حيثيات التشكّل الإقتصادى – الإجتماعى فى السودان، وآفاق التغيير السياسى

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-19-2024, 12:36 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف للعام 2016-2017م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
12-08-2016, 06:03 AM

حسين أحمد حسين
<aحسين أحمد حسين
تاريخ التسجيل: 09-04-2014
مجموع المشاركات: 1281

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
حيثيات التشكّل الإقتصادى – الإجتماعى فى السودان، وآفاق التغيير السياسى

    05:03 AM December, 08 2016

    سودانيز اون لاين
    حسين أحمد حسين-UK
    مكتبتى
    رابط مختصر

    حيثيات التشكُّل الإقتصادى – الإجتماعى فى السودان، وآفاق التغيير السياسى

    (إعادة نشر مع قليل من التصرف)

    فاتحة:

    تتناول هذه الأُطروحة العلاقات الإقتصادية/الإجتماعية والسياسية للواقع السودانى فى السياق المادى التاريخى كمنهج للتحليل، وبعيد عن أىِّ عقائدية، وبدون الإنتقاص من الأدوات التحليلية الأُخرى التى قد يتناولها متناول من منظوره الشخصى. أمَّا لماذا هذا المنهج التحليلى بالذات؛ فذلك لقدرته المحضة على تناول الظواهر الإجتماعية فى إطارها الشامل المتكامل؛ بربطها بمتغيرات تشكُّلِ الأنماط الإقتصادية والإجتماعية، وبعيداً عن الدراسات المجتزءة، والمعمَّمَة جُزافاً على واقعٍ لم تخبِرْهُ ولم تخْتَبِرْه. كما أنَّنى لم أجد بعد، نظرية تُبِذُّها فى القدرات التحليلية والإستقصائية.

    إذاً، هى معالجة غير محرضة بالأيديولوجيا، أى قِوامُها العقل الحُر والتفكير الحُر. وتتعامل مع أدوات التحليل المذكورة بعاليه، كأدوات لنظريةِ علومٍ إجتماعية تُحظى بإحترام واسع فى الأوساط العلمية على مستوى العالم، ومازالت سارية المفعول على سبحِ ثلاثة قرون (التاسع عشر، العشرين والواحد وعشرين)، بل والأكثر فاعلية. وانظر إلى رصيفاتها، إمَّا أنَّهنَّ قبَعْنَ وراء التاريخ، أو ذهبنَ إلى مذبلة التاريخ.

    هناك أسئلة مهمة تحاول أن تتدارسها هذه المداخلة مثل: كيف يؤثر الخطاب الليبرالى فى تشكُّل واقعنا، وكيف تعاطينا/ نتعاطى معه؟ ما هى محددات تشكُّل الواقع الإقتصادى/الإجتماعى والسياسى فى السودان؟ ما هى آفاق التغيير المرتقب، وأين نحن من مسلكه، ومن المستفيد منه، ولماذا تأخر عندنا، وهل من بارقة أمل؟ وتحاول هذه المداخلة أنْ تُجيب علي كلِّ هذه الأسئلة، ليس بذلك النَّفَس الأكاديمى الصارم، ولكن بجديَّتِهِ، وهى مفتوحة للنقاش، وليكن كلُّهُ، بنهايةِ التحليل، فى مصلحة التغيير.

    إضاءة أُولى:

    ربما تساءل إسلامىٌّ من أهل السلطان، وحُقَّ له أنْ يتساءل، لماذا لم تختر النظرية الإقتصادية الإسلامية وأدواتِ تحليلها؟ فها هو محمد باقر الصدر كتبَ عن إقتصادنا وفلسفتنا، وكُتُبُ العلامة يوسف القرضاوى وآخرين، تملأُ الآفاق.

    والرد ببساطة أنَّ المنظرين عن النظرية الإقتصادية الإسلاموية وأدوات تحليلها، بالرغم من الجهد والمساهمات الجليلة التى عُملتْ فى هذا الجانب، إلاَّ أنهم قد إستنبطوا نظريتهم بمنظورٍ خاطئٍ من القرآن والسنة (كتعاليم دينية لا أحد يختلف على سُمُوِّها وقدسيتها وأهميَّتها فى حاياتنا). وقد فعلوا ما فعلوا لسببين، الأوَّل ربما كان عدم الإنتباه لحقيقة النظرية الإقتصادية، وهذا إذا إفترضنا حسن النيَّةِ وحسن الظَّن. والثانى (وهو الراجح عندى) هو التعمُّد لإستنباطها من القرآن والسنة لحاجةٍ فى نفس يعقوب. وهذه الحاجة هى التى تبطئُ بالكثيرين (من أمثالى) من الولوج إلى النظرية الإقتصادية الإسلاموية بفهمها الشائع الآن.

    فحقيقة النظرية الإقتصادية أنَّها نظرية سلوكية، تُسْتَنْبَطُ من سلوك البشر (المفترض أنَّهم مسلمون بطبيعة الحال)، وليس من التعاليم الدينية السامية. واللِّجوءُ إلى التعاليم الدينية السمحاء، له مُرادٌ فى ذهنيةِ هذه العقلية التى تنادى بذلك. وهذا المراد هو إخفاء سلوك المتنطعين بالإسلامِ وغاية نظريتهم الإقتصادية الإسلاموية المجافيين لحقيقة الإسلام وتعاليمِهِ الراشدةِ الزكية. فهم عاجزون، أو أنَّهم غيرُ راغبين، فى التأسِّى بالإسلام بالطريقة الصحيحة (إعمل لِآخرتك كأنَّك تموت غداً)، لأَنَّهم دنيويون فى حقيقةِ أمرهم (ولا بأس، أنْ تعمل لدنياك كأنَّك تعيش أبدا). ولكن هذه العلاقة الجدلية فى حدِّ ذاتها تجعل إستنباط نظرية إقتصادية من التعاليم الدينية المحضة، كلمة حق أُريدَ بها باطل. وانظر إلى المفارقة بين السلوك وتعاليم الدين الحنيف.

    ربما تزرَّعَ أحدُهم وقال: إستنبطناها من تعاليم الدين لأَنَّ السلوك البشرى بطبيعته فى بونٍ شاسعٍ عن الدين؛ ولتماسك واستدامة النظرية ومرجعيتها إستنبطناها من التعاليم الباقية الأزلية، بنية سَوْقِ أنفسِنا والنَّاسِ جميعاً نحو الغايات السامية. وهنا أيضاً يبقى الباطلُ حاضراً.

    فالتاريخ الإسلامى ملئٌ بالشواهد السلوكية النَّاصعة، فلماذا لا تستنبطون نظريتكم منها؟ إنَّه الباطلُ إذاً. فها هم المسلمون المنزَّهون من الغرض، وغيرُ المتنعطِّعين بالإسلام، وغيرُ المتَّخِذينه لافتاتٍ وشِعارات (أيديولوجيا) تحت ظلالها يفعلون السبع الموبقات (الشرك بالله: كشرك الطاعة، أى طاعة السلطان فى أداء معصية كالفساد، السحر: كتسخير الجن للإستراتيجية القومية الشاملة، قتل النفس التى حرَّم اللهُ إلاَّ بالحق: 28 ضابط فى رمضان/مجدى مثالاً، أكل الربا: البنوك الإسلاربوية، أكل مال اليتيم: يصرفون على يتامى تنظيمهم دون اليتامى الآخرين، التولِّى يوم الزحف: وإنَّ موعده لقريب، قذف المحصنات الغافلات المؤمنات: كم من إمرأةٍ لاكوا عِرضَها وحدُّوها بالشبهات، فتاة الكبجاب مثالاً)، قد طوَّروا نظرية إسلامية مرتبطة بالسلوك البشرى، ومأخوذة من سلوك الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين (نظرية الإنفاق/المنفعة اللانهائية، بروفسير الطاهر محمد نور مثالاً، وهو بعد أسمرٌ حُمَّدَ – اْحْمَدْ).

    فهذا العالم الجليل، لم يأخذ نظريتَهُ عن الإنفاق من تعاليم الدين الحنيف، بل من سلوك المسلمين المتحققين بالدين الحنيف، الذين إستبطنوا الدين وتشربوه، فتحول عندهم إلى سلوك، إلى معاملة. لذلك لم يقل سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الدين هو الآيات والأحاديث، بل قال، صلوات ربى وسلامه عليه، الدين المعاملة.

    عليه فالذين يستخلصون نظرياتهم الإقتصادية من التعاليم الدينية يدركون تمام الإدراك أنَّهم يفعلون ذلك ليُغطُّوا على سوءاتهم. فسمُّوا الفسادَ بالتمكين، وتفحَّشوا بزواج المتعةِ الذى حرَّمه الدين، وأدخلوا التشيُّعَ بين السنَّةِ من المسلمين؛ حتى صارتْ حكومتهم خضراءَ دِمَنْ؛ طريرةٌ فى وسطِ فقرٍ متقع. لذلك فإنَّ إستنباط نظرية إقتصادية من سلوكهم إنما يفضحُ أمرهم، وأمر تأسِّيهم بغيرِ الإسلام، وهذا الذى أرجِّحُهُ.

    إضاءة ثانية:

    ربما تساءل ليبرالى/حداثى، أيضاً، عن نظريات التحديث التنموى (Modernization Theories) وأهميتها فى تطوير دول العالم الثالث وتنميتها، تلك التى تتعمد مداخلتك إهمالها وتدلف إلى نظريات الفكر التقدمى.

    والحق يُقال، لم تكن تلك النظريات شراً مستطيراً حينما نتحدث عن الحداثة كمفهوم ثقافى/تنويرى. ولكنَّها فى حيثيات الإقتصاد السياسى قد إرتبطت إرتباطاً وثيقاً بالتنمية كمفهوم أمنى؛ حارس لِإكتمال تمدد النظام الرأسمالى ونشوء الشرائح الرأسمالية فى مرحلة إعادة الإنتاج البسيط، كفاتح أسواق، وكمُصرِّف بضائع، وآخر شئ خطر ببال تلك النظريات هو تنمية العالم الثالث؛ هكذا أراد لها الخطاب الليبرالى أنْ تكون.

    وقد يتساءل ذات الحداثى: إذاً كيف نمتْ آسيا (اليابان، النمور الأربعة، الصين، ومؤخراً الدول الأسرع نماءاً فى العالم)؟ والإجابة أيضاً بسيطة. فهذه الدول منذ مؤتمر باندونج فى عام 1955م، قد وَعَتْ نوايا الخطاب الليبرالى القابض على أدوات التنمية بيدٍ من حديد (لا أحد ينمو إلاَّ حينما نسمح بذلك)، وقد قررتْ أنْ تنموَ من وراء ظهره، بمخالفته ومخالفة أذرعِهِ من مؤسسات التمويل الدولية ومنظمات الأمم المتحدة المتخصصة (Stiglitz 2006). وقد إستفادتْ هذه الدول إستفادة قصوى وحقيقية من جرعات التنمية التى سُمِحَ بها آنذاك؛ أبَّان السماح بتمدد قطاع الدولة (فى مقابل ضعف القطاع الخاص وضمورِهِ) ليقضى على الأشكال اللاَّ – رأسمالية؛ فتجاوزت المفهوم الأمنى للتنمية لتبنى لنفسها نمطاً من الرأسمالية عُرفَ برأسمالية الدولة، أو بنمط الإنتاج الدولنى كما يسميه سمير أمين (أمين 1980).

    لم يكن ذلك ممكناً بمعزل عن نظريات الفكر التقدمى، كنظريات مدرسة التبعية التى فضحت نظريات التحديث التنموى وعرَّتها، وكشفت للعالم كيفية إستخدام الغرب لِأرصدة البترول العربية فى تمويل مشروعات دول العالم الثالث وكيفية إغراقها بالديون لتسيطر عليها وتؤثر على قرارها الإقتصادى والسياسى فيما بعد.

    والأدهى والأمر، وهو ما يؤكد الطبيعة الأمنية للتنمية، أنَّ نظريات التحديث التنموى قد ذابتْ وذهب بريقها تماماً مع نهاية الحرب الباردة. ومنذ ذلك الوقت، فإنَّ المنظرين الليبراليين، لم يألوا جهداً فى الحديث عن موت التنمية (Rist 2002) وموت الأيديولوجيا (فوكاياما 1992). والآن نظريات التحديث التنموى يُستعاض عنها بالحديث عن الحِزَم الإدارية والحكم الرشيد، بعد أنْ أدَّتْ غرضها وذهبتْ إلى مذبلة التاريخ.

    إذاً، فالنظريات الوحيدة التى بقيتْ على قيد الحياة، وعلقتْ ذاكرة التاريخ، هى النظريات التى إرتبطت بهموم النَّاس، هى النظريات التى ساهمتْ فى تفسير الفقر والتخلف على أحسنِ ما يكون التفسير. ولو لا تلك المساهمات الباكرة من الفكر التقدمى منذ القرن التاسع عشر، لما استطاعت آسيا أنْ تنمو من وراء ظهر النظام الليبرالى.

    وهناك عوامل مفصلية أُخرى وذات أهمية بالغة فى إستطاعة آسيا النماء من وراء ظهر النظام الليبرالى، وهو وجود الصين كدولة مِحورية (سلاح نووى، كتلة بشرية، عتاد عسكرى تقليدى) إلى جانب ثلاثة دول نووية أُخرى (الهند، الباكستان، كورية الشمالية)، وربما رابعها إيران.

    هذا الوضع مكَّنَ الدول الآسيوية (مستخدمةً رأسمالية الدولة منهجاً) من النهوض بوتيرة أسرع من نظيراتها فى أمريكا اللاتينية وأفريقيا، وفى تحدى سافر للخطاب الليبرالى ويده الحرة الخفية. وقد كانت هذه اليد الخفية بالمرصاد لتلك التجربة الآسيوية (إذ لا سبيل للمواجهة العسكرية)، وراحت تحيك لها الدسائس والحبائل الإقتصادية، كما فعلت فى 1997م أبَّان الأزمة الآسيوية، ولكن هيهات.

    إضاءة ثالثة:

    فيما يتعلق بمفردتى التخلف والتنمية، سنجد أنَّهما نابعتان من وجع البسطاء، وقد إهْتمَّتْ بهما، إهتماماً بالغاً، نظريات مدرسة التبعية دون سواها. فمثلاً، وردت مفردة التخلف أول ما وردت فى تقرير “وليام بنسون – William Benson ” الموظف بمنظمة العمل الدولية عام 1942م؛ الموسوم “التنمية الإقتصادية للمناطق المتخلفة -Economic “Advancement of Underdeveloped Areas. وهو تقرير نابع من وسط الفقراء وقضايا العمال.

    أمَّا مفردة التنمية (كمقابل للتخلف)، فقد إلتقطها الرئيس ترومان من إجتماعٍ لأفراد الخدمة المدنية الأمريكية، إلتقطها من إقتراحٍ لِأحد أفراد الخدمة المدنية وكان يومها فى درجة وظيفية متواضعة. إقترح عليه أن يعمم المساعدات التى تقدمها أمريكا لدول أمريكا اللاتينية فى شكل برنامج تنموى يشمل جميع فقراء العالم.

    لم يحمل، لحظتها، الرئيس ترومان إقتراح ذلك الموظف محمل الجد، بل وسخر منه (Took it as a Public Relation Gimmick). ومن عجبٍ، يُفاجأُ العالم فى صبيحة اليوم التالى الموافق 20/01/1949م، بأنَّ ذلك الإقتراح قد سمى به الخطاب الرئاسى لترومان “عصر التنمية”. وقد كان الخطاب فى الأصل يتكون من ثلاث نقاط عادية، ولكن أُضيفت إليه نقطة رابعة سميت “عصر التنمية” (Development Age)، وقد إنصبَّ كل الحديث حولها وحدها. ومن يومها ملأت كلمة التنمية الآفاق.

    لقد شغلت تلك الكلمة العالم ببريقها الذى أضفاه عليها الرئيس ترومان، وأصبحت دول العالم الثالث توسع أحلامها وتوقعاتها وترفع سقوفاتها. ولم ينتبه العالم الثالث وقتها إلى أنَّ تلك الأيديولوجيا الإقتصادية تنطوى على كذبةٍ كبيرة. بل لعل الكذبة قد بدأت منذ أنْ سُئل الرئيس ترومان من أين أتيت بهذه الفكرة الخلاقة فقال: “أخذتها من تاريخ الأغريق والأتراك القديمين”. ولكنَّها، كما وضح لكم، هى من قريحة ذلك الموظف الأمريكى الصغير (Rist 2002).

    على أىِّ حال، فإنَّ مفردة التنمية تلك، بالرغم من التغوُّل على حقوق الملكية الفكرية لصاحبها وإغماطِ حقِهِ (لعله لا يبالى)، إلاَّ أنَّها ما كان لها أنْ ترتاد تلك الآفاق على هذا الكوكب لو لا تناول السياسى لها. وتلك لعمرى كذبة من الكذبات التى سيذكرها التاريخ. فبها تمدَّدَ النظام الرأسمالى فى الأطراف (The Peripheries)، وحُوربتْ الشيوعية، وفُتحت الأسواق، وتَصَرَّفتْ المنتجات الصناعية الأمريكية، وبها تعمَّقَ التخلف، لا التنمية.

    إذاً، فنظريات التحديث التنموى لم تبتعد عن مجمل الخطاب الحداثوى الليبرالى الإمبريالى، بل وظف منظروها كل طاقاتهم لِإنتاج علم السلطة التنموى، وضاربين بعرض الحائط سلطة العلم. وقد وقع فى هذا الفخ الأيديولوجى بالطبع علماء الإتحاد السوفياتى الذين أنتجوا معرفة موازية للفكر الليبرالى وأنتجوا نظرياتٍ بعيدةً عن وجدان شعوبهم، فأماتت روح الإبداع، وأقعدت بالإقتصاد حتى ظهور البروسترويكا.

    والغريب فى الأمر، أنَّ بعض الأحزاب التقدمية خارج أوروبا، مازالت تتمسك بأُطروحات أحزابها المصممة فى ظروف الحرب الباردة قبل 1989م. وتلك حربٌ لن تعود، ولن تصلح تلك الأُطروحات لفترة ما بعد الحرب الباردة؛ فترة التمدد الرأسى/التراكبى للنظام الرأسمالى، والحرب بين النَّاس (آخر أنماط حروب رأس المال).

    إذاً، لابدَّ من إستنباط أُطروحات سياسية/إقتصادية؛ تأخذ فى الإعتبار كافة المُحَدَّدَات الإجتماعية الموجِّهة للسلوك البشرى، ومتعفرة بالواقع بعد الحرب الباردة؛ لتتواءم مع تطلعات المجتمع الروحية والمادية التى تشكل وجدانه (الرجاء مراجعة كتابات كريم مروة، المستقبل العربى 1980s)، وإلاَّ لظلَّت أُطروحاتنا نشازاً معزولاً متأنقاً على واقعه، وغير قابل للتطبيق.

    وفى هذا المضمار يُحمد لنظريات التبعية إلتقاطها لسلطة العلم، وإثباتها أنَّ التنمية (تلك التى غابت عن حيثيات نظريات التحديث) ممكنة. ولقد إلتقطت آسيا هذا الأمر باكراً، فنمت برأسمالية الدولة. وسوف نكتشف لاحقا أنَّ الدول الكبرى التى تنادى بالحرية الإقتصادية لدول العالم الثالث، هى أبعد ما تكون عن تلك الحرية بالنسبة للقطاعات الحيوية بالنسبة للبلد. بل سنجد أنَّ دول العالم الثالث قد أفرطت فى التحرير الإقتصادى (السودان مثالاً) بشكل يفوق الدول المتقدمة، وفوق ما تطمع مؤسسات تموليه الدولية. بل أن شعب السودان قد تحمل ويلات سياسات التحرير المُفرِطة تلك، من غير دعم من أىِّ جهة، خاصةً حين تنصلتْ مؤسسات التمويل الدولية من أنْ تدفع المبالغ المخصصة لتخفيف وطئة التحرير الأقتصادى لدولة كالسودان على إثر إنقلاب الإنقاذ فى العام 1989م والعقوبات التى ترتبت عليه.

    يُتبع ...
                  

12-08-2016, 09:02 AM

طه داوود
<aطه داوود
تاريخ التسجيل: 04-29-2010
مجموع المشاركات: 375

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حيثيات التشكّل الإقتصادى – الإجتماعى فى � (Re: حسين أحمد حسين)

    دراسة الأستاذ حسين أحمد التي تناولت العلاقات الاقتصادية/الاجتماعية والسياسية للواقع السوداني مهمـة في ظل التحديات المختلفة التي يعيشها المواطن السوداني في الداخل.

    ذكر الكاتب أن هناك فصول أخرى للدارسة سترد لاحقاً، ولكن، في اعتقادي، أن ما تمّ طرحه حتى الآن غطى جوانب مهمة، ولي بعض الملاحظات على نقد الكاتب للنظرية الاقتصادية الاسلامية، حيث ذكرالأخ حسين أن ما يؤخذ على النظرية الاقتصادية الاسلامية أنها مستنبطة من النص الديني (الكتاب والسنة)،

    أي أنّ واضعيها سعوا إلى إلباسها الثوب الديني وإلى إضفاء شئ من القدسية عليها، بينما الواقـع، حسب رأي الكاتب، يؤكد على أن النظرية الاقتصادية هي نظرية سلوكية “Behavioral Theory”.

    أنا لا أستبعد حضور البعُـد السياسي والمصلحي عموماً لدى منظري الاقتصاد الاسلامي عند وضعهم لأُسس النظرية الاقتصادية الاسلامية، ولكن في اعتقـادي أن النظرية الاقتصادية الاسلامية هي أيضاً نظرية سلوكية في جوهرها.

    نعم السلوك نابع من المجتمع، ولكن الدين أيضاً لا يشـذ عن المجتمع وقيمـه، بل أعتقـد أن الـ Subject Matter للدين (إن صح التعبير) هو المجتمـع نفسـه، ويدل على ذلك الحـديث النبـوي (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق).

    والدين الاسلامي في حقيقته دين تطبيق وممارسة وسلوك، وهذا يشمل بالضرورة الاقتصاد والاجتماع والسياسة.

    إذا تناولنا، على سبيل المثال، المعاملات المالية من المنظور الاسلامي نلاحظ أن الاسلام حرّم الربــا باعتباره أداة استغلال بيد الغني لحاجة المقترض، ولكنه أوجد بالمقــابل أدوات أخرى تظل مربحـة للمقرِض ولكن ملـزمة له بالمشاركة في المخاطر، ومن أبرز أدوات المعاملات المالية الإسلامية: المشاركة، المرابحــة والمضـاربة.

    جهـدكم مقــدّر أخي حســن ونــأمل منكم مواصلة الطرح.

    تحياتــي،،
                  

12-09-2016, 00:23 AM

حسين أحمد حسين
<aحسين أحمد حسين
تاريخ التسجيل: 09-04-2014
مجموع المشاركات: 1281

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حيثيات التشكّل الإقتصادى – الإجتماعى فى � (Re: حسين أحمد حسين)

    الخطاب الليبرالى والتشكل الإقتصادى - الإجتماعى فى السودان:

    لقد كانت اتجاهات التشكل الإقتصادى/الإجتماعى العالمى بعد اكتمال تمدد النظام الرأسمالى فى المركز، أن يتم الزحف إلى الأطراف (Peripheries)، لتلافى ظاهرة ميل الأرباح للتناقص، وبالتالى كان ذلك سبباً فى الاستعمار المباشر للمستعمرات، أبَّان شراهة القومية الإقتصادية أو قل الرأسمالية التجارية.

    وفى السودان، حينما جاء الإستعمار الإنجليزى بنهاية القرن التاسع عشر، وجد أنَّ التشكُّل الإقتصادى الإجتماعى السابق لمجيئه قد أوجد واقعاً كانت فيه مجموعات التجار (القوية اقتصادياً إلى حدٍ ما) وزعماء القبائل، الطرق الصوفية (المؤثرة إجتماعياً)، والأنصار (المنهزمين من الحكم الثنائى الذين كانت لهم السيادة) هى الفئات الإقتصادية الإجتماعية الأقدر على البقاء والتماسك حتى صبيحة الإستعمار. وكان على الإستعمار أنْ يختار توازناته بين هذه القوى الإجتماعية لِإعادة إنتاج نظامه الجديد (فرح حسن أدم 1987).

    وبالطبع كانت هذه المجموعات، هى الأقدر (نسبياً) على تحريك واستنهاض الفلاحة الزراعية بطبيعة وجودهم كقادة بين سكان الريف السودانى. كذلك رأى المستعمِر أنَّ استخدام هذه الفئات فى الجهاز الحكومى سوف يقلِّل من التكلفة الإدارية. هذا إلى جانب أنَّ فئات التجار (من الطرق الصوفية كالختمية) والمرابين (كالمصريين، الأغريقيين، السوريين) قد رسم لها المستعمر دورَ القيام برسملة الإقتصاد المعاشى وتحويله إلى إقتصاد نقدى، ولو جزئياً فى هذه المرحلة من الإستعمار (تيسير محمد أحمد على 1989).

    ولغرس وترسيخ النظام الرأسمالى بين الأنماط الإنتاجية القبل – رأسمالية، فإنَّ المستعمر البريطانى قد رسم نموذجاً محدَّداً لعمل ذلك؛ وهو نموذجاً يحملُ طيَّهُ بواكير سيناريوهات الخصخصة الجارية الآن فى السودان؛ بل أنَّه مارسها قبل أن ينجلى فى عام 1953. وهذا النموذج بهذه الصفة المُخَصُخِصَة، والذى لم تَشِرْ إليه أيَّما دراسة سابقة فى حدود الإطلاع القاصر، قد قام فى البدء على استنزاف فوائض القيمة (كما أشارت دراسات عديدة) بتكريس العمل وأدوات الإنتاج المتاحة آنئذٍ لخدمة النظام الجديد تحت نظام جبرى، ثمَّ سمح للقطاع الخاص الوليد أن يُشاركه فى العمليات الاستثمارية تحت رقابته، ومؤخراً وسَّع للقطاع الخاص بأن يضم فئات اجتماعية جديدة، ومشروعات جديدة؛ وبدأ المستعمر فى بعض الأمثلة ينسحب من بعض مشروعاته ويُملكها للقطاع الخاص؛ وبذلك يكون المستعمر هو أول من قام بعملية خصخصة فى السودان.

    والجدير بالذكر هنا، أنَّ الانتقال من مرحلة إلى مرحلة، لم تكن مسألة فوقية (كما سنرى لاحقاً إن شاء الله)، وإنَّما مسألة عميقة التجذُّر فى التشكُّل الأقتصادى - الإجتماعى الذى بدأ يطرأ على أنماط الإنتاج. وإذا كانت السواقى والشواديف وغيرها من أدوات الإنتاج المحلية البدائية فى المرحلة الأولى من الإستعمار هى الطابع السائد آنئذ، فإنَّ المرحلة الثانية قد شهدتْ تطويراً فى أدوات الإنتاج (طلمبات)، ونوعية العمل (نال نوعاً من التدريب)، وبالتالى علاقات الإنتاج؛ بالقدر الذى أكسبها نُقلة نوعية عمَّا كان فى الفترة الأولى (إذْ أصبح طابعها رأسمالياً، وتراجع الطابع القبل - رأسمالى).

    أمَّا المرحلة الثالثة فقد ذهبت إلى أبعد من ذلك؛ وذلك ببداية ادخال الحزم الإدارية التقنية للمشروعات، وبداية دخول المستعمر مستثمِراً فى مشاريعَ بعينها، وبأدوات إنتاج أكثر تطوراً، وبعمل أكثر تدريباً وأوسع خبرةً، وانتفتْ صِفة القبل – رأسمالية التى لازمت علاقات الإنتاج فى المرحلتين الأولى والثانية، وصرنا نتحدث فى أسوأ الأحوال عن علاقات انتاح لا - رأسمالية.

    إذاً، لتنزيل هذا النموذج على الأرض، فقد كانت هناك قبضة محكمة على الموارد بإدخال تقنيات إدارية صارمة المركزية فى الفترة الإولى من الإستعمار، ثمَّ استمرت ذات القبضة المحكمة مع السماح لبعض الفئات الخاصة (الأجانب ثم من بعد ذلك السكان المحليين) بتملُّك المشاريع الخاصة (زراعية/تجارية) فى المرحلة الثانية من الإستعمار، ثمَّ عمد الإستعمار فى الفترة الثالثة إلى الاستمرار فى المركزية الإدارية، وفى بعض الأحيان نُفِّذت تلك المركزية بأيدى سودانية، خاصةً حين تراجعتْ الدولة الإستعمارية من بعض مشاريعها فى عام 1953م فى مناطق الزراعة المطرية. وفى هذه الحقبة الثالثة تم توسيع دائرة السماح للفئات الخاصة بحيازة مشاريع خاصة (كزعماء القبائل والعشائر والإدارة الأهلية، والوجهاء الإجتماعيين)، ومضاعفة المشاريع لبعض الفئات الخاصة القديمة.

    ولعلَّ إنزال ذلك النموذج على الأرض، وايجاد واستيعاب وكلاء محليين من تلك الفئات الكمبورادورية للعمل وفق منظومته الرأسمالية؛ أؤلئك الذين أُوكِلَتْ لهم مهمة الإستمرار فى تمديد النظام الرأسمالى وسط الأنماط القبل - رأسمالية، قد شجَّع المستعمر على جدولة الاستعمار. لِمَ لا، والنظام العالمى الرأسمالى، قد بدأ يعمل ذاتياً داخل المستعمرات؛ إلى جانب علو صوت حركات التحرر الوطنى، وتحوُّل خط الخطاب الرأسمالى من القومية الإقتصادية الحمائية المُحْتَكِرَة، إلى الخط الليبرالى تحت قيادة أمريكا (Dunn 1974).

    هذه الفئات الكمبورادورية، شكَّلتْ بواكيرِ تَخَلُّقِ الشرائح الإقتصادية - الإجتماعية فى السودان. وتشير الدراسات إلى أنّ الأنصار ومناصريهم قد حُظوا بالقدر الأكبر من المشاريع الزراعية، وأنَّ طائفة الختمية (إلى جانب المشاريع الزراعية التى منحها لهم المستعمر) ومناصريهم قد نالوا الحظ الأوفر من المشروعات التجارية، ومن الإستخدام فى الخدمة المدنية فى ذلك الوقت (تيسير محمد أحمد، المرجع السابق).

    فى هذا الأثناء من تاريخ التشكل الإقتصادى - الإجتماعى على مستوى العالم (المركز والأطراف)، لعِبَتْ الكينزية دوراً مهماً فى حث العالم على الإنفاق عموماً ونقل التقانة والإنفاق الأستثمارى، فانبرتْ نظريات التحديث التنموى للمهمة.

    وعلى غير المقصدِ النبيلِ للاقتصادى البريطانى جون مينارد كينز (مبتدع بريتون - وُدْس)، فقد أراد السياسى أنْ تكون مهمة نظريات التحديث التنموى فى الأطراف مهمة أمنية (تكافح الآثار الناتجة من الإستعمار المباشر وغير المباشر ريثما يكتمل تمدد النظام الرأسمالى بشكل نهائى، تكافح الشيوعية، تفتح أسواقاً للمنتجات الصناعية الأمريكية والأوروبية تحت الإملاءات المؤدية إلى ذلك من قِبَل مؤسسات التمويل الدولى) وبعيدة كل البعد عن الإفعال التنموى.

    وأهم نظرية من بين نظريات التحديث التنموى ذات البعد الأمنى المباشر هى نظرية مراحل النمو لِرُسُّو (ولتْ وِتْمان رُسُّو)، والتى أطلق عليها "البيان غير الشيوعى لتحقيق النمو". تلك النظرية لم تُعرض على جمهور إقتصادى أوّل ما عُرضت فى عام 1961، وإنما عُرضت على جمهور من خبراء المخابرات البريطانية بجامعة مانشستر. وفوق ذلك فإنَّ رسو نفسه هو أحد العسكريين الأمريكيين، وقد خدم فى وزارة الخارجية الأمريكية أيضاً، وكان من ضمن السيناريوهات المنوطة به مكافحة الشيوعية، وفتح أسواق جديدة للبضائع الصناعية الأمريكية (رسو 1959، 1990).

    ولذلك ليس من المستغرب أن تجى نظرية مراحل النمو (وكل نظريات التحديث التنموى) فى السياق الأمنى. وما يدلل على هذا المنحى فى التحليل أنَّ المبالغ (3.5 مليون دولار) التى خصصتها أمريكا فى عهد الرئيس ترومان لما يُعرف بـ "عصر التنمية" ضئيلة للغاية قِبالة المبالغ (19.3 بليون دولار) المخصصة لإعمار أوروبا فى نفس الفترة. بالإضافة لهذا، فإنَّ مجموع المبالغ المخصصة لتنمية العالم الثالث قد قلَّت بشكل كبير للغاية بعد أنْ ضَمِنَ النظام الرأسمالى أنَّ حلقات تمدد نظامه قد إكتملت فى كل جزءٍ من هذا الكوكب (يؤرَّخ لها فوقياً بنهاية الحرب الباردة). كذلك يجب ألاَّ يفوت علينا أنَّ المبالغ التى صرفتها الدول الغربية ومؤسسات التمويل الدولية لتنقذ اليونان من الإنهيار الإقتصادى فى عام واحد منذ سنتين، أكثر من ديون أى بلد نامى على حِدة، منذ إستقلاله حتى يوم النَّاس هذا.

    كان لابد إذاً أن يؤدى غرس ذلك النموذج الرأسمالى الإستعمارى فى الواقع السودانى إلى خلخلة الأنماط الإنتاجية القبل - رأسمالية، وخلق تشكيلات إقتصادية - إجتماعية جديدة على نحوٍ ما مغاير (ربما نسبياً) لسابقاتها.

    يُتبع ...
                  

12-09-2016, 01:44 AM

حسين أحمد حسين
<aحسين أحمد حسين
تاريخ التسجيل: 09-04-2014
مجموع المشاركات: 1281

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حيثيات التشكّل الإقتصادى – الإجتماعى فى � (Re: حسين أحمد حسين)

    إفرازات تنزيل النموذج الإستعمارى فى الواقع السودانى:

    لعلَّ من الأشياء البدهية التى يلحظها الباحث فى هذا المضمار، أنَّ النموذج الرأسمالى الإستعمارى قد أعاق التطور الطبيعى لبنية الطبقات الأجتماعية فى السودان، إذا قارناه بنظيرهِ الذى كان موجوداً فى أوروبا. ولذلك من الصعب الحديث عن أنَّ قطاعاً إقتصادياً بعينه تسيطر عليه مجموعة إقتصادية بعينها قبل الإستقلال.

    ولكن بالرغم من ذلك فقد برزت إلى السطح بعض المجموعات ذات الثقل الإقتصادى النسبى إذا ما قورنت بسواد الناس. ومن الأمثلة على ذلك الأروستقراطية الدينية (الطرق الصوفية والأنصار)، وزعماء العشائر (المنحدرين من أواخر فترة الخليفة عبد الله التعايشى، والتى قويت أثناء الحكم الثنائى حين أُدخل نظام الإدارة الأهلية الذى رأى فيه المستعمر بديلاً لتوظيف المتعلمين السودانيين، خاصة بعد ثورة 1924 ). ومن الأمثلة على العشائر التى آثرها الاستعمار على غيرها: عائلة الهبانية بالدويم، عائلة الزبير حمد الملك بدنقلا، عائلة العمدة سرور رملى بشندى، عائلة أبو سن بمناطق رفاعة وعموم الشكرية (Niblock 1987).

    وما يجدر ذكره هنا، هو أنَّه من بين هذه المجموعات، فإنَّ المجموعات التى استطاعت أنْ ترتبط بشريحة الدولة، هى المجموعات التى استطاعت أنْ تُراكم أموالها، وتُعيد استثمارها (كالمهدية والختمية والهندية). ولعل أهمَّ مجموعة على الإطلاق استفادت من إلتصاقها بشريحة الدولة هى شريحة التجار. بل أنَّ تجربة السودان تقول بأنَّ هذه المجموعة/الشريحة لم تقف فى يوم من الأيام بمفردها دون أنْ تتحالف مع شريحة الدولة (جانيت 1990).

    أما الشريحة البيروقراطية (شريحة الأفندية)، فقد بدأ الإعتماد عليها يزداد، خاصة بزيادة التوسع فى جهاز الدولة الذى تطلَّب تعيين الفنيين، والمهنيين وشبه المهنيين، وكذلك الكوادر الإدارية. ولهؤلاء مهمة أداتية فقط فى ذلك الوقت، تتلخص فى المساهمة فى تشغيل النظام الرأسمالى الجديد، الذى يتحكم فى كل شئونه المستعمر بنفسه. وليس كل الأفندية بالطبع قادرين على تراكم الأموال ليُعاد استثمارها، ولكن الذين يشغلون الوظائاف العليا منهم هم الذين استطاعوا ذلك قبل 1956م ( د. الصديق عبد الباقى حسين 1986).

    هذه المجموعات الإقتصادية، تشكل النخبة الإقتصادية (حلف القوى الإقتصادية المكوَّن من الأُروستقراطية الدينية، زعماء العشائر، التجار، الأفندية/البيروقراط شاغلى الوظائف العليا) التى من بينها اختار الإستعمار أعضاءاً للحكومة الوطنية فى 1952 - 1953م. وهى ذات المجموعة التى اتبعت سياسات المستعمر، حِزوك النَّعل بالنَّعل، بعد أنْ فازت بالإستقلال، وسيطرت على الحياة الإقتصادية والسياسية والإجتماعية آنذاك. هذا الحلف الإقتصادى اليمينى، على غيرِ أهلِ اليسار، كان من أنصار اتِّباع التنمية على طريق التطور الرأسمالى.

    أمَّا الشرائح الأخرى (خارج تحالف القوى الإقتصادية) فهى الشرائح الضعيفة من الفلاحين والرُّحَّل والرعاة، مُلاَّك الحواشات، عمال الريف، عمال الحضر، والشرائح الوسطى والدنيا من الخدمة المدنية. وهؤلاء لا يملكون إلاَّ قدرتهم على الإنتظام فى تنطيمات مجتمع مدنى لإنجاز حقوقهم السياسية والإقتصادية.

    الجدير بالذكر بأنَّ هذه المجموعة ليست متجانسة فيما بينها، ولكنَّ الإختلاف بينها وبين مجموعة حلف القوى الإقتصادية، هو الذى شكل الصراعات الإقتصادية/الإجتماعية، والمواجهات السياسية فيما بعد الإستقلال. وهنا يمكن الحديث عن طبقات ناشئة: كالبرجوازية، الطبقات الوسطى، وفقراء الريف والحضر. وبالرغم من رِخوَوِية هذه الطبقات فى بادئ الأمر، إلاَّ أنَّها شكَّلت المجتمع الرأسمالى الذى يُمكن أن يُعوِّل عليه المستعمِر فى غيابه، والذى رأى معه أنَّه قد وصل ذروته (ونشؤ الطبقات هو ذروة تشكُّل كل الأنماط) وأوجدَ خليفَتَهُ الذى سيعيد إنتاج النظام الرأسمالى فى غيبته، فما كان إلاَّ أنْ أعلن الجلاء.

    1- عينة من السودانيين الذين حازوا على نشاطات خاصة بين 1900 – 1930 فى مناطق مختلفة من السودان:
    _________________________________________________________
    1- أراضى الزبير باشا بمحافظة النيل الأزرق فى 24/04/1906.
    2- أراضى الشيخ بابكر بدرى برفاعة فى 29/06/1914.
    3- أراضى عوض حسنين أبو العلا بسنجة فى 18/10/1916.
    4- تخصيص أراضى حكومية للشيخ متولى ببربر، والتى أُجِّرَتْ بدورها لعبد الله بيه حمزة وعوض الكريم أبو نخيلة فى 05/04/1917.
    5- حيازات سيد عمر الصافى وسيد محمد البربرى بسواكن فى 02/07/1926.
    6- المشروع الزراعى للحاج محمد إبراهيم فرح بمركز شندى 27/07/1926.
    7- المشروع الزراعى للعمدة على جاد الله بمحافظة بربر 22/03/1926
    8- المشروع الزراعى للسير سيد على الميرغنى (رضى الله عنه) بقرية البركل محافظة دنقلا فى 13/12/1927.
    9- 60 ميل هى حيازات السيد عبد الرحمن المهدى بالجزيرة أبا فى فترة العشرينات من القرن المنصرم (تيسير محمد أحمد على 1989م).
    تقارير دار الوثائق المركزية.

    2- عينة من السودانيين الذين حازوا على نشاطات خاصة بين 1920 - 1956 حول الخرطوم:

    _________________________________________
    1- حيازات محمد الحارث الزبير باشا بالجيلى المسجلة فى 08/04/1928.
    2 - حيازات عبد العزيز الزبير باشا بالتُمانيات (قرب الجيلى) فى 28/10/1937.
    3- مشروع عوض أبو العلا الزراعى فى 07/12/1939.
    4- حيازات العمدة سرور محمد رملى فى 01/12/1039.
    5- حيازات السيد على الميرغى (رضى الله عنه) بالخِليلة، فى 02/12/1939.
    6- حيازات متولى العتبانى فى 11/05/1944.
    7- حيازات فلاسان عوض الكردى فى 22/05/1945.
    8- حيازات عبد القادر الزبير 20/02/1945.
    9- حيازات عبد العزيز الزبير 02/11/1945.
    10- حسن الزبير باشا 20/01/1946.
    11- محمد أبو رنات 17/02/1947.
    12 - عبد القادر حاج الصافى 20/04/1947.
    13- عبد القادر حاج الصافى وشركاه 23/04/ 1947.
    14- البشير الشيخ الكباشى 19/06/1947.
    15- المشروع الزراعى لمحمد الخليفة شريف 06/09/1949.
    16- محمد الجميل الزبير باشا 14/04/1951.
    17- وِداعة الله محمد والفاضل الصديق 12/10/1951.
    18- عبد القادر أبو رِجيلة 07/02/1952.
    19- عبد العزيز الزبير باشا 27/05/1952.
    20- ورثة أنتونيو - إبراهيم خليل 29/03/1053.
    21- حيازات دِميترويس أنتونيوس 29/03/1953.
    22- حيازات عوض باشا محمد جيلى 29/03/1953.
    23- حيازات إيمانيويل أنتيونيوس سعد 10/02/1953.
    24- شيخ حسن الدوسوقى 10/06/1955.
    _______________________________________
    تقارير دار الوثائق المركزية.
                  

12-09-2016, 02:10 AM

حسين أحمد حسين
<aحسين أحمد حسين
تاريخ التسجيل: 09-04-2014
مجموع المشاركات: 1281

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حيثيات التشكّل الإقتصادى – الإجتماعى فى � (Re: حسين أحمد حسين)

    محصلة الخطاب الليبرالى والتشكل الإقتصادى/الإجتماعى فى السودان:

    لعلَّ ما يُمكن أن يستفيده الباحث من هذه الحيثية، أنَّ تحقيب التاريخ لا يتم بأحداث فوقيةً عارضة، وإنَّما هو عملية أكثر عمقاً مما هو جارٍ أمام أعيننا، إذْ أنَّه يرتبط إرتباطاً وثيقاً بالتشكُّل الإقتصادى - الإجتماعى. فأحداث كثيرة مرَّتْ علينا فى حياتنا السودانية قد تمَّ تفسيرها بشكل جزئى، إن لَّمْ يكن بشئٍ من التسطيح. ومن بين هذه الأحداث: إستقلال السودان، تصورنا للتنمية، وظاهرة الإنقاذ. هل نحن أنجزنا إستقلالنا، أمْ أنَّ المستعمر أنجز مراده وخرج؟ من منا كان يعتقد أنَّ التنمية التى أُتيحت قد كان مقصودٌ بها تأمينَ سيادة النظام الرأسمالى على غيره من التشكيلات الإقتصادية الإجتماعية القبل– رأسمالية؟ من كان يعتقد أنَّ الإنقاذ تحكم السودان أكثر من ربع قرن من الزمان؟

    إذاً، فالمستعمر مُحرض الذهن بنموذج يود حقنه فى واقعنا الإقتصادى الإجتماعى (قطرة من السم الذى شحنتم به شرايين التاريخ، كما قال الأديب الطيب صالح). وقِوامُ هذا النموذج هو: إعادة إنتاج قسرية لنموذجه فى بادئ الأمر (Subjugation) لِأجل أن يتموضع هذا النموذج على أرض الواقع، إعادة إنتاج لهذا النموذج بالشراكة مع المجموعات الإقتصادية الإجتماعية القابلة للمساهمة فى النظام الجديد، ومن ثمَّ إعادة إنتاج ذاتية للنموذج من الداخل يقودها القطاع الخاص فى نهاية التحليل. ولا غروَ إذاً، أن يترك لنا المستعمر نموذجاً للخصخصة مستتراً فى المرحلتين الأولى والثانية من الإستعمار، وسافراً فى المرحلة الثالثة كما تمَّ فى عام 1953 (حسين أحمد حسين 2001).

    وبُناءاً على هذا الفهم، فإنَّ هناك أحداثاً قد جرتْ فى مسار التاريخ المادى للسودان، قد تمَّتْ قِرأءتها على نحوٍ خاطئ. فمثلاً، إنَّ مصادرة أراضى الأنصار فى المرحلة الأولى من الإستعمار (1899)، واستمالة الختمية والتجار الأجانب، ثمَّ دعم الأنصار الواضح والكبير فى المرحلتين الثانية والثالثة (والختمية وفئات أُخرى بدرجات متفاوتة)، لا يُفَسَّر إلاَّ بأنَّ المستعمر كان يجرى توازناته التى تصون النظام الوليد وتحميه، آخِذاً فى الإعتبار حقائق التشكل الإقتصادى الإجتماعى السابق لمجيئه، وضرورات ومتطلبات إعادة إنتاج النظام الجديد الذى ينشده. لذلك فإنَّ الإتهامات التى كانت تُطلق من وقت لآخر بين المجموعات الإقتصادية الإجتماعية الوليدة بأنَّ فلاناً أو علاناً، ذيل للمستعمر، قد أُسِّسَتْ على قرآءات غير عميقة لهذه الحيثية.

