حكاية سيدة اسمها عائشة! بقلم فتحي الضّـو

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-24-2024, 11:40 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مكتبة فتحي الضَّـو
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
11-24-2014, 02:23 PM

فتحي الضَّـو
<aفتحي الضَّـو
تاريخ التسجيل: 10-26-2013
مجموع المشاركات: 156

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
حكاية سيدة اسمها عائشة! بقلم فتحي الضّـو

    mailto:[email protected]@hotmail.com
    في تلك الأمسية الرائعة والمميزة بقاعة فندق وستن Westin أواخر أبريل الماضي، قدَّمت نفسها بكلمات بسيطة وعميقة في آن معاً، فلا غروَ بعدئذٍ من أن نَفذَت مباشرة إلى عقول سامعيها وقد احتلت من قبل موقعاً فسيحاً في أفئدتهم، قالت: «غادرت السودان، ولكن السودان لم يغادرني، بل لن يغادرني. أقول بكل صراحة ثمة إحساس غريب يُداهمك وأنت تسَمَع الناس يمدحونك ويصفونك بصفات ربما أستغرب لها.. لأنه ليس لدي إحساس بأنني بطلة أو ادّعي البطولة، فما قمت به هو أبسط مما يمكن أن يقوم به أي أحد لديه (شوية) ضمير، وشاهد ما شاهدت. أي إن لم يتحدث من رأي وسمع وقرأ واضطلع ووثق مثلي، تكون هذه مشكلة إنسانية في المقام الأول.. وبالعكس فأنا ألوم نفسي لأن صوتي لم يكن مسموعاً طيلة تلك الفترة» وفي واقع الأمر كانت العبارة الأخيرة هذه محض تواضع منها كما ستبين لنا وقائع الأحداث لاحقاً، ما هو عكس ذلك!
    (2)
    وفي مقام آخر قالت عن نفسها «إنها عربية الهوى وإفريقية الهوية» وكان ذلك أيضاً اختزال لشخصيتها، فهي على الأقل لم تتوار خلف هذين الصنمين كما يتوارى الذين يبحثون عن منابتهم وجذورهم بغية تأكيد الذات. ولكنها جسدت ذلك في مواقفها الحياتية، وزينت هويتها بلسان وشفتين، بحيث أصبح إنحيازها للإنسانية جمعاء، شاملاً وغالباً وواضحاً. وإن شئت التحجيم كما يفعل الذين لا يقوون على الصبر، فهي مغربية الهوية وسودانية الهوى، والأخيرة هذه ليست هبة أو منحة أو هدية، فعندما أقامت بين ظهرانينا في ذاك البلد الذي أرهقته الحروب وظُلم الإنسان لأخيه الإنسان، لم تأوِ إلى مكتب فخيم يبعد عنها شر رمضائه وكروبه وحروبه، ولكنها جابته طولاً وعرضاً لمدة أربع سنوات، ثمَّ غادرته إلى بلاد الرافدين كأنها أبا يزيد الذي غادر قريته بسطام بحثاً عن الحقيقة والمشاهدة، وكأنها في بغداد لاقت الشيخ الجنيد فقال لها إن ما تبحثين عنه تركتينه ببسطام. فعادت أدراجها وما زالت تبحث عن الحقيقة بالرغم من أنها شاهدتها!
