهم والناصحون المخلصون، ويحذرون من أثره على مستقبل الغرب وعلى حضارته، وعلى حساب القيمة الإنسانية العالية التي شرف الله بها الإنسان، ورفعه إليها خصوصا المسلمين.
    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    - د.أسامة عثمان.. بتصرف
    - أسئلة الهوية: عبد الوهاب المسيري.
    -------------------------------------------------------------------------------------------
    روى الإمام الطبراني وأبو نعيم في كتاب "معرفة الصحابة" عن خوات بن جبير قال: [نزلْنا معَ رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ مرَّ الظَّهرانِ، قالَ: فخرجتُ من خِبائي، فإذا نسوةٌ يتحدَّثْنَ فأعجبَنني، فرجعتُ فاستخرجتُ عَيبتي فاستخرَجْتُ مِنها حُلَّةً فلبستُها، وجئتُ فجلستُ معهنَّ. فخرجَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ فقالَ: أبا عبدِ اللَّهِ! فلمَّا رأيتُ رسولَ اللَّهِ هبتُهُ واختلطتُ، قلتُ: يارسولَ اللَّهِ جملٌ لي شرَدَ وأنا أبتغي لهُ قيدًا، فمضى واتَّبعتُهُ، فألقى إليَّ رداءَهُ ودخلَ الأراكَ ـ كأنِّي أنظرُ إلى بياضِ متنِهِ في خُضرةِ الأراكِ ـ فقضى حاجتَهُ وتوضَّأَ، وأقبلَ والماءُ يسيلُ من لحيتِهِ، فقالَ: أبا عبدِ اللَّهِ ما فعلَ شِرادُ ذلكَ الجمَلِ؟! ثمَّ ارتحَلنا فجعلَ لا يلحقُني في المسيرِ إلَّا قالَ: السَّلامُ عليكَ أبا عبدِ اللَّهِ! ما فعلَ شرادُ ذلكَ الجملِ؟! فلمَّا رأيتُ ذلكَ تعجَّلتُ إلى المدينةِ واجتنبتُ المسجِدَ ومجالسةَ النَّبيِّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ، فلمَّا طالَ ذلكَ تحيَّنتُ ساعةَ خَلوةِ المسجدِ، فخرجتُ إلى المسجدِ وقمتُ أصلِّي، وخرجَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ مِن بعضِ حُجَرهِ فجاءَ فصلَّى ركعتينِ خفيفتينِ، وطوَّلتُ رجاءَ أن يذهبَ ويدعَني. فقالَ: طوِّلْ أبا عبدِ اللَّهِ ما شئتَ أن تطوِّلَ فلستُ قائمًا حتَّى تنصَرِفَ. فقلتُ في نفسي واللَّهِ لأعتذرنَّ إلى رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ، فلمَّا انصرفتُ قالَ: السَّلامُ عليكَ أبا عبدِ اللَّهِ! ما فعلَ شرادُ ذلِكَ الجملِ؟! فقلتُ: والَّذي بعثَكَ بالحقِّ ما شردَ ذلكَ الجملُ منذُ أسلَمتُ. فقالَ: رحِمَكَ اللَّهُ ثلاثًا.. ثَمَّ لم يعُدْ لشيءٍ ممَّا كانَ].

    هكذا كان صلوات الله وسلامه عليه في دعوته للعاصين والمخطئين والمذنبين ـ الأخذ بيد العاصي، يستر عورته، ويقيل عثرته، ويعينه على شيطان نفسه.. لا يعنف، لا يعير، لا يجرح، ولا يثرب، بل ولا يواجه الإنسان بخطئه ـ طالما الأمر لا يحتاج لذلك.. وإنما نصح يصحح الطريق، ويقيم المعوج، ويرد الشارد؛ في أدب جم، وذوق رفيع.

    روى الإمام أبو داود في سننه عن أبي هريرة رضي الله عنه: [إنَّ رسولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ أُتِيَ برجلٍ قد شرِبَ الخمرَ، فقالَ اضرِبوه.. فمنَّا الضَّاربُ بيدِه، والضَّاربُ بثوبِه، والضَّاربُ بنعلِه، ثمَّ قالَ: بَكِّتوه. فأقبلوا عليهِ يقولونَ: ما اتَّقيتَ الله، ما خشيتَ اللَّهَ، وما استحييتَ من رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ؟ فقالَ بعضُ القومِ: أخزاكَ اللَّهُ. قالَ: لا تقولوا هَكذا، لا تعينوا عليهِ الشَّيطانَ، ولَكن قولوا: اللَّهمَّ اغفر لَه اللَّهمَّ ارحمْهُ].

    وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة أيضا قال صلى الله عليه وسلم: [إذا زنت أمةُ أحدِكم فتبيَّن زناها فليجلدْها الحدَّ ولا يُثربْ عليها، ثم إن عادت فزنت فتبيَّن زناها فليجلدْها الحدَّ ولا يُثربْ عليها، ثم إن عادت فزنت فتبيَّن زناها فليبعْها ولو بضفيرٍ من شعرٍ. يعني : الحبلَ].

    إن تصحيح الأخطاء لا يلزم منه التثريب والفضح والتشهير، والقذف، وتعرية المخطئ قبل إرشاده وتوجيهه، إنما أجمل منه الستر والصفح والنصح بالمعروف مع تمام الرفق ومراعاة نفسية المبتلى والمخطئ.

    لقد كان صلوات الله عليه وسلامه يبلغه القول أو الفعل عن الإنسان يعرفه فلا يذكر اسمه، ولا يشير إليه بما يدل عليه، وإنما يقول: [ما بال أقوام يقولون كذا وكذا]؟!.. منعا للتشهير بهم، ورفعا للحرج عنهم .. وهذا نوع من الإحسان يحقق المقصود ويكون أدعى للقبول.

    الله تعالى يحب الستر
    [إن الله تعالى حيي ستير يحب الحياء والستر] (رواه ابن ماجه وصححه الألباني).
    فهو يحب من العبد إذا أخطأ أن يستر نفسه ويتوب، وإذا رأى أخاه على معصية أو ذنب أن يستره ويدعوه للتوبة.. ولولا محبته للحياء والستر لكشف أهل المعاصي وفضحهم، ولرأى الناس من بعضهم العجب العجاب.
    وهو الحيي فليس يفضح عبده .. .. عند التجاهر منه بالعصيان
    لكــنه يلــقي علــيه بســـتره .. .. فهو الستير وصاحب الغفران

    والشريعة الإسلامية متشوفة للستر وداعية إليه ومرغبة فيه:
    عن ابن عباس رضي لله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [مَن سترَ عورةَ أخيهِ المسلمِ سترَ اللَّهُ عورتَهُ يومَ القيامةِ، ومَن كشفَ عورةَ أخيهِ المسلمِ كشفَ اللَّهُ عورتَهُ حتَّى يفضحَهُ بِها في بيتِهِ]. (رواه أبو داود وصححه الألباني).

    وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [لا يسترُ عبدٌ عبدًا في الدُّنيا، إلَّا ستره اللهُ يومَ القيامةِ]. وفي الصحيح: [ومن ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة].

    غير أن هذا الستر متعلق بمن كان مستورا في نفسه فكبا به جواده، أو أدال عليه شيطانه، فمثل هذا يستر ولا يفضح ولا يعير ويغطى عيبه و تخفى هنته.

    أما من كان منهمكا في المعاصي مشهورا بالأذى والفساد، لا يزيده الستر إلا طغيانا؛ فقد قال النووي والأئمة من العلماء الكرام: "فمثل هذا يستحب ألا يستر عليه، بل ترفع قضيته إلى ولي الأمر؛ لأن الستر عليه يطمعه في الأذى و الفساد، وانتهاك المحرمات، ويجرئ غيره على مثل فعله".

    إن هؤلاء المجاهرين من أبعد الناس عن العفو، ومن أحق الناس بالعقوبة في الدينا والآخرة كما في الحديث: [كلُّ أمَّتي مُعافًى إلَّا المُجاهِرينَ، وإنَّ منَ المُجاهرةِ أن يعمَلَ الرَّجلُ باللَّيلِ عملًا، ثُمَّ يصبِحَ وقد سترَه اللَّهُ، فيقولَ: يا فلانُ، عمِلتُ البارحةَ كذا وَكذا، وقد باتَ يسترُه ربُّهُ، ويصبِحُ يَكشِفُ سترَ اللَّهِ عنهُ].

    إيها الإخوة.. أيها الدعاة.. أيها الآباء.. أيها المربون.. إلى كل من يملك ناصية التوجيه، ويتصدى للتربية أو التعليم:
    إن التقريع والتشويه والتثريب والفضح، ودوام التعيير والتذكير بالأخطاء والزلات تباعد بين المربي ومن يربيه، وبين الداعي ومن يدعوه، وتصنع نوعا من الجفاء الذي يصم الآذان عن سماع النصح وقبول الحق واتباعهما.
    وكم من إنسان نفر قلبه غاية النفور، وتحول إلى حال أسوأ بكثير مما كان عليه، وربما تحول إلى عدو للدين أو لمن ينصحه بسبب الأسلوب الخاطئ في المعالجة.

