قبل هذا اليوم بأسبوعٍ، كنتُ -في منزلي ليلًا- أُطارد آخر الحشرات الزَّاحفة، التي نجت من مسحوق الآفات القاتل. إنَّه الآن يومٌ باردٌ، والنَّاس يتساقطون في الشَّوارع المُغطاة بالثُّلوج، وآخرون يمشون بخطواتٍ حذرةٍ تجعلهم -مع منظر تلك الثُّلوج، وسُترات البرد الغليظة- يُشبهون البطاريق. حتَّى أزهار الإستر البنفسجيَّة في جادة القدّيسة مارغريت -التي كنتُ أُغازلها في طريقي إلى مدرسة اللُّغة الفرنسيَّة- اختفت تحت طبقةٍ غليظةٍ من الثُّلوج العنيدة.
12-25-2016, 05:01 PM
هشام آدم
هشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249
أمضيتُ نصف الوقت وأنا أُدخن سيجارةً تعلَّقت عفوًا بين شفتيَّ، دون أن أتمكَّن من إخراج يديَّ من مخبئهما الدَّافئ داخل سُترتي الشتويَّة. وبعينين باردتين رُحت أُراقب العابرين، والرَّاكضين للحاق بالباص رقم 12 الذي لا ينتظر كثيرًا. لم أكن قادرًا على التَّفريق بين الأدخنة التي تخرج من بين شفتيَّ المُرتجفتين: أيُّهما تحمل مذاق النيكوتين، وأيُّها تحمل حرارة جسمي. كنتُ أشعر أنَّني بحاجةٍ إلى تدخين سيجارٍ كوبي لا ينتهي أبدًا، لأنَّني كنتُ أشعر بالعطش الشَّديد، والتَّدخين هو الفكرة التي تبدو أكثر ملائمةً للارتواء؛ لاسيما في مثل هذا الجو القارس، فمُجرَّد التَّفكير بالشَّراب في جوٍ كهذا، أشبه بفكرة الانتحار بطعن نفسكَ بمُديَّة حادةٍ في القلب مُباشرةً.
12-25-2016, 05:02 PM
هشام آدم
هشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249
لم يكن بوسعي رفع بصري إلى السَّماء، التي كانت تقذف ندفًا من الثَّلج، مع بعض الرَّذاذ البارد. ولم يكن بإمكاني -أيضًا- رؤية ما يبعد عني عشرة أمتار. خطرت في بالي فكرةٌ لا أُريدها أن تخطر ببال الله مُطلقًا. فلو أنَّه وقَّتَ لقيام السَّاعة في جوٍ كهذا، لم يكن لينجو أحد. وأرى أنَّها فكرةٌ سيئةٌ جدًا.
12-25-2016, 05:04 PM
هشام آدم
هشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249
ممرَّات مبنى الميدياماركت، المواجه لساحة سان لامبير -وسط مدينة لييج- استحالت إلى ما يُشبه ملاجئ لمدنيين فارين من قصفٍ عشوائي؛ إذ تجمَّع المئات داخلها طلبًا للدفء؛ ولم يكن من الصَّعب أن ترى في أعينهم الخوف، رغم ضحكات بعضهم المُتعالية. الجو البارد يُداعب أعضاءنا التَّناسليَّة في مخابئها الدَّافية برقَّةٍ ماكرةٍ، فتطفو سماتنا البدائيَّة التي أخفتها عوامل التَّطور الطَّويلة والهشَّة. نعتقد أنَّنا نهرب من الاكتئاب الشُّتوي بعقد علاقاتٍ يبدأ أغلبها بالحديث عن تغيُّر الجو الطَّارئ، ولكنَّنا -واقع الأمر- نبحث عن الدّفء في التصاقنا بالآخرين. ننقل إليهم حرارة أجسادنا عبر القبلات، ونأخذ منهم حرارتهم كذلك. كُلَّما نظرتُ إلى جهةٍ ما، وجدتُ شابًا وفتاةً مُستغرقين في القبلات، يُمارسان التَّدفئة، ولكنَّني لم أكن مدفئتي الخاصة.
12-25-2016, 05:05 PM
هشام آدم
هشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249
ساحة سان لامبير لم تخل من الطَّائشين، الذين راحوا يتراكضون وسط السَّاحة، وهم يتراشقون بكُرات الثَّلج. وكان طيشهم -بطريقةٍ جدليَّةٍ- يُوحي لي بالدّفء والبرودة في آنٍ معًا. فحركتهم وضحكاتهم تُوقظ شعوري الدَّفين بالحيويَّة، ومنظر وجوههم المُحمرَّة المُلطخة بالثَّلج يجعلني أشعر بأنَّني عارٍ في هذا البرد.
12-25-2016, 05:07 PM
هشام آدم
هشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249
المُتسول عازف الأكورديون العجوز، والذي لا يعرف أحدٌ عِلَّته، كان -كعادته- يعزف لحنه اليومي المُميَّز، أمام محلَّات سترينج، دون أن يتوقَّع شهادةً من أحد. بينما كان المكان الذي يشهد لقاءاتنا -أنا وحبيبتي- خاليًا تمامًا، وكأنَّه لم يُوجد إلَّا لنا نحن فقط. كنتُ أنظر إلى تلك البُقعة العزيزة من ساحة سان لامبير، وأتخيَّل وُجودها الأنبيق، وأخشى عليها من صقيع كانون الثَّاني، وأنا أُحاول أن أنقل إليها دفئي الدَّفين، وأطبع على جبينها قُبلة الامتنان المعهودة.