    (3)
    إن شئت تسطيراً بصورة أعمق فقد زاد انحيازها للمذهب الإنساني عندما تيممت شطر أوروبا للنهل من معارفها وثقافاتها. وفي باريس اختارت قامة أدبية سامقة ومثيرة للجدل هو الأديب الفرنسي الشامل – إن جاز التعبير – جان جينيه ليكون موضع أطروحتها للدكتوراة. كان جينيه متمرداً قال عنه قرناؤه إنه «الخارج دوماً عن القانون السائد» لكن صديقه وصفيه جون بول سارتر - رائد الفلسفة الوجودية - كان يراه قديساً، وأكد نظرته هذه في كتاب ألفه عنه وعنونه بذات الصفة (القديس جينيه ممثلاً وشهيداً) وقال سارتر عنه أيضاً: «كان قد حدد فضاءين مختلفين ومتعارضين، هما الخير والشر، وكلاهما دفعاه للوراء، وذلك ما ضاعف لديه الإحساس بالإثم، كما ولَّدت طرائقه البرجوازية لديه إحساس الإذلال، فاختار أن يكون عارياً ويرتدي فقط مقدرات عقلية لا توصف» فإلى أي مدى – يا عزيزي القارئ - تدرك أن الدكتورة عائشة البصري قد تماهت مع كل مما ذكرنا؟
    (4)
    عائشة البصري سيدة تدثرت بالقيم الإنسانية النبيلة، والتي حصدتها من هوياتها المختلفة كما ذكرنا، وصقلتها بالتحصيل الأكاديمي المتميز. أقامت عائشة في السودان لفترتين مدة خمسة سنوات إلا قليلاً. عندما جاءته في المرة الأولى كان ذلك في العام 2005 وبقيت فيه حتى العام 2009 تسنمت خلالها وظيفة مسؤولة الإعلام والتواصل في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي. وتقول إنها فترة خصبة في حياتها جعلتها تقف على مكونات الشعب السوداني الثقافية والاجتماعية وبالطبع السياسية التي لا تنفصم عراها عن المجالين المذكورين. ثم غادرت إلى العراق، وما لبثت أن عادت مجدداً للسودان في أغسطس من العام 2012 وتولت وظيفة الناطقة الرسمية باسم قوات بعثة حفظ السلام، أو القوات الهجين المكونة من (الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي) والمسماة اختصاراً بـ (يوناميد) وذلك حتى أبريل 2013 أي لمدة عام واحد إلا قليلاً، قدمت في خواتيمه استقالة داوية ما زالت توابعها تحاكي فعل الزلازل والبراكين في ثوراتها ضد الطبيعة!
    (5)
    تقول عائشة إنها تلقت اتصالاً تلفونياً من زميلنا المثابر صلاح شعيب من إذاعة (عافية دارفور) التي تبث برامجها من واشنطن، وكان ذلك قبل نحو تسعة أيام من توليها المنصب الجديد وسألها عن اشتباكات في منطقة طويلة شمال دارفور، فأحالت السؤال لزملائها الذين أجابوها بالنفي وأكدوا لها هدوء الأوضاع. ثمَّ عادت إلى زميلنا وحمل الأثير صوتها معلنةً هدوء الأحوال. لكن بعدها ببضعة أيام اكتشفت أن الوضع لم يكن هادئاً كما زعموا، وإن ما خُفي كان أعظم. أدركت حينها أن القائمين على أمر البعثة صمتوا حيال الانتهاكات الفظيعة التي قامت بها قوات الحكومة، وأدت إلى حرق الزرع والضرع في أربعة قرى، قتل فيها من قتل، وجرح من جرح، واغتصبت من اغتصبت، وذلك بحسب إفادتها لقناة العربية فيما بعد. وقتذاك بدأت الأرض تميد تحت قدميها، فاشتبكت القيم التي جُبلت عليها بالواقع الذي ظهر عارياً أمامها!
    (6)
    في محاولة منها لتقصي الحقائق، سألت الجنرال واي جونز قائد قوات البعثة آنذاك عن سبب عدم رفعه تقرير بتلك الحادثة فقال لها: «يا سيدتي كما تعلمين يجب علينا أحياناً أن نتصرف مثل الدبلوماسيين، فليس كل ما يُعرف يُقال» بيد أن حادثة طويلة وتلك العبارة فتحت عينا عائشة على أسرار بدأت تتكشف لها رويداً رويداً. ولاحقاً أسرت لها السيدة عايشتو منداؤدو بن دودو وكانت القائم بأعمال البعثة، بقولٍ آخر أشد وطأة وأقوم قيلاً «كل التقارير الصادرة عن البعثة تتعرض لتحوير وتلاعب، وهناك شخصان أو ثلاثة اختطفوا البعثة ولهم أجندة لا تتماشى معها ولا مع مصلحة أهالي دارفور» ومنذاك الوقت أصبحت عائشة تشاهد تواطؤ البعثة مع النظام بجنده وجنجوبده، وترى بأم عينيها قرى تحرق بكاملها، وتوثق لنساء اغتصبن زرافات ووحدانا، وتحزن لرجال طأطأوا رؤوسهم لأنهم فقدوا أعز ما يملكون، ثمّ تقف حائرة أمام أطفال يُلقم بهم الجحيم.. كلما قال هل من مزيد!
