مأزق الشورى في مأزق الجماعة!! رؤية الأستاذ / عيسى إبراهيم

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-25-2024, 04:14 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مكتبة سيف الدين حسن العوض(سيف الدين حسن العوض)
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
08-02-2007, 11:17 AM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مأزق الشورى في مأزق الجماعة!! رؤية الأستاذ / عيسى إبراهيم (Re: عبدالله عثمان)


    الحلقة الرابعة

    (13)[/align:46c2d9f056]
    بدأ السيد الصادق حديثه عن الديمقراطية ، وختمه دون ان يشرح ما هي الديمقراطية !! ولم يشر من قريب ، أو بعيد الى انه يقدم فهماً مختلفاً لها ، عما عرفته تجربتها القديمة في اثينا ، أو تجربتها الحديثة ، في اوربا وامريكا. فهو يقول (باستثناء تجربة اثينا فان الحكم في العالم القديم قام على الوراثة و الاستبداد . والنظام السياسي الأوربي الحديث نشأ مع صلح وستفاليا ثم الثورتين الامريكية والفرنسية ما اسفر عن كل ذلك ادى للدولة الوطنية والنظام الديمقراطي والنيابي والنظام الرأسمالي الحديث. واجه النظام الديمقراطي التحدي الفاشي ثم التحدي الشيوعي الذي انتهى في عام (1991)) .. ولوكان السيد الصادق ، يلقي خطبة أمام جمهور في وقت محدد ، لما طالبه احد بان يفصل في أمر الديمقراطية ، ولكن هذه ورشة عمل ، ينبغي ان يطرح فيها كافة آراءه النظرية ، التي يعتمد عليها ، في دعوته للتجديد ، والتي سيدعو لها علماء العالم الاسلامي . فاذا كان السيد الصادق لا يملك فهماً محدداً للديمقراطية ، ولا رأياً عتيداً في دعهما ، واظهار تفوقها ، فلماذا لا يقرأ آراء غيره ، وينقلها من مصادرها ، ويستعين بها على موضوعه ، خاصة اذا كانت هذه الآراء صحيحة ، وتنطلق من الاسلام نفسه .. يقول الاستاذ محمود محمد طه :
    ولدت الديمقراطية في بلاد الاغريق، وفي أثينا بالذات. وقد كانت أثينا أرقى مدن الاغريق ثقافة. وكانت كل مدينة من تلك المدن حكومة قائمة بذاتها.. ولما كانت الدول الاغريقية التي تمثلها المدن صغيرة فقد كان من السهل على الشعب أن يمارس الحكم مباشرة عن طريق اجتماع أفراده، وكانت ديمقراطيتهم بذلك الديمقراطية المباشرة التي لا تحتاج إلى مجلس نيابي، ولا إلى مجلس تنفيذي، على النحو الذي عرف مؤخرا، وهي لم تكن تقوم على موظفين دائمين، وإنما كان الموظفون ينتخبون كل عام.. وكثيرا ما كان الانتخاب يجري بالاقتراع، وكان أهل أثينا يعتقدون أن الاشتراك في مناقشة، وسياسة الشئون العامة، حق لكل مواطن، وواجب عليه، (لم يكونوا يعتبرون النساء والعبيد من المواطنين)، وكان بركليس أعظم الخطباء المتكلمين باسم الديمقراطية الأثينية، وفي خطابه المعروف باسم خطبة الجنازة، التي ألقاها في مناسبة الاحتفال الشعبي بدفن الذين قتلوا في الحرب ضد اسبارطة عام 430 قبل الميلاد، قال في تصوير هذه الديمقراطية: (إنما تسمى حكومتنا ديمقراطية لأنها في أيدي الكثرة دون القلة وإن قوانيننا لتكفل المساواة في العدالة للجميع، في منازعاتهم الخاصة، كما أن الرأي العام عندنا يرحب بالموهبة ويكرمها في كل عمل يتحقق، لا لأي سبب طائفي، ولكن على أسس من التفوق فحسب، ثم إننا نتيح فرصة مطلقة للجميع في حياتنا العامة، فنحن نعمل بالروح ذاتها في علاقاتنا اليومية فيما بيننا. ولا يوغرنا ضد جارنا أن يفعل ما يحلو له ولا نوجه إليه نظرات محنقة، قد لا تضر، ولكنها غير مستحبة).
    (ونحن نلتزم بحدود القانون أشد التزام في تصرفاتنا العامة، وإن كنا صرحاء ودودين في علاقاتنا الخاصة. فنحن ندرك قيود التوقير: نطيع رجال الحكم والقوانين، لا سيما تلك القوانين التي تحمي المظلوم، والقوانين غير المكتوبة التي يجلب انتهاكها عارا غير منكور. ومع ذلك فإن مدينتنا لا تفرض علينا العمل وحده طيلة اليوم. فما من مدينة أخرى توفر ما نوفره من أسباب الترويح للنفس - من مباريات وقرابين على مدار السنة، ومن جمال في بيئتنا العامة، يشرح الصدر، ويسر العين، يوما بعد يوم، وفوق هذا فإن هذه المدينة من الكبر والقوة بحيث تتدفق عليها ثروة العالم بأسره، ومن ثم فإن منتجاتنا المحلية لم تعد مألوفة لدينا أكثر من منتجات الدول الأخرى.)
    (إننا نحب الجمال دون اسراف، والحكمة في غير تجرد من الشجاعة والشهامة، ونحن نستخدم الثروة، لا كوسيلة للغرور والمباهاة، وإنما كفرصة لأداء الخدمات. وليس الاعتراف بالفقر عيبا، إنما العيب هو القعود عن أي جهد للتغلب عليه.)