12-25-2016, 05:09 PM
هشام آدم
هشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249
لم تأتِ اليوم، لأنَّها ستأتي غدًا. أنا هنا لغرضٍ لا علاقة له بالرُّومانسيَّة على الإطلاق، فلستُ من الذين ترتبط لديهم الأمكنة بالذِّكريات، ولستُ من عُشَّاق الأمكنة أصلًا، ولكنَّني هنا اليوم في انتظار فتاةٍ أُخرى! من المُفترض أن تأتي من ناحية دار الأوبرا، وبعدها سوف نذهب إلى ساحة القدّيس ليبولد، وللمرَّة الأولى سوف أسير -معها- في أزقَّة ذلك الحي القديم الذي تكلأهُ اليونسكو بالرِّعاية والحصانة.
12-25-2016, 05:10 PM
هشام آدم
هشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249
على أعتاب انتظاري المشوب بالكثير من التَّذمُّر، كانت التَّوقعات ترتع في مُخيلتي كأحلام المُراهقين، لتجعل من الانتظار فكرةً أخلاقيَّةً جيِّدةً ومقبولةً إلى حدٍ بعيد. ورغم أنَّها لن تكون المرَّة الأولى سوف ألتقيها فيها؛ إلَّا أنَّه سيكون لقاءً محفوفًا بالتَّشويق والإثارة.
12-25-2016, 05:12 PM
هشام آدم
هشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249
من وراء ضباب مداي البصري الضَّيق، وبالقُرب من مكتبة (فناك) ذات الملامح البرجوازيَّة، رأيتها آتيةً، وهي تمشي بمهلٍ مُحترس، كبقيَّة بطاريق سان لامبير، وكان وجهها مُشرقًا كنبوءةٍ مُتحققة. ما أن رأتني حتَّى لوَّحت بيدها قبل أن تصلني. قبَّلتني بسرعةٍ، وهي ترتجف من البرد. كوَّرت قبضتيها، ونفخت بين يديها المحتجبتين خلف قُفَّازين صوفيين، وهي تقول بحماسٍ شقي: “إنَّه يومٌ باردٌ؛ أليس كذلك؟” لم يكن سؤالها جادًا، فلم تنتظر مني تفاعلًا أكثر من ابتسامةٍ مُؤكِّدةٍ، ولم أجتهد في الإجابة؛ فمن الواضح أنَّه يومٌ بارد!
12-25-2016, 05:24 PM
هشام آدم
هشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249
أمضينا بعض الوقت دون أن نفعل شيئًا ذا معنىً. كُنَّا نفرك أيدينا، وننفخ في قبضتينا بين الحين والآخر، وننظر إلى العابرين، وكأنَّنا نتوقع حدوث شيءٍ ما. اكتشفنا بعدها أنَّنا كُنَّا في انتظار أن يبدأ أحدنا خطوته الأولى نحو مشروعنا المُتفق عليه. ابتسمنا لهذا الاكتشاف الذي أكَّد لنا مخاوفنا الخبيئة. أحسستُ برعشةٍ أُخرى -غير رعشة البرد- وأنا أسمعها تقول: “هيَّا بنا!” ومن المُؤكَّد أنَّها عرفت ذلك، فابتسامتها الغامضة لم تُبارح وجهها المُتجمِّد؛ حتَّى بعد وصولنا مقهى (نقطة ساخنة) الشَّهير. توقفنا عند الإشارة الضَّوئيَّة الخاصة بالمُشاة، حيث يتجمَّع العشرات كسرب إوزٍ برِّيٍ.
12-25-2016, 05:27 PM
هشام آدم
هشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249
في لحظةٍ فارقةٍ، وفي خطوةٍ اعتبرتُها جريئةً ومُفاجئةً، أمسكت يدي؛ وهي ما تزال مُحتفظةً بابتسامتها الغامضة. نظرت إليَّ مُباشرةً؛ فابتسمتُ لها بعنفوانٍ ذكوريٍ ليس من شيمتي، وأخفيتُ -عمدًا- سعادةً قرويَّةً كانت تُناضل لتطغى على ملامح الحبيب الخائن التي كان تتلبَّسني.
12-25-2016, 05:28 PM
هشام آدم
هشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249
بالنسبة إلينا؛ لم يكن يعنينا كثيرًا أن نُصنِّف رغبتنا تلك تحت أيَّ مُسمَّىً على الإطلاق، ويبدو أنَّنا اتفقنا سرًا ألَّا نجعلها رغبةً بقدر ما هي حاجةٌ ماسةٌ لكلينا، وطارئةٌ بالقدر الذي يجعلنا لا نستشعر الخيانة واللَّوم. قبلها بسنواتٍ طويلةٍ جدًا، كانت إحدى زميلات الدِّراسة تُحذرني من حدس النِّساء الذي يفوق كُلَّ توقعُّات الفيزيقا، ولم آخذ كلماتها على محمل الجد ذلك الحين.