    إن طريق النبي صلى الله عليه وسلم هو أفضل الطرق، وسلوكه في تصحيح الخطأ وتوجيه المخطئ هو أمثل المسالك، فليس أعظم سبيلا من الرفق، ولا طريقا من الستر. مع تمام الشفقة والرحمة {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ۖ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ}(آل عمران:159).
    --------------------------------------------------------------------------------------------
    إنَّ الأمم الناهضة تحتاج نفوسها إلى الغذاء الجيِّد من الأخلاق والسجايا؛ لتقوَى به على مواصلة النهوض إلى المعالي, كما تحتاج أجسامها إلى الغذاء الجيِّد من الطعام؛ لتقوَى به على مواصلة الكفاح في سبيل المعايش.

    والشجاعة غذاءٌ من أغذية الأُمَّة في طور التحرير، لا يتهاون به إلَّا صغار النفوس, والذين يستعذبون موارد العبودية, وإن لم تفرض عليهم.

    وأصل الشجاعة أَنْ تعرف الحقَّ: حقَّ الله, وحقَّ الأُمَّة, وحقوق المواطنين, وحقَّك الشخصي؛ فتُوطِّن نفسك على أن تكون صادق العزم في إعطاء كلِّ ذي حقٍّ حقَّه بالعدل والإنصاف.

    وقد أوصى المسلمين بأن يكونوا أهل الشجاعة في مواقف الدفاع عن الحقِّ ما داموا يرجون لهذا الحقِّ العزة والاستعلاء؛ فقال عزَّ وجلَّ في سورة النساء: {وَلا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنْ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا}[النساء:104].

    وأرشدهم الله إلى أنَّهم بما يرجون من إقامة الحقِّ، ومعونة الله عليه، ينبغي لهم أن يكونوا أبعد من أعداء الحقِّ عن الوهن والضعف؛ لأنَّ المؤمن الذي يرجو الحقَّ، ويعيش له، ويَعُدُّ نفسه لإعلانه ونصرته- يجب أن يكون من أبعد الناس عن الوهن في سبيله.

    ومن هُنَا يتبيَّن لنا أنَّ الشجاعة العسكرية وليدة الشجاعة الأدبية؛ لأنَّ كِلا نوعي الشجاعة منبعث عن الولاء للحقِّ، وتوطين النفس على إقامته ونصرته.

    وإنَّ الرجل الشهم الذي يُوطِّنُ نفسه على الدفاع عن الحقِّ، ويؤدي الشهادة الصادقة على نحو ما علم دون أن يهاب ذا جاه أو سطوة- لا يقلُّ عن البطل الصنديد في موقفه بساحة الحرب، أمام نيران العدو، مدافعاً عن حقِّ أُمَّته ومِلَّته ووطنه.

    إنَّ المسلم الذي يعلم أنَّه لم يكن مسلما إلَّا بشهادة الحق؛ لا إله إلا الله- يُوَطِّن نفسه على ألَّا يشهد إلَّا بالحقِّ، ولو على نفسه وعلى والديه في كلِّ المواقف, متمثلًا دائمًا في ذهنه أمر الله عزَّ وجلَّ للمسلمين {وَلا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ}[البقرة:283].

    ولما رَبَّى الإسلام أبناءه على إقامة الحقِّ، ونصرته، ومحبته، والشهادة به، والإعانة عليه- رَبَّى فيهم بهذه السجية خلقَ الشجاعة في النفوس؛ فأخرج منهم أُمَّة لا تهاب الخطوب, وترى الموت في سبيل إعلاء كلمة الحقِّ خيرًا من ألف حياة يقضيها صاحبها في مشاهدة الباطل يمشي في الأرض مرحًا.

    انظروا إلى قول الخليفة الأوَّل أبي بكر الصدِّيق، في وصيته لقائده العظيم خالد بن الوليد: احرص على الموت توهب لك الحياة.

    فباقتحام موارد الموت في سبيل إقامة الحقِّ، تُبرهن الأُمَّة على أنَّها جديرة بالحقِّ, وبهذا نكون من أهل الحياة, وأنَّ الشهداء من رجالها أحياء عند ربهم, وأحياء في قلوب عباده, والذين لم ينالوا منهم نعمة الشهادة يتمتَّعون بالحقِّ، وبما يفيضه عليهم الحقُّ من نعمة الحياة، وإلى هذا المعنى يشير الفارس الشاعر حصين بن الحمام، أحد بني سهم بن مرة:
    تأخَّرتُ أسْتَبْقي الحياةَ فلم أجِدْ ... لنَفْسي حياةً مثلَ أنْ أتقَدَّمَا

    جلس القائد المجاهد الشهير مسلمة بن عبد الملك مع أخيه الخليفة الأُموي هشام ذات ليلة, فقال له أخوه الخليفة:
    يا أبا سعيد، هل دخلك ذعر قطُّ لحرب أو عَدوٍّ؟
    فأجاب مسلمة: ما سلمت في ذلك من ذعر يُنبِّه إلى حيلة, ولم يَغْشَني فيها ذعرٌ سلبني رأيي.
    فقال له هشام: هذه هي البسالة.