    كذلك، فإنَّ هذا الفهم وهذا التحليل، يجعلنا نقول بكلِّ طُمأنينة أنَّنا لم نجبر الإستعمار على الخروج من بلدنا، خاصةً وأنَّه حاول إسكات ثورتنا بمشاريع الأمن الإعاشى على امتداد النيل الأزرق والأبيض والنيل الرئيس، وقد خرج وفق جدول وضعه هو لنفسه ليكون متزامناً مع العمل التلقائى لنموذجه المتغلغل حديثاً.

    أقول ما أقول، دون المساس بثورة 1924 المجيدة، والمد الثورى للجبهة المعادية للإستعمار، والتى تَيَقَّظَ على أثرهما المستعمر ليُعادى الراديكاليين أثناء وجوده المادى بإستمالة اليمينيين إلى جانبه وتقوية شكيمتهم، أو أثناء وجوده بالوكالة وتدخله الاستخباراتى بجعل الفترات الديمقراطية التى من خلالها يمكن أن يُطل الراديكاليون برأسهم أقصر عمراً، كما سنرى ذلك لاحقاً.

    يُتبع ..
                  

12-10-2016, 01:49 AM

حسين أحمد حسين
<aحسين أحمد حسين
تاريخ التسجيل: 09-04-2014
مجموع المشاركات: 1281

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حيثيات التشكّل الإقتصادى – الإجتماعى فى � (Re: حسين أحمد حسين)

    محددات التشكل الإقتصادى/الإجتماعى الرأسمالى المهيمن:

    1- حول دور الدولة:

    لن أسوق القارئ الكريم إلى ذلك التنظير المستغرق فى التجريد عن طبيعة الدولة الرأسمالية ومزاعم استقلالها النسبى وعدمها، عن الطبقات المسيطرة فى المجتمع. ومن أراده، فليقرأ عن الدولة؛ فالكتابات عنها كثيرةٌ، فعلى سبيل النّذر لا الحصر: فِردريك أنجلز، لينين (بدآئيات الحديث عن الدولة). ألتوسير، بولانزاس، قرامشى (الحديث العميق عن الدولة). سمير أمين، مهدى عامل، كارشيدى (الدولة فى محك التشكل الإقتصادى/الإجتماعى الرأسمالى). حمزة أَلَفى، مخطوطة الدكتوراة لدكتور الصديق عبد الباقى حسين (الدولة فى دول العالم الثالث/السودان). محمد إبراهيم نقد (الدولة المدنية، وإنتاج معرفة جديدة بشأن الدولة الرأسمالية) ... إلخ. ولكن دعونا نتعرف على الدولة الرأسمالية فى محك التشكل الإقتصادى - الإجتماعى وصراع الطبقات فى السودان، فهل يا تُرى كانت بدعاً من أَخَوَاتِها؟

    ما تجدر الأشارة إليه هنا بادئ ذى بدء، هو أنَّه مع هيمنة النظام الرأسمالى على غيره من أنماط إنتاج وإخضاعها للعمل وفق نمط الإنتاج الرأسمالى لِأداء وظيفة رأسمالية، يصعب مع هكذا واقع الحديث عن أنماط قبل - رأسمالية، أو عن حالة إزدواج فيها قطاع رأسمالى حديث وآخر تقليدى (قبل - رأسمالى) يعملان فى إتجاهين متضادين، كلاهما لصالح تشكيلته، كما تقضى بذلك النظرية/النموذج المزدزجة (The Dual Theory/Model). فالشاهد أنَّ الأنماط القبل - رأسمالية لا توجد كأنماط إنتاج، بل كعناصر إنتاج وذلك بفعل تعطيلها بسيادة النظام الرأسمالى الجديد عليها واستغلال وتوظيف عناصرها الإنتاجية (العمل وأدوات إنتاجها البدائية) لخدمة النظام الرأسمالى الجديد (Poulantzas 1978).

    ولكن مع واقعٍ كهذا، فقد حُقَّ لنا أن نتحدثَ عن أنماط إنتاج لا- رأسمالية وليس قبل – رأسمالية. ولمعرفة أنَّ نمطاً ما من الأنتاج رأسمالى بالكلية أم لا، فإننا ننظر فى ثلاثة مستويات فى بنية النظام السائد: الدولة، علاقات الإنتاج، والتشكيلة الإجتماعية. فإنْ كانت الثلاثة مستويات رأسمالية فإننا نقول هذا النظام رأسمالى مائة بالمائة. غير أننا فى التشكل الإقتصادى - الأجتماعى الرأسمالى الذى ساد بعد الإستقلال فى السودان، نجد أنَّ الدولة فيه رأسمالية، علاقات الإنتاج رأسمالية، ولكن التشكيلة الإجتماعية مازالت قائمة على أساس قبلى/عشائرى، وليس على الأساس الإقتصادى أو القطاعى أو الفئوى. وهذا ما يجعلنا نصفها باللا – رأسمالية، أو قل غير مكتملة الرأسمالية.

    إذاً، على أيامِ الجلاء، فإنَّ النظام الرأسمالى كان سائداً على أنماط لا- رأسمالية (أنماط غير مكتملة الرسملة) خاصة فى الريف السودانى. لذلك نجد؛ أنَّ الفئات المستأمنة على صيانة النظام الرأسمالى قد وجدت نفسها وجهاً لوجه مع حالة من التناقض الإجتماعى الحاد بين فئات المجتمع، والتى كان يغطى عليها الأستعمار بقبضته الحديدية ومشاريع الأمن الإعاشية، لحين تمدد النظام الرأسمالى وطغيانه على غيره من أنماط الإنتاج.

    ومع هذه الحالة من الرسملة غير المكتملة، كان لابد من الأستمرار فى المركزية القابضة، وإنْ جاءتْ هذه المرة بإسم الوحدة الوطنية والصالح العام (لخدمة كافة وكلاء التشكل الإقتصادى الإجتماعى). لذلك فالمحافظة على الوحدة واستقرار الدولة طغى هو الآخر على التناقضات والتطور اللامتكافئ بالنسبة للمجتمع.

    فالشاهد، أنَّ للقبضة المركزية أهدافها من وجهة نظر النخبة الأقتصادية (حلف القوى الإقتصادى) المختلفة من وجهة نظر شركاء العملية الإنتاجية الآخرين (العمال/القوى الحديثة)، وهى المحافظة على واقع مراكز القوة التى حُظيتْ بها من قِبَلِ المستعمر. أمَّا من وِجهة نظر العمال/القوى الحديثة، فإنَّهم رأوْا فى استمرار تماسك الدولة الوطنية مصلحة عليا تطغى على مصالحهم الفئوية (وهذا فهم طليعى مُبرأ من الأنانية). كما أنَّ تفكيك الإستعمار وإزالة استبداده وديمقرطة الأنشطة الإقتصادية - الإجتماعية والسياسية هو فى حد ذاته يمثل ميزة لهم مقارنة بأوضاع العمل الإكراهى (Forced Labor) الذى كان سائداً أبَّان الأستعمار. وبالتالى فأنَّنا نجد أنَّ العمال/القوى الحديثة أكثر انتفاعاً من ديموقراطية العملية الإنتاجية (ومن الديموقراطية عموماً) وتوازنها واستدامتها؛ لأنَّ ذلك يمنع استغلال الإنسان لأخيه الإنسان. وتتداخل مع هذا الواقع رغبة أُخرى للخطاب الليبرالى وهى القضاء على أنماط الأنتاج اللا - رأسمالية (عليلة الليبرالية).

    هذا الواقع أدى بالطبع إلى استمرار القبضة المركزية بعد ذهاب المستعمر، الأمر الذى جعل البعض يعتقد بأنَّ الدولة الوطنية الرأسمالية فى السودان تقف على مسافة متساوية ومستقلة عن القوى الإجتماعية السودانية، وأنها تقوم بعملية الإنفاق الحكومى لمصلحة كل المجتمع. ولكن الاستقصاء الدقيق يكذِّب هذه الحيثية. إذْ أنَّ تلك المركزية كانت تخفى وراءها حقيقة أنَّ السياسات الإقتصادية كانت موجهة لخدمة مصالح حلف القوى الاقتصادى حتى منذ حكومة الحكم الذاتى 1952 - 1954م. ولما كانت هذه الحكومة تُدار بواسطة بيروقراط معظمهم من طائفة الختمية (المجموعة/الشريحة التجارية)، فقد وجدنا أنَّ عدد المشاريع التجارية الممنوحة للأفراد قد زاد على عدد المشروعات الزراعية الممنوحة للمجموعة/الشريحة الزراعية تحت قيادة طائفة الأنصار (راجع ملفات المسجل التجارى لتلك الفترة).

    وبذلك يمكننا القول بأنَّ برجوازية الدولة كانت منذ الوهلة الأُولى تتبع نظاماً تنموياً يُراعى مصالح حلف القوى الإقتصادى (خاصة مصالح الشريحة المهيمنة) على حساب الفئات الضعيفة. وبمرور الزمن، فإنَّ المركزية بدأت فى التلاشى ليس لمصلحة البرجوازية الوطنية وحسب (النخبة الإقتصادية فى الداخل)، بل لمصلحة مراكز القوى العالمية أيضاً (International Power Block).

    إذاً يُمكننا القول بأنَّ النخبة الإقتصادية قد فشلت فى خلق إقتصاد قومى متجانس وذلك منذ وقت مبكر (1952-1956)، الأمر الذى أدى إلى تفاقم الفروق الإجتماعية بين أفراد المجتمع، خاصةً بين الحياة المدنية وبين الدولة والمتحالفين معها، وذلك بسبب تكرار النموذج الإستعمارى على أيدى وطنية ولمصلحة حلف القوى الإقتصادى الوطنى والأجنبى.

    وكما هو متوقع أن يزداد الأنفاق الحكومى بعد الإستقلال إلى نهاية الحرب الباردة، لِأجل تمديد النظام الرأسمالى على كافة أصعدة التشكل الإقتصادى/الإجتماعى فى السودان ومحاربة الشيوعية، فذلك يعنى أنَّ وكلاء جدد للإنتاج الرأسمالى تتم إضافتهم باستمرار لمجتمع الرأسمالية السودانية. وكنتيجة لذلك، فإنَّ المجموعات الإقتصادية الناشئة بدأت تدريجياً تزيد من مطالبتها بتوسيع دورها فى عمليات اتخاذ القرار. فالعمال بدأوا يسألون شريحة الدولة (تلك التى من المفترض أنها تعمل لصالح كل وكلاء العملية الإنتاجية الرأسمالية، أى العمال والرأسماليين معاً) تحسين أوضاعهم، وبدأوا بقوتهم الجمعية يتدخلون فى الكيفية التى تدار بها العملية الإنتاجية؛ فنادَوْا بإنصاف العمل، وطالبوا بدور أكبر فى إدارة أوضاعهم. كما أنَّ النخبة الإقتصادية (كأكبر دافع للضرائب) بدأت تطالب بتحسين مناخ الاستثمار، ليتسنى لها دفع الضرائب التى تطالبهم بها الدولة.

    وهكذا، فإنَّ تجارب الحكم المتعاقبة فى السودان تعكس بجلاء، ما جاء آنفاً، فى أنَّ حدة الصراع بين الفسطاط الذى يملك أو قادر على تملك وسائل الإنتاج، والفسطاط الآخر الذى لا يملك سوى قدرته التنظيمية الجمعية للحصول على مكتسباته الإقتصادية والسياسية، هى التى شكَّلت كل أنواع الصراعات فى السودان. لذلك، لما كانت شريحة الدولة فى كل الأوقات منحازةً للشرائح الرأسمالية، فإنَّ حلف القوى الإقتصادى لا يستطيع أن يصل إلى وسائل الإنتاج وزيادة مكتسباته ومصالحه الإقتصادية، إلاَّ بشلِّ الصراع الإجتماعى وإخراص صوت العمل والغريم السياسي الذى يتحدث باسمه، وما كان للطبقات الغنية أنْ تفعل ذلك إلاَّ بتحالفها مع شريحة الدولة. ولذك كان المنتصر دائماً هو حلف القوى الإقتصادى.

    ويتجلى ذلك بوضوح فى عمليات الإنفاق الحكومى، التى وُجدَ أنَّ 60% منها يخدم الطبقات الغنية (إبراهيم الكرسنى 1986م)، خاصةً الشريحة ذات الهيمنة (على أحمد سليمان 1975م). وحتى فى الفترة ذات التوجه الإشتراكى 1969-1971 فقد وُجد أنَّ الخاسر الأكبر هو الفئات الضعيفة (الصديق عبد الباقى حسين 1986م)، وذلك بحسبان أنَّ الليبرالية العالمية ما كانت لتسمح بنظام اشتراكى فى السودان فى ذلك الظرف الدقيق من مرحلة التشكل الرأسمالى على مستوى العالم، خاصةً فى السودان الذى يضم أخطر الأحزاب الشيوعية على مستوى أفريقيا والوطن العربى.

    وعلى إثر هذه الحيثية بدأت تتنامى عندى قناعة أنَّ النخب الإقتصادية السودانية لا ترغب فى العيش فى مناخ ديمقراطى. فالديمقراطية تعنى أنَّ شريحة الدولة عليها أنْ تقف على مسافة متساوية من كل القوى الإجتماعية، وتدير العملية الإنتاجية لصالح كل شركاء العملية الإنتاجية. ولكن النخب الإقتصادية السودانية (وبالطبع من بينها برجوازية الدولة) لا ترغب فى ذلك، والخطاب الليبرالى العالمى لا يرغب فى ذلك، على الأقل فى هذه المرحلة من التشكل الرأسمالى. لذلك، فسرعان ما كان يوحى هذا الخطاب الليبرالى العالمى للشريحة ذات الهيمنة أنْ تسلم السلطة إلى عسكريين من انتخابها هى حين تضيق ذرعاً بمطالبات الفئات الضعيفة لتحسين أوضاعهم.

    ويحدث ذلك لأنَّ الديموقراطية فى السودان مطلب (مع نبله) غير مأمون العواقب فيما يتعلق بتمديد النظام الرأسمالى، وتمرير بضائع الغرب الليبرالى، ومحاربة الشيوعية داخل السودان وخارجه. فقد كان النظام الليبرالى العالمى يتخوف من صُعود الراديكاليين بالقنوات الديموقراطية، وبالتالى يُعيقون تمدد النظام الرأسمالى. ولا غروَ إذاً، أن نَّجد أنَّ مجموع فترات الحكم الديمقراطى فى السودان 11 سنة، ومجموع فترات الحكم العسكرى الشمولى 49 سنة.

    عليه فإنَّ النتيجة الحتمية للسلوك الإقتصادى للدولة القاضى بدعم شرائح النخبة الإقتصادية (خاصةً الشريحة ذات الهيمنة)، يؤثر فى التشكل الإقتصادى الإجتماعى فى السودان ويؤدى إلى وضعية أنَّ القادرين على تراكم أموالهم فى الماضى بدعم المستعمر لهم (على علاَّت ذلك الدعم التوازنى)، سيصبحون الأقدر على تراكم رؤوس أموالهم بتحالفهم مع شريحة الدولة فيما بعد. وذلك يعنى أنَّ المستثمرين الخاصين الذين تدعمهم شريحة الدولة، سيدخلون مرحلة جديدة من عمليات التراكم الرأسمالى، وهى التركُّز الرأسمالى. ومع بداية هذه المرحلة يكتمل تخلق الطبقات الإجتماعية بكافة شرائحها.

    يُتبع ...

    (عدل بواسطة حسين أحمد حسين on 12-10-2016, 02:39 AM)

                  

12-10-2016, 04:53 AM

حسين أحمد حسين
<aحسين أحمد حسين
تاريخ التسجيل: 09-04-2014
مجموع المشاركات: 1281

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حيثيات التشكّل الإقتصادى – الإجتماعى فى � (Re: حسين أحمد حسين)


    2- التشكُّل الطبقى فى السودان:

    لعل القارئ الكريم قد لاحظ أنَّ جينات التشكل الطبقى قد بدأت فى حقبة الإستعمار، ولكنَّها نمت وربتْ فيما بعد ذلك، فكان تخلق المجموعات الإقتصادية، ثم الشرائح الرأسمالية، ثم التناقض الحاد بين الطبقات. ودعونا نلقى بعض الضوء على كيفية التشكل الطبقى لِأهميته فيما سيرد من تحليل وتعليل.

    1- الشريحة التجارية:

    لقد سبقتْ الشريحة التجارية بقية الشرائح الرأسمالية الأُخرى فى التكوين والنمو والتحالف مع شريحة الدولة (بل هى دائمة التحالف معها كما جاء آنفاً). إذْ أنَّها قد وُجدت حتى قبل فترة الحكم الثنائى (البريطانى/المصرى)، ولكنَّها قد توسعت كثيراً بعد الأستقلال (فاطمة بابكر محمود فى: مدثر عبد الرحيم 1986م).

    ولمَّا كانت المجموعة التى تمثل الشريحة التجارية هى واحدة من المجموعات التى تكيَّفتْ على العيش والبقاء مع عسف الثورة المهدية ونقمتها على التجار الأجانب (الحُمرة الأَباها المهدى)، خاصة على أيام الخليفة عبد الله التعايشى، فإنَّها فى فترة الإستعمار الأولى والثانية قد إنتعشتْ إنتعاشاً كبيراً مع ظهور التجار الأجانب والمهاجرين، والتجار من الأُصول السودانية. وفى فترة الأستعمار الإنجليزى، فإنَّ قيادة هذه الشريحة كانت في يد التجار الأجانب والمهاجرين الذين انهمكوا فى أنشطة الإستيراد والتصدير.

    وممَّا يدلل على النضج الباكر لهذه الشريحة كشريحة (وليس كمجموعة إقتصادية)، على خلاف المجموعات الإقتصادية الأُخرى، هو إنشاء غرفة السودان التجارية منذ عام 1908م، والتى تمثل التجار ورجال الأعمال (عثمان أبو كشوة 1994م). وقد كان التجار الوطنيون والذى ينتمى معظمهم لطائفة الختمية، من أعيان هذه الشريحة. وقد إنتعشوا تحت حماية الدولة البريطانية المستعمرة (فى ظل توازنات المستعمر) فى الفترة الأُولى من الإستعمار فى المناطق الحضرية وفى شمال وشرق السودان. حيث أنَّ سيطرتهم على تجارة التجزئة قد أوجدت الأساس المتين لتشكل شريحة البرجوازية التجارية (كارول كولينز فى: مدثر عبد الرحيم 1986م).

    وفى فترة ما بعد الإستقلال، خاصة فى عام 1965م، فإنَّ القادة القدامى لهذه الشريحة (وهم من الأجانب والمهاجرين) قد تراجعوا إلى الخلف بفعل تركيز سياسة السودنة التى بدأت منذ الإستعمار، وبفعل سياسة محاربة الأنشطة الطفيلية (Under-invoicing/Over-invoicing Activities) التى كانوا يقومون بها. وبالتالى صار التجار المنتمون للحزب الوطنى الإتحادى هم قادة هذه الشريحة. هؤلاء التجار الوطنيون لم يكونوا طفيليين فى يومٍ من الأيام، ولكن تلك المجموعات الأجنبية قد نجحت فى مزاولة أنشطتها الطفيلية تحت قيادتهم لهذه الشريحة (الحزب الشيوعى السودانى 1967م).

    وبما أنَّ عائلة الميرغنى عقب الإستقلال مازالت عضواً مهمَّاً فى الشريحة الزراعية؛ إلاَّ أنَّ أعوانهم من التجار الكوارتة، هم الذين شقُّوا طريقهم إلى الشريحة التجارية. والكوارتة بحكم علاقتهم بالحزب الوطنى الإتحادى، قد ولجوا العديد من الأنشطة التجارية غير الطفيلية، كتجارة الحبوب والأقمشة وغيرها. هذه المجموعة من التجار، مع مجموعات أخرى من التجار السودانيين الذين فرخهم التشكل الرأسمالى فى السودان، قد أصبحوا فيما بعد عظم الظهر بالنسبة لحزب الشعب الديمقراطى المنشق من الوطنى الإتحادى (تيسير محمد أحمد على 1989م).

    ومن المظاهر الأُخرى التى تدلل على تطور هذه الشريحة وتغلغلها فى الإقتصاد السودانى هو قيام الإتحاد الإستشارى للمخدمين (ECU) فى عام 1967م، والمعنى بالتفاوض مع الحكومة وإتحاد عام نقابات عمال السودان (SWTUF)، حول مصالح رجال الأعمال الممثلين للشريحة التجارية والصناعية فقط (عثمان أبو كشوة 1994م).

    وفى نحو عقد آخر، طرأ تطور آخر على تشكل هذه الشريحة التجارية، وهو قيام الإتحاد العام لِأصحاب العمل السودانى (SGUB) فى عام 1977م. والذى كان يهدف لخلق علاقات جيدة مع شركاء العملية الإنتاجية والسلطة، بغية النهوض بالإقتصاد الوطنى، مساعدة الحكومة فى تصميم الخطط التنموية وتنفيذها، ورسم وجهات نظر رجال الأعمال فيما يتعلق بهذه الخطط والسياسات الأُخرى ذات الصلة بمصالحهم، مساعدة الحكومة فى مراجعة وتحديث اللوائح والقوانين المنظمة للأعمال الخاصة برجال الأعمال، وتنسيق كل جهود رجال الأعمال بجعل إتحاداتهم المتخصصة منضوية تحت الإتحاد العام (SGUB).

    وعليك أنْ تنظر أخى الباحث/ القارئ الكريم فى كيفية إشرئباب وزحف هذه الشريحة للتأثير فى قرارات برجوازية الدولة وتجييرها عبر الأزمنة (كما سنرى) لصالحها ولصالح التراكم والتمدد الرأسمالى.

    والجدير بالذكر أنَّ الشريحة التجارية كانت دائماً ما تشكل حاضناً (ولو من غير علمها) للشرائح الطفيلية، والتى فيما بعد أصبحت الشرائح ذات الهيمنة المسيطرة على كل شئ. بل واستولت على إتحاد عام أصحاب العمل السودانى، وكونت ما يُعرف "باللجنة الرسالية" لِإتحاد عام أصحاب العمل. وقد كانت رسالتها عقب إستبدال العملة الأوَّل، الإشارة لشريحة الدولة بأنَّ فلاناً متغلغلٌ فى قطاع كذا ويجب أن يحلَّ محلَّه الرأسمالى الرسالى فلان. وعلى إثر ذلك خرجت أسماء رأسمالية راسخة القدم من حلبة السوق، وزُجَّ ببعضهم فى السجون بفخِّ الشيكات المكشوفة، والبعض ترك البلد وهاجر.

    يُتبع ...
                  

12-10-2016, 11:44 PM

حسين أحمد حسين
<aحسين أحمد حسين
تاريخ التسجيل: 09-04-2014
مجموع المشاركات: 1281

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حيثيات التشكّل الإقتصادى – الإجتماعى فى � (Re: حسين أحمد حسين)

    2- الشريحة الزراعية:

    بدأ تشكُّل هذه الشريحة على أيام الإستعمار، بل لعلَّ الإستعمار دعم نشوءَها بشكلٍ رئيس، وهى تمتلك آلافاً من مشاريع الطلمبات الزراعية منذ ذلك الوقت. ومع توسُّع (الرأسمالية) علاقات الإنتاج الرأسمالى، إنضمت أعداد ليست بالقليلة من الرأسماليين الزراعيين إلى هذه الشريحة. ولعلَّ العلامة الفارقة والمهمة فى تشكُّل هذه الشريحة هى النزوع للتركُّز الرأسمالى الزراعى، المتمثل فى مشاريع شراكات المالك والمموِّل على طول النيلين الأزرق والأبيض. هذه الشراكات مكَّنت الممولين (أكبر المنتجين الخاصين للأقطان السودانية) الذين منعهم المستعمر من التوسع فى المشاريع الزراعية بعد حدٍ معين، من زيادة مداخيلهم عن طريق هذا النظام (عمر محمد عثمان: فى الفاتح شاع الدين 1982م).

    هذه الشريحة تضم عدداً من العائلات المرموقة فى المجتمع السودانى ومناصريهم، الذين راكموا أموالاً طائلة من تجارة القطن فى السودان فى الأربعينات وبداية الخمسينات من القرن المنصرم، كعائلة المهدى، والميرغنى، والهندى، وعدداً من المهاجرين كأمثال سعد أبو العلا، عبد المنعم محمد، وعثمان صالح (المرجع أعلاه). ولكن تبقى عائلة المهدى (دائرة المهدى الزراعية) هى قائدة هذه الشريحة لفترة طويلة من الزمن بحسب إمتلاكها لِأكثر المشاريع الزراعية الخاصة فى السودان (تيسير محمد أحمد على 1989).

    غير أنَّ قيادة عائلة المهدى لهذه الشريحة قد بدأت فى التضعضع منذ الأصلاح الزراعى الذى نفذه الشريف حسين الهندى فى عام 1967م. بل وغاب هذا الدور الريادى لِأُسرة المهدى لهذه الشريحة لحين من الدهر على أثر برنامج مصادرة المشروعات الخاصة الذى قام به نظام النميرى عام 1970/71م. وعلى العموم؛ تحت أىِّ قيادة كانت، فإنَّ من الحيثيات المهمة الدالَّة على التطور التاريخى لهذه الشريحة هى تكوين الغرفة الزراعية تحت مظلة إتحاد عام أصحاب العمل السودانى فى العام 1977م.

    غير أنَّ المساهمة المنتجة لهذه الشريحة فى الإقتصاد القومى قد بدأت فى التراجع منذ منتصف السبعينات من القرن الفائت، مع غياب الإنفاق على البنيات الأساسية التى كانت تنادى بإصلاحها الغرفة الزراعية، و تراجع الصرف على التنمية الزراعية. وعليه، لم تجد هذه الشريحة بُدَّاً من الإستثمار فى الخدمات الزراعية طوال عقدى الثمانينات والتسعينات من القرن المنصرم، وبدأت فى التنحِّى عن الإستثمار المنتج.

    وبإيجاز يمكن القول، بأنَّ تراجع الدور المهيمن والمسيطر لهذه الشريحة بين الشرائح الرأسمالية فى السودان يُعزى بالأساس لتدهور البنيات الإقتصادية، وبالمقابل لسيادة وهيمنة العناصر الطفيلية فى الإقتصاد السودانى.

    3- الشريحة الصناعية:

    وبالنظر إلى الشريحة الصناعية، فإنَّها تكاد تكون نسيجَ وحدِها فى السياق السودانى. حيث أنَّ المستعمر لم يعمد إلى الدخول فى إستثمارات صناعية فى السودان، ولم يثبُتْ أنَّه شجَّع القطاع الخاص على الإستثمار فى القطاع الصناعى. وقد هدف المستعمر من ذلك، أن يجعل من السودان (وبالطبع بعض الدول الأُخرى) دولة مستوردة لمنتاجته الصناعية. وقد كان ذلك واحداً من أهم العوامل التى أعاقت التطور التنموى فى السودان (تأخر التنمية الصناعية عامل مهم فى تأخر التنمية عموماً).

    وبالتالى، وكنتيجة لضعف القاعدة الصناعية فى السودان، فإنَّ وكلاء هذه الشريحة من المستثمرين قد ولجوا إلى هذا القطاع بالصناعات الغذائية الخفيفة (Food Processing) وغيرها، كمطاحن الدقيق، صناعة الصابون، إستخلاص الملح، الحلويات، والمشروبات الغذائية، والطباعة (Niblock 1987).

    ولعلَّ رأسمال هذه الشريحة هو فى الحقيقة من الأرباح المعاد إستثمارها (Reproducible Capital) من فوائض أرباح الشريحتين التجارية والزراعية (فاطمة بابكر 1986). غير أنَّ المنحدرين من أصلاب هاتين الشريحتين والمهتمين بالإستثمار الصناعى، يشكلون الأساس والقاعدة لهذه الشريحة الصناعية.

    ومما يجدر ذكره، أنَّ الصناعة من القطاعات الواعدة فى السودان، وتطورها يعتمد على تطور القوى المنتجة والسعة الإنتاجية للبلد (الأساس الإقتصادى للبلد). كما أنَّ أى تحسن فى البنيات التحية للبلد، يقود إلى إنتعاش التصنيع. وصرف النظر عمَّا تحتاجه من راسمال إبتدائى، فإنَّ الصناعة مربحة فى كل مرحلة من مراحل الإنتاج. ولذلك من المتوقع أن يزداد حجم هذه الشريحة، وأنْ تزداد سيطرتها كقوة إقتصادية إذا توقفتْ المعاملات الطفيلية فى البلد.

    ولعلَّ من الملامح اللاحقة والمهمَّة لتطور هذه الشريحة، خاصة فى فترة الستينات من القرن المنصرم، هو قيام العديد من المصانع الخاصة، الأمر الذى أدَّى (فيما بعد) إلى نشؤ إتحاد صناعى (ICU) يمثل هذه الشريحة، ويكافئ الأثر الناتج من إنشاء إتحاد عام نقابات عمال السودان (SWTUF)، الذى صار مدافعاً عن حقوق العمال فى هذه المصانع.

    ومن أهم مظاهر تطوُّر الشريحة الصناعية فى السودان، هو مَيْلُها نحو التركُّز الرأسمالى. وكمثال لذلك، الإندماج الذى تمَّ بين شركات التصنيع الدوائى، وشركة بيطار. وقد كان السبب فى هذا الإندماج، هو نقص المدخلات الطبية لشركات التصنيع الدوائى كنتيجة لشح العملات الصعبة، وتهديد شركة بيطار لها، وهى تمتلك وقتها مدخرات ضخمة من العملات الصعبة، بإجتذاب مُمَوِليها بالمدخلات الطبية، الأمر الذى يعنى إفلاسها. هذا الوضع قاد فى نهاية المطاف، إلى الوصول إلى إتفاق بالإندماج بين الشركتين. وقد سُمِيَتْ الشركة الجديدة "بشركة الخرطوم للمنتجات الطبية". هذه العملية تمَّتْ قبل 1969م، ولكنها دخلتْ حيِّز الإنتاج الفعلى بعد ذلك.

    لقد بلغ تطوُّر هذه الشريحة ذروتَه (كما ذُكر آنفاً) فى سبعينات القرن الفائت حين تأسَّسَ إتحاد الغرف الصناعية تحت لواء إتحاد عام أصحاب العمل السودانى. بل أنَّ هذه الشريحة كانت الشريحة الأكثر والأشهر تأثيراً فى قرارات إتحاد إصحاب العمل السودانى، بإعتبارها رائدة الإستثمار المنتج/الخلاَّق فى السودان.

    ولمَّا كان الغرب لا يريد للسودان أن يتطور صناعياً، فقد بدأ بالضغط عليه ليُقلِّل من الإنفاق على البنيات التحتية منذ سبعينات القرن المنصرم، وخاصة عند منتصف ثمانيناته (العرض الإقتصادى 1984/85م). وفى هذا الوقت بالذات، فإنَّ معظم إستثمارات الشريحة الصناعية إمَّا توقفتْ كليةً، أو كانت تعانى من مما يُعرف بالتشغيل الجزئى (Under-capacity utilization)، أو أنَّها بدأت تجنح إلى الإستثمار فى الخدمات الصناعية.

    4- شريحة البرجوازية الصغيرة:

    إنَّ أوضح سمات التشكل الإقتصادى/الإجتماعى فى السودان تتجلى فى تشكُّل شريحة البرجوازية الصغيرة. وتتكون هذه الشريحة من: كِبار موظفى الخدمة المدنية، صِغارالمنتجين، الشرائح الوسطى والدنيا من الخدمة العامة، وصِغار المزارعين وصِغار المُلاَّك.

    ومن أبرز دلائل تشكل البرجوازية الصغيرة السودانية هو عدم ثبات الفئات الإجتماعية المنتمية إليها فى حيِّزها كشريحة إجتماعية. إذْ كثيراً ما نجد أنَّ فئات هذه الشريحة تتأرجح عُلواً وهبوطاً بحسب الأوضاع الإقتصادية فى البلد. وهذا حالُ هذه الشريحة منذ الإستعمار (تيسير محمد أحمد على 1989م). فمثلاً، على أيام الإستعمار وفى بداية مشروع الجزيرة، فإنَّ بعض صغار المزارعين تحولوا إلى عمال زراعيين، والبعض الآخر من الملاَّك الزراعيين (خاصة زعماء القبائل) تضاعفتْ أملاكُه من الحيازات الزراعية.

    وعلى أى حال، فمنذ تحالف شريحة الدولة مع الشرائح البرجوازية الغنية فى المجتمع على أيام الإستعمار، وحتى سبعينات القرن الفائت، فإنَّ الخدمة المدنية السودانية قد نُظِرَ إليها كوسيلة للتراكم الرأسمالى. لا سيما وأنَّ أعداداً كبيرة من موظفى الخدمة المدنية السودانية فى خمسينات وستينات القرن الفائتْ، قد ولجوا إلى عالم المعاملات التجارية والإستثمار الزراعى، خاصة فى مناطق الزراعة الآلية (Niblock 1987).

    أمَّا فى سبعينات وثمانينات القرن المنصرم، فإنَّ شريحة الدولة قد دخلت طوراً جديداً من التراكم الرأسمالى مع هيمنة الشرائح الطفيلية فى المجتمع السودانى واستشراء الفساد. فقد حازت هذه الشريحة فى هذه الفترة على العديد من المكتسبات الإقتصادية، والأراضى والمَزَارِع حول العاصمة القومية، والشركات التجارية والخدمية (كمير والكرسنى 1985).

    أمَّا فى تسعينات القرن المنصرم، فبإسمِ الصالح العام، فإنَّ أعداداً كبيرة من رجالات الخدمة المدنية، قد أُستُبْدِلوا برجال أعمال من الشرائح الرأسمالية (عبد الرحيم حمدى وعبد الوهاب عثمان مثالاً) وبمغتربين من دول الجوار النفطى، وهم فى الحقيقة من ذات الشرائح الرأسمالية المتماسكة إقتصادياً.

    عليه يمكن القول، بأنَّ الفترة 1989 - حتى الآن، تمثل الفترة التى يصعب فيها تمييز شريحة الدولة كبرجوازية صغيرة مستقلة بذاتها، عن الشرائح الرأسمالية الأُخرى. إذْ أنَّ سياسات التمكين أفقدتْ شريحة الدولة أىَّ معنى للإستقلال النسبى لهذه الشريحة عن الشرائح الرأسمالية، فالكلُّ مُكِّنَ له ليكون رأسمالياً، ومن تبقى زُحزِحَ نحو الفقر.

    5- الشرائح الفقيرة:

    بدأ تشكل هذه الشريحة مع بداية دخول علاقات الإنتاج الرأسمالية فى السودان، أىْ مع بداية إحلال العمل الأجير لمحل صغار المُلاَّك، فى الفترة الأولى من الإستعمار، أبَّان إقامة مشاريعه الإقتصادية التجريبية (كود النَّوْ والزيداب وغيرهما) ومشروع الجزيرة.

    وأهمَّ سِمة لتطوُّر هذه الشريحة، هو نُزوعُها نحو الدخول فى إتحادات ونقابات فئوية (Unionization) فى أربعينات القرن المنصرم (سعد الدين فوزى 1955). وهذا النزوعُ قد تعمَّق نحو الخمسينات والستينات بإزدياد قوى العمل التى بلغتْ 4851500 فى عام 1956م (تيسير محمد أحمد على 1989م). وعددياً، هذه الشريحة تضم ملاين النَّاس الذين لا يملكون قوةً ولامقوماتٍ إقتصادية. وتكمن قوتهم فى قدرتهم الجمعية على التنظيم والإنتظام فى مؤسسات المجتمع المدنى، كإتحاد عام نقابات عمال السودان (SWTUF)، بل هذا الإتحاد هو أهمَّ خُطوة فى تشكُّل هذه الشريحة.

    وبإضافة التشريعات العمالية الجديدة فى عام 1964م، فقد أصبحَت الحَركة النقابية واحدةً من العوامل المهمة فى الشأن السودانى. وعلى إثْرِ ذلك، زادت النقابات الفئوية بشكلٍ ملحوظ، خاصة فى بداية العام 1971م، حيث بلغتْ 546 نقابة مسجلة، وبرقم عضوية بلغ 281607 عضواً (Lees and Brooks 1977).

    وقد بدأت هذه الشريحة فى المعاناة بعد عام 1971. ومنذ ذلك الحين حتى ثمانينات القرن المنصرم، فإنَّ النقابات السودانية قد تم التضييق عليها وهصرها بواسطة الدولة. وفقط، ولمدة قصيرة 1985- 1989 كان المناخ موائماً لعمل معافى للنقابات. ولكنَّه لا يخلو هو الآخر، من إجهاض الشرائح الرأسمالية لِأهداف هذه النقابات، مستعينةً فى ذلك بالأساس بشريحة الدولة التى إنحازت كليةً لمصالح الشرائح الرأسمالية، على حساب الشرائح الضعيفة كعادتها.

    غير أنَّ أكثر معاناة عانتها النقابات، هى من 1989- إلى الآن. حيث تمَّ إخصاء عملها تماماً بإنشاء نقابة المنشئة التى تضم عدداً من الفئات المتناقضة المصالح (وزراء وخفراء) فى كيان نقابى واحد، والأعلى فى الدرجة الوظيفية هو رئيس النقابة (Abdoon SWTUF, 1996). وهذا الإجراء جعلها فى تمام الشلل فى الوقت الراهن.

    6 - شريحة رأس المال المالى:

    ظهرت هذه الشريحة للوجود فى ظل النظام المايو الأسبق. وقد بدأت التفكير فى الولوج لعالم الإستثمار عقب المحاولة الفاشلة للجبهة الوطنية للإستيلاء على سلطة الرئيس نميرى فى يوليو 1976م. تلك المحاولة الفاشلة قد قضت على الأخضر واليابس الذى يملكه أثرياء ما يُسمى بتنظيم الأخوان المسلمين. ومنذ ذلك الوقت، قرر تنظيم الأخوان المسلمين زيادة قدراته الإقتصادية بأىِّ وسيلة خاصة تحت واجهات إسلامية، ليقلِّل الإعتماد على الأثرياء من أعضائه الذين فقدوا الكثير فى حركة 2 يوليو 1976م (ياسر خضر 1990).

    ففى الفترة 1969-1985م، إستطاع تنظيم الأخوان المسلمين أن يُنشئ 29 شركة: 11 منها فى القطاع الخدمى، 9 فى القطاع المصرفى، 5 فى القطاع التجارى، 2 فى قطاع النقل والمواصلات، شركة واحدة فى القطاع المتنوع، وواحدة أُخرى فى قطاع الزراعة.

    أمَّا فى الفترة 1985-1989م، فلم يستطع تنظيم الأخوان المسلمين أن يُضيف إلى رصيده من المنشئات الإقتصادية سوى 8 شركات: 2 فى القطاع الخدمى، 2 فى قطاع النقل والمواصلات، 2 فى القطاع التجارى، واحدة فى قطاع التشييد، وأُخرى فى القطاع المتنوع (حسين 2001). وهنا يبدو واضحاً ما نسميه بزواج المتعة بين تنظيم الأخوان المسلمين ونظام نميرى (29 شركة)، والتضييق والمنافسة الحادة مع الغريمين التقليديين فى فترة الديموقراطية الثالثة (8 شركات فقط). فالآن، وبموجب برنامج الإنقاذ الرباعى لسنة 1986م، فإنَّ 37 شركة مملوكة للأُخوان المسلمين داخلياً، على محك التصفية والمصادرة.

    تُصنف إستثمارات الأُخوان المسلمين بعاليه فى فئتين. الفئة الأولى هى الأعمال الإستثمارية ذات الواجهة الإسلامية التى أُنشئتْ بواسطة البنوك الإسلامية وبواسطة الشركات الإقتصادية، والتمويلية، والتجارية الإسلامية الأُخرى لصالح أعضاء التنظيم (5 بنوك إسلامية، شركة التنمية الإسلامية، شركة الإستثمار الإسلامى، وهذه قد فرخت شركات بدون إضافة صفة إسلامى إليها كمثل: شركة التنمية العقارية التابعة لبنك فيصل، شركة التنمية العقارية والزراعية التابعة لبنك التضامن). أيضاً تحت هذه الفئة تقع المنشئات الخيرية والإغاثية مثل منظمة الدعوة الإسلامية (التى فرخت شركة دانفوديو للتجارة والإنشآءات المحدودة)، ووكالة الإغاثة الأفريقية (التى فرخت شركة الرواسى للتجارة والخدمات). (ياسر خضر 1990). وما يجب ذكره هنا، أنَّ كل هذه الشركات معفية من الضرائب والرسوم الجمركية (قوانين السودان المجلد العاشر، الطبعة الخامسة 1976-1977م).

    الفئة الثانية من إستثمارات الإخوان المسلمين، هى الإستثمارات التى تصب لمصلحة التنظيم كمنظومة سياسية. وتحت مِظلة هذه الفئة أُنشئت العديد من المؤسسات الإستثمارية التجارية والتمويلية داخل وخارج السودان، وهى لا تأخذ صفة إسلامى لِأَغراض التأمين، وتُدار بواسطة كوادر سرية، وتتبع لجسم يُسمى المجلس الإستثمارى.

    يتمركز النوعان من الفئات حول الإستيراد و التصدير، العقارات، والأنشطة التجارية الأُخرى. وهى بلغة الإقتصاد القطاعات غير المنتجة. وبفعل هذه الممارسات (مع عوامل أُخرى بالطبع)، أصبح قطاع التجارة والخدمات هو الأكثر مساهمة فى الناتج المحلى الإجمالى فى بلد الزراعة السودان. وعليك أن تتخيل حجم الإختلالات الهيكلية التى حدثتْ جراء ذلك للإقتصاد الوطنى، خاصةً إذا علمنا أنَّ معدل تسجيل الشركات اليومى فى عام 1989م كان 10 شركات، مقارنة بـ 5 شركات فى الشهر للفترة 1980/1981- 1989م (عبد الرحمن أحمد إبراهيم/المسجل التجارى العام، الإقتصادى العدد 15، 1994م).

    وعليك أنْ تتبيَّن نصيب الشريحة المهيمنة من تلك الشركات العشر التى يتم تسجيلها يومياً والعائد على معاملاتها، مقارنةً بالشرائح الرأسمالية الأُخرى. ولما تعلم أنَّ كلَّ هذه الشركات معفية من الضرائب والجمارك (وربما الزكاة)، يتبين لك حجم الأموال المتراكمة.

    والشاهد الآن، أنَّ هذه الشريحة المهيمنة تمتلك أكثر من 8683 شركة خاصة، وهى فى مجملها تساهم بضريبة أرباح أعمال أقل من 4% (3.5 %) فى الناتج المحلى الإجمالى كما جاء فى ميزانية العام 2013م. ويفيد أمين عام ديوان الضرائب (اليوم السابع: 02/06/2014) بأن ضعف مساهمة الضرائب عموماً وضريبة أرباح الأعمال خصوصاً فى الناتج المحلى الإجمالى راجع لكثرة الإعفاءات الضريبية الممنوحة لشركات عدة: منها شركات البترول، شركات الكهرباء، شركات المياه، شركات تعدين الذهب الأهلية، شركات الصحة.

    وعلينا أن نتخيل أنَّ ستات الشاى والأُورنيشية وأصحاب الدرداقات والعمال، هم بكلِّ صرامة دافعو ضرائب، وكل شركات شريحة رأس المال المالى التابعة للأخوانويين لا تدفع إلاَّ النَّذر اليسير للدولة؛ وجُل هذا النَّذر اليسير تدفعه شركات التعاقد من الباطن التى يملكها المتوالين مع النظام وغيرها.

    تلك ملامح عجولة (وتعوزها التؤدة والروية) عن التشكل الطبقى فى السودان التى حرَّض عليها المستعمر، وكرَّستْ لها الحكومات الوطنية. ومن أراد أن يستزيد، فعليه بالمراجع الظاهرة فى متن المداخلة.

    يُتبع ...
                  

12-11-2016, 00:05 AM

حسين أحمد حسين
<aحسين أحمد حسين
تاريخ التسجيل: 09-04-2014
مجموع المشاركات: 1281

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حيثيات التشكّل الإقتصادى – الإجتماعى فى � (Re: حسين أحمد حسين)

    3- الشريحة ذات الهيمنة (The Hegemonic Fraction):

    لعلَّ من أهم العوامل الدالة على فهم محددات التشكل الإقتصادى - الإجتماعى فى السودان، هو معرفة مركز الهيمنة فى مجتمع ما، أو الشريحة (الشرائح) ذات الهيمنة. والشريحة المهيمنة مصطلح أفرزته البنيوية فى الفكر الماركسى، إشتغل عليه الفيلسوف والمنظِّر البنيوى الماركسى لويس ألتوسير، ومن بعدهِ الألتوسيريُّون كأمثال بولانزاس. غير أنَّ أنطونيو قرامشى يُعتبر صاحب اليد الطولى فى تطوير المصطلح، وترسيخَه فى أدبيات الإقتصاد السياسى العالمى. ورغم المآخذ التى يأخذها عليه بعض الإقتصاديين السياسيين المعاصرين، إلاَّ أنَّه ذوو قدرة تفسيرية عالية لواقع دول العالم الثالث، لا سيما السودان.