12-25-2016, 05:30 PM
هشام آدم
هشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249
كانت نزعة التَّجريب تعبث بهرموناتي الذُّكوريَّة، وتشدُّني من تلابيب البروستاتة قسرًا، وكأنَّها شهوة التُّفاحة المُقدَّسة: مُثيرةٌ ومُحرَّمة. أخبرتني باتريسيا موريس عن حاجتها إلى التَّجريب أيضًا، وكانت توقُّعاتها فقط كفيلةً بإسالة لُعابي، وإقناعي بالأمر. كلانا كُنَّا مُنقادين بحماسةٍ لا تعرف الهوادة، ولا تعترف بأيَّة اعتباراتٍ أُخرى. كان بالإمكان تصوير الأمر وكأنَّه لُعبة قمارٍ بعُملةٍ مُزيَّفةٍ، لا أحد يخسر فيها شيئًا. في جانبٍ بليدٍ من دماغي اعتبرتُ الأمر مدخلًا إلى حياة بلجيكا السِّريَّة، تمامًا كالدُّخول من الباب الخلفي للجنَّة.
12-25-2016, 05:40 PM
هشام آدم
هشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249
لم تكن شهوة الجنس والتَّجريب وحدهما اللَّتان تقودانني إلى ذلك؛ بل كانت ثمَّة شهوةٌ أُخرى لم أكن مُستبصرًا بها كما ينبغي، ولكنَّني أردتُ أن أشعر بتلك النَّرجسيَّة التي تحدَّث عنها الطَّيب صالح في روايته (موسم الهجرة إلى الشَّمال). قبل أن نبدأ قمارنا، أغلقتُ هاتفي الخلوي، بينما نظرت إليَّ؛ وكأنَّها تُريد تخطِّي آخر العقبات: – هل ستُخبر حبيبكَ بهذا؟ – ثمَّة أشياء لا يجب أن تُقال. لو قلنا كُلَّ شيءٍ لخسرنا كُلَّ شيء!
12-25-2016, 05:45 PM
هشام آدم
هشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249
تلك الأمور التي نفعلها في الظَّلام والخفاء أكثر مُتعةً ولذَّةً، لأنَّها تحمل رائحة المُغامرة، وتهب الشُّعور بالاقتناص. هذا بالتَّحديد ما انتابني وأنا أرى خارطة لييج على مبنى البلديَّة الشَّاهق مُمدَّدًا على السَّرير، بعد أن تمَّ كُلُّ شيء. للييج رائحةٌ نادرةٌ ومُميَّزةٌ لا يشتمُّها إلَّا من ألف هذه المدينة جيدًا، واعتاد الجلوس على أرصفة ساحاتها، والمشي تحت سمائها المُمطرة. رائحةٌ أليفةٌ ووادعةٌ؛ كرائحة مشروب اللييجوا نفسه، بطعم البرتقال والرُّمان. كانت الرَّائحة تتسلَّل إلى أنفي، وتُداعب خلاياي العصبيَّة؛ عصبونًا تلو الآخر، بينما كانت باتريسيا موريس ترتدي ملابسها، وتُعيد ترتيب الفِراش والأحذية، قبل أن تسألني ما إذا كنتُ أحب تناول قطعةٍ من الشُّكولاتة المنزليَّة السَّاخنة.
12-25-2016, 05:47 PM
هشام آدم
هشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249
كانت صورة حبيبتي -وهي واقفةٌ في بُقعتنا المُقدَّسة في ساحة سان لامبير- تُطاردني، كطيف مقتولٍ يُلاحق قاتله، ويدفعه إلى الجنون أو الانتحار، وكنتُ أُكافح بجَلَدٍ مقدونيٍ في هشِّها، مُحاولًا الانشغال بأي شيءٍ آخر. أمضيتُ مع باتريسيا تلك الليلة، وكنتُ كُلَّما تذكَّرتُ أنَّه قد لا تسنح لي فرصةٌ أُخرى كهذه قريبًا أو للأبد، أزداد شرهًا لها؛ حتَّى أنَّها وصفتني -مُداعبةً- بالبيسون الأفريقي.
12-25-2016, 05:49 PM
هشام آدم
هشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249
في صباح اليوم التَّالي؛ كنتُ مُنهكًا تمامًا، وأشعر بالخدر والتَّصلُّب في أطرافي. ارتديتُ ملابسي بتمهُّل من لا يملك حُريَّته. رميت جسدي على أريكةٍ قريبةٍ، وبدأتُ في تجهيز التِّبغ للف سجائر تكفيني لهذا اليوم. كانت شمس كانون الثَّاني -فوق سماء لييج- تُحاول جاهدةً أن تهرب من مُطاردة السَّحاب، الذي شغر كُلَّ المساحات تقريبًا. ورائحة مشروب اللييجوا ما تزال مُعلَّقةً في شعيراتي المُخاطيَّة، وتمرح في مُخيلتي كتذكار خطيئةٍ حميمة.
12-25-2016, 05:56 PM
هشام آدم
هشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249
بطاريق سان لامبير ما تزال تمشي على مهلٍ، مُدجَّجةٍ بملابس الشِّتاء الثَّقيلة، تنفث من أفواهها أبخرتها الكثيفة. توجَّهتُ إلى البقعة المُقدَّسة؛ حيث تنتظر حبيبتي هناك. كنتُ أشتاق إليها كثيرًا، برغم كُل شيء. عندما نُخطئ في حق شخصٍ نُحبه؛ فإنَّنا نُحبه أكثر. كثيرًا ما نشعر بحب غامرٍ واستثنائيٍ تجاه الذين نخونهم؛ لاسيما إن كانوا لا يتوقعَّون ذلك، أو إن كُنَّا نعلم أنَّهم لا يستحقون منَّا ذلك.