    ولما كان الحُكم والسلطان في أسبانيا للخليفة الأُموي عبد الرحمن الناصر رفع أحد التجار قضية على الخليفة إلى القاضي الأكبر في عاصمة الأندلس قرطبة، وهو العالم الفقيه الورع ابن بشير, فحكم ابن بشير للتاجر على الخليفة, ولم يكتف بإصدار الحكم، بل كان حريصًا على سرعة تنفيذه, فذهب إلى الخليفة يخبره بنصِّ الحكم الذي صدر عليه, وينذره بالاستقالة من القضاء إِنْ لم يبادر الخليفة بالتنفيذ.

    وحتى في أحطِّ أدوار الدولة العُبَيدية بمصر دخل الإمام أبو بكر محمد بن الوليد الطرطوشي على الملك الأفضل ابن أمير الجيوش بدر الجمالي- وكان الأفضل وزير مصر للمستنصر والمستعلي والآمر- فتكلَّم الطرطوشي موجهًا الموعظة والنصيحة للملك الأفضل، ولاحظ في أثناء موعظته أنَّ إلى جانب الملك رجلًا لا يُؤتمن على الدولة، ولا تهمُّه مصلحة الملَّة, فختم الطرطوشي موعظته بالحديث عن ذلك الرجل غير المؤتمن، وأشار إليه بيده, فلم يكن من الملك الأفضل- لما استشعره من صدق الإمام الطرطوشي، وغيرته على الحق، وشجاعته في إعلانه- إلَّا أن أمر ذلك الرجل الجالس إلى جانبه بأن يتنحَّى عن ذلك المقام.

    إنَّ الأُمَّة الضعيفة المستكينة لا تستحقُّ الحياة, وهي لا تقوَى وترتقي وتعتزُّ إلَّا إذا شاع في أفرادها- ولاسِيَّما شبابها, خصوصًا المثقفين منهم- خلق الصدق, ومحبة الحقِّ, وتوطين النفوس على نصرته, والصراحة فيه, والدفاع عنه.

    ومن هذا الخلق يُولد الجيش الباسل الذي لا يُغلب, بل من ذلك الخلق يُولد الجيل الفاضل الذي لا يطمع في حقِّ غيره، ولا يطمع غيره في حقِّه.

    والحقُّ شطر الإسلام, بل هو عظامه التي تقوم بها بِنيته, أَمَّا الشطر الآخر فهو الخير, وهو في مقام اللحم والشحم من بِنْيَة الإسلام.

    ولم يرد في الإسلام أمر ولا نهي، إلا وهو يرجع إلى شعبة من شعب الحقِّ، أو إلى شعبة من شعب الخير.

    والمسلمون لن يعودوا كإخوانهم الذين حملوا لواء الحقِّ، ونشروا قانونه في الأرض إلَّا إذا تضلَّعوا من معين الحقِّ، وارتووا من موارد الخير, فأصبحوا يُعرفون بين الأُمم بأنَّهم أُمَّة الحقِّ والخير.

    وحينئذٍ يكون منهم الجيش الغالب الظافر الذي يقتحم كلَّ عقبة تحول بينه وبين الحقِّ, ويجتاز كلَّ مَخاضة تمنعه من الوصول إلى أهداف الخير.

    وكما ينبغي أن يُجهَّز الجيش بالدبابات، والمدافع الضخمة، والطائرات النفَّاثة، والقنابل الذرية- فإنَّ كلَّ هذه المعدات لا تنفعه إن لم يُسْتَمدَّ جنوده وضباطه من أُمَّة تربَّت على الصدق, وآمنت بالحقِّ, ووطَّنت نفسها على محبة الخير.

    بل إنَّ تجهيز الأُمَّة بسجية الصدق, وتربيتها على الإيمان بالحقِّ، وعلى الإيمان بالخير- هو الذي ييسِّر لها الأسلحة من كلِّ نوع, والأنصار من كلِّ أُمَّة, وهو الذي يملأ بالهيبة والحرمة لها قلوب الأُمَم جميعًا.

    وهكذا الأخلاق لا تزال معيار الأمم, وهي مفتاح الأماني المغلقة، وهي السبيل إلى استرداد الحقوق، وتيسير السبل إليها.

    إنَّ إعداد شباب الجيل بسجية الصدق, وتربيتهم على الإيمان بالحقِّ، وعلى محبة الخير- عنصر من عناصر الإسلام.