    والشريحة ذات الهيمنة (أو المهيمنة)، ليست هى الشريحة الأقوى إقتصادياً وحسب، بين الشرائح الرأسمالية المسيطرة (The power bloc)، بل هى الشريحة التى لها القدرة على التأثير فى قرارات الدولة لصالح حلف القوى الإقتصادى من الشرائح الرأسمالية المسيطرة، وبالقدر الأكبر لصالحها هى داخل هذا الحلف.

    وفى السودان كما بينَّا بعاليه، حاولت شريحة الدولة، فى الفترة التى أعقبت الإستقلال، صياغة سياسات إقتصادية قومية، تختلف عن سياسات الإستعمار هذه المرّة، بالحديث الصريح المباشر فى أنَّها تود أنْ تمهد الطريق للقطاع الخاص فى أن يقوِّى من قدراته الإقتصادية. وذلك يعنى فيما يعنى، بأنَّ القرارات الإقتصادية لشريحة الدولة بدأت تتأثر بمرادات حِلف القوى الإقتصادى. وكما رأينا سابقاً، فالذين كانت لهم القدرة على التراكم الرأسمالى أبَّان الإستعمار، هم الذين كانت لهم القدرة فى التأثير على جهاز الدولة وتجييره لتعزيز قدراتهم الإقتصادية والإجتماعية والسياسية.

    والقاعدة هى: حينما تنتفى الإرادة السياسية الديموقراطية التى تعمل لكافة شركاء العملية الإنتاجية بشكلٍ متوازن، وحينما تنعدم الخطط والسياسات التى توجه الإستثمار العام والخاص نحو القطاعات المنتجة (إستثمارات المستعمر الموجودة بالكاد تكفى لخلق نموذج رأسمالى أُصولى فقط) بشكلٍ رئيس، فإنَّ الشرائح الرأسمالية تميل، بالضرورة، نحو الإستثمار فى القطاعات غير المنتجة وذات العائد السريع الكبير (قليلة رأس المال الثابت، كثيرة الأرباح) وفى زمنٍ قصيرٍ بالقياس.

    وقد رأينا من قبل كيف أنَّ الدولة قد دخلتْ مستثمرةً تبعاً لرغبات القطاع الخاص (وليس العكس). وعليه، فإنَّ الدولة (خاصةً ذات الإنتماء الطبقى، أىْ التى تحالفتْ شريحتها البورجوازية مع الشرائح الغنية فى المجتمع على حساب الشرائح الضعيفة) حين تدخل مستثمرة فى قطاعٍ ما دون الأخر، فإنَّ ذلك يعنى أنَّ ثمة شريحة من الشرائح المسيطرة إقتصادياً فى المجتمع السودانى لها الريادة والهيمنة داخل كتلة الشرائح الغنية. وبشكل أدق، فأنَّ الدولة حين تُنفقُ إنفاقاً إستثمارياً مركَّزاً فى الزراعة مثلاً، يكون ذلك تحت تأثير الشريحة ذات الهيمنة، وهى الشريحة الزراعية بطبيعة الحال. وينشأ ذلك من قدرة هذه الشريحة على التأثير فى جهاز الدولة لتحقيق مكاسب ذاتية.

    وعليه، يُمكن أن نحدد "مركز الهيمنة" أو الشريحة ذات الهيمنة فى السودان، بتحليل الإنفاق الحكومى عبر فترات الحكم المختلفة فى السودان، بتعيين معامل/معدَّل الإرتباط بين حجم الإنفاق الحكومى فى قطاع بعينه، وبين الشريحة المهيمنة فى المجتمع.

    فمثلاً، فى الفترة 1954-1956م، وهى فنياً تقع فى الحقبة الإستعمارية، فقد كان جل الإنفاق الحكومى موجه للخدمات العامة التى تسهِّل عمليات التجارة، وتشكِّل نموذجاً تحتذيه الحكومات الوطنية القادمة. فالإنفاق هنا يمثِّل رغبة المستعمر أكثر من رغبات المجموعات الإقتصادية الناشئة فى ذلك الوقت. أمَّا الفترة 1956-1958م، والتى مازالت متأثرة بالطابع الإستعمارى، فقد كان الإنفاق الحكومى موجهاً للزراعة، والخدمات العامة، خاصةً الداعمة للزراعة، كإنشاء الخزانات وشق قنوات الرى (كما فى إمتداد المناقل)، تحت تأثير الشريحة الزراعية. إذاً فذلك يعنى أنَّ الشريحة الزراعية ظلَّتْ على هيمنتها النسبية والممتدة من فترة الإستعمار.

    وعلى ذلك قسْ، أيها القارئ/الباحث الكريم، وتتبع الإنفاق الحكومى حتى تستطيع أنْ تحدِّد الشريحة المهيمنة فى إطار التشكل الإقتصادى/الإجتماعى فى السودان.

    ومن جُهدٍ متواضع فى هذا المجال، وجدتُ انَّ فى الفترة 1954-1956م كانت الهيمنة للشريحة التجارية بحكم إلتصاقها الباكر ببورجوازية الدولة الإستعمارية، وفى الفترة 1956- 1958 كلتا الشريحتين التجارية والزراعية فى حالة هيمنة متوارثة، ولكن الريادة والغلبة للشريحة الزراعية، وفى الفترة 1958- 1964م الهيمنة لشريحة الدولة، أما الفترة 1964- 1969م الهيمنة لشريحة الدولة والشريحة التجارية والريادة لشريحة الدولة، وفى الفترة 69 – 1977/1976 الشريحة التجارية والصناعية فى حالة هيمنة ولكن القيادة للشريحة التجارية. هذه الفترة هى فترة تخصيص الإنفاق الحكومى للخطة الخمسية لنظام النميرى. وفى الفترة 77- 1985م (يقع فى هذه الفترة تنفيذ الخطة الخمسية المعدلة) الشريحة المهيمنة هى الشريحة التجارية وكانت الغلبة للعناصر الطفيلية سواء كانت داخل شريحة الدولة أو الشريحة التجارية. ولكن حين أصبح النظام غيرَ مستقرٍ، بدأتِ العناصر الطفيلية تتوارى تحت اللافتات الإسلامية لتحافظ على أوضاعها. وقد نالت بذلك إعفاءات عديدة من الضرائب والرسوم الجمركية، ونالت إمتيازات عديدة، جعلتها الأكثر تطفلاً - فيما بعد - على الإقتصاد السودانى.

    فى الفترة 85- 1989م بدأت العناصر الطفيلية داخل الشريحة التجارية تطغى فى الهيمنة بشكلٍ سافر. وبدأت تسود العناصر الطفيلية بين كلِّ الشرائح حتى المنتج منها وانشغلت الفئات الطفيلية بالمضاربات فى الغذاء والعملات والعقَّارات، وذلك نتيجة لتدهور البنية الإقتصادية التى معها أُوقف كل الإستثمار المنتج العام والخاص بضغوط من مؤسسات التمويل الدولية. وزاد على أثر ذلك إرتباط العناصر الإسلاطفيلية بالعالم الخارجى، بنية تهريب أموالها للمحافظة على قيمتها وتأمينها بالخارج، خاصة مع تهديدات الحكومة المتواصلة بتصفية آثار مايو وتصفية الإقتصاد الطفيلى الإسلاربوى، وتحويل تلك الجمل التهديدية إلى برنامج عمل مضمَّن فى حيثيات برنامج الإنقاذ الرباعى لسنة 1986م (أنظر برنامج الإنقاذ الرباعى 1986م). وليس من سبيلٍ لِإستثمارٍ منتجٍ لهذه الإسلاطفيليات مع بنية تحتية متدهورة، ومجال زراعى يسيطر عليه الأنصار ومجال تجارى يسيطر عليه الختمية.

    إذاً كيف تلحق شريحة رأس المال المالى بقيادة الجبهة الإسلامية القومية (ج س ق) بغريميها اللدوديْن؟ ليس من سبيل غير شراء مؤسسات الدولة الخاسرة بسبب تدهور القاعدة الإقتصادية وهى تملك الأموال الطائلة للقيام بذلك، وقد روَّجتْ لهذا الهدف. ولكن هيهات، فقد بدأ يتضاعف علو صوت الشرائح المنتجة منادياً بإصلاح الهياكل الإقتصادية للبلد كما جاء فى برنامج الإنقاذ الرباعى ومحاربة الإقتصاد الطفيلى.

    كيف السبيل إذاً، والنِّية مبيَّتة لتصفية المقدَّرات الإقتصادية للجبهة الإسلامية القومية بواسطة برنامج الإنقاذ الرباعى؟ هذا التضييق الصراعى على الجبهة الإسلامية القومية جعلها تفكر فى تعطيل تنفيذ برنامج الإنقاذ الرباعى بأىِّ وسيلة مهما كلف الثمن، فراحت تعالجه بإنقلاب عسكرى فاشل عام 1986م بقيادة البشير نفسه (أنظر مجلة الدستور العراقية يونيه 1986م).

    ولمَّا فشل الإنقلاب، بدأت (ج س ق) تصرف نظر الحكومة من الإقتصادى للسياسى، مذكرةً إيَّاها بالتدهور المريع الذى طرأ على القوات المسلحة، وسقوط الكرمك وقسيان. وبالفعل بدأت (ج س ق) تطرق على هذا الوتر، وزادت عليه بافتعال الأزمات (كان التجار الأخوانويون يشترون أقوات المواطنين ويلقون بها فى البحر، كما قال أحدهم) حتى تمكنت من عمل الإنقلاب الذى يُحافظ على مصالحها، وطبقت برنامج الإنقاذ الرباعى بحزافيرهِ لصالح عضوية تنظيمها.

    فالرباعى نادى بتصفية الإسلاطفيليات، وهى قد مكَّنتْ لها، الرباعى نادى بالإصلاحات الهيكلية للإقتصاد، وهى قد باعت مؤسساته لمنسوبيها وأمعنت فى إضعاف تلك الهياكل، الرباعى نادى بعدالة توزيع الثروة والدخل، وهى قد كرستهما لصالح عضويتها، الرباعى نادى بالإهتمام بالتعليم والصحة، وهى قد (سرقتهما) موَّلت بترولها بـ 50 % من مخصصات التعليم والصحة (زائد تحويلات السودانيين العاملين بالخارج) (تقرير وزارة المالية والبنك الدولى 2003).

    إذاً، فالفترة 1989- للآن، تمثِّل الفترة التى سادت فيها العناصر الأكثر تطفلاً (Ultra-parasitic) على الإقتصاد السودانى بين كل الشرائح الرأسمالية، خاصةً تلك التى نالت حظها من التمكين.

    يُتبع ...
                  

12-11-2016, 01:50 AM

حسين أحمد حسين
<aحسين أحمد حسين
تاريخ التسجيل: 09-04-2014
مجموع المشاركات: 1281

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حيثيات التشكّل الإقتصادى – الإجتماعى فى � (Re: حسين أحمد حسين)

    1-3 الإنقاذ (شريحة رأس المال المالى المهيمنة)، ما لها وما عليها منذ عشية إنقلابها إلى الوقت الراهن:

    لعلَّ إنقلاب الإنقاذ هذا، من أكثرِ الإنقلاباتِ حظاً فى تاريخِ الإنقلابات الرأسمال - عسكرية فى السودان، لأنَّه جاء والعالم كل العالم، مشغول بإنهيار المعسكر الإشتراكى فى عام 1989م. فزوال الشيوعية المتزامن مع قيام الدولة الدينية فى السودان فى ذات العام، إعتبره كثيرٌ من البسطاء بركةً أحلَّتْ عليهم من السماء، فراحوا يعتنقون المشروع الحضارى.

    كذلك فإنَّ إعلان الإنقاذ الباكر والصريح لسياسة التحرير الإقتصادى، حبسَ الغرب عن ممارسة أىِّ فعل مادى يتجاوز الشجب والإدانة، فصبَّ كلُّ ذلك فى مصلحة الإنقلاب ومناصريه.

    كما أنَّ المعارضة السودانية، كما سيجئ لاحقاً، كانت فاقدة لِأىِّ نوعٍ من أنواع القدرة المفضية إلى إستعادة السلطة الديموقراطية المغتصبة، كونها واقعة خارج مناخ الحرب الباردة بعد إنهيار المعسكر الإشتراكى، مع ما يعنيه ذلك من إيقاف الدعم لكلِّ حركات المُمَانعة ومجموعات الضغط التى خُلِقتْ لحفظ التوازن العالمى فى السابق. فالعالم الآن متجانس، تسودُهُ كلَّه الرأسمالية، فما جدوى الإنفاق على مثل هذه الحركات الآن! فلتُتْرَكْ لقدرها، لسأمها، ولحروبها الداخلية، "للحروب بين النَّاس".

    يتبع ...
                  

12-11-2016, 02:26 AM

حسين أحمد حسين
<aحسين أحمد حسين
تاريخ التسجيل: 09-04-2014
مجموع المشاركات: 1281

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حيثيات التشكّل الإقتصادى – الإجتماعى فى � (Re: حسين أحمد حسين)

    3- 1-1 الإنقاذ ما لها وما عليها عشية الإنقلاب:

    يتفق معظم الإقتصاديين والمراقبين للشأن السودانى على أنَّه لم يكن هناك ثمَّةَ ضررٍ وشيكٍ يُحيقُ بالأُمَّة السودانية عشية إنقلاب الإنقاذ المشئوم، ليجعلها على أعتاب تغييرٍ دراماتيكى، لينقذها ممَّا هى مقبلةٌ عليه. والحدث الجلل الوحيد هو أمطار وفيضانات العام 1988م. والمعروف عن مثل هذه الكوارث أنَّها تُحدث ربكة لوجستية، حتى إنْ كان كلُّ شئٍ فى وفرة، وقد تمَّ تجاوزها. فلا يوجد شئ، غير المصالح الذاتية والأنانية، فى إطار صراع الطبقات، ليشكل دافعاً لِإنقلاب عسكرى.

    الأيديولوجى:

    من الناحية الأيديولوجية لعلَّنا نلاحظ أنَّ العدمية والإنتباذية من الصفات الملازمة للعقل العقائدى فى السودان. فالنبر الحاد الإقصائى المضمَّن فى حيثيات خطاب ثورة مارس – أبريل 1985م المجيدة: "كنس آثار مايو"، و "تصفية البنوك الإسلاربوية"، هو نبرنا نحن، نبر الأحزاب التقدمية، وليس بالطبع نبر شرائح النخب الإقتصادية (التجارية، والزراعية) التى تواطئت معنا (أو تواطئنا معها) لِإسقاط النظام المايوى. فشرائح النخب الإقتصادية لا تُقصى بعضها البعض (إقصاءاً دائماً) فى اللعبة السياسية، فكثيراً ما تُقدِّمُ سبتاً لتجده أحداً يوماً ما. ولكنها إكتفتْ بفعل قانون الغِلاب الطبيعى والتلقائى (The Crowding out)، فى إخراج الجبهة الإسلامية من حلبة السوق. وهو على أىِّ حال نوع من الإقصاء الناعم المشروع، الذى لم تحتمله الجبهة الإسلامية القومية، ناهيك عن النِّية المبيتة أصلاً لتصفيتها إقتصادياً كما نادى بذلك نبرنا الراديكالي وأيديولوجياتنا السياسية.

    هذا الإقصاء، والذى تحول، بعد عام من إنتفاضة مارس - أبريل، إلى برنامج عمل فى عام 1986م، بموجب مقتضيات برنامج الإنقاذ الرباعى هو، فى تقديرى المتواضع، الذى حفَّز شريحة رأس المال المالى (ذات التوجه العقائدى) لتقوم بإنقلابها المشئوم فى عام 1989م. إذْ كيف، بعد سنواتٍ من زواج المتعة بين برجوازية الدولة المايوية وشريحة رأس المال المالى المهيمنة، والذى أكسبها ما أكسبها من نعيمٍ مقيم، تسمح الجبهة الإسلامية بتصفية مُقدَّراتِها الإقتصادية؟

    إذاً، الهَمُّ الأكبر لهذه الشريحة هو إيجاد وسيلة تحافظ بها على مقدَّراتها الإقتصادية، والتى لا سبيل للمحافظة عليها هذه المرة بالتحالف مع شريحة الدولة المُسيْطَر عليها بواسطة الغريمين التقليديين (الشريحة الزراعية والشريحة التجارية) اللذان يبيتان النية لمحاكمة هذه الشريحة على فسادها؛ فلا مناص من الإنقلاب العسكرى.

    الإقتصادى:

    أمَّا من الناحية الإقتصادية، فلم يكن الوضع الإقتصادى عشية الإنقلاب، بالسوء الذى روَّجتْ له أيديولوجيا الجبهة الإسلامية القومية، خاصةً لبلد خارج للتو (قبل أربع سنواتٍ فقط) من أسوأ أنواع الديكتاتوريات، وكل عثراته آنئذٍ هى من تداعيات النظام السابق، وافتعال الأزمات بواسطة تجار الجبهة الإسلامية القومية أبان الديموقراطية الثالثة، والذى شهِدَ به بعضهم، بأنَّهم كانوا يلقون بالسكر والغلال فى جوف النيل. ولعلَّ برنامج الإنقاذ الرباعى كان كفيلاً بأنْ يخرج البلد من المستنقع المايوى، ذلك الذى خلَّف للديموقراطية الثالثة 14.3 مليار من الديون الخارجية، ومجتمع يرزح تحت وطأة الفقر.

    لم تثبت أىُّ حالة من حالات الفساد ضد أِّى شخص فى فترة الديموقراطية الثالثة، وقد فنَّد القضاء كل مزاعم السلطة، وفضح أمرها. ولكن يؤخذ على الديمقراطية الثالثة، إرتهانها الكامل لمؤسسات التمويل الدولية، والقاضى بإيقاف الصرف على التنمية وتقليل الصرف على الخدمات الإجتماعية، مقابل تجنيب بعض العملات الصعبة لمقابلة سداد الديون.

    هذا الأمر أدَّى إلى وجود واقع شبه إستاتيكى، وربما معدل نماء سلبى للإقتصاد القومى فى ذلك الحين، ومردُّهُ بالأساس كما جاء أعلاه إلى الخضوع الكامل لمؤسسات التمويل الدولية. ولكنَّ النجاح المنقطع النظير للموسم الزراعى 1988/1989م، قد جعل البلد تتوازن قليلا، لو لا سرقة الديموقراطية تحت ليلٍ بهيم.

    السياسى:

    سياسياً، لايوجد مبرر للجبهة الإسلامية القومية بأنْ تقوم بإنقلاب البتة، فهى شريك فى السلطة بعدد من الوزراء، يوازى حجمها فى البرلمان. وهى مسئولة، على قدم المساواة، من أىِّ ضرر يلحق بالسياسى والإقتصادى معاً. فكانت تفتعل الأزمات الإقتصادية لتهيئ لواقع سياسى معين كانت هى النشاز فى كل معادلاته السياسية بما تضمُرُهُ وتُحيكه فى الظلام ضد هذا الشعب الكريم، الذى من حقه عبر حكومته المنتخبة أنْ يتقصَّى من حالات الفساد ويُبترها بالطرق الديموقراطية والقانونية المشروعة.

    أقولُ ما أقول، وكل الأحزاب السياسية المشكلة للحكومة (بما فيها الجبهة الإسلامية القومية) وقئذٍ لا تخلو من التحاصص، وجيشها فى غاية الإرباك والإنهاك، بسبب الضربات المتلاحقة من قِبَل قوات الحركة الشعبية، ونقص الإمدادات العسكرية و الغذائية، مما أدى إلى سقوط الكرمك وقيسان، وبعض مدن الجنوب.

    غير أنَّ كل ذلك لم يكن كافياً ليبرر إنقلاباً على نظام ديموقراطى، وكان من الممكن معالجة تلك القضايا برلمانياً، كما تجلَّى ذلك فى مسعى السيد محمد عثمان الميرغنى (رضى الله عنه) وإتفاقية كوكادام. والدليل على عدم توفر أركان مسوغ للإنقلاب، هو أنَّ الإنقلاب أفقد الإنقاذ كلَّ معنىً للشرعية السياسية فيما بعد، وجعلها فى وضع لا تُحسد عليه، خاصةً فى سنوات عمرها الأولى. وإلى اليوم الإنقاذ تحت الحصار الإقتصادى والعسكرى من قِبَل العالم الخارجى، ويُضيَّقُ عليها دبلماسياً بسبب سِجِلاَّتِ الإرهاب وحقوق الإنسان، ومن ثمَّ الملاحقة الدولية بسبب جرائم الحرب المتصلة والمتلاحقة ضد منسوبى النظام إلى يوم النَّاس هذا.

    محصلة هذا المشهد، هو أنَّ الإنقاذ جاءت إلى الوجود، لتنقذ المقدّرات الإقتصادية للجبهة الإسلامية القومية من التصفية وليس لِإنقاذ البلد، وبالتالى تبديد الإقصاء المُضمَّن فى الخطاب الأيديولوجى لثورة ماريل (مارس/أبريل) 1985م. وكما سيجئ لاحقاً فإنَّ كل سلوكيات الإنقاذ، لا تمت إلى إنقاذ البلد بصلة، بل كانت معنية بإنقاذ القوة الإقتصادية للجبهة الإسلامية القومية، وحمايتها والتمكين لها.

    فاجتمع المجلس الأربعينى للجبهة الإسلامية القومية (والعهدة على السيد أحمد عبد الرحمن، خيمة الشروق 2010م)، وزيَّن لنفسه الباطل، وقال فى دعائه: "يا الله، لئن تهلك هذه العصبة، فلن تُعبد فى الأرض". ولنرى فيما يلى كيف وبأىِّ عملٍ تقرَّبتِ العصبةُ الحاكمة للهِ عزَّ وجلَّ الطيِّبِ، الذى لا يقبل إلاَّ الطيِّب.

    ينبع ...
                  

12-11-2016, 02:41 AM

حسين أحمد حسين
<aحسين أحمد حسين
تاريخ التسجيل: 09-04-2014
مجموع المشاركات: 1281

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حيثيات التشكّل الإقتصادى – الإجتماعى فى � (Re: حسين أحمد حسين)

    3 - 1 - 2 الإنقاذ منذ صبيحة الإنقلاب (Today or never again):

    كنا نتوقع أنْ تُجابه الأيديولوجيا الراديكالية الإقصائية المضمنة فى برنامج الإنقاذ الرباعى لعام 1986م (تلك القائمة على مشاهدات ملموسة لفساد الشريحة المهيمنة آنئذٍ) بحقائق واقعية تُثبِتُ أنَّ ثمة ما يُبرِّر قيام إنقلاب عسكرى (فالأيديولوجيا تعريها الحقيقة)، وهو ما لم يحدث. ولكن أنْ تُجابه تلك الأيديولوجيا بأيديولوجيا مضادة - لا بالحقائق، فذلك يعنى أن وراء الأكمة ما وراءها.

    هذه الأيديولوجيا المضادة إستلهمت كلَّ الإرث الإنسانى (ليس الدين الإسلامى وحده) الذى يُوصِل مجموعة من النَّاس إلى سدةِ الحكم بالجبرية والقهر. ولم تتورع (وهى بعد تستبطن الإسلام) أن تستجير حتى بمقولات لينين (Today or never again) كما وشى بذلك السيد أحمد عبد الرحمن؛ تلك الماركسيات التى أصبحت فيما بعد منصات لهجومها كلما حاولت المعارضة الإجتماع على قلبِ رجلٍ واحد لمواجهة الإنقلاب الأخوانوى (نداء السودان مثالاً).

    وعلى فكرة، بالرغم من أنَّ مشاهدات فساد الشريحة المهيمنة كان ملموساً، إلاَّ أنَّ البرنامج الرباعى لعام 1986م ذا النبر الأيديولوجى الراديكالى، لم يحدد الكيفية التى أصبحت بها الجبهة الإسلامية القومية "طفيلية الطابع"، وكيف أصبح إقتصادها الأسلامى "إسلاربوى". ولم يحدد كيف تُكنس "آثار مايو"؛ وإنَّما تُرِكَ الأمرُ هكذا أيديولوجياً. وحتى الكتابات التى تحدثت عن طفيلية الجبهة الإسلامية القومية (د. صدقى كبلو، الطبعة الثانية، 2007) مع كامل إحترامنا لها، لم تستطع تعيين تلك الطفيلية .

    وهناك سؤال مهم، وهو أنَّ الفترة منذ منتصف سبعينات القرن المنصرم، وبشكلٍ جلىٍّ منذ بداية الثمانينات من ذلك القرن، شهدت جنوح كل الإقتصاد وشرائحه المنتجة (الزراعية، التجارية، الصناعية) نحو الطفيلية وإنْ بدرجاتٍ أقل؛ بسبب تدهور البنيات الأساسية، والعجز عن صيانة إقتصاد معافى، وإيقاف الإنفاق الإستثمارى المنتج لمقابلة سداد الدين الخارجى. فلماذا لم يتحدث البرنامج الرباعى لعام 1986م عن تصفيتها؟ أَلِأَنَّها حليفتنا؟ لماذا هذه الإنتقائية؟ إنَّها الأيديولوجيا عليها اللعنة.

    وبالمقابل، عدم تفنيد الإنقاذ لِمزاعم برنامج الإنقاذ الرباعى لعام 1986م القاضى بفساد الجبهة الإسلامية القومية، يعكس بالضرورة حقيقة ذلك الفساد. والأتَيَان بأيديولوجيا بديلة مضادة، هو محاولة لصرف الإنظار عن تلك الحقيقة. والأيديولوجيا بطبيعة الحال؛ سواء جاء بها البرنامج الرباعى لعام 1986م، أو جاءت بها الجبهة الإسلامية القومية، فهى لامَّة للغث والثمين. وهذا المضمون اللاَّم، الذى عكسه بجدارة الخطاب الأول للسيد الرئيس البشير (راجع مقتطفاته الرئيسية هنا: http://www.alsahafa.sd/details.php؟articleid=30403andispermanent=0)،http://www.alsahafa.sd/details.php؟articleid=30403andispermanent=0)، هو فى الحقيقة جزءٌ من صميم تعريف الأيديولوجيا، والتى تعنى:

    المنظومة الكلية لنسق من الأفكار والتصورات (تذهُّنات، توهُّمات، معتقدات، أفكار، مفاهيم، وعى زائف، عِلْم) المُحَدِّدَة عاطفياً لرؤية الفرد أو الجماعة، فيما يتعلق بعناصر الكون (الطبيعة، المجتمع، الإنسان) بغرض التأثير عليها وسوقها نحو غايةٍ يٌعتقد أنها الحق؛ ولها أدواتها لتحقيق ذلك. إذاً، فالأيديولوجيا (زور - نور) لها القدرة على الأتَيَان بمبررات لسلوكِ الأفراد المعتنقين لها، والنظام الذى يُمثلها والدفاع عنهما. وهى أيضاً دينامية، إن لَّمْ تكنْ مائعة، وتتكيَّف بإستمرار مع مستجداتِ مُحيطها لتتخلَّص من توهماتها ووعْيِها الزائف. فهى قابلة لِأنْ تتطوَّر وتتحوَّر (تتدغمس)، وتخمل/تختفى وتظهر من جديد (Freeden 2003).

    لذلك، بعض النَّاس بدأ يعتقد إعتقاداً خاطئاً بأنَّ الإنقاذ ليست لها أيديولوجيا. وهذا الخطأ ليس كلُّهُ خاطئاً؛ وإنَّما يُعبر عن مرحلة لاحِقة من مراحل دينامية أيديولوجيا الإنقاذ؛ هى مرحلة إخراج الوعى الزائف.

    والشاهد فى الأمر، أنَّ خطاب الإنقاذ حشوهُ الأيديولوجيا، ولا شئ غير الأيديولوجيا، بل هى تتعبَّد بالأيديولوجيا الدينية وهجرتْ جوهر الدين الإسلامى. وذلك بطبيعة الحال للأسباب المذكورة بعاليه؛ أى ليس ثمة ما يستدعى إنقلاباً من وجهة النظر القومية. فعولت فى بداية الأمر على الأيديولوجيات التى تشى بحيادية شريحة الدولة عن الشرائح المسيطرة فى المجتمع، وسرعان ما ظهرت الحقيقة حين أشهرتْ الإنقاذ إنتماءَها للجبهة الإسلامية القومية. ومن ثمَّ دلفت إلى الأيديولوجيا الدينية التى إهترأت هى الأُخرى فيما بعد وأصبحت عاجزة عن ستر مخالفات النظام الدينية (بل أصبحت لا تستدعى أيديولوجيتها الدينية إلاَّ حين تجتمع المعارضة على قلب رجلٍ واحد) وعاجزة عن تمويه سوءاته وفساده.

    وأخيراً بدأت تعول على أيديولوجيا المنجزات الإقتصادية (كبارى وسدود وبترول) التى هُتِكَتْ هى الأخرى عندما علم السودانيون أنَّ كل الكبارى والسدود معمولة بقروض أجنبية، وأنَّ البترول وُزِّعَتْ جلُّ عائداتِهِ على منسوبى النظام خارج الدورة الإقتصادية للبلد. والآن، وبعد دورة كاملة من التراكم الرأسمالى ها هى تُلوِّحُ بإنعدام البديل المكافئ لها، وهى ورقتها الأخيرة.

    يُتبع ...
                  

12-11-2016, 02:54 AM

حسين أحمد حسين
<aحسين أحمد حسين
تاريخ التسجيل: 09-04-2014
مجموع المشاركات: 1281

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حيثيات التشكّل الإقتصادى – الإجتماعى فى � (Re: حسين أحمد حسين)


    1-2-1-3 وقفة مع خطاب الرئيس البشير فى 30/06/1989م:

    كعادةِ كلِّ الأنقلابيين، أطل علينا الرئيس البشير فى 30/06/1989م بخطاب (راجعه بعاليه) أيديولوجى، ترشحُ منه مكراً أيديولوجيا برجوازية الدولة المتظاهرة بأنها فى نأى عن الطبقات المسيطرة فى المجتمع السودانى، أو على مسافةٍ متساويةٍ من كلِّ الطبقات الإجتماعية. وكان ذلك كذباً صُراحاً؛ إِذْ أنَّ الرئيس يعلم مسبقاً ومنذ الوهلة الأُولى أنَّه يقود إنقلاباً عسكرياً بإسم الجبهة الإسلامية القومية. إلاَّ أنَّه أراد أن يكتبَ، أوَّل ما يكتبُ، فى صحيفته السياسية أنَّه كذَّاب. قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: "أيكذب المسلم؟ قال لا". وهذا النفى القاطع من الصادق المصدوق "صلوات ربى وسلامه عليه"، ينفى وينسف أىَّ صفة إسلامية تتنطع بها الإنقاذ (الجبهة الإسلامية القومية) حتى إشعار آخر.

    إذاً، هذه الصفة وحدها، التى يُظهر فيها البشير خلاف ما يُبطن، تستوجب جداراً سميكاً من الأيديولوجيا، لتغطية التناقض الذى على محمول النفاق (أُنظر الفقرة الأخيرة من الخطاب).

    كذلك فالطابع الأيديولوجى لخطاب البشير تؤكده حقيقة إصابته بالأمية الديجيتالية، والإكتفاء بدغدغة العواطف الحماسية المُدِرَّة للتعاطف مع إنقلابه فى بادئ الأمر. وبذلك نجد أنَّ مفردة القوات المسلحة ومترادفاتها والمعطوفات عليها، ذُكرتْ أكثر من 77 مرة فى متن الخطاب، والإقتصاد ومترادفاته أكثر من 74 مرة، والسياسة 24 مرة. وذلك يعكس مسبقاً ما يُراد أن يُعمل بالعسكرى والإقتصادى.

    كذلك من الأُمور التى تبرهن على الطابع الأيديولوجى لخطاب البشير، هو عدم إستطاعة البشير ومعه كافة أجهزته الحكومية، من إعادة ذلك الخطاب على الشعب السودانى ولو لمرة واحدة (كما كان يجترُّ الإعلام اللَّزج خطاب نميرى مثلاً). وقد خلت كل الإعياد السنوية لذكرى حكومتهم المشئومة من ترداده؛ وذلك ببساطة لأُنَّ المفارقة بين ما قال وما فعل، فاضحة لشأنهم وغير قابلة للتجسير.

    ولم يمضِ وقتٌ طويل (بل هى أشْهُرٌ معدوداتٌ) على ذلك الخطاب المُحايد مخاتلةً، حتى أشهَرَتْ الجبهة الإسلامية القومية المحبوسُ عرابِّها تمويهاً، أنَّها الفصيل السياسى للإنقلاب العسكرى. ومن يومها إختلط حابل الدين بنابل الدولة، ليؤسس لدولةٍ إسلاميةٍ إسماً؛ كونها غير متأسِّية بالإسلام الحق المُتَشَرَّبِ كسلوك ومعاملة (الذى رسَّخه حبيبنا النبى محمَّد، صلوات ربى وسلامه عليه، وصحابته الأكرمين)، وغير قادرة على/متجنبِّة لتفسير الإسلام النصوصى على الوجه الصحيح؛ ولذلك لجأت لصناعة أيديولوجيا مفصلة على مِزاجها الخاص؛ مِزاج دنيوى صراعى من الدرجة الأولى، وبعيدٍ من النصوص والسلوك معاً. وذلك لأنَّ الإيديولوجيا أهم من النَّص والسلوك فى المراحل الأولى من تشكُّل دولتهم الوليدة. وهذا يثبت ثانيةً الطبيعة الأيديولوجية لخطاب البشير.

    لذلك لم يتورع الترابى من أن يقول (وهو العاجز عن تفسير الإسلام النصوصى): "أنا تعلمتُ أكثر مِمَّا تعلم الصحابة، وانفسحتُ عنهم". بل حتى صِبيانُهُ لم يتورعوا من قول "نحن رجال والصحابة رجال"، وقد سمعنا ذلك منهم. وهذا القول ليس فيه تأسِّى بالإسلام، ولا بنبىِّ الإسلام، عليه من الله أفضل الصلوات والسلام، ولا بصحابته الكرام. هذه أيديولوجيا محضة، هذا هو المشروع الحضارى.

    عليه هذه العقلية الإسلاموية تحب العيش فى فضاء الأيديولوجيا، وتهرب من النَّص والتأسّى السلوكى فى وقتٍ متزامنٍ، لا قبل ولا بعد. وذلك لأنَّ مخالفة النَّصَّ يسببُ حرج/مشكلة عقدية، وإذا تعفَّر النَّصُّ بالواقع (أى إذا تأسَّى بالإسلام الصحيح)، أنتجَ معرفةً ماديةً حقيقيةً فاضحةً لسلوكهم المفارق للجماعة، عصريةٍ كانت أم سلفية.

    والمحصلة، أنَّ الإنقاذيين يهتمون بالأيديولوجيا الدينية أكثر من إهتمامهم بجوهر الدين الحق (نصوص/سلوك)؛ وقد "أجمعوا أن يجعلوه فى غيابة الجب" (أى الدين)، ليخلو لهم وجهُ أبيهم. ومن السهل أن يُدرك المرء، أنَّ إسلاميىِّ السوادن يتعبدون بالمشروع الحضارى، ولا يتعبدون بالكتاب والسنة. والشاهد، كيف لمسلمٍ يتحقق بالكتاب والسنُّة، يسمح بأنواع الفساد التى طفحت خلال السبع وعشرين سنة المنصرمة، والتى شهِدتْ بها أقلامُهم هم، ووثائقُهم هم، دعك عن أقلامِ الغرماء السياسيين ووثائقِهم.

    يُتبع ...
                  

12-11-2016, 03:21 AM

حسين أحمد حسين
<aحسين أحمد حسين
تاريخ التسجيل: 09-04-2014
مجموع المشاركات: 1281

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حيثيات التشكّل الإقتصادى – الإجتماعى فى � (Re: حسين أحمد حسين)

    2-2-1-3 التمكين:

    لعلَّه بات من المعلوم فى أدبيات الإقتصاد السياسى، أنَّ العيشَ فى فضاء الأيديولوجيا يُخوِّلُ القائمين على أمر البلد من غير شرعية، المساس بحقوق الآخرين، وإعطاء أنفسهم فوق ما يستحقون، تحت مسمى الشرعية الثورية/الأيديولوجية (أفضل الشرعية الأيديولوجية، لأنَّ الثورى المُحَقِّق لا يسرق).

    غير أنَّه لا أحد كان يتوقع أنْ تكون أُولى الأموال التى تدخل فى تمكين هؤلاء القوم (ومن قبل فى تمويل إنقلابهم) مسروقةٌ من أموالِ الله - من أموال الزكاة. هذا الأمر وحده كافٍ لأن يقاتلهم السودانيون حتى إزالتهم من السلطة. وهى حجة ثانية نُشهرها فى وجه علماء السلطان الذين يُشهرون فى وجوهنا حديث عدم الخروج على الحاكم كلما دارت على النظام الدوائر. وإذا كان الكذب يُخلى طرف نظامهم من الصفة الإسلامية كما جاء بعاليه، فإن سرقة أموال اللهِ أحق بأن تنزع منهم هذه الصفة وتحضُّ النَّاسَ على مقاتلتهم.

    وحين نتكلم لكم عن "الإقتصاد السياسى للزكاة فى السودان" فى مُقبل الأيام إن شاء الله، سيدرك الجميع كيف أنَّ هذا النظام الوليغَ فى الفساد، قد عمد إلى تضخيم صرف أموال الزكاة على مصارف دون غيرها متجاوزاً بذلك الترتيب الإلهى "لآية الصدقات". فنجد مثلاً أنَّ مصارف العاملين عليها، وفى سبيل الله والمؤلفة قلوبهم قد إستحوزت على جل أموال الزكاة، وتُركَ الفقراء والمساكين يتكففون دواوين الزكاة، ومنهم من مات على أعتابها دون أن يحصل على جنيهٍ واحدٍ.

    أقول ما أقول، وهناك دراسة للعالم الجليل بروفسير الطاهر محمد نور (وهو ليس إسلاموى) عن الزكاة تبرهن بأنَّ أموال الزكاة فى السودان (تلك التى خارج الدورة الإقتصادية لحكومة السودان)، كفيلة بإزاحة الفقر كليةً عن السودان، إذا ما رُوعىَ فيها الترتيب الوارد فى الأية الكريمة. ولكن هيهات، فتوزيع الزكاة على الفقراء والمساكين، سيحرمهم من الصرف على دواعش الكوكب.

    أمَّا على مستوى الدورة الإقتصادية لحكومة السودان، فإنَّنا نلحظ تماهى الحزب الحاكم فى الدولة. وبالتالى صار الحزب الحاكم يعتبر أموال الدولة أمواله، وموظَّفيها خُدامه؛ وبدأ يَمُدُّ يدَه بسرقة المال العام دون خِشْيَةٍ أو ورع. ولقد إبتدعت الإنقاذ لذلك سُبلاً شتى: الإعفاء من الضرائب والجمارك والزكوات، التجنيب الضريبى، التهرب الضريبى، التحصيل الضريبى بدون أورنيك (15)، الصرف خارج الميزانية (التبرعات)، الديون الهالكة، إنشاء الصناديق التمويلية خارج وزارة المالية (صندوق دعم الولايات، دعم الشريعة، دعم الطلاَّب، المعاشات، وغيرها)، إشراك بعض المتنفذين فى مجالس إدارات بعض الوحدات الحكومية من غير وجه حق، والقائمة تترى على سبيل النذر لا الحصر.

    غير أنَّ أعظم عمليات التمكين قبل إستخراج البترول تمثلت فى عمليات الخصخصة. فقد تبنَّتْ الإنقاذ سياسات التحرير الإقتصادى واختارت لها شعاراً أيديولوجياً برَّاقاً هو "تحريك جمود الإقتصاد السودانى". وقد ثبتَ أنَّ الغرض منها ليس تحريك الجمود فى الإقتصاد السودانى، بل تحريك ممتلكات الدولة من الملكية العامة إلى الخاصة، وبالتالى السيطرة على مفاصل الإقتصاد السودانى وتمكين أعضاء النظام إقتصادياً.

    فالتحرير هو أيسر الطرق للسيطرة على الإقتصاد السودانى لا سيما والجبهة الأسلامية القومية تمتلك أموال سائلة طائلة، خاصةً بعد أنْ جمدت أرصدة الخصوم السياسيين عقب تغيير العملة الإول فى مطلع التسعينات من القرن المنصرم والسيطرة عليها بالكامل؛ وقد بدأت تروج لبيع مؤسسات الدولة، وهى البائع والمشترى. لذلك شهد برنامج الخصصة أبشع أنواع الفساد التى يمكن أن تخطر على بالِ بشر.

    فمثلاً، معظم المؤسسات تم تأهيلها، لِأغراض البيع، بأموال طائلة مقترضة من الدول الأجنبية، وبيعَتْ بالقيمة الدفترية، بيعاً آجلاً، مقسطاً، وبقروضٍ حسنةٍ ميسَّرة من بنوك الدولة والكثير منها هلك، وقد تم ذلك البيع فى غير أُطره المؤسسية والقانونية للمناقصات. وبعضها أُهدى لحكومات الولايات ومؤسسة الشهيد. وتجدر الإشارة إلى أنَّ المؤسسات الحكومية التى بُدئَ ببيعها هى المؤسسات المدِرَّة للربح، كمؤسسة المواصلات السلكية واللاسلكية والبنوك كنموذج. ولقد وجهتُ سؤالى لمدير عام البنك التجارى السودانى "هل البنك التجارى خاسر؟"، فكانت إجابته أنْ أجهشَ بالبكاء (حسين أحمد حسين2001).

    وحينما نعلم أنَّ الأموال المتحصلة من بيع 139 مؤسسة حكومية يساوى (1) مليار و (34) مليون جنيه سودانى (أقل من 53 بيت من نوع بيت وزير المالية الأسبق الذى اشتراه من د. عصام البشير)، بحسب إفادات اللجنة الفنية للتصرف فى مرافق القطاع العام، يتضح لكم حجم التمكين الذى نالته هذه الفئة على حساب جموع الشعب السودانى.

    وكما جاء من قبل، فإنَّ الإنقاذ لا شرعية لها بإحداثها لهذا الإنقلاب. وعلى عادة النظم الشمولية، فإنَّها عادة ما تسعى للشرعية السياسية على صهوة الإقتصاد. ولكن كيف؟ فالدولة محاصرة إقتصادياً، وفى حالة مقاطعة شبه كاملة. إذاً السبيل الوحيد هو بإقتطاع الأنفاق على الخدمات الإجتماعية وتصيُّد تحويلات السودانيين العاملين بالخارج، وهذا ما فعلته الإنقاذ بالضبط مع قليل من أموال الزكاة. وهذا الإجراء نفسه له مردود عكسى على الشرعية إذا كان الحاكم ظالماً وفاسداً؛ إذ أنَّ ذلك قد يؤدى إلى زيادة الحنق والغبن الأجتماعى.

    وهنا يجئ دور الإيديولوجيا عموماً والدينية خصوصاً، وأهميتها فى شغل النَّاس بخطاب أيديولوجى مهووس يروج لحرب دينية، عنصرية، وجهوية. فاكتساب الشرعية السياسية بالمنجزات الأقتصادية يحتاج لوقتٍ طويلٍ نسبياً، وطول أمده يضر بالشرعية السياسية المنشودة نفسها؛ ذلك لعمرى لغز الشرعية عند الأنظمة الشمولية.

    فالأنقاذ عديمة الأخلاق بحثتْ عن شرعيتها عن طريق الإقتصاد، متخذةً القهر والحرب كلاهِيَيْن للنَّاس عن عما تمَّ إستقطاعه من صحتهم وتعليمهم. والحرب كما يقول مارك دوفيلد "هى المحور السرمدى لأغراض إعادة صياغة الشعوب" (Duffield 2008). فليمُتْ من يمُتْ تحت شعارها الأيديولوجى "هى لله هى لله، لا للسلطة ولا للجاه"، و" سلام البنادق"، حتى يتم إنجاز المشروع الأقتصادى الذى يكسبهم شرعية فاعلة.

    وعلى فكرة، فإنَّ المنجزات الإقتصادية قد دعمت الشرعية المتهافتة لدول شمولية كثيرة. فكوبا وفياتنام بهما واحد من أحسن أنواع الخدمات الصحية فى العالم. كما أنَّ سوريا الأسد (الأب)، بها مثال نادر لتنمية ريفية إنتفع بها سكان الريف السورى، وخففتْ كثيراً من وطئات الهجرة من الريف للحضر التى إنتظمت معظم دول العالم الثالث منذ بداية ثمانينات القرن المنصرم.

    وعلى العموم، حينما جاء الوقت لتوزيع عائدات المنجز الإقتصادى (النفط)، تمَّ توزيعه بشكلٍ مجحفٍ للغاية. فـ 95% من عائدات البترول تمَّ توزيعها على تنظيم المؤتمر الوطنى بشكلٍ صرف كما جاء آنفاً. وتقاسمت الحكومة الـ 5% المتبقية مع الحركة الشعبية. وعند هكذا مرحلة، لابد من إخراج الوعى الزائف، والشعارات الأيديولوجية المكذوبة. فالأيديولوجيا الدينية التى قالت أنْ "هى لله هى لله"، لم تعد قادرة على ستر عورات النظام وسوءاته، ولابد من إستبدالها.

    وليس غريباً عند هذه اللحظة بالذات، أن يرى المرئ أنَّ الأنقاذ بلا أيديولوجيا ثابتة، بالرغم من وجودها إبتداءاً. لأنها ببساطة بدأت تتخلص منها، من وعيها الزائف. فالخطاب الأيديولوجي الجهادى، قد أدَّى دوره بالكامل، وهو شغل الناس بالحرب حتى موعد الأتيان بالشرعية السياسية على صهوة المنجزات الإقتصادية.