12-25-2016, 06:02 PM
هشام آدم
هشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249
لسببٍ غامضٍ ومُلغزٍ كنتُ أردِّد عبارةً اخترعتها وأنا أهمِّ بالخروج من منزل باتريسيا: “المقتول هو الوحيد الذي يعرف هويَّة القاتل على وجه الدِّقة لا التَّخمين.” لم يكن ثمَّة تفسيرٌ منطقيٌ يُبرّر صياغتي لهذه الفكرة في ذلك التَّوقيت؛ إلَّا أنَّني رحتُ أردِّد الجُملة بلحنٍ عسكريٍ صارم.
12-25-2016, 06:04 PM
هشام آدم
هشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249
كما أميرات الثَّلج، كانت حبيبتي تقف بكبريائها الذي عرفتها به مُنذ أن تلاقينا -مُصادفةً- أمام محطة قطار (قار دو نورد) في بروكسل، في طريقنا إلى مفوضيَّة اللاجئين. ابتسمت في وجهي قبل أن أصل إليها، وراحت تُحرِّك قدميها بطريقةٍ تمثيليَّةٍ مُضحكةٍ، وتضربهما على الأرض من تحتها بالتَّتابع، وهي تقول: “تمشي كالبطاريق؛ حبيبي!” عانقتها بشدَّة، وأنا أضحك على المُفارقة، وأُكلِّمها عن بطاريق سان لامبير، ولكنها فجأةً أبعدتني عنها برفقٍ: – أين كنتَ بالأمس؟ – أين سأكون حبيبتي غير أن أكون في منزلي؟ – ولكنني اتصلتُ بك كثيرًا، وكان هاتفكَ مُغلقًا. – صحيح. نسيتُ أن أشحنه فقط.
12-25-2016, 06:13 PM
هشام آدم
هشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249
نظرت إلى عينيَّ بعُمقٍ مُربكٍ، ومرَّرت يدها على شعري ووجهي، وهي تقول، وكأنَّها تُكلِّم نفسها: “أنتَ تكذب.” تظاهرتُ بالبراءة، وأنا أقول: “أأكذب عليكِ بشأن هاتفي؟” كانت تتفحَّصني جيدًا، حتَّى شعرتُ بأنَّني سوف أنهار أمامها، وأذوب قبل موسم الذَّوبان. تذكَّرتُ مقولة والدي التي صاغها مُستفيدًا من تجاربه الفاشلة في الكذب على أمي، تلك التي منحته حكمة أواخر العمر: “المرأة لا تشكُّ عندما تَسأل، ولكن عندما نُجيب نحن.” لذا فلم يكن لديَّ شكٌ بأنَّها تعرف كُلَّ شيءٍ، ولكنني كنتُ مُستعدًا للإنكار، واختلاق أيَّة مُشكلة إن هي أصرَّت.
12-25-2016, 06:31 PM
هشام آدم
هشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249
نعم! نحن -الرِّجال- بارعون في ذلك، وكانت بذرة التَّفاصيل كُلُّها قد بدأت بالتَّخلُّق داخل جُمجمتي فعليًا، غير أنَّني أحسستها تعمَّدت تجاهل الأمر، ولم أشأ أن أضح نفسي بالإلحاح، بينما ظلَّت نظراتها العميقة تُشعرني بالإرباك، وتُطاردني كلعناتٍ شريرةٍ؛ فكنتُ أتحاشى النَّظر إليها مُباشرةً. انتبابني شعورٌ عميقٌ بأنَّها كانت تُعاملني كأمٍ غفرت للتَّو خطيئةً ما، لابنها الوحيد. الآن أقول: “من أراد أن يرى الكبرياء مُتجسدًا في أسمى صوره، فعليه أن يرى امرأة وهي تغفر!.
أشرق وجه حبيبتي كما لم يُشرق من قبل، وأصرَّت على أن نظلَّ معًا طوال اليوم، وأن نظلَّ مُتعانقين طوال الوقت. قبَّلتني كثيرًا ذلك اليوم. لم أكن أعلم أبدًا أنَّها قرَّرت -لسببٍ ما- أن يكون يومنا الأخير سعيدًا ورومانسيًا. أصرَّت على التَّسوُّق من محل (ديليز) القريب من ساحة سان لامبير، واشترت كُلَّ ما قد نحتاجه لتحضير عشاءٍ فاخرٍ واحتفالي، ولم تنس أن تشتري لي زجاجتي (شاتو روزون قاسي)؛ نبيذي المفضَّل. كانت كُلَّما حاولتُ منعها من التَّبذير والمُبالغة، أغقلت فمي بأصابعها، لتقول: “أريدها ليلةً مُميَّزة.” شعرت بأنَّها تجلدني بسياطٍ ناعمةٍ في قشرة القلب مُباشرةً، ورأيتها تذوي أمامي كنعقاء عنيدة، دون أن أتمكَّن من فعل شيءٍ حيال ذلك.
