من ملفات الإغتراب والمغتربين ( منذ عهد ما قبل سودانيز وإلى يومنا )

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-18-2024, 10:15 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف للعام 2015م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
06-24-2014, 03:06 PM

عبداللطيف شريف على
<aعبداللطيف شريف على
تاريخ التسجيل: 03-10-2013
مجموع المشاركات: 1197

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: من ملفات الإغتراب والمغتربين ( منذ عهد ما قبل سودانيز وإلى يومنا ) (Re: ابو جهينة)

    كالعادة الريس وبستانه المزدان ...

    لله درك ما اجمل ما نثر بنانك ...



    وفى الانتظار على حمر الجمر ...
                  

06-25-2014, 01:02 PM

ابو جهينة
<aابو جهينة
تاريخ التسجيل: 05-20-2003
مجموع المشاركات: 22482

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: من ملفات الإغتراب والمغتربين ( منذ عهد ما قبل سودانيز وإلى يومنا ) (Re: عبداللطيف شريف على)

    تحياتي عبد اللطيف
    بكم نواصل
                  

06-28-2014, 04:02 PM

ابو جهينة
<aابو جهينة
تاريخ التسجيل: 05-20-2003
مجموع المشاركات: 22482

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: من ملفات الإغتراب والمغتربين ( منذ عهد ما قبل سودانيز وإلى يومنا ) (Re: ابو جهينة)

    ولات حين غربة
    على غرار ولات حين مناص
                  

10-06-2014, 07:53 PM

ابو جهينة
<aابو جهينة
تاريخ التسجيل: 05-20-2003
مجموع المشاركات: 22482

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: من ملفات الإغتراب والمغتربين ( منذ عهد ما قبل سودانيز وإلى يومنا ) (Re: ابو جهينة)

    الغربة عند كل اهل الارض هي حقبة لاصلاح الحال
    وكنا ضمن هؤلاء ، نطلق العنان لغربتنا ثم نعود
    ولكن ما بال الغربة اضحت انسلاخا

    نواصل
                  

06-28-2014, 04:03 PM

ابو جهينة
<aابو جهينة
تاريخ التسجيل: 05-20-2003
مجموع المشاركات: 22482

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: من ملفات الإغتراب والمغتربين ( منذ عهد ما قبل سودانيز وإلى يومنا ) (Re: ابو جهينة)

    ولات حين غربة
    على غرار ولات حين مناص
                  

07-22-2014, 09:16 PM

ابو جهينة
<aابو جهينة
تاريخ التسجيل: 05-20-2003
مجموع المشاركات: 22482

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: من ملفات الإغتراب والمغتربين ( منذ عهد ما قبل سودانيز وإلى يومنا ) (Re: ابو جهينة)

    عدنا
                  

07-23-2014, 01:32 AM

Othman Al-Hasan Babikir
<aOthman Al-Hasan Babikir
تاريخ التسجيل: 07-04-2014
مجموع المشاركات: 908

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: من ملفات الإغتراب والمغتربين ( منذ عهد ما قبل سودانيز وإلى يومنا ) (Re: ابو جهينة)


    قلنا نتاوق للبوست ده .. ما طلعت منو إلا بعد آخر قصه ..!! ربنا إيديك العافية ياخ
    واصل كفاحك ..
                  

08-04-2014, 09:16 PM

ابو جهينة
<aابو جهينة
تاريخ التسجيل: 05-20-2003
مجموع المشاركات: 22482

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: من ملفات الإغتراب والمغتربين ( منذ عهد ما قبل سودانيز وإلى يومنا ) (Re: ابو جهينة)

    لندن .. ذات صيف من ثمانينات القرن الماضي
    ***
    لم أشعر بهذا الإحساس منذ أمد بعيد ..
    و كأني أتوجه منتشياً إلى المحطة الوسطى متأبطاً جريدة ( الأيام ) .. و بضع قطع من العملات المعدنية داخل جيب البنطال تموسق الخطْو .. و قشور الترمس التي أرميها خلفي تتبعني و كأنها رتل من النمل يتجه نحو خليته ..
    و الانتعاش يمد لسانه لحرارة الجو و يَرْبِتُ على الجو الخانق داخل البص الذي انتهى زمنه الإفتراضي ..
    الطريق من الشقة حتى ( الهايد بارك ) .. جعلني أسبح في نفس مساراتي القديمة من شارع معرض الخرطوم و حتى مدخل جامعة الخرطوم مروراً بالخرطوم الثانوية القديمة و النفق..
    أتخيل أنني سأقابل كل أولئك الذين عرفتهم في براري الخرطوم ..
    (الكوتش إبراهيم) .. بين نادي ( بري ) و كمائن الطوب قبالة ( الجريف شرق )..
    (الطاهر) سائق التاكسي الذي لا تفرق بين سعاله و سعال عربته المتهالكة ..
    (آمنة) موظفة بنك السودان التي تسكن بالقرب من نادي الشرطة و ابتسامتها الغامضة و هي تقف في انتظار حافلة نقل موظفات البنك...
    ( ألبينو) .. الجنوبي الأنيق الهندام و الوجه ..
    وصلتُ الهايد بارك .. المتحدث هندي من السيخ يتحدث بخليط من لغته والإنجليزية ..
    معظم الوقوف لا يتابع ما يقوله بل يتمعن في زيه و ما يزين أذنيه و أصابعه من أساور نحاسية و فضية و فصوص من أحجار كريمة تتلألأ.
    مللتُ حديثه و عمامته البرتقالية الفاقعة اللون ..
    ركبت تاكسياً لندنياً إلى ميدان الطرف الأغر .. عشقي الكبير في هذه المدينة الضبابية ..
    عاجلني عجوز بقبضة من الحبوب لأطعمها الحمام الذي لا ينقطع جوعه في ذاك الميدان المزدحم ..
    مزيج متنوع من الناس يجوب الميدان جيئة و ذهاباً ..
    رأيتها تقف خجلى مترددة .. عرفت فيها غربتها عن المكان و عن ما يدور حولها ككل قروي يأتي إلى المدينة فتَنْفُر الدهشة و الريبة من العينين بشكل صارخ و سافر .. و تكتسي بحذر مشوب بالتقوقع و الإنفراد..
    ينطق وجهها بروعة الجمال الأمهري .. بلون نبيذي أخاذ .. يتحدى خمرة باخوس ..
    يرقد صليب موشوم على جبهتها يحدِّث عن دينها و ابتسامة تحكي عن دَيْدَنها ..
    تملأ الابتسامة ما بين شفتيها ليَفْتَر عن صفين من اللؤلؤ المكنون و لثّة بلون العنب.. و حاجبيها الكثيفين دون رتوش و رموشها دون اكتحال لوحة مرسومة على مهل..
    ينفرج ثغرها عن ابتسامة جعلتني أسترجع عذوبة غفوة الظهيرة على (عنقريب) من الحبل تحت ظل (راكوبة) على ضفاف النهر الخالد الذي يباركه أهله قبل أن ينساب إلينا منذ الأزل منزلقاً من هضابه..
    أيا سليلة الأمهر .. ما سرُّك ؟؟
    كانت حبات القمح التي نفحني إياها العجوز جواز مرور إلى التعرف عليها ..
    أمسكتُ بيدها و دلقتُ فيها الحبات رويداً رويداً .. متعمداً الإطالة و أنا أحس بحرارة جسدها الإفريقي تسري إلى جسدي المتورم نشوة .. و أنا أبحلق في عينيها و في الصليب الموشوم على جبينها ..
    وقفتْ مستسلمة لجرأتي ..
    سرعان ما اختلطتْ ضحكاتها المتوجسة مع رفرفات أجنحة الحمائم ..
    دعوتها إلى ذلك المطعم الذي أعشق طهيه الذي يذكرني بنكهة المرق في قدور الفخار بقريتي .. أستحثها على الأكل و هي تمضغ بفم مطبق ..
    تواعدنا في المكان و الزمان أكثر من مرة .. فانطلقتْ بعفوية الأطفال ..
    تأتي دون تأخير مرتدية نفس الزى الذي كانت ترتديه عند أول لقاء و نفس الحذاء ..
    ما أجمل أن تكون دليلاً سياحياً لفتاة بمثل هذا الجمال.
    أمسك يدها النحيلة .. فتجفل و تسحبها .. ثم تعود لتضعها بين يدي كمن يقدم اعتذارا مبطناً ..
    و هي ترمقني خَجْلَى ..
    حكتْ لي عن ظروف خروجها من قريتها .. و كيف أنها وصلتْ إلى السودان و مكثتْ عند خالتها في ( الديوم ) ..
    مرة بلغة عربية تدْغم فيها ما تشاء و تقلب الخاء كافاً و تُعَطِّش حرف العين حتى تشفق عليه من الإختناق ..
    ضحكتْ كثيراً و هي تحكي لي عن سائق ( البرنسة ) السوداني الذي أنطلق بها دون أن يتوقف عند محطتها مما جعلها تقفز مذعورة بعد أن أنقذتها مطبات الطريق.. و كشفتْ عن ركبتها لتريني آثار السقطة على الطريق ..
    توثقتْ علاقتها بي يوماً عن يوم ..
    صارحتني بأنها تحتاج للعمل .... فقد ملَّتْ الاعتماد على صديقاتها في السكن.. و طال بحثها عن عمل ..
    ألحقتها بالعمل لدى أرباب عملي في جادة Hill Street ..
    تفانت في عملها لدرجة بعيدة ..
    إضافة إلى ما يعتلج في قلبها البِكْر الذي ظلتْ تبديه دون مواربة و الذي لم يغبْ عن حدْسي.. فقد ظلتْ ممتنَّة للخدمة التي قدمتها لها بتوفير عمل شريف لها...
    في أحيان كثيرة تتحول مشاعر الألفة بين أثنين إلى حب جارف لا يُبْقِ و لا يُذِر .. و بشكل خاص في الغربة .. لذا فقد خفتُ كثيراً من تلهفها على حضوري .. و تعلقها الشديد بي .. و تلك النظرة التي أعرف مغزاها جيداً.. صرتُ أتحاشى كثيراً من المواقف و امتنعتُ عن التعليق على تعليقاتها المبطْنة بالحب الكامن داخلها ..
    شعرتْ بتملصي من لقاءاتها الحميمة ..
    فآثرتْ أن تقطع شكها بيقينٍ يكفيها شر الحيرة و الارتباك ..
    قالت و هي تتشاغل بتنظيف طاولة أمامي : ألا تحس بمشاعري نحوك ؟
    قلتُ محاولاً الانفلات : أحس بها تماماً .. فأنت أخت عزيزة في هذه الغربة ..
    قالت ممتعضة : لا أقصد هذا ..
    قلت: ماذا تقصدين إذن ؟
    قالت بثقة يشوبها الترقب : أنا أحبك .. أحبك كما لم أحب أحداً من قبل..
    ثم سكتتْ و كأنها أحسّتْ بالتسرع في الفضفضة و الإفصاح عما يجيش بدواخلها ..
    لم أستطع الإجابة ..
    فأنا أحترمها .. و بالفعل هي التي جعلتْ من أيامي تلك شيئاً يمكن تجاوزه برفقتها الحلوة ..
    و معشرها الطيب ..
    قالت و كأنها وجدتْ مدخلا للحل : هل أفهم من هذا أن ديني يقف حائلاً بيني وبينك ؟
    قلت : لا يا عزيزتي .. فدينك أنا أؤمن به كدين سماوي ..
    قالت و هي تجلس على ركبتيها أمامي : أحبك .. و من أجلك سأعتنق دينك ..
    ثم استدركتْ : يمكنني محو هذا الوشم من على جبيني مهما كلفني ذلك .. فأنا أعرف فتاة قامت بذلك ..
    ثم تابعتني بنظرات ملؤها الأمل و الرجاء ..
    ذبحتني كلماتها من الوريد إلى الوريد .. ذبحتني عيناها التي تبحث عن إجابة في عيني.
    كيف أقابل كل هذه التضحية ؟ و هي تضحية أكبر من مشاعري مقارنة بإحساسها نحوي ..
    لا يمكن أن أخدعها .. بل هذا آخر شيء أفكر به ..
    طلبتُ منها أن ترجيء الأمر إلى حين ..
    عذبني أكثر إحساسي بانكسار شيء ما في دواخلها .. فقد كانت تنتظر أن أبادلها شعورها فرِحاً ..
    تعمدتُ المبيت عند صديقي في شقة أخرى لعدة ليالٍ متحاشياً تواجدها عند أوقات عملها ..
    لم ينقذني من هذه الورطة إلا موعد سفري من لندن الذي أتى مفاجئاً دون سابق إنذار ..
    ذهبتُ إلى شقتي ..
    فتحتْ لي الباب و ردتْ تحيتي مهمهمةً ..
    قلت لها : أعرف ما يدور في ذهنك ..
    قالت دون أن تواجه نظراتي : أنت لا تعرف شيئاً من ذلك ..
    قلت : لم تقولين ذلك ؟
    قالت و غصة تقف في حلقها: لا تزعج نفسك بما قلته لك .. أرجوك أن تنسى كل ذلك ..
    قلت : بل أطلب منك أن تعطيني بعض الوقت و ..
    قاطعتني بعناد : أنت تعلم تماماً أن هذا هو الشيء الوحيد الذي لا يحتاج أن تعطي لنفسك فيه وقتاً للتفكير و التمحيص أو مهلة زمنية .. إنه أمر قاطع .. يكون أو لا يكون ..
    ألجمتْني كلماتها النابعة من صميمها ..
    ودعْتها .. و دمعات عصية تقف على أطراف مآقيها .. تكابر بها أنِفَتَها و عزة نفسها و كبرياءها . و ما أقسى مكابدة كبرياء مجروح ..
    أمْعنْتُ في تناسيها .. و لكن ظلتْ كلماتها ترن في أذني لفترة طويلة ..
    ما أقسى الحب من طرف واحد .. عذاب مستمر و ألم نازف .
    عندما عدت إلى لندن في العام التالي .. وجدتها قد تركتْ العمل الذي ألحقتها به ..
    بحثتُ عنها و سألتُ عنها كثيراً ... و لكن دون جدوى ..
    دخلتُ غرفتي و صوتها يملأ الأركان .. بكل صدقها .. و عفويتها ..
    تقبع طاولة مكتب صغيرة في غرفتي ..
    بالدرج العلوي وجدتُ قصاصة من ورق .. كتبتْ عليها :
    ( لا زال الوشم على جبيني .. لم يعد يعني لي الكثير ..
    و لكن لن أدعه يمسك بزمام قلبي و يوجهه ..
    و بقيتُ على ديني .. أذهب كل يوم أحد و أجثو لله طالبة أن يمدني بأسباب نسيانك ..
    هل تصدق : لم أستطع نسيانك و لو للحظة .. فليغفر لي قلبي تعلقي بك .. أو بالأصح .. فليسامح الرب قلبي .. فهو الذي قاد خطواتي نحوك ..
    أذهب كثيراً لميدان الطرف الأغر .... و لأنني لا زلت أحبك .. أقول لك .. فليحفظك الله و ليبارك خطواتك أبداً ..
    لك أبداً ... سارا ) ...
                  

08-04-2014, 09:18 PM

ابو جهينة
<aابو جهينة
تاريخ التسجيل: 05-20-2003
مجموع المشاركات: 22482

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: من ملفات الإغتراب والمغتربين ( منذ عهد ما قبل سودانيز وإلى يومنا ) (Re: ابو جهينة)

    تحياتي عثمان الحسن
    كل عام وأنتم بخير
    دمتم
                  

08-05-2014, 12:13 PM

مصدق مصطفي حسين
<aمصدق مصطفي حسين
تاريخ التسجيل: 09-12-2013
مجموع المشاركات: 229

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: من ملفات الإغتراب والمغتربين ( منذ عهد ما قبل سودانيز وإلى يومنا ) (Re: ابو جهينة)

    كل عام وإنت بألف خير ياريس .....
    أطيب تمنياتي لك وللأهل جميعا ،،
    بالمناسبة أنا هنا من بدري بس إنت ما اخدتش بالك .
                  

08-05-2014, 02:30 PM

ابو جهينة
<aابو جهينة
تاريخ التسجيل: 05-20-2003
مجموع المشاركات: 22482

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: من ملفات الإغتراب والمغتربين ( منذ عهد ما قبل سودانيز وإلى يومنا ) (Re: مصدق مصطفي حسين)

    الاخ الفنان مصدق
    تحياتي
    وكل عام وانت والاسرة الكريمة بخير
    يسعدني تواجدك والبيت بيتك
                  

08-06-2014, 10:41 PM

ابو جهينة
<aابو جهينة
تاريخ التسجيل: 05-20-2003
مجموع المشاركات: 22482

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: من ملفات الإغتراب والمغتربين ( منذ عهد ما قبل سودانيز وإلى يومنا ) (Re: ابو جهينة)

    نواصل تقليب اوراق هذه الملفات
    فهي مترعة ومزدحمة بالاحداث كازدحام اهل السودان في اركان العالم
    قابلت شابا سودانيا يعمل في فندق بجزر البهامز
    وهي جزيرة في منتصف المحيط
    كانوا قد نفوا اليها شاه ايران قبل ذهابه لمصر
    والجزيرة تعج بفنادق تمتلىء كل ادوارها الارضية بصالات القمار وماكينات القمار
    وتلك قصة اخرى ساتناولها لاحقا

    (عدل بواسطة ابو جهينة on 08-07-2014, 08:42 PM)

                  

08-07-2014, 11:22 AM

ابو جهينة
<aابو جهينة
تاريخ التسجيل: 05-20-2003
مجموع المشاركات: 22482

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: من ملفات الإغتراب والمغتربين ( منذ عهد ما قبل سودانيز وإلى يومنا ) (Re: ابو جهينة)
                  

03-21-2015, 07:34 PM

ابو جهينة
<aابو جهينة
تاريخ التسجيل: 05-20-2003
مجموع المشاركات: 22482

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: من ملفات الإغتراب والمغتربين ( منذ عهد ما � (Re: ابو جهينة)

    قبلت دعوة أحد الأصدقاء للسفر في الإجازة الصيفية عن طريق جدة ـ بورتسودان ، حيث إشترى صديقي هذا ( باصا ) فاخرا و قرر العودة النهائية للسودان ضمن مشاريع أخرى ( للأسف كُتب لها الفشل الذريع ).
    كانت الرحلة تضم صاحب الباص و عائلته و ثلاث عوائل أخرى بالإضافة لشخصي و كنت بدون أسرتي التي سبقتني بالطائرة لحضور مناسبة زواج بالحصاحيصا.
    إنسابت الرحلة جميلة من الرياض ، وسط حماس الأطفال ، و حلل الأكل الطازة ، و كل واحدة تتباهى بالأكلة التي من صنعها.
    تكهرب الجو بواسطة إحدى زوجات المسافرين معنا ،
    عرفتُ من أول الرحلة أنها حتكون شوكة الحوت التي لن تتبلع و لا حتفوت.
    فقد نسي زوجها العزيز شنطة مهمة في المنزل بالرياض بها بعض هدايا أهلها.
    قالت بلهجة واثقة و آمرة : لازم ترجع تجيب الشنطة.
    و حاولنا إقناعها بأننا قطعنا ربع المسافة لجدة ، و يمكن إرسالها في أي وقت آخر بالشحن ، فكانت تخاطب زوجها و كأننا غير موجودين أو أشباح :
    إنت ما سامعني ، أرجع جيب الشنطة ، ولا بنرجع كلنا و ما في داعي للسفر.
    و المسكين ينظر إلينا مستنجدا بتوسلاتنا لتليين موقف ( أسد الله ال بضرع ).
    و هي بالفعل كالأسد وسطنا تضرع ،
    و هو كلما هي زمجرتْ ، ( ينخ ) ... إلى أن وافق على الرجوع و اللحاق بنا في جدة لو ربنا هون و سهل له طريقة ذهاب و إياب سريعة من و إلى الرياض.
    المهم ، ذهب للرياض و لحق بنا في جدة و الضيق بادٍ على وجهه ، و بالرغم من تعبه ، و بدلا من أن تشكره ، عنفته قائلة :
    يعني كان تتصرف و تشتري البلوزات القلت ليك عليها و نسينا ما إشتريناها في السوق.
    فقلت لها و أنا ( أتقلقل ) من الغيظ : يعني يخش السوق و نحن ننتظر هنا و الباخرة تفوتنا ؟
    و كأنها لم تسمعني ، و واصلت الحديث مع زوجها :
    يعني ديل لو كانوا أهلك كنت جريت و جبتهم.
    و هو يبتسم إبتسامة لا مغزى لها ، خليط من الإستسلام و الإمتعاض و الإعتياد على تلقي الضربات فوق البردعة.
    واصلنا الرحلة ، و أنا نادم على هذه الرفقة التي ( ترفع ضغط الدم و تفقع المرارة ).
    وصلنا بورتسودان ، و حمدت الله أنني في الباخرة لم أقابل تلك الحية الرقطاء و ذلك السنجاب المنتوف.
    و تحركنا من بورتسودان صوب الخرطوم بعد أن إنتهينا من كل الإجراءات و إشترينا ما نحتاجه. و تماما عند تلك الطلعة المخيفة وسط جبال الشرق، و الباص يئن و يطقطق من حمولته في ذلك المنعرج الضيق ،
    شق الصمت صوت الحيزبون : سجمي أنا نسيت البامبرز كلو.
    لم يرد عليها أحد ، فالكل يركز على الطريق و على الهاوية على يميننا.
    ثم كررتْ جملتها.
    فقلت لها و أنا أقدح شررا من عيني : إستعملي دلاقين ولا توبك لو لزم الأمر ، و بعدين إشتري ليهو في كسلا.
    قالت : إنت من الرياض مصاقرني مالك ؟. أنا بتكلم معاهو هو.
    ثم وجهتْ كلامها للسنجاب الوديع : إنت بقيت تنسى مالك ؟ بتحب واحدة تانية ولا شنو؟ و الله إستعمل قمصانك الفي الهاندباق.
    فنظر إليها بوداعة الطفل الغرير و إبتسم إبتسامة تعني أن لا مانع يا حبي الكبير.
    و توالت مواقف رفع ضغط الدم ، و أنا إستغرب مثل عينة هذا الرجل. بعد كل كم كيلو متر ، نجد الزوجة إياها تتفنن في إذلال صاحبنا( ال رافع إيدو لي فوق طول الوقت) ، و مُسَلم أمرو لهذه الزوجة التي لا ترعوي.
    كل الأسر تنزل عند كل محطة وقوف ، إلا هي ، تجلس و تصدر الأوامر له ،
    حتى الأطفال هو الذي يقوم بتوصيلهم للحمام و عمل اللازم نحوهم.
    و هي مستلقية على الكراسي الخلفية تبحلق في نقشة الحنة و تستمتع بموسيقى الأصفر الرنان الذي يملأ تضاريس جسدها من ( غوايش و سلاسل و ختم و حلقان ).
    قالت واحدة معنا : أريتو راجل السرور. أهو الراجل ولا بلاش.
    قالت الأخرى : بري. دة لو راجلي بطلقو في يوم واحد.
    فقلت للأولى : يعني البسوي كدة يا هو الراجل التمام ؟
    قالت بعد أن تراجعت عن موقفها قليلا : لا مش كدة مية بالمية ، بس أنا عاجبني فيهو الهدوء.
    فقلت لها : هذا هو الهدوء الذي لن يسبق العاصفة أبدا.
    فعواصف زوجته تملأ خياشيمه و رئتيه و قصبته الهوائية . هو ميت حى و لا يدري ذلك. كان الله في عونه و عون من كان على شاكلته.
    عندما وصلنا الخرطوم بالسلامة ، و بصوت سمعناه كلنا ، قالت الزوجة لا فض فوها:
    أنا بمشي أعزي بت خالتي في أبوها ، باخد لي تاكسي من هنا ، إنت روح البيت عند ناس أمي و خد معاك الأولاد و العفش لغاية ما أجيكم.
    و دون مناقشة ، بدأ في تنفيذ الأمر بآلية يحسده عليها ( الروبوت ).
                  