    وقد كان من الممكن للمنجزات الإقتصادية، كما أشرنا أعلاه، أنْ تجلب شيئاً من الشرعية السياسية للنظام، لو أنَّه إتصف بصفة العدل. وذلك لم يحدث، لأنَّ عائدات المنجز الإقتصادى قد تم توزيعها بذلك الشكل الضيزىّ، والذى يؤسس لحقيقة مهمة، وهى: أنَّ هذا النظامُ نظامٌ غير سوى، ويتمتع بقدر لايضاهيه قدر من فساد الأخلاق وفساد العقيدة وبالتالى شغفه بالفساد المالى. وكل ذلك مشفوع بعقيدة إنتقام من الشعب السودانى، ما أنزل الله بها من سلطان. إذ لا يوجد تنظيم على وجه هذه البسيطة يأخذ مال الإنفاق على الخدمات الإجتماعية للشعب، وكذلك عائدات السودانيين العاملين بالخارج، ويمول بها مشروعه الأقتصادى (النفط)، ثمَّ يحرمهم بالكلية من عائدات ذلك النفط التى بلغت أكثر 250 (100 مبيضة) مليار دولار (النفط نفطى إستخرجته وحدى، وسوف أنتفع به وحدى. وحدك كيف؟ ألم تموِّل البترول باستقطاع مال الخدمات الإجتماعية وعائدات المغتربين؟)، ويبنى لهم بعض المشاريع ذات الجدوى الإقتصادية الخرقاء بالإستدانة من العالم الخارجى، حتى بلغت ديون السودان بحسابات بنك السودان المركزى 48.8 بليون دولار (وهى بحسابات صندوق النقد الدولى 52 مليار دولار اليوم)، وقد كانت قبيل مجئ هذا النظام الفاسد 14.3 بليون دولار.

    إذاً، فالأمر لم يكن لله، ولم يكن ديناً ولا شيئاً من ذلك. بل كان غطاءاً أيديولوجياً وظَّفَ الدين لتحقيق منجز إقتصادى يجلب الشرعية. ولمَّا لم يُراع التوزيع العادل لعائدات ذلك المنجز الإقتصادى، تكون بذلك قد باءت كل مجهودات الحصول على الشرعية السياسية بالفشل، وتحول المنجز الإقتصادى إلى محضِ تمكينٍ لم يرقب النظام فى مُمَوِّلَيْه (السودانى المقيم والسودانى المغترب) إلاًّ ولا ذِمَّة.

    إذاً، المحصلة هى سقوط الشعارات الدينية، وأيديولوجيا تحريك جمود الإقتصاد السودانى، والتى تحت غطائهما مُكِّنَ لعناصر ما يُسمى بالجبهة الإسلامية القومية أن تسيطر على عصب الإقتصاد السودانى بطريقة لا تمُتْ للدين ولا بالمنافسة الحرة بصلة. وقد أخرجوا أسماء رأسمالية معروفة خارج حلبة الإقتصاد السودانى. وقد نُهِبَتْ البلد على نحوٍ لم يشهده السودان فى تاريخه الحديث أو القديم.

    فها هى الإنقاذ إذاً تتخلى عن أيديولوجيتها الدينية التى فشلتْ فى ستر الفساد (وأخر شئ كان يتوقعه المسلم من حكومة ترفع راية الإسلام هو سرقة المال العام، وفساد الذمم، والمحاباة، والظلم، والرشوة، والإختلاس، وصرف الزكاة فى غير مصارفها) وتتحول إلى الأيديولوجيا الإقتصادية، وتصيرُ مثلها مثل أحزاب الدنيا إلى حزب دنيوى، يسعى للسلطة فى إطار حيثيات صراع طبقى عادية، وعارية عن أىِّ قدسية دينية.

    والسؤال الذى لابدَّ من الإجابة عليه هو، أنَّ الإنقاذ فى حالة إنكشاف سياسى (فقدان الشرعية)، وإنكشاف أيديولوجى (سقوط القناع الدينى)، وإنكشاف إقتصادى (القسمة الضيزى للثروة)، وأخيراً الإنكشاف الدُّبلُماسى (الإنقاذ دولة إرهابية)، فلماذا يقبل زعماء قوى الإجماع الوطنى مع قدرتهم على تحريك جماهيرهم بالتفاوض مع نظام متهافت؟ لماذا نطيل عمر هذا النظام بالإشتراك معه فى إطار حكومة قومية/ذات قاعدة عريضة، حكومة لا تحاسبه على ما اقترف يُمنةً ويُسرى، وبذلك نعطى النظام وسيلة بقاء داخلية لم يحلم بها؟

    هل السبب هو اليأس الذى يعترى التحالف النشاز بين الشرائح الرأسمالية والأحزاب الراديكالية لِأكثر من 60 عاماً؟ (أتمنى ذلك). وماذا لو إستطاع النظام أن يكسر الطوق الخارجى، هل ستكون الحكومة القومية فى مهب الريح؟ هل نلوم الجماهير فى عدم وجود بديل، والمتكلمون بإسمها فى حالة تحالف مع الشرائح الرأسمالية؟ لماذا تنصلت الإنتلجنسيا السودانية عن قيادة الجماهير؟ هل لأنها تذبذبت نحو الرأسمال؟ هل سممتها الحكومة؟

    يُتبع ...
                  

12-11-2016, 03:53 AM

حسين أحمد حسين
<aحسين أحمد حسين
تاريخ التسجيل: 09-04-2014
مجموع المشاركات: 1281

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حيثيات التشكّل الإقتصادى – الإجتماعى فى � (Re: حسين أحمد حسين)


    3-2-1-3 هل من مزية للإنقاذ:

    فى البدء، وقبل الولوج إلى مزايا الإنقاذ، دعونى أشير إلى بعض الإشكالات المنهجية فى التحليل والمقارنة التى يقع فيها حتى الباحثون التقدميون، ولم يسلم منها (فى الحقيقة) أحد. وهذه الإشكالات لا تتبدَّى للعيان إلاَّ بإعمال التحليل الطبقى الذى تتبناه هذه الإطروحة؛ وهى أنَّنا حينما نقارن بين الأنقاذ والأنظمة السابقة لها بحثاً عن مزاياها، فإننا ننسى أنَّنا نقارن فقط بين أنظمة مثَّلتْ شرائح رأس المال (شريحة رأس المال المالى/الجبهة، الشريحة التجارية/الإتحادى، الشريحة الزراعية/الأمة، شريحة برجوازية الدولة/نظام عبود، نظام نميرى)، ولم تمثل شريحة العمال والقوى الحديثة المغيبة عمداً فى المشهد الإقتصادى - السياسى السودانى (أُنظر إلى معادلة الإنتاج/معادلة التغيير التالية: (عمال/قوى حديثة) + (رأسمال/إنتربرينيرز) + (...) = الإنتاج/الثورة الوطنية الديموقراطية).

    وكلُّ هذه الأنظمة قد قامت على الإبتزاز الإقتصادى والسياسى والإجتماعى المباشر للعمل حينما ننظر إليها من وجهة نظر التحليل الطبقى (من وجهة نظر العمال والقوى الحديثة السودانية). وهى لم تفِد شريحة العمال والقوى الحديثة بأىِّ حال من الأحوال حتى فى فتراتها الديموقراطية، كونها فترات لتحديد موضع الهيمنة بالنسبة للشرائح الرأسمالية، ومن ثمَّ سرقة ديموقراطية الشعب من جديد بالتواطؤ مع عسكريين من إنتخابها هى (كما حدث فى السابق، ويحدث الآن من مشاورات مع الجيش لاستلام السلطة)، وبإيعاز من النظام الليبرالى العالمى (البشير رشى ترام بعدد من الملفات الأمنية فى الأيام القليلة المنصرمة بعد تغريدة ترام بالقضاء عليه فى أول أسبوع).

    وكما جاء سابقاً، وكررنا كثيراً وسوف نظل نفعل حتى يستبين هذا الأمر قبل ضحى الغدِ، بإنَّ شرائح رأس المال فى السودان لا ترغب فى الديموقراطية، وذلك لأنَّ ما نالته بالديكتاتورية لم تنله بالديموقراطية؛ فهى قد ساست السودان بـ 11 سنة ديموقراطية، و49 سنة ديكتاتورية. والجدير بالذكر أنَّ كبر معدل تراكماتها الرأسمالية فى الديكتاتورية عنه فى الديموقراطية لا يرجع لطول الفترة، ولكنه يرجع لابتزاز الفقراء واستغلالهم، ويرجع لغياب التنظيمات السياسية لهؤلاء الفقراء التى تكافئ استغلال شرائح رأس المال لهم.

    وذلك يحدث ببساطة: لأنَّ العمال والقوى الحديثة فى السودان ليس لهم حزب يُمثلهم (توجد أحزاب تتحدث بإسمهم نعم)؛ الخطأ التاريخى الذى تواطأت عليه أحزاب البورجوازية الصغيرة (خاصة التقدمية) وأحزاب الشرائح الرأسمالية على السواء بتحالفهم المرحلى المزمن الذى إمتدَّ لأكثر من 60 سنة، وما انفكَّ يُعقِّد الحياة السياسية فى السودان.

    وبالتالى لا تستقيم المقارنة بين عسكر الإنقاذ والفترات الديموقراطية السابقة كشيئين مختلفين، وذلك لأنَّ الشرائح التى من وراء هذه الأنظمة هى كلُّها شرائح رأس المال (Capital fractions). كما لا تستقيم المقارنة بين الإنقاذ (شريحة رأس المال المالى) وشريحة العمال والقوى الحديثة السودانية، وذلك لأنَّ الأخيرة فى الأصل لم تستلم سلطة فى حياتها، بسبب التواطؤ المذكور أعلاه. وعليه ستنحصر المقارنة بين الإنقاذ كشريحة رأسمالية، والشرائح الرأسمالية الأخرى التى وصلت إلى سدة الحكم.

    يُتبع ...
                  

12-11-2016, 05:13 AM

حسين أحمد حسين
<aحسين أحمد حسين
تاريخ التسجيل: 09-04-2014
مجموع المشاركات: 1281

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حيثيات التشكّل الإقتصادى – الإجتماعى فى � (Re: حسين أحمد حسين)

    مزايا الإنقاذ:

    1- من واقع ما قمتُ به من تحليل منذ سنواتٍ مضتْ للأعمال/الشركات التى تمَّ تسجيلها فى المسجل التجارى، فإنَّ الإنقاذ/شريحة رأس المال المالى تمتاز بمعدل عالٍ لتراكم رأس المال. وأُبرهن على ذلك بأنَّ معدل تسجيل الشركات فى الفترة من 1980-1989 كان 5 شركات فى الشهر، ومنذ مجئ الإنقاذ أصبح 10 شركات فى اليوم. وكما ذكرتُ لكم من قبل فإنَّ الشركات الزراعية تزداد حينما يكون الأنصار/الشريحة الزراعية فى سدة الحكم، والشركات التجارية تتضاعف حينما يكون الإتحاديون/الشريحة التجارية فى السلطة؛ أما بوجود شريحة رأس المال المالى/الجبهة الإسلامية القومية فى السلطة، فقد كان عدد الشركات المسجلة فى الفترة من 31 يوليو 1989 - 31/12/1993، أكثر من عدد جميع الشركات التى تمَّ تسجيلها منذ عام 1925 - 1989م.

    وحينما نضيف إلى ذلك أنَّ عدد الشركات المسجلة فى فترة الإنقاذ بلغ فى 31/12/2013 8683 شركة، وكلُّ هذه الشركات مجتمعة تدفع ضريبة أرباح لا تتجاوز 3.5% من الناتج المحلى الإجمالى (ديوان الضرائب 2014)، وذلك لأنَّ شركات منسوبى النظام كلها معفية من الضرائب؛ فهذا يعكس بشكل واضح حجم وسرعة التراكم الرأسمالى التى وصلت إليه هذه الشريحة الرأسمالية عن طريق التمكين بالإعفاءات الضريبية والتمكين الآخر إذا ما قُورِنَتْ بالشرائح الرأسمالية الأخرى.

    2- ومن ناحية أخرى، يُحمد للنظام الحاكم بأنَّ حكومته حكومة تكنوقراط، تكاد تنعدم فيها الكوادر غير المؤهلة وغير المدربة، إذا ما تمَّتْ مقارنتها بالشرائح الرأسمالية الأخرى التى سيطرت على السلطة فى وقتٍ ما. هذا الوضع على مستوى المبادرة والإنتاج، أهَّل النظام على اجتراح قطاعات إقتصادية جديدة غير موجودة فى مصفوفة القطاعات الإقتصادية فى الإقتصاد السودانى (البترول، الطاقة، الصناعات التجميعية، التعدين ...إلخ). وهى قطاعات جد مهمة لإحداث عمليات الترابط الأمامى والخلفى لإىِّ إقتصاد. بل هى من نوع القطاعات التى أخرجت الدول الأسرع نماءاً فى العالم من قائمة الدول الفقيرة؛ وكان ذلك بمعاونة الشركات اليابانية وفيما بعد الشركات الكورية (الجيل الثانى من الدول الأسيوية).

    غير أنَّ هذه الميزة قد أُفسِدَتْ بالكامل على مستويى التشغيل والتوزيع؛ حيث كان التشغيل/التوظيف والتدريب والعائد فى هذه القطاعات حِكراً لمنسوبى النظام. وبذلك تحول الأمر إلى تمكين هو الآخر على حساب الشعب السودانى، بل يتجاوزه إلى تكريس عقلية الإنتقام سالفة الذكر. بل حتى على مستوى الإنتاج؛ إذا أثبتنا لهم حق المبادرة والمبادءة، فإنَّ تمويل العمليات الإنتاجية فى كل تلك القطاعات الجديدة، قد دفعه الشعب السودانى قاطبة (المقيم والمغترب) حين موَّلت الحكومة بترولها بـ 50 % من مال التعليم والصحة، و50% أُخرى هى تحويلات السودانيين العاملين بالخارج. وبالتالى هذه الحقائق تجعلنا نقضِ بأنَّ نسبة نجاح هذه التجربة (وإنْ تمّتْ تحت الإدارة والإشراف المباشرين لفئات النظام) للإنقاذ وحدها، يُلحق الظلم بسواد الشعب السودانى الذى قبل (طوعاً أو كَرْهاً) بأخذ أمواله منه لتمويلها.

    3- كذلك، كون أنَّ النظام تغلب عليه الفئة التكنوقراطية، أهَّله ذلك إلى درجة عالية من القدرة التفاوضية شهِدَ له بها أعداؤه. والدليل على ذلك أنَّ هذا النظام أقنع الحكومة الصينية على الإستثمار فى السودان رغم الحصار الإقتصادى والعسكرى المفروض عليه من قِبَل الغرب. واللجوء إلى الصين لا يخلو من فطنة وذكاء؛ كونها دولة مِحورية نووية قادرة على حماية إستثماراتها (عسكرياً أو بإستخدام حق النَّقض) ضد أىِّ تغوُّل يحدث من قِبَل الدول الإمبريالية.

    كذلك يصب فى اتجاه القدرات التفاوضية لهذا النظام استفزازه لخصومه السياسيين خارج الوطن حين كانوا عقبةً فى وجهه، والإستفادة من تحويلاتهم لتمويل مشروعاته، وإعادتهم إلى حضن الوطن حين علم ألاَّ ضرر يمكن أن يحدث منهم بخمود الحرب الباردة، بل قاسمهم السلطة والثروة ولو على نحوٍ شكلى (نحن موظفون فى جهاز الدولة كما قال د. على السيد: قناة الشروق 23/09/2012)، ثمَّ آوى إليه الشرائح الرأسمالية (الزراعية والتجارية) حليفات المصلحة، بعد أنْ خلَّصها أو بالكاد من اليسار السودانى وتحالفاته المرحلية المزمنة؛ ذلك الذى مازال يتشبث بتحالفاته النشاز بهذه الشرائح ليُنجزَ ثورته الديمقراطية وقضايا العمال.

    4- لعلَّ أهمَّ ميزة يمكن استخلاصها من تجربة الإنقاذ وعزلتها الصمدية (ولو تحت حراسة الصين)، هو فكاكها من القبضة الشرسة والمُحْكَمة (من ما يُعْرَف بالـ Global Governance) التى تُطْبِقَها الدول الرأسمالية/الإمبريالية الكبرى على الدول الفقيرة وكبح النمو فيها. وعبر هذه التجربة من العزلة ثبت أنَّ التنمية ممكنة الحدوث، كما نمتْ آسيا من وراء ظهر النظام الرأسمالى من قبل.

    والحق يُقال بأنَّ حالة الإنعتاق من قبضة الإمبريالية لم تكن على بال القائمين على الأمر فى السودان إذا ما استثنينا خطابهم الأيديولوجى: أمريكيا روسيا قد دنا عذابُها، وإنَّما هو حالة فرضتها عزلة النظام (الفاقد للشرعية السياسية بإنقلابه على الديمقراطية) فى إطار كسر عزيمته وإرجاعه للقبضة التحكمية العالمية (وقد فعلتها مؤسسات التمويل الدولية بعد عقدٍ من العزلة المحضة). والمراد هنا بأنَّ التفكير بالإنعتاق من هذه القبضة لا تدعمه خطة إستراتيجية مسبقة وتفكيرٌ واعٍ من قبل النظام، وإنَّما هو نوع من الإدارة الآنية للأزمة.

    وهذا التحليل تسنده حقيقتان. الحقيقة الأولى أنَّ أهداف الإنقلابيين كانت هى الحفاظ على مقدراتهم الإقتصادية، خاصةً بعد الوعيد والتهديد المضمن فى أضابير برنامج الإنقاذ الرباعى التى تقضى بتصفية رأس المال الطفيلى الإسلاربوى، وكنس آثار مايو. والحقيقة الثانية أنَّ السنوات العشر الأولى للنظام لم تكن إلاَّ بمثابة تنفيذ حرفى لمقررات برنامج الإنقاذ الرباعى نفسه (كأول سرقة للشعب السودانى قامت بها الإنقاذ، وطبقته بذات العقلية العقائدية العدمية والإنتباذية المصحوبة بشراسة الإنتقام هذه المرة، القاضية بتصفية القدرات الإقتصادية لكلِّ غرمائها مستخدمةً السياسة المالية والنقدية)، ولكن لمصلحة شريحة رأسمالية واحدة هى شريحة رأس المال المالى المهيمنة. وذلك يعنى فيما يعنى أنَّ الإنقاذ حين أتت للسلطة، كانت خالية الجراب من أىِّ فهم إستراتيجى.

    يُتبع ...
                  

12-11-2016, 05:33 AM

حسين أحمد حسين
<aحسين أحمد حسين
تاريخ التسجيل: 09-04-2014
مجموع المشاركات: 1281

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حيثيات التشكّل الإقتصادى – الإجتماعى فى � (Re: حسين أحمد حسين)


    4- المحصلة: تعيين محدداتِ التشكُّل الإقتصادى/الإجتماعى:

    1 – إنَّ دعم المستعمر لمراكز القوى السابقة لمجيئه، تحت مِظلَّة قبضته المركزية القوية، وتحويلها إلى كوادر كومبرادورية مستأمنة على تمدد النظام الرأسمالى، كان له الأثر الأعظم فى التشكُّل الإقتصادى - الإجتماعى فى السودان. بل إنَّ إستمرار القبضة المركزية القوية بواسطة الدولة الوطنية، فيما بعد الإستقلال، والرعاية الليبرالية لهذه الكوادر- المجموعات الإقتصادية، وحمايتها من خطر الشيوعية حتى نهاية الحرب الباردة؛ يعتبر من المحددات الأكثر تأثيراً فى معادلة العملية الإنتاجية فى السودان؛ لصالح رأس المال على حساب العمل، وبالتالى أثَّر ذلك فى التشكل الإقتصادى - الإجتماعى بشكل جدُّ محسوس.

    2 - لعلَّ الصراع الأزلى بين الشرائح الرأسمالية والشرائح الضعيفة هو ثانى أهم محددات التشكل الإقتصادى - الإجتماعى فى السودان. بل هو الذى صبغ حياتنا السياسية بالتقلُّب بين الحياة المدنية والعسكرية لمدة 60 عاماً: هى عمر الحرية (الإنعتاق من الإستعمار المباشر) عندنا فى السودان. وإدارة هذا الصراع (والفشل فى إدارته) لصالح كل وكلاء العملية الإنتاجية (عمال + رأسمال = الإنتاج "فى الصيغة المبسطة") بشكلٍ عادلٍ مُزيلٍ للغبن الإجتماعى، يُشكِّل المحك والمحدد الرئيس لتحقيق التنمية، والسلام الإجتماعى، وبالتالى الإستقرار السياسى.

    3 – ويترافق مع المُحدِّد أعلاه تأثيراً فى التشكل الإقتصادى - الإجتماعى، محدد الصراع على السلطة، وبالتالى التحالف مع شريحة الدولة لتجيير معادلة العملية الإنتاجية لصالح الرأسمال على حساب العمال والقوى الحديثة، أو العكس. فهذا من المحددات الرئيسة للتشكل الإقتصادى - الإجتماعى، ويمثل خصوصية الفارق فى القوة بين الشرائح الإجتماعية المتنافسة. وبإبتعاد الصراع على السلطة عن الأيديولوجيا والتنميط والأحكام المسبقة، فبإمكانه أن يتحول إلى صراع برامج لخدمة الشعب (لخدمة وكلاء العملية الإنتاجية). بمعنى آخر؛ فبدلاً من عاش فلان ويسقط علان؛ ماذا فى جُعبة فلان وعلان من برامج لخدمة الشعب (لخدمة كافة وكلاء العملية الإنتاجية)؛ وقابلة للحياة والتطبيق العملى العلمى. فالتنظيمات الحية تتنافس لخدمة شعوبها لا لنهبها.

    4 – الشريحة الأطول تحالفاً مع شريحة الدولة، وبالتالى لها القدرة على التأثير فى قراراتها، هى الشريحة ذات الهيمنة، وصاحبة القَدْح المعلَّى فى التأثير على التشكل الإقتصادى - الإجتماعى فى السودان. وبذلك تشكل واحداً من أخطر المحددات تأثيراً فى الواقع الإقتصادى - الإجتماعى والسياسى.

    5 – القدرة على تراكم رأس المال وإعادة إستثماره على المستوى العام أو الخاص، يشكل واحداً من أهم المحددات فى تشكيل واقعنا الإقتصادى والإجتماعى والسياسى فى السودان (قدرة الدولة على الإدخار "إستغناء الشعب عن جزءٍ من مال الخدمات الإجتماعية، كالإستقطاع القسرى لـ 50% من التعليم والصحة لتمويل البترول"، تراكم رأس المال الخاص (الإسلاطفيليات المالية)، وعائدات السودانيين العاملين بالخارج، مثالاً).

    6 – غياب (ووجود) الخطط الإستراتيجية الوطنية الموجهة للإقتصاد نحو قطاعاته المنتجة (وغير المنتجة) يعد من الموضوعات المهمة فى مسألة التشكل الإقتصادى/الإجتماعى فى السودان.

    7 – يترافق مع عاليه تأثيراً فى تشكلنا الإقتصادى - الإجتماعى فى السودان (مع غياب الديموقراطية - الرقابة المجتمعية والشفافية واستقلال السلطات)، دآءان عضالان هما الفساد واستشراء الطفيلية، بما يتركان من أثر سلبى على القيم الكلية للمجتمع.

    8 – حدة النبر الأيديولوجى القائم على حدة التناقض الطبقى والغبن الإجتماعى، وبالتالى ربما الإنقلابات العسكرية الحارسة لمصالح الشريحة ذات الهيمنة المتحالفة مع الدولة بطبيعة الحال، تشكل واحداً من أخطر محددات واقعنا الإقتصادى والإجتماعى فى السودان.

    9 – غياب التوازن فى العملية الإنتاجية (رأس مال + عمال = الإنتاج، فى صيغته المبسطة) بهيمنة الشرائح الرأسمالية عليها وعلى محصلتها (خاصة الشريحة ذات الهيمنة)؛ وبالتالى غياب الأحزاب العمالية، ضعف وعدم فاعلية الأحزاب التى تتحدث بإسمِ العمال فى إحداث التوازن فى العملية الإنتاجية، ومن ثمَّ فى العملية السياسية للظروف المذكورة فى الفقرة (1) بعاليه، ولظروف التحالفات السقيمة المزمنة للِأحزاب التى تتحدث بإسمِ العمال والإنتلجنسيا السودانية مع الشرائح الرأسمالية (خاصة الزراعية والتجارية) لِإنجاز مصالحهم المتناقضة مع هذه الشرائح الرأسمالية التى تحالفوا معها؛ كلُّ ذلك يُعقِّد المشهد السياسى السودانى ويشكِّلُ محدِّدَاً مهماً فى واقعنا الإقتصادى - الإجتماعى والسياسى.

    إذْ، كيف يمكن للشرائح المستنيرة أن تتحالف/ (وتستمر فى التحالف) مع الشرائح الرأسمالية ولمدة ستين سنة ويزيد، لِإنجاز مصالح العمال والمستضعفين، دون أن نتوقع الفشل، بل والفشل المزمن فى إحداث ذلك التوازن المنشود فى العملية الإنتاجية؟ فأىُّ نتيجة غير الفشل، تصبحُ أُكذوبة الدهر. ولذلك يظل خطل التحالف السقيم للشرائح المستضعفة مع الشرائح الرأسمالية الذى يجرهم إليه المتعلمون السودانيون لِإحداث توازن لصالح هذه الفئات الضعيفة محدداً مهماً فى حياتنا السودانية.

    وبعبارة أُخرى، فإنَّ فشل النخبة المستنيرة المتحدثة بإسم العمال وعجزها فى إحداث التوازن فى العملية الإنتاجية لستٍ من العقود ويزيد، يضيف بعداً مهماً فى عملية التشكل الإقتصادى - الإجتماعى فى السودان.

    10 – لعلَّ تعاطى وكلاء العملية الإنتاجية وأحزابهم فى السودان مع الخطاب الليبرالى العالمى (قبل وبعد الحرب الباردة) يساهم فى تشكيل الواقع السودانى بدرجة كبيرة. ففهم كيفة إدارة العالم، والتعاطى الحكيم وفن التفاوض واللباقة السياسية فى التعامل مع القوى ذات التأثير على التشكل الإقتصادى - الإجتماعى العالمى، وبالتالى فى السودان، يساهم فى رسم واقع مفيد لكل شرائحنا الإجتماعية فى السودان، الغنية والفقيرة.

    11- كما أنَّ عبء سداد الديون (المتوارث أصولها بطبيعة الحال من الفترات العسكرية بالأساس) والتجاذب والمفاضلة الصعبة بين الإنفاق على الخدمات الإجتماعية وخدمات الدين الخارجى، خاصةً فى الفترات الديموقراطية التى تكون فيها الفئات الراديكالية فاعلة، يشكِّلُ واحداً من أهم وأخطر محددات الواقع الإقتصادى - الإجتماعى فى السودان خاصةً على أيام الحرب الباردة، وحالياً بدرجاتٍ متناقصة. فمثلاً، حينما يتشدد الدائنون على سدادِ ديونهم بالضغط على قوت الشعب وخدماته الإجتماعية (وضعاً يلجأ إليه النظام الليبرالى العالمى حينما يقوى عود الراديكاليين)، فذلك يعنى أنَّ ثمة خطر وشيك على رأس المال وشرائحه، وبالتالى عليها أنْ تجعل العسكريين يتحسسون إنقلاباتهم على الديموقراطية، وهكذا دواليك.

    12 – الدخول المفاجئ للصين فى أفريقيا؛ الدولة المحورية، ناعمة الإمبريالية حتى الآن؛ المؤمنة بالمنافع المتكافئة فى العملية الإستثمارية، والقادرة على حماية إستثماراتها ضد التغوُّل الإمبريالى الإنجلو - ساكسونى؛ بدأ يُشكل محدداً مهماً فى التشكل الإقتصادى - الإجتماعى فى السياق السودانى.

    فبدلاً من أنْ ينمو السودان (أفريقيا) من وراء ظهر النظام الرأسمالى الليبرالى المكرس ضد رأسمالية الدولة (كما فعلت آسيا فى بادئ أمرها)؛ فتحت حماية الصين يمكن للسودان أنْ ينمو على عين تاجر الإمبريالية الغربية.

    13- مع غياب حزب عمال وقوى حديثة سودانى، ومع وقوع كل رؤساء الأحزاب التى تتحدث بإسم العمال والقوى الحديثة وحلفائها من الشرائح الرأسمالية فى الفئة العمرية (70-85)؛ فإنَّ الديموغرافيا الحزبية السودانية، تكون فى حالة إختلال هيكلى حينما يكون الحديث عن التغيير، وتؤثر كمحدد فى التشكل الإقتصادى - الإجتماعى فى إطار الواقع السودانى.

    فأهلُ هذه الفئةِ العمريةِ، مدبرون عن الحياة؛ يميلون إلى التوفيقيةِ، يخافون عواقبَ الأُمور، خاصةً تلك المتعلقة بولادةِ الفتن (يخافون التغيير). فيمكن أنْ نلحظَ بكلِّ بساطة، أنَّ كلَّ مفكرينا وسياسيينا وأُدبائنا الذين يقعون فى هذه الفئة العمرية، يميلون إلى الخيارات الأضعف بين البدائل المطروحة.

    وإذا نظرنا لكلِّ أحزابِ التجمعِ الوطنى الديموقراطى قبل الإنفصال (باستثناء الحركة الشعبية لتحرير السودان، وفئة المؤتمر الوطنى بعد الإنشقاق) سنجد أنَّ هذه الأحزاب مسقوفة بهذه الفئة العمرية، ولهذا السبب بالذات، فشلتْ فى أنْ تُديرَ صراعاً ضد الحكومة يُفضى إلى تغيير.

    والحركة الشعبية مستثناة ومعها فصيل المؤتمر الوطنى، لأَنَّ رئيسَيهما والقائمين على أمرِيهما، تجدهم كلَّهم خارج هذه الفئة، وأفكارُهم حبلى بالنزوع إلى التغيير. ولكن هبْ أنَّ أبِل ألير، مازال رئيساً لهذه الفئة، وكذلك الترابى، إذاً لاختلفَ الأَمر جِدا.

    ويُدلِّلُ على هذا القول، حالات الأنقسامات التى طالتْ كلَّ الأحزاب السياسية السودانية. وهى على فكرة ليستْ بإنقساماتٍ نابعةٍ من تبدُّلِ المواقف الفكرية أو الأيديولوجية، ولكنَّها نابعةٌ بالضرورةِ من صراعاتِ الأجيال (الفئات العمرية المختلفة). فالذين يحملون جُرثومة التغيير فى تضاد مع الفئة العمرية المحافظة (حالة حق/ الحزب الشيوعى، حزب مبارك الفاضل/حزب الأُمة القومى، مؤخراً شباب الختمية بأمريكا/الاتحاد الديمقراطى، المؤتمر الوطنى/المؤتمر الشعبى).

    وإذا أردنا ذلك على مستوى دورة حياة الفرد، نجده أيضاً منطبقاً وبكلِّ الوضوح. فمثلاً، الطيب صالح عندى لم يُغيرْ موقفَه من النظام البتَّة فى آخر مقابلة تلفزيونية، http://www.youtube.com/watch؟v=wqf2IZrv6U4andfeature=player_embeddedhttp://www.youtube.com/watch؟v=wqf2IZrv6U4andfeature=player_embeddedhttp://www.youtube.com/watch؟v=wqf2IZrv6U4andfeature=player_embeddedhttp://www.youtube.com/watch؟v=wqf2IZrv6U4andfeature=player_embedded

    ولكنْ غيَّرَ بدائلَه لوقوعِهِ فى ذات الفئة العمرية، أضف إليها حالة الضعف والوهن المصاحبة للمرض. فالرجل أُجرىَ معه اللقاء وهو للتوِّ خارج من غيبوبة مرضِهِ. ومن الطبيعى فى وضعٍ كهذا أنْ تميلَ النفسُ البشرية إلى اللين، هذا إذا وعتْ فى الأصل ما قالتْ وما سوف تقول..

    وما يحزن، هو إنصباب اللَّوم والتقريح على الطيب صالح وهو فى تلك الحال، ولم تُقال كلمة واحدة فى حقِّ هذا النظام القبيح الخبيث الإنتهازى الذى يحاول أن يستغلَّ حالةَ الضعفِ التى يمرُّ بها سياسيونا ومفكرونا وأُدباؤنا ليخلقَ منها حالة مؤازرة لواقعِهِ المتهافت. بل أصبحَ يُدخلُ شبابَنا فى حالة من اليأسِ والتيئيس من إحداث التغيير، بترويجِهِ إنعدام البديل المكافئ له، إذا كان سيجئ بأُناسٍ من الفئة العمرية المدبرة عن الحياة، لا سيما وأنَّ النظام يحمكنا بالفئة المُحْدِثة للتغيير (الجيل الثالث والرابع والخامس، بعد عزل الترابى وزمرتِهِ).

    مثال آخر على دورة حياة فرد، هو حالة الأُستاذ محمد إبراهيم نُقُد (نسأل اللهَ أن يرحمه بالرحمة الواسعة). فانظر إلى البديل الذى اختاره فى لقاء جامع من الزملاء والزميلات، إِذْ يقول: "نرجو من الذين يُصلُّون منكم، والذين يذهبون إلى الحج، أن يسألوا الله فى السجود والمَواطِنِ التى يُستجاب فيها الدعاء، أن يُخلصنا من هذه الإنقاذ"، حديثُهُ بهذا المعنى ().

    ربما يقرأُ قارئٌ مَغْروض، أنَّ هذا تغيير فى الموقف الأيديولوجى والسياسى والفكرى للسيد محمد إبراهيم نقد، بإعتبار أنَّ الحزبَ الثورى مناطٌ به التغيير الثورى. ولكنِّى أرى أنَّ الأُستاذ محمد إبراهيم نُقُد، لم يَحِدْ عن أفكارِهِ قيدَ أُنملةٍ، وحاشاه. فالرجل كما عرفناه صلِداً وجلِداً، ولكنَّ خياره من بين الخيارات المطروحة هو خيار هذه الفئة المدبرة عن الحياة، خيارٌ هينٌ ولين، وعلينا أن نعى ذلك.

    وذلك بالطبع ينطبق على أستاذ الأجيال المرحوم محمد عثمان وردى حين إلتقى الرئيس البشير، وينطبق حتى على الموقف الأخير للأُستاذ الدكتور بشرى الفاضل الذى فرِحْنا لنيلِهِ جائزة الطيب صالح للقصة القصيرة، وحَزِنَّا حتَّى طارتْ عصافيرُنا، لأَنَّها من عطايا الطفابيع. ولكن هى قدرية الوقوع فى هذه الفئة العمرية يا عزيزى القارئ، إلاَّ منْ رُحم، وقليلٌ ما هم (من أمثال الأستاذ التيجانى الطيب).

    وكما يعلم القارئ الكريم، فإنَّ جلَّ كتابات المفكر والأديب الطيب صالح، تدور حول دورة حياة الإنسان. فانظرْهُ وهو يشرح عنوان روايتِهِ بندرشاه (ضو البيت/مريود) إذْ يقول هى: "أُقصوصة عن كون الأب ضحية لِأَبيِهِ وإبنِهِ". فتلبية حاجيات الأبناء، تُؤثرُ تأثيراً بالغاً على طورنا المنتج - طور التغيير فى حياتنا (الفئة العمرية 15-45)، وذات الطور يتأثر تأثيراً حادَّاً بسلوكِ/إملاءاتِ الفئة التى تسبقه، خاصة فى ظل نظام أبوى ينعدم فيه الضمان الحكومى. ولعلَّ أستاذنا الطيب صالح يرمز إلى حقيقة وُجودية وإلى طابع صراعى جدلى للشخصية السودانية، بشكلٍ خاص.

    فهل نلوم أُدباءنا ومفكرينا وسياسيينا، على عجز فئتِنا العمرية وتقاعسها عن أداء واجبها فى التغيير؟ ربما كانت الإجابة فى الفكاك من هذا النظام الأبوى بشكل لا يخدش هؤلاء الأكابر، مستصحبين حكمة الشاعر محمد مدنى: "أَحتاجُ دوزنةً تَفُكُّ حِبالَكم عنى وتُربِطُنى بكم".

    كذلك، لا يكتمل الحديث عن هذه الجزئية إلاَّ بتشخيص حالة الجبهة الإسلامية القومية، إذْ كانت هى الأُخرى مسقوفة بأفراد من ذات الفئة العمرية التى تحدثنا عنها بعاليه. ولم تنزع إلى التغيير، حالها كحال بنات عمها، إلاَّ بعد حدوث شيئين إثنين: الأول، هو تهديد مصالحها الإقتصادية الوارد فى حيثيات برناج الإنقاذ الرباعى لعام 1986م القاضى بتصفية آثار مايو، وتفكيك الإقتصاد الطفيلى، وذلك أمرٌ يحتاج إلى مغامرين. والثانى، هو إيجاد من يُنيبون عنها فى إحداث التغيير من العسكريين (المغامرين) الواقعين ضمن الفئة العمرية المناط بهم التغيير، وقد كان ما كان فى عام 1989م. ومن يومها، فالسودان محكوم بالفئة العمرية المناط بها التغيير داخل منظومة الدولة، وتنازعها الفئة العمرية السابقة لها (أى الجيل الأول والثانى من الجبهة الاسلامية القومية) قيادة البلد حتى منتصف التسعينات من القرن المنصرم.

    وعلى أيام الفصل الدرامى الأول من هذه الحكومة المتنازع عليها من الداخل، حشد الترابيون التكنوقراط مناصريهم فى شكل مليشيات عسكرية موازية للعسكر، وضامنة لبقائهم فى الحد الأدنى ضمن معادلة شاخصة من توازن الرعب، وقادرة على إفعال تغيير حين يحين التغيير، وقد تم كل ذلك باستغفال التكنوقراط للعسكر.

    ولمَّا لم تجد الفئات العمرية المناط بها التغيير داخل تنظيم الجبهة الاسلامية القومية (الجيل الثالث والرابع والخامس) بُدَّاً من عزل الفئات المحافظة المشوشة لها فقد فعلت، وذلك بعزل وإبعاد الجيل الأول والثانى (الترابى وصحبه) من جهاز الدولة. وهى أول سابقة من نوعها فى تاريخ التربية السلوكية السودانية، حيث عُزِلَ الروَّادُ بواسطةِ أتباعهم. وأنظر إلى ما جرَّه ذلك من فتن (تلك التى تورَّع عنها أصحاب البصائر، وكان الطيب صالح كثيراً ما يجهر بخوفه من هذا النوع من التغيير) قسَّمتِ الوطن، ووقع باقى جحيمها على أبرياء دارفور والنوبة والأنقسنا وغيرهم (وجرمٌ جرَّهُ سُفهاءُ قومٍ، فحلَّ بغيرِ جارمِهِ العذابُ).

    لقد فعلتْ هذه الفئة فَعلتها التى فعلت، وبدأت تُثَبِّطُ همم التغيير المتوقع من خارجها بكلِّ الوسائل، الإعلامية منها، والأمنية، وما عُرِفَ مؤخراً بالجهاد الإلكترونى. وكانت تُكرِّس لِأيديولوجيا اليأس وإنعدام البديل لدى الأحزاب الأُخرى المسقوفة بأُؤلئك الشيوخ الميئوس مع وجودهم إحداث التغيير، بل وبدأت تُجنِّد وتستميل أنصار تلك الأحزاب من الشباب لصالح مشروعها المتهافت بكلَّ الوسائل. وما لم يحدث تغيير فى ديموغرافيا الأحزاب السياسية الممانعة، يسمح بصعود الفئات القادرة على جلب التغيير، فإنَّ التغيير سيكون محكوماً عليه بالفشل.

    فكلُّ رؤساءِ أحزاب التجمع الوطنى الديمقراطى التى خرجت فى عام 1989م لتعارض النظام عسكرياً ومدنياً، لا تستطيع أنْ تتبنى ذلك الخيار الآن وهى بتركيبتها الديموغرافية الحالية. وانظر لحالها: حزب الأمة من الجهاد العسكرى، إلى الجهاد المدنى، إلى المشاركة فى السلطة، وربما مصاهرتها. الإتحاد الديمقراطى من القبول لكل أنواع الجهاد السابقة بحكم ترؤس رئيس الحزب (رضى الله عنه وأرضاه) للتجمع الوطنى الديمقراطى إلى المشاركة فى السلطة. الحزب الشيوعى من سلاح التغيير الثورى إلى سلاح الدعاء، وعلى ذلك قس (موقف الأمام الصادق فى نداء السودان، هو بإيعاز من جيل د. مريم الصادق).

    وحتى الجبهة الإسلامية القومية التى تحكمنا بعناصرها الحية من ربع قرن، والتى شاخت الآن، قد فطنت إلى حقيقة أنَّها بتركيبتها الحالية ستصبح غير قادرة على صناعة التغيير أو مجابهة ذلك التغيير القادم من خارجها، فصعدت منذ أقل من عام، كوادرها الشابة تلك التى طالبت بالتغيير، لتقود مقاليد الأمور بالبلد. إذا،ً فالجبهة الإسلامية، شئنا أم أبينا، تتقدم علينا بمسألة الإنتباه للعمر حين استدار الزمان دورته. ففى ظل 25 سنة، هاهى تصعِّدُ القوى الحية مرتين، ونحن فى سُباتنا/يأسنا العقيم.

    العالم من حولنا، يحترم هذه الفئة التى نحن بصدد تغييرها، ولا يخرج عليها ولا يغمطها دورها، كما فعلت الجبهة الإسلامية القومية العآقَّةُ بعرَّابِها، ويُحولها إلى فئات إستشارية، فئات حكماء، وإنْ شئتَ فقل مجلس شيوخ (حالة أمريكا) أو مجلس لوردات (حالة بريطانيا). ونحن فى عالمنا الأبوى هذا وما عليه من أخلاق سودانية، علينا ألاَّ نُقصى أكابر قومنا على طريقة الجبهة الإسلامية القومية، ولكن عليهم أن يترجلوا طواعيةً لأَنَّهم غير مفيدين فى عملية إحداث التغيير. وإن لم يفعلوا (وذلك يصب فى مصلحة النظام)، فعلينا أن ننتظر، "فمنهم من قضى نحبه، ومنهم من ينتظر وما بدَّلوا تبديلا".

    وأنا من الموقنين بأن ليس بين هؤلاء الأكابر من بدَّل فكره، أو موقفه من هذا النظام اللعين اليَجتهد فى إنتزاع حالات مناصرِة له من الضعف الإنسانى لخصومِهِ، ولكنَّها الشيخوخة.

    يُتبع ...
                  

12-11-2016, 05:40 AM

حسين أحمد حسين
<aحسين أحمد حسين
تاريخ التسجيل: 09-04-2014
مجموع المشاركات: 1281

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حيثيات التشكّل الإقتصادى – الإجتماعى فى � (Re: حسين أحمد حسين)

    قراءة تحليلية للتشكُّل الإقتصادى/الإجتماعى والطبقى فى السودان:

    1- لعلَّ من أَهمَّ الملاحظات المتعلقة بالتشكُّل الإجتماعى وبالتالى بالصراع الطبقى فى السودان، هو فشل شريحة الدولة منذ الإستقلال فى الوقوف على الحياد من الشرائح المسيطرة إقتصادياً فى السودان، بل انحازتْ إليها على حساب الطبقات الفقيرة، مما أدَّى إلى خلق إقتصاد قومى غير متجانس، وزادتْ على أثره الفروق الإجتماعية بين أفراد المجتمع، وبين الريف والحضر (المركز والهامش)، وتعمَّقتْ حدة الصراعات الطبقية التى وصلتْ إلى مرحلة الحروب الآن.

    2- لقد كانت الشريحة التجارية تحت قيادة التجار الأجانب فى البدء ومن ثمَّ تحت قيادة تجار الختمية، كما رأينا بعاليه، وتماماً كما قالت جانيت من قبل، هى الأكثر إلتصاقاً بشريحة الدولة والحاضن الرؤوم للعناصر الطفيلية حتى من دون علمها كما ذكر أعلاه. وبالتالى ظلَّتْ على الدوام شريحةً مهيمنة، أو قريبة من مركز الهيمنة. كما أنَّها كانت تتبادل مركز الهيمنة هذا مع الشريحة الزراعية (بقيادة الأنصار ومن جاء خلفاً لهم بعد مشروع الهندى للإصلاح الزراعى)، ومع برجوازية الدولة التى كانت تتبع بالأساس للختمية.

    لم يحدث أنْ تبادلت الشريحة التجارية مركز الهيمنة هذا مع الشرائح العُمالية والقوى الحديثة على كثرة أفرادها (85% من الشعب السودانى). ومردُّ ذلك إلى غياب حزب عمال وقوى حديثة ينافح عن هذه الشريحة. أما الأحزاب التى تتحدث بإسمها، فهى أحزاب عقائدية (والعقائدة مسألة غير جاذبة لسائر العمال/أهل السودان، أصحاب التدين الصوفى الغالب. اللهم إلاَّ القلة القليلة المعتنقة لتلك العقائد) صغيرة الحجم بيد أنها كثيفة الفاعلية، مُحارَبَة من قبل الليبرالية العالمية، ويُغيِّبها عن ساحة العمال والقوى الحديثة تحالفها المرحلى العتيد (60 سنة) مع الشرائح الرأسمالية لإنجاز قضايا العمال والقوى الحديثة السودانية.

