|
المقال الملعون ... عبد الله علي إبراهيم
|
منقول من موقع الجزيرة نت
المقال الملعون.. 24 عاماً من البشير
عبد الله علي إبراهيم
متى جاء الثلاثون من يونيو/حزيران القادم تبقى لدولة الإنقاذ (1989) في السودان عام واحد لتبلغ ربع قرن في الحكم. وهذه كرامة سياسية لنظام لم يُقدر له خصومه أن يبقى بعد خريف عامه الأول. فتداولت الخرطوم فكاهة أن الإنقاذ، وقد جاءت في آخر الصيف، لن تصمد حتى خريف العام (والخريف بعض يوليو/تموز وأغسطس/أب) حتى ولو "زَبَّلوها"، أي بلطوها بالزبل وهو مزيج من روث البهائم المتين في الوقاية من المطر.
وكانت نجاة النظام من تكهنات خصومه بموته المعجل موضوع مقال نشرته بصحيفة حكومية هي السودان الحديث في يونيو/حزيران1990. وعنوانه "نحو إستراتيجية شاملة للوفاق الوطني في السودان: الحكومة تطفئ شمعة والمعارضة تلعن الظلام". وقلت فيه إنه حُقّ للعسكريين تبادل التهاني على هذه الموهبة للبقاء لسنة بعد أن راهن معارضوهم على قصر عمرهم السياسي. فإطفاء العسكريين لشمعتهم الأولى كان خيبة كبيرة لأولئك الذين بنوا حسابات معارضتهم على هشاشة النظام ناهيكم عن أنهم يطفئون الآن شمعتهم الرابعة والعشرين.
وأثار المقال غضب المعارضين، وعصبتي اليسارية خاصة، الذين دعوا إلى مدابرة النظام حتى لا يكتسب أية شرعية. وساءهم أن يروني أخالط إسلامييه في مؤتمر الحوار الوطني من أجل السلام الذي دعا له في شتاء 1989. ومنعاً للقيل طلبت الفرصة الأولى بعد الافتتاح الرسمي للمؤتمر لأقول إنني كنت أعد حقيبة الاعتقال كسائر زملائي، فسمعت اسمي في المذياع عضواً بذلك المؤتمر، ونداء الوطن لا يرد. ولكن متى طلبتم الحوار على حد الوطنية وجب أن تكفوا عن الإجراءات الاستثنائية. فالحوار بعدها مستحيل.
وفي ما ظن رفاقي بي الوهن كنت قد خلصت من تجربة كتابة عمود يومي بالصحف خلال فترة الديمقراطية، التي أعقبت سقوط النميري في 1985، بأننا ربما تجاوزنا لعبـة "معارضة ضد حكومة". فما يقعد بنا، حكومة ومعارضة، هو أزمة وطنية عامة لا مكان فيها لفئة ناجية.
فقد رأيت سأم الصفوة من ديمقراطية استعادوها بعد 17 عاماً من حكم النميري الفرد. فقاطعتها الحركة الشعبية الجنوبية وواصلت الحرب في حين علق المعارضون مما عرف بالقوى الحديثة الأمل عليها لترجح الكفة لنظام علماني في وجه إسلاميّ حسن الترابي الأشداء.
وكانت نتيجة انتخابات 1986 كشفت لتلك القوى ضعف قواعدها الشعبية في الشمال. وبلغ انصراف الصفوة عن الديمقراطية حداً قال به الشريف زين العابدين الهندي، نائب رئيس الوزراء، إننا تركناها هملاً فإن دنا منها كـلب لن نقل له: "جر"، وهي ما ننتهر به الكـلب عن الشيء.
يتبع
|
|
|
|
|
|
|
|
|