04-22-2015, 09:27 PM

ابو جهينة
<aابو جهينة
تاريخ التسجيل: 05-20-2003
مجموع المشاركات: 22482

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: من ملفات الإغتراب والمغتربين ( منذ عهد ما � (Re: ابو جهينة)

    ***
    نواصل
                  

04-24-2015, 07:40 AM

درديري كباشي

تاريخ التسجيل: 01-08-2013
مجموع المشاركات: 3211

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: من ملفات الإغتراب والمغتربين ( منذ عهد ما � (Re: ابو جهينة)

    سلام يا معلم ابوجهينة

    سرد ائع وحكاوي تقرابالقلب

    أنا طبعا تفاجأت بالبوست وأكتشفت أنه قدمي وكان من العام السابق حيث كنت في غياب .

    خفت يكون فيه تضارب أو تطابق مع مفارقات في الغربة

    لكن لقيت الحكاية تشبه طبخ الدجاج عن الشعوب

    نفس الدجاج نحن نسويه دمعة

    والحبش يسووه زغني

    والهنود يطبخوه كاري

    بس كمان لو كان عندي فكره عنه كان غايرت العنوان على الأقل
                  

08-09-2015, 12:01 PM

ابو جهينة
<aابو جهينة
تاريخ التسجيل: 05-20-2003
مجموع المشاركات: 22482

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: من ملفات الإغتراب والمغتربين ( منذ عهد ما � (Re: ابو جهينة)
                  

10-08-2015, 02:25 PM

ابو جهينة
<aابو جهينة
تاريخ التسجيل: 05-20-2003
مجموع المشاركات: 22482

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: من ملفات الإغتراب والمغتربين ( منذ عهد ما � (Re: ابو جهينة)

    ***
                  

08-07-2014, 01:15 PM

مجاهد محمد الهادي
<aمجاهد محمد الهادي
تاريخ التسجيل: 01-14-2013
مجموع المشاركات: 1665

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: من ملفات الإغتراب والمغتربين ( منذ عهد ما قبل سودانيز وإلى يومنا ) (Re: ابو جهينة)

    أشكرك على هذه البساتين الوارفة من الحكي الطاعم الحميم الدافئ عمنا أبوجهينة
                  

08-07-2014, 08:46 PM

ابو جهينة
<aابو جهينة
تاريخ التسجيل: 05-20-2003
مجموع المشاركات: 22482

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: من ملفات الإغتراب والمغتربين ( منذ عهد ما قبل سودانيز وإلى يومنا ) (Re: مجاهد محمد الهادي)

    تحياتي مجاهد وشكرا على المرور الانيق
    بكم نواصل
    دمتم
                  

08-07-2014, 08:58 PM

ابو جهينة
<aابو جهينة
تاريخ التسجيل: 05-20-2003
مجموع المشاركات: 22482

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: من ملفات الإغتراب والمغتربين ( منذ عهد ما قبل سودانيز وإلى يومنا ) (Re: ابو جهينة)

    ( إهداء إلى تلك الصبية التي إكتوت بنار الغربة وهي في عقر دارها )

    ****
    أتساءل أحيانا .. كيف كان يتم بث الشوق عندما لم تكن أسباب اللقيا متاحة تماما ..
    على وجه الخصوص في قرانا الراقدة على ضفاف النهر الخالد.
    وعندما لم تكن هناك هواتف .. أو بريد سريع .. أو هاتف محمول أو هذه التقنيات الحديثة .. تنْسرب منه إعتلاجات الروح وومضات الشوق في رسائل كنبض القلب يأتي بعدها الرد سريعا ليطفيء بعض الشوق إلى حين .. ؟
    جاء الرد على تساؤلي هذا من الصبية الفنجرية ( دهيبة DIHAIBA) :
    كانت والعهدة على روايتها الصادقة النابعة من روح تشرّبت بنفحات ملكات النوبة الشامخات.
    كانت دهيبة ..
    تقف حاسرة الرأس عند نخلة يمتد تاريخ غرسها إلى حياة جدها .. تتمسك جذورها بفخر وعناد بالتربة لتمتص رحيق الحياة من ذاك الأزلي الجاري شمالا أبد الدهر ..
    والليل أبو الأسرار يزحف على القرية ،
    وغمامة حزن غير مألوفة تزحف على روحها ..
    تزفر زفرة تكاد تحرق جذع النخلة المهتريء ..
    لم يكد حبها الوليد ينمو في أركان قلبها الغض ..
    حتى سافر كطير مهاجر لتبتلعه الغربة ..
    وتنقطع أخباره ..
    لتعيش مبهورة بإحساس يغمر كيانها بنور وهاج لا تدرك جُلَ كنهه إلا ما تحس به يفرهد مدغدغاً إحساسها البِكْر ....
    فتبتسم متوارية خجلاً حتى من نفسها ..
    تعتصر بطنها بيديها ..
    فقد هدها الشوق فأدمى أحشائها ..
    تحفر بأظافرها على الجذع كلما طغتْ أمواج الحنين على كل بارقة أمل أو سانحة لقيا مرتقبة..
    تغلق جفنيها بشدة علَّ الدموع تغسل بعضاً من هذا الحريق ..
    لم تكد تهنأ بذاك السحر حتى أطلق المحبوب جناحيه فغاب في الأفق البعيد ..
    إهتزتْ بعض السعفات (مُوَشْوِشَة) بحفيف مبحوح و كأنها ترْبِت على كتفها وتواسيها في لوعتها ..
    قالت وكأنها تحدِث الغائب الحاضر : كان تصبر شوية .. كلامك كلو معاى ما كان أكتر من سلام الله والسؤال عن الحال والأحوال .. حسه بحتاج سؤالك دة أكتر من زمان ..
    غرد عصفور يودع آخر شعاع من الشمس التي آذنت بالمغيب .. فخفق قلبها وقالت له بتوسل تعرف أن لا رجاء منه و هي تتابعه بنظرها : أريت روحي شايلاهو جناحاتك أطير بيها و أَبِل شوقي و أطّمِن عيني بي شوفتو .. و إن شاء الله بعد داك ما ترجع روحي تاني جُوَاى ..
    وأعترتها رعشة القانع من أمل محبب لا سبيل إلى تحقيقه ..
    الأمواج تغازل أطراف القيف في رقة ، فتلثمه وتتقهقر لتعاود إحتضانها مرات ومرات .. كأنهما في لهو بريء . ..
    فتقول هامسة : ما ياها الموجات بتصابح القيف وبتماسيهو ، و يوم ما قال بفوت منك و أخليك ..
    ثم قالت مستدركة بعناد كعناد طفل يطلب شيئا لا يدركه : أقول ليك الجد ؟ بخجل أمشي أملا الموية من طرف الجرف المُوالِفْني .. أخاف القيف والجروف يحِسُوا بنار الغيرة مالية حشاى ..
    ثم قالت و شيء كالبكاء يقف غصة في حلقها : تصدق بقيت أغِير حتى من العصافير فوق الشدر .. و الوِزِين الفي البحر ..
    تلفَتتْ حولها خشية أن يكون هناك من سمع تفكيرها المسموع ..
    تشخص ببصرها للسماء ..
    والليل بظلامه الحالك يبدأ في نشر أستاره ..
    والنجوم تتلألأ ويتهاوى بعضها في الأفق اللانهائي هناك ..
    قالت بتبتل وخشوع : يا رب ... يا إلهي ..
    لم تستطع أن تكمل دعاءها ..
    فقد إحتشدت عشرات الأمنيات والآمال في صدرها ..
    فعجزتْ أن تتفوه بدعاء واحد ..
    فأكتفتْ بأن قالت : آمين يا رب العالمين .. إنت عارف الجواى وعارف نيتي ..
    صوت ( طمبور ) يئن ينقله النسيم عبر صفحة الماء الهادئة ، فينساب اللحن ليزيد جرحها إتساعاً فيتناغم صوت الأوتار مع ضربات قلبها .. فتنزل دمعات مدرارة على خديها ..
    لا تبالي بمسحها .. فيغيب عن ناظريها آخر فصول غزل الأمواج المتلاطمة ( للقيف ) ..
    وتنطلق صوب ليلها لتحتضن السهاد.
                  

08-08-2014, 01:31 PM

ابو جهينة
<aابو جهينة
تاريخ التسجيل: 05-20-2003
مجموع المشاركات: 22482

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: من ملفات الإغتراب والمغتربين ( منذ عهد ما قبل سودانيز وإلى يومنا ) (Re: ابو جهينة)

    تحياتي طارق ميرغني
    رغم ان اسمك يظهر عند فتح الجهاز على المنبر العام
    الا انه لما افتح الموضوع لا اجد مداخلتك
    حاجة غريبة
                  

08-09-2014, 07:50 PM

ابو جهينة
<aابو جهينة
تاريخ التسجيل: 05-20-2003
مجموع المشاركات: 22482

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: من ملفات الإغتراب والمغتربين ( منذ عهد ما قبل سودانيز وإلى يومنا ) (Re: ابو جهينة)

    .


    لم تكن مهنة ( راعي غنم أو راعي إبل ) قد ظهرت أيام إغترابنا الأولى بالسعودية. معظم الذين هجروا أراضيهم الزراعية في السودان ،، أو هجروا أعمالهم الهامشية و أتوا للخليج وللسعودية على وجه التحديد ،، كانت مهنهم الرئيسية عامل ،، أو طباخ ، أو سفرجي وأحيانا سائق. وعندما تشبّعتْ السوق السعودية بهذه المهن ،، إنبعجتْ مهن أخرى ،، منها مهنة الراعي. و لكن أغرب مهنة قابلتني عندما أتاني أحدهم وطلب التوسط له لعمل ،، فوجدت أن مهنته بالإقامة( عامل تربية نحل ).
    صراحة ذهلت ،، فدار بيني و بينه هذا الحوار ( العسلي ) :
    إنت عندك فكرة عن النحل ؟
    قال : و الله في حياتي ما شفت لى نحلة طايرة. حتى العسل دة ما بحبو ،، أنا بحب الحاجات المرة و الحادقة .
    ( قال هذه الجملة و هو يزدرد ريقه و كأنه تذكر أشياؤه التي يحبها ).
    فقلت له : من الذي أوحى لك بهذه المهنة ؟
    قال : كفيلي إمتلأ سجله في مكتب الإستقدام بكافة أنواع المهن ،، فإبتدع هذه المهنة.
    فأخذته و ذهبت به إلى صديق له أيادي و أرجل في أماكن العمل ،، فعرضته عليه ، فقال و عيناه تلمعان :
    بالله عامل تربية نحل ؟ أنا بعرف واحد عندو مزرعة تربية نحل وإنتاج عسل،، والهنود الكانو شغالين معاه هربوا بعد ما عملوا ليهو مشكلة فنية في المزرعة.
    شنو هي المشكلة ؟
    قال : النحل ياكل طول النهار في الزهور ويشرب من موية السكر ،، بس مافي إنتاج بالمرة .
    ثم وجه سؤاله ( لعامل تربية النحل ) :
    ممكن تحل المشكلة دي ؟
    فإلتفت زولنا و قال لي هامسا :
    خليهو يبِل النحل و يقطِّرو عرقي.

    فبُهِتَ الذي سأل
                  

08-13-2014, 08:43 PM

ابو جهينة
<aابو جهينة
تاريخ التسجيل: 05-20-2003
مجموع المشاركات: 22482

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: من ملفات الإغتراب والمغتربين ( منذ عهد ما قبل سودانيز وإلى يومنا ) (Re: ابو جهينة)

    يوم الإثنين يبدو أنه كان يوماً حافلاً في دواخل ( جبارة ) ...
    ليته دوَّن إحساسيسه ...
    ليته قال للأقربين بأنه يحس بأنه مفارق هذه الفانية ...
    و لكنه تصرف كـ ( جبارة ) تماماً ... كما عهدناه ..
    كتم ما يحس به .. و أفرغه على من حوله و أضفى علي كل هذا و ذاك من شخصيته المشرورة على الدنيا و أهله فيها ..
    إتصل بزوجته و أولاده و قال لهم و بطريقة غير معتادة : أنا مشتاق شديد...

    و كعادته .. يختتم كل المواقف بضحكة ساخرة ... والقريبون منه يلاحظون تلك الإبتسامة التي تغمر كل وجهه .. غاضباً كان أم فرِحاً ..
    ثم إتصل بإبن أخي و أوصاه بأمور دنيوية تخص إستحقاقاته بوزارة الزراعة التي كان مهندساً بها ..
    ثم إنطلق من الرياض إلى ( وادي الدواسر ) بسيارته الصغيرة إلى مكان عمله ..


    يوم الثلاثاء صباحاً جاءني صوت أخي حزيناً : جبارة مات في حادث ...

    مشكلتي أنني لا أبكي وقت الفواجع ..
    أحياناً أخدع نفسي بالتشاغل بأي شيء يعيداً عن الحدث المحزن ..
    لا أحب حتى أن أخوض في تفاصيله ..
    ( أخاف أن أغرق في الحزن و لا أقدر على النجاة ) ..
    تعاندني دمعاتي .. تتصلب في المآقي و تُقسِم ألا تنزل لتلطف بعض الحزن الساكن في الجوف ...

    إتصلت بأخيه محمد .. وجدته صابراً محتسباً ..
    إتصلت بأخيه نزار .. وجدته أصلب عودا ..
    و إتصلت بأخته ( إحسان ) ... فكان الحزن مندلقاً نحيباً لم تشفع لدموعي أيضاً بالنزول ..
    لا أستطيع حتى على إخراج كلمات المواساة..
    أخته ( فريال ) بكتْه نادبة بأسلوب الحبوبات : يا سندنا و إتكالْنا ...

    إلى الآن لم أتصل بالسودان معزياً ... أخاف أن أسمع من أمه بكاءاً فتخذلني دمعاتي ..
    أكتب هذا و حروف الكيبورد غارقة في بعض دمعي الذي تكرم و جاد علي الآن فقط ..
    غريب أمري و الله ..

    المهندس جبارة مختار
    خريج جامعة الخرطوم
    أتى للسعودية قبل بضع سنوات ..
    عمل في شركة زراعية ..
    ذات يوم تعب من العمل فقال للمهندس المصري زميله : بروح أرتاح في البيت و أرجع ..
    فقال له المصري : ليه تتعب نفسك رايح و جاي .. خدْلَك تعسيلة تحت الشجرة دي ..
    فنام جبارة قرير العين .. واثقاً بأن أمة محمد ( كالجسد الواحد ) ...
    فأتي المصري بصاحب العمل و قال له : شوف السوداني نايم وقت العمل و في مكان العمل.
    فغادروه للسودان ...
    غادر و هو يضحك مندهشاً من هذا التصرف ... أو على هذا الدرس الجديد الذي كلفه الكثير ..
    مكث في أهله قليلاً ...
    ثم أتى للعمل مرة أخرى للسعودية ...
    بالطبع لا يدري أن الله قد أتى به لمكان موته و دفنه ...
    القبر ينادي صاحبه ...
    و الموت يدغدغ عقل الإنسان الباطن ...
    فيودع أحبابه دون قلق ... و دون أن يشعر بأن ما يقوم به هو وداع مبطن بالرحيل ...

    رحل جبارة في صمت ... على غير نمط حياته الصاخبة بالفرح الذي كان يزرعه ... و ضحكته المجلجلة و مشاغباته التي لا تنتهي.
    مات بعيداً عن أسرته ... و عن أقاربه بالرياض ...

    البركة في ولديه و بنتيه ..
    و العزاء لزوجته المكلومة ..
    و لأمه المفجوعة ..
    و موصول لإخواته و إخوته ...
    و كافة الأهل ...
                  

08-13-2014, 08:44 PM

ابو جهينة
<aابو جهينة
تاريخ التسجيل: 05-20-2003
مجموع المشاركات: 22482

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: من ملفات الإغتراب والمغتربين ( منذ عهد ما قبل سودانيز وإلى يومنا ) (Re: ابو جهينة)

    يوم الإثنين يبدو أنه كان يوماً حافلاً في دواخل ( جبارة ) ...
    ليته دوَّن إحساسيسه ...
    ليته قال للأقربين بأنه يحس بأنه مفارق هذه الفانية ...
    و لكنه تصرف كـ ( جبارة ) تماماً ... كما عهدناه ..
    كتم ما يحس به .. و أفرغه على من حوله و أضفى علي كل هذا و ذاك من شخصيته المشرورة على الدنيا و أهله فيها ..
    إتصل بزوجته و أولاده و قال لهم و بطريقة غير معتادة : أنا مشتاق شديد...

    و كعادته .. يختتم كل المواقف بضحكة ساخرة ... والقريبون منه يلاحظون تلك الإبتسامة التي تغمر كل وجهه .. غاضباً كان أم فرِحاً ..
    ثم إتصل بإبن أخي و أوصاه بأمور دنيوية تخص إستحقاقاته بوزارة الزراعة التي كان مهندساً بها ..
    ثم إنطلق من الرياض إلى ( وادي الدواسر ) بسيارته الصغيرة إلى مكان عمله ..


    يوم الثلاثاء صباحاً جاءني صوت أخي حزيناً : جبارة مات في حادث ...

    مشكلتي أنني لا أبكي وقت الفواجع ..
    أحياناً أخدع نفسي بالتشاغل بأي شيء يعيداً عن الحدث المحزن ..
    لا أحب حتى أن أخوض في تفاصيله ..
    ( أخاف أن أغرق في الحزن و لا أقدر على النجاة ) ..
    تعاندني دمعاتي .. تتصلب في المآقي و تُقسِم ألا تنزل لتلطف بعض الحزن الساكن في الجوف ...

    إتصلت بأخيه محمد .. وجدته صابراً محتسباً ..
    إتصلت بأخيه نزار .. وجدته أصلب عودا ..
    و إتصلت بأخته ( إحسان ) ... فكان الحزن مندلقاً نحيباً لم تشفع لدموعي أيضاً بالنزول ..
    لا أستطيع حتى على إخراج كلمات المواساة..
    أخته ( فريال ) بكتْه نادبة بأسلوب الحبوبات : يا سندنا و إتكالْنا ...

    إلى الآن لم أتصل بالسودان معزياً ... أخاف أن أسمع من أمه بكاءاً فتخذلني دمعاتي ..
    أكتب هذا و حروف الكيبورد غارقة في بعض دمعي الذي تكرم و جاد علي الآن فقط ..
    غريب أمري و الله ..

    المهندس جبارة مختار
    خريج جامعة الخرطوم
    أتى للسعودية قبل بضع سنوات ..
    عمل في شركة زراعية ..
    ذات يوم تعب من العمل فقال للمهندس المصري زميله : بروح أرتاح في البيت و أرجع ..
    فقال له المصري : ليه تتعب نفسك رايح و جاي .. خدْلَك تعسيلة تحت الشجرة دي ..
    فنام جبارة قرير العين .. واثقاً بأن أمة محمد ( كالجسد الواحد ) ...
    فأتي المصري بصاحب العمل و قال له : شوف السوداني نايم وقت العمل و في مكان العمل.
    فغادروه للسودان ...
    غادر و هو يضحك مندهشاً من هذا التصرف ... أو على هذا الدرس الجديد الذي كلفه الكثير ..
    مكث في أهله قليلاً ...
    ثم أتى للعمل مرة أخرى للسعودية ...
    بالطبع لا يدري أن الله قد أتى به لمكان موته و دفنه ...
    القبر ينادي صاحبه ...
    و الموت يدغدغ عقل الإنسان الباطن ...
    فيودع أحبابه دون قلق ... و دون أن يشعر بأن ما يقوم به هو وداع مبطن بالرحيل ...

    رحل جبارة في صمت ... على غير نمط حياته الصاخبة بالفرح الذي كان يزرعه ... و ضحكته المجلجلة و مشاغباته التي لا تنتهي.
    مات بعيداً عن أسرته ... و عن أقاربه بالرياض ...

    البركة في ولديه و بنتيه ..
    و العزاء لزوجته المكلومة ..
    و لأمه المفجوعة ..
    و موصول لإخواته و إخوته ...
    و كافة الأهل ...
                  