    لقد صرنا الآن إلى عهد قام بالأخلاق, وهو في حاجة إلى الاستعانة بجيل يؤمن بالأخلاق، وينبغي أن نبدأ بجد في إعداد هذا الجيل، وكلُّ يوم نُضيِّعه ونحجم فيه عن البدء في ذلك يكون خسارة على الأُمَّة, وعلى حقوقها.
    إنَّ الأمر جدٌّ, والوقت أثمن من أن يضيع بغير عمل.
    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    * من شيوخ الأزهر السابقين-العلامة محمد الخضر حسين...
    --------------------------------------------------------------------------------
    صرخات مؤلمة محزنة، لم تعد تطلق بين الحين والحين، بل شملت الزمان، وملأت الأرجاء والأجواء وكل مكان، تنادي على من يمكنه المساعدة، وتطلب مد يد العون للخروج من وحل زلت فيه القدم ولم يعد لصاحبها قدرة على الخروج، فكلما حاول ازداد تعلقا بالوحل وفي الوحل.. فهو يصرخ وينادي على من ينقذه أو يأخذ بيده ويخرجه..

    نداء من قلوب حزينة لمراهقين ومراهقات، وشباب وشابات، بل لأزواج وزوجات، أغواهم الشيطان ونصب لهم شباكه حتى وقعوا في حباله، وعلقوا في أوحاله، فلما أدركوا أن طلب الأنس أوقعهم في صحراء الوحشة، وأن الألم حل محل اللذة، وأن الضيق والضنك والحسرة حلت في القلب بدلا من حلول السعادة والمتعة، فلما ضاقت القلوب، واستوحشت النفوس، وضاقت عليهم الأرض بما رحبت، راحوا يجأرون ويصرخون ويرسلون إلى من تؤمل منه المساعدة.. أنقذونا أدركونا أخرجونا من جب العذرة.

    رسائل لا تحصى، واستغاثات لا تعد، لكنها في النهاية كأنها واحدة.. كلهم أو كلهن يقول:
    "أنا شابة أو شاب (وأحيانا يقول: "محافظ، ومن أسرة متدينة").. كانت حياتي مشرقة واهتماماتي متعددة.. لم أكن عاديا.. فقد كنت طموحا أرتقب الفرص، وأبادر في الخير، فاعلا في المجتمع، محبوبا ممن حولي، كل شيء كان جميلا في حياتي الشخصية.

    حتى جاء ذلك اليوم المشؤوم: حين وصلني رابط من مجهول، فتحته وتتبعت ما فيه، فانصدمت مما رأيت.. شاهدت صورا خليعة ومقاطع مخزية.. شعرت بالوحشة من أول وهلة.. فأغلقتها واستغفرت الله منها.. وتشاغلت بما حولي هنها. ولكن..
    بقيت الصور عالقة في ذهني.. وأحسست بالفضول نحوها.. وبالرغبة في الدخول عليها مرة أخرى.. هذه المرة أغلقت الباب والستار وتواريت عن الأنظار.. لتبدأ أولى خطواتي ومشواري مع الشيطان.. عبر تتبع المقاطع المخلة، والصور الماجنة الخليعة؛ حتى أدمنتها وألفتها، وتحولت من مجرد مشاهد إلى مدمن لكن مدمن قاذورات.

    أصبحت أتابع كل جديد، وأبحث عن كل غريب.. أصبحت جزءا من يوميات حياتي، أفرغ لها الوقت، وأهيئ لها الجو.. تستثيرني.. تستهويني.. تلهب حرارة جسدي.. وتحول كل شيء من حولي إلى مثير.. الأقارب، والجيران، ونساء الشارع، حتى الصغار لا يسلم منهم جميعهم خيالي.

    دقائق ماتعة صاخبة مثيرة، تثير حرارة الشهوة في جسدي، لكن يعقبها ندم وحسرة، واحتقار اللذات، أصبحت هذه الحرارة تؤرق بدني وتتعب جسدي، فلا تنطفئ إلا بالاستمناء، فوقعت في بلية أخرى جديدة ومعصية كبيرة.. وأخشى ألا يقف الأمر عند هذا الحد؛ فقد أصبح الشيطان يؤزني على الرذيلة ويزينها لي، حتى أصبحت تلوح أمامي وأخشى من الوقوع فيها.

    أصبحت حياتي بلا ألوان، ووجهي بلا إشراق، ومع أني ما زلت أحاول أن أحافظ على صلاتي، إلا أنها أصبحت بلا خشوع، ونزعت منها كل لذة، ولم أعد أستمتع بها ولا بأي طاعة كما كنت من قبل.. أصبحت ثقتي بلا ثبات، كرهت نفسي الخادعة، وأشفقت على الناس المخدوعة التي تراني في النهار رجلا رائعا، وهي لا تدري أني في الخلوات أسامر الشيطان وأجالس الهوى والأفلام.

    صديق السوء
    استشرت صديقا لي فهون على المسألة وقال: كل الشباب كذلك، وهي مرحلة وستمضي، غدا تتزوج وتكفيك زوجتك بالحلال، استمتع فنحن ضحايا غلاء المهور، وصعوبة المعيشة، وجمود التقاليد والأعراف.
    أعجبني كلامه في البداية ولكن سرعان ما أدركت أنه عون للشيطان، وسرعان ما بددت فطرتي غبار ادعائه ومشورته.