    (وما من مواطن أثيني يهمل الشئون العامة لإغراقه في الانصراف إلى شئونه الخاصة. والشخص الذي لا يعنى بالشئون العامة لا نعتبره (هادئا وادعا) وإنما نعتبره غير ذي نفع.)
    (وإذا كانت قلة منا هم الذين يرسمون أية سياسة، فإنا جميعا قضاة صالحون للحكم على هذه السياسة. وفي رأينا أن أكبر معوق للعمل، هو نقص المعلومات الوافية - التي تكتسب من النقاش قبل الاقدام - وليس النقاش ذاته). هذا ما قاله بركليس في تصوير الديمقراطية الأثينية وهو تصوير طيب.. ولقد أخذت الديمقراطية من أيام أثينا تنمو وتتطور وتتباين في ذلك في مختلف أرجاء العالم، ولكنها تنبع في كل مكان من مبادئ تحاول أن تبينها بوضوح كنهج متميز وفذ من مناهج الحياة.. نهج للحياة يعترف بكرامة الإنسان، ويحاول أن يقيم تصريف الشئون الإنسانية وفق العدل، والحق، وقبول الشعب.. ولقد وصلت مرحلة تطوير الديمقراطية الحديثة إلى مبادئ يمكن تلخيص أهمها فيما يلي:-
    1) الاعتراف بالمساواة السياسية بين الناس.
    2) قيمة الفرد فوق قيمة الدولة.
    3) الحكومة خادمة الشعب.
    4) حكم القانون.
    5) الاسترشاد بالعقل، والتجربة، والخبرة.
    6) حكم الأغلبية، مع تقديس حقوق الأقلية.
    7) الاجراءات أو الوسائل الديمقراطية تستخدم لتحقيق الغايات في الدولة الديمقراطية.
    فليست الاجراءات ولا الأجهزة الديمقراطية غاية في ذاتها، وإنما هي وسيلة إلى غاية وراءها.. فليست الديمقراطية أن تكون لنا هيئة تشريعية، وهيئة تنفيذية، وهيئة قضائية، وإنما جميع أولئك وسائل لتحقيق كرامة الانسان.. فإن الديمقراطية ليست أسلوب حكم فحسب، وإنما هي منهاج حياة، الفرد البشري فيه غاية، وكل ما عداه وسيلة إليه، ولا يجد أسلوب الحكم الديمقراطي الكرامة التي يجدها عند الناس إلا من كونه أمثل أسلوب لتحقيق كرامة الانسان.
    وفي النهج الديمقراطي الحاضر خطأ هو أقل من الخطأ الذي تورطت فيه الشيوعية الماركسية بكثير، ولكنا رغم ذلك لن نسترسل في استقصائه هنا وإنما نتركه إلى حينه في سفر (الإسلام ديمقراطي اشتراكي).
    وإنما تجئ كرامة الانسان من كونه أقدر الأحياء على التعلم والترقي، وإنما تجئ كرامة الديمقراطية من كونها، كأسلوب للحكم أقدر الأساليب لاتاحة الفرص للانسان ليبلغ منازل كرامته وشرفه، وإنما يتعلم الإنسان من أخطائه، وتلك هي الطريقة المثلى للتعليم..[1]

    يقول الصادق المهدي (ضج القرن العشرين بالاضطرابات ثم انتهى الى أهمية الحكم الصالح وافضل وسائله الديمقراطية كما جاء في اعلان الامم المتحدة للالفية الثالثة ) .. ولم يخبرنا الصادق ما هو الحكم الصالح ؟! وما هي وسائله الاخرى ، بالاضافة الى الديمقراطية ، بل لم يشر الى اي اختلاف بينه ، وبين ما يطرحه العالم الغربي فيما عبرت عنه الامم المتحدة في ذلك الاعلان .
    ان نظام الحكم الصالح ، هو النظام الذي يقوم على العدل و يختفي فيه الظلم ، والاستغلال ، والجريمة ، وتتوفر فيه شروط الحياة الكريمة التي تعتمد على المساواة لكل مواطن . فهل نظم الحكم الغربية اليوم ، والتي ابدى السيد الصادق اعجابه بها ، يمكن ان تمثل نظام الحكم الصالح ؟ يقول الاستاذ محمود محمد طه عن الحكم الصالح :
    والمجتمع الصالح ، هو المجتمع الذي يقوم على ثلاث مساويات : المساواة الاقتصادية ، وتسمى في المجتمع الحديث الاشتراكية ، وتعني ان يكون الناس شركاء في خيرات الأرض . والمساواة السياسية ، وتسمى في المجتمع الحديث الديمقراطية ، وتعني ان يكون الناس شركاء في تولي السلطة التي تقوم على تنفيذ مطالب حياتهم اليومية . ثم المساواة الاجتماعية ، وهذه ، الى حد ما ، نتيجة المساويتين السابقتين ، ومظهرها الجلي محو الطبقات ، واسقاط الفوارق التي تقوم على اللون ، او العقيدة ، أو العنصر ، أو الجنس من رجل وإمرأة . فانه يجب الا يكون هناك تمييز بين الافراد ، يقوم على اعتبار من هذه الاعتبارات. فالناس لا يتفاضلون الا بالعقل والخلق. ومحك ذلك العدل في السيرة بين الناس ، والنصح ، والاخلاص للمواطنين في السر والعلن ، وروح الخدمة العامة ، في كل وقت ، وبكل سبيل .
    والمساواة الاجتماعية تستهدف محو الطبقات ، ومحو الفوارق بين المدن والارياف ، وذلك باتاحة الفرص المتساوية للتثقيف والتمدين ، حتى يكون التزاوج بين جميع الافراد في المجتمع أمراً عادياً .. وهذا هو المحك الصادق في مبلغ المساواة الاجتماعية.