08-21-2014, 08:57 PM

ابو جهينة
<aابو جهينة
تاريخ التسجيل: 05-20-2003
مجموع المشاركات: 22482

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: من ملفات الإغتراب والمغتربين ( منذ عهد ما قبل سودانيز وإلى يومنا ) (Re: ابو جهينة)

    إستيقظ على غير عادته في الصباح الباكر ، وعشرات المطارق تهوي على رأسه ، فقد أكثر من الشرب بالأمس مع صديقه وجيرانه ..
    إرتدى ملابسه على عجل ، و أيقظ زوجته النائمة بكامل هندامها منذ ليلة البارحة الصاخبة بمناسبة حفل الوداع ..
    رشف كوب الشاى واقفا ..
    عانق رفيق دربه وجيرانه الذين حرصوا على الحضور مبكرين لوداعهما مجاملة لصديقه الذي إستضافه ريثما ينطلق إلى وجهته ..
    ليلتها ...سهر كل الجيران ،، و النساء في حلقة حول زوجته الروسية التي أصرتْ على نقش الحنة على كفيها وقدميها..
    إنطلق في بواكير الفجر لمحطة الخرطوم ، وزوجته الروسية تعانق النساء والفتيات والصغار والدهشة تملؤها من هذه الحميمية و هي التي لم تمكث معهم سوى أسبوعين.... تردد كلمتى ( الله يسلمك ) بكسر الميم للإناث والذكور معا ..
    الليل يلملم بقاياه ، وتباشير الفجر الجديد تدخل الرهبة إلى قلبه ،، فالأيام القادمة حُبْلَى بالكثير ، تذكره بأيامه الأولى روسيا.
    ترجل من التاكسي عند محطة السكة حديد ودفع الأجرة و هو يتحسس المبلغ المتبقي في جيبه ( ورقتين من فئة الخمسة وعشرين قرشا ( طرادتين ) و بضع قطع من العملة المعدنية ..
    تحسس علبة ( البرنجي ) في جيبه وجوازىْ السفر وعلبة الثقاب.
    نظر إليها ، فرآها متجهمة الوجه تنظر حولها في قلق وإرتياب ، فهو لم يحدثها عن كل شيء هنا ، لذا تقبَلتْ واقع الحال بما يشبه الصدمة.
    ليلة الأمس إحتستْ معه بضع كاسات من ( مشروب العرقي ) ، ثم أمطرته بلغتها الروسية بسيل من الإحتجاج ، إحمرَ وجهها وصار كقطعة طماطم ناضجة وقالت : لم أكن أدري أن هناك مشروبا في الدنيا أسوأ من ( الفودكا ) الرخيصة في ( كييف ).
    عند محطة السكة الحديد ..
    تربض عربات القطار في صف طويل ..
    تسلل بحذر إلى عربة من عربات درجة النوم وساعدها على تسلق السلم الخشبي للسرير الذي في الأعلى ، ثم أغلق الباب بالمزلاج من الداخل ، وتمدد على السرير الأسفل .
    راحت هي في سبات عميق واضعة الوسادة على رأسها.
    راح يستعرض أيامه الخوالي في عطبرة ،،
    الشوق يملؤه لهذه المدينة بعد غربة دامت ست سنوات...
    إيهي يا مدينة الحديد والنار .. كيف أنت الآن ؟
    أين يا ترى زملاء الدراسة ورفقاء الحى ؟
    سبح في ذكريات تفوح منها رائحة معطف والده المعطون بزيوت الورش ، وليالي عطبرة تداهمها ( الكتاحة ) دون إستئذان..
    عجلته ( الرالي ) و هو يجوب بها شوارع حى ( القيقر ) مرورا بشارع ( الرى ) حتى المكتبة القبطية وشوارع ( حى السودنة ) الهادئة لا يقطع وتيرة هدوءها غير صوت المياة المندفعة عبر الجداول الواسعة لتسقي الحدائق المسورة.
    ثمار ( المسكيت ) ، كانت البديل للزونيا في الطريق المؤدي إلى ( حى العمال )، يهاجر إلي هناك مع أقرانه ( فرادى ومردوفين على العجلات ) أو إلى ( الداخلة ) لتمتليء الجيوب بالثمار الخضراء والصفراء الجافة.
    ترى أين أنت يا ود سيد أحمد ؟ عندما رأى لأول مرة ( حجَة المَرَرُو ) تحمل وليدها مربوطا خلف ظهرها أطلق ساقيه للريح و هو يصرخ ( و الله عندها راسين ).
    آخر عهده به كان في مدرسة الأقباط الثانوية و بيت الأستاذ ( باخوم ) القبطي و الذي كان يتلقى أحيانا ثمن الدروس الخصوصية ( دجاجة أو عتودأ حنيذا ).
    تململتْ زوجته و هي تهذي في السرير ، قام وتأكد من أنها لن تسقط على الأرض.
    لم يشعر بتحرك القطار فقد جرفته الذكريات.
    نظر من النافذة ، هاهي مدينة بحري تتوارى شيئا فشيئا ،، والحنين إلى عطبرة يتزاحم في رأسه المثقل كضربات المعاول تتناغم مع دقات قلبه.
    شعر بالخوف ، فهو لم يشترِ التذاكر ويحتل رغم ذلك غرفة كاملة بدرجة ( النوم ) المخصصة لكبار موظفي الدولة والسكة الحديد.
    تذكر صديقه الذي كان والده مفتشا للتذاكر ،، و هو الذي شجعه للبعثة الدراسية وساعده كثيرا عن طريق خاله المُتَنَفِذ في إتحاد العمال آنذاك.
    رنَتْ في أذنه أغنية لحسن خليفة العطبراوي تغنى بها في حفل زواج في حى ( أم بكول ) نزولا عند رغبة العريس المنتمي سرا للحزب الشيوعي ،، كان يرددها كثيرا في ( كييف ) ، حتى حفظتها ( ميزالونا ) زوجته عن ظهر قلب دون أن تعرف معانيها ( نحن من نفر عمروا الأرض ... )
    كم هي وفية هذه المرأة ،، وقفتْ إلى جانبه كثيرا خصوصا عند أيامه الأولى و في دروس اللغة ، وأمدته بالمال عندما شح مورده ،، إقتسمتْ معه لقمتها. و هاهي تطرق المجهول معه بكل شجاعة ،، فهما لا يدريان إن كان سيوفق في إيجاد عمل أم لا ،، فقصة بابكر صديقه ماثلة أمامه ، و الذي تخرج من كلية علمية ونال الماجستير في تخصصه ،، ثم رجع للسودان وتسكع في شوارع الخرطوم يبحث عن عمل حتى حفيتْ قدماه ،، يشرب المنكر ليلا و يلعن الحكومة باللغة الروسية في بص ( أبو رجيلة ) و تارة في بيوت الأفراح مستأذنا الفنان بعد أن يقتلع منه المايكروفون وتارة في بيوت المآتم التي يدخل صيواناتها دون أن يتجشم عناء (رفع الفاتحة) مكتفيا بمصافحة أهل الميت متمتما بكلام مبهم غير معروف إن كانت بالعربية أم بالروسية ، وأخيرا تم تعيينه في وظيفة لا يدري حدود مسئولياتها في مكتب يعج بالملفات القديمة في وزارة الصناعة ، يحضر صباحا ويأكل الفول المصلح في صحن عميق.. تآكل معظم طلاؤه ، ثم يتجه لموقف الباصات متجها للكلاكلات يتقي شر أشعة الشمس بجريدة مشبعة بزيت الإفطار الصباحي يردد أغنية قوقازية بصوت أجش .. فأنطبعتْ شخصيته في أذهان سائقي الباصات و الكمسارية ، فكان ما أن ينطلق في الغناء حتى يقول السائق ضاحكا : يا ولد ما تاخد من الروسي الأسود دة ..
    طافت به الذكرى في ميادين الكرة بالقرب من المدرسة الأميرية ،، وعبَقتْ خياشيمه رائحة الشواء في ميدان المولد ،، و صوت ( النوبة و المديح ) ينطلق كل ليلة ..
    تذكر بار ( تساكوتلس ) و هم ينهبون منه زجاجات ( الشري ) يوم مظاهرات أكتوبر التي إكتسحتْ المدينة حتى ( شاليهات حسن عربي في المقرن ) التي لم تسلم من نقمة الناس و تفريغ شحنات غضبهم المتنامي ..
    دوتْ في أذنيه صافرات الورش و البخار الذي تنفثه قطارات المناورة ،، و صخب العمال و هم يتدافعون بعجلاتهم عند مزلقان القطار المؤدي للسوق الكبير...
    عربات الكارو تزحم طرقات السوق الكبير
    طالبات الكمبوني بزيهم الكحلي المميز
    صف سينما الجمهورية و السينما الوطنية
    الإشاعة التي إنطلقتْ بأن أحدهم سيدلق كمية من السم في صهريج الماء بحى ( الفكي مدني ) إنتقاما من بعض المسئولين ...
    ليل المدينة المغلف بحكاوي ( أبو جنزير ) .. الحقيقية منها و المختلقة ...
    سمع طرقا عنيفا على الباب و محاولة لفتحه من الخارج ، فأيقظ زوجته على عجل و تهيأ لمعركة مجهولة العواقب.
    فتح الباب و هو يرسم البراءة و الدهشة في آن واحد.
    قبل أن يشده العسكري من يده ، كان قد إستبق دهشته وعانق مفتش التذاكر : عمي باشري ، الحمد لله اللقيتك.
    كان محظوظا للغاية ،، فالمفتش صديق حميم لوالده ،،
    جلس يحكي له سنوات إغترابه في روسيا.
    ضحك العم باشري كثيرا ( قلبك قوي خلاص .. الشيوعيين علموك المجازفة ؟ ،، تركب مجانا كمان في درجة النوم ؟ يعني فقري و نُزَهي ) ..
    سمح له بمواصلة الرحلة حتى الدامر بنفس الدرجة ، فالغرفة ( القَمَرة ) محجوزة لأحدهم من هناك حتى وادي حلفا.
    عندما وطئتْ قدماه أرض عطبرة ، ودَ أن يسجد لله شكرا و يعفر جبينه بتراب هذه المدينة التي تسكن روحه.
    إختلطت دموعه مع دموع أمه و والده و إخوته ،،
    و الزغاريد تنطلق من الجارات و هن يسترقن النظر إلى ( قطعة الجبن ) الواقفة تتلفت في حيرة و توجس ، و نقش الحناء الأسود يشكل لوحة مع بشرتها ناصعة البيضاء.

    وللقصة بقايا إغترابية .............
                  

08-26-2014, 00:09 AM

ابو جهينة
<aابو جهينة
تاريخ التسجيل: 05-20-2003
مجموع المشاركات: 22482

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: من ملفات الإغتراب والمغتربين ( منذ عهد ما قبل سودانيز وإلى يومنا ) (Re: ابو جهينة)

    نواصل
                  

08-26-2014, 09:09 PM

ابو جهينة
<aابو جهينة
تاريخ التسجيل: 05-20-2003
مجموع المشاركات: 22482

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: من ملفات الإغتراب والمغتربين ( منذ عهد ما قبل سودانيز وإلى يومنا ) (Re: ابو جهينة)

    الرياض ( غرة شوال 1399هـ )
    أختي العزيزة :
    قبلاتي لك ولكل أفراد الأسرة.
    أكتب إليك وأنا أداعب أصابع فلذة كبدي ( فواز )،، ثم أعود للكتابة مرة أخرى وكأنه يلهمني الكتابة هذا العزيز الغالي.
    يشبهني كثيراً،، هكذا يقولون.
    أختي العزيزة.
    أعرف أنك غاضبة مني لأسباب كثيرة، فأعذريني أولا لأني لم أكتب لك منذ سفري مع زوجي، وأظنك تعرفين السبب. وأعذريني لأنني أسْمَعْتك كلاماً جارحاً عند زواجي لتدخلك في قراري.
    أعرف طيبة قلبك وحبك لي وأعرف أن قلبك لا يحمل حقداً على أحد.
    أختي الحبيبة :
    تذكرين تماماً إصرار الوالد على زواجي من هذا الشاب الذي أختاره لي، ولحظات ثورتي وجنوني ومقاومتي بكل السبل والتي كانت كصرخة في وادٍ، وتذكرين تماماً الوقائع والأحداث ولا داعي لذكرها هنا.
    فأبي أراده صاحب وظيفة مرموقة ومن أسرة عريقة وأن يكون على خلق.
    بالطبع تنطبق عليه كثير من هذه المواصفات،، ولكنني بكل بساطة كنت لا أعرفه ولم أحبه،، لأنه يختلف تماماً عن ما رسمته في مخيلتي لشريك حياتي.
    مقاومتي كانت كبيرة وشرسة ،، أليس كذلك؟
    لذا فقد إستعمل أبي ذلك السلاح الذي قطع به كل حبالي التي أتشبث بها،،
    وأغلق أمامي كل طريق، و سد كل المنافذ حين قال :
    ( أنا بريء منك إن لم تتزوجيه ).
    ماذا أقول وماذا أفعل بعدها؟ كانت متاهة لا قرار لها.
    ثم وافقته أمي كعادتها بصمت مطبق ، ووقفت حائرة بيننا.
    أختي العزيزة :
    لقد أسمعتك كلاما جارحاً لأنك وقفت مع أبي ضدي وجاريت أبي في إصراره، لذا قلت لك في لحظة غضب: لم لا تتزوجيه أنت ؟
    وأنا أعلم أنك وقتها كنت مخطوبة ،، فأعذريني أختي،، كلمة جارحة خرجت من قلب مجروح.
    ثم ماذا ؟؟ هل تريدين أن أخبرك كيف سارت حياتي بعد وصولي إلى مكان عمله هنا بالغربة ؟؟
    أعلم أن زوجي كان يعرف رفضي القاطع له،، فلماذا أَصَرَّ إذن على الإقتران بي؟؟
    هل هو مجرد امتلاك أنثى؟
    يريد فتاة جميلة تلد له الأطفال؟
    لماذا أنا بالذات؟
    تزاحمتْ الأسئلة في رأسي ولكنني لم أجد الإجابة الشافية لأي منها ،،
    هل هو من النوع الذي لا يهمه رأى الفتاة ؟
    هل هو من ذلك الطراز العتيق في لبوس رجل متمدن متعلم ؟
    خفت كثيراً من انتقامه مني بعد الزواج في هذه الغربة بعيدا عنكم.
    ولكنني فوجئت بمعاملة كريمة لدرجة أنني شككت في أمره،، فقلت ربما يريدني أن أركن إلى الإطمئنان قبل ذبحي بمعاملة إنتقامية لاحقة تجعلني أهرب أو أنتحر أو يصيبني الجنون في هذه الغربة.
    ولكنه كان يوماً بعد يوم يزداد رقة وينساب لسانه بكلام يذيب الحجر .
    طلباتي أوامر .
    لا يغضب مهما فعلت أو قلت .
    يتحاشى إزعاجي فيتسلل إلى الفراش بهدوء يدب كدبيب النمل إن تناومتُ .
    يصمت إن تجاهلت الرد عليه .
    يأتي محملاً بالأكل من المطاعم إن عرف أنني لم أطبخ بسبب أو دون سبب .
    أتمارض،، فيقوم بأعمال البيت دون كلل أو ملل.
    خفت يا أختي من هذه المعاملة. بل أصابني الذعر، فقد كنت أتوقع سياط الانتقام تلهب جسدي، ولكن رعونتي كان يقابلها بفيض من كرم الأخلاق.
    خوف لا مبرر له أليس كذلك ؟ ولكنني خفت و سكن الجزع قلبي.
    قلت ربما هذا هو الهدوء الذي يسبق العاصفة،، أو التنويم في العسل ثم تبدأ لسعات النحل.
    فقررت يا أختي أن أغوص في مغزى تصرفاته ،، أو بالأصح أختبر غيرته.
    ذات يوم لبينا دعوة عرس،، وفي الحفل تعمدتُ أن أتحدث مطولاً مع شباب لا أعرفهم وأمازحهم وأضحك بأعلى صوتي،،
    رآني أكثر من مرة،، ولكنه لم يطرف له جفن ولم يقطب جبيناً.
    رجعنا للبيت وأنا مستعدة لمعركة حتمية تنتهي بالضرب أو الطلاق، ولكنه لم يسألني حتى عن هؤلاء الشباب.
    إنتابتني فورة غضب ،، قلت له :
    ألم تلاحظ شيئاً في الحفل؟
    قال بهدوءه القاتل : نعم لاحظت.
    فَغَرْتُ فمي من الدهشة ،، إذن رأى كل شيء ولكنه لا يهتم؟
    إذن هو في سبيل الإحتفاظ بي لا يبالي ؟
    ولكنه فاجئني بهدوء ،، وقال بكل ثقة :
    رأيتك تحادثين شباباً وأنا واثق أنك لا تعرفينهم وأنا لا أعرفهم أيضا،، كل ما في الأمـر أنني أعـرف أنني أثق بزوجتي وأعرف أنها يهمها كرامتها وشـرفها لذا لن أخاف عليها ولو كانت وسط غابة من الرجال.
    صـفعني بهذه الكـلمات ،،
    كنت أتوقع أن يثور ويتهددني وينذرني بعدم معاودة مثل هذه الأمور.
    ولكن اللئيم ربما عرف مناورتي،، فجرَّعني دواءاً من جنس الداء.
    توالت الأيام أختي العزيزة وأنا أتفنن في تجاهله،، وهو يزداد في إكرامي بإفراط لا يصدق.
    أتحدث في الهاتف بالساعات،، فلا يسألني عن سبب إنشغال الهاتف.
    أتعطر وأخرج في كامل هندامي لزيارة جاراتي،، فيعود للبيت،، فيدخل إلى المطبخ ويعد طعامه بنفسه ،، وعندما أعود يسألني إن كنت قد أمضيت وقتاً ممتعاً.
    فأصاب بخيبة أمل كبيرة.
    كل ما حدثتك عنه شيء،، وما حدث بعد الحمل شيء آخر.
    عندما أحسست بالحمل وبدأتْ متاعبه ، جن جنونه يومها واقتادني مترفقاً ولهاناً كأن التي معه تحفة غالية من الكريستال،، كاد أن يحملني من على الأرض حملاً.
    وعندما عرف من الطبيب خبر الحمل،، كاد أن يقبلني أمام الطبيب والممرضات لولا أن أشحت بوجهي المُحمَر خجلاً.
    طوال أشهر الحمل،، وهو يتغيب عن عمله أكثر من مرة في اليوم،،
    ويسألني عن ما تشتهيه نفسي،، فأكابر وأقول : لا شيء. لا أريد شيئاً.
    كنت لا أطيق سماع صوته،، فحبست نفسي في غرفتي لا أخرج إلا للضرورة.
    وهو يروح ويجيء طوال الليل بين غرفتي والصالون حيث ينام.
    أعترف أنني كنت رعناء،، وتصرفت بغباء ،، ولكنه العناد ضد إصرار أبي.
    يوم الـولادة،، كان كأم العروس، يدخل ويخرج ثم يـجلس ويقف،،
    منذ إحساسي ببدء الطلق وحتى ذهابنا للمستشفى،، كان مذعورا يمسح العرق عن جبيني ويبتسم لي من خلف قلب وَجِل.
    كنت خائفة،، مرت من أمام عيني صورة أمي وأبي وإخوتي،، مرتْ حياتي معه كشريط سينمائي، فطغتْ على روحي سحابة من ندم عظيمة ..
    ندمتُ يا أختي،،
    أقسم لك بالله ندمت ،
    وددت لو قلت له سامحني ،،
    وددت أن أطوقه بكلتا يدي وأطلب منه السماح ،،
    إمتلأتْ عيناى بالدموع حتى حجبته عني ،،،،
    ولكنني لأول مرة أشعر بأن بجانبي رجل يمكن أن أستند عليه وأن أعتمد عليه.
    رجل يخاف علي خوفاً حقيقياً يعادل خوف الوالدين.
    رجل يحيطني بظلال من الطمأنينة دون أن ينتظر حتى إبتسامة مجاملة.
    لم يجد مني غير الإذلال،، حتى سـخـر منه كل معـارفنا وجيراننا.
    عرفت الآن يا أختي أنه كان متشــبثاً بحبه متين الأركان ،،
    وأصدقك القول،، أنني ناديته بأســمه لأول مرة منذ زواجنا وأنا أدخل غرفة الولادة،، فأسرع نحوي وكأنه وجد كنزاً،، متهلل الوجه تعلوه ابتسامة رضا كبيرة،، وأحاط يدي بكلتا يديه ولثم جبيني بقبلة أحسســت بحرارتها تقتل كل آلامي النفسية والجسدية وتذيب خوفي وتحيطني بطمأنينة وارفة.
    وعـندما أفقتُ،، وجدته يجلس بـجانبي ينظر إلي بحنان ،، وقال وابتسامة عريضة تكلل فمه:
    يشبهك كثيراً فواز
    لم أعترض على الاسم هذا الذي ربما أختاره لشيء في نفسه،، فقد أختار إسما ينطبق على حالته ،، فقد فاز بي ،، وفاز بحبي.
    أبني فواز ملأ على حياتي.
    أحادثه إلى أن يعود زوجي، وأبثه اعتذاري عن ما سببته لوالده طوال الأشهر الفائتة فأحس براحة نفسية .
    أختي العزيزة :
    هناك أمر يقلقني الآن.
    أحس إحساساً غريباً بدأ يدب في كياني.
    أحس وكأن مشاعره قد فترتْ.
    لم يعد متلهفاً.
    شيء ما أنكسر في نفسه وبدواخله.
    لا يتحدث معي،، ويتحرك بآلية ،، ويرد فقط على أسئلتي.
    لم يعد ذلك المملوء شغفاً وشوقاً.
    يا خوفي أختي العزيزة أن أفقد حبه حينما دخل قلبي.
    هل تُراني واهمة ؟
    أم أتراه أدمن تمردي وجموحي وصدودي ؟
    أنا خائفة أختي العزيزة ،، أرجوك أكتبي لي

    أختك : أم فواز
                  

08-28-2014, 08:29 PM

ابو جهينة
<aابو جهينة
تاريخ التسجيل: 05-20-2003
مجموع المشاركات: 22482

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: من ملفات الإغتراب والمغتربين ( منذ عهد ما قبل سودانيز وإلى يومنا ) (Re: ابو جهينة)

    كان صلاح يعيش في سعادة و وئام مع زوجته سعاد و أولاده في بيت الإيجار بالخرطوم. والحالة و الحمد لله رضا،
    و لكن بعض الزوجات يمْدُدْنَ أصابع اليد و ) يطبزن عيونن براهن(.
    فقد بدأت تزن في إذن زوجها :
    هي يا صلاح ، لمتين نقعد في بيت الإيجار ؟ مستقبل الأولاد ديل بعدين كيف ؟ شوف ناس فلانة و علانة ، قوم إغترب يا صلاح عشان نبني لينا بيت.

    و كما هو معلوم فإن بعض ( الزَّن على الأذن ) أقوى من السحر. فقد توكل صلاح على الحى القيوم ، و إغترب و هو غير مقتنع.
    وفقه الله في عمل ، و إستطاعت سعاد خلال سنة من عمله أن تشتري أرضا في منطقة عشوائية و تسوِّرها.
    و بعد سنة أرسل لسعاد بأنه سيأتي في الإجازة ، فردت عليه : إنت يا دوبك سنة مما سافرت ، أقعد ليك كمان سنة و بعدين تعال. أحسن تستفيد من إجازتك في الشغل ) أوفرتايم )
    و بعد السنة التانية ، عاجلته سعاد بأن لا تأتي لأننا شرعنا في البناء و حق إجازتك رسلو لينا نستفيد منو في حاجة هنا. و أحسن تشتغل في الإجازة و تاخد حقها قروش.
    و إشترت سعاد قطعة أخرى.
    و هكذا إلى أن أكمل صلاح خمسة سنوات بالتمام و الكمال ، كانت فيها سعاد قد أكملت بناء البيت ذو الستمائة متر مربع و بدأت تفكر في مشاريع أخرى.
    و نسيت سعاد في غمرة النشوة بإنجاز أشياء كانت تقبع في أحلامها ، نسيت حقوق زوجها و أنه مشتاق لأولاده. و لكن الأيام تخطط لكليهما أمرا آخر.