    أرجوكم ساعدوني
    أرجوك ساعدني في الخروج من الوحل فقد سئمت القذارة.. ساعدني فهاتفي دوما في يدي، ونفسي ضعيفة، والمقاطع متيسرة والصور في كل مكان، والخنا والبلا يمكن الوصول إليه بضغطة زر.
    لقد سئمت حياة الشهوات، أريد أن أكون مؤمنا، أريد أن أكون طاهرا، أريد أن أكون إنسانا له قيمة.. لقد سئمت العيش كالبهيمة، أرجوك ساعدني.

    .. إلى هنا تنتهي الرسالة، وهي كأخواتها لا تختلف في مضمونها إلا في بعض التفاصيل التي لا تغير من حقيقة المشكلة، ولا من حجم المعاناة.

    الرد الجميل
    مرحبا بصديقي وأخي..
    مرحبا بالعائد، مرحبا بالتائب، مرحبا بالعاقل. رسالتك رغم مرارة ما فيها إلا أن دموع الندم قد تغسل المعاناة خلف أسطرك، والندم أول التوبة. فأسأل الله أن يتوب عليك.
    لكن سامحني يا صديقي؛ وتحملني إن قسوت قليلا عليك؛ فإني لا أجد لك عذرا، فيدك التي بحثت، وعينك التي نظرت، وقلبك الذي انقاد خلف شهوتك. وأنت الذي أطعت نفسك الأمارة بالسوء فنسيت ربك ووقعت في هذه المعصية المشؤومة. فعصيت ربك بما وهبك، وغفلت عما نهاك عنه، وما استحيت من نظره إليك واطلاعه عليك.

    . أما تستحي يا صديقي أن تعصيه بما وهبك، وتخالفه بما أمرك؟
    . أما تستحي من نظره إليك، وستره لك، وتفضله عليك؟
    . كم من محروم من البصر وأنت بما رزقت تعبث؟
    . كم من الأوقات أضعت وأنت وراء الرذيلة تلهث؟
    . أيسرك يا صديقي أن تموت وبهذه الهيئة تبعث؟

    . أترضى أن يراك من الناس من تحب؟
    . أترضى أن يراك من الناس من تخاف منه؟
    . أترضى أن يراك من الناس من تطـمع فيه؟
    . والدك، والدتك، أبناؤك، زوجك، صديقك، رئيسك، مرؤوسك، أو صاحب وجاهة في قومك؟.
    . لا أظنك ترضى أن يروك.. فهل ترضى أن يكون الله أهون الناظرين إليك؟

    .مؤلم يا صديقي ألا تستحي من نظر الله إليك..
    ومؤلم أن تتوقف عن متابعة المقطع ليس لأن قلبك قد تحرك،
    ليس لأن دينك قد تحرك،
    ليس لأن إيمانك قد تحرك..
    ولكن لأن باب الغرفة من الهواء تحرك.
    أما سمعت قول ابن عباس رضي الله عنك فيك وفي أمثالك: "يَا صَاحِبَ الذَّنْبِ، لا تَأْمَنَنَّ مِنْ سُوءِ عَاقِبَتِهِ، وَلَمَا يَتْبَعُ الذَّنْبَ أَعْظَمُ مِنَ الذَّنْبِ إِذَا عَلِمْتَهُ، فَإِنَّ قِلَّةَ حَيَائِكَ مِمَّنْ عَلَى الْيَمِينِ وَعَلَى الشِّمَالِ، وَأَنْتَ عَلَى الذَّنْبِ، أَعْظَمُ مِنَ الذَّنْبِ الَّذِي عَمِلْتَهُ، وَضَحِكُكَ وَأَنْتَ لا تَدْرِي مَا اللَّهُ صَانِعٌ بِكَ أَعْظَمُ مِنَ الذَّنْبِ، وَفَرَحُكَ بِالذَّنْبِ إِذَا ظَفَرْتَ بِهِ أَعْظَمُ مِنَ الذَّنْبِ، وَحُزْنُكَ عَلَى الذَّنْبِ إِذَا فَاتَكَ أَعْظَمُ مِنَ الذَّنْبِ إِذَا ظَفَرْتَ بِهِ، وَخَوْفُكَ مِنَ الرِّيحِ إِذَا حَرَّكَتْ سِتْرَ بَابِكَ وَأَنْتَ عَلَى الذَّنْبِ وَلا يَضْطَرِبُ فُؤَادُكَ مِنْ نَظَرِ اللَّهِ إِلَيْكَ أَعْظَمُ مِنَ الذَّنْبِ إِذَا عَلِمْتَهُ".
    أما بلغك قول ربك سبحانه واصفا حالك ومتحدثا عنك وعن أمثالك: {يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله هو معهم}.