12-25-2016, 06:34 PM
هشام آدم
هشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249
ليلًا؛ ورغم بُرودة الجو داخل منزلي، إلَّا أنَّها أصرَّت أن ترتدي ملابسها الصَّيفيَّة المُثيرة على العشاء. شربنا كثيرًا تلك الأمسية، ورقصنا، وضحكنا، ومارسنا الحب كما لم نُمارسه من قبل. وقبل أن ننام، سألتني بحنانٍ هو من أهم خصالها العتيدة: “هل استمتعتَ معي حقًا؟” لم أفهم مغزى سؤالها في وقته، ولكنَّني عندما استيقظتُ صباحًا، ووجدتُ رسالتها الوداعيَّة، فهمتُ كُلَّ شيء، ولكن ما لفت انتباهي في رسالتها هو ما جاء في السَّطر الأخير منها؛ حيث وضحَّت فيه سر اكتشفاها لخيانتي، والذي صاغته بعبارةٍ بدت لي مُبهمةً جدًا: “مشيتُكَ لم تكن تُشبه مشية بطاريق سان لامبير!”
12-25-2016, 06:42 PM
هشام آدم
هشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249
شاركت هذه السَّرديَّة القصيرة في الكتاب الجماعي، الذي صدر عن منشورات ملتقى الطُّرق المغربيَّة، بعنوان (هذه ليست حقيبة). شارك في الكتاب أيضًا سبعة عشر كاتبًا من بلدانٍ مُختلفةٍ: المغرب، العراق، سوريا، فلسطين ومصر، تجمع بينهم الإقامة في بلجيكا.
12-25-2016, 06:44 PM
هشام آدم
هشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249
"قبل هذا اليوم بأسبوع كنت في منزلي ليلا اطارد اخر الحشرات الزاحفة التي نحت من مسحوق الافات القاتل. انه اليوم بارد والناس يتساقطون في الشوارع الى اخره" (انتهى الاقتباس من القصة المنشورة ). لماذا كتبت يا هشام: قبل هذا اليوم بأسبوع وليس قبل أسبوع اوقبل اسبوع من الآن؟،وما هي الرابطة التي تصل بين الجملتين؟.
اقتباسات اخر: "أمضيت نصف الوقت وانا ادخن سيجارة تعلقت عفوا بين شفتي.""لم أكن قادرا على التمييز بين الادخنة التي تخرج من بين شفتي.
ماضرورة التمييز بين الادخنة التي تخرج من فم الإنسان المقرور وهو يدخن ان لم يكن الحشو قاتله الله."؟!
يتوالى الاقتباس:
كنت أشعر أنني بحاجة إلى تدخين سيجار كوبي لاينتهي ابدا، لأنني كنت أشعر بالعطش الشديد والتدخين هو الفكرة التي تبدو أكثر ملاءمة للارتقاء لاسيما في مثل هذا الجو القارس. (سبحان الله!، وجه ضاحك )
." فمجرد التفكير بالشراب في جو كهذا أشبه بفكرة الانتحار يطعن نفسك بهدية حاظة في القلب مباشرة.
ياهشام، لو كان أمر الآداب في السودان بيدي لخلعت عليك لقب خليفة الطيب صالح بلامنازع، والدليل على جدارتك وأهليتك للتشريف هذه المقتبسات البديعة التي ينبغي ان تسطر بماء الذهب. وفقك الله وجعلك نبراساً للأمة.(وجه ضاحك)
الإدراك هشام ادم بأن حكايته هذه خالية من عنصر الجدة مثلها مثل مثل عشرات الحكايات عن الخيانة اضطر لأن يخترع لها خاتمة مفتعلة ومستحيلة أراد بها انتزاع الاعجاب، إذ لاعلاقة البتة بين ارتكاب الخيانة وبسن مشية البطريق.
ليس العيب في هشام ادم ، بل فينا نحن الذي مسخنا الله في الزمن الانقاذي الرديء فصرنا نقرأ كاجومي والخندريس وكمبو كديس وبطاريق لامبير وسودان جديد وييي وغير ذلك من الاسماء التي ماانزل الله بها من سلطان، بعد ان كنا ننعم بموسم الهجرة الى الشمال ويندر شاه ومريود وذيل هاهينا مخزن الأحزان وحملة عبد القيوم الانتقامية.
12-26-2016, 09:11 AM
الشيخ سيد أحمد
الشيخ سيد أحمد
تاريخ التسجيل: 07-14-2008
مجموع المشاركات: 2664
خطرت في بالي فكرةٌ لا أُريدها أن تخطر ببال الله مُطلقًا. فلو أنَّه وقَّتَ لقيام السَّاعة في جوٍ كهذا، لم يكن لينجو أحد. وأرى أنَّها فكرةٌ سيئةٌ جدًا.
--------------------------------------
الفقره في المقتبس اعلاه لم تعجبني .. وشعرت ان فيها تطاول على الذات الالهية ( وتعالى الله عما يصفون ) فتذكرت انك ملحد ... ولا حرج على الملحدين .. والملفت للانتباه في هذه الفقره ... انك اعترفت بوجود شي اسمه الله ... وان قيام الساعة لا ريب فيه .. وهذا ما يخالف اعتقاد الملحدين ....
ان شاء الله سجارة ... سجارتين قوياات ... وترجع للحق ..
عاالم بطاالـــــــــــــــــــة ....