    والمجتمع الصالح ، بعد ان يقوم على هذه المساويات الثلاث، التي يتكفل القانون بتنظيمها ، ورعايتها، يقوم أيضاً على راي سمح لا يضيق بانماط السلوك المختلفة ، لدى النماذج البشرية المتباينة ، ما دام هذا السلوك لا يعود الا بالخير والبركة على المجتمع .[2]
    والسبب في ان الديمقراطية ، وحدها ، لا يمكن ان تقيم حكماً صالحاً هو ان الرأسمالية تجهض الديمقراطية . فما دام المال بيد قلة ، وان الكثرة تكدح ، وتشقى ، لتزيد من ثراء هؤلاء الافراد المسيطرين على وسائل ومصادر الانتاج ، فان الشخص المتوهم بانه حر ، ليس كذلك ، وانما مستعبد للرأسمال . هنا تصبح الانتخابات والمؤسسات الديمقراطية جميعها ، بما في ذلك الاعلام ، ادوات في يد الرأسمالي ، ليدعم بها نفوذه وسيطرته. ولقد اشار الاستاذ محمود الى هذا حين قال:
    إن الانسان المعاصر يرى ان الديمقراطية ، والاشتراكية ، يمثلان معاً الحقوق الاساسية له – حق الحياة وحق الحرية .. ويرى ان الاشتراكية وسيلة لازمة لتحقيق الديمقراطية .. ففي حين ان الديمقراطية هي الحرية السياسية ، فان الاشتراكية هي الحرية الاقتصادية . فمن غير المعقول ان يطلب الى الانسان التنازل عن حريته الديمقراطية ، لقاء تمتعه بالحقوق التي تكفلها له الاشتراكية ، كما تريد الماركسية ، او يطلب اليه ان يحقق حريته الديمقراطية في ظل نظام اقتصادي تستأثر فيه القلة بالثروة ، كما تريد له الرأسمالية .. اما النظام الماركسي فهو نظام ديكتاتوري ، لا يمارس الديمقراطية أصلاً ، وانما يزيفها ، فسيميها دكتاتورية البورليتاريا – العمال والمزارعين- وماهي ، في الحقيقة الا دكتاتورية المثقفين على العمال والمزارعين .. وأما النظام الراسمالي الغربي فانه يمارس الديمقراطية ، ولكنه يتسم بقصور الممارسة ، حيث تسعى القلة الرأسمالية للسيطرة على السلطة ، حتى تخدم مصالحها الراسمالية ضد مصلحة طبقات الشعب الاخرى .. فلا تتحقق الديمقراطية مع الراسمالية.[3]
    في وقتنا الحاضر، اصبح دفع الرأسمالية للديمقراطية لتناقض مبادئها ، من اجل زيادة رأس المال واضحاً جلياً . فقد خاضت امريكا حرباً ضد العراق ، زعمت انها قامت بها كرد على عدوان الارهاب ، الذي استهدف مواطنيها ، ولان صدام حسين يملك اسلحة دمار شامل يهدد بها امنها .. وبعد ان انتهت الحرب ، ومات الآلاف من العراقيين ، والمئات من الامريكيين والبريطانيين ، صرح مسؤولون في قمة الادارة الامريكية ، بان صدام حسين لا علاقة له باحداث سبتمبر 11 ، وانه لم يكن يملك اسلحة دمار شامل !! ووضح ان الغرض من حرب العراق، هو مصالح الشركات الضخمة ، التي يملكها من يؤثرون في القرار، والتي تريد ان تحصل على البترول ، بلا مقابل ، وتمتلك عطاءات اعادة تعمير العراق بعد تحطيمه .
    هذه التجربة الصارخة ، والتي اغفلها الصادق المهدي ، وهو يحدثنا عن النظام الديمقراطي ، المرتبط بالنظام الراسمالي الحديث ، يجب الا يهملها من يريد ان يطبق الديمقراطية في أي دولة من دول العالم اليوم ، ذلك ان حذو ديمقراطية الغرب الراسمالي ، لا يحقق الحرية ، وانما يسوق الى الاستغلال والحروب والدمار.
    إن صمام الأمان للديمقراطية هو الاشتراكية . فما لم يملك الشعب مصادر ووسائل الانتاج ، فانه لا يمكن ان يملك قراره ، او تقرير مصيره ، لمجرد انه شارك في الانتخابات . ونحن حين ندعو للاشتراكية ، لا نعني الماركسية ، حتى يدفع في وجهنا بفشل التجربة السوفيتية . فالماركسية مدرسة من مدارس الاشتراكية لها ايجابياتها وسلبياتها ، ولا يعني فشل التجربة السوفيتية فشل الاشتراكية كفكرة ، كما ظن كثير من المثقفين ومنهم بكل اسف بعض الشيوعيين انفسهم .. ان الاشتراكية الحقيقية ، هي ملكية الشعب لمصادر الانتاج ، ووسائل الانتاج ، على صورة جمعيات تعاونية ، في كل مرفق ، وفي كل عمل. والشعب بطبيعة الحال ، لن يُملك مصادر ووسائل الانتاج ، ما لم تكن في يده السلطة السياسية ، وهكذا تكمل الاشتراكية والديمقراطية بعضهما البعض ..

