زمن الحكي /مكان للطيبين في ذاكرة الخريف.(دعوة غزل للمبدعين وأحباب الكلمة الصادقة)

Quote: ها نحن قد عدنا والعود أحمد مضى زمان طويل و الأرض لم تنقل مسارها من اليسار، نما الريش على زغب الحوا صل و صار أجنحة ترفرف بحولها فراخ تلك الطيور البيضاء و نحن نرقب أسرابها البديعة مصطفات كالسهام المبرية تحلق في سماء الربيع. نمضي في إثرها مشرئبين إلى السحاب و أصواتنا الحالمة تردد في نغم ملائكي شارد (بجا .. بجا.. هاك حومضتين .. و أديني بيضتين). الليل يا سلمى طويل.. طويل في تلك البقاع. عددت النجوم ، رسمت السحب كما تشتهي أحلام البراءة و أخيلة الطفولة المجنحة. رأيت وجهك في ظلال القمر ، مددت أناملي الغضة أداعب خصلات شعرك المجدولة بوهج النجوم و رائحة الدعاش.منذ آلاف السنين مازلت ذلك الولد المزنر بجموح الشقاوة والجمال. الله يا سلمى هل تذكرين أمام فناء دارتكم العامرة ونحن نرمي تلك السدرة بالحصى الوردية فتساقط علينا ثمارها صفراء وخضراء وأرجوانية في احمرار الكرز حين سال دم المغيب على كتف الأفق شفقا وازورارا وضياء.أواه يا سلمى إذ تنتحب الأشواق على معبد الذكريات حنينا وصفاء وجمان.أو تذكرين سويعات الضحى تمر بطيئة وكسلى تسترق منا سنين اليفاعة و أسرار العشق المضمخ برائحة أزهار الدفلى وألوان الخريف في تلك القرية المنسية التي ما هيجت ذكراها في نبض الحواس، حتى أخالها ذلك الوادي السعيد في سحر أغنيات الروح وبلسم الأعالي إذ يغرد سيد القصيد أبو القاسم الشابي. هناك صغيرتي تركنا ظلال الأمس الأخضر وما زلت أقتفي آثار قصتنا التي لم تنته. هلا ذكرت يا سلمى؟ وكيف لا،إذ كنت أرقبك كحورية ملونة وأنت تتسلقين أشجار الجوافة في جنينة سرايا المهندس جابر جاد كريم ونحن نتسلل إليها خلسة في غفلة من الزمان ومن أعين عم عباس الخفير.ها أنت تمنحين الأغصان باطن قدميك الصغيرتين وتتقافزين في خفة الفراش من جذع إلى فرع. ترمين نحوي الثمار لألتقطها جاعلا لها من أطراف قميصي حضنا يسع معها أجمل حب في الكون، جمع فتى حالما وصبية لها من الجرأة ما كان كافيا لجعل عالمنا الطفولي البسيط، جنة لا يسعها فسيح الأرض، و لا تحتويها رحابة السماء.تتعمدين قذفي بالثمار فأهرب يمنة ويسرة وأتصنع الإصابة في رأسي بثمرة لم تنضج.أطرح نفسي أرضا مدعيا الألم فتهرعين قافزة من أعلى غصن.أغمض عينا و أتلصص بنصف الأخرى وأنت تنحنين علي في حنان وهلع. تأخذين رأسي بين راحتيك الناعمتين و توسدينه برفق على حجرك الطاهر وتناغينني بلهفة صادقة كرضيع لم يبلغ الفطام. مالك يا وحيد؟أجبني ،هل أنت بخير؟واستمرئ اللعبة والخدر اللذيذ. يستيقظ في داخلي شعور مبهم لا يدركه الأطفال. أرتعش بكل فتنة الدنيا وروعتها.أجرب وللمرة الأولى بهجة الإحساس بالأدرنالين وهو يسري في عروقي ويصعد كبخار أحلام لذيذة إلى يافوخي فلا أحلى و لا أكثر. أتمادى في تقمص دور المغمى عليه والفرح يكتم ضحكتي المخاتلة فتنطلق عذبة وصافية مثل همهمات مجذوب في فرح استوائي قصي.وباسمة يتفجر بين الدموع غضبك الجميل فتطبقين على عنقي بأناملك الرقيقة في رفق وحنان. ترددين بصوت متهدج (حرام عليك يا وحيد) فقد أفزعتني حد الموت. أغتنم اللحظة المخطوفة من ألق الزمان ومن حكايات المحبين في الأزل فأعانقك بدفء ونقاء.تدفعينني عنك بغنج ودلال طفولي تتبسم لهما ملائكة السماء وتسائلينني ..لماذا هكذا يا وحيد؟ وليتني حريت جوابا منذ ذلك الزمان الموغل في البهاء ، فلعلني كنت قد أدركت ما معنى القدر أو أقلها تراني سعيت لأجد مصلا لهذا الداء العضال الذي حقنت به أوردتي قبل بدء الخليقة وانهزام آدم أمام ثمرة الغواية وآهة العشق الحلال.