12-26-2016, 01:08 PM
معاوية المدير
معاوية المدير
تاريخ التسجيل: 03-24-2009
مجموع المشاركات: 14411
Quote: ياللا بعد ده ممكن تتعاور وتضحك زي ما داير، ومعليش ما التزمنا ليك بالتلاتة سطور البتقدر عليهم، لكن عزاءنا الوحيد إنه المُداخلة بالعامية السودانية عشان تفهم رغم إني أشك في كده.
هههههههههههههههههه، والله يا هشام بعد تريقتك ؤ تِنِطِعك ؤ فنستك اللِتفنستها فوقي دي أنا كنت قايل القُبة تِحِتا فكي !. يأخ والله أنا أخدتني الشفقة عليك، قلت لي بطاريق شنو ؟! والله إنت زول بسيط حد البساطة إذ تعتقد ان هذه الخرابيط ضرباً من الكتابة، يا حبيب والديك رفقاً بنفسك ورفقاً بالآخرين. هسّع خُلآصة هرجلتك دي إنوا حبيبتك خلتك عشان عرفت إنت خُنتها من طريقة مشيتك المخالفة لمشية الآخرين !، يا ود لا. هسّع وين المغزى في الشغلآنية دي والقارئ يستفيد شنو من الغثاء دا ؟. هذه كتابة ساذجة لا تثير حفيظة صبي في طور المراهقة. يا جنا ما ترجل. ثم يا هشام، دع المكارم لا ترحل لبغيتها واقعُد فإنك أنت الطاعم الكاسي
خذ هذا البيت من الشعر وضعه فيما أسميته زوراً وبُهتانا كتابة. أنت إنسان مثير للشفقة. والله صحي...
12-26-2016, 02:33 PM
هشام آدم
هشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249
أشكركَ على وقتكَ الذي بذلتهُ في القراءة، وكذلك على رأيك فيما قرأت. أمَّا بالنسبة لمشهد الوداع؛ فقد كان مُربكًا للبطل نفسه أيضًا. وفي رأيي لا يُوجد قارئ عاديٌ، وناقدٌ مُتخصّص، فالنَّاقد ليس إلَّا قارئًا. هنالك قارئٌ مُتذوّقٌ، وآخر غير مُتذوّق. وبين فئة المُتذوّقين: هنالك فروقاتٌ في الذائقة القرائيَّة. النَّقد الأدبي فنٌ وليس عِلمًا، أي أنَّ النَّقد الأدبي ليس حِكرًا على أحد، وليس حِكرًا على النُّقاد. نحن نحترم رأي النُّقاد "المُتخصصين"، ليس من واقع أنَّهم مُتخصصين، ولكن من واقع افتراضنا بأنَّ لهم ذائقة قرائيَّة عالية، وبما أنَّ ليس ثمَّة معيار يحكم الذائقة القرائيَّة؛ فتظل كل الأحكام القرائيَّة على درجةٍ واحدةٍ من التَّقدير.
مودتي لك
12-26-2016, 08:11 PM
علي دفع الله
علي دفع الله
تاريخ التسجيل: 08-31-2012
مجموع المشاركات: 4740
الاصدقاء عثمان محمد صالح /معاوية المدير عمتم مساءا بتوقيتنا .. في مثل بقول (المابدورك في الضلام بحدر ليك) علي الحلف القصة القصيرة دي او كما سماها الصديق هشام سردية ابدع ما يكون بس انتوا قريتوها بي غبينة بايتة هههههه بس يا جماعة الخير سويتوها واضحة ..في حتات كتيرة ممكن تصطادوا فيها هشام وتفشوا غبينتكم بس هنا دقستو ههههه مع ودي
12-27-2016, 00:50 AM
Osman M Salih
Osman M Salih
تاريخ التسجيل: 02-18-2004
مجموع المشاركات: 13081
اربأ بك ان تنخدع بدجال مستهبل كهشام الذي يستغفل القراء المساكين. ولكنك بالطبع حر فيما تختار ولك ايضا ان تسعد باختيارك هذا. أما الغبينة فلست مغبونا منه في شيء بل أشفق عليه وارثي لحاله. هو يعلم انه دجال.
يُعرَف الإنسان من اختياره وانت قد اخترت. وهذا كل مافي الأمر. سلام.