    [align=center:46c2d9f056](14)[/align:46c2d9f056]
    ولما كانت الديمقراطية ، عزيزة المنال ، فانها لم تطرح بصورة نظرية تجعل تطبيقها ممكناً ، الا فيما أورده الاستاذ محمود محمد طه ، ولقي اعتراضاً من جماعات دينية ، وجماعات علمانية على حد سواء .. اما ممارساتها في مختلف التجارب ، فقد كانت غاية في التزييف والتخبط . ولعل السبب الاساسي لفشل التجارب المختلفة هو قصور القامات التي تتصدى للقيادة ، عن مستوى التربية المطلوب لافراد الشعب في النظام الديمقراطي الحقيقي . وعن مفارقة دعاوى الديمقراطية يقول الاستاذ محمود :
    ولما كان حكم الشعب ، بواسطة الشعب ، من الناحية العملية ، مستحيلاً ، فقد جاء ، الحكم النيابي ، ونشأت الاحزاب السياسية .. وفي الحكم النيابي قلة قليلة جداً هي التي تباشر ، نيابة عن الشعب ، السلطة التشريعية ، والسلطة القضائية، والسلطة التنفيذية .. والمفترض ان الشعب يراقب هذه القلة حتى يطمئن الى انها ، انما تدير دولاب السلطة لمصلحته هو ، لا لمصلحتها هي .. وهذا أمر يقتضي وعي الشعب ، ويقتضي وعي القلة التي تباشر السلطة أيضاً .. وليس هناك شعب من الشعوب ، الى وقتنا الحاضر ، استطاع ان يكون في مستوى الوعي الذي يمكنه من مراقبة اداء من يتولون ، نيابة عنه ، إدارة مرافقه بصورة تقرب ، ولو من بعيد من مستوى الحكم الديمقراطي بمعنى الكلمة . وليست هناك ، الى وقتنا الحاضر ، قلة ، في أي شعب من شعوب الأرض ، استطاعت ان ترتفع فوق مطامعها ، وانانيتها ، وجهلها ، لتحكم شعبها حكماً ديمقراطياً صحيحاً.. فالقلة إنما تحكم الشعب لمصلحتها هي ، لا مصلحته هو.. ويصدق في كل قلة حاكمة اليوم ما قاله أبو العلاء المعري منذ وقت طويل :
    مل المقام فكم اعاشر أمة أمرت بغير صلاحها أمراؤها!!
    ظلموا الرعية واستباحوا كيدها وعدوا مصالحها وهم اجراؤها!!
    أما نحن السودانيين فقد بلونا أسوأ ألوان الحكم النيابي ، في محاولتنا الاولى ، في بدء الحكم الوطني ، وفي محاولتنا الثانية ، بعد ثورة أكتوبر 1964 .. فقد كانت أحزابنا السياسية طائفية الولاء ، طائفية الممارسة ، فهي لم تكن تملك مذهبية في الحكم .. والطائفية نقيض الديمقراطية .. ففي حين تقوم الديمقراطية على توسيع وعي المواطنين ، تقوم الطائفية على تجميد وعيهم .. وفي حين ان الديمقراطية في خدمة مصلحة الشعب ، فان الطائفية في خدمة مصلحتها ، هي ، ضد مصلحة الشعب .. ومن هنا جاء فساد الحكم النيابي الأول عندنا .. فكانت اصوات الناخبين توجه بالاشارة من زعيم الطائفة ، كما كانت تشترى !! وكان النواب يشترون أيضاً !! وذلك في جو من الصراع الحزبي الطاحن على السلطة أدى الى تهديد سيادة البلاد واستقلالها .. فقد كانت الحكومة إئتلافية بين حزب الأمة وحزب الشعب – حزبي الطائفتين ذواتي الخصومة التقليدية ، طائفة الأنصار ، وطائفة الختمية .. ودخلت البلاد في أزمة سياسية من جراء عدم انسجام الوزارة ، وبروز الاتجاه للالتقاء بين الحزب الوطني الأتحادي ، الذي كان في المعارضة ، وحزب الشعب ، عن طريق وساطة مصر .. فسافر رئيسا الحزبين ، السيد إسماعيل الأزهري ، والسيد علي عبد الرحمن الى مصر لهذا الغرض.. ولقد نسب لرئيس الوطني الاتحادي تصريح ، بمصر ، يعترف فيه باتفاقية 1929 التي كانت حكومة السودان الشرعية قد ألغتها .. (وهي الاتفاقية التي أبرمت في الماضي ين دولتي الحكم الثنائي ، بريطانيا ومصر ، بينما كان السودان غائباً ، تحت الاستعمار ، فأعطت السودان نصيباً مجحفاً من مياه النيل ، بالنسبة لنصيب مصر) وكان ذلك الاعتراف بالإتفاقية بمثابة مساومة مع مصر لتعين الحزب على العودة للحكم ، كما صرح رئيس حزب الشعب ، بمصر ، بان حزبه يقف في المعارضة!! (انباء السودان 15/11/1958 – الرأي العام 19/11/1958) في هذا الجو السياسي الذي يهدد استقلال البلاد ، وسيادتها ، بالتدخل الاجنبي ، سلم السيد عبد الله خليل ، رئيس الوزراء الحكم للجيش (أقوال الفريق عبود في التحقيق الجنائي حول الانقلاب بعد ثورة أكتوبر- التجربة الديمقراطية وتطور الحكم في السودان للدكتور ابراهيم أحمد الحاج) .. فكان انقلاب 17 نوفمبر 85 بمثابة انقاذ للبلاد .. وحكم الحكم العسكري ست سنوات ، صادر فيها الحريات الديمقراطية .. وبرغم انه حقق شيئاً من التنمية الاقتصادية ، الا انه آل الى صور من العجز عن الاصلاح ، والفساد ، أدت الى قيام ثورة 21 أكتوبر 1964 .. ولقد تمثل في تلك الثورة الشعبية ، السلمية، إجماع الشعب السوداني الكامل على الرغبة في التغيير ، وان لم يكن يملك المعرفة بطريقة التغيير .. فتخطى الشعب الولاءات الطائفية ، وهو ينادي بعدم العودة لماضي