    أتظن أن النظر إلى الحرام ذنب واحد؟
    لا والله... إنه ذنب في ذنب، بل ذنوب في ذنب.
    ظاهرة المعصية والشهوة، وباطنه سوء أدب وجرأة على الواحد الأحد.
    أغرك أنك لا تراه؟.. فإن لم تكن تراه فإنه يراك، والله.. لو عظمته ما عصيته، ولو عرفت قدره ما استهنت بأمره.

    مؤلم يا صديقي أن تكون أمام الناس قديسا، وفي الخلوات زنديقا، مؤلم أن تحارب إبليس في الظاهر وأنت من أتباعه وأعوانه في الباطن.
    تحتجب عن الناس وتستحي منهم وتظن أنك في خلوتك وحدك. هيهات هيهات.
    إذا ما خلوت الدهر يوما فلا تقل .. خلوت. ولكن قل علي رقيب
    ولا تحســبن الله يـغـفــل ســاعة .. ولا أن ما تخفــيه عنه يغـيب

    يا صديقي حرم الله النظر إلى المتعففات المتسترات، فكيف بالعاريات الماجنات؟

    النظر يا صديقي سهم مسموم من سهام إبليس يرميه من قوس الصور المخلة، والشهوة المختلة، فإن صادف قلبا أصابه في مقتل فيفتن ويفسد عليه دينه ودنياه، فيتوه الإنسان بين بصره المتحرك وقلبه المحرِّك، فإن فسد القلب أفسد البصر، وإن فسد البصر أفسد القلب.
    عجبا لمن يطلق بصره في هذه المواقع وتلك المقاطع، فلا هو استفاد ولا هو استراح.
    وكنت إذا أرسلت طرفك رائدا .. لقلبك يومــا أتعبتك المناظــر
    رأيت الذي لا كله أنت قادر .. عليه ولا عن بعضه أنت صابر

    مثلك كمثل العطشان يشرب من ماء البحر يظن أنه سيرويه، فكلما ازداد شربا ازداد عطشا.
    وكمثل الجائع الفقير الذي يقف عند نافذة المطعم ليستمع برؤية الناس يأكلون، فلا هو على طعامهم قادر، ولا هو على جوعه صابر.

    هذه القاذورات مفسدة للدين، مشوشة للعقل، مدنسة للفطر.
    كل من يستشير فيها يقول: دمرتني.. أهلكتني.. ساعدوني.. أنقذوني من هذه الأفلام الساقطة الهابطة.
    لا إنها ليست أفلاما ساقطة ولا هابطة، إنها لم ترتفع يوما لتسقط، ولم تعلُ يوما لتهبط، بل خرجت من القاع واستمرت في القاع، هي نجس.. هي نتن.. هي قذر.. هي للتوافه مستقر.. هي متعة بمعصية تورث الضيق والوحشة وانتكاس الفطر.
    يفوت بسببها الرزق، ويفسد بدرنها القلب، وينسى بإدمانها العلم والحفظ، ويطفأ بظلمتها نور الوجه، ويثقل بحملها وزر الجسد عن عبادة الله، هي شؤم في شؤم، وفساد وإفساد، ليس فيها من المنفعة ذرة، بل هي عذاب في الدنيا وخزي يوم الحساب.

    خدعوك فقالوا
    خدعك من يقول: "إنها مرحلة من الشباب ستمضي"، لا والله.. فالموت لا يعترف بالأعمار، ولا يلتفت للأعذار.

    خدعك من يقول: "إنها عادة وستزول بعد الزواج".. فوالله ثم والله إن كثيرا من الأزواج قد ابتلوا بها قبله فما استطاعوا أن يتركوها بعده، بل إن أعظم آثارها يقع بعد الزواج حتى في أخص ما طلبت من أجله. فشؤم المعصية يلزم صاحبها إن لم يتوله الله برحمته وفضله.

    يعاني منها صاحبها بعد الزواج أعظم مما كان يعاني قبله؛ لأن هذه المقاطع ترسم في عقل الشاب أو الفتاة مستوى طموح ومعايير للرضا لا وجود لها في الحقيقة، إلا عند هؤلاء الساقطين، فإذا تزوج وأراد أن يستمتع بالحلال قفزت تلك الصور في عقله لتحدد له مدى الموافقة والمطابقة بين الواقع والمتوقع، فإذا لم يجد ما كان يرى من فجر وانحلال، يزهد فيما عنده من طيب حلال، ويطمع فيما ليس عنده في الخيال، حتى يفقد اللذة، وتصعب عليه الاستثارة.. فيبدأ بمطالبة الطرف الآخر بأن يفعل ويقول ويطبق ما كان يسمع يشاهد ويستمتع به؛ لعل واقعه يقترب من واقع تلك المقاطع والمشاهد. وهيهات.. أنى للشريفة العفيفة المؤمنة أن تفعل ما تفعله الساقطة الفاجرة الكافرة العاهرة؟؟ فيزهد في أهله فربما يطلقها، أو يبقى على حاله فيعيش في ضيق وضنك وغم وهم؛ وهكذا تفعل الذنوب بأربابها وخاصة هذه البلية.