    كما أنَّ لاعباً جديداً قد ظهر فى حلبة الصراع الإجتماعى منذ سبعينات القرن المنصرم، وهو شريحة رأس المال المالى بقيادة الجبهة الإسلامية القومية، وقد بدأ يُزحزح القيادة التقليدية لهذه الشريحة (تجار الختمية)، خاصةً بما اقترف من ممارسات طفيلية ومعاملاتٍ فاسدة. كما أنَّه إتخذ من الأحزاب العقائدية التى تتحدث عن العمال والقوى الحديثة غريماً، وناصبها العداء منذ بواكير النشوء؛ هذا إن لَّم يكن هذا اللاعب قد صُنع خصيصاً لمحاربتها كما تشير بعض الدراسات.

    3- على الرغم من الإنفاق الحكومى الداعم لِإتمام التمدد الرأسمالى وحماية الشرائح المسئولة عن تمدده بعد خروج المستعمر وحتى نهاية عام 1989م، والداعم أيضاً لمحاربة الشيوعية بإنشاء مشروعات بالكاد تكفى لتغبيش الوعى الطبقى بإيعاز من النظام الليبرالى العالمى، إلاَّ أنَّ الوعى الطبقى بين الفئات المستضعفة كالعمال والموظفين، والفئات المستنيرة (الإنتلجنسيا السودانية)، كان عالياً؛ ويرجع الفضل فى ذلك للأحزاب التقدمية. وقد بدأ شركاء العملية الإنتاجية من هذه الفئات يُطالبون الدولة بتحسين أوضاعهم.

    وبالمقابل، ولأغراض مكافئة الأثر الناجم عن المطالبة العمالية، فقد بدأتْ الشرائح الرأسمالية مطالبة الدولة بتوفير مناخ جيِّد للإستثمار، على ما يعنيه ذلك من ضبط الحركات المطلبية التى تنادى بخفض الأسعار، وزيادة الأجور الأمر الذى قد يؤثر على الأرباح.

    ولمَّا كانت شريحة الدولة دائمة الإنحياز للطبقات الغنية على حساب الفئات المستضعفة، فقد إستطاعتْ شرائح النخبة الإقتصادية أنْ تُجيِّر عائدات العملية الإنتاجية لصالحها، وذلك بالتغوُّل المستمر على حقوق الفئات المستضعفة، وإخراص أصواتِهم بوسائل غير ديموقراطية (كحل النقابات المتكرر أو تجاهل مطالبها، أو حل الأحزاب التى تتحدث بإسمها) آخرها نقابة المنشأة المتناقضة المصالح، والتى يرأسها الوزير أو المدير فى المنشأة المحددة، ويكون العمالُ تبعاً متابعاً فقط.

    4- النخب الإقتصادية فى السودان (وفى جميع دول العالم الثالث) غير قادرة على العيش فى مناخ ديموقراطى. إذْ أنَّ الديموقراطية تقتضى وقوف شريحة الدولة على مسافة متساوية من طبقات المجتمع، وتدير العملية الإنتاجية لصالح كلِّ الشركاءِ فيها. وهو أمرٌ لم يحدث قط فى تاريخ التشكُّل الإقتصادى/الإجتماعى فى السودان، وذلك ببساطة لأنَّ هذه النُّخب لا تريده (ما غَنِىَ غنىٌّ إلاَّ على حسابِ فقير)، والخطاب الليبرالى العالمى أيضاً لا يريده، على الأقل فى المراحل الأُولى من التشكل الرأسمالى فى السودان. وذلك لأنَّه عبر الديمقراطية فى السودان، قد يأتى إلى سدة الحكم صوت راديكالى ينادى بمحاربة النظام الرأسمالى، ومحاربة البضائع الرأسمالية، ويا طالما تمَّ قمع هذا الصوت لهذه الأسباب.

    لذلك نجد أنَّه كلما علا صوتُ الراديكاليين (المتحدث بإسم الشق الآخر من شركاء العملية الإنتاجية) فى الفترات الديموقراطية، أوحى الخطاب الليبرالى العالمى للشريحة ذات الهيمنة أنْ تسلِّم السلطة إلى عسكريين من إنتخابها هى. لذلك لم يتجاوز مجموع عمر الديموقراطيات فى السودان فى الفترات المختلفة 11 سنة، مقارنةً بـأكثر من 46 سنة من الحكم الديكتاتورى. وكثيراً ما نجد وشائج إرتباط طبقية/حزبية بين الشريحة المهيمنة والأنقلاب العسكرى التالى لها.

    5- ولكن الآن، وبعد أنْ إكتمل تمدد النظام الرأسمالى على البسيطةِ كلِّها، لم يعد الخطاب الليبرالى العالمى راغباً فى إجهاض الديموقراطيات. فدعم الديكتاتوريات من قِبَل النظام الرأسمالى، فوق كونه يُمثِّل حالة من التناقض المذهبى وازدواج المعايير، فقد وُجِدَ أنَّه يضرُّ بعمليات تراكم الأرباح فى المدى الطويل.

    فوجود ديكتاتوريات فى مرحلة الليبرالية الجديدة (Neoliberalism)، يُعتبر عائقاً فى سبيل مضاعفة الأرباح، ويسمونه الرأسماليات "عليلة الليبرالية" (Ill -Liberalist Forms of Production)، وتُشنُ ضدها حروب واسعة الآن؛ أسميها حروب رأس المال، والليبرالية العالمية لِأَغراض تسويق تلك الحروب تسميها حروب الربيع العربى.

    إذاً، المناخ من الناحية العالمية مواتٍ الآن لِإنجاح أى ديموقراطية قادمة. فلنستثمر شبح الحرب الرأسمالية الحتمية القادمة (ربَّ ضارةٍ نافعة) على بلدنا ونستغلَّها لصالح القضاء على هذا النظام الديكتاتورى الذى لايعى ما يدور من حوله. والذى أزعُم أنَّه لو إنتبه، سيتنازل عن الحكم نظير السلامة، ونظير عدم محاكمته لما اقترف من جرائم، ببساطة لأنَّه يحب الحياة. فما فائدة سرقة كل هذه الأموال ثم يموت ويتركها وراءه.

    كما أنَّ فقراء تنظيم النظام الحاكم، لن يموتوا نيابةً عن أغنيائه كما فعلوا فى حرب الجنوب، أيام الأيديولوجيا الدينية فى أوجها. ولكنَّ الأيديولوجيا تلك، قد ذهبتْ الآن أدراج الرياح، وليس ثمة شئٍ مقدسٍ فى حقيقة الأمر. بل الأمرُ برمَّته صراع طبقات إجتماعية على السلطة، إستُخْدِم فيه الدين ليُغطى على ممارسات دنيوية ملئها الفساد المالى والإخلاقى، وتعدَّى الأمر إلى إفساد عقيدة أهل السودان السنِّية، بإشاعة التشيُّعِ بينهم، فخرجَ كثيرٌ من النَّاس عن جادَّةِ الدِّين.

    إذاً، لن يلدغ بروليتاريا الجبهة الإسلامية القومية من جحرِ تنظيمهم مرتين، بإفتراض أنَّهم عقلاء (ومتدينون صادقون)، وقد رأوا من فسادِ قادتهم ما يجعلهم يحجمون. تماماً كما فعل فقراء الأنصار "المستنيرون" فى يومٍ من الأيام، حينما سألهم أحد أئمة الأنصار أن يأتوا ليذودوا عنه مقابل شبرين فى الجنَّة، فقالوا له: "لا لا، نريدهما فى الملازمين".

    6- لعلَّ القمع المستمر بواسطة الخطاب الليبرالى العالمى للأحزاب المتحدثة بإسم الفئات الحية العمالية والمستنيرة فى السودان حتى عام 1989م، والتحالفات العليلة، والقمع المتواصل لهذه الفئات بواسطة الشرائح الرأسمالية والديكتاتوريات العسكرية الموالية لها لأكثر من 46 سنة، أدى إلى غياب الدور الفاعل/المثمر للأحزاب المتحدثة بإسم الشرائح العمالية والقوى الحديثة السودانية (المغيَّبة عمداً فى المشهد السياسى السودانى) فى أنْ تنجز مشروعها الديموقراطى (أو قل الثورة الوطنية الديموقراطية). واكتفت بدور تابع لأحزاب الشرائح الغنية، عبرت عنه الأحزاب المستنيرة المتحدثة بإسم العمال والقوى الحديثة "بالتحالفات المرحلية" والتى استمرت لمدة 60 عاماً، آخرها "التجمع الوطنى الديموقراطى" فى المهجر، وتحالف "قوى الإجماع الوطنى" بالداخل، وأخيراً صيغة "البديل الديموقراطى"، ومؤخَّراً "نداء السودان" بشروط مختلفة قليلاً.

    والمرء ليعجب كل العجب، كيف يتبع 85% من الشعب السودانى (بينهم مستنيرون) لإرادة 15% منه وهى كتلة الشرائح الغنية فى السودان (أُنظر إلى تناقض المصالح)؟ لماذا فشلت الأحزاب المستنيرة، رغم قواعدها الشعبية العريضة، فى إقامة حكم ديموقراطى يحقق طموحاتها لمدة 60 سنة ويزيد؟ أين الخلل؟ هل هو فى الشعب السودانى معلم الشعوب الحرية والنضال، وهو بالفعل كذلك، أم أنَّ الخلل فى أُطروحات الأحزاب المستنيرة؟

    أنا أميل إلى وجهة النظر القائلة بوجود الخلل فى أُطروحات المتعلمين السودانيين وأحزابهم المستنيرة التى تتحدث بإسم العمال والقوى الحديثة (بإسم الشعب السودانى). فكيف يُعالج هذا الخلل؟ هل من أُطروحة سياسية جديدة مستنيرة تعيد التوازن فى العملية الإنتاجية لصالح كل الشركاء (إنْ لَّم تكن لصالح الفقراء والقوى الحديثة تخصيصاً، بأثر تعويضى)، وتريحنا من حلقات التحالفات المرحلية المفرغة مع الشرائح الرأسمالية؟

    أخشى إن لَّم تنتبه القوى المستنيرة والأحزابُ المتحدثة بإسم العمال والقوى الحديثة، أن يتجاوزها الزمن. إذْ أنَّ تداعيات الأحداث، قد تأتى بالأطروحة الجديدة التى نتحدث عنها ومنذ زمنٍ طويل من خارجها، ووقتها لن يكون القول الفصل بيدِ القوى المستنيرة، وربما بيدِ إنتهازىٍّ من الذين تحارب، فنكونُ "يا بدرُ لا رحنا ولا جينا"، ونعود ونستمر من ثانِ فى خبل التحالفات العقيمة. ولعلَّ ثورات ما يُسمى بالربيع العربى تؤيد ما نقول، إذْ أنَّها أتَتْ بموزاييك سياسى، الفاعلية فيه للذين يقدرون على إعادة إنتاج الحدث (الثورة)، وتجييره لصالح الفئات التى يُمثلونها؛ فأين نحن من ذلك؟

    7- لقد ترتَّبَ على الخلل المصاحب لِأُطروحات النخبة المستنيرة فشلها المزمن (اللهم اشفِ أُستاذنا د. منصور خالد) فى إستجلاب عضويتها من العمال والإنتلجنسيا السودانية القابعة فى أحضان أحزاب النخب الإقتصادية لستٍ من العقود. كما أنها أخطأت التقدير مرتين وهى تدخل فى تحالفاتها المرحلية مع الشرائح الرأسمالية بعد عام 1989م.

    التقدير الخاطئ الأوَّل يتمثل فى أنَّ المعارضة (التجمع الوطنى الديموقراطى) كانت تتوقع دعماً لا محدوداً من الغرب نظير الإعتداء على ديموقراطيتها. وقد كانت تجهل أنَّ الإنقضاض على ديموقراطيتها فى الأصل قد تمَّ بإيعاز من الغرب للشريحة ذات الهيمنة. كما نسيت حقيقة مهمة وهى أنَّ الغرب كان يقدم الدعم التنموى وغيره للدول الفقيرة وحركات التحرر وجماعات الضغط، فى إطار حرب باردة تتطلب توازناتها بين الغرب المهيمن والشرق المقاوم للهيمنة، تمرير بعض الجرعات التنموية ذات الطابع الأمنى لكى لا يُعاق تمدد النظام الرأسمالى، والإنتقال به من مرحلة إعادة الإنتاج البسيط (Simple Reproduction of Capital)، إلى مرحلة إعادة الإنتاج المعقد/التراكبى (Extended Reproduction of Capital). وقد إكتملت حلقات ذلك الإنتقال بإنهيار المعسكر الإشتراكى فى عام 1989م، وبعدها ما عاد دافع الضرائب الغربى يسمح بأىِّ دعم يذهب للعالم الخارجى بدعاوى تمديد وإعادة إنتاج النظام الرأسمالى، والذى بات يتمدد بشكل ذاتى. وقد إنحسر دعم الدول الغنية للفقيرة إلى أقل من 1.1% بعد عام 1989م (بعض أسخياء النظام الرأسمالى (كبِلْ قيتس) فاقت إعاناتهم لفقراء العالم الثالث إعانات الإدارة الأمريكية). حتى أنَّ بعض الكتابات بدأت تتكلم صراحةً عن موت الأيديولوجيات التى تبرر ذلك الدعم (فوكاياما 1992م)، وأُخرى تحدثت بَواحاً عن موت التنمية ( رِستْ 2002م).

    إذاً، تُركت المعارضة (التجمع الوطنى الديموقراطى) لموتها السريرى، ولِملَلِها الداخلى، إلى أنْ بُثَّتْ فيها الروحُ من جديد بتداعيات حروب رأس المال الجديدة فى المحيط العربى المجاور.

    التقدير الخاطئ الثانى هو أنَّ التجمع الوطنى الديموقراطى لم يدرك أنَّ خروجه من السودان كان داعماً للنظام المحاصر إقتصادياً وعسكرياً من وجهتين. الأولى تقليل الإحتكاك اليومى بالمعارضة، والثانية أنَّ تحويلات السودانيين العاملين بالخارج قد ساهمت مساهمة فعالة فى عمليات تمويل إستخراج البترول (50% من تمويل البترول إستقطعت من قطاعى التعليم والصحة، والباقى من تحويلات السودانيين العاملين بالخارج) الذى بدأ يُكسِبُ النظام بعضاً من شرعية على صهوة المنجز الإقتصادى، أو قُلْ بدأ يُكْسِبُهُ قيمة مضافة سياسية.

    8- ولعلَّ المعارضة قد أخطأت أيضاً فى تقدير ثبات الشرائح الغنية (التجارية والزراعية) كفصيل معارض لشريحة غنية أُخرى (شريحة رأس المال المالى) ومن ثمَّ إسقاط نظامها. فذلك الملل الداخلى الذى أصاب التجمع، أصاب أول ما أصاب، الشرائح الغنية المعارضة. فمنها من إنشقَّ ووالى النظام، ومنها من إهتدى (تهتدون) ووالى النظام، إلى أنْ إستوت مجتمعةً كلُّها الآن فى خندق/حلف النظام.

    وذلك لعمرى مكانُها الطبيعى فى إطار التشكل الإقتصادى/الإجتماعى. وما هو غير طبيعى هو إنتظار الأحزاب المتحدثة بإسم الفئات المستضعفة والمستنيرة لتحالف جديد مع أحزاب النخبة الإقتصادية (كوثيقة البديل الديمقراطى/نداء السودان)، لينجز لها مشروعها الديموقراطى. أىُّ خطلٍ هذا!! أما آن الأوان لهذه الأحزاب المستنيرة أنْ تبحث لها عن صيغة تلبِّى الطموحات المادية والمعنوية لفئات المستضعفين والقوى المستنيرة فى البلد، وتجمعهم فى حزبٍ واحدٍ واعدٍ مستنير!

    لا تُعيدوا علينا هذه الأسطوانة المشروخة، وجددوا أُطروحاتكم، واخرجوا علينا بصيغةٍ تجمع كل العمال والقوى الحديثة فى السودان تحت رايةٍ واحدة تلبى كل تطلعاتهم، الروحية منها والمادية. فأحزاب الشرائح الرأسمالية لا تمثلنا، وتتناقض مصالحها مع مصالحنا، فلماذا نتحالف معها (على الأقل فلنتحالف معها بشروطنا نحن)؟

    9- لا يمكن إنجاز حكم ديموقراطى (والحديث موجه للموقعين على وثيقة البديل الديموقراطى/نداء السودان من الأحزاب المستنيرة) بالتحالف مع شرائح رأسمالية عاجزة عن العيش فى مناخ ديموقراطى. إذاً، لابد من عمل يكافئ/يوازى هذا العجز، ولا بد من عمل شئٍ يجعل شريحة الدولة فى غنىً عن أنْ تتحالف مع أىٍّ من الشرائح الإجتماعية السودانية. وذلك فى تقديرى يكمن فى وجود حزب جامع لكلِّ العمال والإنتلجنسيا السودانية يوازن معادلة العملية الإنتاجية، ويشارك فى مراقبة حيادية شريحة بورجوازية الدولة؛ كما يكمن فى وجود خدمة مدنية مجزية ومستقلة، جيش قومى مستقل ذى هيبة، وبوليس عفيف ومستقل، وقضاء فى كامل الإستقلالية.

    10 – التحالف مع شرائح النُخبة الرأسمالية العاجزة، بالتجربة، عن العيش فى مناخ ديمقراطى، يجعل الشعب السودانى مُحِقَّاً (خاصةً قواه الحية العمالية والمستنيرة اليائسة يأس السنين (60 سنة) بسبب ضعف التوظيف والقيمة غير المُجزية لسعر العمل؛ التى ترى من يُمثلها من أحزاب، غير فاعل فى إحداث توازن فى العملية الإنتاجية لصالح كافة شركائها؛ لِما عانته هذه الأحزاب من قهرٍ وحيفٍ وظلم، وللخلل البيِّن فى أُطروحة هذه الأحزاب عن أن تجتذب أعضاءها طرف أحزاب الشرائح الرأسمالية، وللتحالف المزمن مع أحزاب شرائح النخب الرأسمالية هذه) فى أن يسأل عن البديل.

    نعم البديل هو أنتَ وأنا والجميع؛ ولكن تحت أىِّ مظلة من مظلاَّت الأُطروحات السياسية المبذولة الآن؟ هل التحالفات المطروحة تشكل بديلاً حقيقياً للعمال والقوى المستنيرة فى السودان، أم أنَّها تحمل بذرةَ فنائها بداخلها؛ وبالتالى نكون على أعتاب إنقلابٍ جديد؟

    أنا فى تقديرى المتواضع، أرى البديل فى تكوين أُطروحة سياسية (حزب/كيان سياسى) قادرة على تلبية كافة مصالح العمال والقوى الحديثة الروحية والمادية، وبالتالى قادرة على إحداث توازن فى العملية الإنتاجية. وإذا تمَّ إحداث ذلك التوازن، نستطيع أن نَّبنى السودان بإذنِ الله.

    11- لعلَّ من الأمور التى لا تُخطئها العين، هو إهتمام شريحة رأس المال المالى (الجبهة الإسلامية القومية) بقطاع الشباب. وهو أمر تنفردُ به فرادةً تجعلها الأكثر تأهيلاً لصناعة التغيير. تعتنى هذه الشريحة بكوادرها، تحرص على تعليمهم وتفوقهم، تنفق على تدريبهم وتأهيلهم لنيل أعلى الدرجات. لم نسمع بين كوادر هذه الشريحة من تمَّ تفرغيه للعمل الحزبى المحض، أو عُطِّلَ تخرجه ليقوم بمهام حزبية داخل المؤسسات الأكاديمية (ومن فُعِلَ به ذلك، زُوِّرتْ وحُرِّرَتْ له الشهادات التى تثبت تفوقه فى غيابه).

    وبالمقابل، تحرص القيادات الشائخة للشرائح الرأسمالية الأخرى (وحلفاؤها) كالشريحة الزراعية والتجارية (الأنصار والختمية) على تعليم وتأهيل أبنائهم هم كأُسر، على حساب القطاعات الشبابية فى أحزابهم. والبعض من هذه القطاعات يعمل فيما يمكن نعته بالسُخْرَة (فيما يشبه التفرغ للعمل الحزبى عند الأحزاب التقدمية) لخدمة آل بيت هذه الطوائف. وعليك أن تتصور التغييب الذى يحدث لقطاعات الشباب هذه.

    كما أنَّ الأحزاب التقدمية التى تتحدث عن العمال والقوى الحديثة حين تُفرغ أعضاءها للعمل الحزبى، فهى بالأساس تؤدى إلى إعاقتهم من الناحية الفنية العملية والمعرفية؛ والقليل جداً من بينهم من حظى ببعثات تعليمية وتدريبية خارج بلدهم مقارنة بأعضاء شريحة رأس المال المالى. والمحصلة هى يأس الفئات المناط بها التغيير داخل هذه الأحزاب.

    أما العمال والقوى الحديثة السودانية أهل الوجعة، فلا أحد يهتم بهم، لعدم وجود حزب نابع منهم، يحمل إسمهم، ويشارك فى عملية إحداث التوازن فى العملية الإنتاجية الذى من شأنه أن يجعلهم فى دائرة الإهتمام تعليماً وتدريباً وخبرةً. إذ أنَّ الشرائح الرأسمالية مشغولة بتأهيل أعضائها من الشباب والشباب من أفراد أُسرها، كما أنَّ التدريب الذى تناله الأحزاب التى تتحدث بإسمهم لا يعنيهم فى شئ، وبالتالى يتحولون إلى عالمِ منسىٍّ بالكلية.

    هذا الواقع من الديموغرافيا الحزبية المختلَّة: كهول يتقدمون التغيير فى أحزاب الممانعة، وشباب يائس وضعيف التعليم والتدريب والتجربة، وقابع فى المقاعد الخلفية للتغيير؛ كلُّ ذلك يجعل مسألة التغيير فى غاية التعقيد، ما لم تكن هناك أُطروحات حزبية جديدة مناهضة لهذا الواقع.

    يُتبع ...
                  

12-11-2016, 05:49 AM

حسين أحمد حسين
<aحسين أحمد حسين
تاريخ التسجيل: 09-04-2014
مجموع المشاركات: 1281

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حيثيات التشكّل الإقتصادى – الإجتماعى فى � (Re: حسين أحمد حسين)

    آفــــــــــاق التغيير السياسى:

    تظل الأسئلة المرتبطة بالتغيير السياسى (من نوع: هل نحن على مسلك التغيير، من المستفيد منه، لماذا تأخر عندنا، وهل من بارقة أمل) أسئلة مِلحاحة، وذلك لأنَّها دالَّة فى الزمن وفى تفاقم الأزمة؛ الأمر الذى يعنى تراكم أثرها الفادح على الفئات الضعيفة. ومِمَّا يزيد طينة الأسى بِلَّة، أنَّ الإجابة على هذه الأسئلة ليست، بالطبع، بلا أو نعم فى أرينة الإقتصاد السياسى، ولكنَّها تُستقصى من بين فرثِ الخطاب الأيديولوجى، ودمِ الصراع الإجتماعى/الطبقى.

    وللوصول لإجابة على تلك الأسئلة نحتاج إلى المنهج البصير الذى يُملِّكُنا الأدوات التى تفتح مغاليق الصراع وتفسِّر تناقضاتِه، وتجعلنا قاب قوسين أو أدنى من الحقيقة. وفى تقديرى المتواضع كلما بَعُدَ المنهج - أىُّ منهج - عن الأيديولوجيا (ما استطاع إلى ذلك سبيلا، فالأيديولوجيا مهمة للتعبئة والتحريض)، صارَ متحرِّرَاً من كُبريات العلل الحاجبة للبصيرة؛ وما أحوجنا إلى العقل الحر والتفكير الحر.

    على المستوى العالمى: هناك حقيقتان مهمّتان يجب الإنتباه لهما:

    أولاً: لعلَّنا نحتاجُ أكثر مِمَّا مضى لقراءة حصيفة لمتغيرات هذا العالم المتعولم، وذلك لمعرفة موقعنا من الإعراب السياسى والإقتصادى والإجتماعى. وبالرغم من أنَّ العالم فى إتجاهِهِ العام ينزع نحو السِّلْم (فى المركز الرأسمالى على الأقل)، إلاَّ أنَّ نزوعَه نحو السلم نُزوعٌ صراعى؛ نزوعُ صراعٍ على البَقاء بالمعنى الدارج للكلمة. ولذلك نجد أنَّ سيرورةَ هذا العالم على الدَّوام محتدمة بصيروراته، والتى فى شكلٍ من أشكالها تمَّ نقل الصراع بين دول العالم فى المركز ليكون فى أطرافِه.

    لقد إنتهى زمان المواجهات بالجيوش التقليدية فيما بين الدول الكبرى إلى غير رجعة بانتهاء الإستعمار السياسى، غير أنَّ المواجهات حتى نهاية الحرب الباردة بقيت على الصعيد الإقتصادى، وبالتالى انقسم العالم على أثرِ ذلك إلى معسكرين شرقى وغربى؛ إنقساماً أفضى إلى العديد من الحروب بالوكالة (حرب فياتنام، الحرب الكورية، الحرب العراقية الإيرانية، إلخ).

    غير أنَّ العالم الآن، ما عاد حادَّ الإنقسام بين قضبين نقيضين أحدهما رأسمالى وآخر لا – رأسمالى؛ فالكلُّ رأسمالىٌ وإنْ أبَى. ولعلَّ هذه الحيثية العالمية بادية للعيان منذ زمنٍ ليس بالقصير، حتى قبل نهاية الحرب الباردة بسنينَ عددا، إذا نظرنا إلى واقع العالم بمنظور "روزِنشتاين رودان" القاضى بأنَّ: "الدولة تصبح رأسمالية بمجرد أنْ تُنتجَ للسوق" (الداخلى، ولا سيما العالمى)؛ وإنْ سمَّت نفسها إشتراكية أو شيوعية أو شعوبية.

    فالآن أمام العالم الثالث/السودان ثلاثة نماذج رأسمالية حسب تصنيف كوكس (Cox): النموذج الأنجلوساكسونى، النموذج الإسكندنافى، والنموذج الآسيوى (جنوب شرق آسيا + 3). والنموذج الإسكندَنافى فى تقديرى المتواضع هو فى الحقيقة نموذج أنجلوساكسونى قطع شوطاً كبيراً فى التوازن بين شركاء العملية الإنتاجية؛ أؤلئك الشركاء الذين يَعْطون حسب قدراتهم، ويُكافئونَ بحسب إحتياجاتهم ومن غير إستغلال للعمل.

    أمَّا النموذج الأنجلوساكسونى، فمازال يحتفظ بإمبرياليته المستغلَّة للشعوب الضعيفة خاصة فى أفريقيا وأمريكا اللاتينية (ولو بدرجةِ أقل فى الأخيرة على الأقل)، ولا يتورَّع هذا النموذج فى التواطؤ على إبتزاز العمل (بل كل العملية الإنتاجية) داخلياً، وخارجياً كما فى هاتين القارتين. وقد أفلتَ من إمبرياليتِهِ القُحَّةِ هذى، النموذج الأسيوى باحتمائه بالدولة المحورية الصين، وبثلاث دول نووية (ربما أربع) أُخرى هى الهند، والباكستان، وكوريا الشمالية وربما إيران. ولذلك يكاد يخلو إقليم جنوب شرق آسيا من الحروب الرأسمالية بفضل هذه المَيْزة.

    وما لم تمتلك هاتان القارَّتان من القدرات التسليحية (النووية) ما يجعلهما قادرتين على ردع النموذج الإمبريالى، ستظلاَّن محلَّ ابتزازه على نحوٍ واسع. وإنْ كان هذا الإبتزاز قد بدأ يُعطى مؤشِّراً على الإنحسار بدخول الصين وروسيا كمستثمِرَيْن رأسمالِيَّيْنِ فى أفريقيا وأمريكا اللاتينية خلال الثلاثين سنة المنصرمة؛ وبالتالى صارتا قادرتين على حماية إستثمارتهما فيهما وعلى حماية الدول المضيفة لهما بالسلاح وحق النقض فى مجلس الأمن مساندةً لهما.

    والآن، تأخذ الحروب الرأسمالية شكلاً آخراً، يُسمَّى بالحروب الداخلية، أو الحروب الذكية، أو الحروب بين النَّاس (حرب نادراً ما يموت فيها جند العالم الأول، الضربُ فيها من عَلٍ). وبالرغم من أنَّه كان من المتوقع أن تقل الحروب بعد الحرب الباردة (فالعالم كلُّهُ رأسمالى الآن)، وتقوم المعاملات الدولية على أساس تبادل المصالح المشتركة، إلاَّ أنَّ الأمر ليس بهذه البراءة/البساطة (لا توجد رأسمالية بلا شرور كما يقول سمير أمين).

    فالحرب متلازمة من متلازمات النظام الرأسمالى، والذى يعمل وفق نموذجٍ دائرى (منذ الحروب الدينية فى القرن السادس عشر) الحرب فيه أداة سرمدية لإعادة صياغة الشعوب على نحوٍ مُدِرٍّ للربح كما يقول مارك دوفيلد (Mark Duffield 2008). وفى هذا النموذج الحرب تعقب الكساد (تناقص الأرباح/الكساد – الحرب – تسوية إقتصادية جبرية – تناقص الأرباح/الكساد - فالحرب من جديد... وهكذا دواليك الديالكتيك الرأسمالى المشئوم)، والعاقل من يُجنِّب شعبه ويلات الحروب بالوصول إلى التسوية التى تبعد شبح الكساد/الحرب بأىِّ وسيلة (كأنْ تخلق جزيرة من العدم فى عرض البحر، تزرع الزهور فى الصحراء الكبرى، أو تعمل مترو لمدينة من مُدنك الرئيسية حتى إن لَّم تكن تحتاجه، تعيد بناء عاصمتك على نحوٍ عصرى، إلخ؛ فكل ذلك خيرٌ من ويلات الحرب).

    ففى هكذا واقع، حيث أنَّنا على أعتاب عالم مملوك لرجال الأعمال، وأدوات الحرب/أدوات التغيير فيه يتحدَّدان بالربح والخسارة، أىْ صار السلام رأسمالياً والحرب رأسمالية، فإنَّنا نلحظ أنَّ تلك الأدوات تُمنح لمن يدفع ثمن الحرب/ثمن السلم أو لمن له جهة ضامنة لدفع ذلك الثمن. فلا توجد حرب بالمجان، ولا سِلم بالمجان، فالأمرُ كلُّهُ يتحدَّد (بالعرض والطلب) بالمتوقع من الربح والميزة/الكُلفة البديلة (Comparative advantage).

    هذا الواقع أثَّر اول ما أثَّر على حركات المُمانعة المعتمدة على الهِبات الأجنبية التى إضمحلَّتْ كثيراً (كما أشرنا من قبل) بعد نهاية الحرب الباردة، وبالتالى هذا الواقع يفرض علينا نوع الأداة المطلوبة للتغيير. فإذا أردنا الحرب/أو السلم، فلا مُمَوِّل لذلك غير جيوبِنا. بعبارة أُخرى، يجب ألاَّ تعول حركات الممانعة، العسكرية والمدنية، على أىِّ دعم يأتيها من الخارج لِإحداث التغيير، لأنَّه بات من غير الممكن فى الظرف الراهِن، ويجب ألاَّ تغيب عن وعينا التطورات التى مرَّ بها التجمع الوطنى الديموقراطى التى أشرنا إليها من قبل.

    ووفقاً لهذه التفاكير، فلابدَّ إذاً من التعاطى الحكيم والواعى مع الخطاب الليبرالى اليؤثر بشكلٍ دائبٍ فى وضعية التشكل الإقتصادى/الإجتماعى العالمى، حالة كونه ظاهرة متعولمة ومؤثرة فى واقعنا السودانى؛ فهو لا يرقبُ فينا نحن الفقراء إلاَّ ولا ذِمَّة. ولابد من الإبتعاد عن النزق السياسى المدفوع بِنَفْثِ الأيديولوجيا فى التعامل مع هذا الخطاب؛ لا سيما وأنَّه آحادى الهيمنة الآن، وصار أكثر شراهة بدخول لاعبين جُدد (الصين وروسيا وغيرهما) فى حلبته، وفوق ذلك فهو حليف أصيل للشرائح الرأسمالية على حساب الشرائح الأُخرى الضعيفة.

    فبدل أن يكون الحقد الطبقى (مفردة الحرب الباردة) هو دافعنا للتعاطى مع الوكلاء الرأسماليين فى العملية الإنتاجية العالمية والمحلية، فليكن دافعنا (خاصة فيما بعد الحرب الباردة) هو الشراكة المتوازنة (بل والمتراحمة من واقع سودانويتنا المعروفة) لخلق واقعٍ جديد، يُساهم فى بناء السودان (آسيا نمت من وراء ظهر النظام الليبرالى، بالسماع له، والتصفيق له، وفى الخفاء تُخالفه إلى ما ينفع شعوبها - Stiglitz 2006).

    ثانياً: من وجهة نظر الخطاب الرأسمالى العالمى الآن، يمكن القول بكلِّ طمأنينة، بأنَّ النظام العالمى الرأسمالى لم يعد راغباً فى إجهاض الديموقراطيات (على الأقل من الناحية الظاهرية). وذلك مرده، كما جاء آنفاً، إلى أنَّ الرأسمالية قد أكملت تمددها الأُفقى، ووكلاؤها المحليون ليسو فى حاجةٍ إلى دعم، وما عاد الخوف من الرادكاليين ممكناً بعد كل تلك الضربات المتلاحقة ومن ثمَّ إنهيار المعسكر الإشتراكى الذى يُشكِّل المثال والأشواق لتلك الجماعات. كما أنَّ دعم الديكتاتوريات من قِبل النظام الرأسمالى كما أشرنا آنفاً؛ فوق كونه يمثل حالة من التناقض المذهبى وازدواج المعايير، فقد وجد أنَّه يضرُّ بعمليات تراكم الأرباح فى المدى الطويل (يزيد من عمليات ميل الأرباح للتناقص).

    ولذلك فالنظام الرأسمالى يشنُّ حملتَه الشعواء منذ فترة ليست بالقصيرة على ديكتاتوريات العالم الثالث/الثانى، وعلى الأنظمة العضودة والصديقة فى المنطقة العربية، العاجزة عن تفجير ثرواتها بالقدر الذى يلبى ليبرالية ما بعد الحداثة. وذلك لانغلاق طريقة التفكير عند هذه الأنظمة فى نمط إنتاج خراجى (ريعى) متجذِّر فى المنطقة (سمير أمين 1980).

    فوجود ديكتاتوريات رأسمالية فى مرحلة النيوليبرالِزْم أمرٌ نشاز، ويعتبر عائقاً فى سبيل مضاعفة الأرباح، وتسمى هذه الديكتاتوريات بالرأسماليات عليلة الليبرالية، ويحاربها النظام الرأسمالى فى إطار حروب رأسمالية؛ أُختير لها فى المنطقة العربية هذه المرة إسمٌ أيديولوجىٌّ جميل هو "حروب الربيع العربى (النَّاسُ فى الربيع يُمطرون بالقُبَل، ونحن نُمْطَرُ بالقنابل العنقودية؛ فشتَّانَ ما بين ربيعٍ وربيع)" بغرض تسويقها؛ وهى حروبٌ بين النَّاس، لا تتقاطع فيها الجيوش القطرية التقليدية كما كان الحال على أيام "ثورة العرب"، كما كان يحلو لرجل المخابرات البريطانية توماس إدوارد لورنس (لورنس العرب) أن يُسميها عام 1916 (ما أشبه الليلة بالبارحة).

    إذاً، فالمناخ من الناحية العالمية مواتٍ للتغيير الديموقراطى. فلنستثمر هذا الواقع، ونستغله لصالح القضاء على هذا النظام الديكتاتورى الأخرق. وذلك بتنشيط الإتصال بجماعات الضغط المحبة للديموقراطية، وبتأليب المنظمات الدولية ضد هذا النظام (الذى ما انفكَّ يبطش بالنَّاشطين السِّلميين)؛ خاصةً تلك المدافعة عن حقوق الإنسان والحريات المنصوص عليها فى المواثيق الدولية، وبفضح جرائمه بالحقِّ والحقيق لا بالإفتئات، وبتعرية عِلاقاته بالأنظمة/المنظومات المشبوهة والإرهابية، ولا بد أن يعرِف العالم أنَّ هذا النظام هو الحاضن الرئيس للجماعات الإرهابية، والمموِّل لها بالمال والحماية والتخطيط والمؤآزرة.

    ونرجو ألاَّ يضطر هذا الشعب السودانى المسالم لخوضِ حربٍ مكشوفةٍ مع النظام فى الخرطوم؛ فالحروب هذه الأيام، هى أيضاً جزء من الروشتة الجديدة للحروب الرأسمالية المُطَالَبَة بإحداث توازن فى الخلل القائم بين الغذاء وعدد السكان.

    يُتبع ...
                  

12-11-2016, 06:02 AM

حسين أحمد حسين
<aحسين أحمد حسين
تاريخ التسجيل: 09-04-2014
مجموع المشاركات: 1281

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حيثيات التشكّل الإقتصادى – الإجتماعى فى � (Re: حسين أحمد حسين)


    على المستوى الداخلى:

    1- يحتاج التغيير (حرباً/سِلماً) إلى تمويل، وهو ما لا يملكه المنادون به، خاصةً من أصحاب الوجعة فى الداخل. وبالتالى يصبح تمويل التغيير مهمَّة السودانيين العاملين بالخارج (5-7 مليون مغترب/مهاجر). وليكون هذا التمويل مستداماً، فليكن فى شكل صندوق (Fund) بمساهمات شهرية من 1 - 10 جنيه إسترلينى لأىِّ فترة من الزمن (نرجو مراجعة الفكرة عند د. محمد أحمد محمود) وفى حساب معروف يديره/يضمنه أفراد مؤتمنون (د. مو إبراهيم، وعدد من الرأسمالية الوطنية التى لها مصلحة فى التغيير، كمثال).

    غير أنَّى أرى الجدوى الكبرى تكمن فى قيام بنك المغتربين السودانيين (Sudanese Expatriate Bank)، والذى نرجو أن يكون المؤسسون الأوائل له من حملة لواء التغيير، ومن ثمَّ يُفتح للإكتِتاب لكافة المغتربين/المهاجرين، بتحديد قيمة معينة للسهم (10 جنيه إسترلينى مثلاً). ومن الممكن أن يكون هذا البنك كشركة مساهمة عامة/خاصة، تكون رئاسته فى إحدى البلاد الحرة، وبفرع رئيس فى الخرطوم يأوى إليه ذووا المغترب/المهاجر لإستلام تحويلاتهم منه دون أن تمر بيد الحكومة.

    ويجب أنْ تُودع فى هذا البنك كلَّ تحويلات السودانيين العاملين بالخارج - تلك التى يا طالما سال لها لعاب الحكومة فى الخرطوم - والتى يمكن أن تتحول إلى ورقة ضغط لتوجيه سياسات النظام (نحو القطاعات المنتجة، بناء مؤسسات الديموقراطية، تحقيق العدالة الإجتماعية والتوازن الإقتصادى، وكل عمليات التغيير المنشودة فى السودان) إن أراد النظام أن يستفيد من تلك التحويلات.

    هذا الأمر فى أعلى تجلِّياته من الممكن أن يتحول إلى حكومة منفى بكامل هيئاتها ومؤسساتها (والإقتراح فى الأصل لإستاذنا د. القراى)، التى يصبح فيها بنك المغتربيين السودانيين بمثابة البنك المركزى. وهذه الحكومة سوف تتيح قدراً من المهنية والتدريب على تحمل المسئولية القومية إذا حان وقت التغيير بِنحوٍ مفاجئ.

    هذه الحكومة إذا أُحْسِنَتْ إدارتُها، قد تُغرى العالم الخارجى ليضغط على نظام الخرطوم ليستوعب هذه الحكومة، فتحل محل الحكومة الفاسدة هناك، أو تُجبِرها بتبنَّى قراراتِها فى أسوأ الأحوال، فيقلُّ إتعاسُها للمواطنين السودانيين المغلوب على أمرهم.

    وفى ظل حكومة المنفى هذه لابد من أن يتدرَّب القائمون على أمر الدولة على شأن حيادية الدولة فى التعاطى مع كل طبقات المجتمع، بالقدر الذى يجعل البلد على مسلك التغيير. ولضمان حيادية الدولة، فلابد أن تكون هناك ديمقراطية شفافة (محارِبة للفساد، مؤيدة للتنافس الحر) تنعكِس فى الفصل بين السلطات واستقلالها؛ فهى منطلقنا وهدفنا وسبيلنا إلى التغيير.

    ولن نثق نحن الفقراء فى إستقلالية (أىِّ) حكومة المنفى هذه، مهما تنطَّعتْ فى الحديث عنا، ما لم نكن مشاركين فيها لِإحداث التوازن فى العملية الإنتاجية بالفعل الجماعى الديموقراطى لصالح الفئة التى ننتمى إليها؛ فئة العمال والقوى الحديثة السودانية.

    والجدير بالتأكيد، أنَّ إحداث التوازن فى العملية الإنتاجية لصالح كل وكلاء العملية الإنتاجية، هو الضامن الوحيد لِإستمرار الديموقراطية وحيادية الدولة، والوصول بالبلد لمرحلة الثورة الوطنية الديموقراطية، وبالتالى قفل الباب على الصراعات الأيديولوجية الحادة (وتحويلها إلى صراعات برامج) والإنقلابات العسكرية؛ وبالتالى تحقيق التنمية والسلام الإجتماعى والإستقرار السياسى.

    2- لابد من وجود فضائية لحكومة المنفى/المعارضة، تكون لها بمثابة وزارة الثقافة والأعلام، والتى يجب أن يُموِّلها بنك المغتربين السودانيين فى أول عمليات إستثماراته، وتكون مهمتها فضح أيديولوجيا النظام المتفسخة بالحقائق المحضة، وتُحدِّث النَّاسَ بالتغيير وبأبجديات الثورة.

    وكما هو معلوم من نظام الإنقاذ بالضرورة، أنَّه يتعبَّد بالأكاذيب والأباطيل والبُروباقاندا السوداء، ويعتمد إعتماداً وثيقاً فى مواجهته للمعارضة على القواعد النفسية، أكثر من المكافئ المادى الحقيقى الذى ربما كان أقل مما يُتوقع، ولكنَّه متضخمٌ بالآلة الإعلامية. ومن هذا المنطلق، فإنَّ وجود فضائية للمعارضة يُمكن أن يقطع نصف المشوار نحو التغيير/الثورة.

    3- لنكون على مسلك التغيير، فلابد للعمال والقوى الحديثة (والأحزاب التى تتحدث باسمهم إنْ رَغِبَتْ) من إخلاء طرفهم من التحالفات المزمنة والمفرغة الحلقات التى أدخلتهم (وأدخلت نفسها) فيها أحزاب البورجوازية الصغيرة مع الشرائح الرأسمالية. وذلك لأنَّ هذه التحالفات ولمدة طويلة، قد أربكَتْ الوقائع الطبقية على الأرض، وبالتالى كرِّستْ لأن تكون الساحة السياسية خالية (عمداً) من أىِّ حزبٍ للعمال والقوى الحديثة فى السودان نابع من أوجاعِهم ليساهم فى إحداث التوازن المطلوب لصالحهم فى العملية الإنتاجية وبالتالى إستدامة الديموقراطية.

    هذا الواقع جعل أكثر من 85% من سواد الشعب (العمال + القوى الحديثة) لا يرون بديلاً مطروحاً للتغيير من قِبَل هذه الأحزاب والتحالف معها. والسؤال المشروع هنا: كيف يستقيم الأمر للأحزاب التقدمية أن تبحث عن قضايا العمال والقوى الحديثة بالتحالف (لأكثر من 60 سنة) مع الشرائح الرأسمالية لِإنجاز هذه المهمة؟ هذا منطق غريب وطرح نشاز، ولا يليق بالعقل التقدمى.

    بل الأمر عندى يصل إلى درجة الخيانة لقضايا العمال والقوى الحديثة السودانية، يصل إلى درجة الوصم للبورجوازية والبورجوازية الصغيرة بالتواطؤ على التغييب المتعمَّد لدور فاعل للعمال والقوى الحديثة السودانية، خاصةً مع طول الفترة الزمنية من غير أىِّ مراجعة (وإنْ وُجِدَتْ فهى زنيمةٌ وبنت - لَذين) لهذا الموقف، ناهيك عن التمادى فيه.

    وعليه لابد من تكوين حزب للعمال والقوى الحديثة يحفظ حقوقهم ويراعى مصالحهم إن كنا نريد أن نكون على مسلك التغيير، ولتأتى عندئذٍ أحزاب البورجوازية الصغيرة لتتحالف معه إنْ كانتْ بالفعل حريصة على مصالحهم. ويقينى الذى لا يُزعزعه شك، أنَّ غياب حزب العمال والقوى الحديثة (لا يهم سببه) هو الذى يضطرُّ هذا الأحزاب لتتحالف مع شرائح رأس المال، ولو كان موجوداً لبقيت على الأقل الفئات الدنيا منها فى تحالفٍ مع الفقراء.

    وأقول ما أقول فى شأن تحالف أحزاب البورجوازية الصغيرة مع حزب العمال والقوى الحديثة، إلاَّ أنَّ حزب العمال والقوى الحديثة السودانى ليس محتاجاً لأىِّ نوع من أنواع التحالفات (ولا بأس بها لخدمة قضايا العمال والقوى الحديثة بشكل حقيقى هذى المرة)، لأنَّه يمثِّل أكثر من 85% من الشعب السودانى. وبغياب هذا الحزب، فإنَّ أَّىَّ نوع من التغيير (ديموقراطى، عسكرى) سيكون فى صالح الشرائح الرأسمالية، كما هو سائد منذ الإستقلال إلى الآن. وهذا الحزب لن يكون على مسار التغيير هو الآخر، ما لم يكن قادراً على تمثيل كافة جموع العمال والقوى الحديثة السودانية، لاسيما تلك المنضوية تحت أحزاب الشرائح الرأسمالية الأخرى بسبب غياب هذا الحزب، وتلبية طموحاتهم المادية والروحية.

