|
Re: دور العمل في تحوّل القرد إلى إنسان: المصدر (Re: Elawad Ahmed)
|
إن تطور الدماغ والحواس الخاضعة له، وتعاظم وضوح الإدراك، وتحسن القدرة على التحليل والتجريد والتعميم ـ كل هذا أثر في العمل والنطق وما انفك يبث في كل منهما تيارات ودفقات جديدة أبداً لكي يستمر في تطور دائم. وهذا التطور لم ينته حين انفصل الإنسان نهائياُ عن القرد، بل إنه، على العكس، استمر مذ ذاك فلقد سار أشواطاً إلى الأمام، أشواطاً تختلف من حيث المدى والاتجاه، باختلاف الشعوب واختلاف العهود، أشواطاً انقطعت أحياناً بسبب من تقهقر محلي موقت، ولكنه، على العموم، سار إلى الأمام بخطى ثابتة قوية، متلقياً من جهة دفقة جديدة جبارة، ومن جهة أخرى توجيهاً أوضح وأدق، وذلك من عنصر جديدة انبثق علاوة مع ظهور الإنسان المكتمل، وهذا العنصر إنما هو المجتمع. أغلب الظن أن مئات الآلاف من السنين ـ أي حقبة من الزمن أهميتها في تاريخ الأرض ليست أكبر من أهمية ثانية في حياة الإنسان[7] ـ قد انقضت قبل أن يخرج من عصبة القرود التي تتسلق الأشجار مجتمع من الناس. ولكن هذا المجتمع ظهر في آخر المطاف. وماذا نجد هنا من فرق مميز بين قطيع القرود والمجتمع الإنساني؟ العمل. كان قطيع القرود يكتفي باستنفاد أكل المنطقة التي تعود له والتي تتحدد مساحتها بحكم الأحوال الجغرافية أو بحكم درجة مقاومة القطعان المجاورة؛ وكان يتنقل من مكان إلى آخر ويدخل في صراع مع القطعان المجاورة لكي يظفر بمنطقته الغذائية أكثر مما توفّره هذه المنطقة بحالتها الطبيعية باستثناء أنه كان يسمّد هذه المنطقة بأقذاره دون وعي ولا قصد. و ما أن تم احتلال جميع الأراضي التي من شأنها أن تغذي القرود حتى استحال ازدياد عدد القرود. وفي أفضل الحالات كان بالإمكان أن يستقر عدد القرود. ولكن جميع الحيوانات تبدد المأكل تبديداً لا حد له، حتى أنها تقضي غالباً على المواد الغذائية الجديدة وتبيدها في بذورها وأصولها. إن الذئب، خلافاً للصياد، لا يوفر العنزة التي ستعطيه الجداء في السنة التالية. وفي اليونان، نجد أن المعز التي تأكل الشجيرات الفتية الصغيرة قبل أن يتوافر لها الوقت للنمو، قد جعلت جميع جبال هذا البلد قاحلة جرداء. إن هذا «التصرف الافتراسي» عند الحيوانات يضطلع بدور هام في تحول الأجناس التدريجي، إذ يجبرها على التكيف وفقاً لمأكل جديد غير المأكل العادي، وبذلك يكتسب دمها تركيباً كيماوياً آخر، ويتغير بنيانها الفيزيائي (الجسدي) بكليته شيئاً فشيئاً، بينما تتلاشى وتزول الأجناس الثابتة التي لا يتغير فيها شيء. ولا سبيل على الشك في أن هذا التصرف الافتراسي قد أسهم بقسط كبير جداً في تحول أجدادنا إلى بشر. فعند جنس من القرود يتفوق كثيراً على جميع الأجناس الأخرى من حيث الذكاء وقدرة التكيف، كان لا بدّ أن تؤدي عادة التصرف الافتراسي هذا إلى النتائج التالية وهي أن عدد النباتات التي يتألف منها غذاء هذا الجنس أخذ يزداد شيئاً فشيئاً، وأن الأجزاء الصالحة للأكل من هذه النباتات أصبحت تستهلك بأعداد ومقادير متزايدة، أي أن المأكل أخذ يتنوع أكثر فأكثر، وبالتالي تنوعت العناصر الداخلة في الجهاز العضوي، مما أوجد على هذا النحو الشروط الكيماوية لتحول القرد إلى إنسان. ولكن كل هذا لم يكن بعد العمل بالذات. فقد بدأ العمل من بداية صنع الأدوات. أقدم الأدوات وفقاً للأشياء المكتشفة الموروثة عن أناس ما قبل التاريخ ووفقاً لنمط حياة الشعوب الأولى في التاريخ وكذلك وفقاً لنمط حياة المتوحشين الحاليين، البدائيين؟ فإنها أدوات لصيد الحيوانات البرية ولصيد الأسماك، مع العلم أن الأدوات الأولى كانت تستخدم في الوقت نفسه سلاحاً. ولكن صيد الحيوانات البرية وصيد السمك يفترضان الانتقال من التغذية النباتية الصرفة إلى استهلاك اللحم مع النبات في آن واحد، وهذا يعني خطوة هامة جديدة نحو التحول إلى الإنسان. لقد كانت التغذية اللحمية تتضمن المواد الأساسية التي تحتاج إليها العضوية للتغير الغذائي في خلاياها، وتتطلبها جاهزة تقريباً " مطبوخة ". وتوفر بالتالي مزيداً من الوقت ومزيداً من المادة ومزيداً من الطاقة من أجل أن تتجلي الحياة الحيوانية تجلياً نشيطاً بمعنى الكلمة الأصلي. وبقدر ما كان الإنسان بسبيل التكون يبتعد عن مملكة النباتات بقدر ما كان يرتفع أيضاً فوق الحيوان. وكما أن تكيف القطط والكلاب المتوحشة للتغذية النباتية التي إلى جانب اللحم قد أسهم في جعلها خدماً للإنسان، كذلك فإن تكيف الإنسان للتغذية اللحمية إلى جانب التغذية النباتية قد أسهم بقسط أساسي في منح الإنسان بسبيل التكون القوة الجسدية والاستقلال.ولكن التأثير الجوهري الأهم إنما كان تأثير التغذية اللحمية في الدماغ إذ أخذ الدماغ يتلقى المواد الضرورية لتغذيته وتطوره بمقادير أوفر بكثير مما مضى، وإذ استطاع بالتالي أن يتطور بمزيد من السرعة وبمزيد من الكمال من جيل إلى جيل. وسواء أطاب للنباتيين[8]أو لا، فإن الإنسان لم يصبح الإنسان دون التغذية اللحمة؛ وحتى إذا كانت التغذية اللحمية قد أدت في هذا العهد أو ذاك عند جميع الشعوب التي نعرف إلى أكل لحوم البشر (إن أجداد البرلينيين، الفيليتبا، أو الفيلز، كانوا لا يزالون يأكلون أهلهم في القرن العاشر)[9]، فإن هذا الأمر ليس من شأننا الآن.
نواصل
|
|
|
|
|
|
|
العنوان |
الكاتب |
Date |
دور العمل في تحوّل القرد إلى إنسان: المصدر منقول بشيء من التصرف من The Venus project | Elawad Ahmed | 05-08-17, 08:23 AM |
Re: دور العمل في تحوّل القرد إلى إنسان: المصدر | Elawad Ahmed | 05-08-17, 08:27 AM |
Re: دور العمل في تحوّل القرد إلى إنسان: المصدر | Elawad Ahmed | 05-08-17, 08:29 AM |
Re: دور العمل في تحوّل القرد إلى إنسان: المصدر | Elawad Ahmed | 05-08-17, 08:33 AM |
Re: دور العمل في تحوّل القرد إلى إنسان: المصدر | Elawad Ahmed | 05-08-17, 08:35 AM |
Re: دور العمل في تحوّل القرد إلى إنسان: المصدر | Elawad Ahmed | 05-08-17, 08:37 AM |
Re: دور العمل في تحوّل القرد إلى إنسان: المصدر | Elawad Ahmed | 05-08-17, 08:40 AM |
Re: دور العمل في تحوّل القرد إلى إنسان: المصدر | Elawad Ahmed | 05-08-17, 08:41 AM |
Re: دور العمل في تحوّل القرد إلى إنسان: المصدر | Elawad Ahmed | 05-08-17, 08:44 AM |
Re: دور العمل في تحوّل القرد إلى إنسان: المصدر | Elawad Ahmed | 05-08-17, 08:46 AM |
Re: دور العمل في تحوّل القرد إلى إنسان: المصدر | Elawad Ahmed | 05-08-17, 08:48 AM |
|
|
|