    خلال هذه السنوات ، كان صلاح يذهب كل يوم جمعه (ليتغدى) عند صديقه وزميل دراسته أحمد الذي أتى محرما لشقيقته المعلمة.
    و توطدت العلاقة مجددا بينه و بين أحمد ، و لكنها كانت مع الأستاذة ذات نكهة أكثر حميمية ، فتزوجها على سنة الله و رسوله دون أن تدري سعاد.
    و عند أول إجازة صيفية ، إشترى صلاح بالإشتراك مع الأستاذة لوري نيسان ، و ذهبا سويا للسودان ،
    ثم رأسا لمنزله الذي قامت سعاد ببنائه ، بيت جهامة و مؤثث.
    و بعد أن قامت الشكلة و العكة الكلامية و ( النبذي والذي منو) و هدأت النفوس ، و الرضاء بقضاء الله و أمره المحتوم. طارت شكلة لي رب السما مرة أخرى :

    سعاد تقول أن اللوري يتبع مخططاتها التوفيرية. و البيت من شقاها.
    و الأستاذة تقول أنها شريكة في اللوري ، و أن البيت لها فيه نصيب فهو من عرق زوجها ، و صلاح لايص في النص و هو يكورك :
    يا جماعة أنا مت عشان تقسمو الورثة ؟؟؟؟ ، أنا حى يرزق. ملعون أبو اللوري و ملعون أبو البيت.

    بالنسبة لصلاح ، كانت الإجازة غير عادية ،
    فبالرغم أنه كان مشتاقا لأولاده و لسعاد ، و لكن نقة الزوجتين ، بالإضافة للحر الذي تضامن مع الضرتين ، جعله كل هذا يقطع هو و حرمه الأستاذة الإجازة و عادا لحضن المكيف الصحراوي.
    أما سعاد ، فقد صارت تردد : براى السويتا بي إيدي. شلتها و قلعت بيها عيوني.
                  

09-16-2014, 07:20 PM

ابو جهينة
<aابو جهينة
تاريخ التسجيل: 05-20-2003
مجموع المشاركات: 22482

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: من ملفات الإغتراب والمغتربين ( منذ عهد ما قبل سودانيز وإلى يومنا ) (Re: ابو جهينة)

    ( لندن ... ذات شتاء )
    أختي العزيزة :
    سلام بقدر حجم إشتياقي لكم الذي لا يوصف.
    حزنت كثيراً لعدم حضوري حفل زفاف إبنة الخالة الأخت العزيزة سارا.
    أرسلت لها خطاب وبطاقة تهنئة.
    في إنتظار شريط الفيديو مع طلباتي التي ذكرتها لك.
    أختي الحبيبة :
    عندما كنا نناقش في البيت موضوع ســفري إلى لندن ، كنتُ متحمسـة للغاية ....... و روح المغامرة وإكتشاف المجهول يغمران كل إحساسي و روحي، و لأن أبي يعرف طبيعتي العنيدة ، فقد وافـق على مضض رغـم إحـتجاج أعـمامي وأخوالي و رغم إنتقادهم له.
    كم أحب أبي الحنون هذا ، فهو إن إقتنع بشيء ، لا يهمه رأى الآخرين ، أهم شيء أن يرضينا. يحفظه الله لنا.


    أختي العزيزة :
    بعد أن أتيت إلى هنا ، تملكني خوف خفي ، ربما لأنني دون الحماية الأسرية المدعومة بنصائح أبي وتحذيرات أمي ، حتى مناكفاتك وإنتقادك لي أعتبرها حماية إفتقدها.
    و لكن ، إنها خطى كُتبتْ علينا و من كُتبتْ عليه خطى مشاها .
    هذه كلمات مجنونك صلاح . أتذكرين ؟
    ألا زال صلاح يبثك حبه ونجواه ؟ إلى أي مرحلة وصلت علاقتكما ؟ ألم يجد عملاً مناسباً بعد ؟ أرجو أن تخبرينني بالتفصيل عن كل شيء ....
    أختي الحبيبة :
    بالأمس فقط إنتقلت إلى شــقة أخرى في منطقة (ويمبلدون) ، وبالرغم من أنها بعيدة ، والمسـافة ( بالأندرقراوند ) مُملة ومرهقة ، إلا أنني مرتاحة الآن بعد أن إنتقلت من تلك الشقة التي حوّلتْها زميلاتي بالسكن إلى مكان مشبوه والعياذ بالله .

    أختي :
    الشاب الذي حدثتك عنه ،، لا أدري ماذا أقول لك عنه ، و لكن بإختصار تعلقت به تعلقاً فاق الحد.
    إكتشفت بعد فوات الأوان أنه يصغرني بعامين..
    أعرف ماذا ستقولين و وجهك يملؤه الدهشة .. و لكنني أحبه يا سلمى ،، أحبه حباً ملك على كل جوارحي،، هل حرام أن أحب من يصغرني ؟
    هو الآن هاجسي و وسواسي ،،
    إن لم أره يوميا ،، أكون كالضائعة و تنتابني حالة من الهستيريا.
    صال و جال في قلبي و تنقل في جنباته حتى صار خياله أدرى مني بشعاب جوارحي.
    عذراً أختي ،، أعرف أنك ستستغربين لحالتي التي وصلت إليها ،، و لكن هذا الرجل تسلل ببساطة إلى تجاويف عظامي و سكن مع النخاع .
    يتلوى مع مفاصلي.
    أحرقني ،، و تسرب إلى شراييني دماءاً.
    إندس في تربتي ،، فأنبت فيها حدائقاً من زهور السوسن.
    و لكن المضحك المبكي ،، هو أنني أســبح في بحر عذابي و حبي ،، بينما هو تائه في دنيا أخرى .. لم أتوقع أن يلهث وراء تلك الطائشة زميلته ،، التي تتنقل كما النحلة من زهرة لأخرى.
    هل تصدقين ؟ هي لا تحس بوجوده ،، و هو يكابد و يجاهد كى يحظى بإبتسامة منها.
    و أنا أتلوى في محرقة اللوعة ،، و هو لا يحس.

    أعرف ،، ستقولين صارحيه ،،
    و لكنني أقول لك ،، فضحتني تصرفاتي ،، كلهم يعرفون تلهفي عليه ،، فلو أشار بأصبعه سيجدني راكضة إليه ،، أجثو عند قدميه.
    هل أنا عديمة إحسـاس و كرامة ؟ أعرف أنك لن تقولينها ، و لكن نظرات الكل هنا تقول بأنه يجب أن أنسحب بكرامتي.
    و أنت تعلمين مبدأي في الحب ، فالحب ليس إمتلاك ، و لو دخلتْ مفاهيم الكرامة في قاموس الحـب ، لمات و إندثر.
    ( يضرب الحب ،، شو بيذل ) تنطبق هذه المقولة الشامية على حالتي تماماً ..
    و فعلاً أحس أحيانا بالذلة و الإنكسار ،، و لكن ما أن أقول وا .. كرامتاه و أرغب في الإنتصار لعزتي و شموخي،، حتى ( يطبطب ) حـبه على ثـورتي فتهدأ فورة الكـرامـة و ينطفيء فتيلها المتقد و تموء عزتي كالقطة التي تتمسح بالأرجل ، و يرتعش شموخي كشمعة في مهب الريح.

    رأيته بالأمس ،، متأنقاً متعطراً متهندماً ،، يقف بحيث تمر فتاته فتراه ، ألقيت عليه التحية ،، رد دون أن ينظر إلي ،، وقفت قربه ،، فنظر إلي و في عينيه إستعطاف و رجاء بأن أبتعد ،، فوقفت و أبديت عدم الفهم ....
    فقال من بين أسنانه : كيف الحال ؟ معليش أنا مشــغول و منتظر واحد.
    قلت في نفسي ،، أعرف أيها التائه عني ما تقصده ،، و لكن أرجوك إنشغل بي وحدي ، فأنا لن أدعك تنتظر ،، تعال وقتما تشاء ،، فسأكون أنا في الإنتظار ،، يتوقف الزمن عند محطة لقياك.
    ستسألينني ،، ما الذي أعجبك فيه حتى تندلقين كل هذه الإندلاقة ؟ و أن هناك ألف رجل يتمناني .
    أنا نفسي لا أعرف الإجابة على هذا السؤال .
    حبه يحمل حراباً مضمخة بسحره الخاص ،، يحمل سيوفاً مدهونة بغموضه المحبب حتى مقابضها.
    فقد مد يده ذات صباح جميل و صافحني بحنان دافق.
    و هو أول سوداني أراه عند بداية غربتي ،، و فرهد قلبي كما قلب طفل عندما قال لي :
    دة يوم جميل و سعيد إني أصابح واحدة من بلدي.
    قالها و إبتسامته العذبة ترقد على جانب فمه و هو يقدم لي كوباً من العصير ،، شربته دون أن أعرف ما هو .
    و من يومها ،، و أنا أذهب لنفس المكان ،، أجده فيه دائما ،، أتذوق طعم ذالك العصير في فمي ،،
    و لكنه يتجاهلني من أجلها ،، و أجلس و أستحضر كلماته تلك ،، فتكتفي نفسي بصداها و رجع سحرها.
    حبه يعطيني دافعاً للتفاني في عملي و دراستي .
    قوية أنا بحبه ،، و ضعيفة أنا بحبه ،، تناقض فريد يتجاذب حياتي كتروس ماكينة ترفعني تارة ،
    و تارة تغور بي إلى واد سحيق لا أمل في الخروج منه.
    و لكن ..
    تعرفين أختك ،، رغم طيبتي ،، إلا أنني عنيدة ،، لا بد أن أحظى بما أريد ، و بما أنني أتمتع بنَفَسٍ طويل و طولة بال، فسأنتظر حتى تمل منه تلك الغريرة ،، و أعرف أن الأمر مسألة وقت ،، حينها ســيلجأ إليَ ، فأنا أرصده بقلبي و عقلي ،، فلن أجعله يطأ أرضا أخرى غير رمال قلبي العطشى ،،
    و وقتها ، عندما تعود طيوره التائهة لواحتي الظليلة الوارفة،سأعلمه معنى الحب، و ألقنه مفرداته،
    و أبدأ معه من ألف باء غرامي دون كللٍ أو ملل ،،
    و عندما يتذوق هذا الرحيق المصنوع من ترياقي ،، سأدسه هذا الحبيب في قوقعتي ، و وقتها سيعرف أن التي تـقبع هاجـدة و مستكينة بقربه ،، هي لؤلؤة كاد قلبها أن ينفجر من نبض حبه.

    لك حبي أختي العزيزة ..
                  

10-07-2014, 03:39 PM

ابو جهينة
<aابو جهينة
تاريخ التسجيل: 05-20-2003
مجموع المشاركات: 22482

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: من ملفات الإغتراب والمغتربين ( منذ عهد ما قبل سودانيز وإلى يومنا ) (Re: ابو جهينة)

    الاغتراب هو صراع الإنسان مع أبعاد وجوده،
    و هذه الأبعاد هي البعد الحسي
    و البعد القِـيَمي
    و البعد الميتافيزيقي
    ****

    قواسيب المقال من حصاد الترحال :
    ساقتني الغربة أول ما ساقت .. إلى الخليج.
    و لولا نفر كريم من أبناء جلدتي وقتها ممن حقنوا أنفسهم بترياق المنافي ، لولاهم لولّيت الفرار من أول شهر ..
    فقد خففوا وطأة الغربة و هجير البعاد عن أرض الوطن .. ( يعزونني بكلمات و عيونهم تنضح بالتوق للوطن و بالشوق للارتماء في أي ركن من أركانه ).
    فكانت هذه المرحلة نقلة نوعية في نهج الحياة.
    في شمال البلاد ، حيث مسقط رأسي الذي لم أتشرف بزيارته إلا بعد أن ترسّختْ في ذهني قناعة بأن أتبرا هي موطني و مسقط رأسي .
    ثم توغلتُ في أرض الشمال العريق ، كمعلم في مدارس منطقة حلفا و أرض ( السكّوت ) ودنقلا ثم أتبرا و الدامر ثم إلى حلفا الجديدة.
    عام 1978م كنت قد صممت على ارتياد معهد الموسيقى لتنمية موهبة تلازمني منذ الصغر ، و هي موهبة العزف على آلة العود ، فجلست لاختباراته و لم أنتظر حتى النتيجة. عدت إلى حلفا الجديدة ، عدت إلى حميمية أهلها الذين تحس و كأنهم لا زالوا ضيوفاً على أرض البطانة.
    و من ( حلفا الجديدة ) إلى عتامير نجد بلا أي تخطيط مسبق ، هو بلا شك نقلة نوعية تمتد إلى كل مناحي الحياة. بل هي كالصفعة على حين غرة.
    فأنا أبن طينتي متشبثٌ بها أعمق ما يكون التشبث ، تنغرس روحي في أماكن و بلدات لها عبقها حتى و أنا أقبع في ذلك الزمان في ( دنفر كلورادو ) أو محاولاً تعلم التزلج في ( آسبن بكلورادو ) ، أقارن أعمدة ( التليفريك ) التي تنقل المتزلجين و المتزلجات ما بين الجبال التي تكسوها الثلوج ، أقارنها بأعمدة مصنع أسمنت أتبرا الواقع على طريق ( أتبرا و الدامر ) التي تنقل صخور الجرانيت من الضفة الغربية إلى المصنع بنفس مبكانيكية ( التليفريك ).. و شتان بين المنقولين هنا و هناك.
    الغربة في الخليج تعطيك نوعاً من الركون إلى اتخاذ قرار بالعودة في أي وقت تشاء ، و أرتال المقيمين بها يعطونك نوعاً من إلفة رغم القلق البادي على الوجوه من انفصام داخلي سببه تغيير أنماط الحياة و التقيد بقوانين لم يألفوها ، و الساعة البايولوجية تعمل باستمرار وِفْقاً لما كانت عليه في ( حي أمبكول ) بأتبرا أو في ( بري اللاماب ) بالخرطوم ، بنفس تروسها وعقاربها و روزنامتها المغموسة بتوابل البلد و مياهه.
    و لكن في الغرب الأقصى ، يتملكك إحساس بانسلاخ غريب فتنتابك حالة من تقريب الرؤى قسراً بين حشود الاندهاش اليومي و في كل لحظة ، و تكون في حالة مقارنة كل شيء بكل شيء هناك في مراتع البلد.
    ثم جاءت المرحلة الأخرى من الهجرة .. إلى أوروبا الغربية بمدنها الساحرة ( باريس . لندن . فيينا . جنيف. مدريد. البندقية. أثينا. روما ، لوس أنجلوس .. آخن . ) ..
    فكان الانبهار بكل ما تحمل هذه الكلمة من معنى ..
    و تلاشت رويدا رويدا مرارة الاغتراب .. و بقيتْ فقط أجراس الحنين تقرع في الذاكرة ..
    و استمرأت السفر ، و التنقل من فندق إلى آخر .. أتحقق من دروس الجغرافيا و التاريخ التي تسكن قاع ذاكرتي ..
    أذكر عندما وقفت لأول مرة في ( البيكاديللي ) أحدق في متحدث يتجمع حوله خليط من البشر من كل أركان المعمورة ، تذكرتُ أستاذي ( كمبلاوي ) عندما كان يقول لزميلنا الذي كان يكره حصة الإنجليزي كراهة الموت :
    يا حسين إنت حقو يودوك البيكاديللي ، غصبا عنك كنت حتجينا لاوي لسانك.
    كنا نظن أن البيكاديللي مدرسة صارمة لتعليم اللغة الإنجليزية.
    وقفت متسمرا أمام الشقراوات و العيون الزرقاء. أقارن هذه بمارلين مونرو و تلك بصوفيا لورين.
    أعود كل شتاء إلى السودان .. أطفئ عطش الشوق و أنا أتحرق للعودة لكى أنهل المزيد من ذلك الترف الحضاري. أدمنت مكتبات لندن و مقاهي الشانزليزيه و بحيرة جنيف و أحببت الاتكاء على الجندول في البندقية و ارتبطت بعُري المودة مع شواطيء Costa Del Sol في ماربيا على شواطئ الأندلس الإسبانية.
    ثم جاءت مرحلة شد الرحال إلى أمريكا في منتصف الثمانينات ..
    هناك تشعر بأنك قد تمددتَ و صرت في أتساع صحاري نيفادا و أن قامتك صارت في علو جبال وادي السيليكون.
    عند زيارة ( ديزني لاند ) لأول مرة تذكرت أتبرا و دخول أول سيرك هندي لها.
    و عند زيارة استوديوهات هوليوود .. استرجعت في مخيلتي كل أفلام ( الويسترن ) ..
    (ستيف ماكوين) .. و (أودي ميرفي) الذي كنا ننطقه في حواري أتبرا ( وَد ميرفي ) و كأنه آتٍ من قرية (كنور) أو (التميراب) ..
    لم تغيرنا الغربة .. و رغم الفوائد التي تم حصدها في بعض المناحي .. إلا أنها خلفتْ الكثير من المرارات و جراحا لا تندمل .. و أورثتْ النفس خواءا سببه الجوع الذي طال لتلك الأيام التي غبناها عن أحشاء الوطن ..
                  

10-27-2014, 09:05 PM

ابو جهينة
<aابو جهينة
تاريخ التسجيل: 05-20-2003
مجموع المشاركات: 22482

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: من ملفات الإغتراب والمغتربين ( منذ عهد ما قبل سودانيز وإلى يومنا ) (Re: ابو جهينة)

    الرياض ، صيف 1985م
    أختي العزيزة سعاد
    أبعث إليكم أطيب تحياتي وسلامي الكثير وأشواقي.
    أما الشوق ،، فسأطفئ ناره قريبا لأنني حزمت حقائبي وحاجياتي وسأكون بقربكم قريباً.
    مسألة وقت لإنهاء إجراءات الطلاق.
    نعم يا سعاد الطلاق. فلا تستغربي حتى تسمعي تفاصيل الأسباب.
    سأنفصل عن زوجي الثاني.
    أعرف أنك ستصابين بدهشة كبيرة وإحباط أكبر.
    و لكن و الله ليس بيدي شيء..
    فزوجي الأول أنت تعرفين قصته ،، و كيف أنقلب إلى وحش وتجرد من آدميته بعد شهر من الزواج ،، فكان لا بد من الطلاق.
    أما هذا يا سعاد فأمره عجيب وغريب ومريب ،، بل مريض نفسيا ويحتاج إلى علاج.
    إنه لغز يمشي على قدمين.
    فهو كما تعلمين أيضاً تزوج من امرأة قبلي وأنجب منها طفلين وطلقها ،، و يقول أنها حولت حياته إلى جحيم ،، هكذا قال لي.
    و كما تعلمين ،، عندما تقدم للزواج مني ،، قلت له أنه لا بد أن نعرف بعضنا البعض تماماً لأنني لا أريد أن أكرر التجربة.
    قال أنه يعرفني جيدا ،، و أنه رجل مثل كتاب مفتوح للكل ،، و لا نحتاج إلى وقت طويل للتعارف.
    مكثتُ حوالي الستة أشهر أحاول أن أدلف إلى دواخله قبل أن أوافق عليه.
    بالطبع الظواهر كانت مشجعة جدا ، فأعطيته الضوء الأخضر و تم الزواج.
    يعرف هو تماماً كيف تزوجتُ و كيف تم طلاقي من زوجي الأول.
    و إلى هنا كل شيء طبيعي وعادي.
    ومرت الشهور الأولى كلها شهور عسل ،، رجل حنون و كريم.
    حمدت الله أن عوضني خيراً عن صبري.
    ثم بدأتْ المنغصات تأخذ طريقها إلى حياتي رويداً رويداً.
    فاجأني يوماً بسؤال كان كضربة من فأس على الرأس : أحكي لي عن حياتك السابقة.
    نظرت إليه طويلا قبل أن أقول له : ماذا تقصد ؟
    قال : أقصد حياتك السابقة ،، زوجك الأول ،، كيف قابلتيه ،، و أين ؟ و بقية القصة.
    أجبته : و ما الذي الفائدة التي ستجنيها من حكاية نسيتها وصارت طي النسيان ؟
    قال : أريد أن أعرف فقط.
    قلت : لا طائل من معرفتك لموضوع انتهى أمره و نسيته أنا تماماً.
    فتغير لون وجهه و قال : ذكرى مؤلمة ،، أليس كذلك ؟ لا تريدين نبْش الجراح.
    غاص قلبي بين قدمي يا سعاد وقتها.
    سكتُّ و لم أرد و أنا في حالة ذهول تام.
    قال : أنا مُصِر على سماع الحكاية.
    فقلت في نفسي ،، لأحكي له و لأرى ماذا يريد.
    فحكيت له أنه كان زميلي بالعمل ،، أعجبني خلقه واحترامه و أدبه ،، فتقدم لي و وافقت ثم تزوجنا و عندما وجدته عكس ما كان ،، طلبت منه الطلاق.
    اختزلت الفترة البسيطة التي عشتها مع زوجي الأول في كلمات بسيطة و بالشكل الذي يهمه
    فقال المجنون : ألم تخرجي معه ؟
    قلت بثقة : كثيراً
    قال في بلاهة : و كان يمسك يدك بيده ؟
    لم أرد عليه ،، فسؤاله سؤال مراهق و ساذج لا يجدر أن يطرحه رجل تجاوز الثلاثين.
    فصرخ بأعلى صوته : ردي على سؤالي.
    لم أرد ،، فصفعني على وجهي.
    نظرت إليه ،، فوجدت الندم على محياه ،، حاول أن يعتذر ،، فصددته بعنف.
    هرولت إلى غرفتي و أقفلت على نفسي الباب.
    ما هذا الحظ العاثر يا سعاد ؟
    ماذا فعلت في دنيتي ؟
    طوال حياتي كنت أتمنى أن أجد زوجاً أتفانى في حبه و خدمته ،، و لكن القدر يوقف في طريقي مثل هؤلاء ،،
    الحمد لله على كل شيء
    أختي العزيزة
    أكتب إليك كل هذه التفاصيل حتى تحكيها لأمي و أبي و إخوتي ،،
    لأنني لا أريد أن أحضر ثم يحاصرونني بالأسئلة و سرد التفاصيل.
    إليكِ بقية القصة أختي ...
    تصالحنا بعد عدة أيام بعد وعد منه بأن لا يتكرر ما حدث.
    يتحاشى أن يسألني أي سؤال.
    و أنا أتحاشى أي حديث يأتي على ذكر زواج أو طلاق أو حياتي السابقة ،،
    عشت و كأنني على حافة جرف يطل على واد سحيق ،،
    أيام من التوتر و الترقب و التوجس و القلق.
    لا أنكر ،، أنه طيب و يحبني و يخاف علي ،،
    و لكن ليس من حقه أن يسألني عن حياة مضت و اندثرت ،، كل ما يجب أن يعرفه عني هو أنه عندما تزوجني أنني كنت مطلقة.
    جاء يوماً و هو ثمل بفعل الخمر.
    عرفت أنه ستكون وراء الأكمة ما ورائها.
    قال : أتحبينني ؟
    قلت : إن لم أكن أحبك لما تزوجتك
    قال : و هل أحببت زوجك الأول ؟
    هكذا يا أختي ،، يتسلل من بين الأسئلة ليصل إلى شيء يريد أن يصل إليه و ليشبع بقعة ظمأ في نفسه. لا أدري كنهها و حقيقتها ،، و كأنه يريد أن يعاقبني لأنني تزوجت رجلاً قبله.
    كأنه يريد أن يلعن القدر من خلال تعذيبي بهذه الأسئلة.
    قلت له : لم تتح لنا الفرصة لنصل مرحلة الحب.
    قال : إذن لو كانت هناك فرصة لحدث الحب؟
    قلت من بين أسناني : أفعاله من البداية دلت على أنه شخص لا يمكن أن تحبه امرأة.
    قال : إذن لماذا رضيت به زوجا ؟
    قلت : قسمة و نصيب ،، ثم هل يمكن أن تترك هذه السيرة التي تصيبني بالغثيان ؟
    فال : أرأيت ؟ لأن جرحك لم يندمل لا تطيقين سيرة زوجك الأول.
    قلت بانفعال : أي جرح أيها المعتوه ،، لو كانت هناك جروح لعدت له و هو الذي ظل يلهث ورائي و لم يتوقف حتى ظهرت أنت في حياتي ،، ثم هل تريدني أن أسرد لك كل يوم سيرة حياته حتى أثبت أن جرحي قد اندمل ؟ أي جرح ؟
    و عندما رأى الغضب بادياً على وجهي ،، أنسحب و غط في نوم عميق.
    ظل يمعن في إثارة هذه النقطة كلما سنحت له الفرصة.
    إن لم أجاوب على أسئلته ،، تنتهي المناقشة بمعركة كلامية أو يمد يده بالضرب.
    اعذريني أختي ،، أكتب إليك و عيناي متورمتان من كثرة البكاء على حالتي هذه.
    كان يظن أن هيجاني عند فتح هذا الموضوع سببه حزني على حياتي السابقة رغم أنه يعرف أنني أنا من طلب الطلاق.
    ماذا تسمين مثل هذا ؟ هل أنا أول امرأة مطلقة تتزوج ؟
    لا يدري المسكين أنني أريد أن أنسى كل الماضي و أريده أن يساعدني على النسيان ،، و لكنه من حيث لا يدري يأتي بحياتي السابقة كاملة و يضعها نصب عيني و يبدأ في تشريحها على منضدة شكه و ارتيابه ،، فيصيب الرذاذ قلبي المثقل و حياتي التي بدأت تميل كشمعة صغيرة في مهب الريح على وشك أن تنطفئ نار فتيلها.
    أختي العزيزة
    طلبت منه أن يكف عن مثل هذه الأسئلة لو أراد لسفينة حياتنا أن تبحر دون عقبات.
    قال و هو يمسك بكلتا يدي : ألا تحسين بغيرتي عليك ؟
    قلت في يأس : أتغار من شيء مضى ؟ أقسم لك بأن الرجل لم يحتل أي جزء في حياتي ،، فقد حوّلَ حياتي بعد أيام معدودة إلى كابوس ،، و اعتبرت نفسي لم أتزوج أصلاً ،، و عندما تقدمت طالبا الزواج مني ،، كنت أخطو كل خطوة معك و كأنني أزف لأول مرة. هل تصدقني أم لا ؟
    قال : أصدقك يا عزيزتي ،، و لكنني عندما أتخيل أن رجلاً آخر عاش معك تحت سقف واحد يجن جنوني ،، سامحيني أرجوك.