    إذاً، يمكن القول بأنَّ أهم أسباب تأخر التغيير عندنا، هو بسبب غياب حزب/كيان للعمال والقوى الحديثة، وبالتالى بسبب وجود الخطل السياسى الذى يريد أن يُزيح شريحة رأسمالية مهيمنة عن السلطة، بالتحالف معها (مشاركتها السلطة)، أو مع شرائح رأسمالية أخرى، ميلُها القلبى للشريحة ذات الهيمنة دون الشرائح الضعيفة.

    4- أيضاً يتأخر التغيير عندنا، وبالتالى لن نكون على نهجه، مع وجود الخلل القائم الآن فى التركيبة الديموغرافية لمؤسساتنا الحزبية، حيث دعاة التغيير المقبلون على الحياة والفاعلون فيها، يحتلون الصفوف الخلفية فى هذه الأحزاب. والمدبرون عن الحياة، الباحثون عن حسن الختام السياسى بعدم الإحتكاك مع السلطة/الفتنة، يحتلون مقاعد القيادة، ويُقعِدون بالثورة، ويُثبطونها بالمواقف التوفيقية المائعة.

    ويجب أن يكون هناك إهتمام واضح بالشباب وبتعليمهم وتدريبهم، وبتأهيلهم وبإكسابهم الخبرات والثقة بالنَّفس (وفى حكومة المنفى فرصة لعمل ذلك)، والإعتراف بأهمية دورهم فى التغيير، وإخلاء مِقْوَد قيادة التغيير لهم. فمعظم الدول الحية فى العالم الآن تُدار بالفئة العمرية (15-45/50) ومثال لذلك أوباما، كاميرون/ميليبان، إلخ.

    5- من قراءتى المتواضعة للواقع السياسى السودانى أنَّ التغيير يحتاج إلى عسكرة، ولو من باب توازن الرعب. فالعسكرة المكافئة لدرجة تَعَسكُر النظام أو القريبة منه (ولو لم تُطلقْ بارودة واحدة) مهمة لتحسين الموقف التفاوضى للمعارضة السياسية، والضامن الرئيس للتغيير السلمى (وإنْ دعا داعى النِّزالِ لم نخن).

    ودعونى أُدَلِّل على هذا الطرح من حيثيات الواقع الإقتصادى الإجتماعى فى السودان. فمن الإستنتاجات المهمة التى يفضحها التحليل الطبقى للمشهد السودانى، أنَّ كل الإنقلابات العسكرية فى السودان، وكل اللحظات التى إنحازتْ فيها القوات المسلحة للجماهير الثائرة، كانت وراءها الشريحة المهيمنة فى المجتمع. فحين يَضيقُ الشعبُ ذرعاً بالشريحة المهيمنة، تَهْرعُ هذه الشريحة للبحث عن عسكريين تنتخبهم إنتخاباً وتُسَلِّمُهم السلطة بغرض المحافظة على مركز الهيمنة (قاطعةً الطريق على إنحياز وشيك للمؤسسة العسكرية لشعبها)، ثمَّ تزدهر فى كنف النظام العسكرى الجديد، من جديد.

    الآن، فقد ضاق الشعب بالشريحة المهيمنة ضيقاً عظيماً، غير أنَّ الشريحة المهيمنة هذه المرة أكملت عسكرة نفسها (فقد أدركت أهمية العسكرة باكراً على عكس الشرائح الضعيفة)، وسرَّحَتْ المؤسسة العسكرية، لِكَىْ لا يَحْلُمَنَّ الشعب السودانى ثانيةً بأىِّ إنحياز من المؤسسة العسكرية له. وبهذا الإجراء، فقد ضمِنَتْ الشريحة المهيمنة لنفسها عمراً مديداً فى السلطة. وحتى إنْ ضغطَ الشعبُ باتجاه التغيير، فستلجأ الشريحة المهيمنة فى إطار إجراء شكلى/أداتى إلى أخذ السلطة من نفسها بيد لتُعطيها لنفسها بالبيد الأخرى، وتصبح بذلك مستمرة وفاعلة ومتجددة.

    وبالمقابل كلُّ هبَّات الشعب السودانى لم تجد من ينحاز إليها من العسكريين ولمدة ربع قرن (باستثناء شهداء رمضان البواسل فى بواكير هذا النظام الغادر)، فأصبحت ثورة الشعب نَزِقةً وخديجةَ النتائج، وغير فاعلة، وسَهْلٌ القضاء عليها. وهنا يتكرَّسُ السؤال: هل العسكرة (المؤسسة العسكرية السودانية) من مُحَدِّدات التغيير فى السودان؟

    وإذا كانت الإجابة بنعم، كما هو شاخص فى تجربة السودان نفسها وفى تونس ومصر وليبيا وسوريا ومعظم دول الجوار (آخرها بوركينافاسو)، فهناك خياران: إمَّا أن نبحث عن قوات مسلحة (وهى مسرحة للصالح العام كما فى حالة السودان الآن) تنحاز إلينا، وننحاز إليها رُغمَ قدحنا لها لمدة ستة عقود (القوات المسلحة الوحيدة التى ينالها التقريح من فئات شعبها فى العالم هى القوات المسلحة السودانية، خاصةً الفئات العقائدية. فالأخوانوية كسرتْ عظمَ ظهرِها، والتقدميون حطُّوا من قدرها)، ونبحث لها عن سلاح، وتلك مهمة السودانيين العاملين بالخارج/بنك المغتربين السودانيين فى حكومة المنفى؛ وإمَّا أن ننحاز نحن وتنحاز إلينا الفصائل المسلحة من المعارضة (فالكل يحمل السلاح).

    ومن الواضح أنَّ الأجابة ليست بلا، وبالتالى فإنَّ التغيير يتطلَّب عدم الوقوع فى فِخاخ تنظيم الأخوان المسلمين العالمى، عن طريق الوسيط القطرى والجنوب – أفريقى، القاضى بإلْهاء المعارضة المسلحة (بعد أن هدَّمَ المؤسسة العسكرية السودانية) بالحوار – لا التفاوض – الدائرى المفرغ الحلقات، وجعلها ذاهلة عن الإنحياز للمعارضة المدنية لأطول فترة ممكنة مهما كان الثمن (فهو أقلُّ كُلفةً من قِتالها).

    إذاً خِشيةُ النظامِ كلُّها من عسكرة المعارضة (فانظر ماذا فعل توقيع نداء السودان من اضطرابٍ فى كيان السلطة التى أزعم (كما جاء آنفاً) أنها تحكم الشعب السودانى سايكولوجياً: آلة إعلامية، إستعراض عسكرى، ضربة باطشة تستخدم لها الذين تُسميهم إستصغاراً واحتقاراً بالأمن السلبى)، وعلينا عسكرتها إن كان التغيير وِجهتَنا. وعلينا مراقبة ورصد الشريحة ذات الهيمنة مالياً وعسكرياً (فى الداخل والخرج) ورصد خطابها وحبائلها بشكلٍ دقيق (فهى لا تفكِّر بعقليتها السودانية المعروفة بالنسبة لنا، والسَّهْل التنبؤ بحدسها، وإنَّما تتغذى بتجربة تنظيمها العالمى وبتجربة صهيوصفوية)، ليسهل الأنقضاض عليها وشلَّها بالوسائل المشروعة فى الوقت المناسب.

    وهنا لابد من كلمة إنصاف للمؤسسة العسكرية السودانية يُمليها علينا التحليل الطبقى للظاهرة السودانية، وبالتالى رفع العتب وكفَّ الأذى عنها مرةً واحدةً وإلى الأبد، والنظر بشكل جِدِّى فى أمر إصلاحها؛ لطالما أنَّها محدِّدٌ مهِمٌّ من محدِّدات التغيير.

    لقد جاء بعاليه أنَّ كل الإنقلابات العسكرية واللحظات التى إنحازت فيها المؤسسة العسكرية للجماهير فى حالات الثورة، كانت بإيعاز من الشرائح الرأسمالية خاصة الشريحة ذات الهيمنة والمتحالفين معها منذ أكثر من 60 سنة.

    وهنا لابد من تذكيركم بما جاء من قبل، بأنَّ شرائح رأس المال لا تحب العيش فى المناخات الديموقراطية (ما نالته بالديكتاتورية، لم تنلْه بالديموقراطية) التى تميل للتوازن بين كل شركاء العملية الإنتاجية، وبالتالى فإنَّ فترات الديموقراطية فى السودان هى فترات لتحديد موقع الهيمنة (أكثر منه إقتناعاً بها)، ومن ثمَّ الإنقضاض من جديد على الديموقراطية المُغيَّبِ حارسها عمداً (حزب العمال والقوى الحديثة السودانية).

    والمؤسسة العسكرية حين تنقض على الديموقراطية أو يُطلب منها الإنحياز لحركة الجماهير وكلُّ ذلك بإيعاز الشرائح الرأسمالية (وحلفائها من البورجوازية الصغيرة المتحدثة باسم العمال والقوى الحية فى المجتمع)؛ تعييناً الشريحة المهيمنة، تعتبر تلك رغبة كل الشعب؛ خاصةً فى ظِل غياب حزب للعمال والقوى الحديثة السودانية. ولو كان هذا الحزب موجوداً لوقفت المؤسسة العسكرية على الحياد دون أدنى شك؛ وذلك لطبيعتها القومية، ولوقوع معظم فئاتها فى فئة العمال والقوى الحديثة نفسها.

    إذاً الذى يُلام بالدرجة الأولى على تدخل المؤسسة العسكرية فى الشأن المدنى السودانى هو شرائح رأس المال ومن تحالف معها من أحزاب البورجوازية الصغيرة؛ وهذا الحلف هو نفسُهُ المسئول عن غياب حزب العمال والقوى الحديثة فى المشهد السياسى السودانى، الغياب الذى أعشى المؤسسات العسكرية والمدنية معاً عن رؤية الأهداف والرغبات الحقيقية للشعب السودانى (الديموقراطية/التوازن فى العملية الإنتاجية) وعن سبل تكريسها واستدامتها فى الواقع السودانى. فَمَنْ يلومُ مَنْ يا تُرى؟!

    نرجو أن يكون تأسيس حزب للعمال والقوى الحديثة السودانى حافزاً لِإعادة بناء وإصلاح المؤسسة العسكرية السودانية (التى مسختها شرائح رأس المال، واغتالتْ شخصيتها أحزاب البورجوازية الصغيرة) على أساس قومى متكامل ومتين، وعلى أساس عقيدة جديدة قائمة على الحياد والتعاطى المتساوى مع كل وكلاء العملية الإنتاجية، أى تُنشَّأ حارسة للديموقراطية ومؤسساتها. ومن أراد من ضباطها السعى للسلطة فعليه أن يتميدن حتى ينالها أسوةً بالمدنيين الآخرين. ولابد من مراجعة المنهج الذى يعد هذه المؤسسة، مراجعة دقيقة باتجاه تحقيق هذه الأهداف.

    6- لابد من التسويق المستمر للتغيير (حتى سقوط النظام، فها هى القضية الفلسطينية على وشك أن تنال إستحقاقاتها بالعمل الدَّؤوب المثابر المستمر) فى كل المحافل الدولية واستمالة العالم له بشكل أكثر فاعلية؛ ولو على مستوى التصريحات الصحفية المجامِلة، والتظاهرات والإحتجاجات والوقفات التضامنية؛ بغرض خلق زخم عالمى داعم له، طالما تعذر الدعم المالى والعسكرى.

    7- على الإنتلجنسيا السودانية نبذ التقاعس والإضطلاع بدورها بشكلٍ فعَّال فى حمل لواء التغيير، وقيادة الجماهير وتنظيمها باتجاه إسقاط النظام. وهذا النظام تكفيه مظاهرة طوفانية واحدة فقط لاغير؛ تزحف عليه من حيث يدرى ولا يدرى، ويومها سيتحقق سابع موبقات أهل النظام، بتوليهم يوم الزحف.

    وهنا لابد أولاً: من فصل عُرى شركات الإتصال بالجهات الأمنية (وتحييدها بكل الوسائل المتاحة) حين تتوهج الثورة ويحين التغيير، وثانياً: السيطرة عليها بواسطة مُهندسين مختصين يتدربون على هذا الأمر من الآن، وثالثاً: توظيفها لمصلحة التغيير وكشف تحركات أعدائه والمخذلين عنه.

    8- صرف أنظار الصينيين الروس من دعم النظام إلى دعم الشعب السودانى؛ فالصين وروسيا أصبحا لاعبين مهمين فى المنطقة الآن، وقد نحتاجهما لحماية ثورتنا/تنميتنا. كما يجب فسخ زواج المتعة بين الأخوانوية السودانية والصفوية الإيرانية وحلفائهما من القطريين والأتراك وكل الدواعيش، وذلك بتأليب العالم على تنظيم الأخوان المسلمين الإرهابى، وإيران التى تمد نظام الإنقاذ بالسلاح والمال والرجال والخبرات، وفضح برامج التسليح السرية بينهما التى ربما إنطوت على تسليح نووى أو كيماوى يجر على البلد من الويلات الكثير.

    9- لابد من تحريض العالم لإجبار نظام الخرطوم على استرداد ما سرقه من أموال الشعب السودانى المودعة فى بنوك العالم الغربى والشرقى معاً، ودفع ديون السودان من تلك الأموال المسروقة فساداً وظلماً من الشعب السودانى. فذلك سيُضعف قدرته على التمسك بالسلطة وإحداث ثورة مضادة فيما بعد.

    وبالعدم إيجاد وسيلة تعفى ديوننا على العالم الخارجى قبل/حال حدوث التغيير (وتلك مهمة حكومة المنفى ودبلوماسيتها)، أو على الأقل تجميدها ريثما يستقر النظام الديموقراطى البديل، وتتزن معادلته الإنتاجية. وبالتالى نعبر بالبلد من حلقات هيمنة الشرائح الرأسمالية، إلى فضاء الإتزان السياسى – الأيديولوجى، والإقتصادى – الإجتماعى.

    خاتمة:

    هذا تحليل ناقص بالضرورة، ولن يكتمل إلاَّ بأرائكم الثاقبة. وليعذرنى القارئ الكريم على التقصير إنْ جاءت هذه المساهمة أكثر تواضعاً مِمَّا يطمح إليه. وفقط أُنوِّه بأنَّ هناك ملحقين عن معادلة التغيير وحزب العمال والقوى الحديثة السودانى، سيتم إرفادهما لاحقاً، حال الفراغ من الرد على المداخلات.

    تمَّتْ.
                  

12-12-2016, 04:19 AM

حسين أحمد حسين
<aحسين أحمد حسين
تاريخ التسجيل: 09-04-2014
مجموع المشاركات: 1281

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حيثيات التشكّل الإقتصادى – الإجتماعى فى � (Re: حسين أحمد حسين)

    معادلة التغيير:

    هذه المعادلة هى تلخيص للمداخلة الطويلة الواردة أعلاه، وبواسطتها نستطيع أن نعرف من أين يبدأ التغيير السياسى فى واقع التشكل الإقتصادى - الإجتماعى، وذلك بالإستعانة بمعادلة الإنتاج الشهيرة (الإنتاج = العمل + رأس المال + الأرض + التنظيم + عوامل أخرى بالطبع) فى صيغتها المختزلة التالية:

    فى الواقع الإقتصادى الإجتماعى: (العمال/القوى الحديثة) + (رأس المال/المدراء) + (...) = الإنتاج/العملية الإنتاجية/الثورة الوطنية الديموقراطية فى نهاية التحليل.

    فى الواقع السياسى (أ): (لا يوجد حزب للعمال والقوى الحديثة) + (توجد أحزاب للشرائح الرأسمالية) + (...) = عملية إنتاجية متحيِّزة لصالح رأس المال.

    فى الواقع السياسى (ب): (توجد أحزاب تتحدث باسم العمال والقوى الحديثة، ومتحالفة مرحلياً مع أحزاب الشرائح الرأسمالية لِإنجاز قضايا العمال) + (توجد أحزاب للشرائح الرأسمالية) + (...) = عملية إنتاجية متحيِّزة لصالح رأس المال.

    فى الواقع السياسى (ج): لابد من تغيير يؤدى إلى: (توسيع مواعين الأحزاب التى تتحدث باسم العمال والقوى الحديثة لتدافع عن وتشمل كافة العمال والقوى الحديثة حتى تلك المنتمية لأحزاب الشرائح الرأسمالية/أو إنشاء حزب للعمال والقوى الحديثة يدافع عن إستحقاقات هذه الفئة) + (أحزاب الشرائح الرأسمالية) + (...) = (توازن فى العملية الإنتاجية لصالح كل شركاء العملية الإنتاجية) = (إنتاج قريب من مستوى العمالة الكاملة) = (أستقرار إقتصادى/إجتماعى، إستقرار سياسى/ديموقراطية مستدامة، ثورة وطنية ديموقراطية فى نهاية التحليل).

    حاشية: (...) = (عوامل الإنتاج الأخرى وضعناها فى الصيغة الصفرية للتبسيط).

    هذا المعادلة لا تحتاج لِأىِّ تعقيدات عقائدية ولا أيديولوجية، وإنما تحتاج لإرادة سياسية لتحقيق العدالة الإجتماعية، وهذه الإرادة السياسية إمَّا أنْ تأتى بالتى هى أحسن (من قبل النظام الحاكم بأن يحكم بالقسط)، أو بالتى هى أخشن (بثورة تغيير من قِبل المسحوقين). ولن تخرج من الملة أىُّ فئة عمالية/قوى - حديثة طالبت بحقها عن طريقة الثورة حين يمتنع النظام الحاكم عن بسط العدل بين النَّاس. ولن تُثنينها الشتائم العقائدية ولا الأيديولوجية (بأنَّها كافرة أو ملحدة أو علمانية) عن المطالبة بإستحقاقاتها كشريك أُصيل فى العملية الإنتاجية. بمعنى آخر، لو خلا هذا البلد من العلمانيين بالجملة، فهذه الفئة لن تترك لهذا النظام الفاسد إستحقاقاتها فى العملية الإنتاجية مهما كلفها ذلك.

    هذه المعادلة أزلية وتحكى الواقع منذ أن ترك الإنسان إقتصاد الجمع والإلتقاط، ولكنَّ إكتشافَها جاء متأخراً على عهد الإقتصاديين الكلاسيك. وسُقناها هنا لنبين للناس من أين يبدأ التغيير. إذاً، ما يهمنا هنا بالطبع هو إدارة هذه المعادلة بما يُلبى مصالح كل شركاء العملية الإنتاجية. وهنا يبرز دور بورجوازية الدولة. وشريحة بورجوازية الدولة (خاصةً فئاتها العليا) لها ميل طبيعى لشرائح رأس المال على حساب العمال بحكم تكوينها، وكل هذه الشرائح فى المجموع (بما فيها بورجوازية الدولة) تكون ما يُعرف بـحلف القوى الإقتصادي (Power Block). وحلف القوى الإقتصادى هذا، بحكم الدين (ما غنىَ غنىٌّ إلاَّ على حساب فقير) والتجربة (الإستغلال الدائم للعمال بواسطة رأس المال) لا يرقب فى الفقراء إلاًّ ولا ذِمِّة إذا إنعدمت مؤسسات الرقابة الديموقراطية. فالديموقراطية من وجهة نظر الفقراء هى ضرورة دينية وطبقية لمراقبة شريحة بورجوازية الدولة والشرائح الرأسمالية الأخرى (حلف القوى الإقتصادى) وذلك لتحقيق التوازن فى العملية الإنتاجية.

    ومع غياب حزب للعمال والقوى الحديثة فى السودان، ومع غياب الديموقراطية، فإنَّ حلف القوى الإقتصادى (الذى تمثله الجبهة والأمة والإتحادى فى المشهد السياسى الآن) ينفرد بكل القرارات الإقتصادية وغيرها ويُجيِّرها لمصلحته خاصة لمصلحة الشريحة ذات الهيمنة (شريحة رأس المال المالى/الجبهة الإسلامية القومية).

    وكان من الممكن للأحزاب التى تتحدث بإسم العمال والقوى الحديثة السودانية (أحزاب البورجوازية الصغيرة) أن توسع من صِيَغِها الحزبيةِ لتحُلَّ هذا الإشكال، لكنَّها تمسَّكتْ بدوغمائيتها السياسية والأيديولوجية. ولما عجزت عن إبتداع صيغة حزبية تجمع جميع الفقراء تحت مظلتها (خلا المنتمين إليها عقائدياً) لظروف محتومة ومعلومة، إضطرت هذه الأحزاب للتحالف مع بعض الشرائح الرأسمالية (الشريحة التجارية والزراعية) لأكثر من 60 سنة. وذلك لعمرى ينسجم مع طبيعة هذه الأحزاب كأحزاب بورجوازية صغيرة؛ كونها لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء؛ تتحدث بإسم العمال وتتحالف مع الرأسمال.

    وهذه الأحزاب؛ أحزاب البورجوازية الصغيرة، لم تجربْ أبداً، أبداً لم تجربْ أنْ تتحالف مع فقراء الأنصار أو الختمية أو ما يُسمى الجبهة الإسلامية القومية؛ تحالفاتها كلها مع أعيان هذه الأحزاب، ولعمرى لو فعلت لحدث التغيير. فأمام هذه الأحزاب فرصة أخيرة أن تبتدع صيغة حزبية تستوعب كافة العمال والقوى الحديثة، خاصةً تلك القابعة فى أحضان الشرائح الرأسمالية (الجبهة، الأمة، الإتحادى)، وأن تفسخ تحالفها المرحلى المزمن مع شرائح رأس المال، خاصة بعد أن تكشَّفَ لها أنَّ وطنية رأس المال تكون على المِحَك، وغير قادرة على التماسك فى غياب دور طليعى للبورجوازية (بورجوازيتنا تهدم ولا تبنى، تسرق ولا تستثمر)، وفى غياب الديموقراطية ومؤسساتها التى لا تحبها الشرائح الرأسمالية، ومع تدهور البِنى التحتية وانتشار الفساد.

    وإذا لم يحدث هذا، فهذه الأحزاب سيتجاوزها التاريخ (ولات ساعة مندم)، وسيقوم مقامها حزب لكلِّ العمال والقوى الحديثة، يتناغم مع كافة إحتياجات العمال والقوى الحديثة المادية والروحية (لا يعنيه عِرْقهم ولا لونهم ولا دينهم ولا لا- دينهم). وستكون الحسرة كبيرة لو أنشأت هذا الحزب فئة من لصوص البلد الذين نحارب. ولذلك سنحتفظ بحق ملكيتنا الفكرية فى الحديث عن حزب العمال والقوى الحديثة، فلربما احتاجته أحزابنا التقدمية يوماً ما.

    بعض الملاحظات التى يُبرزها هذا التحليل الطبقى:

    1- هناك إشكالية فى التحليل والمقارنة يقع فيها حتى الباحثون التقدميون، ولم يسلم منها أحد. وهى مذكورة بعاليه وسنعيدها هنا من باب حفظ الترتيب. وهى أنَّنا حينما نقارن بين الأنقاذ والأنظمة السابقة لها، فإننا ننسى أنَّنا نقارن فقط بين أنظمة مثَّلتْ شرائح رأس المال (شريحة رأس المال المالى/الجبهة، الشريحة التجارية/الإتحادى، الشريحة الزراعية/الأمة، شريحة برجوازية الدولة/نظام عبود، نظام نميرى)، ولم تمثل شريحة العمال والقوى الحديثة المغيبة عمداً فى المشهد الإقتصادى - السياسى السودانى.

    وكلُّ هذه الأنظمة قد قامت على الإبتزاز الإقتصادى والسياسى والإجتماعى المباشر للعمل حينما ننظر إليها من وجهة نظر التحليل الطبقى (من وجهة نظر العمال والقوى الحديثة السودانية). وهى لم تفِد شريحة العمال والقوى الحديثة بأىِّ حال من الأحوال حتى فى فتراتها الديموقراطية، كونها فترات لتحديد موضع الهيمنة بالنسبة للشرائح الرأسمالية، ومن ثمَّ سرقة ديموقراطية الشعب من جديد (شرائح رأس المال لا تفيدُ كثيراً من الديموقراطية والمنافسة الحرة فى السودان/دول العالم الثالث (كونها بورجوازية غير خلاقة) ولذلك هى دائمة الإنقضاض على الديموقراطية). وذلك يحدث ببساطة لأنَّ العمال والقوى الحديثة فى السودان ليس لهم حزب يُمثلهم؛ الخطأ التاريخى الذى تواطأت عليه الأحزاب التقدمية وأحزاب الشرائح الرأسمالية على السواء.

    2- تزيد وتتعقد أعباء التغيير كثيراً بسبب غياب حزب للعمال والقوى الحديثة فى المشهد السودانى: وفى البدء، غياب هذا الحزب هو العامل الرئيس فى أنَّ أعداد غفيرة من العمال والقوى الحديثة إنضوت تحت الأحزاب الرأسمالية، وهو السبب أيضاً فى التحالفات المرحلية التى ابتدعتها أحزاب البورجوازية الصغيرة مع شرائح رأس المال (وبالطبع هناك عوامل أخرى). ويكمن التعقيد فى كون أنَّ الخروج على ظلم الشرائح الرأسمالية بواسطة العمال والقوى الحديثة فى تحالفها مع الأحزاب التقدمية، قد أصبح وكأنَّه خروج على هذه الأحزاب التقدمية التى ظلت تنادى بحقوقهم ردحاً من الوقت وقد ضحت من أجلهم بالنفيس، وما فى ذلك شك.

    كذلك فإنَّ الأستمرار فى تلك التحالفات المرحلية (التجمع الوطنى، الإجماع الوطنى، البديل الديموقراطى) فى هذا الوقت الدقيق من الفرز الطبقى الحاد، قد أربك مسألة التغيير وزاد من كلفتِهِ (210 شهيداً فى سبتمبر 2013)، إذ الفقراء يقتلون الفقراء. ولا أحسب بأنَّ الأحزاب التقدمية تتضرر من قيام حزب للعمال والقوى الحديثة، بل هو سندها وعمقها الطبيعى، والسبيل الآمن للتغيير والقليل الكلفة، مالاً ووقتاً.

    3- التحالف مع شرائح رأس المال هو عينُ التَّسيُّب السياسى؛ فقد ثبت لنا من إستقصائنا لواقع التشكل الإقتصادى الإجتماعى فى السودان، أنَّ أحزاب الشرائح الرأسمالية (خاصة الشريحة ذات الهيمنة) غير معنية بالديموقراطية كَهَم أوَّل. إذ ما نالته بالديكتاتورية، لم تنله بالديموقراطية، تلك التى تزيد من الحركة المطلبية للعمال والقوى الحديثة، وتزيد من إمكانية حدوث توازن فى العملية الإنتاجية لمصلحة الجميع، وبالتالى يُقلِّل ذلك من عمليات تراكم رأس المال.

    فى واقعٍ كهذا، فإنَّ تحالف أحزاب البورجوازية الصغيرة المرحلي مع الشرائح الرأسمالية لإنجاز قضايا العمال والتوازن فى العملية الإنتاجية وبالتالى الثورة الوطنية الديموقراطية (لا مع الشرائح العمالية والقوى الحديثة المنتفعة من الديموقراطية) هو عين التسيب السياسى، ويأتى بنتائج عكسية: يُكرِّس للديكتاتورية، يُفرِّخ اليأس، ويُعشى النَّاسَ عن البديل.

    4- البورجوازى الصغير يكون فى حالة خطل سياسى وكذبة عظيمة وخيانة بيِّنة للعمال، حين يتحدث باسمهم دون حثِّهم وتوجيههم إلى تكوين حزبهم. وقد غيَّبتْ هذه الكذبة/الخيانة/الخطل دورهم فى المشهد الإقتصادى السياسى السودانى منذ الإستقلال إلى يومِ النَّاس هذا. وتتعاظم هذه الكذبة/الخيانة/الخطل بالإمعان فى الحديث عن العمال، وبذلك صرفهم وإلهائهم عن تكوين حزبهم، ومن ثمَّ التحالف مع شرائح رأس المال لإنجاز قضاياهم.

    وبالمحصلة، فإنَّ وصفَنا ووصمَنا الدائم للعمال الذين حَمَلْناهم بصنيعنا هذا على الإنضمام لأحزاب الشرائح الرأسمالية وللأحزاب التى إنضموا إليها بالجهل وبالإستلاب وبالأفينة (وقد فعلنا ذات الشئ بالتحالف المرحلى مع هذه الشرائح)، وتحميلهم كلَّ أسباب فشلنا وتقاعسنا عن أداء أدوارنا عند كلِّ صغيرةٍ وكبيرة، لن يُبرئنا من تراكُبِ خياناتنا لهم، ومن ذات الجهلِ والإستلابِ والأفينة، وإن سوَّدنا صحائفَ التاريخِ كلَّها بالحديث عن قضاياهم. فيا أيها البورجوازى الصغير، ساعد العمال فى إنشاءِ حزبِهم، فلن يُضيرَك حزبُهم بشئ، بل يعزِّز مواقفَك ويقوِّيك. وإن لَّم تفعل، فالعمال على أهبة الإستعداد لتكوين حزبهم.

    5 – العمال والعملية الإنتاجية أكثر إنتفاعاً من ديموقراطية البروليتاريا، إذا ما قُورِنت بديكتاتورية البروليتاريا وذلك للآتى:

    أولاً، مجرّد الإختلال فى معادلة الإنتاج أعلاه (ناهيك عن ديكتاتورية أىٍّ من ملاَّك قوة العمل أو ملاَّك رأس المال) يربك التوليفة المُثلى لعوامل الإنتاج، وبالتالى يؤدى إلى تشوهات هيكلية فى الإقتصاد القومى فى المدى الطويل وربما أعاقت العملية التنموية برمتها.

    ثانياً، كما هو معلوم أنَّ النظام الرأسمالى تاريخياً قام على إبتزاز العمل، وسوف يظل يجنح إلى ذلك كلما بعد المجتمع عن الديموقراطية والمؤسسية (أى به ميل طبيعى للجبرية والقهر/للديكتاتورية/الفساد). هذا الواقع يجعل العمال الأكثر حرصاً على الديموقراطية من الرأسماليين، وذلك لإبعاد شبح الإبتزاز الملازم للنظام الرأسمالى. وفى ظل ديكتاتورية البروليتاريا، فإنَّ شريحة/بورجوازية الدولة هى التى ستلعب دور الرأسمالى فى الشئون الداخلية (كالتجارة والتوظيف وغيرهما) والخارجية (التبادل مع العالم الخارجى)، وبالتالى هى من سيجنح للديكتاتورية لا سائر العمال/البروليتاريا.

    وإذا علمنا أن شريحة الدولة هى بالأساس تنتمى للطبقة البورجوازية فى التصنيفات الحديثة (أو على الأقل بها ميل للتحالف معها)، إذاً يتعذر قيام ديكتاتورية بروليتاريا، وستنهض مكانها ديكتاتورية رأسمالية أشرس من الرأسمالية فى ظل نظام ديموقراطى. وهنا تنتفى الحاجة والمسعى إلى ديكتاتورية البروليتاريا، إذ الأصلح للبروليتاريا هو الثورة الوطنية الديموقراطية وحسب.

    ثالثاً، إنَّ الدول التى وصلت بالتوازن فى العملية الإنتاجية إلى مستوى العمالة الكاملة (كدول جنوب شرق آسيا/ماليزيا منذ عام 1995)، أو إلى مستوىً قريباً من ذلك (كالدول الإسكندنافية، كندا، وبريطانيا أبَّان حكومة العمال الأخيرة)، وحققت بذلك معدلات نمو منظورة، لن يقبل عمالُها بأىِّ ديكتاتورية من أىِّ نوع، لِما حققوه من مكاسب مادية ومعنوية فى ظل النظم الديموقراطية. فالعالم من حولنا مليئ بالتجارب الغنية التى حصل فيها العمال ما لا يمكن أى يحصلوا عليه فى ظل الديكتاتوريات التى شهدها العالم.

    رابعاً، من الصعب أن يتنازل العمال (وغيرهم) من المزايا التى توفرها الثورة الوطنية الديموقراطية، والتى تعمل باتِّزانٍ وعدل لصالح جميع شركاء العملية الإنتاجية وتدفع بالإقتصاد القومى إلى آفاق رحبة من التطور والنَّماء. وبالطبع إذا أُجبر رجال الأعمال على توزيع أرباحِهم بما يُغلِّب مصلحة العمال، فإنَّ ذلك حتماً سيٌقعِد بالإنتاجية وبالإنتاج. وإذا رفض رجال الأعمال تلك التوليفة المتحيِّزة عُمالياً، وبالتالى تمّتْ مصادرة أموالهم بواسطة الدولة العمالية الديكتاتورية لجهة ذلك التحيُّز، وتحت إمرة شريحة/بورجوازية الدولة الديكتاتورية، فإنَّ ذلك سيقود إلى تأخُّر حتمى فى الإقتصاد القومى بسبب فقدان الحافز الذاتى وتثبيط الدوافع الخلاقة للمساهمة فى العملية الإنتاجية كما حدث فى بعض الدول.

    خامساً، يتضح من هذه القراءة أنَّه فى ظل ديكتاتورية البروليتاريا يتم إستبدال شريحة رأسمالية بشريحة رأسمالية أقل كفاءة، فتضعف القدرات الإنتاجية والتنموية للبلد، وتقل القدرة التنافسية له مع العالم الخارجى، وسيدخل فى حلقات لانهائية من الكساد المؤدية إلى إنهيارِهِ إقتصادياً واجتماعياً وسياسياً.

    سادساً، المحصلة؛ هى أنَّ ديكتاتورية أىٍّ من شركاء العملية الإنتاجية، لا سيما العمال ورجال الأعمال، لا يصبُّ فى مصلحة التنمية فى المدى البعيد، وربما يُعرِّض الكوكب بأثرِهِ لأخطار لا يُحمد عقباها؛ من عِوَز ومجاعات وحروب وكروب وكوارث بيئية وغذائية وغيرها إذا تكررت هذه التجربة فى أقطار أُخرى؛ ولا شئَ يعدل التوازن فى العملية الإنتاجية.

    6- عدلُ الحاكم الشخصى مرتبطٌ بوَرَعِهِ، أمَّا عدل دولتِهِ ومجتمعِهِ فيرتبطان بمؤسسات الديموقراطية والشفافية. ولذلك يجب ألاَّ يُترك التوازن فى العملية الإنتاجية لقدرية وَرَع/عدل الحاكم. إذْ لا يكفى أن يكون الحاكمُ وَرِعاً لتكون دولتُهُ ومجتمعُهُ عادليْن وديموقراطيين (التاريخ المحسوس يطلعنا على تجارب من الظلم بين ظهرانَىْ حكام إتصفوا بالعدل والوَرَع). والعكس صحيح، إذْ بمقدور المؤسسات الديموقراطية أنْ تخلُقَ حاكماً وَرِعاً، ودولةً وَرِعة، ومجتمعاً وَرِعاً.

    وبالتالى يجب ألاَّ ينخدِع العمال بالحاكمية لله وبديكتاتورية البروليتاريا: فأىُّ نظام غير ديموقراطى ليس فى مصلحتهم. ويجب على العمال أن يكون لهم القول الفصل (بالأصالة لا بالوكالة) فى علاقات الإنتاج لِإحداث التوازن فى العملية الإنتاجية. ويجب أن تكون لهم منظوماتهم القطاعية (نقاباتهم الفئوية) القائمة على شراكتهم فى العملية الإنتاجية؛ إذْ أنَّ نقابة المنشأة التى ابتدعتها الإنقاذ هى المسخ والإخصاء المتعمد بواسطة الشرائح الرأسمالية (خاصة الشريحة المهيمنة) والطمس المستمر على العمال بألاَّ يكون لهم دَوْر فى العملية الإنتاجية. كذلك يجب أن يكون للعمال/القوى الحديثة حزبهم؛ إذْ أنَّ أحزاب البورجوازية الصغيرة (بالتجربة) لا تستطيع الصمود طويلاً فى المنافحة عن العمال، ونقول ذلك لا تخويناً لِأحد، ولكن بحكم طبيعة تكوينها الطبقى.

    إنتهى.
                  

12-12-2016, 04:22 AM

حسين أحمد حسين
<aحسين أحمد حسين
تاريخ التسجيل: 09-04-2014
مجموع المشاركات: 1281

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حيثيات التشكّل الإقتصادى – الإجتماعى فى � (Re: حسين أحمد حسين)

    حزب العمال والقوى الحديثة السودانى

    مجتمع الحزب:

    فى البدء، حزب العمال والقوى الحديثة السودانى هو براءة إقتراع لحزب عمالى سودانى وقوى حديثة سودانية بكامل حقوق الملكية الفكرية، وهو حزب يمثل أكثر من 85% من أهل السودان، ويضم كافة تنظيمات: العمال، والموظفين، والحرفيين، وشئون المرأة المختلفة، وأصحاب الصناعات الصغيرة، وصغار المزارعين، والإنتلجنسيا السودانية، والمبدعين السودانيين، وكافة تنظيمات المجتمع المدنى، وحركات الطلاَّب، وكل من يرغب فى الوقوف إلى جانب الفقراء والمساكين، ومن هُمْ دون خط الفقر.

    الجدوى الإقتصادية والإجتماعية والسياسية لإنشاء الحزب:

    بحسب المعلومات الصادرة من مجلس شئون الأحزاب السياسية أنَّ عدد الأحزاب السودانية المسجلة رسمياً بهذا المجلس بلغ (75) حزباً مستوفياً لكافة الشروط واللوائح القانونية المنظمة لعمل ونشاط الأحزاب بالسودان وفق القانون والدستور (سودان تربيون: 24/03/2014). وإذا أردنا أن نوزع هذه الأحزاب وفق الترتيب الطبقى سالف الذكر (أُنظر حيثيات الواقع الإقتصادى والإجتماعى فى السودان وآفاق التغيير السياسى)، فإننا نجد أنَّ (3) أحزاب فقط من بين الـ (75) حزب الموجودة فى السودان تمثل أحزاب الشرائح الرأسمالية (حلف القوى الإقتصادية). وأن هناك (72) حزباً سودانياً تمثل أحزاب البورجوازية الصغيرة (قل أحزاب الوسط)، كما يخلو السودان بالكمال والتمام من وجود أىِّ حزب للعمال والفقراء والمستضعفين (0).

    فالناظر إلى هذا الواقع يلاحظ بلا أدنى عنت، أنَّ حلف القوى الإقتصادية متماسك على نفسه برغم التفتيت والإقصاء المؤقت الذى مارسته شريحة رأس المال المالى بالشريحتين التجارية والزراعية عند بداية الإنقلاب لضرورات التموضع فى وضعية الهيمنة، وهو أمر مؤقت وطارئ. لأنَّ الشرائح الرأسمالية لا تُقصى بعضها البعض إقصاءاً نهائياً فى لعبة الصراع على السلطة والهيمنة الإقتصادية كما أسلفنا.

    غير أنَّ أحزاب البورجوازية الصغيرة/ الإنتلجنسيا السودانية تعانى حالةً من التشرذم والإنقسامات (72 حزباً). ولعل ذلك يعود بالأساس إلى الأسباب التاريخية المعروفة عقب ثورة 1924 المجيدة والتى أدت إلى نوع من فقدان الهوية السياسية: أحزاب وسط متحالفة مع الرأسمالية، عمال بعضهم يتبع أحزاباً تتحدث بإسمهم وتُغيِّب دورهم، والبعض الآخر قابع فى أحضان الشرائح الرأسمالية، وعلى ذلك قِسْ.

    وكل هذه الإحزاب كما ذكرنا آنفاً تعتاش سياسياً وتعبوياً وأيديولوجياً على قضايا العمال والفلاحين والمستضعفين (قال ذلك الساحر الساخر فى موسم الهجرة للشمال رحمه الله: لو قلتُ لجدى أنَّ الثوراتِ تصنعُ بإسمه، والحكومات تقوم وتقعد من أجله، لضحك. الفكرة تبدو شاذة فعلاً). وسوف تظل تلك الفكرة على شذوذها (شرائح رأسمالية، إنقلابيون، وأحزاب البورجوازية الصغيرة يتحدثون بإسمِ العمال، ويُغيِّبون دورهم فى المشهد اٌلإقتصادى السياسى) ما لم يضطلع العمال بدورهم المنوط بهم على كل الأصعدة.

    فمن الناحية الإقتصادية والإجتماعية وجدنا أنَّ قيام حزب للعمال والقوى الحديثة فى السودان، ضرورة طبقية (ودينية) تُمليها عملية إحداث التوازن فى العملية الإنتاجية. فعدم قيام هذا الحزب، كان سبباً فى بعض الإختلالات الهيكلية، وضمور التنمية، وظهور الطفيلية وتفشى الفساد، والفروق الحادة فى المداخيل.

    ومن الناحية السياسية قلَّتْ فترات الديموقراطية (فى المجموع 11 سنة)، واتصفتْ بعدم الإستقرار، واتجهتْ أحزاب الوسط إلى التشرذم (72 حزباً)، وإلى التحالفات المزمنة والمعلولة والمضلِّلة (لِأكثر من 60 سنة)، فأربكت العملية السياسية بِرُمَّتِها؛ فصارت الديكتاتورية الأطول عمراً فى السودان (أكثر من 46 سنة)، والأكثر تجذراً، وحُجب عن النَّاسِ رؤيةُ البديل.

    ولعلَّ الأوان قد آن لِإحداث التغيير؛ تغيير جذرى يبدأ بإبراز الدور المهم لهذه الشريحة الفاعلة فى المجتمع بتكوين حزبهم؛ تغيير جذرى فى المفاهيم والتحالفات؛ تغيير جذرى يُبعد شبح الديكتاتورية إلى الأبد، ويجعل الديموقراطية فِعلاً مستداماً؛ تغيير جذرى يضع الإنسان والسودان على أعتاب مرحلة الإنطلاق.

    أهداف الحزب:

    لعلَّه من السهل إستنباط أهداف هذا الحزب حين ننظر إلى معادلة الإنتاج المذكورة أعلاه. وتظل المساهمة الفاعلة فى: إنجاز إستحقاقات العمال والقوى الحديثة على كافة الأصعدة بما يوازى دولة الرعاية الإجتماعية، وتحقيق التوازن فى العملية الإنتاجية، ووضع إقتصاد البلد فى مستوى العمالة الكاملة أو فى مستوىً قريب من ذلك، واستدامة الديموقراطية وحراستها، وأخيراً إنجاز الثورة الوطنية الديموقراطية؛ أهدافاً فى غاية النبل بالنسبة لحزب العمال والقوى الحديثة.

    موجهات الحزب:

    1- من أهمَّ موجِّهات حزب العمال والقوى الحديثة السودانى: المساهمة فى إستدامة الديموقراطية، والوصول بالبلد إلى مرحلة الثورة الوطنية الديموقراطية، عن طريق الإلتزام الكامل والقاطع بالنهج الديموقراطى، وبالحريات الدينية والمدنية والسياسية والإقتصادية وغيرها، وبالتسامح الدينى، وبحقوق الإنسان والمرأة والطفل، وبكافة ما جاء فى المواثيق والأعراف الدولية من منظمات الأمم المتحدة وغيرها من موروثات المجتمع الإنسانى الرفيعة.

    2- تمنعُ قوانينُ ولوائحُ الحِزبِ رئيسَ الحزب المنتخب ديموقراطياً بواسطة مؤسسات الحزب الديموقراطية أن يبقى رئيساً للحزب فوق خمسِ سنوات. وبذلك نتخلَّص من الزعامات العضودة التى تسقف جميع أحزابنا السياسية السودانية بلا استثناء. ولا بد لهذا الحزب أن يعيش حالة من الديموقراطية الداخلية الحية والحقيقية، حتى يستطيع أن يبذلها للغير.

    3- لايُعرَّف العضوُ فى هذا الحزب بالإنتماء للقبيلة أو الجهة أو الدين أو الطائفة (طريقة التدين)، وإنَّما يُحدَّدُ إنتماءُ العضو للحزب بإنتمائه لتنظيمه المدنى أو الفئوى أو القطاعى، أو الإقتصادى، وبإنتمائه لِأهداف الحزب.

    4- البرنامج الإنتخابى لهذا الحزب لا يُكَرِّسُ للأنا السياسية ولا الأيديولوجية، وإنَّما هو برنامج لعكس إستحقاق الفئة التى يُمثلها الحزب قِبالة الفئات الأخرى فى المجتمع بشكلٍ متوازن، يضمن إستمرار العملية الإنتاجية/الإنتاج بهدف تطوير الإنسان والسودان.

    بمعنى آخر، فإنَّ حزب العمال والقوى الحديثة السودانى (إذا وضعنا فى الإعتبار وكلاء العملية الإنتاجية التى تساوى فى صيغتِها المبسطة (عمال + رأسماليين)) يراعى أيضاً وبشكلٍ متوازن إستحقاق الرأسماليين فى العملية الإنتاجية/الثورة الوطنية الديمقراطية فى الصيغةِ الكلية، كحق أصيل.

    5- هذا الحزب تحكمه سلطة العلم والعقل الحر والتفكير الحر، وكل فرد فيه معنى بإنتاج معرفة فيما يليه من تخصص.

    6- القوى الحيَّة هى عصب هذا الحزب وعظم ظهره، وهى التى تدير شئونه. كما أنَّ للحزب حكماؤه ومستشاروه ومنظروه. ويؤمن الحزب بفكرة التقاعد عن العمل الحزبى والسياسى إذا بلغ العضو سن التقاعد عن العمل (60 مثلاً). وبذلك يتفرغ الخلاَّقون من أبنائه لإنتاج المعرفة وتطوير الفكر المتعلق بالأُطُر المعرفية لعمل الحزب، كل فى مجاله. فحياة الفرد فى هذا الحزب كلها مثمرة وزاخرة بالعطاء، غير أنَّ الإهتمام الأكبر سيكون بالشباب.