الحزبية الطائفية .. ولكن سرعان ما اجهضت الاحزاب الطائفية تلك الثورة ، وصفّت مكتسباتها .. فقد ضغطت بالارهاب السياسي ، على رئيس حكومة أكتوبر الثورية حتى استقال ، وشكل حكومة حزبية برئاسته .. ثم عادت الاحزاب الطائفية للسلطة ، عن طريق الأغلبية الميكانيكية الطائفية ، في الانتخابات .. وقامت حكومة ائتلافية من حزب الأمة والوطني الاتحادي .. وتعرضت الديمقراطية في هذه التجربة النيابية الثانية ، لاسوأ صور المسخ ، علاوة على المسخ الذي تعرضت له الديمقراطية من جراء فساد القلة ، ومن جراء قصور وعي الشعب .. فقد عدل الدستور مرتين لتمكين الحكم الطائفي من الاستمرار: مرة ليتمكن أزهري من ان يكون رئيساً دائماً لمجلس السيادة ، في اطار الاتفاق بين الحزبين على اقتسام السلطة .. ومرة أخرى لحل الحزب الشيوعي ، وطرد نوابه من الجمعية التأسيسية .. فقد عدلت الجمعية المادة 5/2 من الدستور ، والتي تعد بمثابة روح الدستور ، وهي المادة التي تنص على الحقوق الاساسية ، كحق التعبير وحق التنظيم .. ولما حكمت المحكمة العليا بعدم دستورية ذلك التعديل (مجلة الاحكام القضائية 1968) أعلن رئيس الوزراء آنذاك ، السيد صادق المهدي "ان الحكومة غير ملزمة بان تأخذ بالحكم القضائي الخاص بالقضية الدستورية" (الرأي العام 13/7/1966) .. فتعرض القضاء السوداني بذلك لصورة من التحقير لم يتعرض لها في تاريخه قط!! ولما رفعت الهيئة القضائية مذكرة الى مجلس السيادة تطلب فيها تصحيح الوضع بما يعيد للهيئة مكانتها (الرأي العام 27/1/1966) وصف مجلس السيادة حكم المحكمة العليا بالخطا القانوني (الأيام 20/4/1967) فاستقال رئيس القضاء السيد بابكر عوض الله ، وقد جاء في استقالته "إنني لم اشهد في كل حياتي القضائية اتجاهاً نحو التحقير من شأن القضاء ، والنيل من استقلاله كما أرى اليوم .. انني أعلم بكل أسف تلك الاتجاهات الخطيرة عند قادة الحكم اليوم ، لا للحد من سلطات القضاء في الدستور فحسب ، بل لوضعه تحت إشراف الهيئة التنفيذية" ( الكتاب المشار اليه آنفاً) .. هذه صورة لفشل التجربة الديمقراطية النيابية في بلادنا ، مما حولها الى دكتاتورية مدنية ، فهدد الاستقرار السياسي ، حتى جاءت مايو بمثابة انقاذ للبلاد !! إن قصور تجربتنا الديمقراطية مرده الاساسي الى قصور الوعي – وعي الشعب ، ووعي القلة التي تحكم الشعب ، مما أفرغ مدلول كلمة الديمقراطية من محتواه – هذا وفشل الديمقراطية في كل البلاد المتخلفة ادى الى الانقلابات العسكرية في كل مكان ، في النصف الاخير من هذا القرن .. وليس في الانقلابات العسكرية حل ..[4]

    [align=center:46c2d9f056](15)[/align:46c2d9f056]
    ولكن السيد الصادق ليس مشغولاً بفهم عميق للديمقراطية ، ولا هو مشغول بمشاركته في تجاربها الفاشلة ، وانما يرفع شعاراتها كوسيلة يصل بها للسلطة . أكثر من ذلك فإن الصادق يريد ان يحد من سلطة الديمقراطية ، ويفرغها من محتواها ، حتى لا يتزعزع حكمه ، وتتحول الديمقراطية ، تحت حكمه ، الى دكتاتورية مدنية ، فهو يقول: (و لكن أهم مشاكل الديمقراطية هي الديمقراطية ذاتها ، ليه؟ لانو الديمقراطية بتلزم القوى السياسية بان تراعي سيادة القانون ، وتراعي استقلال القضاء حتى اذا كان عندي حق انا على قناعة بان زيد من الناس يعمل عمل للاطاحة بالديمقراطية لا استطيع ان اعمل أي شئ اذا ما عندي وثائق ودلائل على انو بيعمل هذا العمل كافية لادانتو امام القضاء... فالديمقراطية نظام محتاج ان تكون الاطراف المختلفة محترمة لهذا النظام ومقدرة له والا تستطيع أي مجموعة ان تتآمر ضد الديمقراطية لان نقاط الضعف الموجودة في الديمقراطية كثيرة ... انا كتبت في الكتاب الكتبتو انو نحن محتاجين لمفهوم للديمقراطية يراعي كل العوامل دي وعشان كدا سميتها الديمقراطية التعاقدية انا ارى انو بدون مراجعة هذه الاشياء عشان نقنن وننظم ممارسة الحريات الاساسية اعداء الديمقراطية حيستغلوا الثغرات المتاحة اصلاً في ظل النظام الديمقراطي للتآمر ضدها للاطاحة بها...)[5]

    ولقد علقت على حديث السيد الصادق هذا بقولي:
    ان الصادق المهدي يعتقد ان أهم مشاكل النظام الديمقراطي هي ان السلطة لا بد ان تراعي سيادة حكم القانون واستقلال القضاء ، فلا تستطيع التسلط على المواطنين وتوقيع أي عقوبة عليهم الا بعد ادانتهم بوثائق واضحة أمام القضاء !! لعمري ان هذا الذي يشكو منه الصادق هو الديمقراطية نفسها .. أليس الحق والعدل يقتضي هذا الوضع الذي يعتبره الصادق المشكلة ؟! أما العلاج لهذه السماحة التي يستغلها اعداء الديمقراطية فيطيحوا بها فان الصادق يقترح له قيام صورة (تعاقدية) تتفق فيها الاطراف التي تمثل السلطة (الاحزاب الحاكمة) على تجاوز هذه الثغرات كأن يجدوا طريقة لادانة المتهم دون وثائق تكفي لادانته أمام القضاء. وذلك بحجة حماية النظام الديمقراطي من تـآمر المتآمرين !! فهل يمكن ان يعتبر مثل هذا النظام ديمقراطي ولو اتفقت عليه الاغلبية أم انها دكتاتورية مدنية تهدر فيها حقوق الاقليات ؟