    قلت : إذن هل يحق لي أن أسألك تفاصيل حياتك الزوجية مع طليقتك ؟ و هل يحق لي أن أغار منها و هي التي عاشت معك أكثر من أربعة سنوات و أنجبت لك طفلين ؟ رد على سؤالي أرجوك.
    سكت و لم ينطق ،، هل أدركت مدى أنانيته يا سعاد؟
    و يظل يكرر حتى أشفق عليه أحيانا : سامحيني أرجوك
    و يطوقني بذراعيه و أحس كأنه يريد أن يبدأ في بكاء مكتوم.
    احترت في أمره.
    يغمرني بحب و عطف.
    ثم فجأة يطلق سهام أسئلته التي تصيبني بالدوار.
    أتعتقدين أنه يحبني حباً شديداً و لكنه في قرارة نفسه الذاخرة بالأنانية نادم على أنني كنت متزوجة من رجل آخر ؟ لو كان هذا صحيحا ،، ماذا نسمي هذا ؟ في اعتقادي هو الجنون بعينه.
    و سارت الحياة بيننا هادئة لا ينغصها شيء ،، و عذرته على أسئلته و ظننت أنني قد أفحمته بكلامي الأخير.
    قال لي يوماً : لم تصرين على ارتداء هذا الفستان دائماً ؟
    قلت : عزيز على نفسي جداً
    قال دونما تفكير : هل أشتراه لك هو ؟
    قلت : من هو ؟
    قال : من غيره ؟ زوجك الأول ؟
    هوتْ كلماته كالمطرقة على رأسي.
    قلت و الشرر يتطاير أمام عيني : ما رأيك أنت ؟ بعد كل الذي قلته لك أتظن أنني أحتفظ بذكرى منه ؟
    قال ببرود يجيده : ربما
    قلت : إذن لا داعي لأن نعيش سوياً.
    قال : أنا أعرف أنك لا زلت تذكرينه.
    قلت : نعم ،، أذكره فقط عندما تذكره أنت ،، الفضل لك أنت ،، تذكرني به دائماً،، و كأنك ليس زوجي ،، كأنك في سباق معه للوصول إليّ رغم أنك زوجي و هو طليقي الذي أجبرتُه على طلاقي ،، أمرك غريب و محير،، هل أسألك سؤالاً ؟ هل تذكر كم مرة قلت لي أن زوجتك قالت و فعلت ؟ و هل تذكر كم مرة قلت لي أنك هاتفتها للاطمئنان على أولادك ؟ لثقتي بك فقط لم تتملكني الغيرة ،، لثقتي بأن حياتك معها كانت لا تطاق لم أسألك عن الموضوع ،، فلماذا هذا الموال الذي تردده كل يوم رغم أنني لا أملك شيئاً أتذكر به طليقي غير أسئلتك عنه ؟
    قال : هل تريدين القول بأنك لم تقضي معه أياما حلوة ؟ ألم يقل أنه يحبك و قلت له بأنك كذلك ؟ ألم تخافي عليه إن مرض ؟ ألم تسهري على راحته ؟ ألم ........ و هل .. و ......
    و انطلقت منه عشرات الأسئلة التي يمنعني حيائي أن أكتبها لك ،، و لكنه لحظتها سقط من نظري نهائياً ،، و لفظه قلبي بلا رجعة ،، و وقفت أستمع إلى صوته و كأنه يأتيني عبر مكبر للصوت في غرفة فارغة.
    أسكتُّه بحركة من يدي و قلت له : رغم أن كل ما تقوله لم يحدث ،، و لكن هب أنه حدث ،، أليس من حقي كزوجة أن أقوم بكل ذلك حيال زوج اخترته بمحض إرادتي ؟ ألم تقم زوجتك بذلك نحوك ؟ ألم تقم أنت حيال زوجتك بكل هذا؟ هل ستتوقف طليقتك عن الزواج لأنها أحبتك يوماً و مارست معك حقوقها ؟ أتريد أن تعاقبني على حياة زوجية فاشلة و تريد أن تجردني في خيالك المريض حتى من أبسط حقوق المعاشرة الزوجية في حياة سابقة ؟ داخل خيالك المريض تريدني، و لكن عقلك الباطن يصور لك بأنني أوزع مشاعري ، تارة له في خيالي ثم لك الآن.
    هل تقصد أنني كمطلقة كان يجب أن تكون علاقتي الزوجية مع طليقي علاقة مع وقف التنفيذ لأن سعادتكم سيأتي يوماً ما بعد طلاقه ليتزوجني ؟ كنت تريدني أن أكون عذراء حتى في مشاعري و تصرفاتي و الوفاء بحقوق الزوجية ؟ هذه ليست بغيرة ،، هذا مرض ،، أنت مريض. تحتاج بالفعل إلى علاج.

    طوال حديثي هذا كان ينهال علي بالضرب حتى تعب هو و ليس أنا ،،
    عرفت أنني لمست موضع الداء فيه و ضغطتُ على أورام مرضه النفسي بيدي ،،،،
    ثم واصلت حديثي :
    طلقني الآن إن كنت رجلاً ،، طلقني و أذهب و أبحث عن زوجة تجدها محفوظة و معلبة في انتظارك و مكتوب على جبينها أنها صنعت خصيصاً لك ،، أو أذهب و تصالح مع أم أطفالك فأنا قد عرفت الآن أنك أنت الذي حول حياتها إلى جحيم.

    و قد كان ، ....... طلقني بهدوء.
    ...

    ها قد عرفت كل شيء ،، فأرجوك أختي العزيزة لا تسألينني شيئاً عندما أحضر ،،
    كما أرجو أن يقرأ خطابي هذا كل أهل البيت حتى يوفروا على أنفسهم مشقة السؤال و الاستماع إلى هذا الجنون ،، و يعفونني من الألم الذي ينهش قلبي.
    محبتي لكم ،، و لا تقلقي سعاد ،، فأنا ما زلت قوية و متماسكة و إيماني بالله قوي و ثقتي في نفسي لا تحدها حدود.
    سلام إلى حين اللقاء.
                  

11-03-2014, 08:15 PM

ابو جهينة
<aابو جهينة
تاريخ التسجيل: 05-20-2003
مجموع المشاركات: 22482

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: من ملفات الإغتراب والمغتربين ( منذ عهد ما قبل سودانيز وإلى يومنا ) (Re: ابو جهينة)

    المصريون ، أطلقوا علينا ( نحن النوبة ) إسم البرابرة ، إنطلاقا من مفهوم معين.
    فقد قام الملك فاروق بتعيين السودانيين في مصر و خاصة النوبة في سلاح الهجانة ، يركبون على الجمال و هم يجرون بالأرض سيطان العنج ، كانوا يحرسون حدود الدولة ، و إن حدث أي هرج أو مرج في القاهرة يطلبهم الملك فاروق فينزلون وسط الدارة و يلهبون ظهور أولاد بمبة بهذه السياط و التي لا يتحملونها. فأطلقوا علينا هذا الإسم تشبيها لنا بالقبائل الهمجية البربرية.
    المهم إنو واحد من البرابرة ، عاش في تلك الحقبة تاجرا ميسور الحال في أم الدنيا ، و كان بعين واحدة ( المتشاءم يقول له أعور ، أما المتفاءل فيقول أنه بعين واحدة )،
    ففكر أن ( يلَغْوِس ) شوية في حياته ، و يعمل تحلية و يتزوج مصرية ( تجعل حياته في الغربة طرية و لينة ). فتزوج واحدة من باب اللوق ، و عاش مبسوطا مفتول الشاربين منفرج الشفتين ، يدخل عليها كل يوم و هو يحمل أكياس الفاكهة و اللحمة البتلو ، و البسبوسة ، و دامت حاله هنية و رضية ، إلا أن دوام الحال من المحال ، فأفلس ، و صار يدخل يوميا على زوجته خالي الوفاض ، فتسأله زوجته و هي تزم شفتيها ( ها ... ما لقيتش شغلة ولا مشغلة ؟ ).
    فيقول و هو كسير العين ( لا ). و إستمر الوضع لبضعة أسابيع ،
    و في يوم فتحت له الباب بحيث ظهر وجهها و صدرها فقط و قالت له : ها ، مافيش جديد ؟
    فقال : لا
    فقالت و هي تخبط على صدرها : يا لهوي ... و كمان أعور ؟؟؟؟؟؟
    و تطايرت ملابسه و حاجياته من البلكونة ، قطعة قطعة ، يلتقطها و عينه الوحيدة تذرف دمعا غزيرا.
                  

11-04-2014, 03:52 AM

Mohamed Foto7li
<aMohamed Foto7li
تاريخ التسجيل: 02-27-2008
مجموع المشاركات: 3080

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: من ملفات الإغتراب والمغتربين ( منذ عهد ما قبل سودانيز وإلى يومنا ) (Re: ابو جهينة)

    متابعة وليك التحية العم جلال
                  

11-05-2014, 05:28 AM

ابو جهينة
<aابو جهينة
تاريخ التسجيل: 05-20-2003
مجموع المشاركات: 22482

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: من ملفات الإغتراب والمغتربين ( منذ عهد ما قبل سودانيز وإلى يومنا ) (Re: Mohamed Foto7li)

    تحياتي فتوحلي
    وين الغيبات
    مشكور على المرور البهي
                  

11-07-2014, 04:31 PM

ابو جهينة
<aابو جهينة
تاريخ التسجيل: 05-20-2003
مجموع المشاركات: 22482

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: من ملفات الإغتراب والمغتربين ( منذ عهد ما قبل سودانيز وإلى يومنا ) (Re: Mohamed Foto7li)

    تحياتي فتوحلي
    وين الغيبات
    مشكور على المرور البهي
                  

11-15-2014, 08:28 AM

مجدي عبدالرحيم فضل
<aمجدي عبدالرحيم فضل
تاريخ التسجيل: 03-11-2007
مجموع المشاركات: 8882

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: من ملفات الإغتراب والمغتربين ( منذ عهد ما قبل سودانيز وإلى يومنا ) (Re: ابو جهينة)

    الريس

    مرور للمطايبة

    والمتعة


    ،،،،أبوقصي،،،،
                  

11-16-2014, 06:46 PM

ابو جهينة
<aابو جهينة
تاريخ التسجيل: 05-20-2003
مجموع المشاركات: 22482

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: من ملفات الإغتراب والمغتربين ( منذ عهد ما قبل سودانيز وإلى يومنا ) (Re: مجدي عبدالرحيم فضل)

    مقدمة : هذه القصة جرت أحداثها أيام كان ( شريط الكاسيت ) يلعب دورا هاما في التواصل في سبعينيات القرن المنصرم، في إحدى القرى النائمة على ضفاف النيل.

    ***
    بعد عدة رسائل إلى زوجها كان يكتبها لها شقيقها الصغير، اعتقدت (سميحة) إلى حد الاقتناع بأنه ربما كان شقيقها لا يستطيع التعبير كتابةً عن كل ما تمليه عليه شفاهةً، أو أنه من المحتمل لا يقوم بكتابة كل شيء و من ثَمّ يختزل كل ما تفصح عنه.
    وبالرغم من أنها تصر عليه بأن يكتب كل شاردة وواردة من كلامها الشفهي، ثم تجعله يقرأ ما كتب، إلا أنها على يقين بأنه غير أمين في نقل أحاسيسها بكل عمقه.
    تشرح له وهي لا تفصح عن كل مكنوناتها وكأنما تريده أن يفهمها ومن ثَم يقوم بتفصيل وتشريح مقاصدها.
    أطلقتْ آهة وزفرة طويلة : الله يرحمك يا أبي، التعليم كان أهم لي من الزواج.
    انطلقت (لبيت الست سعيدة) المعلمة وهي تنوي أمراً حسمته في لحظة حنق وضيق.
    شكتْ إلى الأستاذة (سعيدة) هواجسها من تقصيرٍ مزعوم من شقيقها حيال نقل كلماتها بصدق إلى زوجها، وطلبتْ منها إعارتها ( المسجل وشريطاً فارغاً ). ..
    ابتسمت ( ست سعيدة ) وناولتها ما طلبتْ وشرحتْ لها طريقة إستعماله، ثم مازحتها : روحي قولي كل اللي عاوزاه.
    ليلتها وبعد أن أكملتْ كل أعباءها المنزلية، دلفتْ إلى غرفتها وأغلقته من الداخل وانبطحت على بطنها على السرير الخشبي، ثم تنحنحتْ وتلفتتْ متوجسة وكأن هناك من يسترق السمع.
    قرَّبتْ فمها من المسجل وقالت بصوت هامس: ألو .. ألو .. شريف .. إزيك .... أنت سامعني ؟
    ثم أعادت الشريط من أوله واستمعت إلى كلماتها وهي سعيدة كما لو اكتشفت عالماً مجهولاً تطؤه بقدميها لأول مرة. فهي لأول مرة تسمع صوتها ينبعث من جهاز أصَم.
    ثم بدأتْ حديثها ذي الشجون.
    بدأته بشوقها، وبلياليها الطوال وحيدة تحدق في السقف، ورسائلها التي تشك في صياغتها وفي وصولها إليه أصلاً. ثم تخلل شوقها المبثوث ترديدها لمقاطع من أغنيات جديدة لم يسمعها شريف من قبل، ترنّمتْ بها بكل خلجة من خلجاتها، يمازج غناءها مشروع ضحكة على محاولاتها.
    قالت في غنج :
    ( ما تضحك على صوتي يا شريف .. أوعدك حأبعت لك الأغاني دي في شريط ) ..

    وتواصل التسجيل وهي تفرك قدماً بقدم مستلقية على بطنها تداعب خصلات شعرها المنسدلة أمامها.
    ثم ذكّرتْه بكل من تزوجن بعدها من الفتيات ثم سافرن إلى أزواجهن في الخليج.
    اختتمت الشريط بقائمة طويلة من الطلبات.
    ثم أخرجت الشريط وقبّلته من الجانبين، ولفته بقطعة من القماش وخاطته بخيط متين.
    وفي الصباح الباكر انطلقت به إلى الحاج (سيد) المسافر لأداء العمرة ليسلمه إلى زوجها.
    وقف الحاج (سيد) يلوح بيديه مودعا، ولولا حياءها لهتفتْ بالحاج (سيد) من وسط الجموع أن يضع الشريط جنباً إلى جنب مع ( جواز السفر الخاص به ) إمعاناً في أن يكون محفوظاً ومصاناً.
    ظلتْ تترقب الرد، إما بشريط مماثل، أو أن يبشرها أحد القادمين بأن أوراق سفرها في معيته وحوزته.
    كلما راحت للسلام على أحد القادمين من السفر، تتوقع أن يأخذها منفردة ويهمس لها بالأمل الذي يرقد كجذوة نار في دواخلها
    تتمتم في سرها :
    ( سامحك الله يا شريف، كل القادمين من السفر يعرفون الآن ماذا أتوقع بعد السلام عليهم ) تحاول أن تتذكر كل كلماتها التي سجلتها بالشريط.
    تتأسف أحياناً على كلام لم تقله، وأحياناً على كلمات لوم لم تكن ضرورية.
    وظلتْ تنتظر، وعجلة حياتها رتيبة رتابة أيام القرية وسكانها.
    وذات صباح لن تنساه، ومن آخر القرية، أتى خبر زلزل كيانها فرحاً ..
    فقد بشّرها شقيقها بأن ( إسماعيل) أتى البارحة من الخليج وقال له بأن لديها أمانة معه من زوجها.
    لم تنتظر حتى تكمل بقية أعباءها المنزلية.
    حشرتْ قدميها في أقرب ( حذاء ) ثم انطلقت لا تلوي على شيء.
    ألقت بالتحية على القادم وهي تستحثه بعينيها لكي يعطيها الأمانة.
    ورغم أنها كانت تتوقع خبراً عن سفرها إليه، إلا أن الشريط في يد إسماعيل كان كالكنز النفيس.
    استلمت الشريط ولم تنتظر حتى تكمل كوب العصير المقدم لها.
    أستلفت المسجل مرة أخرى من (ست سعيدة) وهرعتْ إلى غرفتها وأغلقتها من الداخل بعد أن قالت لأمها : لا تنتظروني على الغداء.
    ابتسمت أمها ابتسامة ذات مغزى وهي تشيعها بنظراتها إلى باب غرفتها.
    احتضنت المسجل وحشرتْ فيه الشريط، و جلست القرفصاء وسط غرفتها على سجادة مهترءة.
    خالت الوقت دهراً حتى ابتدأ الشريط يلفظ حديث زوجها :
    ( حبيبتي ونور وعيني وشمعة ظلام غربتي .. )
    إلى هنا رقص قلبها طرباً وتفتحتْ كل مسامه لتستقبل هذا البوح الذي يهدهد كيانها الملتاع.
    وابتلعتْ ريقها مراراً ..
    ثم أعادت الشريط من أوله لتستمع إلى هذه الكلمات الست. فهمستْ : أنا شمعتك يا شريف وسايبني الزمن دة كلو ؟
    ثم واصل صوت زوجها :
    ( سلام كبير وشوق لا يوصف، بشوفك في الشغل وفي السكة وفي البيت وأنا باكل.. أما الأحلام بالليل .. خليها على الله .. لو قلت كل يوم بحلم بيكي يمكن حتعتبريني مبالغ ). ..

    إلى هنا استطاعت أن تسمع دقات قلبها بوضوح تام تسابق الشريط في جريانه، ثم واصل زوجها عبر الجهاز القابع في حضنها :

    ( طبعاً ما حأقدرش أجي السنة دي برضو .. صاحب الشغل مبسوط مني و زاد لى المرتب وحيعوضني بدل الإجازة فلوس .. عشان كدة مش حآجي السنة دي .. سامحيني ).