    7- لايؤمن الحزب بفكرة التفرغ للعمل الحزبى، ولا بد لكل فرد أن يكون مبدعاً وخلاَّقاً فى مجالِ تخصصِهِ، وفاعلاً فى كل الإتجاهات والمجالات التى تناسبه. فالتفرغ للعمل الحزبى يقتل النخوة فى الفرد، ويحوله إلى بطل زائف. بل هو نوع من الإعاقة التى سيتخلَّص منها الحزب دفعةً واحدة وإلى الأبد.

    8- لا يضير الحزبَ (وهو وعاء سياسى لكل فقراء السودان وقواه الحديثة) إنتماءُ العضو الدينى أو عدمه (فيمكن للعضو أن يكون مسلماً، مسيحياً، إحيائياً، أو لادينياً، إلخ). فالحزب معنى فقط بالمنظومة الفئوية والقطاعية والإقتصادية والمدنية للعضو، وبإنتمائه لِأهدافِ حزبه.

    9- لا تنبع فكرة الحزب من الحقد الطبقى، أو أىِّ تضاد أو تقابل عَقَدى (فتلك أمراض الحرب الباردة)، وإنما تولدتْ من حقيقة شراكة وكلاء العملية الإنتاجية فى العملية الإنتاجية، البسيطة أو المعقدة (عمال/قوى حديثة + رأسماليين/إنتربِرينيرز = الإنتاج/الثورة الوطنية الديموقراطية).

    وللعمال والقوى الحديثة فى هذه العملية الإنتاجية حق أصيل (كما هو للرأسماليين)، إذا لم يقفوا عليه بأنفسهم وبِلُحْمَتِهِم ضاع عليهم. فهذا الحزبُ، حزبٌ لحفظِ التوازن فى العملية الإنتاجية. ولمَّا كانت الدولة دائمة الوقوف لصالح الرأسماليين، فكيف السبيل لحفظ التوازن، إن لَّم يكن بحزبٍ يلبِّى كافة أشواق وتطلعات العمال والقوى الحديثة (الدينية والدنيوية).

    وبالنظر إلى نقابة المنشئة الإنقاذية الممسوخة (حيث الخفير والوزير، والعامل ورجل الأعمال فى نقابة واحدة)، هل نال العمال والخفراء ما ناله رجال الأعمال والوزراء؟ والإجابة بالطبع لا (إذا استثنينا المنتمين عقائدياً لتنظيم ما يُسمى بالجبهة الإسلامية القومية). لأنَّ نقابة المنشئة هى محض إخصاء للعمال والقوى الحديثة (ونقاباتهم المعروفة) لئلاَّ يُطالبوا بحقوقهم، وبغرض تغييب دورهم وإسكاتهم إلى الأبد.

    وهناك أمرٌ آخرٌ فى غاية الأهمية، ألا وهو أنَّ أحزاب النخبة الإقتصادية الأُخرى ( ولا يُستثنى من ذلك حتى حزب ما يُسمى بالجبهة القومية الإسلامية) حينما تكون فى السلطة، فهى عادة ما تعمل لصالح رجال الأعمال على حساب حتى العمال المنتمين إليها عقائدياً أو سياسياً (راجع واقع التشكل الإقتصادى والإجتماعى فى السودان وآفاق التغيير السياسى أعلاه).

    كما أنَّ الأحزاب التى تتحدث بإسم العمال والقوى الحديثة، تمثل من العمال والقوى الحديثة مَنْ ينتمون عقائدياً فقط لهذه الأحزاب، وهم قلة. هذا علاوة على أنَّ هذه الأحزاب فى حالة تحالف مرحلى مزمن، لمدة ستة عقودٍ ويزيد، مع الشرائح الرأسمالية لِتحقيق التوازن فى العملية الإنتاجية، وهو ما لم يحدث إلى الآن، ولن يحدث إلى الأبد بهذه الصيغة. فقضايا العمال تنجز بالتحالف مع العمال، لا بالتحالف مع الراسمال.

    فكل هذه الحيثيات تُشكلُ وضعاً مُلِحَّاً، ومتزامناً مع واقع الفرز الطبقى والتهميش الذى يعيشه السودان الآن، والذى يبرر بقوة لقيام حزب مرن يضم فقراء كل هذه الأحزاب (أعنى ما يُسمى بالجبهة الإسلامية القومية، الإتحادى الديموقراطى، الأُمة، وغيرها) دون إضطرارهم أو إكراههم للتخلى عن معتقداتهم أو السخرية منها، أو تبنى معتقدات لا تروق لهم.

    فحزب العمال والقوى الحديثة السودانى هو، فى تقديرى المتواضع، الصيغة المُثلى التى تجمع كافة عمال ومستنيرى السودان دون إستثناء. ولنا فى حزب العمال البريطانى إستلهام؛ فنحن السودانيون (يميناً ويساراً) نصوِّتُ له لأنَّه فئوياً ومدنياً واستحقاقاً يُمثلنا كلَّنا، لا فرقَ فى ذلك بين إسلامى ولا إسلامىّ.

    10- يسعى حزب العمال والقوى الحديثة السودانى إلى إخراج أكبر عدد ممكن من العمال والقوى الحديثة من دائرة الفقر إلى دائرة الغِنى. وبالتالى يدعم الحزب كلَّ من استطاع أن يتزحزح بكسبه الشريف من شريحة العمال والقوى الحديثة إلى شرائح الراسمال.

    والشاهد أنَّ المهاجرين من طبقة العمال إلى طبقة الرأسمال (على ما هم عليه من التراحم المكنون فى سودانويتهم)، سيكونون الرصيد الواعى بقضايا التوازن فى العملية الإنتاجية/الإقتصاد القومى لكل شرائح العملية الإنتاجية، وبالتالى يساهمون فى منع انحياز شريحة الدولة للشرائح الرأسمالية، بجعل ذلك الإنحياز لكل شرائح العملية الإنتاجية. والضامن الوحيد لكلِّ ذلك هو وجود حزب العمال والقوى الحديثة السودانى نفسه فى التوليفة الإقتصادية - الإجتماعية والسياسية، وآليات الديموقراطية ومؤسساتها.

    هذا الواقع سيُفضى بالضرورة إلى خلق إقتصاد قومى متجانس وقريب من وضعية العمالة الكاملة، وسوف يزيد من تكريس الديموقراطية واستدامتها بلوغاً إلى مرحلة الثورة الوطنية الديموقراطية، وربما إلى نوع من أنسنة الرأسمالية نفسها.

    11- الديومقراطية فى هذا الحزب حقيقية وواقعٌ مُعاش وليست فقط مادة للسجال؛ يصوِّت فيها أعضاء الحزب لكلِّ أمرٍ مهما كان وزنه، والأصواتُ الغالبة المُتَّسقة مع الأهداف الكلية للحزب وموجهاته، هى التى تشكِّلُ المحدِّدَ الرئيس والوحيد لتوجه الحزب.

    12- أبسط ما يمكن أن يقدمه هذا الحزب للشعب السودانى هو تعليم وصحة مجانيين، ودعم الأُسر المعوزة والفقيرة، ويُساهم فى دعم الإسكان. والحزب قادر على فعل ذلك حتى دون البحث عن موارد مالية جديدة. ويمكن إيراد تفصيل حول كيفية عمل ذلك إذا لزم الأمر.

    13- لا يُرشِّح الحزبُ رئيسَ الحزب الفائز برئاسة الحكومة ليكون رئيساً لِأكثر من فترة رئاسية واحدة مهما كانت درجة قدراته الكارزمية التى يتمتع بها. فالحزب لا يفرط فى المؤسسية والديموقراطية لصالح الكارزما مهما يكن من أمر؛ إذْ أنَّ ذلك يتعارض مع أحد موجهات الحزب الرئيسة. ويُستثنى من ذلك ولمدة فترة رئاسية أخيرة: رئيس الحزب الفائز حزبه برئاسة الحكومة للمرة الثانية إذا حاز على تأييد أغلبية الشعب السودانى (وليس أغلبية حزبه وحسب) ممثلاً فى تأييد أغلب الأحزاب الأخرى له بالصِّيَغ الديموقراطية المتاحة فى زمانها.

    14- للحزب هيكل تنظيمى متّسق مع أهدافه وموجهاته، ومرن بالقدر الذى يستوعب مصفوفة المتغيرات التى يفرضها واقع معادلة الإنتاج المذكورة بعاليه. فهناك هيئة عليا للحزب، هيئة المستشارين والحكماء، الإدارة الثقافية، الإدارة الفنية للعملية الإنتخابية، الإدارة التنظيمية (بقطاعاتها المختلفة: العمال، المرأة، المجتمع المدنى، القوى الحديثة، الصناعات الصغيرة، صغار الملاك، شرائح رأسمالية داعمة للعمال والقوى الحديثة، الطلاب، وكل الفئات المذكورة فى مجتمع الحزب)، الإدارة المالية، إدارة العلاقات الخارجية.

    خاتمة:

    أرجو أن تكون فى هذه الأطروحة المتواضعة (وهل غادر الشعراءُ من مُتَرَدَّمِ) ولو مساهمة ضئيلة لجلب الأستقرار الإقتصادى والإجتماعى والسياسى فى السودان. وإن لَّم تفعل، فلتكن قد أضاءت حُبابةً على طريقة تفكير مختلف لربما قدحت فى أذهان باحثين جدد مساراتٍ تختصر الشقة بين الظلم والعدل، الفوضى والإستقرار، التخلف والتنمية؛ وسائر الثنائيات التى تكبِّل إنطلاقة المجتمع السودانى.

    إنتهت.
                  

12-12-2016, 04:26 AM

حسين أحمد حسين
<aحسين أحمد حسين
تاريخ التسجيل: 09-04-2014
مجموع المشاركات: 1281

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حيثيات التشكّل الإقتصادى – الإجتماعى فى � (Re: حسين أحمد حسين)


    ملحقات: هل العسكرة (المؤسسة العسكرية السودانية) مُحَدِّد مُهِم من مُحدِّدات التغيير؟

    مدخل:

    لعلَّ تجربة الإنقاذ الشاخصة أمامنا الآن، تجعل الواحد منا يقضى بكلِّ طُمأنينة بأنَّ فصل الجيش عن السياسة – كما فصل الدين عن الدولة - هو الأصلح للمؤسسة العسكرية من الإنغماس فيها. ولو عرف العسكريون هذا الأمر قبلاً، لقاتلوا عليه بالسيوف. إذ لم يسبق أنْ أُهينت القوات المسلحة من قبل، مِثل ما أُهينتْ فى زمان الحكم هذا وإن تنطَّعَها المتنطِّعون بأنَّها خطٌ أحمر.

    لم نسمع عبر التاريخ العريق للقوات المسلحة السودانية منذ إنشائها فى عام 1925، أنِ اعتدت مليشيات خاصة، أو فردٌ منها، على ضابط محترف من القوات المسلحة السودانية، إلاَّ فى عهد الإنقاذ البئيس. بل كلُّ العسكريين المحترفين فى القوات المسلحة السودانية قد تمَّ تسريحهم/استبدالهم بمليشيات ذات عقيدة حزبية أخوانوية على نحوٍ لم نره من قبل. الأمر الذى يجعل الوطن، كلَّ الوطن، فى حالة إنكشاف عسكرى/أمنى لا تخطئه العين.

    وقد رأينا بأُمِّ أعينِنا إسرائيل تعتدى على السودان أكثر من مرة، فى عمقِهِ وفى أطرافِهِ، والحكومة لم تحرك ساكناً (تحتفظ بالرد، أو فى أحسن الأحوال ربما ردَّت بالنظر)، طالما أنَّ مصالحها الضيقة لم تُمس بأذى؛ أمَّا السودان والسودانيون، ففى ستين ألف داهية كما يقول لسان حال الإنقاذ.

    أقول ما أقول، ولم تسلم القوات المسلحة السودانية حتى من أذانا نحنُ أصحاب ما يُسمى بالوعى التقدمى؛ وياكم سلقناها بألْسِنةٍ حداد، ويا كم ألبسناها كلَّ خيباتنا حين عجزنا عن تفسير ظاهرة إنقضاضها على الديموقراطية.

    وفى هذه السطور محاولة لتبرئة ساحة القوات المسلحة السودانية مِمَّا يُنسب إليها، وهى ليست بذاك العمق الذى تنتظرون، ولكن حسبى أنَّها جهد المُقِل، وشئٌ خيرٌ من لا شئ.

    متن:

    من قراءتى المتواضعة للواقع السياسى السودانى أنَّ التغيير يحتاج إلى عسكرة، ولو من باب توازن الرعب. فالعسكرة المكافئة لدرجة تَعَسكُر النظام أو القريبة منه (ولو لم تُطلقْ بارودة واحدة) مهمة لتحسين الموقف التفاوضى للمعارضة السياسية، وتشكل الضامن الرئيس للتغيير السلمى (وإنْ دعا داعى الفداء لن نخن). ودعونى أُدَلِّل على هذا الطرح من واقع حيثيات التشكُّل الإقتصادى الإجتماعى فى السودان (نرجو مراجعة الحيثيات أعلاه لكى لا نُكرِّرَ أنفسَنا هنا).

    فمن الإستنتاجات المهمة التى يفضحها التحليل الطبقى للمشهد السودانى، أنَّ كل الإنقلابات العسكرية فى السودان، وكل اللحظات التى إنحازتْ فيها القوات المسلحة للجماهير الثائرة، كانت وراءها الشريحة المهيمنة فى المجتمع. فحين يَضيقُ الشعبُ ذرعاً بالشريحة المهيمنة، تَهْرعُ هذه الشريحة للبحث عن عسكريين تنتخبهم إنتخاباً وتُسَلِّمُهم السلطة بغرض المحافظة على مركز الهيمنة (قاطعةً الطريق على إنحياز وشيك للمؤسسة العسكرية لشعبها)، ثمَّ تزدهر فى كنف النظام العسكرى الجديد، من جديد.

    الآن، فقد ضاق الشعب بالشريحة المهيمنة ضيقاً عظيماً، غير أنَّ الشريحة المهيمنة هذه المرة أكملت عسكرة نفسها (فقد أدركت أهمية العسكرة باكراً على عكس الشرائح الضعيفة)، وسرَّحَتْ المؤسسة العسكرية، لِكَىْ لا يَحْلُمَنَّ الشعب السودانى ثانيةً بأىِّ إنحياز من المؤسسة العسكرية له. وبهذا الإجراء، فقد ضمِنَتْ الشريحة المهيمنة لنفسها عمراً مديداً فى السلطة. وحتى إنْ ضَغَطَ الشعبُ باتجاه التغيير، فستلجأ الشريحةُ المهيمنة فى إطار إجراء شكلى/أداتى إلى أخذ السلطة من نفسها بيد، لتُعطيها لنفسها بالبيد الأخرى، وتصبح بذلك مستمرة وفاعلة ومتجددة.

    وبالمقابل كلُّ هبَّات الشعب السودانى لم تجد من ينحاز إليها من العسكريين ولمدة ربع قرن (باستثناء لحظات الإنحياز الخاطفة لشهداء رمضان البواسل فى بواكير هذا النظام الغادر)، فأصبحت ثورة الشعب نَزِقةً، وخديجةَ النتائج، وغير فاعلة، وسَهْلاً القضاء عليها. وهنا يتكرَّسُ السؤال: هل العسكرة (المؤسسة العسكرية السودانية) من مُحَدِّدات التغيير فى السودان؟

    وإذا كانت الإجابة بنعم، كما هو الحال فى تجربة السودان نفسها، وفى تونس ومصر وليبيا وسوريا، ومعظم دول الجوار (آخرها بوركينافاسو)، فهناك خياران: إمَّا أن نبحث عن قوات مسلحة (وهى مسرحة للصالح العام كما فى حالة السودان الآن) تنحاز إلينا، وننحاز إليها رُغمَ قدحنا لها لمدة ستة عقود (القوات المسلحة الوحيدة التى ينالها التقريح من فئات شعبها فى العالم، هى القوات المسلحة السودانية، خاصةً من الفئات العقائدية. فالأخوانوية كسرتْ عظمَ ظهرِها، والتقدميون حطُّوا من قدرها)، ونبحث لها عن سلاح، وتلك مهمة السودانيين العاملين بالخارج/بنك المغتربين السودانيين فى حكومة المنفى؛ وإمَّا أن ننحاز نحن وتنحاز إلينا الفصائل المسلحة من المعارضة (فالكل يحمل السلاح).

    ومن الواضح أنَّ الأجابة ليست بلا، وبالتالى فإنَّ التغيير يتطلَّب عدم الوقوع فى فِخاخ تنظيم الأخوان المسلمين العالمى، عن طريق الوسيط القطرى والجنوب – أفريقى، القاضى بإلْهاء المعارضة المسلحة (بعد أن هَشَّمَ المؤسسة العسكرية السودانية) بالحوار – وليس بالتفاوض – الدائرى المفرغ الحلقات، وجعلها ذاهلة عن الإنحياز للمعارضة المدنية لأطول فترة ممكنة مهما كان الثمن (فهو أقلُّ كُلفةً من قِتالها).

    إذاً خِشيةُ النظامِ كلُّها من عسكرة المعارضة، وعلينا عسكرتها إن كان التغيير وِجهتَنا (فانظر ماذا فعل توقيع نداء السودان من اضطرابٍ فى كيان السلطة التى أزعم أنها تحكم الشعب السودانى سايكولوجياً: آلة إعلامية، إستعراض عسكرى، ضربة باطشة تستخدم لها الذين تُسميهم إستصغاراً واحتقاراً بالأمن السلبى)، وعلينا مراقبة ورصد الشريحة ذات الهيمنة مالياً وعسكرياً (فى الداخل والخرج) ورصد خطابها وحبائلها بشكلٍ دقيق (فهى لا تفكِّر بعقليتها السودانية المعروفة بالنسبة لنا، والسَّهْل التنبؤ بحدسها، وإنَّما تتغذى بتجربةِ تنظيمها العالمى وبتجربةٍ صهيو - صفوية)، ليسهل الأنقضاضُ عليها وشلُّها بالوسائل المشروعة فى الوقت المناسب.

    وهنا لابد من كلمة إنصاف للمؤسسة العسكرية السودانية يُمليها علينا التحليل الطبقى للظاهرة السودانية، وبالتالى رفع العتب وكفَّ الأذى عنها مرةً واحدةً وإلى الأبد، والنظر بشكل جِدِّى فى أمر إصلاحها؛ لطالما أنَّها محدِّدٌ مهِمٌّ من محدِّدات التغيير.

    لقد جاء بعاليه أنَّ كل الإنقلابات العسكرية واللحظات التى إنحازت فيها المؤسسة العسكرية للجماهير فى حالات الثورة، كانت بإيعاز من الشرائح الرأسمالية خاصة الشريحة ذات الهيمنة والمتحالفين معها منذ أكثر من 60 سنة.

    وهنا أيضاً لابد من تذكيركم بما جاء آنفاً، بأنَّ شرائح رأس المال لا تحب العيش فى المناخات الديموقراطية (ما نالته بالديكتاتورية، لم تنلْه بالديموقراطية) التى تميل للتوازن بين كل شركاء العملية الإنتاجية وهو أمرٌ غير مٌحبَّبٍ بالنسبة لها (ما غنِىَ غَنِىٌّ إلاَّ على حسابِ فقير)، وبالتالى فإنَّ فترات الديموقراطية فى السودان هى فترات لتحديد موقع الهيمنة أكثر منه إقتناعاً بها (وذلك يُفسِّر قصرَها)، ومن ثمَّ الإنقضاض من جديد على الديموقراطية المُغيَّبِ حارسَها عمداً فى المشهد السياسى السودانى؛ ذلك حزب العمال والقوى الحديثة السودانى.

    والمؤسسة العسكرية حين تنقض على الديموقراطية أو يُطلب منها الإنحياز لحركة الجماهير (وكلُّ ذلك يتم بإيعاز الشرائح الرأسمالية، تعييناً الشريحة المهيمنة، وحلفائها من البورجوازية الصغيرة المتحدثة باسم العمال والقوى الحية فى المجتمع بعد القراءة الدقيقة للمشهد السودانى)، تعتبر تلك رغبة كل الشعب؛ خاصةً فى ظِلِ غيابٍ كاملٍ لحزبٍ للعمال والقوى الحديثة السودانية. ولو كان هذا الحزب موجوداً لوقفت المؤسسة العسكرية على الحياد دون أدنى شك؛ وذلك لطبيعتها القومية، ولوقوع معظم فئاتها فى فئة العمال والقوى الحديثة نفسها.

    إذاً الذى يُلام بالدرجة الأولى على تدخل المؤسسة العسكرية فى الشأن المدنى السودانى هو شرائح رأس المال المتنافسة على موقع الهيمنة (الذى أقصر الطرق لنيله وأقلها كُلفةً إقتصادية هو الإنقلاب العسكرى؛ فبالديموقراطية ربما أصبح بعيد المنال) ومن تحالف معها من أحزاب البورجوازية الصغيرة؛ وهذا الحلف هو نفسُهُ المسئول عن غياب حزب العمال والقوى الحديثة فى المشهد السياسى السودانى كما أثبتنا فى مداخلات أُخرى، الغياب الذى أعشى المؤسسات العسكرية والمدنية معاً عن رؤية الأهداف والرغبات الحقيقية لأكثر من 85% من سكان السودان (الديموقراطية/التوازن فى العملية الإنتاجية)، وعن سبل تكريسها واستدامتها فى الواقع السودانى. فَمَنْ يلومُ مَنْ يا تُرى؟!

    خاتمة:

    نرجو أن يكون تأسيس حزب للعمال والقوى الحديثة السودانى حافزاً لِإعادة بناء وإصلاح المؤسسة العسكرية السودانية (التى مسختها شرائح رأس المال، واغتالتْ شخصيتها أحزاب البورجوازية الصغيرة) على أساس قومى متكامل ومتين، وعلى أساس عقيدة جديدة قائمة على الحياد والتعاطى المتساوى مع كل شركاء العملية الإنتاجية، أى تُنشَّأ حارسةً للديموقراطية ومؤسساتها.

    وبإسم العمال والقوى الحديثة السودانية، نُنَاشد كلَّ أحزاب الشرائح الرأسمالية، وأحزاب الوسط بخاصة بما تمتلكه من وعىٍ وعقلٍ طَلْعَة، أن تكُفَّ أذاها عن المؤسسة العسكرية السودانية حتى نستعيد هذا الوطن المسروق. وللمؤسسة العسكرية السودانية، ولمن أراد من ضباطها العِظام السعى للسلطة، فعليه أن يتميدن حتى ينالها أسوةً بالمدنيين الآخرين. ولابد من مراجعة المنهج الذى يَعِدُّ هذه المؤسسة، مراجعة دقيقة باتجاه تحقيق هذه الأهداف.
                  

12-12-2016, 04:29 AM

حسين أحمد حسين
<aحسين أحمد حسين
تاريخ التسجيل: 09-04-2014
مجموع المشاركات: 1281

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حيثيات التشكّل الإقتصادى – الإجتماعى فى � (Re: حسين أحمد حسين)


    ما سقط سهواً:

    يسعى حزب العمال والقوى الحديثة السودانى إلى إخراج أكبر عدد ممكن من العمال والقوى الحديثة من دائرة الفقر إلى دائرة الغِنى. وبالتالى يدعم الحزب كلَّ من استطاع أن يتزحزح بكسبه الشريف من شريحة العمال والقوى الحديثة إلى شرائح الراسمال.

    والشاهد أنَّ المهاجرين من طبقة العمال إلى طبقة الرأسمال (على ما هم عليه من التراحم المكنون فى سودانويتهم)، سيكونون الرصيد الواعى بقضايا التوازن فى العملية الإنتاجية/الإقتصاد القومى لكل شرائح العملية الإنتاجية، وبالتالى يساهمون فى منع انحياز شريحة الدولة للشرائح الرأسمالية، بجعل ذلك الإنحياز لكل شرائح العملية الإنتاجية. والضامن الوحيد لكلِّ ذلك هو وجود حزب العمال والقوى الحديثة السودانى نفسه فى التوليفة الإقتصادية - الإجتماعية والسياسية، وآليات الديموقراطية ومؤسساتها.

    هذا الواقع سيُفضى بالضرورة إلى خلق إقتصاد قومى متجانس وقريب من وضعية العمالة الكاملة، وسوف يزيد من تكريس الديموقراطية واستدامتها بلوغاً إلى مرحلة الثورة الوطنية الديموقراطية، وربما إلى نوع من أنسنة الرأسمالية نفسها.
                  

12-24-2016, 02:01 AM

حسين أحمد حسين
<aحسين أحمد حسين
تاريخ التسجيل: 09-04-2014
مجموع المشاركات: 1281

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حيثيات التشكّل الإقتصادى – الإجتماعى فى � (Re: حسين أحمد حسين)

    دراسة الأستاذ حسين أحمد التي تناولت العلاقات الاقتصادية/الاجتماعية والسياسية للواقع السوداني مهمـة في ظل التحديات المختلفة التي يعيشها المواطن السوداني في الداخل.

    ذكر الكاتب أن هناك فصول أخرى للدارسة سترد لاحقاً، ولكن، في اعتقادي، أن ما تمّ طرحه حتى الآن غطى جوانب مهمة، ولي بعض الملاحظات على نقد الكاتب للنظرية الاقتصادية الاسلامية، حيث ذكرالأخ حسين أن ما يؤخذ على النظرية الاقتصادية الاسلامية أنها مستنبطة من النص الديني (الكتاب والسنة)،

    أي أنّ واضعيها سعوا إلى إلباسها الثوب الديني وإلى إضفاء شئ من القدسية عليها، بينما الواقـع، حسب رأي الكاتب، يؤكد على أن النظرية الاقتصادية هي نظرية سلوكية “Behavioral Theory”.

    أنا لا أستبعد حضور البعُـد السياسي والمصلحي عموماً لدى منظري الاقتصاد الاسلامي عند وضعهم لأُسس النظرية الاقتصادية الاسلامية، ولكن في اعتقـادي أن النظرية الاقتصادية الاسلامية هي أيضاً نظرية سلوكية في جوهرها.

    نعم السلوك نابع من المجتمع، ولكن الدين أيضاً لا يشـذ عن المجتمع وقيمـه، بل أعتقـد أن الـ Subject Matter للدين (إن صح التعبير) هو المجتمـع نفسـه، ويدل على ذلك الحـديث النبـوي (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق).

    والدين الاسلامي في حقيقته دين تطبيق وممارسة وسلوك، وهذا يشمل بالضرورة الاقتصاد والاجتماع والسياسة.

    إذا تناولنا، على سبيل المثال، المعاملات المالية من المنظور الاسلامي نلاحظ أن الاسلام حرّم الربــا باعتباره أداة استغلال بيد الغني لحاجة المقترض، ولكنه أوجد بالمقــابل أدوات أخرى تظل مربحـة للمقرِض ولكن ملـزمة له بالمشاركة في المخاطر، ومن أبرز أدوات المعاملات المالية الإسلامية: المشاركة، المرابحــة والمضـاربة.

    جهـدكم مقــدّر أخي حســن ونــأمل منكم مواصلة الطرح.

    تحياتــي،،


    الأستاذ طه داوود تحياتى،

    نعم يا عزيزى أن النظرية الإسلاموية مستنبطة من النص الدينى، غير أنِّى لم أقل "أنَّ واضعيها سعوا إلى إلباسها الثوب الدينى، وإلى إضفاء شئ من القدسية عليها". بل قلت إنَّ استنباط النظرية الإسلاموية من النص الدينى لا من سلوك الإسلاموى (كما فعلت النظرية الإقتصادية) مُؤدَّاه إخفاء سلوك الإسلاموى المجافى لجوهر الدين.

    ودعنى أضرب مثلاً هنا؛ فنصُّ الدين الإسلامى الحنيف، قرآناً كان أم سُنَّةً، حرم الغلول (سرقة المال العام)، ولكن أُنظر إلى سلوك الإسلاموى/الأخوانوى فى السودان فى تعامله مع المال العام لتجد وضوح المفارقة بين النص والسلوك. وبالتالى النظرية الإقتصادية الإسلامية المستنبطة من السلوك لم أجدها حتى الآن عند كلِّ المتنطعين بالإسلام الذين قرأت لهم، ولذلك فهى عندى حتى إشعار آخر "نظرية إسلاموية".

    وبالطبع أنا أفهم لماذا بُعِثَ سيد المرسلين حبيبى محمد صلى الله عليه وسلم، وأفهم أن الدين الإسلامى "دين تطبيق وممارسة وسلوك"؛ ولكن السؤال المهم: من الذى يطبقه ويمارسه ويسلكه اليوم لكى أستمد منه النظرية الإسلامية السلوكية، خلا فى صدر الإسلام الأول؟. الأمر الذى تتحاشاه الجماعات الإسلاموية اليوم لأنَّه يفضح حقيقتهم المُجافية للإسلام.

    وبالتالى يا عزيزى طه داوود، فإنَّ النص الدينى المرتبط بالإقتصاد يُمكن أن يتحول إلى نظرية إقتصادية إسلامية (ليس بحديثنا عن مكارم الأخلاق وحسب)، حينما يتشرب المسلم دينه/يعيه ويستبطنه ويحوله إلى سلوك/معاملة. ولأجل ذلك قال سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الدين المعاملة (الحديث الشريف) أى السلوك. وبالتالى كان من الممكن للمنظرين للنظرية الإسلامية أن يستنبطوا نظريتهم من سلوك الأفراد المتحققين بالإسلام وليس من النصوص، ولكن للمفارقة ذلك لم يحدث.

    أرجو أن تكون فكرتى قد وضحت لك، دون الخوض فى مسائل المرابحة والمضاربة والمشاركة لأنَّ المآخذ عليها كثيرة.

    مع الشكر.
                  

12-24-2016, 08:55 AM

aydaroos
<aaydaroos
تاريخ التسجيل: 06-29-2005
مجموع المشاركات: 2965

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حيثيات التشكّل الإقتصادى – الإجتماعى فى � (Re: حسين أحمد حسين)

    تحياتي للأستاذ حسين احمد حسين والمشاركين
    قلت :(ما تجدر الأشارة إليه هنا بادئ ذى بدء، هو أنَّه مع هيمنة النظام الرأسمالى على غيره من أنماط إنتاج وإخضاعها للعمل وفق نمط الإنتاج الرأسمالى لِأداء وظيفة رأسمالية، يصعب مع هكذا واقع الحديث عن أنماط قبل - رأسمالية، أو عن حالة إزدواج فيها قطاع رأسمالى حديث وآخر تقليدى (قبل - رأسمالى) يعملان فى إتجاهين متضادين، كلاهما لصالح تشكيلته، كما تقضى بذلك النظرية/النموذج المزدزجة (The Dual Theory/Model). فالشاهد أنَّ الأنماط القبل - رأسمالية لا توجد كأنماط إنتاج، بل كعناصر إنتاج وذلك بفعل تعطيلها بسيادة النظام الرأسمالى الجديد عليها واستغلال وتوظيف عناصرها الإنتاجية (العمل وأدوات إنتاجها البدائية) لخدمة النظام الرأسمالى الجديد (Poulantzas 1978).

    ولكن مع واقعٍ كهذا، فقد حُقَّ لنا أن نتحدثَ عن أنماط إنتاج لا- رأسمالية وليس قبل – رأسمالية. ولمعرفة أنَّ نمطاً ما من الأنتاج رأسمالى بالكلية أم لا، فإننا ننظر فى ثلاثة مستويات فى بنية النظام السائد: الدولة، علاقات الإنتاج، والتشكيلة الإجتماعية. فإنْ كانت الثلاثة مستويات رأسمالية فإننا نقول هذا النظام رأسمالى مائة بالمائة. غير أننا فى التشكل الإقتصادى - الأجتماعى الرأسمالى الذى ساد بعد الإستقلال فى السودان، نجد أنَّ الدولة فيه رأسمالية، علاقات الإنتاج رأسمالية، ولكن التشكيلة الإجتماعية مازالت قائمة على أساس قبلى/عشائرى، وليس على الأساس الإقتصادى أو القطاعى أو الفئوى. وهذا ما يجعلنا نصفها باللا – رأسمالية، أو قل غير مكتملة الرأسمالية.
    )

    كتبت في مدونتي رأياً قريباً من هذا:
    هل السودان دولة رأسمالية ؟
    بوضوح شديد: السودان (ما) دولة رأسمالية، السودان (دولة ما بعد إستعمار)، والإقتصاد الفيها إقتصاد ما بعد الإستعمار، وعلاقات الإنتاج الفيها علاقات ما بعد الإستعمار، وإختلاط المؤسسات مابين قديمة وحديثة، وإختلاط الأنماط الإقتصادية ما بين تقليدي وحديث، وإختلاط طريقة التفكير السائدة ما بين ليبرالية وابوية وصائية دا كلو ناتج من إنو السودان دولة ما بعد الإستعمار ، حيث تم تشويه النظام الإقتصادي الإجتماعي وتم تشويه طرق التفكير في السودان بواسطة الإستعمار،ومنذ حينه أصبحت المنظومة السودانية شبه عاجزة عن التطور الذاتي وأصبحنا مسجونين في حلقة الفشل الدائرية.
    على المستوى العالمي نعم هناك قهر وتهميش ونهب من الرأسمالية العالمية، على المستوى المحلي انا بقول إنو العنف والنهب والقهر والتهميش ناتج من نمط إنتاج ما بعد الإستعمار والذي تتداخل فيه سمات نمط الإنتاج الإقطاعي ونمط إنتاج الرأسمال، وإنو النهب والقهر والتهميش في الداخل بسبب هذا النمط وعبر مراكز السلطة البرجوقبلية و البرجوطائفية*، وهم أيضاً يلعبون دور الوسيط والوكيل للرأسمال العالمي.
    بغير إدراك هذه الحقائق، ودراسة الواقع الحقيقي على الأرض لا الإنطلاق من الأيدولوجيا للايدولوجيا سواء يسار او يمين، بغير الحفر في الإقتصادي الإجتماعي السوداني، بغير الحفر في حياة السودانيين، لن يحدث شئ.
    كنت دائماً ما انعى على كارل ماركس إنه يعتبر "الإستعمار" تمديداً لنمط الإنتاج الرأسمالي (وهذا يستبطن نشر الأمة الأوروبية للحداثة وسط البرابرة). وكنت بقول إنو الإستعمار بي يحدث قطع في تطور المنظومات الإجتماعية للشعوب وبي يقهر فيها نمط مصنوع من أنماط الإنتاج، وسميتو (نمط إنتاج دولة ما بعد الإستعمار). ومن البديهي إن أقول أن نمط الإنتاج الرأسمالي والسوق الرأسمالي هو المسيطر على العالم، ولكنه ليس سائداً في كل المجتمعات. إقتصادنا(نمط مابعد الإستعمار) وسوقنا ومراكز السلطة البرجوطائفوقبلية المسيطرة على مجتمعاتنا تلعب دورالرابط، التابع والوسيط للرأسمال العالمي، ولذا يقع على المجتمعات السودانية قهر ونهب مزدوج، قهر ونهب (مراكز السلطة في مجتمعات ما بعد الإستعمار)، وقهر ونهب الرأسمال العالمي عبر الوسيط المحلي "التحالف البرجوطائفوقبلي" .
    في نمط إنتاج مابعد الإستعمار، هناك مراكز السلطة البرجوطائفية وبرجوقبلية والتي تستغل التحيزات الدينية والتحيزات العرقية والتحيزات الإقتصادية لإستدامة سيطرتها، ومن ثم تتراتب المجتمعات حسب قربها أو بعدها من هذا المركز، فأصحاب النسب الشريف والقداسة الدينية والمال هم في سنام الطبقة البرجوطائفوقبلية، ومن ثم يتبعهم الباقون، وفي القاع يقبع المهمشون من عمال وأصحاب الحرف والمهن الهامشية ، وصغار المزارعين، والعساكر(الجنود)، والأتباع في القبائل والطرق الدينية، وأدنى سلم التراتب الإقتصادي الإجتماعي هم الأدنى في سلم التراتب العرقي، الديني والإقتصادي.
    هناك دول كانت مستعمرة وتحررت وتقدمت، لذا في رأيي أن تقدم دول ما يسمى (بالعالم الثالث) ونحن منها، ومعظمها يسيطر عليها نمط إنتاج (مابعد الإستعمار)، أن تقدم دول العالم الثالث ليس رهناً بحل مشكلة الرأسمالية العالمية بالرغم من ثقل ووزن هذه المشكلة الهائل وواجب العمل على حلها ضروري ودائم، إن تقدم دول العالم الثالث ونحن منها رهين بتجاوز التشوهات والهجنة التي أحدثها الإستعمار بصناعته لنمط ما بعد الإستعمار في بلادنا.
    (* برجوازية - قبلية، وبرجوازية- طائفية)
    أقول، كنت دائماً ما انعى على كارل ماركس إنه يعتبر "الإستعمار" تمديداً لنمط الإنتاج الرأسمالي لكن الليلة وانا بحفر في الموضوع تاني إكتشفت إنو كارل ماركس عندو في المسألة دي تلاتة خيارات :
    1- أن يسود نمط إنتاج المُستَعمِر.
    2- أن لا يتدخل المُستعمِر في نمط إنتاج المجتمعات المُستعمَرة ويكتفي بجباية أو جزية على الدولة ككل.
    3- أن يحصل تداخل في أنماط الإنتاج ما بين المُستعمَر والمجتمعات المستَعمَرة وينتج من ذلك نمط إنتاج هجين.
    (In the trivial form, however, in which these questions have been raised above, they can be dealt with quite briefly. Conquests may lead to either of three results. The conquering nation may impose its own mode of production upon the conquered people (this was done, for example, by the English in Ireland during this century, and to some extent in India); or it may refrain from interfering in the old mode of production and be content with tribute (e.g., the Turks and Romans); or interaction may take place between the two, giving rise to a new system as a synthesis (this occurred partly in the Germanic conquests). In any case it is the mode of production – whether that of the conquering nation or of the conquered or the new system brought about by a merging of the two – that determines the new mode of distribution employed. Although the latter appears to be a pre-condition of the new period of production, it is in its turn a result of production, a result not simply occasioned by the historical evolution of production in general, but by a specific historical form of production) Karl Marx: Critique of Political Economy
                  

12-24-2016, 08:57 AM

aydaroos
<aaydaroos
تاريخ التسجيل: 06-29-2005
مجموع المشاركات: 2965

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حيثيات التشكّل الإقتصادى – الإجتماعى فى � (Re: aydaroos)


    https://alshoof.blogspot.com/2016/04/blog-post.htmlhttps://alshoof.blogspot.com/2016/04/blog-post.html
                  

12-27-2016, 01:49 AM

حسين أحمد حسين
<aحسين أحمد حسين
تاريخ التسجيل: 09-04-2014
مجموع المشاركات: 1281

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حيثيات التشكّل الإقتصادى – الإجتماعى فى � (Re: aydaroos)

    تحياتي للأستاذ حسين احمد حسين والمشاركين

    قلت :(ما تجدر الأشارة إليه هنا بادئ ذى بدء، هو أنَّه مع هيمنة النظام الرأسمالى على غيره من أنماط إنتاج وإخضاعها للعمل وفق نمط الإنتاج الرأسمالى لِأداء وظيفة رأسمالية، يصعب مع هكذا واقع الحديث عن أنماط قبل - رأسمالية، أو عن حالة إزدواج فيها قطاع رأسمالى حديث وآخر تقليدى (قبل - رأسمالى) يعملان فى إتجاهين متضادين، كلاهما لصالح تشكيلته، كما تقضى بذلك النظرية/النموذج المزدزجة (The Dual Theory/Model). فالشاهد أنَّ الأنماط القبل - رأسمالية لا توجد كأنماط إنتاج، بل كعناصر إنتاج وذلك بفعل تعطيلها بسيادة النظام الرأسمالى الجديد عليها واستغلال وتوظيف عناصرها الإنتاجية (العمل وأدوات إنتاجها البدائية) لخدمة النظام الرأسمالى الجديد (Poulantzas 1978).

    ولكن مع واقعٍ كهذا، فقد حُقَّ لنا أن نتحدثَ عن أنماط إنتاج لا- رأسمالية وليس قبل – رأسمالية. ولمعرفة أنَّ نمطاً ما من الأنتاج رأسمالى بالكلية أم لا، فإننا ننظر فى ثلاثة مستويات فى بنية النظام السائد: الدولة، علاقات الإنتاج، والتشكيلة الإجتماعية. فإنْ كانت الثلاثة مستويات رأسمالية فإننا نقول هذا النظام رأسمالى مائة بالمائة. غير أننا فى التشكل الإقتصادى - الأجتماعى الرأسمالى الذى ساد بعد الإستقلال فى السودان، نجد أنَّ الدولة فيه رأسمالية، علاقات الإنتاج رأسمالية، ولكن التشكيلة الإجتماعية مازالت قائمة على أساس قبلى/عشائرى، وليس على الأساس الإقتصادى أو القطاعى أو الفئوى. وهذا ما يجعلنا نصفها باللا – رأسمالية، أو قل غير مكتملة الرأسمالية.)

    كتبت في مدونتي رأياً قريباً من هذا:هل السودان دولة رأسمالية ؟بوضوح شديد: السودان (ما) دولة رأسمالية، السودان (دولة ما بعد إستعمار)، والإقتصاد الفيها إقتصاد ما بعد الإستعمار، وعلاقات الإنتاج الفيها علاقات ما بعد الإستعمار، وإختلاط المؤسسات مابين قديمة وحديثة، وإختلاط الأنماط الإقتصادية ما بين تقليدي وحديث، وإختلاط طريقة التفكير السائدة ما بين ليبرالية وابوية وصائية دا كلو ناتج من إنو السودان دولة ما بعد الإستعمار ، حيث تم تشويه النظام الإقتصادي الإجتماعي وتم تشويه طرق التفكير في السودان بواسطة الإستعمار،ومنذ حينه أصبحت المنظومة السودانية شبه عاجزة عن التطور الذاتي وأصبحنا مسجونين في حلقة الفشل الدائرية. على المستوى العالمي نعم هناك قهر وتهميش ونهب من الرأسمالية العالمية، على المستوى المحلي انا بقول إنو العنف والنهب والقهر والتهميش ناتج من نمط إنتاج ما بعد الإستعمار والذي تتداخل فيه سمات نمط الإنتاج الإقطاعي ونمط إنتاج الرأسمال، وإنو النهب والقهر والتهميش في الداخل بسبب هذا النمط وعبر مراكز السلطة البرجوقبلية و البرجوطائفية*، وهم أيضاً يلعبون دور الوسيط والوكيل للرأسمال العالمي. بغير إدراك هذه الحقائق، ودراسة الواقع الحقيقي على الأرض لا الإنطلاق من الأيدولوجيا للايدولوجيا سواء يسار او يمين، بغير الحفر في الإقتصادي الإجتماعي السوداني، بغير الحفر في حياة السودانيين، لن يحدث شئ. كنت دائماً ما انعى على كارل ماركس إنه يعتبر "الإستعمار" تمديداً لنمط الإنتاج الرأسمالي (وهذا يستبطن نشر الأمة الأوروبية للحداثة وسط البرابرة). وكنت بقول إنو الإستعمار بي يحدث قطع في تطور المنظومات الإجتماعية للشعوب وبي يقهر فيها نمط مصنوع من أنماط الإنتاج، وسميتو (نمط إنتاج دولة ما بعد الإستعمار). ومن البديهي إن أقول أن نمط الإنتاج الرأسمالي والسوق الرأسمالي هو المسيطر على العالم، ولكنه ليس سائداً في كل المجتمعات. إقتصادنا(نمط مابعد الإستعمار) وسوقنا ومراكز السلطة البرجوطائفوقبلية المسيطرة على مجتمعاتنا تلعب دورالرابط، التابع والوسيط للرأسمال العالمي، ولذا يقع على المجتمعات السودانية قهر ونهب مزدوج، قهر ونهب (مراكز السلطة في مجتمعات ما بعد الإستعمار)، وقهر ونهب الرأسمال العالمي عبر الوسيط المحلي "التحالف البرجوطائفوقبلي" .في نمط إنتاج مابعد الإستعمار، هناك مراكز السلطة البرجوطائفية وبرجوقبلية والتي تستغل التحيزات الدينية والتحيزات العرقية والتحيزات الإقتصادية لإستدامة سيطرتها، ومن ثم تتراتب المجتمعات حسب قربها أو بعدها من هذا المركز، فأصحاب النسب الشريف والقداسة الدينية والمال هم في سنام الطبقة البرجوطائفوقبلية، ومن ثم يتبعهم الباقون، وفي القاع يقبع المهمشون من عمال وأصحاب الحرف والمهن الهامشية ، وصغار المزارعين، والعساكر(الجنود)، والأتباع في القبائل والطرق الدينية، وأدنى سلم التراتب الإقتصادي الإجتماعي هم الأدنى في سلم التراتب العرقي، الديني والإقتصادي. هناك دول كانت مستعمرة وتحررت وتقدمت، لذا في رأيي أن تقدم دول ما يسمى (بالعالم الثالث) ونحن منها، ومعظمها يسيطر عليها نمط إنتاج (مابعد الإستعمار)، أن تقدم دول العالم الثالث ليس رهناً بحل مشكلة الرأسمالية العالمية بالرغم من ثقل ووزن هذه المشكلة الهائل وواجب العمل على حلها ضروري ودائم، إن تقدم دول العالم الثالث ونحن منها رهين بتجاوز التشوهات والهجنة التي أحدثها الإستعمار بصناعته لنمط ما بعد الإستعمار في بلادنا. (* برجوازية - قبلية، وبرجوازية- طائفية) أقول، كنت دائماً ما انعى على كارل ماركس إنه يعتبر "الإستعمار" تمديداً لنمط الإنتاج الرأسمالي لكن الليلة وانا بحفر في الموضوع تاني إكتشفت إنو كارل ماركس عندو في المسألة دي تلاتة خيارات :1- أن يسود نمط إنتاج المُستَعمِر.2- أن لا يتدخل المُستعمِر في نمط إنتاج المجتمعات المُستعمَرة ويكتفي بجباية أو جزية على الدولة ككل.3- أن يحصل تداخل في أنماط الإنتاج ما بين المُستعمَر والمجتمعات المستَعمَرة وينتج من ذلك نمط إنتاج هجين. (In the trivial form, however, in which these questions have been raised above, they can be dealt with quite briefly. Conquests may lead to either of three results. The conquering nation may impose its own mode of production upon the conquered people (this was done, for example, by the English in Ireland during this century, and to some extent in India); or it may refrain from interfering in the old mode of production and be content with tribute (e.g., the Turks and Romans); or interaction may take place between the two, giving rise to a new system as a synthesis (this occurred partly in the Germanic conquests). In any case it is the mode of production – whether that of the conquering nation or of the conquered or the new system brought about by a merging of the two – that determines the new mode of distribution employed. Although the latter appears to be a pre-condition of the new period of production, it is in its turn a result of production, a result not simply occasioned by the historical evolution of production in general, but by a specific historical form of production) Karl Marx: Critique of Political Economy


    الإستاذ عيدروس تحياتى،
    وشكراً على هذه الماداخلة المهمة والشكر أجزله على توصيلى بمدونك.