* ثمَّة أشياء لا يجب أن تُقال. لو قلنا كُلَّ شيءٍ لخسرنا كُلَّ شيء! * عندما نُخطئ في حق شخصٍ نُحبه؛ فإنَّنا نُحبه أكثر. * كثيرًا ما نشعر بحب غامرٍ واستثنائيٍ تجاه الذين نخونهم؛ لاسيما إن كانوا لا يتوقعَّون ذلك، أو إن كُنَّا نعلم أنَّهم لا يستحقون منَّا ذلك. * المقتول هو الوحيد الذي يعرف هويَّة القاتل على وجه الدِّقة لا التَّخمين. * المرأة لا تشكُّ عندما تَسأل، ولكن عندما نُجيب نحن. * كانت تُعاملني كأمٍ غفرت للتَّو خطيئةً ما، لابنها الوحيد. * من أراد أن يرى الكبرياء مُتجسدًا في أسمى صوره، فعليه أن يرى امرأة وهي تغفر!. Like أمتعني النص كثيراً علمتني الحياة ألا شئ يحول بين الأنثى واكتشاف الخيانة إلا التغابي أو التعامي المقصود
شئ واحد فقط لم استطع استيعابه في القصة ! حين قابلته قالت (تمشي كالبطاريق؛ حبيبي!) وحين غادرته قالت (مشيتُكَ لم تكن تُشبه مشية بطاريق سان لامبير!) لم استسغ فكرة كذبها غير المفيد في المرة الأولى
Quote: وجدتُ شابًا وفتاةً مُستغرقين في القبلات، يُمارسان التَّدفئة
وأنا طالب كان يضحكني بائع بطاطين في مدني بهتافه على بضاعته (الما عندو مرَة يجينا بيجاي)
12-27-2016, 04:36 AM
هشام آدم
هشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249
أشكركَ على القراءة وعلى رأيكَ، وأيضًا على الطُّرفة اللطيفة :) فيما يخص النُّقطة التي أشرتَ إليها، فقد تكون ناشئةً من خلطٍ حديث بين "البطريق"، و "مشية البطريق"، ولكي نفهم الفكر؛ فإنَّه يتوجَّب علينا التَّفريق بينهما. ورغم أنَّني ضد تفسير وشرح الأدب، لأنَّ الأدب يُحس ولا يُشرح؛ إلَّا أنَّه بإمكاننا وضع الأمر في نقاط:
1) البطل في القصَّة شبَّه النَّاس المُتدثرين بالمعاطف بالبطَّاريق؛ لاسيما مع وجود الثَّلج والجليد. فتشبيه البطل تركَّز أكثر في الشَّكل وليس بالمشية. 2) حبيبة البطل شبَّهت مشية حبيبها بمشية البطاريق. ولا تُوجد علاقة بين تشبيهها وتشبيه حبيبها؛ لاسيما أنَّها لم تكن تعرف بعد بأمر تشبيهه, 3) في الخاتمة تُحاول الحبيبة أن تُؤكد على أنَّ مشية حبيبها كانت كمشية البطاريق، ولكنها ليست كبطاريق سان لامبير الذي تحدَّث عنها حبيبها
فإذا كان الآخرون في ساحة سان لامبير يُشبهون البطاريق (شكلًا وليس مشيةً فقط)، فإنَّ البطل كان -بالنسبة إلى حبيبته- مُختلفًا عنهم (مشيةً لا شكلًا فقط) رغم أنَّه أيضًا كان يرتديي معطفًا وسط الثلوج. ويبدو أنَّ الحبيبة أضحكتها مشيته في البداية، ولكنها لم تبدأ بالشك به؛ إلَّا عندما اقتربت منه لتُقبّله، فيبدو أنَّها ربطت ما بين مشيته -التي كانت نتيجةً لجُملة قالها البطل: "كنتُ مُنهكًا تمامًا، وأشعر بالخدر والتَّصلُّب في أطرافي."- وبين ما اكتشفته عندما اقتربت منه كثيرًا، عندما عرفت أنَّ مشيته الغريبة التي اعتبرتها كمشية البطاريق، لم تكن مشية بطاريق سان لامبير التي تكلَّم عنها البطل، والتي يُسببها حذرهم من السقوط على الجليد؛ بل كان أمرًا آخر. ولأنَّها كانت قد عرفت بخيانته بسبب حدس النِّساء الذي يفوق كُلَّ توقعُّات الفيزيقا، فقد أصرَّت على قضاء ليلةٍ حمراء معه، وأن تتأكد أنَّه استمتع معها، ربما لتُشعره بعظمة ما هو موشكٌ على فقده، لأنَّ الجنس الذي يُمارس باسم الحب، لا يُعادله أي شعور آخر عابر. نحن لا ندري ما كان مكتوبًا في الرسالة التي تركتها حبيبته، ولا نعرف منها سوى السَّطر الأخير فقط.
التجربة التي أعتبرها مُميزة في هذه السَّرديَّة القصيرة، هي مُحاولة الولوج إلى عوالم الأنثى التي تتعرَّض لخيانة: كيف تُحس، فيم تُفكر، كيف تكون نظرتها لحبيبها الخائن، كيف تُفرّق بين كونه حبيبها وبين كونه خائنًا لها. إنَّها تجربة صعبة جدًا أن نُحاول وضع أنفسنا في مكان الأنثى؛ ناهيك عن هذه الحالة الانفعاليَّة المُعقدة، والمُركبة. أتمنى أن أكون قد نجحتُ في ذلك
أكرر لك شكري
12-27-2016, 09:55 AM
Kabar
Kabar
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 18537
صديقنا احمد محمد عمر.. كتر خيرك على اثارة هذه النقطة ، وهي كانت جزء من مخطط تفاكر كنت انوي ان اكتبه هنا تواصلا مع هذه السردية..! في الواقع يا احمد ، حينما قدمنا لأول مرة الى كندا ، كنا في البراري الكندية (ولازلنا) ، وكانت اول الخطوات لتعليمنا التصالح مع ظروف الطقس ، هي تعليمنا (مشية البطاريق) ، أي ان تمشي في الجليد وان تضم امشاط قدميك داخل الحذاء ، والفكرة ان هذه الطريق سوف تحميك من الإنزلاق ، خصوصا حينما يتصلب الجليد ويتحول الى حاجة تشبه الواح الثلج في رمضان ، وهي اخطر مرحلة ، وغالبا تأتي في نهايات موسم الجليد..! صديقنا هشام تعرض لطريقة اللبس في مثل هذا الموسم ، قصدي موسم الجليد ، واذكر احدي الصديقات السودانيات قالت تشبيه بليغ حينما رأتهم لأول مرة: ناس عامل زي قناديل عيش الريف..! وعيش الريف كما تعرف ، لديه اغلفة كثيرة ومنسقة قبل ان تصل الى ثمرته..! وحوله تقوم الفزورة الشعبية في ثقافة البقارة التي تقول: بتي بت السلطان مغمغمة بالخـُلقان..! والخــُلقان هي الهدوم ، ومغمغم : ملفعة ولابسة اكثر من كم قطعة..يعني بدل توب زراق واحد بيكون عندها اربعة ، وهكذا.. عشان كده يا احمد لو جيت البراري الكندية في موسم الجليد ما ح تقدر تفرز الشين منو والسمح منو لأنو الناس كلها مغمغمة بالخلقان..! المفارقة ، زي ما انت اتذكرت بائع البطاطين ، انا بتذكر طرفة ، مرة زولة جات تشتري رغيف من سيد الدكان ، فقام سألها سؤال غريب: فلانة شكلك جيعانة؟ فردت بسرعة: جيعانة دارين..!! فالعبارة في خاتمة سردية هشام ، معناها بعيد شديد واظنو وقع ليك..!