    غاص قلبها بين ضلوعها .. و لكنها واصلت الاستماع:

    ( قلت لصاحب العمل أنا مقدرش أقعد هنا بدون زوجتي أكتر من كدة . عشان كدة لو سمحت أنا حأستقدم زوجتي تعيش معاى هنا عشان الغربة تبقى طرية شوية )..
    كادت سميحة أن تزغرد .. ولكنها واصلت الاستماع :
    ( الخبر الجميل يا حبيبتي إنو وافق .. و دلوقت إبتدينا نعمل في الإجراءات عشان تيجي هنا جنبي ).
    قبلتْ المسجل عدة مرات واحتضنته ليلاصق وجنتيها المحمرتين فرحاً سروراً.
    ثم واصل المسجل : ( شوفي يا ناهد .. أهم حاجة التوكيل اللي مع (إسماعيل )تسلميه لخالك (الحاج سليم) عشان يقوم بكل الإجراءات .. يعني العقد واستخراج جواز السفر ولما أرسل التأشيرة برضو هو هيقوم بالإجراءات في السفارة )
    اتسعت حدقتا (سميحة) .. بدا لها المسجل وكأنه حيوان له أنياب وأظافر يكشر عن وجه قبيح لينقض عليها ..
    أعادت المقطع من جديد وهي في ذهول، والاسم يتردد صداه في دواخلها كقرع الطبول :
    ( شوفي يا ناهد .. شوفي يا ناهد ؟ ).
    تساءلت بصوت يرتفع تدريجيا : ناهد... ناهد ...ناهد ؟
    إن كان قد أخطأ في أسمها .. فما حكاية التوكيل والعقد والخال سليم ؟
    أعادت الشريط من الأول لتتأكد من أن الصوت هو صوت شريف ..
    ضربتها كلمة ( ناهد ) في قاع نافوخها بمطارق عنيفة، فتحول كل ذلك الكلام الحلو الذي في المقدمة إلى شيء كفحيح الأفاعي، فسحبتْ الشريط مرة أخرى إلى المقطع الذي أطلق عليها رصاصة الذعر ..
    ظلتْ تستمع إلى المقطع حتى حفظته وهي تنظر إلى لا شيء ..
    أفاقت على الطرق المتواصل على باب غرفتها وصوت أمها يقول : سميحة افتحي الباب .. إسماعيل عاوزك.
    هرعتْ إلى الباب وهي تتمنى أن يكون الشريط ليس من شريف ..
    قال لها إسماعيل وهو يبدي قلقاً واضحاً : معليش يا سميحة أنا أديتك شريط مش بتاعك.
    قالت بلهفة يشوبها الأمل : بس دة صوت شريف.
    قال إسماعيل : معليش يا سميحة أديني الشريط .. أنا مجرد موصِّل وبس .. وما على الرسول إلا البلاغ ..
    ظلت سميحة تردد كمن أصابتها هلوسة من جراء الحمى : بس دة صوت شريف .. بس دة صوت شريف يا جماعة. صوت شريف اللي بعرفو وسط مية صوت.
    دخل إسماعيل وأخذ الشريط وهو يضع في حسبانه المشاكل التي تنتظره هنا من أهل ناهد الذين سيعتقدون أنه أراد أذكاء نار القتال مبكراً بين سميحة وناهد .. والتقريع الذي سيناله من شريف عند عودته فقد يظن أنه أعطى سميحة زوجته الشريط عن قصد حتى يفسد عليه موضوع زواجه من ناهد ..
    سميحة .. منذ تلك اللحظة .. كرهتْ هذا الاختراع المسمى ( مسجل ) .. وتنفر جافلة إن رأت شريطاً حتى وإن كان مترعاً بأغانيها المحببة.
                  

12-13-2014, 08:58 PM

ابو جهينة
<aابو جهينة
تاريخ التسجيل: 05-20-2003
مجموع المشاركات: 22482

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: من ملفات الإغتراب والمغتربين ( منذ عهد ما قبل سودانيز وإلى يومنا ) (Re: ابو جهينة)

    ( بورتريه يطابق كل مغترب ومغتربة )

    ***

    وقف أمامها مثقل القلب ، لا يقوى على الكلام .. حاول أن يقول شيئا .. فلم تسعفه الكلمات ..
    فقط سمع كلمة ( يمة ) تخرج منه دون أن يكمل جملة مفيدة ..
    تردد بين إلغاء فكرة سفره و بين التشبث بالصبر و الثبات
    .. (قلبي يقول لى سيب السفر ) ..
    خانته الشجاعة ، فلم يجرؤ على رفع بصره نحو أمه الواقفة لا حول لها و لا قوة منكسرة الخاطر يكاد الألم ينفر من بين جسمها النحيل ..
    عافية منك لله و الرسول يا حشاى.
    تقف و تعابير شتى تعتلج بين حناياها و كأنها تريد إختزال سنوات وليدها المغادر هذا في ومضة سريعة لتكفيها في أيام غيابه زادا يطعم جوع شوقها و لوعتها.
    ( ما تقْطع الجوابات ) .. قالتها بنبرة مهزوزة لا تكاد تسمعها حتى هي ..
    أما هو فقد إمتدتْ به اللحظة لتشمل كل سنوات حياته السابقة ، فوقف تأخذه رهبة الوداع ، يهم أن يقبل قدميها المعفرتين بالتراب. ( دعواتك لينا يُمَة ) ..
    أحس بحفيف ثوبها المغمور برائحة ( التكل ) يتدثره و هي ترفع يديها لتعانقه .. ( أنا ما عندي غيرَك .. خلي بالك من نفسك .. ربنا يحفظك و يعدل طريقك .. )
    إكتسى وجهها بحزن عميق و فاضت عيناها بدمع مدرار حجب عنها وجهه الحبيب ..
    أمسكتْ بوجهه تتفحصه من خلال دمعاتها و كأنها تتملّى من تضاريس ملامحه ،، تأملته و هي تئن أنينا مكتوما يفتت قلبها المرهق و المحزون بأحداث شتى.
    ( لو ما الظروف ما بخليك تفوت يا حشاى ) ..
    إحتبس البكاء في حلقه ، فأرتمى بين أحضانها المهتزة بنحيبها وتشنجها.
    لسعته حرارة دمعها ، فإنطلق يبكي بكاءا بدأ مكتوما ، سرعان ما تحول إلى نحيب و عويل أتى بالواقفين لوداعه خارج المنزل فحالوا بينهما و هي تردد : ( ربنا يردك لى سالم و غانم .. ) ..
    و عندما إبتلعه الطريق .. كأول خطوة في مشوار غربته مجهولة الأمد .. أحس بأن قلبه قد إنزلق إلى أخمص قدميه .. و رغما عنه .. عانق المجهول محاولا أن يسترضيه ليتعايش معه ..
                  

12-22-2014, 06:17 PM

ابو جهينة
<aابو جهينة
تاريخ التسجيل: 05-20-2003
مجموع المشاركات: 22482

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: من ملفات الإغتراب والمغتربين ( منذ عهد ما قبل سودانيز وإلى يومنا ) (Re: ابو جهينة)

    تحياتي اخي مجدي
    ::::::::::

    هذا هو عام 2014 يودع وروزنامته مترعة بالاحداث
    فقدنا اعزاء
    اغترب البعض في المنافي واراضي المهجر
    وعاد البعض لحضن الوطن بعد ان اتخمته الغربة بالاحزان والبعض بالاحباطات
    والبعض يحزم امتعته ليقالد فضاءات الغربة



    يقولون ان الغنى في الغربة وطن، والفقر في الوطن غربة
    مقولة قديمة لا اؤمن بها، فالغربة جسر والوطن مثوى


    نواصل
                  

01-03-2015, 06:22 PM

ابو جهينة
<aابو جهينة
تاريخ التسجيل: 05-20-2003
مجموع المشاركات: 22482

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: من ملفات الإغتراب والمغتربين ( منذ عهد ما قبل سودانيز وإلى يومنا ) (Re: ابو جهينة)

    ( بانوراما الأرض و الترحال )

    ***

    زيادة على طين الأرض الخصبة .. إبتداءاً من ذراتها على السطح ،، نزولاً حتى طبقة منسوب الماء ، ورث عبد الحليم فيما ورَث ، منجل و طورية ، و عدة بقرات و ثورين و قطيعا من الماعز قطعة أرض سيبني عليها بيتا يأويه مع أسرته ،،
    كان العمدة قد حدَد مساحة الأرض عندما وقف و أخذ حجراً و رماه بكل ما يملك من قوة و بكل ما يحمل من إعزاز لوالد عبدالحليم..... و كان مكان سقوط الحجر هو حد مساحة حوشه المزمع بناؤه.

    النخلات ... هذه ( العمَّات ) الحنينات ،، غرس والده ،، و غرس جده ،، و غرس يديه ، ( تأتي أُكُلها بإذن ربها ) في كل موسم دون تأخير أو تقديم ،،

    كالأمهات يأتيهن الطلق في تلك الأيام الخوالي في موعد محسوب بحساب ظهور القمر و إختفائه ،،
    ينجبن أطفالاً أصحاء ، يظل الحبل السري في ( الشافع ) و كأنه لا زال به مربوطا مهما إشتد عوده و قوِيَ ، و كأنه لا يزال موصولاً بأمه لم ينقطع ، يربـطهم بأمـهاتهم حتى بعد أن يكبروا و يتزوجوا و ينجبوا ، فينهلوا منهن تلكم العواطف الجياشة العفوية ، و يشربون عليها كؤؤسا مترعة من نصائح الآباء و حكمتهم ، و تقف الحبوبات كأسفار من الحكمة المَرْوية و المتناقلة بقليل من التحريف و التبديل دون إخلال بالمغزى الدفين.

    تقف النخلات شاهدة على أن ( القساسيب ) الفارعة الطول كأجساد الأجداد العمالقة ، تقف شاهدة على أنها كانت دوماً مترعة بالقمح و الذرة و البتمودة و البركاوي و القنديلة، و شاهدة على أن ( مهور ) كل العرسان في العائلة تم دفعها منها ، و من خيرات الأرض ( صنوان و غير صنوان ،، دانية القطوف ) و من محصول التمر رغم وعورة طبقات (العنباج) و غزارة العشميق و وخزات الأشواك المسننة التي تقف مشْرعة على الجريد.

    نخلاتنا ،، الباسقات ،، تسبح بحمد الرحمن في الغدو و الآصال ،،
    تنادي فتياتنا المتشحات ( بالعفاف و الطرحة ) ،، أن يهززن إليهن بالجذوع ،، ليتساقط عليهن رطبا جنيا ،،
    يدر عليهن طيبة في القلب و سماحة في المعاملة و طعاما سائغا لأطفالهن الذين ما أن ينطلقوا مشياً على الأقدام، حتى تتعلق قلوبهم بالمساجد و الخلاوي و طين الأرض و موية الدمير ، . يلبسون عراريقا مصنوعة من الدمورية و ( الوزن عشرة ( ، و يحْلقون ( نمرة واحد ) و يمشون حفاة الأقدام في عز الهجير ،، يحميهم الرحمن من كل ذات شوكة وعقرب و ثعبان .
    كل الرجال أعمام و كل النساء خالات. ،، يقبلون الأيادي و يلثمون الجباه.
    كما ورث عبد الحليم ، على الجروف أمتارا تمتد حتى داخل النيل ،،
    يطلقون إسم (جَدِه) على الطريق الضيقة الملتوية التي تخترق (اللوبيا ).
    و من خلال المزروع على الجروف حتى مربط المركب ( المُشْرَع )
    و يستمر الإسم ملتصقا بهذا الدرب إلى أن يرث الله الأرض و ما عليها و من عليها.

    جدران البيوت الطينية ،، تحكي طبقاتها ،، جهد الحبوبات و الأمهات و الأخوات و الجارات ،،
    يتجمعن على ( الزلابية و اللقيمات ،، و كفتيرة شاى ضخمة تكفيهن شر الانقطاع عن العمل ،،
    يتجمعن للياسة الجدران و أرضية الحوش ( يتنادين خفافا و ثقالا مثلهن مثل الرجال )،،
    مشمرات عن أكمامهن يختلط عرقهن السائل مع الزنجبيل في أكواب الشاى
    كل طبقة تحكي عن زمن مضى ،،
    و جيل يعقبه جيل ..

    و لو نبش فيها ( عالم جيلوجيا ) و تحدثت الجدران عن مكنوناتها ، لوجد بين طبقاتها قصصا لم تدخل أضابير كتب التاريخ عندنا ،،

    طبقات تحكي عن ( بنات ) مثل السمحة بت العمدة ( سعدية ) أم شلخا ( زى جدول المالية ( ،،
    التي كان التغزل البريء بها مباحا ،،
    حتى صال أكثر من ( جميل بثينة ) في جمالها بتأدب لا يتجاوز خطوط ( الحشمة).
    و جال أكثر من ( كثير عزة ) في صفاتها بفخر و إعزاز ،،
    فيختلط الغزل بالأدب و العشق بالمباهاة في إعتلاج فريد ...

    و لكن شعلة الحب التي تتوهج في قلوب هؤلاء العذارى ،، تظل في القلوب سرا يحرق الخيالات البكر ، يفرهد في الدواخل بأمل يخبو ثم يتقد كفتيل لمبة الجاز في عتمة الحجرة الطينية،،
    حتى يأتي أمر العمدة في فرمان شفوي بأن زواج فلانة من علان بعد الدميرة و حش التمر ، ،،
    فترضى من ترضى و و ترضخ من ترضخ ،،
    و لسان الحال يقول : المكتوب في الجبين لازم تشوفو العين

    و كم من جبين يظل ناصع البياض من لحظة الميلاد و حتى الممات ، و كم من عين رأت مكتوبا لم ترغب فيه و لم ترض عنه.]

    و لوجد أيضاً الباحث فيما يجد لو قام بالتنقيب ،، قصة الداية التي تأتي من طرف الحلة في ليلة ظلماء غاب عنها القمر ، على ظهر حمار ( أعرج ) دونما سرج تعتليه ،، تدلدل رجليها المدسوستين في حذاء ( العروسة المصنوع من البلاستيك اللين ) ، و محتويات شنطة التوليد المعدنية التي تحتضنها ، في ( رجة و ضجة ) تموسقان خطوات الحمار ، و نباح كلاب الحى تزفها لبيت الحبلى ، معلنة أن الداية في مهمة لتضيف رقما جديدا في إحصائية القرية.

    و لوجد أيضا ،، أن شيخ المسيد ،، بزوجاته الأربعة ،، يستل سكينه من ضراعه و يذبح الذبيحة تحت ظل شجرة ، مستقبلا و إياها القبلة ، مبسملا و محوقلا و مكبرا ،، و يرسل في طلب زوجاته مبتدئا بالكبرى ( حفاظا على التسلسل والترتيب الهرمي للإحترام ) و يقول لكل واحدة من زوجاته منفردة في همس و هو يتلفت يمنة و يسرة كمن لا يريد أن يسمعه أحد لشيء في نفسه ، و هو يناولها نصيبها من اللحم :
    هاكي ،، كومك أكبر و أسمح ،، بس ما يشوفنو ضراتك.
    دهاء فطري بدخل في صلب علم النفس.

    يقول هذه الجملة لكل واحدة منفردة ،، حتى تشعر كل واحدة منهن بأنها ( ذات حظوة و دلال عند النصيح حديدو ) ، فتهرول بكنزها الحنيذ إلى ( التكل ) لتتفنن في طبخه و هي حريصة على أن لا تدخل عليها واحدة من ضراتها حتى لا ينكشف (تحيز ) بعلها ..

    و لوجد المنقبون و الباحثون فيما يجدون بين طيات الجدران ،،
    أن المغترب إلى مصر في ذلك الزمان ( الطاعم ) ،،
    كان يأتي سنويا وقت يشاء ( بلا تصاريح للسفر ) ،
    يعود محملا بصندوق إسكندراني خشبي ( السحارة ) ، و هو غاية الإغتراب و منتهى الأمل في ذاك الزمان البهي،،
    فيوزع الكولونيا ،، و الصابون و ( القمر الدين )،،
    و أقمشة ( غزل المحلة ) ،، و أقمشة ( الكرب روبر ) و ملاياتها ،،
    و يوزع عشرات الرسائل التي أتى بها من هناك ،،
    و يأخذ هذه على إنفراد و يقول لها وصية شفوية من زوجها ،،
    و يأخذ ذاك في ركن قصي لينقل له رغبة إبنه في الزواج من تلك،،
    فيحتفي به الرجال بدعوته على ( زير مترع بمشروب الدكاى ،، أو النبيت المدفون في باطن الأرض شهورا )
    فيتحكر في الجلسة و هو يحكي مغامراته و صولاته و جولاته ،،
    و يندفع يضيف من خياله الكثير كلما سمع إستحسانا من الحضور ،،
    و تتوالى الدعوات من هنا و من هناك ،،
    و يمتلىء بيته بالحملان و العتان و الدجاج و البيض ( في تكافل لا نظير له )

    و لوجد الباحث والمنقِّب أيضا فيما يجد ،،
    قصة الحزن الذي خيم على أهل القرية عندما إنقلبتْ المركب في عرض النيل ،،
    و غرق عدد كبير من الفتيات الصغيرات ،،
    و كأن النيل لا زال يرغب في ( قرابينه القديمة ) فأبتلع هذه الزهرات ، فكان في كل بيت مناحة ،
    و في كل قلب جرح بليغ ،،
    يجتر أهل القرية هذه الذكرى الأليمة ، كلما فردوا شراع مركب يمخر عباب النهر الخالد ،
    و كلما غضبتْ الأمواج فأرتفعت مزمجرة تلطم جوانب المركب الخشبي فيتطاير الرذاذ على الوجوه ، و كأنها تنذرهم بأنها لا تزال عطشى للمزيد.

    ذلكم هو عبد الحليم .. يوم أن مات والده ،، و ترك له هذا الميراث الذي لا يقدر بثمن ،، و هذه اللوحة الأزلية التي لم تتغير ألوانها على مر الزمان.

    و تمر الأيام على ضفاف النيل ببطء لا يجارى سرعة دولاب الحياة في بقاع أخرى من المعمورة ،،

    تمر بتراخٍ ، كبطء قواديس الساقية تجرها بقرة حردانة يلهب ظهرها سوط الصبي التربال المدندن بالغناء ،
    بطاقيته الحمراء المهترءة و الساقية تئن في إيقاع سيمفوني مع صوته الشجي.

    و ذنب البقرة الحرون يروح و يجيء ليهش الذباب و كأنه عصا ( مايسترو ) يقود كورال الساقية و التربال.

    من القرية ... سافر سعد ، و جبر الله ، و حامد ، و سر الختم ،، وود نقد وعبد اللطيف وجابر ...
    كلهم سافروا للحاق بركب الكسب السريع و العودة بحقائب تبهر الفتيات ،
    و ليضوع منهم عطر ( البروفيسي و عطر الكاشيت) ،
    و تتوهج على معاصمهم خواتم الذهب و الفضة و ساعات ( السيكو و الأورينت ) ،،
    و ليعتمروا عمائم من ( التوتال الإنجليزي وارد عبد الصمد )
    و ليوزعوا علب الماكنتوش و علب البنسون و ولاعات الرونسون و تياب ( أب قجيجة ) و بخور ( الند ) وارد باب شريف بجدة .. ...
    و ( عبد الحليم ) صامد لا تغريه المغريات ،
    قناعته فريدة ...
    متشبث بأرضه ،،
    حفرتْ أصابعه علامات صبره على مقبض المنجل و الطورية ،
    و تزين راحتيه طعنات أشواك النخيل و آثار فتْل الحبال .
    الشقوق في كعبيه و قدميه غافل عنها و عن صغائر أخرى.

    صلب كصخور ذلكم الجبل الذي يقف شاهدا على أن أحد أحفاد أولئك العمالقة ، ما زال يحمل في جسده جينات الصمود
    يقاوم قساوة السموم ،،
    و يكرع من ماء النيل العكران بالطمي ،
    و لا يشتكي من ( إلتهاب في المعدة ) أو ( جفافا في البشرة ).

    و رغم هذه الصلابة في العود و هذه القوة في الشكيمة ،،
    إلا أنه يحمل بين خافقيه قلبا عامرا بالحب و الوفاء لأرضه و لأهله.
    يأتي المسافرون ،،
    تنبهر الفتيات ،،
    تفرح الأمهات ،،
    تحبل الزوجات ،،
    تنطلق الزغاريد في زخات معلنة عن زواج ،،
    ثم تعود كل هذه الطيور المهاجرة لمنافيها.

    و عبدالحليم ،، يستقبل ،،
    و يكرم الوفادة ،،
    و يودع ،،
    ليعود و يستقبل ،،
    حركة مستمرة في دولاب أيامه ،،
    كحركة مواسم الزراعة ،، المحصول تلو المحصول و كحركة النهر الخالد ،، فيضان و إنحسار.

    كل من وقف و حمل معه الطورية سافر و هاجر ،،
    تركوه لهذه الأرض ،،
    يفلح قدر إستطاعته و قدر طاقته ، يحمد الله إن تغدى ببضع تمرات ،، و يشكر الله إن تعشى ( بقراصة يطفو عليها السمن و الحليب ).
    حاولوا أن يأخذوه معهم ،،
    و لكنه رفض ،
    و إستنكر محاولاتهم المتكررة ،، و دائما ما يقول لهم و هو يحدق في النهر عبر فرجات النخلات :

    أنا و النخلات دي واحد ،، عروقنا ضاربة جوة الأرض و واصلة لغاية النيل .
    لو ما غرفْت من موية النيل بإيديْ ديل و شربت ،،
    و لو ما أكلت الدفيق المنقرو الطير ،،
    و لو ما دخل جوفي الهوا الجايي يهفهف بين سعفات النخيل و قناديل العيش.
    ما بحس إني عايش

    و يتواصل عشقه لطين الأرض ..
    و نخلاته
    و جروفه ..
    تنتظره محاصيل المواسم .. أو ينتظر هو مواسم المحاصيل ..
    كلاهما سيان ..
                  

01-07-2015, 09:13 PM

ابو جهينة
<aابو جهينة
تاريخ التسجيل: 05-20-2003
مجموع المشاركات: 22482

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: من ملفات الإغتراب والمغتربين ( منذ عهد ما قبل سودانيز وإلى يومنا ) (Re: ابو جهينة)

    عودة
                  

01-08-2015, 08:46 PM

ابو جهينة
<aابو جهينة
تاريخ التسجيل: 05-20-2003
مجموع المشاركات: 22482

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: من ملفات الإغتراب والمغتربين ( منذ عهد ما قبل سودانيز وإلى يومنا ) (Re: ابو جهينة)


    ( عروس ... ) ..