    والصادق المهدي هنا لا يتحدث عن نظرية جديدة ، وردت في كتابه كما احب أن يوهم المستمعين ، وانما هنالك تجربة حدثت بالفعل ابان أزمة حل الحزب الشيوعي السوداني1965 فقد (تعاقدت) الاحزاب الطائفية ، وجبهة الميثاق الاسلامي، على تعديل الدستور بتغيير المادة 5/2 التي تتيح الفرصة لحرية التعبير والتنظيم ، ليستثنى من ذلك الحزب الشيوعي ، ويطرد نوابه المنتخبين من الجمعية التاسيسية .. وحين حكمت المحكمة العليا ، بان هذا التعديل غير دستوري ، وامرت بابطال حل الحزب الشيوعي ، رد السيد الصادق وهو حينذاك رئيس الوزراء ، بان قرار المحكمة العليا غير ملزم للحكومة !! وحين اصر الشيوعيون على فتح دورهم ، وممارسة حقهم الديمقراطي الذي كفله لهم القانون ، هرعت مليشيات الانصار، والمجاهدين من جماهير الجبهة الاسلامية ، لتعتدي عليهم في دورهم ، وتجبرهم بالقوة على التنازل عن حقهم القانوني !! هذه هي الديمقراطية (التعاقدية) التي يريدها الصادق المهدي ، حيث تتفق الاحزاب على تجاوز سيادة حكم القانون ، واستقلال القضاء ، لتنفذ مؤامرتها على مصادرة الحرية باسم الديمقراطية .. ألم يعلن الصادق المهدي في سذاجة مؤسفة بان مشكلة الديمقراطية هي انها (تلزم القوى السياسية بان تراعي سيادة القانون واستقلال القضاء) ؟!
    وليس حقاً ان ( نقاط الضعف الموجودة في الديمقراطية كثيرة ...) كما قال الصادق ، ولكن الضعف في نفوس الزعامات الطائفية ، التي تعودت على السيادة ، ونشات وسط الخدم والحشم ، مما افقدها فرصة التربية الذاتية ، التي تعين الفرد على التواضع ، الذي يؤهله لممارسة الديمقراطية ..
    والصادق يريد الديمقراطية (التعاقدية) كوسيلة لقمع النقابات ، التي يعتقد انها من اسباب الاطاحة بالنظام الديمقراطي ، وذلك لان: (كثير من النقابات تصرفت في اثناء الديمقراطية بما لا يميز بين المطلبية المشروعة وما بين استغلال سياسي للحركة النقابية أدى الى عدم استقرار والاخوة لو يذكروا كيف آخر اضراب كان اضراب اتحاد المزارعين مع انو اتحاد المزارعين دا نحنا كنا بنعاملو معاملة مفضلة جداً .. للأسف في آخر ايام الديمقراطية كان عندهم قيادات عندها مؤثرات مايوية وكانت بتمهد لاضطرابات في البلاد عشان يحصل انقلاب يتصوروا انو مايوي ولذلك عملوا اضراب حقيقة هو سياسي) ..[6]
    هذا ما قاله الصادق ، ولكن الحقيقة هي ان الحكومة كانت قد فشلت في كل المجالات ، حتى ان الصادق نفسه ادان حكومته وقام بحلها ، وعقد تحالفات جديدة اكثر من مرة ، بعد ان فاحت رائحة الفساد المالي ، واستقال ابو حريرة من وزارة التجارة ، بسبب ضغوط حزبه عليه، ليسمح بالتلاعب في الرخص التجارية ، ولم يعزل مبارك الفاضل من الوزارة ، رغم اتهامه وتشكيل لجنة للتحقيق معه!! في هذه الظروف ، التي انشغلت فيها الاحزاب السياسية بسرقة المال العام ، تدهور الاقتصاد ، ورفعت الحكومة الاسعار ، مما ادى للمظاهرات واضراب النقابات . وكانت الحكومة تناشد النقابات الصبر والتحمل ، لأن خزينة الدولة لا تحتمل زيادة المرتبات ، بينما تصرف بسخاء على تعويضات آل المهدي !!)[7]

    [align=center:46c2d9f056](16)[/align:46c2d9f056]
    يحدثنا السيد الصادق ، عن نظم الحكم في العالم العربي ، وكيف انها اعتبرت بواسطة الامم المتحدة ، مدانة ، لانها لا تطبق الديمقراطية . وهو يرى ان هناك اربعة مقولات تدفع تلك الادانة هي (المقولة الاولى : مقولة هجومية ترى ان الديمقراطية جزء من غزو فكري وثقافي دخيل . وهي مرفوضة إسلامياً بل الدعوة اليها دعوة للخروج من الدين. هذا هو موقف حركات الغلو الاسلامي التي صار يمثل صوتها الأعلى جماعة القاعدة وطالبان ) .. والصادق المهدي يصر على الشريعة الاسلامية ، فهو حين اقترح قيام هيئة تشريعية قال عنها (على ان تستعين بهيئة الخبراء للتأكد من ان تشريعاتها لا تعارض أصلاً قطعياً من اصول الشريعة الاسلامية )!! وهو مع ذلك يرفض المقولة الهجومية هذه ويقول عنها (من حيث المبدأ فان رفض المفاهيم والنظم بحجة انها آتية من مصادر غير اسلامية موقف ينافي مبادئ الاسلام ...) ولكنه يعترف بان (معاملة الغرب للمسلمين عامة وللعرب خاصة سلسلة من إهانات أسوأ من "فرساي" لذلك فرخت غضباً هو الكامن وراء حملات الاحتجاج الواسعة النطاق) ..