    فى الحقيقة لى عدد من الملاحظات حول هذه المداخلة الغنيَّة، ولسبب هذا الغِنى أعذرنى أن يكون ردى مُنجَّماً.

    أولاً، فى إطار أى فكر، كما تعلم يا عزيزى، نحتاج لضبط مصطلحتنا بذلك الفكر، أو إذا أتينا بمصطلحات تخصنا (كنمط إنتاج ما بعد الإستعمار) علينا القيام بشرحها تفصيلاً لفائدة القارئ العادى والمارِّينَ كِراماً.

    ثانياً، عليه أجدنى فى خلاف مع قولك:

    "على المستوى المحلي انا بقول إنو العنف والنهب والقهر والتهميش ناتج من نمط إنتاج ما بعد الإستعمار والذي تتداخل فيه سمات نمط الإنتاج الإقطاعي ونمط إنتاج الرأسمال، وإنو النهب والقهر والتهميش في الداخل بسبب هذا النمط وعبر مراكز السلطة البرجوقبلية و البرجوطائفية*، وهم أيضاً يلعبون دور الوسيط والوكيل للرأسمال العالمي".

    وهذ القول هو قول دعاة النموذج المزدوج المذكور بعاليه وهم إقتصاديون بورجوازيون من أمثال (Taylor) وصحبه، والذى يقضى بوجود نمطين للإنتاج يعملان فى إتجاهين مضادين، وهما المسئولان عن وجود قطاع رأسمالى متطور وآخر تقليدى متخلف، ولكى يتطور المتخلف عليه أن يندمج فى المتقدم ليلحق بركب التطور الرأسمالى. غير أنَّ هذه الفكرة دحضها الماركسيون البنيويون من أمثال (Poulantzas) كما جاء بعاليه، وغيرهم من الماركسيين كسمير أمين.

    وعليه يصعب فى وجود علاقة جدلية (Domination - Subordination) أن نجد نمطين للإنتاج يعملان فى اتجاهين مختلفين كلٌّ يعمل حسب مقتضيات منظومته؛ إذ أنَّ نمط الإنتاج المهيمِن هو الذى يتحكم فى نمط الإنتاج المُهَيْمَن عليه، ويُحيله إلى عناصر إنتاج لفائدة منظومته بدلاً من وجوده كنمط إنتاج. وهذه الحقيقة يؤكد عليها أيضاً (Wallerstein) فى كتابه نظم العالم (World Systems 1974).

    والآكد فى كلِّ ذلك هو متى ما تحولت المنظومة الإقتصادية - الإجتماعية المعينة من الإنتاج لذاتها (Used - value) إلى الإنتاج للغير (Surplus - value) تصبح تلك المنظومة رأسمالية وإن تسمت بأى إسم آيديولوجى آخر؛ وتبقى الفروقات فقط فى درجة الرسملة.

    ولى عود بإذن الله على قول السيد كارل ماركس.

    مع كل الود.

    (عدل بواسطة حسين أحمد حسين on 12-27-2016, 02:04 AM)

                  

12-27-2016, 07:06 AM

aydaroos
<aaydaroos
تاريخ التسجيل: 06-29-2005
مجموع المشاركات: 2965

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حيثيات التشكّل الإقتصادى – الإجتماعى فى � (Re: حسين أحمد حسين)

    الصديق حسين احمد حسين
    قلت (وهذ القول هو قول دعاة النموذج المزدوج المذكور بعاليه وهم إقتصاديون بورجوازيون من أمثال (Taylor) وصحبه، والذى يقضى بوجود نمطين للإنتاج يعملان فى إتجاهين مضادين، وهما المسئولان عن وجود قطاع رأسمالى متطور وآخر تقليدى متخلف، ولكى يتطور المتخلف عليه أن يندمج فى المتقدم ليلحق بركب التطور الرأسمالى. غير أنَّ هذه الفكرة دحضها الماركسيون البنيويون من أمثال (Poulantzas) كما جاء بعاليه، وغيرهم من الماركسيين كسمير أمين.
    وعليه يصعب فى وجود علاقة جدلية (Domination - Subordination) أن نجد نمطين للإنتاج يعملان فى اتجاهين مختلفين كلٌّ يعمل حسب مقتضيات منظومته؛ إذ أنَّ نمط الإنتاج المهيمِن هو الذى يتحكم فى نمط الإنتاج المُهَيْمَن عليه، ويُحيله إلى عناصر إنتاج لفائدة منظومته بدلاً من وجوده كنمط إنتاج. وهذه الحقيقة يؤكد عليها أيضاً (Wallerstein) فى كتابه نظم العالم (World Systems 1974). )

    وللدقة أنا قلتا إنو الإستعمار بإدخاله لأدوات ومؤسسات الدولة الحديثة وتعشيقها مع مؤسساتنا القديمة (القبيلة والطريقة الصوفية والطائفة) لم يخلف لنا دولة ذات نمط إنتاج رأسمالي
    وإنما دولة ذات نمط إنتاج هجين، والهجين يخلف تماماً عن المزدوج. ففي حين تعمل علاقات الإنتاج الرأسمالية وعلاقات الإنتاج الإقطاعية في إتجاهين متعارضين في النظام المزدوج، فللنظام الهجين علاقات
    إنتاجه التي تخدم المؤسسات القائمة بمراكز سلطتها وهى مؤسسات هجينة لا حديثة ولا قديمة. ولذا سميتها بالمؤسسات البرجوطائفوقبلية، وسميت تحالف فئات مراكز السلطة بالبرجوطائفوقبليين.
    نمط الإنتاج الهجين في رؤ يتي هو نمط قائم بذاته لاهو تقليدي ولا هو رأسمالي وإن إنخدع المراقب له بالسمات الحديثة فيه تارة وبالسمات التقليدية تارة، فهذه السمات ليست متناقضة فيه وإنما سمات محددة له
    وتعمل متآزرة لخدمة النظام.

    ياريت يكون عندي فرقة وكت لأكتب أكثر... ولك التحايا
                  

12-27-2016, 08:55 AM

osama elkhawad
<aosama elkhawad
تاريخ التسجيل: 12-31-2002
مجموع المشاركات: 20385

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حيثيات التشكّل الإقتصادى – الإجتماعى فى � (Re: aydaroos)

    أهلا أستاذ حسين

    ما هو الفرق بين حزب العمال والقوى الحديثة والحزب الشيوعي السوداني؟

    مع خالص التقدير..
                  

12-28-2016, 04:33 AM

حسين أحمد حسين
<aحسين أحمد حسين
تاريخ التسجيل: 09-04-2014
مجموع المشاركات: 1281

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حيثيات التشكّل الإقتصادى – الإجتماعى فى � (Re: osama elkhawad)

    أهلا أستاذ حسين

    ما هو الفرق بين حزب العمال والقوى الحديثة والحزب الشيوعي السوداني؟

    مع خالص التقدير..


    مرحب أديبنا وشاعرنا الأستاذ أسامة الخواض،

    لننظر إلى معادلة الإنتاج التالية لنتبين الفرق:

    العمل + رأس المال + التنظيم + الأرض = الإنتاج/العملية الإنتاجية/(الثورة الوطنية الديموقراطية فى نهاية التحليل).

    إذا قمنا بعمل تكوين إجتماعى لهذه المعادلة (Social Configuration) نحصل على الآتى:

    العمال/القوى الحديثة (+ بورجوازية صغيرة منحازة للعمال)+ رجال الأعمال (+ روَّاد الأعمال المنحازين لرجال الأعمال)+ التنظيم + الأرض = الإنتاج/العملية الإنتاجية/(الثورة الوطنية الديموقراطية فى نهاية التحليل).

    لننظر الآن إلى المنظومات السياسية التى تمثل هذه المعادلة على أرض الواقع:

    لا يوجد حزب للعمال والقوى الحديثة (0) + توجد (3) أحزاب لشرائح رأس المال فى السودان + يوجد (72) حزب للبورجوازية الصغيرة (بورجوازية منحازة للعمال ومتحالفة تكتيكياً لمدة 60 سنة مع شرائح رأس المال لإنجاز قضايا العمال، البورجوازية الصغيرة المنحازة لرأس المال) + (عوامل الإنتاج الأخرى: التنظيم، الأرض، التطور التكنولوجى، إلخ) = معادلة سياسية منحازة لرأس المال.

    بالنظر إلى المنظومة السياسية التى تمثل معادلة الإنتاج أعلاه، فإنَّ حزب العمال والقوى الحديثة هو الممثل الأوحد لأهم عوامل الإنتاج فى العملية الإنتاجية وهو العمل؛ غير أنَّه مغيَّب عمداً فى المشهد السياسى السودانى بتواطؤ ثلاث جهات. أما الحزب الشيوعى السودانى فهو محضُ حزبٍ بورجوازىًّ صغيرٍ من جملة أحزاب البورجوازية الصغيرة المنحازة لقضايا العمال والتى تبنَّت الحديث عنه بعد تغييبه.

    والثلاث جهات المسئولة من تغييب حزب العمال والقوى الحديثة السودانى هى:

    (1) شرائح رأس المال التى تتغذى بابتزاز العمل والعمال (ما غنى غنىٌّ إلاَّ على حساب فقير).

    (2) الحزب الشيوعى السودانى (وكل أحزاب البورجوازية الصغيرة) الذى يتحدث ويُدافع عن العمال بالقدر الذى يُلبى حاجته كحزب بورجوازية صغيرة لا كحزب للعمال والقوى الحديثة؛ وبالتالى فهو بهذا الصنيع قد صرفهم عن قضاياهم وعطَّل إرادتهم وأعشى بصيرتهم عن تكوين حزبهم، وعجز بالمحصلة عن إنجاز أهم قضاياهم.

    (3) الخطاب الليبرالى العالمى الذى يعى خطورة وجود حزب للعمال والقوى الحديثة وخطورة تحالفاته المرتقبة مع الحزب الشيوعى السودانى التى من الممكن أن تعيق تمدد النظام الرأسمالى خاصةً قبل الحرب الباردة. وبالتالى كان لابد من تقييده بتقليل فترات الديموقراطية التى من الممكن أن يطل من خلالها (وحاله فى ذلك حال كل الأحزاب الراديكالية الأخرى) وشغله بتحالفات مزمنة مع شرائح رأس المال ليذهل عن محط تحالفه الحقيقى ردحاً من الزمن. ولعل تضافر الفعل الصادر من هذه الجهات الثلاث هو المسئول من تعقيد المشهد الإقتصادى والسياسى والإجتماعى فى السودان منذ الإستقلال إلى اليوم.

    والخلاصة:

    أنَّ الحزب الشيوعى السودانى (هذا العريق النبيل) حزب بورجوازية صغيرة بامتياز وليست له مصلحة حقيقية مباشرة تربطه بمصالح العمال؛ وإلاَّ لحضَّهم على تكوين حزبهم. وهب أنَّ هناك حزباً للعمال والقوى الحديثة خلال الستة عقود المنصرمة، وتحالف معه هذا الحزب البورجوازى الصغير (الأمر الذى كان له المستعمر بالمرصاد)، لكان المشهد السياسى فى السودان فى غاية الإختلاف من حيث استقرار المعادلة الإقتصادية (العمالة الكاملة) واستقرار المعادلة السياسية (انعدام الإنقلابات العسكرية) واستقرار المعادلة الإجتماعية (وضع السودان على طريق الثورة الوطنية الديموقراطية والنماء والإرتقاء بالإنسان السودانى).

    عطفة:

    أنا حسين أحمد حسين: بورجوازى صغير، منحاز لقضايا العمال، وأعمل على إنجاز هذه القضايا بقدر ما أستطيع. ولأنَّ لى همومى الطبقية المختلفة عن هموم العمال، فمن الأنفع والأجدر أن يكون للعمال حزبهم الذى يُدافع عنهم. وأناعلى استعداد للتحالف مع هذا الحزب من أجل اتزان ودِمَقرطة واستدامة العملية الإنتاجية، وتحييد الإنقلابات العسكرية للأبد؛ وبالتالى من أجل الوصول للثورة الوطنية الديموقراطية.

    مع خالص الشكر.

    (عدل بواسطة حسين أحمد حسين on 12-28-2016, 05:08 AM)
    (عدل بواسطة حسين أحمد حسين on 12-28-2016, 05:12 AM)
    (عدل بواسطة حسين أحمد حسين on 12-28-2016, 05:12 AM)

                  

12-28-2016, 08:10 PM

osama elkhawad
<aosama elkhawad
تاريخ التسجيل: 12-31-2002
مجموع المشاركات: 20385

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حيثيات التشكّل الإقتصادى – الإجتماعى فى � (Re: حسين أحمد حسين)

    سلامات أستاذ حسين

    قلت سيدي:
    Quote: أما الحزب الشيوعى السودانى فهو محضُ حزبٍ بورجوازىًّ صغيرٍ من جملة أحزاب البورجوازية الصغيرة المنحازة لقضايا العمال والتى تبنَّت الحديث عنه بعد تغييبه.

    والثلاث جهات المسئولة من تغييب حزب العمال والقوى الحديثة السودانى هى:

    (1) شرائح رأس المال التى تتغذى بابتزاز العمل والعمال (ما غنى غنىٌّ إلاَّ على حساب فقير).

    (2) الحزب الشيوعى السودانى (وكل أحزاب البورجوازية الصغيرة) الذى يتحدث ويُدافع عن العمال بالقدر الذى يُلبى حاجته كحزب بورجوازية صغيرة لا كحزب للعمال والقوى الحديثة؛ وبالتالى فهو بهذا الصنيع قد صرفهم عن قضاياهم وعطَّل إرادتهم وأعشى بصيرتهم عن تكوين حزبهم، وعجز بالمحصلة عن إنجاز أهم قضاياهم.

    هل كل الأحزاب الشيوعية الأخرى في العالم ينطبق عليها الوصف الذي أطلقته على الحزب الشيوعي السوداني؟
    وبناء على "وصفك" لطبيعة الحزب الشيوعي السوداني، ما هي "الحاجة الحقيقية" للحزب الشيوعي السوداني من دفاعه عن العمال؟

    مع خالص التقدير والاحترام
                  

12-29-2016, 01:15 AM

حسين أحمد حسين
<aحسين أحمد حسين
تاريخ التسجيل: 09-04-2014
مجموع المشاركات: 1281

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حيثيات التشكّل الإقتصادى – الإجتماعى فى � (Re: osama elkhawad)

    هل كل الأحزاب الشيوعية الأخرى في العالم ينطبق عليها الوصف الذي أطلقته على الحزب الشيوعي السوداني؟
    وبناء على "وصفك" لطبيعة الحزب الشيوعي السوداني، ما هي "الحاجة الحقيقية" للحزب الشيوعي السوداني من دفاعه عن العمال؟

    مع خالص التقدير والاحترام


    مرحب أستاذ أسامة الخواض،
    ولك من الشكر والإحترام الجزيل والكثير.

    نعم كل الأحزاب الشيوعية فى العالم ينطبق عليها الوصف الذى أطلقتُهُ عليها؛ فهى أحزاب بورجوازية صغيرة.

    وعليه فإنَّ "الحاجة الحقيقة" للحزب الشيوعى السودانى من دفاعه عن العمال فهى الأيديولوجيا من ناحية أنَّ كل الأحزاب الشيوعية فى العالم هى صنيعة الحرب الباردة، ولطبيعة البورجوازية الصغيرة التى تميل فئاتها الأقل دخلاً للتحالف مع العمال بالقدر الذى لا يتعارض مع مصالحهم الطبقية كبورجوازية صغيرة.

    إذاً، "الحاجة الحقيقة" للحزب الشيوعى السودانى من دفاعه عن العمال (مع نبلها) تظل رهينة لتقلبات الأيديولوجيا (كون الأيديولوجيا مائعة)، ورهينة لتقلبات الموقف الطبقى للبورجوازية الصغيرة (كونه مائعاً أيضاً). وبالتالى نجد أنَّ حاجة الأحزاب الشيوعية للدفاع عن العمال فى البلدان التى بها أحزاب عمالية كبريطانيا مثلاً متلاشية.

    يقول أديبنا الطيب صالح... ونمرُّ ببناء من الطوب الأحمر على ضفة النيل في منتصف تمامه، وأسألهم عنه، فيقول عمي عبدالمنان (شفخانة لهم حول لا يستطيعون بناءها . حكومة كلام فارغ). وأقول له إنني كنت هنا منذ سبعة أشهر فقط، ولم يكونوا قد بدأوا بناءها بعد. لكن هذا لا يثني عمي عبدالمنان، فيقول: (كل الذي يفلحون فيه يجيئون إلينا مرة كل عامين أو ثلاثة بجماهيرهم ولواريهم ولافتاتهم .. يعيش فلان ويسقط علان. كنا مرتاحين أيام الإنكليز من هذه الدوشة). وبالفعل يمر بنا جمع من الناس في لوري قديم وهم يهتفون: (عاش الحزب الوطني الديمقراطي الإشتراكي). هل هؤلاء الناس يطلق عليهم (الفلاحون) في الكتب؟ لو قلت لجدي أن الثورات تصنع بإسمه، والحكومات تقوم وتقعد من أجله، لضحك. الفكرة تبدو شاذة فعلاً،...
                  

12-29-2016, 01:26 AM

حسين أحمد حسين
<aحسين أحمد حسين
تاريخ التسجيل: 09-04-2014
مجموع المشاركات: 1281

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حيثيات التشكّل الإقتصادى – الإجتماعى فى � (Re: حسين أحمد حسين)

    إذا قلنا الشيوعية فى السماء الثالث،
    والإشتراكية فى السماء الثانى،
    والثورة الوطنية الديموقراطية فى السماء الأول،
    وعلى الأرض صراع الطبقة كما يقول الشاعر أيمن أبو الشعر؛

    أما كان الأجدر بنا تأسيس أحزابنا السودانية على معادلة الإنتاج المذكورة بعاليه التى تعكس صراع الطبقات فى الوقت الرَّاهن أكثر مما تعكسه الإشتراكية والشيوعية؟

    (عدل بواسطة حسين أحمد حسين on 12-29-2016, 01:28 AM)

                  

12-29-2016, 01:39 AM

حسين أحمد حسين
<aحسين أحمد حسين
تاريخ التسجيل: 09-04-2014
مجموع المشاركات: 1281

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حيثيات التشكّل الإقتصادى – الإجتماعى فى � (Re: حسين أحمد حسين)


    وأنا أستلهم الشاعر الفذ أيمن أبو الشعر فى عجز بيته: "فوقَ الأرضِِ صراعُ الطبقة"؛

    أجد أنَّ الشيوعية أيديولوجيا فى غاية الميتافيزيقية، وقد تعمَّقت هذه الميتافيزيقية بانهيار المرحلة التى تسبق هذه الشيوعية؛ أعنى الإشتراكية بطبيعة الحال. وبالتالى لم يتبقَّ للأحزاب الثورية سوى الثورة الوطنية الديموقراطية. وعليه يُغرد خارج سرب الطبقة العاملة ويُمعنُ فى الميتافيزيقية من يشحذ هممنا نحو الشيوعية أو الإشتراكية، أو من يتحالف مع الراسمال لإنجاز قضايا الطبقة العمالية.

    فالثورة الوطنية الديموقراطية أقرب لصراع الطبقات، وصراع الطبقات لا يقوم بالوكالة (بورجوازية صغيرة تتحدث باسم العمال) بل بالأصالة. وبالتالى لن تقوم الثورة الوطنية الديموقراطية فى غياب الممثل الأصيل للعمال والنِّد فى هذا الصراع الطبقى للراسمال، مهما تنطَّعت البورجوازية الصغيرة فى الحديث عن العمال؛ لا سيما وهى دائمة الجنوح (بحكم تكوينها الطبقى) للتحالف مع الراسمال.
                  

12-28-2016, 01:31 AM

حسين أحمد حسين
<aحسين أحمد حسين
تاريخ التسجيل: 09-04-2014
مجموع المشاركات: 1281

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حيثيات التشكّل الإقتصادى – الإجتماعى فى � (Re: aydaroos)

    وللدقة أنا قلتا إنو الإستعمار بإدخاله لأدوات ومؤسسات الدولة الحديثة وتعشيقها مع مؤسساتنا القديمة (القبيلة والطريقة الصوفية والطائفة) لم يخلف لنا دولة ذات نمط إنتاج رأسمالي
    وإنما دولة ذات نمط إنتاج هجين، والهجين يخلف تماماً عن المزدوج. ففي حين تعمل علاقات الإنتاج الرأسمالية وعلاقات الإنتاج الإقطاعية في إتجاهين متعارضين في النظام المزدوج، فللنظام الهجين علاقات
    إنتاجه التي تخدم المؤسسات القائمة بمراكز سلطتها وهى مؤسسات هجينة لا حديثة ولا قديمة. ولذا سميتها بالمؤسسات البرجوطائفوقبلية، وسميت تحالف فئات مراكز السلطة بالبرجوطائفوقبليين.
    نمط الإنتاج الهجين في رؤ يتي هو نمط قائم بذاته لاهو تقليدي ولا هو رأسمالي وإن إنخدع المراقب له بالسمات الحديثة فيه تارة وبالسمات التقليدية تارة، فهذه السمات ليست متناقضة فيه وإنما سمات محددة له
    وتعمل متآزرة لخدمة النظام.

    ياريت يكون عندي فرقة وكت لأكتب أكثر... ولك التحايا


    أستاذنا وصديقنا العيدروس تحياتى من ثان،

    وودتُ لو أرد على كلام عالم الإجتماع كارل ماركس بعاليه أولاً، غير أنَّ إفادتك بعاليه تفتح حساسية جديدة للنقاش رغم عدم وجود زمن ربما لكلينا فى الوقت الراهن. ولكن دعنى لفائدة القارئ أضع خطوط عريضة لما أنا بصدده. وهذه الخطوط العريضة على أىِّ حال مُجاوب عليها فى الحيثيات لو أنَّك قرأتها (أرجو أن يكون لديك زمن لذلك لاحقاً فرأيك يعنينا).

    فى البدء، فإنَّ مصطلحك "مصطلح نمط الإنتاج الهجين" يوحى وكأنَّه يعمل فى إطار خالى من الصراع الإجتماعى/خالى من الجدل (Static)، ويوحى أيضاً وكأنَّ الإستعمار عشق عاشقه فى معشوقنا وتركنا لأقدارنا وأعلن الجلاء (وهذا الرأى على فكرة موجود فى كتابات الإقتصادى السياسى الأفريقى حمزة أَلَفى (Hamza Alavi 1983)). غير أنَّ شاهد التشكل الإقتصادى - الإجتماعى فى السودان يقضى بغير ذلك.

    فهناك ثلاث مراحل لللإستعمار (تحقيبها لم يكن قائماً على أىِّ أساس فوقى، بل متأسِّسَاً على النقلات النوعية التى تمت على مستوى التشكل الإقتصادى - الإجتماعى نفسه): مرحلة أولى استخدم فيها الإستعمار نموذجاً استنزافياً بقبضة فوقية (Top - down Model)، ومرحلة ثانية سمح فيها لبعض المجموعات الإقتصادية بمشاركته فى العمليات الرأسمالية الجديدة (Joint Model)، ومرحلة ثالثة بدأ فيها الإستعمار ينسحب من بعض المشروعات لتشكيلات القطاع الخاص الناشئة آنئذٍ (مشاريع الزراعة الآلية فى القطاع المطرى، وتلك أول تجربة خصخصة يشهدها السودان، وقد كانت فى عام 1953) ودعمها بعدد من المشروعات الجديدة (Private Model)؛ وذلك هو التوقيت الذى أعلن فيه الإستعمار الجلاء.

    إذاً، ذهب الإستعمار السياسى المباشر بخيره وشره، ولكن ما انفكَّ الإستعمار يتحكم فى إقتصادنا. ويتمثل ذلك فى حراسته المستمرة للطبقات الرأسمالية الناشئة والنظام الرأسمالى الجديد وحمايتهما من الراديكاليين، ولم يتخلى عنهما أبداً حتى بداية الإنتقال من مرحلة إعادة الإنتاج البسيط إلى مرحلة إعادة الإنتاج المعقد/التراكبى، الذى يُؤرَّخ له فوقياً بنهاية الحرب الباردة. بل وبعد الحرب الباردة بدأ يساهم فى القضاء على التشكيلات الإجتماعية اللا - رأسمالية عن طريق ما يُعرف بتنمية المناطق المختارة (Area Development Schemes/Area Rehabilitation Schemes) التى أوكل أمرها لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائى وغيره من المنظمات، والتى نفذت 11 مشروعاً من هذا النوع فى أرياف السودان المختلفة (كادوقلى، عد الفرسان، الأبيض، أم كدادة، أدنى نهر عطبرة، الصباغ، واو، جوباً، إلخ) و121 مشروعاً على مستوى العالم. ومازال النظام الرأسمالى العالمى، عزيزى العيدروس، يتحرش بالأنظمة الرأسمالية عليلة الليبرالية بتحوليها إلى دول فاشلة إذا لم تمهد الطريق لحركة رأس المال.

    ثانياً، بالمحصلة فإنَّ نمط الإنتاج الهجين هذا الخالى من الصراع/الجدل، يدحضه بزوغ تشكيلات رأسمالية جديدة كالقوى الحديثة، وكشريحة رأس المال المالى منذ منتصف السبعينات جنباً إلى جنب الشريحة التجارية والشريحة الزراعية والصناعية، والتى تسيطر على مقاليد الحكم فى السودان منذ 27 سنة.

    مع الشكر.
                  

12-29-2016, 02:01 AM

osama elkhawad
<aosama elkhawad
تاريخ التسجيل: 12-31-2002
مجموع المشاركات: 20385

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حيثيات التشكّل الإقتصادى – الإجتماعى فى � (Re: حسين أحمد حسين)

    سلام فور اول بدون فرز

    وسلام خاص لك استاذ حسين

    شكرا على إجابتك التالية،

    والتي بدت لي ذات طابع نظري له شكل "الخلاصة":
    Quote: إذاً، "الحاجة الحقيقة" للحزب الشيوعى السودانى من دفاعه عن العمال (مع نبلها) تظل رهينة لتقلبات الأيديولوجيا (كون الأيديولوجيا مائعة)، ورهينة لتقلبات الموقف الطبقى للبورجوازية الصغيرة (كونه مائعاً أيضاً).

    طيب سيدي على مستوى"الممارسة"، وليس على مستوى الايديولوجيا،

    ما هي "الحاجات الحقيقية " التي تمكن الحزب الشيوعي من تحقيقها كحزب بورجوازي صغير حسب زعمك، في كل تاريخه؟

    وماهي التقلبات الايديولوجية للحزب ، وتقلبات موقفه الطبقي، التي ادّت إلى ضياع حقوق ومكاسب العمال في السودان؟

    مع خالص تقديري لصبرك على أسئلتي الكثيرة.
                  

12-29-2016, 01:46 PM

حسين أحمد حسين
<aحسين أحمد حسين
تاريخ التسجيل: 09-04-2014
مجموع المشاركات: 1281

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حيثيات التشكّل الإقتصادى – الإجتماعى فى � (Re: osama elkhawad)


    سلام فور اول بدون فرز

    وسلام خاص لك استاذ حسين

    شكرا على إجابتك التالية،

    والتي بدت لي ذات طابع نظري له شكل "الخلاصة":
    Quote: إذاً، "الحاجة الحقيقة" للحزب الشيوعى السودانى من دفاعه عن العمال (مع نبلها) تظل رهينة لتقلبات الأيديولوجيا (كون الأيديولوجيا مائعة)، ورهينة لتقلبات الموقف الطبقى للبورجوازية الصغيرة (كونه مائعاً أيضاً).

    طيب سيدي على مستوى"الممارسة"، وليس على مستوى الايديولوجيا،

    ما هي "الحاجات الحقيقية " التي تمكن الحزب الشيوعي من تحقيقها كحزب بورجوازي صغير حسب زعمك، في كل تاريخه؟

    وماهي التقلبات الايديولوجية للحزب ، وتقلبات موقفه الطبقي، التي ادّت إلى ضياع حقوق ومكاسب العمال في السودان؟

    مع خالص تقديري لصبرك على أسئلتي الكثيرة.


    الأستاذ أسامة الخواض تحياتى،
    واعلم يا عزيزى أنَّنى أكثر سعادة بأسئلتك.

    الحاجات الحقيقية التى تمكن الحزب الشيوعى السودانى من تحقيقها كحزب بورجوازية صغيرة عبر تاريخه لا تُحصى إذا ما قارناه بأحزاب البورجوازية الصغيرة الأخرى. وحسبه كونه قد انحاز طواعية لقضايا العمال - فى الوقت الذى كان من الممكن أن يشتغل بهمومه الطبقية - وقدم فى سبيل ذلك ما لم يقدمه أى حزب آخر من التضحية والمثابرة والصبروبذل الوعى، ما يجعل منه علامة فارقة فى حقل التنوير المرتبط بالعمال والقوى الحديثة.

    أما التقلبات الأيديولوجية التى أعنيها فهى مرتبطة بعموم المعسكر الشيوعى، وبالتالى تنسحب على الحزب الشيوعى السودانى من هذا الجانب. فهذا المعسكر قد فرضت عليه ظروف الحرب الباردة أن يشحذ همم الناس إلى آفاق أيديولوجيا شيوعية واشتراكية مرهقتين وغير قابلتين للتحقق فى الواقع خاصة مع هيمنة المعسكر الرأسمالى، وبدليل الهزيمة التى لحقت بالإشتراكية من داخلها أولاً - من واقع أنها مجتمعات تنتج للسوق (For Surplus - Value) ولا تنتج للإكتفاء الذاتى (For Used - Value). وقد كتب عن ذلك العديد من الكتاب أهمهم إيمانيويل ولارشتاين وسمير أمين وغيرهم الكثير.

    أما الميوعة الطبقية لأحزاب البورجوازية الصغيرة (كونها لا إلى هؤلاء، ولا إلى هؤلاء) والحزب الشيوعى السودانى ليس استثناءاً؛ أعشت هذا الحزب الذى بذل الكثير النفيس لأجل قضايا العمال، من أن يرى أهمية قيام حزب للعمال والقوى الحديثة ومن ثمَّ التحالف معه لإنجاز قضايا العمال بدلاً من التحالف العضود مع شرائح رأس المال (غريمة العمال) لأكثر من ستة عقود؛ ولعمرى لو فعل (أكرِّر) لكان المشهد السياسى السودانى مختلفاً جداً اليوم.

    لم أقرأ فى كلِّ أدبيات هذا الحزب العريق (ولا فى أدبيات الأحزاب السياسية الأخرى)، ولا فى أدبيات الأكاديميا المرتبطة به أىَّ إشارة إلى أهمية قيام حزب للعمال والقوى الحديثة فى السودان. وإذا عذرنا شرائح رأس المال من واقع أن حزب العمال والقوى الحديثة غريم غير مرغوب فيه، وإذا عذرنا الخطاب الليبرالى العالمى من واقع أنَّ قيام حزب العمال والقوى الحديثة والحزب الشيوعى ذات نفسه أمر من شأنه أن يعطل تمدد النظام الرأسمالى إلى آفاق الإنتقال إلى إعادة إنتاح النظام الرأسمالى رأسياً (Extended Reproduction of the Capitalist System)، فإنَّنى لم أجد عذر تآمر الرأسمالية المحلية والعالمية كافياً لمنع الحزب الشيوعى السودانى (وهو بعد رائد العقل الطَّلْعَة فى السودان) أن يُفكِّر مجرد تفكير عن أهمية وجود حزب للعمال والقوى الحديثة فى السودان، دون أن تكون لطبيعة الموقف الطبقى للحزب كحزب بورجوازية صغيرة يد فى ذلك.

    وعليه دعوتى لقيام حزب للعمال والقوى الحديثة دعوة تجديدية لإصلاح المشهد السياسى السودانى التى سينصلح منها أو ما ينصلح حزب العمال والقوى الحديثة ذات نفسه ومن ثمَّ الحزب الشيوعى السودانى وكل أحزاب البورجوازية الصغيرة إذا كانت بالفعل معنيةً بقضايا العمال والقوى الحديثة السودانية. وعليه، فحزب العمال والقوى الحديثة السودانى:-

    * هو سند البورجوازية الصغيرة (الطبقات الوسطى) للرؤية الإقتصادية والإجتماعية والسياسية المتوازنة، والتخطيط المتوازن. وغيابه يُكرِّس للرأسمالية الأصولية (Fundamentalist Capitalism)، ويُمفصِل قضايا العمال والبورجوازية الصغيرة معاً فى سياسات رأس المال القحَّة، ويزج بالبلد كلها فى فخاخ النيوليبرالية.

    * هو سند البورجوازية الصغيرة المنحازة لقضايا العمال (الحزب الشيوعى السودانى وكل اليسار) وأساس فاعليتها، وبالتالى ينقل هذا اليسار من مرحلة التحدث باسم العمال (فى غياب حزبهم) إلى مرحلة التحالف الإستراتيجى معهم (فى حضور حزبهم).

    * من يخشى قيام حزب للعمال والقوى الحديثة فى السودان، وبالتالى يُساهم فى تغييبِهِ القسرى من المشهد السياسى السودانى، هو العدو الحقيقى للعمال والقوى الحديثة فى السودان.

    * على البورجوازية الصغيرة أن تختار بين الإنحياز لمضيرة رأس المال، وبين التحالف مع حزب العمال.

    مع أكيد شكرى وتقديرى.
                  

12-29-2016, 10:25 PM

حسين أحمد حسين
<aحسين أحمد حسين
تاريخ التسجيل: 09-04-2014
مجموع المشاركات: 1281

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حيثيات التشكّل الإقتصادى – الإجتماعى فى � (Re: حسين أحمد حسين)

    لقد ثبت لنا من إستقصائنا لواقع التشكل الإقتصادى الإجتماعى فى السودان، أنَّ أحزاب الشرائح الرأسمالية (الأمة، الإتحادى، الجبهة)، خاصة الشريحة ذات الهيمنة، غير معنية بالديموقراطية من الناحية العملية ولا ترغب فيها. إذ ما نالته بالديكتاتورية، لم تنله بالديموقراطية؛ تلك التى تزيد من الحركة المطلبية للعمال والقوى الحديثة، وتزيد من إمكانية حدوث توازن فى العملية الإنتاجية لمصلحة جميع شركاء العملية الإنتاجية، وبالتالى يُقلِّل ذلك من الأرباح وعمليات تراكم رأس المال المتأتِّية من إبتزاز العمال والقوى الحديثة.

    وفى واقعٍ كهذا، فإنَّ تحالف أحزاب البورجوازية الصغيرة المرحلي مع الشرائح الرأسمالية لإنجاز قضايا العمال/التوازن فى العملية الإنتاجية/الثورة الوطنية الديموقراطية (لا مع الشرائح العمالية والقوى الحديثة وغيرها المنتفعة من الديموقراطية، والمغيبة عمداً فى المشهد السياسى السودانى) هو عين التَسَيُّبِ السياسى، ويأتى بنتائج عكسية؛ يُكرِّس للديكتاتورية، يُفرِّخ اليأس، ويُعشى النَّاسَ عن البديل.
                  

12-29-2016, 11:36 PM

حسين أحمد حسين
<aحسين أحمد حسين
تاريخ التسجيل: 09-04-2014
مجموع المشاركات: 1281

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حيثيات التشكّل الإقتصادى – الإجتماعى فى � (Re: حسين أحمد حسين)

    إهابــــة

    أرجو ألاَّ يتبادر للبعض أنَّ هذه الأطروحة التى أنا بصددها هى من باب تسويق الذات لنظام الخرطوم الفاسد والذى نحن أحد ضحاياه، أو للنيل من الحزب الشيوعى السودانى خاصة فى ظرف تحرش النظام بتصفية/حل هذا الحزب العريق الذى أصبح منحوتة سودانوية دونها رقابنا.

    فهذه الأطروحة موجودة على أسافير الله أكبر منذ عام 2012 فى عدد من الأسافير. ثم أنَّها مطروحة بذات الوضوح بدعوة كريمة من الأخ الكريم (عضو الحزب الشيوعى السودانى) د. صديق الزيلعى (كمُحرر) للمساهمة فى كتابه الموسوم "هل يمكن تجديد الحزب الشيوعى السودانى" الصادر من مركز آفاق جديدة للدراسات فى مايو 2016.

    ولتكن هذه السانحة دعوة منى وتحريض مباشر على اقتناء هذه السِّفر المهم الذى يؤسس لمرحلة جديدة فى تاريخ الحزب الشيوعى السودانى. فثمة آراء حرة مهمة لعدد من الباحثين كأمثال بروفسير محمد أحمد محمود، د. تاج السر بابو، د. النور حمد، بروفسير الطيب زين العابدين، الأستاذ خالد العبيد؛ وأقلام أُخرى من شتى المشارب السياسية.

    عطفة

    ليس أضر على المعرفة من حُكمٍ مُسبق.

    (عدل بواسطة حسين أحمد حسين on 12-29-2016, 11:40 PM)
    (عدل بواسطة حسين أحمد حسين on 12-29-2016, 11:40 PM)
    (عدل بواسطة حسين أحمد حسين on 12-29-2016, 11:44 PM)
    (عدل بواسطة حسين أحمد حسين on 12-29-2016, 11:47 PM)

                  

12-30-2016, 10:01 AM

aydaroos
<aaydaroos
تاريخ التسجيل: 06-29-2005
مجموع المشاركات: 2965

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حيثيات التشكّل الإقتصادى – الإجتماعى فى � (Re: حسين أحمد حسين)

    تحياتي حسين واسامة ، قلت يا حسين احمد :
    (فى البدء، فإنَّ مصطلحك "مصطلح نمط الإنتاج الهجين" يوحى وكأنَّه يعمل فى إطار خالى من الصراع الإجتماعى/خالى من الجدل (Static)، ويوحى أيضاً وكأنَّ الإستعمار عشق عاشقه فى معشوقنا وتركنا لأقدارنا وأعلن الجلاء (وهذا الرأى على فكرة موجود فى كتابات الإقتصادى السياسى الأفريقى حمزة أَلَفى (Hamza Alavi 1983)). غير أنَّ شاهد التشكل الإقتصادى - الإجتماعى فى السودان يقضى بغير ذلك.
    وقلت أيضاً:ثانياً، بالمحصلة فإنَّ نمط الإنتاج الهجين هذا الخالى من الصراع/الجدل، يدحضه بزوغ تشكيلات رأسمالية جديدة كالقوى الحديثة، وكشريحة رأس المال المالى منذ منتصف السبعينات جنباً إلى جنب الشريحة التجارية والشريحة الزراعية والصناعية، والتى تسيطر على مقاليد الحكم فى السودان منذ 27 سنة.)

    أولاً سأنقل رأي من بوست "القبيلة والطريقة الصوفية والحداثة":
    (أنا بقول إنو نمط الإنتاج وطريقة التفكير (الأيدولوجيا) في السودان قبل الإستعمار البريطاني (الإنجليزي المصري) كانت نمط إنتاج وطريقة تفكير إقطاعية.السائد المهيمن في العالم الآن هو نظام مركزه النظام الرأسمالي، ولكنه لا يقوم بتحويل أنماط الإنتاج في الهوامش لنمط الإنتاج الرأسمالي، بمعنى أنه لا يتمدد كماهو الفهم السائد،ولكنه يتسلط على أنماط الإنتاج الموجودة فيمسخها ويحولها لتابع له عن طريق الفئات المسيطرة في هذه الأنماط.بالنسبة للسودان ونمط إنتاج مابعد الإستعمار فهو نمط إنتاج هجين، لا هو رأسمالي حديث ولا إقطاعي تقليدي، تتآزر فيه السمات الحديثة والقديمة لتخدم مؤسساته الهجين، ما بين مؤسسات حديثة تدار بطريقة تفكير تقليدية، ومؤسسات قديمة يديرها برجوطائفوقبليين (برجوازية- طائفية- قبلية).جهاز الدولة مع إنه أداة حديثة أدخلها الإستعمار المنطلق من النظام الرأسمالي، إلا أنه يتم تعشيقه مع المؤسسات التقليدية، ويدار بأيدولوجيا تقليدية.النظام ككل نظام هجين تم تكوينه بقهر وقمع المستعمر وأدى لعقم النظام من ناحية تعطيل الجدل داخله.فبدل أن تكون أيدولوجيا البرجوازي في حالة جدل مع ايدولوجيا الإقطاعي تنتهى بنفي القديم الإقطاعي،نرى الآن تجاور وتآزر السمات البرجوازية والسمات الإقطاعية داخل نفس الطبقة والفئة والشخص حتى.)
    ما اريد توضيحه هنا قولي بتعطل الجدل داخل النظام الهجين الذي تم صناعته بواسطة قمع وقهر الإستعمار : إنني أقصد تعطل الجدل كما تقول بها كلاسيكيات الماركسيةوتحليل الشيوعيين منذ بداية عملهم في السودان وحتى الآن، بقولهم بأن نمط الإنتاج في السودان نمط رأسمالي وبالتالي النظام الإجتماعي الإقتصادي السوداني نظام حديث على النسق البرجوازي، وعلاقات الإنتاج هى علاقات إنتاج راسمالية، والجدل الأساسي هو بين طبقة وأيدولوجيا البرجوازية، وطبقة وايدولوجيا العمال.بطرحي لأطروحة نمط الإنتاج الهجين كما أوضحتها أعلاه، أقول أن الجدل في النظام الإقتصادي الإجتماعي السوداني بطريقته الكلاسيكية قد تم تعطيله بواسطة الإستعمار ولذا لم تنمو عندنا طبقة برجوازية قامت بنفي نمط الإنتاج الإقطاعي لنمط الإنتاج الرأسمالي، وانما قام الإستعمار بتعشيق النمطين في نمط هجين سميته نمط ما بعد الإستعمار.
    بالطبع هناك جدل في هذا النظام الهجين ونمط الإنتاج الهجين وعلاقات الإنتاج الهجين، ولكنه ليس كالجدل الكلاسيكي، أي ليس بين عمال وفلاحين وبين برجوازيين.
    سؤال أخير: كم عدد العمال الذين يعملون في مؤسسات حديثة مقارنة مع الأتباع الذين يصادر ناتج عملهم لصالح سلطة القبيلة والعشيرة والطرق الصوفية والطوائف؟

    (عدل بواسطة aydaroos on 12-30-2016, 10:09 AM)

                  

12-31-2016, 00:29 AM

حسين أحمد حسين
<aحسين أحمد حسين
تاريخ التسجيل: 09-04-2014
مجموع المشاركات: 1281

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حيثيات التشكّل الإقتصادى – الإجتماعى فى � (Re: aydaroos)

    مرحباً بالعيدروس،

    لعلَّى قد وصلتنى فكرتُك؛ وبالتالى نمط الإنتاج الهجين الذى تقول به يا عزيزى ربما كان أكثر وضوحاً فى المرحلة الأولى من الإستغمار (During the Top - down Model)، ولكنه ضعُفَ بخلق الفئات الكومبرادورية فى الفترة الثانية التى خلقها المستعمر لتحل محله فى تمديد النظام حين يحين الجلاء (Dunn 1978)، بل هو غير موجود فى الفترة الثالثة.

    إنَّه لمن الصعب فى التجربة السودانية الراهنة (أى بعد نهاية الحرب الباردة) الحديث عن نمط إنتاج قبل - رأسمالى، أو نمط إنتاج هجين، أو نمط إنتاج كولونيالى، ولا حتى نمط إنتاج دولنى (أى رأسمالية الدولة القائمة على أكتاف القطاع العام، خاصة فى الميزانية المعلنة لعام 2017). وبالتالى إذا كنا معنيين فقط بالفترة الأولى الإستعمارية من التشكل الإقتصادى - الإجتماعى فى بلادنا، ربما وجدنا ملامح لنمط إنتاج هجين على حدِّ قولِك. غير أنَّنا لا نستطيع أن " نسقطها" على كل الفترة الإستعمارية وما بعدها؛ وهذا جوهر اختلافى مع فكرتك.

    مع الشكر.
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de