    ****

    الوجوه الكثيرة التي كانت في إستقبالها بالمطار حجبتْ عنها أفكارها المشوشة التي إنتابتها منذ أن عرفتْ أنها ستأتي إلى الرياض عروساً لرجل لم تره و لم تسمع صوته حتى.
    لا تعرف عنه شيئاً غير أنه أحد أقرباء صديقتها التي دعتْها الصيف الماضي لعرس شقيقها ..
    عانقتْ في المطار أشخاصاً لا تعرفهم .. نساءاً و رجالاً ...
    كثيرون نادوها بإسمها و هي لم ترهم من قبل ... فتهمهم بالرد ..
    كلمة ( مبروك ) كانت تتنامى إليها بلا معنى ...
    علامة إستفهام كبيرة تقف بينها و بين ( البركة المدلوقة من الكلمة ) و بين ( العريس ) ..
    عشرات التفاصيل و الأسئلة المُشْرعة تقف دونما إجابة..
    عندما نصحتْها إحدى صديقاتها المقربات بأن لا تقبل بمثل هذه الزيجة .. ضاعت نصيحة الصديقة وسط زخم الهجوم الذي تعرضتْ له .. بل إتهموا صديقتها بأنها تحسدها على هذا العريس ...
    و عندما إعترضتْ على الطريقة التي ستذهب بها ( كحقيبة مشحونة جواً ) لرجل لا تعرف عنه أي شيء سوى أنه مغترب و مقتدر .. ضاع إعتراضها أيضاً وسط قناعات كثيرة ..
    فالبيت يعج بإخوتها من البنين و البنات ..
    و حال والدها يغني عن السؤال ..
    و إنهال الثناء على ( العريس اللقطة ) ..
    وأنها محظوظة ...
    و .. , و ...
    ليلة العرس .. و في صخب الحفل .. كانت كمن ينظر إلى مشهد من خلال نافذة زجاجية مغلقة ...
    تبتسم إبتسامة حذرة .. و أحياناً مصطنعة.
    تتنقل نظراتها بين الحضور .. لتستقر من طرف خفي على عريسها ..
    كان ثملاً .. لا تدري إن كان من الفرح أم بفعل شيء آخر ..
    يتحاشى النظر إليها .. يهرع إلى أمه من حين لآخر و يهمس في أذنها بشيء و يعود مقطب الجبين.
    يكتنفها أكثر من سبب لقلق متناهٍ .. أقلها ليلة الدخلة و تجربتها المقبلة للإنتقال من حال إلى حال.
    صباح اليوم التالي ..
    زال جزء من قلق ... بل قلق لم يكن له داعٍ ...
    أيمكن أن يكون هذا هو الذي كال له الجميع الثناء ؟
    أيمكن أن يكون هذا هو قالوا أن كثيرات سيحسدْنها عليه ؟
    الحقيقة الوحيدة التي وقفتْ عارية هي مقدرته المالية ..
    أما بقية الأشياء .. فقد إختزلتْها تلك الليلة في بضع ساعات لتعرف أنه لا يملك شيئاً غير هذا الثراء.
    حينها تيقنتْ أنها تستحق نتيجة طريقة مجيئها ....
    و تبدتْ لها الغرفة الواسعة كسرداب يملؤه صدى أصوات ليلة الأمس و الزغاريد و كلمات الوداع في المطار هناك وعبارات الترحاب هنا ... و همهمات هذا الجسد المسجى بجانبها ..
    أصابتْها حالة من الدوار ... فراحت في نوبة بكاء مكتوم.
                  

01-10-2015, 10:18 AM

اخلاص عبدالرحمن المشرف
<aاخلاص عبدالرحمن المشرف
تاريخ التسجيل: 03-04-2014
مجموع المشاركات: 10314

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: من ملفات الإغتراب والمغتربين ( منذ عهد ما قبل سودانيز وإلى يومنا ) (Re: ابو جهينة)

    انكساراتنا , انتصاراتنا واشياءنا الصغيرة
    سفر بني سودان بدفتيه عظات وعبر . ما مررنا به وحفر في وجداننا = ف وضعناه حلقة في ودانا=
    بعضه رسم بسمه وكثير خلف غصه


    استاذي ابوجهينه تجرأت ف كتبت وفي بوست قاص بارع مثلك هذه جسارة
                  

01-10-2015, 12:12 PM

ابو جهينة
<aابو جهينة
تاريخ التسجيل: 05-20-2003
مجموع المشاركات: 22482

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: من ملفات الإغتراب والمغتربين ( منذ عهد ما قبل سودانيز وإلى يومنا ) (Re: اخلاص عبدالرحمن المشرف)

    تحياتي اخلاص
    ولك الشكر على المرور البهي

    اما بعد
    فان كلماتك هنا :

    ::::


    انكساراتنا , انتصاراتنا واشياءنا الصغيرة
    سفر بني سودان بدفتيه عظات وعبر . ما مررنا به وحفر في وجداننا = ف وضعناه حلقة في ودانا=
    بعضه رسم بسمه وكثير خلف غصه

    :::

    كلماتك وضعت اطارا لكل قصص ملف الغربة هذا
    بل جمعت كل المحطات هنا في بورتريه واحد
    دمتم
                  

01-28-2015, 08:26 PM

ابو جهينة
<aابو جهينة
تاريخ التسجيل: 05-20-2003
مجموع المشاركات: 22482

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: من ملفات الإغتراب والمغتربين ( منذ عهد ما قبل سودانيز وإلى يومنا ) (Re: ابو جهينة)


    والدي العزيز
    لك تحياتي وأسمى آيات تقديري ومحبتي ...
    عذراً لتأخير إرسال خطابي هذا لك..
    فقد إستغرق الحصول على سكن مناسب وقتاً طويلاً ..
    ثم غرقتُ في تفاصيل إجراءات التسجيل للجامعة ..
    وعشرات التفاصيل الأخرى التي لا أريد أن أزحم بها رأسك ..
    والدي الحبيب .. شوقي إليك لا يوصف.
    أرجو أن تقرأ رسالتي هذه بعناية و أن تتفهم دواعي لهجتي هنا ..
    فالقلب مثقل و لا بد من فضفضة...
    لم أكن متأكدة من أنك ستوافق على سفري وحدي بهذه السرعة ودون أي إعتراض ..
    بل أصابني الذهول لسرعة إستجابتك لرغبتي في السفر.
    فقد رفضتَ من قبل وبإلحاح سفر أخي غير الشقيق عندما توسل إليك هو وأخواله لتوافق على سفره للدراسة بالقاهرة ..
    القاهرة التي على مرمى حجر يا أبي .. كان إصرارك عنيفا على عدم سفره إليها ..
    ولكن حيرتي تبددتْ فيما بعد ...فلم أندهش بالطبع عندما وافقتَ على سفري وحيدة إلى هذه الأصقاع البعيدة .. إلى لندن.
    جاءت موافقتك سريعاً و دون تردد ...
    إختزلتْ موافقتك كل التوسلات التي كنت أنتقي كلماتها أياماً طويلة ..
    نعم ... لم أندهش لموافقتك السريعة ..
    و لكن ..
    موافقتك على سفري .. تعرف أسبابها ..
    فأنت تزيح عن كاهلك كل خيط يبعد عنك الشبهة التي ربما تلازمك طوال حياتك إن تم الكشف عن المستور ..
    وأرجو أن تغفر لي ما سأقوله إن كان يدخل في نطاق العقوق أو التطاول يا أبي ..
    فأنا أعتز بك جداً .. وتتطاول قامتي لتعانق السماء لأنك أبي ..
    وسأظل أعيش مفتخرة بإنتسابي إليك .. فأنا ظفر في لحم أصبعك ..
    وقبل أن ألِج هذا الأمر .. أقول لك بأنك يا والدي قد إرتكبت ذلك الخطأ الفادح في حياتك ..
    وأعذرني يا أبي مرة أخرى ..
    فأنت سليل الحسب والنسب .. إبن الأسرة العريقة ..
    ورثتَ عن أبيك وأجدادك عزاً وجاهاُ .. وأسم أسرتك له وقْع الطبول.
    ثم زوجوك إحدى بنات أعرق الأسر التي توازيك نسبا وحسبا ..
    كنتما كفَرَسِىْ رهان ..
    أنجبتما البنين والبنات .. يحسدكما الكثيرون عليهم ..
    أتتْك الدنيا طواعية .. ووهبك الله كل شيء ..
    فكيف أتيت بي ؟
    أقصد لم أتيت بي إلى هذه الدنيا ؟ كان يكفيك ما أنت فيه من نعيم دانٍ وعز وافر .. وزينة الحياة الدنيا.
    هذا سؤال تعرف أنت إجابته تماماً كمعرفتك راحة يدك ..
    أنا لي رأى آخر .. قد يغضبك .. ولكني لن أعيش به بقية عمري ..
    سيثقل كاهلي إن لم أبُحْ به إليك ..
    وأنا مصممة على أن لا أموت و هو في جوفي ينحرني ليل نهار ويذبحني من الوريد إلى الوريد.
    أنا يا أبي ثمرة طيشك وعدم مبالاتك ..
    فقد أتيت بي لهذه الدنيا بسبب نزوة من نزواتك .. وبسبب مزاجك العالي ..
    سامح الله أمي.
    أنا لا أحتقرها .. ولا ألومها ..
    فهي نسيج مختلف تماماً عنك.. دفعتها ظروفها أن تكون أحد أسباب توفير مزاجك العالي .. رحمها الله ..
    بهرْتها بجاهك .. أغدقت عليها مالك .. ملكتها بحلو لسانك ..
    فهل خدعتها يا أبي ؟ هل وعدتها بشيء ثم أخلفت وعدك ؟
    يتعبني الآن أنني لا أعرف عنها شيئا ..
    أستحلفك بالله أن تحدثني عنها و أنا الآن بعيدة عنكم وأنت في مأمن من كل ما يكشف سرك العظيم.
    لا أعلم كيف تزوجتها سراً .. و لا أريد أن أعرف الآن ..
    ولكن الذي أعرفه يا أبي أنك تزوجتها ربما درءاً للفضيحة بعد أن تكورتْ بطنها معلنة بداية الخطيئة والخطأ .. لتضمن بذلك سكوتها الأبدي ..
    ودرءاً لإنتشار الفضيحة بين أهلك وأسرتك .. أليس كذلك ؟
    وأخذْتني عندك .. وأنت تعلم مجريات الأحداث .. تعلمها يا أبي ..
    أنكرتَ أولا أبوتك لي ..
    وقلت للجميع أنني يتيمة تود كسب الأجر والمثوبة بتربيتي ..
    وأنا وقتها صغيرة لا أعلم لِم أنا بعيدة عن والدتي و بين أسرتك التي لم ترحب بي كثيراً ..
    ثم أفضيتَ إلى زوجتك بالسر الدفين في لحظة ندم ربما، فتغيرتْ معاملتها لي. بل تغيرتْ كلياً ..
    رغم أني لم أعلم سر التغيُّر في معاملتها وقتها .. إلا أنني أعتقد بأن الله يحبني فقد ألهمني صبراً جميلاً ....
    أفرغتْ زوجتك كل حقدها على ضرتها في شخصي .. و لولا لطف الله بي .. لكنت مشردة لا أعرف أسرة أو أهلاً .. و لا أدري أين كان سينتهي بي المصير ..
    وتحت سمعك وبصرك جرتْ أمور ستظل محفورة في ذاكرتي أبد الدهر ..
    أمور أقل ما أصفها بها الآن أنها توصمك بالظلم الفادح .. والظلم المر .
    كأنك بسكوتك تجعلهم يعاقبونني على ما إقترفته يداك عن الظلم الذي كان يقع على..
    عاقبتَ نفسك في شخصي ..
    لا أكرهك .. لسببين :
    لأنك والدي ...
    ولأنك يوماً ما كنت ترتبط مع والدتي رحمها الله برباط مقدس .. رباط لم تعطه كل حقوقه المشروعة.
    سامحك الله ..
    كانت هناك جذوة عميقة داخل روحي تقول أنك أكثر من مُحسن و كافل يتيم..
    كنتُ أسهر لحين عودتك وأذهب لفراشي بعد دخولك غرفتك .. كنت أغضب في دواخلي حينما تتطاول زوجتك عليك ..
    وأطرق مكسورة عندما أراك منهزماً أمامها ..
    و لكن .. أرَّقتْني كثيراً ولسنوات طوال أمور شتى ..
    فأَن أنام دون عشاء عقابا لتقصيري بسبب الإرهاق أو التعب ، فهذا لم تعرفه لأنك كنت تأتي مخدراً ومخموراً و تُساق إلى مخدع زوجتك سَوْقاً ..
    أن أُعاقَب يومياً على أخطاء الآخرين .. فهذا كان يفوتك لغيابك طيلة ساعات النهار ..
    ولكن أيعطيك هذا العذر لكى لا تناديني وتمسح على رأسي وتسألني إن كنت أشكو شيئا ؟
    ألم تستيقظ فيك يوماً عاطفة الأبوة ؟
    أيعطيك هذا العذر حتى لا تفرق بين ما كنتُ ألبسه و ما كان تلبسه أخواتي ؟
    أيعطيك هذا العذر حتى لا تراني أيام راحتك في المنزل وأنا منحنية أقوم بكل أعمال البيت بينما إخوتي حولك في صخب طفولي كنت أرمقه من طرف خفي وبداخلي سؤال يكاد يكتم أنفاسي ؟
    سؤال كان دافعه شعور خفي بأنني جزء منك ..
    أذكر سنوات طفولتي فأصاب بغصة تكاد تفقدني صوابي ..
    ستبقى تلك الأيام كالشرخ يدخل منه صقيع عطش أيامي وجوع لياليها الطوال.
    أحمد الله أن أعطاني القوة و الصبر ..
    لا أود أن أؤنبك الآن ..
    فلا فائدة أجنيها بتأنيبك ..
    يكفيك صراعك الداخلي الذي عشته و تعيشه و ستعيشه.
    كان من الأفضل أن تتركني في حضن أمي .. أو حضن مَن على شاكلتها بعد موتها ..
    ما معنى أن أقتات الفتات في منزل أبي ؟
    ما معنى أن ألبس أسمال إخوتي ؟
    إخوتي ؟
    يا للسخرية .. هم يعرفون فقط أنني يتيمة تعيش على إحسان الأسرة ..
    الذي أعرفه أن الأبوة لا تتجزأ ... لا تفرق بين لحم ولحم ..
    وليس هناك لونين للدم الذي يجري في العروق.
    فكيف طاوعك قلبك على أن تجعلني أعيش دور المقطوعة من شجرة وسط إخوتي ..؟؟
    بينما زوجتك التي تعرف الحقيقة تُشْهِر لك سلاح الفضيحة كلما حَنَ قلبك أو لُمْتَ نفسك على سوء معاملتها لي ؟
    فكيف إستطعتَ أن تصبر كل هذه السنوات لتخبرني بالحقيقة؟
    ليتك لم تخبرني .. ليتك تركتني أحبك فقط لأنك الذي أحسن إليّ بعد موت أمي.
    أتدري ما الذي أحسست به عندما أخبرتني بالحقيقة و أنت منتشي بفعل الخمر ليلتها ؟
    إمتدتْ يدي لتصفعك ..
    نعم ..
    أصدقك القول .. إمتدت يدي لتصفعك ..
    ولكني أحسست أنها ملتصقة بي تماما لا حراك بها .. وأحمد الله على ذلك أيضاً.. فقد منع الله عني جريرة كبيرة.
    لم تتركني زوجتك أكمل النظر إلى تعابير وجهك و أنت تكمل إعترافك الهزيل المبتور ..
    فقد سحبتْك وكأنك طفل يجرجرونه إلى فراشه ..
    وصباح اليوم التالي .. خرجتَ لا تلوي على شيء .. لم تطق حتى النظر في وجهي و أنا أزاول عملي اليومي.
    يا لها من ليلة .. تلك الليلة ..
    لم يغمض لي جفن ..
    كانت الصدمة أكبر من عقلي و أنا في بداية مراهقتي أكابد ما أكابد ..
    فكرت في الهرب .. ثم أحجمتُ متعلقة بأهداب محبة قد تأتي بعد هذا ..
    ولكنني كنت واهمة ..
    أرقبك من فرجة الباب في غرفتي الكئيبة و أنت تترنح تدلف إلى غرفتك مسنوداً عليها ..
    رحمك الله يا أمي ...
    لا أعرف كيف وافقتْ زوجتك أصلاً على دخولي المدرسة ..
    و هذه محمدة أضعها في ميزان أعمالها الفارغ تماما.. وكرم منها رَسَمَ خُطى حياتي ..
    و ربما قصدتْ أن تشغلني عندما أكبر بشيء حتى لا أواجهها أو أطالب بأشياء تراها هي أنها ليس من حقي ....
    و لكنني وقتها كنت قد قررت أن أواصل حِفْظ سرك حتى لا تسقط من نظر أهل زوجتك وأهلك ..
    أرأيت كيف كانت معادلتي صعبة وشائكة ..
    تفوقي الدراسي منذ البداية كان سببه أن أرد لك الجميل كرجل يحسن إلى يتيمة.
    ثم إزداد تفوقي بعد أن عرفت الحقيقة التي أخفيتها حتى عن إخوتي أنت وزوجتك ..
    حاولت كثيراً أن أجلس جلسة مصارحة مع إخوتي .. ولكنني أضعف دائما أمام توسلاتك ..
    فكن مطمئناً .. لن أحدثهم ..
    حتى و أنا بعيدة عنهم الآن لن أفشي سرك حتى لا تتغير نظرتهم إليك ..
    و لكن .. أرجو أن تسمح لي بأن أقول لك .. بأن لا نية لي في العودة ..لا نية لي أبداً ..
    إن كان في العمر بقية ربما أراك مرة أخرى .. أرجو أن تزورني أنت ..
    ورغم كل شيء .. قبلاتي لك ولإخوتي.. ولزوجتك ...
    أسامحك أبي .. أسامحك ... من كل قلبي .. وسأدعو لك ..
    أطلب الرحمة لأمي ..
    وأغفر لي تطاولي ..
    سأكتب لك دائما ..
    إبنتك ...
    سماح
                  

02-22-2015, 11:50 AM

ابو جهينة
<aابو جهينة
تاريخ التسجيل: 05-20-2003
مجموع المشاركات: 22482

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: من ملفات الإغتراب والمغتربين ( منذ عهد ما قبل سودانيز وإلى يومنا ) (Re: ابو جهينة)

    قواسيب المقال من حصاد الترحال :

    ***
    ساقتني الغربة أول ما ساقت .. إلى الخليج.
    و لولا نفر كريم من أبناء جلدتي وقتها ممن حقنوا أنفسهم بترياق المنافي ، لولاهم لولّيت الفرار من أول شهر ..
    فقد خففوا وطأة الغربة و هجير البعاد عن أرض الوطن .. ( يعزونني بكلمات و عيونهم تنضح بالتوق للوطن و بالشوق للارتماء في أي ركن من أركانه ).
    فكانت هذه المرحلة نقلة نوعية في نهج الحياة.
    في شمال البلاد ، حيث مسقط رأسي الذي لم أتشرف بزيارته إلا بعد أن ترسّختْ في ذهني قناعة بأن أتبرا هي موطني و مسقط رأسي .
    ثم توغلتُ في أرض الشمال العريق ، كمعلم في مدارس منطقة حلفا و أرض ( السكّوت ) و دنقلا ثم أتبرا و الدامر ثم إلى حلفا الجديدة.
    عام 1978م كنت قد صممت على ارتياد معهد الموسيقى لتنمية موهبة تلازمني منذ الصغر ، و هي موهبة العزف على آلة العود ، فجلست لاختباراته و لم أنتظر حتى النتيجة. عدت إلى حلفا الجديدة ، عدت إلى حميمية أهلها الذين تحس و كأنهم لا زالوا ضيوفاً على أرض البطانة.
    و من ( حلفا الجديدة ) إلى عتامير نجد بلا أي تخطيط مسبق ، هو بلا شك نقلة نوعية تمتد إلى كل مناحي الحياة. بل هي كالصفعة على حين غرة.
    فأنا أبن طينتي متشبثٌ بها أعمق ما يكون التشبث ، تنغرس روحي في أماكن و بلدات لها عبقها حتى و أنا أقبع في ذلك الزمان في ( دنفر كلورادو ) أو محاولاً تعلم التزلج في ( آسبن بكلورادو ) ، أقارن أعمدة ( التليفريك ) التي تنقل المتزلجين و المتزلجات ما بين الجبال التي تكسوها الثلوج ، أقارنها بأعمدة مصنع أسمنت أتبرا الواقع على طريق ( أتبرا و الدامر ) التي تنقل صخور الجرانيت من الضفة الغربية إلى المصنع بنفس مبكانيكية ( التليفريك ).. و شتان بين المنقولين هنا و هناك.
    الغربة في الخليج تعطيك نوعاً من الركون إلى اتخاذ قرار بالعودة في أي وقت تشاء ، و أرتال المقيمين بها يعطونك نوعاً من إلفة رغم القلق البادي على الوجوه من انفصام داخلي سببه تغيير أنماط الحياة و التقيد بقوانين لم يألفوها ، و الساعة البايولوجية تعمل باستمرار وِفْقاً لما كانت عليه في ( حي أمبكول ) بأتبرا أو في ( بري اللاماب ) بالخرطوم ، بنفس تروسها وعقاربها و روزنامتها المغموسة بتوابل البلد و مياهه.
    و لكن في الغرب الأقصى ، يتملكك إحساس بانسلاخ غريب فتنتابك حالة من تقريب الرؤى قسراً بين حشود الاندهاش اليومي و في كل لحظة ، و تكون في حالة مقارنة كل شيء بكل شيء هناك في مراتع البلد.
    ثم جاءت المرحلة الأخرى من الهجرة .. إلى أوروبا الغربية بمدنها الساحرة ( باريس . لندن . فيينا . جنيف. مدريد. البندقية. أثينا. روما ، لوس أنجلوس .. آخن . ) ..
    فكان الانبهار بكل ما تحمل هذه الكلمة من معنى ..
    و تلاشت رويدا رويدا مرارة الاغتراب .. و بقيتْ فقط أجراس الحنين تقرع في الذاكرة ..
    و استمرأت السفر ، و التنقل من فندق إلى آخر .. أتحقق من دروس الجغرافيا و التاريخ التي تسكن قاع ذاكرتي ..
    أذكر عندما وقفت لأول مرة في ( البيكاديللي ) أحدق في متحدث يتجمع حوله خليط من البشر من كل أركان المعمورة ، تذكرتُ أستاذي ( كمبلاوي ) عندما كان يقول لزميلنا الذي كان يكره حصة الإنجليزي كراهة الموت :
    يا حسين إنت حقو يودوك البيكاديللي ، غصبا عنك كنت حتجينا لاوي لسانك.
    كنا نظن أن البيكاديللي مدرسة صارمة لتعليم اللغة الإنجليزية.
    وقفت متسمرا أمام الشقراوات و العيون الزرقاء. أقارن هذه بمارلين مونرو و تلك بصوفيا لورين.
    أعود كل شتاء إلى السودان .. أطفئ عطش الشوق و أنا أتحرق للعودة لكى أنهل المزيد من ذلك الترف الحضاري. أدمنت مكتبات لندن و مقاهي الشانزليزيه و بحيرة جنيف
    وأحببت الاتكاء على الجندول في البندقية و ارتبطت بعُري المودة مع شواطيء Costa Del Sol في ماربيا على شواطئ الأندلس الإسبانية.
    ثم جاءت مرحلة شد الرحال إلى أمريكا في منتصف الثمانينات ..
    هناك تشعر بأنك قد تمددتَ و صرت في أتساع صحاري نيفادا و أن قامتك صارت في علو جبال وادي السيليكون.
    عند زيارة ( ديزني لاند ) لأول مرة تذكرت أتبرا و دخول أول سيرك هندي لها.
    و عند زيارة استوديوهات هوليوود .. استرجعت في مخيلتي كل أفلام ( الويسترن ) ..
    (ستيف ماكوين) .. و (أودي ميرفي) الذي كنا ننطقه في حواري أتبرا ( وَد ميرفي ) و كأنه آتٍ من قرية (كنور) أو (التميراب) ..
    لم تغيرنا الغربة .. و رغم الفوائد التي تم حصدها في بعض المناحي .. إلا أنها خلفتْ الكثير من المرارات و جراحا لا تندمل ..
    و أورثتْ النفس خواءا سببه الجوع الذي طال لتلك الأيام التي غبناها عن أحشاء الوطن ..
                  