    (7)
    كابوس فظيع جثم على صدرها، كانت عائشة تشاهد نظاماً تبارى في قتل شعبه لدرجة بات لا يعرف فيها عدد ضحاياه، وينكر عدد النازحين داخل وطنهم، ويجهل عدد اللاجئين الذين اتجهوا صوب الحدود في رحلة المتاهة الكبرى. وفي كلٍ لعل الأنكى وأمر تواطؤ البعثة نفسها مع أفعاله وممارساته تلك. كانت الصورة موغلة في التراجيديا، وبالطبع لم يكن مرجواً من النظام الذي برع في القتل والتشريد أن يرق قلبه على ضحاياه، ولكن ما بال الذين غرَّهم بالسلطة الغَرَور ولاذوا بجنته في الخرطوم وقد تركوا ذوي القربى يهيمون على وجوههم في معسكرات الذل والهوان؟ هؤلاء فيهم الأم والأب، والأخت والأخ، والخالة والخال، والعمة والعم، الذين كادت محنتهم أن تخرس لسان عائشة الناطق، في وقت ينام فيه التيجاني السيسي غرير العين هانيها. وكلما سمع حسبو عبد الرحمن صراخ المُغتصبات تمزق ستار الصمت، ضحك ملء شدقيه وقال لمجالسيه إن ذلك محض هراء. وأغمض الحاج آدم عينيه وأصم أذنيه حتى لا يرى الأطفال الذين أرهقهم الجوع وباتوا يشاركون النمل طعامه. وبينما الذين أنهكهم المرض يبحثون عن جرعة دواء كان بحر إدريس أبو قردة يبحث عن دواء للتخمة بعد أن تورَّم شحماً ولحماً ونفاقاً. أما في مسرح المأسأة لم يأل عثمان كبر في تجهيز الحملة تلو الأخرى، فقد صار الموت هوايته ومهنته.. كلما رأى الأيتام يزدادون عدداً!
    (8)
    بعد أن أصبح الذي بين يديها من أدلة وبراهين ينوء بحملها الرجال، طفقت عائشة تتحدث بصوت عالٍ وتطالب بالتحقيق والعدالة والشفافية، وأضحت تدعو بضرورة كشف ما خُفي من أجندة سرية في أضابير البعثة. وعوضاً عن ذلك جاءت ثالثة الأثافي، فقد ظهر تقرير الأمين العام السيد بان كي مون عن دارفور خالياً من الانتهاكات التي كانت شاهدة عليها ورأتها بقلب مفطور. وعندما عيل صبرها وأدركت ألا حياة لمن تنادي، حملت متاعها القليل ومصيبتها الكبيرة، واتجهت صوب نيويورك لعلها تسمع من به صمم. وهناك قدمت حصاد ضميرها وحاصرتهم بالأدلة والبراهين والوثائق التي لا تكذب، وطالبت بتحقيق مستقل يكون عادلاً ونزيهاً يزيح الستار عن الممارسات التي تدين المنظمة ممثلة في أمينها العام ورهطه ممن تكتموا مثله على المأساة. وبالطبع أدركت عائشة وندرك نحن أيضاً أنها تصارع منظمة نخر فيها الفساد حتى أزكم أنوف العالم أجمع. فتحركت خفافيش الظلام الذين دأبوا على الرضاعة من أثداء المساكين، وبذلوا ما في وسعهم لتسويف القضية. ولكن حتى لا نتوه بعيداً سواء كانت المنظمة فاسدة أو في طهارة يد سيدنا يوسف، من ذا الذي أقسم بألا تطأ أقدامها أرض بلادنا المنكوبة؟ من ذا الذي فرط في سيادتها بثلاثين ألف من جندها بعدتهم وعتادهم وفسادهم؟ يا ويلنا إن أدركنا ما رمت إليه عائشة في ثورتها عند ضحى الغد!