    هذه الجماعات التي تزعم انها متمسكة بالشريعة ، ترى نفس رأي الصادق في سوء معاملة الغرب للمسلمين ، ولهذا رفضت ان تستعير نظمه بما فيها الديمقراطية . ثم هي نظرت للتاريخ ، فوجدت ان اليهود والنصارى كانوا اعداء للمسلمين ، ووجدت النصوص التي تحث على قتالهم ومعاداتهم . ثم هي في نفس الوقت ، لا ترى ان المسلمين في حاجة الى الديمقراطية لان عندهم الشورى ، التي قال عنها السيد الصادق (الديمقراطية تتفق مع الشورى في نقاط عديدة: منع الانفراد بالحكم ، وايجاب حقوق الانسان واحترام سيادة القانون وغيرها من المبادئ) !! والشورى تزيد على ذلك انها ذكرت في القرآن .. فبماذا يعيبهم الصادق لرفضهم للديمقراطية واستمساكهم بالشورى مع انه يتفق معهم؟؟
    وعن المقولة الثانية ، التي تدفع إدانة الامم المتحدة للدول العربية ، يقول السيد الصادق (المقولة الثانية تبريرية ترى ان الديمقراطية لا تناسبنا . وعندنا الشورى وهي افضل منها واكثر ملاءمة لاحوالنا . هذا ما تقول به اكثرية نظم الحكم في البلدان العربية) وفي رده على أصحاب هذه المقولة يقول (نعم الشورى مبدأ سياسي عظيم كالعدالة . ولكن العدالة لا تتحقق الا عبر مؤسسات القضاء المستقل . فما هي المؤسسة المماثلة للشورى؟ كل الحديث عن أهل الحل والعقد وعن استشارتهم حديث عام لذلك الذين ينادون بأفضلية الشورى يجدون متسعاً للمناداة بها دون الالتزام بضوابط معينة) !! فالصادق هنا يرفض دعوة الداعين للشورى ، بحجة ان الشورى ليست بها مؤسسات لتحقيق العدل ، مثل القضاء المستقل ، الموجود في الديمقراطية!! ولكنه في موضع آخر، من ورقته هذه العجيبة ، يقارن بين الشورى والديمقراطية فيقول (كلاهما يوجب الاعتراف بكرامة الانسان ...كلاهما يمنع الانفراد بالسلطة . كلاهما يوجب احترام استقلال القضاء وسيادة حكم القانون)!! فإن صح هذا ، فلماذا يرفض رأي المصرّين على الشورى اذا كانت تحقق ما يراد من الديمقراطية ثم انها اقرب لتراثنا ؟!
    وعن المقولة الثالثة يقول (مقولة اعتذارية ترى ان الديمقراطية غير مجدية في مجتمعات جاهلة ومسكونة بالولاءات الطائفية والقبلية فهي لا تفهم معنى الديمقراطية وتسوقها ولاءات وعصبيات مو######## . وبلداننا محتاجة لنظم مستقرة وفاعلة لتحقيق أهدافها الوطنية مثل التنمية والتحديث والعدالة والتأصيل . هذا ما تدفع به النظم الانقلابية التي تفرض وصاية يسارية "التنمية والتحديث والعدالة" أو نظم يمينية "التأصيل والتنمية" ) !! وفي رده على هذه المقولة التي سماها اعتذارية يقول (هذه الحجة استخدمتها انقلابات عسكرية استولت على السلطة وفرضت سلطتها بالقوة منفردة أو متحالفة مع تيار فكري شمولي يساري أو يميني أو قومي . هذه الاطروحة كامنة في مبررات كثير من النظم العربية ، ومن فرط ما استخدمت في السودان جعلته اشبه بحقل تجارب عرف النسخة اليسارية منها والنسخة اليمينية. إن حالة التردي التي آل اليها السودان الآن وبعد ان خضع لحكم استبدادي في 75 % من عمر حياته المستقلة تعود بلا نزاع للشمولية والايدولوجية بوجهها اليساري واليميني . أصدرت في عام 1989 كتاباً بعنوان "الديمقراطية في السودان عائدة وراجحة" إستعرضت في الكتاب أداء ثلاثة نظم ديمقراطية وعمرها القصير ، واداء ثلاثة نظم دكتاتورية وعمرها الطويل وقارنت بينهما ، وقدمت الدلائل على ان النظم الديمقراطية مع هشاشتها كانت أفضل اداء في معالجة قضايا الوطن والمجتمع من النظم الديكتاتورية . واوضحت ان النظم الديمقراطية عجزت عن الدفاع عن نفسها لالتزامها بحقوق الانسان وسيادة القانون بينما النظم الديكتاتورية استطاعت حماية نفسها مهدرة سيادة القانون وحقوق الانسان ) !!