03-08-2015, 11:28 AM

ابو جهينة
<aابو جهينة
تاريخ التسجيل: 05-20-2003
مجموع المشاركات: 22482

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: من ملفات الإغتراب والمغتربين ( منذ عهد ما قبل سودانيز وإلى يومنا ) (Re: ابو جهينة)

    بيت البكا في كاليفورنيا

    إهداء إلى الزميل و الأخ ( ترهاقا ) أحمد ساطور و أم علاء

    أغسطس 1992م .. لوس أنجلوس .. كاليفورنيا

    يقدم رِجْلا و يؤخر أخرى أمام باب شقته في لوس أنجلوس ..
    مد يده ليفتح الباب ..
    تراجع عن الفكرة ..
    هل يتصل بها بالهاتف و يخبرها بالخبر المحزن ؟
    و لكنه قال لها أنه قادم للشقة ..
    رغم أنها سألته : ليه صوتك متغير ؟ في شنو ؟
    إلا أنه راوغها و قال أنه في الطريق ..
    وقْع الخبر لا زال يصك مسامعه .. ( البركة فيكم .. والد زوجتك توفى ) ..
    خبر الموت في الغربة له قرع الطبول الجوفاء ..
    ينزل عليك الخبر فيشل حركتك .. فتتنازعك عدة أحاسيس في آن واح .. الحزن القاتل على الميت و أنت بعيد عنه .. و منظر الباكين هناك من الأهل و الأحباب .. و منظر الميت و آخر لقاء لك به و كم هو مؤلم أن يموت لك أحد في الوطن و أنت بعيد عنه لم تره منذ زمن .. إنه الفراق الطويل الموغل في الطول .... و ثم أخيرا التفكير كيف تصل إليهم على جناح السرعة و هم في غمرة حزنهم لتعيش معهم هذا العزاء الكبير و تقاسمهم اللوعة و الحسرة ..

    كل هذه الخواطر جاشت في خاطره و هو يقف مترددا أمام باب شقته لا يعرف كيف يبلغها الخبر و هي التي كانت تتحدث عنه بالأمس القريب و كأن حاسة سادسة همستْ لها بأنه سيودع هذه الفانية على عجل ..
    توكل على ربه و دلف إلى الشقة كمن يهرب من المطر إلى المطر بأن يهرع إلى رذاذه فهو أمر لا محالة واقع ..
    عرفتْ بأن وراء الأكمة ما وراءها ..
    تجهم وجهها ..
    تعرفه تماما حينما يكون أمر يشغله ..
    تعرف صمته .. و تعرف حدود حزنه ..
    لذا فقد خمّنتْ بأن تجهمه يحمل خبرا جللا ..
    رمى إليها بالخبر و هو يشيح بوجهه بعيدا عن مواجهتها ( أبوك توفي في كسلا ) ...
    و لأن حزن نسائنا يخرج عند إبتدائه بزخم مزلزل كصوت هدير الرعد في ظلمة ليل بهيم ..
    و لأن حزن نسائنا يستدعي تحزيم البطون بأقرب ( طرحة أو توب ) ..
    و لأن حزن نسائنا يصيبهن بحرقة في البطون .. و يصيبهن في مقتل .. ينطلقن على سجيتهن في إرتجال حزين يعددن صفات الميت و صلاته الحميمة .. لا يتركن كرمه و مجاملاته و غضبه و حلمه .. و في غمرة الحزن يتساءلن عن مصير بقية الأسررة دونه حتى و إن كان قد ترك ثروة قارون وراءه لورثته ..
    إنه حزننا النبيل .. يتدفق كماء النيل في فورة عنفوانه ..
    و علا صوت أم علاء المفجوعة في الشقة التي لم تصمد جدرانها أمام هزة الحزن .. فسافر البكاء عبر الجدران إلى ممرات المبنى و الشقق المجاورة ..
    أحمد ساطور يعرف مغزى أن يسمع الأمريكان في المبنى تصرخ كهذا صراخ ..
    و قبل أن ينتهي من خاطرته دق عليه أحد جيرانه الباب ..
    يعتقد بأن أبوعلاء يمارس عنفا منزليا بضرب زوجته ..
    سأله أكثر من جار What is going on man ???
    شرح لهم الموقف .. و لكنهم لم و لن يستوعبوا أن يكون حجم اللوعة بهذا الكم و الزخم من العويل ..
    سرعان ما تغلغل الحزن و سكن في الدواخل ...
    و كم من حزن يسكن دواخلنا .. لا يهب من رقدته إلا أن جاء حزن آخر يكسر صفحة بِرْكته الهادئة المستكينة إلى ذاك الحين ..

    ***

    أم علاء .. عذرا إن كنت قد هيجت بعض الذكرى .. و لكن الحزن بالحزن يُذْكر ..
                  

03-15-2015, 08:50 AM

ابو جهينة
<aابو جهينة
تاريخ التسجيل: 05-20-2003
مجموع المشاركات: 22482

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: من ملفات الإغتراب والمغتربين ( منذ عهد ما � (Re: ابو جهينة)

    نواصل أضابير الغربة والمغتربين

    مع التحية لأخي الصديق الصدوق / الطيب بشير
                  

03-25-2015, 02:15 PM

ابو جهينة
<aابو جهينة
تاريخ التسجيل: 05-20-2003
مجموع المشاركات: 22482

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: من ملفات الإغتراب والمغتربين ( منذ عهد ما � (Re: ابو جهينة)

    بعد أن عاش ( سليم ) أعواما من الرخاء و رغد العيش بغربته يحتضن أسرته.
    توقفت فجأة تروس الترف و عشعشت الحاجة بين جنباته و أخذ الفقر يطرق بابه صباح مساء و العوز يمسك بتلابيه.
    اتخذ قراره سريعا بعودة أسرته لحضن الوطن .
    قاومت زوجته فكرة الرجوع بكل ما أوتيت من حجج و عناد ، توسلت إليه ، و عندما اصطدمت توسلاته بإصرار ( سليم ) قامت بالاستعانة بالأجاويد و لكن دون فائدة ، فتصدّت شقيقتها ( حفيظة ) التي تعيش معها بنفس الغربة للأمر و وقفت في وجه ( سليم ) تناكفه و تحاججه و تارة تكيل له سيلا من الإهانات ، بل و أتهمته بأنه ربما ينوي أمرا و يتأبط شرا.
    كل هذا لم يغير من ما خطط له (سليم) فهو يعرف و يعي تماما أن قراره في صالح الأسرة.
    أذعنت زوجة (سليم) نهاية المطاف و عادت مع أطفالها و هي تعاني ألما نفسيا طال جسدها .
    شقيقة الزوجة ( حفيظة )، فاجأها زوجها يوما بخبر زواجه من إحدى قريباته يتيمة الأبوين و تعيش في القرية لا حول لها و لا قوة و أنه سيرسل في طلبها لتعيش معهم بالغربة تحت سقف واحد ، فما كان من ( حفيظة ) إلا أ طلبت الطلاق و عادت للوطن بعد أن جعلت بعلها يرى عدة ( نجيمات عز الظهر ) و بعد أن جردت البيت من كل ما خف حمله و غلا ثمنه.
    بعد معاناة مع المرض لم تدم طويلا ، فارقت زوجة ( سليم ) الحياة ، تاركة أطفالها لليتم.
    بعد أن أنقضت أيام العزاء ، جلس ( سليم ) يفكر في مصير أيتامه دون أم.
    لم يطل التفكير كثيرا ، و تم تقليب الأمر على نار هادئة كان وقودها العقل و الأمر الواقع و أشياء أخرى ، وافقت(حفيظة) شقيقة المرحومة على الزواج من(سليم) لرعاية أطفال شقيقتها.
    شرط (سليم) الوحيد كان أن تبقى (حفيظة) في السودان مع أطفاله و أطفالها إلى أن يقضي الله أمرا كان مفعولا. فقبِلت في التو و اللحظة دونما أي نقاش.
                  

03-26-2015, 08:26 AM

درديري كباشي

تاريخ التسجيل: 01-08-2013
مجموع المشاركات: 3211

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: من ملفات الإغتراب والمغتربين ( منذ عهد ما � (Re: ابو جهينة)

    يا سلام عليك يا ابو جهينة يا مبدع

    صنعت خميسنا وجمعتنا

    والله النت عندي قاطع في البيت وانا متكاسل من تجديده رغم نقة العيال وأمهم .. لكن هذا البوست حفذني اليوم لازم يتجدد حتى نكطمل السياحة في هذع المتعة

    ربنا يخضر ضراعك ولا يجفف لك قلما
                  

03-29-2015, 08:53 PM

ابو جهينة
<aابو جهينة
تاريخ التسجيل: 05-20-2003
مجموع المشاركات: 22482

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: من ملفات الإغتراب والمغتربين ( منذ عهد ما � (Re: درديري كباشي)

    اخي الاديب الاريب درديري كباشي

    مرورك يحفزني اامواصلة

    دمتم
                  

04-22-2015, 09:42 PM

ابو جهينة
<aابو جهينة
تاريخ التسجيل: 05-20-2003
مجموع المشاركات: 22482

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: من ملفات الإغتراب والمغتربين ( منذ عهد ما � (Re: ابو جهينة)

    قصة من مجموعتي : أم عطية :

    ***

    فرحتُ فرحا غامرا ، و حزنت في نفس الوقت لعودة أم عطية بهذ السرعة من السودان ، فقد إستقبلتها الملاريا في الخرطوم بالأحضان و نهشت جسمها النحيل و أدخلوها المستشفى قسم العناية المركزة ، حتى أن إبنها إضطر لأخذ إجازة طارئة و أتى بها إلى هنا قبل أن تمتع ناظريها بنيل قريتها و باسقات نخلها ، و كانت تمني نفسها بأن تحضر حصاد البلح و تستعيد غابر الأيام ( و شبابا كان و حزنا كان و شوقا كان. ).
    و كنا نمني أنفسنا بحكاوي من ريحة البلد تعطر سماوات غربتنا التي تعطنت بطين الغربة الجاف.
    زرتها في المستشفى ، كانت كل أنحاء جسدها النحيل به آثار زيارة البعوض ، ناديتها بصوت هامس ، ففتحت عين واحدة و إبتسمت نصف إبتسامة باهتة، ثم إستسلمت لسلطان نوم التعب و الإرهاق و فيح الحمى.
    لم أنقطع عن زيارتها يوما ، و لساني يلهج بالدعاء لها. كنت كلما أذهب لزيارتها آخذ معي كمية من الإسنكرز التي تحبها ، حتى إرتفع رصيدها إلى ما يملأ ( جردلا) صغيرا.
    عندما ذهبت آخر مرة لها بالمستشفى قبل خروجها منها ، وجدتها تلتهم الشوكولاتة بنهم و هي تقول : بالله النصيبة دي هناك طعمها غير هني ، أتقول الشوكولاتة كمان هناك بتجيها الملاريا.
    ضحك الدكتور السوري و قال لها مداعبا :
    ما توكليش حلويات كتير ، بعدين يجيك سكري.
    فقالت أم عطية و هي ( تمتشق ) صباعا آخر من الإسنكرز : ما تخاف علي يا سكر إنت ، لو غطسوني في برميل شوكولاتة ، ملاريتنا دي بتجيب خبر السكر الفيها . هاك يا الحكيم ، تاخد ليك شوكولاتة ؟
    و هي تلملم أغراضها من المستشفي ، إهتمت فقط بأخذ الشوكولاتة في كيس ماكن. ، و هي تعطي تعليمات لإبنها و زوجته بلملمة باقي الأغراض.

    يقول إبنها و هو يغالب الضحك : دارت أمي على كل الأقسام بالمستشفى وهي تقول للمرضات : ما نجيكن في شيتن بطال. نفضوا فرشاتي ديل كويس يمكن في بعوضة جات زى ناس الزوغة في نص هدومي ، تقوم تجلبغ ليكم مستشفاكم السمح دة بالملاريا ، و الله جضيماتكن الزى طماطم الشتا دة يبقى بعدين زى الباذنجان المضبلن. دحين يا عطية البنيات بيحملن قرصة بعوضنا ؟ و الله يكبكبن الدم زى دش الحمام. نحن جلدنا ما بقى زى لفة القمر دين ، طبقات طبقات.

    و تتضاحك الممرضات الفلبينيات من حديثها المتواصل غير المنقطع و هن يتحسسن خدودها المنقوشة بالشلوخ ، و كأنهن يردن التأكد من أنها حقيقية.
    و في ليلة خروجها ، إجتمعنا عند إبنها في وليمة عشاء ( كرامة السلامة ) ،
    فجلست على طرف السرير و قلت لها : و الله ألف حمد الله على السلامة . صراحة أنا شفقت عليك يا حاجة.
    فقالت و هي تزيح السفة من جهة لأخرى بطرف لسانها : و الله أنا إشتقت ليكم في اليومين البسيطات ديل يا حشاى.
    قلت لها و أنا أحاول أن ( أنكش ) كومة حديثها و أفتح صنبور حكاويها : الملاريا دي كيف حسيتي بيها بالأول ؟
    قالت و هي تهز يدها اليمنى كأنها تدق على رق أو طار : بري ، بري يا ولدي، زمان البعوض تسمع صوتو يون و يزن فوق راسك و جنبك ، حسع عليك أمان الله النوع الجديد دة كاتم صوت زى جنريتر ناس حياة جارتنا في أم بدة. بعدين أنا سمعت إنو في بخت الرضا وعلي الجهات ديك البعوض بيجي في شكل عصابة ، إتنين يرفعوا الناموسية و البعوضة التالتة هي البتعضيك. لكن حسع البعوض في الخرطوم بقى شغلو إنفرادي ، الناموسة تجي و ترفع الناموسية و البطانية بي جنحاتا ، و تمد الإبرة حقتا و يا جلد جاك بلا .
    ثم قالت : كان ما أخاف الكضب تسمع شفيط الدم زيما بتمص ليها في عصير بالشفاطة ديك. ( و ضحكت و هي تضربني ضربة خفيفة على ظهري للدلالة على المبالغة ).
    قلت لها و أنا أداري ضحكتي : معقولة دي يا حجة ؟
    فقالت و هي تعتدل في جلستها : إنت ما مصدقني ، لاكين أحلف لك يا جنا ، وكت تغز إبرتها في جسمك ، زى النغزوك بي ضفر الأصبع.
    قلت لها : المستشفى هناك كيف ؟ زى هنا ولا أحسن ولا أكعب ؟
    قالت : أنا وكت الحمى زادت فوقي ، غبيت و ما عرفت أنا وين ، أها لما فتحت عويناتي ، أنا كنت قايلة روحي في الرياض ، مستشفى زينة ساكت وحلوة ، قلت يا ربي عطية دة جا و نقلني بالسرعة دي ؟ أها و الخلاني أشك إني فعلا في الرياض ، أشوف ليك ممرضة من أمات عيون الزى خطرات عربية ناس مصطفي جاركم دة ، عويناتا قايلات كدى لافوق أتقول مشدودات بي مشابك من نص راسا. جنس الممرضات ديل أنا ما قابلني علا هني في الرياض.
    قلت لها و أنا أستحث ذاكرتها و أستفز مخزونها : في جنس حفلات فاتنك يا حاجة ، حاجة تمام.
    قالت و هي تسرع لحوض الغسيل لتفرغ السفة و توابعها : أصبر.
    ثم عادت و قالت : الحفلات دي الشي الوحيد ال كنت متأسفة لي عدم حضورن. إن شاء الله عندكم الشرايط.
    فوعدتها خيرا ، و خرجنا و نحن ندعو لها بالصحة و العافية.
    قابلني إبنها في اليوم التالي ، و ما أن رأيته يضحك ، حتى عرفت أن في جعبته حكاية جديدة عن أمه ، و قبل أن أسأله قال : تصادف أن كان معها في الطائرة للخرطوم والد أحد زملاءنا بالعمل ، و هو مقيم مع إبنه بعد وفاة زوجته أم زميلنا ، كان ذاهبا لتعزية ، فأوصيته بوالدتي ، و أظنه بالغ في العناية التي لا تحبها . والدتي تتضايق من الإهتمام الزائد بها.
    و تصادف أن رجع الرجل معنا على نفس الطائرة التي رجعنا بها للرياض ، فقالت أمي و هي تئن من وجع المفاصل من شدة الحمى : الراجل دة زاد على المرض. أنا مكجناهو من يومي.
    يا يمة الكلام دة ما بيصح ، الراجل كان ماخد بالو منك لما جيتي للخرطوم براك.
    قالت و هي تئن : الراجل دة طمعان في أملاكي.
    قلت لها : أملاكك شنو يا يمة. ياهن الكم فدان و كم نخلة الفي البلد؟
    قالت : يا الغبيان ياهن ، ديل الأملاك ، و المتلك ما بيعرف قيمتن ، لاكين هو المتل يد الفندق دة نجيض بيعرف ليهن. يعني أمال طمعان في شنو يتكبكب فيني كدي ؟ إنت شايف أمك دي ليلى علوي ولا شاكورا ؟ كلمو يغير محلو دة ، أنا بتلبش وكت أشوفو.

    يقول : كان الموقف محرجا ، و الرجل يجلس قبالتنا ، و كلما سمع الوالدة تئن ، يسرع و يقف بالقرب منها عارضا خدماته ، فتصيح أمي و تقول : الليلة وووب ، الملاريا يا عطية. الكينين يا حشاى. الطيارة دي مالا أتقول واقفة في الإشارة.

    و يهرول الرجل مرة أخرى و يضع يده على جبهتها ، فتبعده بحركة عصبية و هي تقول من تحت أسنانها : أنا راسي زى ليمونة المخلل ، الراجل دة ما يلمسني يا عطية.

    يقول إبنها و هو يمسح دمعاته من الضحك : كنت في موقف لا يحسد عليه ، هل أضحك أم أغضب ، و الرجل لايفهم قصد أمي ، و يصر على خدماته. و يهرول إليها بحسن نية كلما تململت. و أنا أبرر تصرفات أمي له بأنها بسبب مخلفات الحمى الشديدة.

    يقول ، عندما أتت المضيفة بكوب ماء لأمي ، أمسكتها الوالدة من يدها و قالت لها : يا بتي ، درجة أولى مافيها كرسي فاضي ، ودوني هناك وبدفع ليكم الفرق.
                  

04-23-2015, 09:19 AM

ابو جهينة
<aابو جهينة
تاريخ التسجيل: 05-20-2003
مجموع المشاركات: 22482

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: من ملفات الإغتراب والمغتربين ( منذ عهد ما � (Re: ابو جهينة)

    التحية لأخي ( عطية ) ورد الله غربة الجميع سالمين غانمين
                  

08-09-2015, 12:07 PM

ابو جهينة
<aابو جهينة
تاريخ التسجيل: 05-20-2003
مجموع المشاركات: 22482

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: من ملفات الإغتراب والمغتربين ( منذ عهد ما � (Re: ابو جهينة)

    تردد كثيرا في الذهاب للقرية لوداع أمه ، خاف أن يضعف أمام دموعها فيلغي فكرة السفر.
    كيف تسافر من غير ما تاخد رضاها ، على الأقل تدعو ليك بالتوفيق؟
    تساءل صديقه.
    فأجاب بعناد : لن ترضى ، أنا أعرفها ،، فهي تنتظر مجيئي كل أسبوع ، فتستقبلني وكأنني غبت عنها سنوات ، فكيف إن قلت لها بأنني سأسافر لتبتلعني الغربة.
    سهر الليالي والأمر يتجاذبه.
    ذهب إليها ،، قضى اليوم كله أمامها ،، حتى أنه لم يذهب لعرس أخت صديقه ،،
    إندهشتْ أمه لهذا التصرف : روح جامل صاحبك.
    قال دون النظر في وجهها : ما عندي نفس لأي حاجة.
    ينظر إليها ،، ثم يتحاشى نظراتها كمن إرتكب جرما.
    ثم حدق فيها طويلا ،، هذه الأم الصابرة ،، وقفتْ كالرجال بعد موت أبيه حتى تزوجت شقيقاته وأكمل تعليمه.
    إمتلأ رأسها بالشعر الأبيض ، وخطَتْ التجاعيد خطوطا أفقية متعرجة على جبينها وأعرورقتْ يداها بفعل العمل الشاق.
    للحظة كاد أن يقسم بأن لا يسافر ويترك هذه الشامخة .
    و لكنه تذكر الفرصة التي ذكرها له صديقه عمر .
    و الله يا ولدي ما عارفة المرة دي حالتك غريبة. قلبي ما مطمن.
    طمأنها رغم أنه يعلم تماما بأنها تعرف بمجرد التحديق في وجهه إن كان يكذب أم يصْدقها القول أم يجامل.
    في الصباح الباكر ،، دلف إلى غرفتها و قد أضمر أمراً وتأبط قرارا حاسما بعدم السفر.
    وجدها ترقد على جنبها الأيمن ومسبحتها تتدلّى من يدها اليمنى، وإبتسامة كسْلَى ترقد على أطراف شفتيها.
    عندما واراها القبر وتقبّل العزاء.
    كان قد إتخذ قراره النهائي بالرحيل صوب مجاهل الغربة.
    كان وجه والدته ذلك الصباح الذي فارقتْ فيه الدنيا، يلازمه في كل منحنيات المنافي التي تنقل فيها.
                  


[رد على الموضوع] صفحة 2 „‰ 2:   <<  1 2  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de