    وربما تطور الأمر فبالغ في البحث عن كل جديد وشاذ من الحركات والطرائق والأقوال، فإن استجابت زوجته تحول الجنس إلى نجس تدنس فيه الفطرة، وإن امتنعت تحول الجنس إلى سجن تحبس فيه المتعة، فيضاجع زوجته بجسده ويجامع صاحبة المقطع الذي في عقله، فلا بالحلال استمتع ولا عن الحرام أقلع. والله المستعان.
    ولو أردت أن أزيدك من مفاسدها وآثارها القبيحة والمدمرة بعد الزواج لطال المقال، وضاق المجال..

    لكني أنصحك لله نصيحة.. أسرع .. وأقلع. فإنما أنت المريض وأنت الطبيب، داؤك فيك ودواؤك منك، أنت من يفعل وأنت من يقلع، وأنت من يقرر. فأرجوك توقف.

    توقف توقف
    توقف عن متابعة الحساب قبل أن توقف للحساب. توقف قبل أن تكون لحظة دخولك للمقطع هي لحظة خروجك من الدنيا.
    توقف قبل أن يهتك الله سترك، ويفضح بين الخلائق أمرك.
    توقف ما دام في قلبك نبض، ما دمت فوق الأرض، ما دمت تستطيع التوبة قبل يوم العرض.
    توقف الآن.. فالأمر ليس فيه تدرج وانتظار، والموت يأتي بغتة فإما إلى جنة وإما إلى نار.
    توقف الآن.. فالصادق يوفق، والتائب يقبل، والعازم يعان.

    الحلول
    بيت النية بالتوبة، واعزم على الأوبة، وأقلع عن الذنب بلا عودة. فإن هممت بالرجوع ودعاك رسول الفضول فإليك بعض الحلول:
    . احذر على نفسك من عينيك، فإن النظر وقود الشهوة والشهوة غطاء العقل.
    . اشغل نفسك بما يفيد؛ فإنك إن لم تشغلها بالحق شغلتك بالباطل.
    . احذر الخلوة قدر الإمكان، فإن حدثتك نفسك فقم مسرعا من هذا المكان، أو اتصل بصديق محب، أغلق هاتفك، افتح مصحفك، استشعر وجود الله ورؤيته.
    . تخلص من كل ما يدعوك للعودة، من صور فاضحة، ومقاطع مخزية، أو محادثات، وخصوصا رفاق السوء، ودعاة الرذيلة.
    . جاهد نفسك على غض بصرك، وحفظ نظرك، وتعاهد قلبك ونفسك... فكل زمن الجهاد في الغض لحظة، فإن فعلت نلت الخير الجزيل، وسلمت من الشر الطويل.
    . تخلص من خواطر السوء، فإنما البداية خطرة فنظرة فخطوة فخطيئة فاقطع دابرها من أول الطريق تسلم من عواقب الشر في آخره.. {يأيها الذين آمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان}.
    . استحضر نعم الله عليك، واطلاعه عليك، وقدرته عليك، واحذر سخطه وعقوبته.
    . حافظ على صلاتك وواظب عليها، وصل لله بخشوع؛ فإن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر.
    . تزوج ـ إن كانت عندك قدرة ـ فهو أغض لبصرك وأحصن لفرجك، أو خطط بجدية للزواج وستجد الإعانة من الله والسداد. فإن لم تقدر فعليك بالعلاج النبوي بكثرة الصيام، مع مراقبة الديان.
    . ادع الله كثيرا، واستعن به، واسأله محبته؛ فإنك إن أحببته سهل عليك اجتناب ما يكره، واسأله الحياء منه فإنه من أعظم النعم.
    . لا تستسلم، ومهما حدث فأقبل بقلبك على ربك، وتذكر قول الله جل جلاله: {قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا}.
    . مهما فعلت فهو ربك وأنت عبده، وخلق من خلقه، داخل في قوله، وسائر في حكمه فلا تقنط، مهما كنت في الذنوب تسقط، فلو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرته لغفر لك ولا يبالي.
    . قم للتوبة، واعزم على الأوبة، وأحرق سفن العودة، وأقبل على ربك قبل أن يطوى زمن القبول، ووقت الإمكان.

    أسأل الله لي ولك ولكل مبتلى أن يعافيه الله، وأن يلهمه رشده، ويوفقه للتوبة والأوبة، وأن يغفر له ويتوب عليه.
    إسلام ويب...








                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>

تعليقات قراء سودانيزاونلاين دوت كم على هذا الموضوع:
at FaceBook




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de