    هذا حديث الرجل الذي رفض حكم المحكمة العليا عندما كان رئيس الحكومة ، ثم لا يتردد الآن وهو يحدث الناس عن استقلال القضاء وسيادة حكم القانون!! فهل كان في وضعه ذاك ديمقراطياً ام ان المفاضلة في التجربة السودانية هي بين الدكتاتورية العسكرية ، والدكتاتورية المدنية التي كان هو على رأسها؟! أما نحن ، فقد ذكرنا كيف ان الفساد ، والقصور في النظم التي تدعي الديمقراطية ، هو السبب المباشر في زوالها ، وان الانقلابات العسكرية لم تكن الا اثراً من آثار فساد تلك النظم التي تزعم انها ديمقراطية !!
    ولكنني لا احب ان ازايل هذا المقام ، قبل ان اقف عند عبارة السيد الصادق (النظم الديمقراطية عجزت عن الدفاع عن نفسها لالتزامها بحقوق الانسان وسيادة القانون بينما النظم الديكتاتورية استطاعت حماية نفسها مهدرة سيادة القانون وحقوق الانسان) !! فهي شديدة الدلالة على مبلغ عدم فهمه للديمقراطية ، وعدم ثقته بها ، وسعيه الحثيث للتحايل عليها وتزييفها .. فهو يرى ان الالتزام بحقوق الانسان وسيادة حكم القانون ، هو الذي ادى لزوال النظم الديمقراطية في السودان ، وهو يعني بها بالتحديد حكمه ، فكأنه يريد ان يقول لنا اننا اذا اردنا للديمقراطية ، ان تستمر ولا تفشل أبداً ،ً فعلينا ان نسمح لها ببعض التجاوز عن حقوق الانسان وسيادة حكم القانون ، حتى تستطيع الديمقراطية ان تحمي نفسها !! وهذا هو نفس رأيه ، الذي قاله قبل سنوات في ندوة واشنطن ، ورددنا عليه بما نقلناه أعلاه ..
    ولكنه بعد اسطر من هذا الحديث ، يحدثنا عن نجاح الديمقراطية في الهند واندونيسيا وماليزيا وبنغلاديش والسنغال وبنين فلماذا نجحت الديمقراطيات في جميع هذه الدول ولم تنجح في السودان؟ وكيف استطاعت هذه الدول ان تراعي حقوق الانسان وسيادة حكم القانون ، ومع ذلك لم تسقط حكوماتها ، كما سقطت حكومة الصادق المهدي ، اكثر من مرة؟!
    خلاصة الأمر ان السيد الصادق ، لم يستطع دفع المقولات التي تصورها ، واخذ يعارضها ، دون ان يفلح في نسبتها الى جهة محددة . وحتى لو كانت هذه المقولات صحيحة ، واستطاع هو ان يفندها ، ويعزز بذلك النظرية الديمقراطية ، فان هذا كله لا يعني تاييده للديمقراطية ، بل لا يعني مجرد فهمه لها ، ما دام يعتقد انها لن تحافظ على نفسها الا بمفارقة جوهرها المتمثل في حقوق الانسان وسيادة حكم القانون ، وليس هنالك دليل ابلغ من الواقع ، وهذا الواقع يقول بانه حين حكم في ما بعد اكتوبر، عدل الدستور، ليحرم حزب من ممارسة حقه الديمقراطي ، ثم بعد عشرين عاماً حكم مرة اخرى بعد مايو ، وكان يسعى الى تحكيم القوانين الاسلامية التي تعارض الديمقراطية ، وإئتلف مع الجبهة الاسلامية ، التي كانت وراء قوانين سبتمبر، التي قال عنها انها لا تساوي المداد الذي كتبت به !! ولكن الجبهة تنكرت له وانقلبت عليه ، فادعى المعارضة ، وسعى الى المصالحة ، ولا يزال يتراوح بينهما ، ثم هاهو يعقد المؤتمرات ليحدث الناس عن الديمقراطية وسيادة حكم القانون !!
    -نواصل-

    عمر القراي


    [1] - محمود محمد طه (1967) الرسالة الثانية من الاسلام . ص 172-173
    [2] - المصدر السابق .
    [3] - محمود محمد طه (1984) الديباجة ص 3
    [4] - محمود محمد طه ( 1984) الديباجة . ص 1-3
    [5] - من شريط فيديو لندوة عقدت بواشنطن يوم 25/5/1997
    [6] - المصدر السابق .
    [7] - مقال نشر بجريدة الرأي الآخر التي كانت تصدر في الةلايات المتحدة بتاريخ 15/8/1997
                  

العنوان الكاتب Date
مأزق الشورى في مأزق الجماعة!! رؤية الأستاذ / عيسى إبراهيم سيف الدين حسن العوض07-31-07, 09:19 AM
  Re: مأزق الشورى في مأزق الجماعة!! رؤية الأستاذ / عيسى إبراهيم سيف الدين حسن العوض08-02-07, 04:51 AM
  Re: مأزق الشورى في مأزق الجماعة!! رؤية الأستاذ / عيسى إبراهيم Elbagir Osman08-02-07, 05:58 AM
    Re: مأزق الشورى في مأزق الجماعة!! رؤية الأستاذ / عيسى إبراهيم سيف الدين حسن العوض08-02-07, 08:53 AM
    Re: مأزق الشورى في مأزق الجماعة!! رؤية الأستاذ / عيسى إبراهيم عبدالله عثمان08-02-07, 11:06 AM
      Re: مأزق الشورى في مأزق الجماعة!! رؤية الأستاذ / عيسى إبراهيم عبدالله عثمان08-02-07, 11:17 AM
        Re: مأزق الشورى في مأزق الجماعة!! رؤية الأستاذ / عيسى إبراهيم سيف الدين حسن العوض08-02-07, 03:52 PM
          Re: مأزق الشورى في مأزق الجماعة!! رؤية الأستاذ / عيسى إبراهيم سيف الدين حسن العوض08-06-07, 09:00 AM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de