    (9)
    ما تزال مطالب عائشة تؤرق مضاجع القائمين على إدارة المنظمة الدولية، ولعل ما يؤرقهم أكثر إصرارها على بلوغ مراميها، فهي لم تطالب بما طالبت به وقدمت استقالتها من الوظيفة المرموقة ومضت إلى حال سبيلها، ولكنها ظلت ممسكة بالجمر حتى بعد أن عزَّ المناصرين الذين صدَّعوا رؤوسنا بالحديث عن الوطن والوطنية. وفي خضم إصرارها العنيد جاءت مأسأة الاغتصاب المعروفة في قرية تابت. استنفرت عائشة نفسها لتلفت الأنظار لكل ممارسات البعثة (يوناميد) والتي طرحتها بوثائق دامغة وجعلت من قضية تابت منطلقاً في الوصول لهذه الأهداف. ومن المفارقات التي تعيي الضمير الوطني بل الإنساني إنه بينما كانت عائشة تملأ المنابر المقروءة والمسموعة والمرئية وتطالب بتكوين لجان تحقيق مستقلة للتثبت من جريمة تابت، انبرى أحد اصحاب (الياقات البيضاء) من الأكاديميين الذين جُبِلوا على الشك حتى في أنفسهم، ليسوِّد علينا حياتنا قبل الورق، وقال إن ما حدث في تابت صناعة أمنية. الغريب في الأمر أن المشار إليه بعد أن كلّت يداه من جمع المال، تذكر بعد ربع قرن أن هناك نظاماً لبث فينا يوماً أو بعض يوم، فصار يمطرنا بمقال في الصباح وآخر في المساء ظاناً أن ذلك يمكن أن يحيي ضميراً مات وهو رميم!
    (10)
    ما ضر عائشة لو فعلت مثله وانهمكت في جمع الدولارات، كان بإمكانها أن تنعم بمخصصات يسيل لها لعاب الطامحين، لم يكن مطلوب منها سوى البصم على تقارير الزور وغض البصر عن الخطايا. لكنها انحازت لمبادئها التي آمنت بها ومهرت لها عمراً، وأدركت أن الطعام الذي تأكله مغموس في دماء وآلام المعذبين، وأن السكوت على الجريمة فعل لا يقدم عليه إلا الشياطين.
    وعوداً على بدء في مقدمة المقال - يا سادتي - أقول عندما بلغنا خبر عائشة وفعلها الداوي الشجاع، دعوناها في اتحاد الصحافيين في الولايات المتحدة بامكاناتنا المتواضعة، لتقدم لنا محاضرة تشرح فيها ما التبس وصُعب علينا فهمه. وكانت سعادتنا لا توصف حينما استجابت لدعوتنا بكل أريحية وجاءت وخاطبت جمع من المقيمين في منطقة واشنطن الكبرى. رأينا في وجهها مأسأة أطفال الكهوف الهاربين من قصف الأنتينوف، شاهدنا في عيونها النيران تحرق القرى البسيطة، لمسنا في حديثها محنة النازحين واللاجئين وأنين الثكالى!
    صفوة القول - يا أيها المكلومين - مثلنا عندما أقول استضفناها بامكاناتنا المتواضعة، ذلك لا مناً منا ولا أذىً، ولكن لعلمنا بأن لمثل عائشة ينبغي أن يُفرش البِساط الأحمر، وترفع الصواري أعلامها، وتعزف الموسيقى أناشيدها، وترصع كتفاها بالأوسمة والنياشين.. وأيم والله إنا لفاعلون في يومٍ يرونه بعيداً ونراه قريباً!
    ليت أصحاب (الياقات البيضاء) يأخذون نصف وطنيتهم من هذه الحميراء!
    آخر الكلام: لابد من الديمقراطية وإن طال السفر!!


                  

العنوان الكاتب Date
حكاية سيدة اسمها عائشة! بقلم فتحي الضّـو فتحي الضَّـو11-24-14, 02:23 PM
  Re: حكاية سيدة اسمها عائشة! بقلم فتحي الضّـو طه امير 11-25-14, 09:28 PM
    Re: حكاية سيدة اسمها عائشة! بقلم فتحي الضّـو أحمد طراوه11-27-14, 09:44 AM
      Re: حكاية سيدة اسمها عائشة! بقلم فتحي الضّـو Kostawi11-29-14, 08:52 PM
        Re: حكاية سيدة اسمها عائشة! بقلم فتحي الضّـو محمد البشرى الخضر12-01-14, 03:52 AM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de