كبر
12-27-2016, 09:57 AM
Kabar
Kabar
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 18537
دخولك هنا اثبت خصلة السوداني الذي يجنح لتحويل العنف وترحيله من مكان لأخر..! يعني زي ظاهرة (الأفلانش) لو بتذكرها جيدا أو حصل اتأملتها بصدق..! ما فات عليك يا عثمان ، ان المزاج السوداني اصبح يعرف كيفية التفريق بين الأشياء ، وان من يحرص على لخبطة الكيمان يحرص على سجن ذاته في خنادق معتتة للغاية..! انت كنت تكتب القصة القصيرة ، وتعلم ، بل تتوقع من القارئ ان يحاكم النصوص بصورة مستقلة عن تجربة الكاتب في ذات نفسه ، وهي فكرة (موت الكاتب) ، الفكرة الفلسفية التي قامت عليها نقاشات وخطابات شغلت كل العالم القارئ..! في المدينة التي اقيم فيها ، في المكتبات العامة ، نجد اعمال كتاب سودانيين:ليلى ابوالعلا، امير تاج السر ، عبد الغني كرم الله ، خالد عويس ، وهشام ادم..كتب يقرأها كل من يقرأ باللغة العربية ، وقراء وقارئات لا يخطرون على بال هؤلاء الكتاب..بل اكثر من ذلك لو عرف هؤلاء الكتاب كيف تقرأ اعمالهم هنا ، والمزاج ومسرح القراءة ، لأنفقوا كل ثانية من وقتهم وهم يكتبون لمثل هذا القارئ الخفي الذي لا يرونه..! وصية من ناصح صدوق: لا تتبع ملة العنف المتحول ، لأنها ستكون خصما على رصيدك.. كبر
12-27-2016, 09:58 AM
Kabar
Kabar
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 18537
هشام..حبابك يا صديقي كان المفترض ان اتواصل مع هذا النص بعد مداخلة صديقنا على دفع الله الأولى ، بل كنت ساذهب ابعد من ذلك لأبادلك سردية مقابلة وتقوم على نفس التفاعل مع تجربة السوداني القادم من المدارات الحارة وهو يواجه مواسم الجليد ، ولكني غيرت رأي بعد ان عرفت ان السردية نشرت في كتاب ..وبالطبع لا يعني هذا اني لم اكتب عن التجربة ، قصدي تجربة السوداني مع مواسم الجليد ، فهي مشاهد تسوح في كثير من كتابتنا حبيسة الأضابير..! بطل السردية يقر بانه يكره الأمكنة وانها لا تعني له شي ، ولكن حنينه يخونه وهو يفرح بالأمكنة في طريقة تعدادها ووصفها بدقة ، مما يعني بانها تعني له الكثير الكثير..! التفاصيل تجعلك تقف امام تجربة انسانية حية ، وقعت لبطلها ولأخرين قادمين من المدارات الحارة ، فالتفاعل/التداخل/التواصل لم يعد فقط بين ثقافة وثقافة ، ولا بين الوان اثنية واخرى ولا بين نظام اقتصاد واقتصاد ، وانما بين انسان وانسان ، ذاكرة وذاكرة..! السردية شكلت لي مساحة استراحة لطيفة في ظل اجواء المنبر الكئيبة..! كبر
12-27-2016, 06:47 PM
هشام آدم
هشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249
أشكركَ على قراءتك ومُداخلاتك القيمة. الحقيقة أنَّني اعتبر استخدام صوت الFirst Person مجازفةً خطيرةً خطيرةً جدًا، لأسباب مُتعلقة بمزاج القراءة، وأخرى متعلقة بالكتابة، وما قد ينجم عن هذا الأسلوب من أخطاء قد يقع فيها الكاتب. كنتُ أتمنى أن تفرد لنا هنا سرديتكَ التي تكلَّمتَ، لأنَّ ذلك -بلا شك- مما سوف يُسعدني كثيرًا
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة