أحد قصوري معروض للبيع

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-25-2024, 09:30 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الثانى للعام 2013م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
02-24-2013, 08:44 PM

عماد البليك
<aعماد البليك
تاريخ التسجيل: 11-28-2009
مجموع المشاركات: 897

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
أحد قصوري معروض للبيع

    نعم لدي قصور، ولكنني أتحدث اليوم عن واحد منها، هو كبير وفخم.. يحتل مساحة لا تقل عن أربعة آلاف مترا مربعا، ويقع بجوار الشارع وراء الرئيسي المؤدي إلى سوبا، جنوب الخرطوم. قصر بنيته في سنوات غربتي وشقائي.. استغرق مني تشييده عشر سنوات.. ولعلكم قد تتعجبون في كبر مساحته.. والحكاية هي.. ان الشيخ الفلسطيني الذي باع لي الأرض أهداني نصف المساحة التي اشتريتها.. والسبب في غاية البساطة انه قرأ أحد رواياتي فأعجبته وقال لي هذه مكافأة لك.. فالرجل مغرم بالقصص والروايات.. ويتمنى لو أنه كان كاتبا.. وفي سبيل ذلك ليس عنده مشكلة أن يهب أرض خلاء لكاتب. وهذا الرجل حكايته طويلة وصداقتي معه أمر معقد امتد لسنوات، ما بين السودان ودول المهجر التي تغربت فيها. لكنني التزاما بالأخوة والصداقة لن أحكي عنه اي شيء مطلقا. فقط اسجل شكري له من هنا.
    أكتب لكم الآن من على الحديقة، أمامي جهاز لاتبوب ماركة توشيبا، وهو النوع المفضل للسودانيين.. وربما صفقة كبيرة كانت وراء اكتساح هذه التوشيبا للسودان.. وهذا الجهاز هو أيضا لحسن الصدف هدية، من سيدة يونانية كانت قد جاءت قبل سنوات إلى أمدرمان لإجراء دراسة عن شعر التيجاني يوسف بشير الذي يعتبره البعض رائد الشعرية الحديثة في السودان. والسيدة برغم ظروف اليونان الاقتصادية، وهي ظروف لم تمسها هي كما أخبرتني في رسالة بالبريد الكلاسيكي.. وليس الإلكتروني.. هذه العجوز المتفائلة والجميلة، والنشطة، أرسلت لي اللابتوب تكريما لمساعداتي لها في صياغة دراستها من خلال توفير معلومات بحثية ميدانية.. في الواقع فإن هذا الأمر تم بجهدنا معا..
    لكي لا أهرب من موضوعي الأساسي.. يجب أن أوضح أن القصر المعروض للبيع رغم فخامته فهو غير مكتمل تماما.. وسأضع إحداثياته هنا لمن يرغب في رؤيته في خرائط جوجل..

    (عدل بواسطة عماد البليك on 02-24-2013, 08:45 PM)
    (عدل بواسطة عماد البليك on 02-24-2013, 08:47 PM)

                  

02-25-2013, 03:20 AM

عماد البليك
<aعماد البليك
تاريخ التسجيل: 11-28-2009
مجموع المشاركات: 897

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أحد قصوري معروض للبيع (Re: عماد البليك)

    استيقظ من أحلام اليقظة على صوت جارتنا صباح تناديني من وراء الحائط: "يا ولد يا مدثر.. قول لي أمك طهارة أولاد جبارة بكره".
    أرد عليها أيضا من وراء الحائط، فهو عال جدا يفوق الاربعة أمتار.. لا أعرف سببا لعلوه:
    "يا صباح أمي راحت عند رضينة تجيب منها الزلابية"
    قالت لي: "ياولد أنت كضاب.. رضينة شبعت موت"
    نعم فقد ماتت رضينة البائعة ذات الأصول الهوساوية منذ ثلاثين سنة.. كنت في العاشرة من عمري وقتذاك.. نسكن أنا وأبي وأمي.. أقصد اسكن مع والدي في بيتنا الصغير القائم المكون من غرفة واحدة فقط.. بحوش صغير جدا.. وهو جزء من بيت جدي لأمي.. جزء من طفولة ممتدة بالذكريات الحزينة والمبهجة أحيانا.. يصعب علي الآن استحضار أي شيء منها.. أي شيء له قيمة أو تأثير في اللحظة الراهنة من حياتي.. فأنا لا أؤمن بأن مستقبل الإنسان انعكاس لطفولته.. يصعب علي تصديق ذلك لأن طفولتي كانت في جهة وباقي حياتي في جهة أخرى مختلفة تماما.

    (عدل بواسطة عماد البليك on 02-25-2013, 03:21 AM)

                  

02-25-2013, 03:33 AM

عماد البليك
<aعماد البليك
تاريخ التسجيل: 11-28-2009
مجموع المشاركات: 897

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أحد قصوري معروض للبيع (Re: عماد البليك)

    أنا إنسان مغامر وجسور.. يمكنني تشبيه نفسي بحصان ضخم في ميدان عام، ويمكن لهذا الحصان ان يكون مسليا لبعض من البشر الذين يحبون المتعة الموقتة.. الضحك بتأمل أو معاينة أحصنة تزهو بخيلاء في عروض ميتافيزيقية كتلك التي يسمونها عروض التاتو.. حيث تعزف الموسيقى ويأتي صف من الرجال الزاهين بملابسهم العسكرية ذات اللون الكاكي.. وهم يعزفون بالآلات الموسيقية المنفوخة.. كأنهم يسيرون في موكب جنائزي ومن وراءهم يأتي صف من الكلاب نعم.. كلاب صغيرة بهية الطلة ومهذبة وجميلة جدا.. مربية على الدلع والوله ولها لياقات حمراء كالتي التي يربطها في أعناقهم صبية الفنادق الليلة من النوع الذي يتخنث كالأناث. ووراء الكلاب تأتي الأحصنة وهي تسير بزهو كأنها خلقت هذا الميدان.
    أنا واحد من تلك الاحصنة لكني أسير منكسرا، مذلولا.. بائسا.. سقيما.. لست قادرا على مواجهة نفسي بخيبتي كحصان مكسور.. مجروح.. مفتقد للرعونة والبطش والقسوة.. تلك المواهب التي تمكن المرء من العيش رغم أنف الزمن في البلد الذي انتمي إليه.. والذي هجرته منذ خمس عشرة سنة بحيث أن علاقتي معه باتت الآن كعلاقة بمكان افتراضي لم يعد له وجود في أي مكان سوى خواطري، أو في هذا الفسحة التي يسمونها "السايبر".. حتى أن الأشخاص الذي ينتمون لجلدتي واقيم معهم علاقات "افتراضية" تظل هي افتراضية وكأنهم غير موجودين في واقع الأمر.. هم مجرد كائنات تشبه الظلال والأشباح التي تعشق التجول في الليالي المحاطة بسحب كثيفة تحجب ضوء القمر تحت اشجار النخيل والنيم والمسكيت.. تلك التي تركتها ورائي هناك في صحارى العتامير..
                  

02-25-2013, 03:45 AM

عماد البليك
<aعماد البليك
تاريخ التسجيل: 11-28-2009
مجموع المشاركات: 897

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أحد قصوري معروض للبيع (Re: عماد البليك)

    درست هندسة العمارة بجامعة الخرطوم وأعمل في الصحافة.. معادلة يصعب على الكثيرين ممن التقيت بهم تفسيرها.. أنا نفسي أقف عاجزا أمامها كثيرا.. مثلما أعجزعن تفسير سبب تغربي وسبب وحشتي في هذا العالم وانكساراتي وأوجاعي وأناتي.. وسبب انتسابي لبلد لم يعد مفخرة يحكمه رئيس أرعن وحثالة من الغوغائيين من ذوي النفوس المركبة على الشر والضغائن وأكل السحت.. أما السؤال الذي يظل يحيرني هو قدرة المكان "الافتراضي" الذي ولدت فيه أو جئت منه على الاستمرار والمقاومة رغم كل التصدعات والقيح والصديد الذي يخرج أطنانا كل دقيقة من نوافير حية.. بحيث صار .. يمكن لهذا البلد أن يصدر منه لكل دول الدنيا.. ويعجن بعض من الصديد ويصنع منه كسرة وخبر وزلابية كالتي كانت تصنعها حاجة رضينة..
    أتذكرها الآن.. ولا أعرف سببا لذلك.. فهي جزء من حنيني واشتياقي لمدن العتامير التي يتجول فيها كل من هب ودب الآن في سبيل الاشتياق لشيء ضائع، حلم بالثروة المستعجلة.. في أودية يقال أنها مسكونة بالجن الذي يحرس التبر.. هذه اللعنة التي خرجت فجأة من باطن الأرض لتشغل الناس بما فيهم الحكومة.. ومن سينشغل بذلك أن لم يكن هي..
    هذا الجن الذي كان سببا في التفريق بين المرء وأخيه.. أعرف كم الأخوة فقدوا أخوانهم في تلك الأودية بسبب الموت بالأفاعي أو الموت المباشر بأن يقتل أحدهم الآخر أو يرديه برصاصة موجهة إلى صدره. أو يسوقه إلى مكان قصي بين جبلين شامخين ويقص رقبته قصا بسكين.
    إنها اللعنة التي تسكن الآن ذلك المكان الذي ولدت فيه وجئت منه قبل أربعين سنة..
                  

02-25-2013, 05:46 AM

عماد البليك
<aعماد البليك
تاريخ التسجيل: 11-28-2009
مجموع المشاركات: 897

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أحد قصوري معروض للبيع (Re: عماد البليك)

    أتذكر رضينة وسطوتها وقوتها وقدرتها على مقاومة كافة مصائب الزمن وأنواع الشرور التي يبتلي بها الناس بعضهم بعضا. كانت أمي ترسلني أو نذهب معا لإحضار الزلابية مع أول قسمات الصباح الباكر في المدينة الصغيرة المطلة على النيل، الذي يقع بيت جدي بالقرب منه، لا يفصله عنه سوى مساحة خضراء يسمونها بالجزيرة.. ووراءها يوجد البانطون، المعدية التي تحمل الناس شرق وغرب النهر. وإذا كانت رضينة تكون في بيتها صباحا ففي العصر وأول المساء تكون هناك بجوار البانطون حيث تبيع الشاي بالحليب "اللبن" مع الزلابية لعابري النهر. كان لها زبائن كثر.. والبعض كان يعبر النهر من الغرب إلى الشرق ليس لهدف سوى شاي رضينة.. أو تأمل وجهها الصبوح ومشيتها المتكاسلة التي تبدو معها كما لو أنها جنيفر لوبيز بسمرتها المنعشة للأرواح.
    كانت تلك الهوساوية التي لايعرف لها أب ولا أم ولا أهل مصدرا للإلهام والجذب والسعادة المؤقتة لمن أراد أن يسلي نفسه عن رهق الأيام المتقاعسة عن توليد الجديد. فما أن تفرغ من مشاوير العصاري وتعود إلى بيتها مساء حتى تبدأ رحلة الليل، كنت أرى الرجال يدخلون ويخرجون من عند باب بيتها القصير القامة.. المصنوع من الدوم.. لا أحد يطرق الباب أو يستأذن.. فقط يحنون ظهورهم ويدخلون يقفون صفوفا.. وكم تلصصت لأسمع أنات الجماع والوصال، لتلك المرأة التي لا أنكر أنها كانت مصدرا ملهما لي في تفريغ الشحنات الزائدة في مراهقتي الأول. ساعة أراها تعبر الزقاق الصغير المعطر برائحة البخور والصندل.. لأهرع إلى الحمام وأعيد صورتها محاولا تركيبها من جديد في مخيلتي لأختلي بها وأهدي من روعي وأتنفس بهدوء في النهاية ثم أسرع إلى أحد دفاتري الصغيرة لكتابة الشعر.
                  

02-25-2013, 06:02 AM

عماد البليك
<aعماد البليك
تاريخ التسجيل: 11-28-2009
مجموع المشاركات: 897

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أحد قصوري معروض للبيع (Re: عماد البليك)

    عندما قالت لي جارتنا صباح إن رضينة شبعت موتا.. كانت صادقة.. وخلت في البداية أنها تكذب.. لأنه لاتوجد فتاة واحدة في حلتنا كانت تتمنى أن ترى رضينة على وجه الحياة.. قد يكون التعميم مخلا.. لكنه يعطي صورة تقريبية عن واقع ما كان يحدث.. وصباح مثلها من فتيات كثيرات ونساء عازبات ومطلقات ومتزوجات كانت تغار من رضينة.. لأنها كما يهمسن النساء غير مختونة، بخلاف نساء الحي.. "وهذا يمتع الرجال" كما سمعت أمي تخبر صباح ذات مرة.. وما أن سمعت طرف الحديث حتى هرعن لغيره وأمرتني أمي بأن أسرع لإغلاق الماء عن الصنوبر وجمع خرطوم المياه وإعادته إلى المخزن، بعد أن أكون قد تأكدت من ارتواء الجنينة، وهي حديقة صغيرة خلف البيت الكبير لجدي. كانت أمي تزرع فيها الطماطم والملوخية والجرجير والبطيخ، بقدرات مذهلة لاتملكها امرأة اليوم في المدينة، والجنائن المنزلية لم تعد موجودة اليوم، لنحكم على الأمر بدقة.
    كانت صباح مليحة الوجه ممشوقة القامة، طويلة بعض الشيء.. بيضاء.. بخلاف لوبيز فهي أقرب لدي إلى صورة انجيلا جولي.. التي عندما رأيتها لأول مرة بحجمها الطبيعي وواقعيتها في معسكرات اللاجئين الأفغان في ديسمبر 2011 عندما كنت في رحلة صحفية إلى الحدود بين باكستان وأفغانستان مع منظمة إغاثية قطرية.. وهي توزع الحلوى والزهور على الأطفال.. خلت أن تلك التي تقف أمامي هي صباح جارتنا القديمة التي لم أعد أعرف لها خبرا.. وهذا الأمر حرضني بعدها بأيام عندما عدت إلى الدوحة وأنا أجلس في مبنى الصحيفة، أن استخدم تلفون رئيس التحرير الدولي المخصص للحالات الطارئة لأي محرر دؤوب.. استخدمه في مكالمة سريعة إلى مسقط رأسي، لأسأل أختى هند عن صباح ماذا فعلت بها الأيام، فقالت لي بإختصار محزن:
    "صباح يا عماد في السجن.. لقد قتلت زوجها.. العربجي.."
    كانت تلك قصة محزنة فعلا عندما تعرفت على تفاصيلها في إحد الإجازات فالمكالمات الهاتفية كانت مكلفة بالنسبة لي ولا تسمح بغير إلقاء التحايا ومعرفة من مات ومن عرس، وكم المبلغ المطلوب إرساله أخر الشهر للأسرة.

    (عدل بواسطة عماد البليك on 02-25-2013, 06:04 AM)

                  

02-25-2013, 06:07 AM

عامر باضاوي
<aعامر باضاوي
تاريخ التسجيل: 10-15-2009
مجموع المشاركات: 1010

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أحد قصوري معروض للبيع (Re: عماد البليك)

    Quote: مثلما أعجزعن تفسير سبب تغربي وسبب وحشتي في هذا العالم وانكساراتي وأوجاعي وأناتي.. وسبب انتسابي لبلد لم يعد مفخرة يحكمه رئيس أرعن وحثالة من الغوغائيين من ذوي النفوس المركبة على الشر والضغائن وأكل السحت..









    .
                  

02-25-2013, 06:15 AM

عماد البليك
<aعماد البليك
تاريخ التسجيل: 11-28-2009
مجموع المشاركات: 897

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أحد قصوري معروض للبيع (Re: عماد البليك)

    كانت صباح تصر على أن اسمي مدثر.. لانني كما يقول أهل الحي كثير التخفي.. والبعض كان يسمني الضب.. خاصة عندما أسرع من بيتنا إلى بيت جارنا حسب الله الذي كان متقاعدا بالمعاش عمل معظم حياته متنقلا في ربوع السودان داخل القطارات، حيث كانت مهنته مفتش قطار.. في الواقع كانت تلك هي المهنة التي تقاعد عندها.. فهو كما حكي لنا قصة حكايته مررا.. كان صبي لا شغل له.. جرب ما جرب من الأشغال.. من حمل الطوب في القمائن المجاورة للنهر والتي يصنع فيها الطوب الأحمر.. إلى مهنة الزبال في بيوت ميسوري الحال في البلد.. إلى مهنة بائع الطواقي وإن كانت لاتليق به كما يقول.. لأن من كانوا يمارسونها "سودانيين غير أصليين" بحسب زعمه.. وهو أمر كان صعب علي أن أفهمه وقتذاك.. من هو السوداني الأصلي ومن هو المزيف؟ وسألته مرة فأوضح لي بطريقة زادت المسألة تعقيدا.. "السوداني الأصلي مثل أمك وغير الأصلي مثل رضينة".
    قلت لنفسي هل يعني ذلك أن الأصلي هو الذي لايبيع شرفه.. فالشرف هذه المفردة كانت كثيرا ما تتردد بجواري دون أن أكون مرئيا في المكان المعين.. لكن لاحقا فهمت أن القضية تعنى بفيزياء أخرى متعلقة باللون، بالقبلية، بالعرق، بالهوية ذلك اللون الغامض الذي كنت أخاله اللون الثامن في قوس قزح سماوي يلون سماء بلدتنا في أول الخريف.. ساعة أقف واحاول أن ارسمه في ورق مقوى كانت جارتنا صباح تحضره معها من المستشفى، في الواقع تسرقه من هناك.
                  

02-25-2013, 06:39 AM

عامر باضاوي
<aعامر باضاوي
تاريخ التسجيل: 10-15-2009
مجموع المشاركات: 1010

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أحد قصوري معروض للبيع (Re: عماد البليك)

    up









    .
                  

02-25-2013, 06:51 AM

عماد البليك
<aعماد البليك
تاريخ التسجيل: 11-28-2009
مجموع المشاركات: 897

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أحد قصوري معروض للبيع (Re: عامر باضاوي)

    شكرا عامر للاقتباس والرفع
                  

02-25-2013, 06:58 AM

مها عبدالمنعم
<aمها عبدالمنعم
تاريخ التسجيل: 01-02-2013
مجموع المشاركات: 683

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أحد قصوري معروض للبيع (Re: عماد البليك)

    جدا جدا اعجبني
                  

02-25-2013, 07:01 AM

عماد البليك
<aعماد البليك
تاريخ التسجيل: 11-28-2009
مجموع المشاركات: 897

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أحد قصوري معروض للبيع (Re: مها عبدالمنعم)

    مشكورة مها وربنا يديك قصر واسع كبير

    قولي آمين
                  

02-25-2013, 03:44 PM

مها عبدالمنعم
<aمها عبدالمنعم
تاريخ التسجيل: 01-02-2013
مجموع المشاركات: 683

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أحد قصوري معروض للبيع (Re: عماد البليك)

    امييييييييييييييييييين بس قصر حقيقي مامارق من قلب روايه
    وبس مساحته الف متر كفايه
                  

02-25-2013, 03:56 PM

عماد البليك
<aعماد البليك
تاريخ التسجيل: 11-28-2009
مجموع المشاركات: 897

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أحد قصوري معروض للبيع (Re: مها عبدالمنعم)

    Quote: امييييييييييييييييييين بس قصر حقيقي مامارق من قلب روايه
    وبس مساحته الف متر كفايه


    بس أنت يا مها صدقي القصر المارق من الخيال
    بكره بجيك ان شاء الله الطالع من الواقع

    لانو أي واقع كان في البداية خيال..
                  

03-04-2013, 04:56 AM

مجاهد محمد الهادي
<aمجاهد محمد الهادي
تاريخ التسجيل: 01-14-2013
مجموع المشاركات: 1665

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أحد قصوري معروض للبيع (Re: عماد البليك)

    شكرا حد السما ود البليك

    Quote: جدا جدا اعجبني


    تصور يا أستاذ عماد كنتا عايز أرسل اللينك دا للأخت مها عبدالمنعم فقد أحببت أن تمر عليه..

    عارفك بتحبي الكلام دا بس فتحت الفيس كدة يا مها تقوم مداخلتك تجيني رافعة راسا - سبوح قدوس

    (عدل بواسطة مجاهد محمد الهادي on 03-04-2013, 04:58 AM)
    (عدل بواسطة مجاهد محمد الهادي on 03-04-2013, 09:04 AM)

                  

03-04-2013, 05:10 AM

عماد البليك
<aعماد البليك
تاريخ التسجيل: 11-28-2009
مجموع المشاركات: 897

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أحد قصوري معروض للبيع (Re: مجاهد محمد الهادي)

    وشكرا ليك يا مجاهد أنت أيضا

    بلا حدود
                  

02-25-2013, 07:00 AM

سليمان القرشي
<aسليمان القرشي
تاريخ التسجيل: 01-12-2013
مجموع المشاركات: 1491

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أحد قصوري معروض للبيع (Re: عماد البليك)

    عماد صباح الخير
    مررت لاالقاء التحية ولتقديم
    فروض الحضور والمتابعة
    لهذه الروائع التي سكبت
    هنا واصل ياحبيب
                  

02-25-2013, 08:01 AM

عماد البليك
<aعماد البليك
تاريخ التسجيل: 11-28-2009
مجموع المشاركات: 897

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أحد قصوري معروض للبيع (Re: سليمان القرشي)

    شكرا لكل الاعزاء الذين علقوا من نافذة الفيسبوك
                  

02-25-2013, 08:12 AM

عماد البليك
<aعماد البليك
تاريخ التسجيل: 11-28-2009
مجموع المشاركات: 897

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أحد قصوري معروض للبيع (Re: سليمان القرشي)

    شكرا ود القرشي

    سانزل بقية الرواية
                  

02-25-2013, 08:18 AM

عمار عبدالله عبدالرحمن
<aعمار عبدالله عبدالرحمن
تاريخ التسجيل: 02-26-2005
مجموع المشاركات: 9162

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أحد قصوري معروض للبيع (Re: عامر باضاوي)

    شكرا بلا حد ولا عد
                  

02-25-2013, 09:35 AM

عماد البليك
<aعماد البليك
تاريخ التسجيل: 11-28-2009
مجموع المشاركات: 897

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أحد قصوري معروض للبيع (Re: عمار عبدالله عبدالرحمن)

    ولك أيضا عمار
                  

02-25-2013, 09:46 AM

درديري كباشي

تاريخ التسجيل: 01-08-2013
مجموع المشاركات: 3211

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أحد قصوري معروض للبيع (Re: عماد البليك)

    والله يا عماد
    قدرت تكتفنا وتبركنا وتقرينا كل هذا الكلام الرائع

    مع انه في ظروفنا التي نعيشها وبهذه النفس لا يستطيع حتى يوسف السباعي أن يفعل

    كن مواصل وكن بخير..
                  

02-25-2013, 10:05 AM

عماد البليك
<aعماد البليك
تاريخ التسجيل: 11-28-2009
مجموع المشاركات: 897

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أحد قصوري معروض للبيع (Re: درديري كباشي)

    يا سيدي درديري بارك الله فيك

    وليت الحياة تصفو
                  

02-25-2013, 11:25 AM

عماد البليك
<aعماد البليك
تاريخ التسجيل: 11-28-2009
مجموع المشاركات: 897

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أحد قصوري معروض للبيع (Re: عماد البليك)

    وأخيرا أخذت السنوات حسب الله إلى قطار، ركبه عن طريق الصدفة وهو يجلس على مقعد الدرجة الثالثة في ليل يفتقد لنزهة الضوء. وحيث لا إنارة في العربات الخلفية، فقد انتهزها فرصة لكي يتخفى من الكمساري.. موظف التذاكر داخل الحمام.. ويالها من كارثة.. فالحمام ليس مكانا مناسبا للاختباء.. خاصة في الظلام، حيث أن مجرد إدخال الرجل اليسرى قبل اليمني التزاما بالسنة وقهرا للشيطان، يعني أن أشياء ما تغوص في اسفل قدميك.. كيف تتخلص منها.. الله أعلم؟
    كان الرجل ذو الشارب الحليق.. الذي تعود على دلك جسده بزيت السمسم قبل النوم كل ليلة، يخبرني بما آلت إليه المغامرة في تلك الليلة.. فقد انتهت بتلويث قدميه ومن ثم القبض عليه بواسطة المفتش الذي يشعل بطاريته التي يصل طولها لقدم، فتصطاد الهاربين في الظلمات إلى أي ملجأ كان في قطار لن يكون فيه ملاذا للراغبين في ممارسة حيلهم في إدعاء الذكاء..
    "مهما تكن فهناك من هو أذكى منك يا حمار"
    قالها المفتش الطويل ببدلته ذات الأكمام القصيرة التي لا يمكن تمييز لونها في هذا الدماس، ذات الجيبين المتماثلين مع شاربه الكث المصبوغ بالحناء.. ورائحته التي لن تنسب لغير تلك الرائحة التي تعود حسب الله اشتمامها في أزقة الحواري العليا في البلد، تلك التي تقع شرق قضيب السكة حديد.. ففي سنوات وجيزة جدا صارت المساحة المجاورة للمقبرة مرتعا للسكارى في ردهات الليالي وعاشقي التسكع بحثا عن نساء تائهات حتى لو أنهن خارجات من القبور بعد أن سمعن إسرافيل ينفخ في صوره العظيم.. وأحيانا بائعي السموم وبعض من الحوريات الخارجات من البحر في طريق عودتهن إلى الصحراء، حيث يتزوجن الغزلان البرية.
    كان حسب الله يتأمل وجه المفتش العظيم، أكسبه صفة العظمة بعد أن رأى فيه خيالات وأساطير لرزمة من الخبرات والمشاهدات والتصعلك في تلك الليالي في الحواري التي لايسكنها سوى "اولاد الحرام" كما يقول أهل البلد. ومن غرائب الأمور أن السينما الوحيدة كانت في ذلك الجزء من المدينة الصغيرة، حيث أن دخولها أيضا يعني أنك إما مسطول أو سكران أو على أقل تقدير "غير محترم".
    تجارب حسب الله في الحياة منحته الفرصة من وقت مبكر، خاصة أنه تمتع بالجرأة.. من أن يختال على كل التقاليد.. وقيل فيه ما قيل.. لكن لأنه مسكين وفقير وبائس كما يقول الجميع أمام وجهه، فقد تحمل الترهات والنزق المتوحش لأناس ليس لهم هم سوى تصيد الآخرين أخطأؤا أم أصابوا.. ويذكر الجميع أن أول من جلد في البلدة، عند إعلان قوانين الشريعة الإسلامية في عام 1983 كان حسب الله.. كان بإمكانه أن يتفادى هذا المأزق.. أو الفضيحة بشهادة الجميع.. لكنه آثر أن يتحدى "الله" كما قال أمام الجلاد. وليس غريبا أن الجلاد كان صديقه وفي ليل ذات اليوم تعشيا سويا واتخذا طريقهما إلى الحواري العليا.. تسمى كذلك لأن شرق البلد أعلى من غربها، حيث تنحدر الأرض في وقت الخريف بالسيول من المناطق القبلية إلى النهر حاملة معها الأشجان لتلك الحوريات التي دفنت في الصحراء.

    (عدل بواسطة عماد البليك on 02-25-2013, 11:29 AM)
    (عدل بواسطة عماد البليك on 02-25-2013, 11:32 AM)
    (عدل بواسطة عماد البليك on 02-25-2013, 11:36 AM)

                  

02-25-2013, 01:30 PM

درديري كباشي

تاريخ التسجيل: 01-08-2013
مجموع المشاركات: 3211

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أحد قصوري معروض للبيع (Re: عماد البليك)

    Quote: ان الشيخ الفلسطيني الذي باع لي الأرض أهداني نصف المساحة التي اشتريتها.. والسبب في غاية البساطة انه قرأ أحد رواياتي فأعجبته وقال لي هذه مكافأة لك.. فالرجل مغرم بالقصص والروايات.



    حيرني هذا المقطع كثيرا يا عماد

    لدرجة بت اقتنع جازما بأن له ابعاد اخرى بين السطور اكثر من المعنى الظاهر للقصة ..

    ما الذي جعل فلسطيني يمتلك ارضاا في سوبا وليس في بيت المقدس ويبيعها ويهدي منها جزء مقابل قصة او رواية .. لمجرد اعجاب ؟؟؟؟

    على حال لازلنا ننتظر اللمحات النهائية لهذه اللوحة السريالية الرائعة
                  

02-25-2013, 03:21 PM

عماد البليك
<aعماد البليك
تاريخ التسجيل: 11-28-2009
مجموع المشاركات: 897

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أحد قصوري معروض للبيع (Re: درديري كباشي)

    العزيز درديري

    ذي ما قلت خلينا نشوف الحصل شنو؟

    عشان نفهم الرجل الفلسطيني ليه عمل العملوا..

    حكاية الارض في سوبا هذه ليست غريبة .. انا اعرف ".........." يمتلك مساحة تقدر بعشرين قطعة ارض مساحة الواحدة تبلغ 600 مترا مربعا.. وهو من بلاد الشام..

    وهذه الاراضي "تقريبا" في نفس المنطقة التي اتحدث عنها في الرواية

    سعر الارض منها قدر بـ 180 - 220 مليون سوداني .. المجموع حوالي 5 مليار سوداني

    أيه رأيك... !!!

    يمكن الغرابة في انه يهديني نصف الأرض..

    هذا يعتمد على أمور سوف نفهمها لاحقا..

    (عدل بواسطة عماد البليك on 02-25-2013, 03:22 PM)

                  

02-25-2013, 03:25 PM

عماد البليك
<aعماد البليك
تاريخ التسجيل: 11-28-2009
مجموع المشاركات: 897

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أحد قصوري معروض للبيع (Re: عماد البليك)

    كتبت

    Sloom Ibrahim

    في صفحتي على الفيسبوك تسأل:

    يعني مُصر على رأيك لازم تبيعه؟ ..
    ياباشا استهدى بالله شوية فكر مرة ثانية .. لو "الفلسطيني" سمع حا يزعل منك هذه الأرض *كانت غالية* عنده و لأنك أنت *غالي* عنده أهداك إياها
                  

02-25-2013, 04:31 PM

معروف حمدين
<aمعروف حمدين
تاريخ التسجيل: 07-16-2006
مجموع المشاركات: 1601

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أحد قصوري معروض للبيع (Re: عماد البليك)

    الأستاذ / عماد
    ياخي حرام عليكـ
    أنا داخل أشتري عدبل ( تبيع لى تخيلاتكـ )
    برغم كل .. قد أبتعت بضاعتكـ ولم أدفع درهماً ..
    شكراً لكـ يا جميل ..
                  

02-25-2013, 05:10 PM

عماد البليك
<aعماد البليك
تاريخ التسجيل: 11-28-2009
مجموع المشاركات: 897

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أحد قصوري معروض للبيع (Re: معروف حمدين)

    العزيز معروف

    لو الناس أصبحت ما قادرة في الواقع.. على الأقل تعيشها أحلام يقظة

    سلمت وحلال عليك بدون أي درهم
                  

02-26-2013, 05:02 AM

عماد البليك
<aعماد البليك
تاريخ التسجيل: 11-28-2009
مجموع المشاركات: 897

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أحد قصوري معروض للبيع (Re: عماد البليك)

    كتبت:
    intisar Mansour

    في صفحتي على الفيسبوك تسأل:

    imad is this a real sale for a palace or a novelist talk

    كتبت:

    دي رواية يا انتصار

    كتبت انتصار:

    i was going to make an offer

    وعلقت:

    looooooool
                  

02-26-2013, 05:27 AM

عماد البليك
<aعماد البليك
تاريخ التسجيل: 11-28-2009
مجموع المشاركات: 897

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أحد قصوري معروض للبيع (Re: عماد البليك)

    عندما وقف حسب الله أمام صديقه الجلاد ونديمه في مقاعد الشرب كان شيخا في السبعين من عمره ليس أقل.. كان مازال رأسه مثقوبا من الشراب الثقيل للعرق البلدي المصنوع من التمر المستجلب من القرى غرب النهر، حيث كانت تجارة التمور تدر الملايين وتباع في مزادات يشرف عليها علية التجار في البلد وبعضهم كان يأتي من العاصمة ليزاود في الصفقات التي تقام قبل أن يتم جنى الثمار والحصاد.
    يرحل التمر في جوالات كبيرة من الخيش باللواري عابرا للنهر بالمعديات في رحلات خاصة آخر الليل، يتم فيها الاتفاق بسعر مضاعف، ليكون موسما لسعادة سائقي المعدية، أما قليلي الحيلة فبعضهم يختصر التكاليف بأن ينقل المحصول بالمراكب، ليخزن قريبا من مركز الشرطة في صالات كبيرة معروشة بجملونات الحديد في مبنى كان من ذي قبل صالة من صالات ما يعرف بالتدريب المهني..
    ببسالة وقف الشيخ ذو السبعين خريفا يتحدى السياط على ظهره الذي سال دما.. لكنه استقوى واستعان بالله الذي تحداه لينجيه من الأهوال ومن سياط الأصدقاء الذين ينادمونكم ليلا ويضربونك نهارا.. وهو يتذكر أن بإمكانه أن يهرب من "الكشة".. ساعة اقتحمت دورية الشرطة حوالي الثامنة مساء بعد العشاء.. الحواري الليلية.. لم تقبض على أحد، سوى صاحبنا أبو حسب.. فكأن الناس وقد ابتلعتهم الأرض.. والواقع أن الأرض ليس بإمكانها أن تبتلع إلا من قدم قارورة عرق رشوة للعسكري أو لأحد الضباط الذين بدؤوا يتمايلون طربا ويرقص بعضهم في خلفية السيارة ماركة الكومر.. وهم يغنون "عزة في هواك" بأصوات تنفر منها القطط السكرانة هي الأخرى والتي لاتشرب الماء وتستعيض عنه بالخمور البلدية تسكبها البائعات في براميل كبيرة وصفائح الطحينية والجبنة التي تم إفراغها والتي قضت ردحا من عمرها في باطن الأرض حتى خرجت وهي تحمل أثقالها من شراب "ضرره أكثر من نفعه" كما كان يصيح القاضي مع وقع السياط.. فما بالها تلك الهرر فهي لا تعلم والذي لا يعلم فقد أفتى.
    وأمام سياط الجلاد، وحشد من المكبرين والمهللين وبعض من ذوي القلوب الرحيمة من زمرة رفاق الليل، في الساحة التي امتلأت عن بكرة ابيها.. بعد أن نودي بمكبر الصوت الذي تم تركيبه في سيارة الكومر، التي جابت أحياء البلد.. أمام كل ذلك كان البطل الشجاع المفتش السابق، الشيخ الهمام.. يستحضر صورة مفتش القطار السكران في تلك الأيام البعيدة في الحياة، القريبة في الذاكرة.. ذلك الحدث الذي كان انقلابا في حياته.. صحيح انه تم القبض عليه ووضع في حراسة القطار ذات الشبك المسدس كخلايا النحل.. إلا أنه ووفقا للقاعدة "عسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم" فقد جاء الخير من وراء تلك الفاجعة الصغيرة، لأن مدير أول محطة انزل فيها الرجل وهي محطة كبوشية قريبا من حيث يرقد أجدادنا القدماء من ملوك النوبة، عاين ببراعة إلى وجه حسب الله وقال له:
    "إني اراك تقطع تذكرة.."
    كان مدير المحطة هو الآخر يعيش غمرات الانتشاء بواحدة من زجاجات العرق التي وضعها أمامه على الطاولة الخشبية ذات الأعمدة الأربعة المتهالكة.. كان يجرع جرعة كبيرة كأنه يمتص قصب سكر متعفن.. وهو يخاطب الشاب الذي أمامه.. ليخبر المفتش أن عليه الانصراف لأن مهمته قد انتهت.

    (عدل بواسطة عماد البليك on 02-26-2013, 05:35 AM)

                  

02-26-2013, 06:18 AM

عماد البليك
<aعماد البليك
تاريخ التسجيل: 11-28-2009
مجموع المشاركات: 897

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أحد قصوري معروض للبيع (Re: عماد البليك)

    علاقتي مع حسب الله ذودتني بخبرات كبيرة في الحياة.. فهذا الرجل "الأمي" كما يقول البعض.. علم نفسه بنفسه، وناضل في ردهات الزمن يقاوم القواسي والمصائب إلى أن احتل مقامه الذي يرتضيه هو.. قبل أي إنسان آخر.. فهو لم يكن مشغولا بماذا يقال عنه ومتى وكيف؟.. كان يؤمن بأن الإنسان هو ابتكار ذاته.. ومثله كالشاعر عمر الخيام كان يرى أن الخمر هي رديف الحياة الحرة والعرفان الصوفي الخالص.. يعاقرها كشاعر من شعراء الصعاليك متحديا بها جور الأزمنة وعاقبيل الدهر ولوثات الجنون التي أصابت كثيرا من أهل البلاد. وأعلمني في ذلك الصباح وأنا أهرع إليه قادما من مدرستي، أن علي أن أكون أنا.. ساعة كنت أخبره أن هناك من عاب عليّ صحبتي معه بظن أنه رجل مارق وليس لديه ذرة من الاحترام.. عاش حياته بلا زواج مستندا على مقولات قديمة وفكر بائد للحزب الذي ينتمي إليه.
    وفي ايام وجيزة كنت أعزز ثقتي به رغم كل شيء.. ورغم تحذيرات والدي ووالدتي والأعمام والخالات.. وبعض من أصحاب النفوس المريضة الذي أومأوا لي أن الرجل لم يختار شريكة لحياته طوال عمره لأنه لايفكر إلا في الغلمان. وحذرني خالي مرة بلهجة واضحة:
    "هل تريد أن ينقد قميصك من دبر يا ولد!.. لا تفضحنا!"
    كنت أخبره بكل شيء.. كل شيء تقريبا.. وكان يقدم لي الكتب التي التهمها مثل وجبة شهية من عسل النحل أو الديوك الرومية.. الطعامان المفضلان لي في كبري.. قرأت "طوق الحمامة" لابن حزم الأندلسي.. و"مائة عام من العزلة" لجارسيا ماركيز، و"عرس الزين" للطيب صالح"، و"غابرييلا.. قرنقل وقرفة" لجورجي آمادو.. والأخيرة كنت اقرأها بنهم لأن صورة البنت الممشوقة ذات الساقين الطويلين، غابرييلا، البرازيلية ذات السمرة المحببة لي جعلتني أزهد نوم الليالي وأنا أعيش كصبي مراهق مع صورتها.. وأتخيلها ترقد بجواري أو نستلقى أنا وهي نضم بعضنا بعضا في الرف العلوي بأحد عربات القطار ساعة تنعدم الإضاءة تماما.. فمرة سافرت مع أمي إلى الخرطوم ونمت أغلب الرحلة التي كانت بالليل في "السبت العلوي" وأنا احتضن غابرييلا في أحلامي، لاستيقظ بسروال مبلل.
    كانت غابرييلا قد حركت في كوامن منتهبة اتجاه صباح رغم أنها أكبر مني سنا، ورغم أن صباح غير سمراء مطلقا.. فهي تقريبا تفوقني بعشرة سنوات.. ليس أقل.. سحرها ينبع من رائحة القرنفل التي تعبق منها والتي تجعلني اشعر كما لو أنها غابرييلا البرازيلية.. وربما كانت تلك الرائحة هي اختراعي بعد أن سرقتني سنوات العمر.. ففي كثير من الأحيان ومع تقدم الزمن يصعب على العمر أن يفرز أين هي حقيقة ما عاشه! فهو يصوغ الذكريات ما بين ماحدث فعلا وما كان يتمناه أو يتوقعه.
    ومرة صارحت حسب الله بما في نفسي.. فقال لي:
    "لا تخف وجرب معها .. على طول"
    "لا أخف.. أنا لا حيلة لي يا عمي"
    ضحك وقال لي:
    "أفعل كما يفعلون في رواية - غابرييلا"
    صمت قليلا وقلت له:
    "لكن هذا خيال"
    ابتسم وعدل نظارته السوداء الكبيرة.. بعد أن التف برقبته للوراء وبصق سفة التمباك على الأرض تحت العنقريب، يقول لي:
    "هذا الخيال هو الحقيقة.. وغابرييلا حتما كانت موجودة في حياة جورجي آمادو هذا البرازيلي العجوز الذي كان يعرف كيف يحب الحياة"

    (عدل بواسطة عماد البليك on 02-26-2013, 06:24 AM)
    (عدل بواسطة عماد البليك on 03-05-2013, 08:14 AM)

                  

03-01-2013, 01:25 PM

jini
<ajini
تاريخ التسجيل: 02-05-2002
مجموع المشاركات: 30716

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أحد قصوري معروض للبيع (Re: عماد البليك)

    Quote: ي أقف عاجزا أمامها كثيرا.. مثلما أعجزعن تفسير سبب تغربي وسبب وحشتي في هذا العالم وانكساراتي وأوجاعي وأناتي.. وسبب انتسابي لبلد لم يعد مفخرة يحكمه رئيس أرعن وحثالة من الغوغائيين من ذوي النفوس المركبة على الشر والضغائن وأكل السحت.. أما السؤال الذي يظل يحيرني هو قدرة المكان "الافتراضي" الذي ولدت فيه أو جئت منه على الاستمرار والمقاومة رغم كل التصدعات والقيح والصديد الذي يخرج أطنانا كل دقيقة من نوافير حية.. بحيث صار .. يمكن لهذا البلد أن يصدر منه لكل دول الدنيا.. ويعجن بعض من الصديد ويصنع منه كسرة وخبر وزلابية كالتي كانت تصنعها حاجة رضينة..
    أتذكرها الآن.. ولا أعرف سببا لذلك.. فهي جزء من حنيني واشتياقي لمدن العتامير التي يتجول فيها كل من هب ودب الآن في سبيل الاشتياق لشيء ضائع، حلم بالثروة المستعجلة.. في أودية يقال أنها مسكونة بالجن الذي يحرس التبر.. هذه اللعنة التي خرجت فجأة من باطن الأرض لتشغل الناس بما فيهم الحكومة.. ومن سينشغل بذلك أن لم يكن هي..
    هذا الجن الذي كان سببا في التفريق بين المرء وأخيه.. أعرف كم الأخوة فقدوا أخوانهم في تلك الأودية بسبب الموت بالأفاعي أو الموت المباشر بأن يقتل أحدهم الآخر أو يرديه برصاصة موجهة إلى صدره. أو يسوقه إلى مكان قصي بين جبلين شامخين ويقص رقبته قصا بسكين.
    إنها اللعنة التي تسكن الآن ذلك المكان الذي ولدت فيه وجئت منه قبل أربعين سنة..

    لسان حال ومقال كل الشرفاء السودانيين الذين عبرت عنهم بابلغ ما امكن
    جني
                  

03-01-2013, 07:39 PM

عماد البليك
<aعماد البليك
تاريخ التسجيل: 11-28-2009
مجموع المشاركات: 897

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أحد قصوري معروض للبيع (Re: jini)

    شكرا جني على التعليق

    والقراءة..
                  

02-26-2013, 06:21 AM

ALWALEED ALSHEIKH
<aALWALEED ALSHEIKH
تاريخ التسجيل: 01-11-2013
مجموع المشاركات: 884

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أحد قصوري معروض للبيع (Re: عماد البليك)

    أخي الكريم عماد
    قرأت ما كتبت حتى الآن ثلاث مرات وفي كل مرة يدهشني هذا السرد الجميل
    تلقائية و عفوية تذكرني بالرائع زيدان حينما يغني بلا تعب كأنه يتكلم
    أزداد حسرة لأن إبداعنا الجميل هذا لايعرفه الناس
    و مثلي ومثل الكثيرين غيري أردد سراً و جهراً هل من مزيد هل من مزيد وهل من مزيد؟
    و لك و لقلمك الراقي كل الود و الاحترام
                  

02-26-2013, 06:30 AM

عماد البليك
<aعماد البليك
تاريخ التسجيل: 11-28-2009
مجموع المشاركات: 897

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أحد قصوري معروض للبيع (Re: ALWALEED ALSHEIKH)

    الاخ وليد

    لك الحب ان منحت روحي هذه الطاقة التي يندر مثلها في هذه السنوات القاحلة..
    أن تجد من يقول لك أنت فعلت شيئا يستحق أن يقرأ أو يتأمل أو يعاش على الأقل في خواطرنا
    هذه الطاقة هي التي نحتاج إليها بيننا لنوقد حياتنا من جديد.. كشعب يستحق الحياة..

    مودتي..
                  

02-26-2013, 10:18 AM

عماد البليك
<aعماد البليك
تاريخ التسجيل: 11-28-2009
مجموع المشاركات: 897

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أحد قصوري معروض للبيع (Re: عماد البليك)

    غابرييلا.. قرنفل وقرفة، ذكرى تلك المرأة الخلاسية التي تقفز في الذهن كطائر حديقة منسية في أحلام الطفولة والذكريات المشردة مع وعثاء الزمن وأسفاره اللامتناهية.. كان نبينا الكريم ساعة ينوي السفر يقول وهو مستويا على ظهر بعيره قبل أن يشق الفيافي: "اللهم إنا نعوذ بك من وعثاء السفر وكآبة المنظر وسوء المنقلب في المال والأهل".. وهكذا سافرت من بلد إلى بلد.. أتنقل من وعثاء إلى دعة ومن هموم إلى صفاء، أعاين تارة مناظر تسرني ومرة أخرى أكحل عينيي بمرواد الانكفاء على الذات، بعيدا عن الأحياء، مسترجعا تلك الأيام القصية في مكان مجهول في ركن من أركان دماغي الشريد.
    بعد أربعين سنة في هذا العالم، أقف اليوم على مقربة من ربي حيث وصلت إلى بيت الله لأداء فريضة الحج، أنا التائه المنكسر الجناح.. اتبتل إليه أن يغفر لي خطاياي ويكفر ذنوبي ويقبل توبتي.. فأنا أعلم كم أنني من المثالب قد ارتكبت في هذه الدنيا الدنيئة.
    وقلت إنني بعد زيارة قبر النبي عليه السلام سوف أعود إلى بلدي، عسى أن أبدا مشروع حياتي هناك، فالحياة لم تبدأ بعد.. فكفى جراحا وغربة وتوهانا في البلدان.. كانت رغبتي بالعودة كبيرة.. لكنني كنت أخشى على نفسي من نفسي.. أخاف أن يأخذني وحل السنوات المستحدثة وضجيج بلدي الذي ما عاد مطمئنا ولا ميسور الحال.. كل السنين التي مضت وأنا أنتظر ذلك اليوم لكي أقول لنفسي صادقا.. "جاء الحبيب المنتظر".. والحبيب هو ذلك "الأنا" الذي يسكنني.. الأنا القديم الذي دفنته هناك بين رمال العتامير، دفنته وسط أحبائي القدامى، مع الذين كانوا حقيقة ذات يوم وتحولوا إلى ما يشبه الافتراض في عالمي لطول الرحلة¬¬¬¬، أكاد أعثر عليهم بصعوبة وأنا أحاول لملمتهم في أضغاث المساءات الملعونة في ديار المهجر وأنا أتقلب كمن يعاني ألم في جهة ما في القلب.. والقلب سليم..
    كان الطبيب الأمريكي الذي أجرى الفحص علي، قد قال لي:
    "وضعك الحالي مطمئن .. لكن ينبغي أن تأخذ قسطا من الراحة".
    قلت لنفسي: "إذن هو الحج.. الرضا.. تلك الطاعة التي نتقرب بها إلى المولى لنغسل القلوب ونعيد بناء الشروخ التي بدواخلنا.. نرى العالم من جديد.. نستقبل الأحبة والأحلام وطموحاتنا في هذه البسيطة مهما كانت الأقدار.. نكون نحن المغامرون الذين تأخذنا الرأفة بأنفسنا.. نحن المعذبون في الأرض.. المكتوين بجراح لاتندمل.. وقلق لاينتهي.. وفوضى لاتجد لها نظام أبدا.. ساعة يكون على الروح أن تغلي كمرجل يفتقد للتوازن معلق بين السماء والأرض.. نحسبة شهاب يهوي فنخاف على أولادنا".
    قال لي الأمريكي ذو الستين عاما ليس أقل.. وهو يسترجع السماعة عن صدري يضعها على الطاولة البلاستيكية ثم يشعل سيجارة.. ضاربا بقواعد المهنة وباللياقة الصحية والأدبية عرض كل ذوق.. قال ساعة بدأت أنا في الكحة:
    "Iam sorry"
    يقوم بإطفاء السيجارة في المطفأة الجرانتية أمامه.. بعصبية يزيحها ثم يقول لي:
    "أهتم بنفسك.. لاحظ أن وزنك يتناقص كل مرة عن المرات السابقة التي زرتني فيها.. خفف من الغضب والقلق.."
    سكت هنيهة وكأنه تذكر أمرا مهما قال لي:
    "لدي طلب..!!"
    انتظرت لأسمع.. وحركت رأسي دلالة على الموافقة المسبقة لطلبه.. أدركت أنه أمر متعلق بصحتي..
    قال لي:
    "توقف عن التدخين.. هذا أولا.. الأمر الثاني..."
    ابتسمت وقبل أن أتكلم فهم مقصدي.. أنه يتحدث عن طلب واحد.. والآن طلبان...
    ضحك بطريقة مخجلة.. لا تليق بطبيب لاتربطه علاقة بضحيته، سوى أنه جاءه يبحث عنده عن أمل في الحياة بشكل أفضل.. الواقع أنني احتقرته وتخيلته كأحد أبطال رواياتي الذين أزج بهم في مصائر أنا نفسي لم أكن أتوقعها ساعة أبدا في الكتابة.. ولا أدري هل كان يقرأ ما يدور بخلدي أم لا.. هل لديه قوة سحرية لاكتشاف ما يتحرك في أذهان ضحاياه من المرضى.. ليس هذا هو السبب قطعا.. هي صدفة لا أكثر.. كان قد قال لي:
    "طلبي الثاني أن تتوقف عن الكتابة.. اعرف انك لا ترى العالم بغير هذا المنظار.."
    كان يعلم أنني أكتب من خلال اللقاءات السابقة ومن خلال حوارات مبتسرة دارت بيننا، وأخبرته كم أنني شغوف بأن أكتب شيئا عن مهنة الطب ذات يوم.. وقال لي وقتها: ".. جميل أنك ستكتب عن مهنة إنسانية عظيمة"..
    الآن أقرر أنني سأكتب نعم.. ولكن سأكتب ليكون بطلي روايتي القادمة هذا الطبيب الأمريكي الأخرق.. لا أدري إلى أين سأقوده بالضبط.. هذا الذي يريدني أن أتوقف عن الكتابة.. إنه يريدني أن يقتلني قبل يومي.. لا لن أفعل.. كدت أن أصرخ فيه..
                  

02-26-2013, 11:10 AM

الصادق عز الدين

تاريخ التسجيل: 01-18-2013
مجموع المشاركات: 1034

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أحد قصوري معروض للبيع (Re: عماد البليك)

    سرحت بل غصت بكل تركيزي بين حنايا هذه الحروف الرائعة ، وأعجبت وإنبهرت بهذا التركيب البلاغي المتفرد .
    لم أنتبه إلا عندما لم أجد مواصلة للقصة وأعجبيت جدا بإنتهائها بالتوبة وطلب المغفرة من الكريم الجبارز
                  

02-26-2013, 03:28 PM

عماد البليك
<aعماد البليك
تاريخ التسجيل: 11-28-2009
مجموع المشاركات: 897

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أحد قصوري معروض للبيع (Re: الصادق عز الدين)

    العزيز الصادق

    رويدا فالقصة لم تنته بعد.. حيث انزلها على شكل مقاطع

    في انتظار البقية

    (عدل بواسطة عماد البليك on 02-27-2013, 12:01 PM)

                  

02-27-2013, 08:31 AM

عماد البليك
<aعماد البليك
تاريخ التسجيل: 11-28-2009
مجموع المشاركات: 897

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أحد قصوري معروض للبيع (Re: عماد البليك)

    فكرة أن أكتب رواية عن طبيب أمريكي مختال سرعان ما انقطعت علاقتي به، لم تستمر طويلا، لأنني كثيرا ما ترد بخاطري أفكار عن موضوعات تصلح لأن تكون روايتي القادمة، أقوم بالتنازل عنها فور انغماسي في تفاصيل الحياة اليومية.. فالعمل اليومي المضن والشاق في مهجري يأخذ مني الكثير من الوقت.. وشؤون العائلة والبيت تستغرقني.. فأنا رجل متزوج وأب لطفلة جميلة هي في الثالثة عشرة من عمرها الآن، لاتعرف عن السودان الكثير.. ولم تولد فيه.. تجيد العزف على آلة الكمنجة وتغني لمحمود عبدالعزيز وطه سليمان وأمير حلفا وعبدالعزيز محمد داؤود ونانسي عجاج.. صوتها جميل.. غنت أكثر من مرة بالنادي السوداني في مسقط بسلطنة عمان، في مناسبات اجتماعية.. كانت تسألني عن مسقط رأسي.. عن الصحارى والعتامير وأيام طفولتي وذكرياتي القديمة.. وعن رحلات الصيد في الأرض شرق النيل المسماة بالخلاء حيث كان عمي يصحب بعض من العرب القادمين من السعودية ودول الخليج العربية لصيد الغزلان، وهم يتبخترون بسياراتهم العالية ذات الدفع الرباعي بأصواتها المزعجة في الليل وأدخنتها العجيب، ينصبون خيامهم بلا رقيب.. يعودون إلى بلادهم يكون عمي قد عاد إلينا بالهدايا التي هي بقايا ما ترك القوم من مأكولات معلبة وعصائر وبسكويت وحلويات وأشياء لم نرها من قبل.. والتفاح والكمثرى والعنب وفواكه لاتنضج في أرضنا.. تقول أمي لم نكن نظن إننا سوف نأكلها إلا في الجنة.. أما أبي فيصرخ ساعة يرى هذه "الفضلات" كما يسميها.. ويحذر أمي، ويكون قد ركل المخلاة والأكياس البلاستيكية التي تحتفظ بها جدتي في البترينة كأعجوبة.. وتستعرض بهن أحيانا أمام رفيقاتها.. وهي تتهجأ الحروف الإنجليزية المكتوبة.. أم .. أي .. إل .. إل .. Mall.. كانت تعرف الحروف لكنها لاتمضي أكثر من ذلك.. ومرة طلبت من حسب الله أن يسلفها قاموس دكشنري.. فاستغرب من طلبها.. ولم يرفض.. وأخذته لتقضي يومين كاملين في الهجأ بصوت عال.. لكنها لم تفعل شيئا ولم تتعلم سوى تضييع الوقت الذي لا تعرف كيف تقضيه.. بعد أن فقدت زوجها.. صحيح أن الرفيقات مسليات بالنسبة لها.. لكن جدتي لأمي امرأة ضجرة لا تحب إلا نفسها..
    أحكي ما أحكي لماجدولين.. ابنتي.. عن تلك الأيام التي تطل وراء نافذة التاريخ المنسي لذلك البلد البعيد.. كأنها تستغرق معي.. ومرة قالت لي:
    "بابا ليش ما تكتب عنهم ديل ناس اكسبشنل"
    أحترم أفكارها جدا.. وكثيرا ما أتعلم منها.. أرد عليها بالإيجاب.. وفي اليوم التالي أتركها تجلس أمامي اللابتوب لتبدأ في قراءة ما كتبت ليلة أمس.. لقد ظللت سهرانا إلى الفجر.
                  

02-27-2013, 11:57 AM

عماد البليك
<aعماد البليك
تاريخ التسجيل: 11-28-2009
مجموع المشاركات: 897

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أحد قصوري معروض للبيع (Re: عماد البليك)

    استيقظ من أحلام اليقظة على صوت جارتنا صباح تناديني من وراء الحائط:
    "يا ولد يا مدثر.. قول لي أمك طهارة أولاد جبارة بكره".
    تسرع ماجدولين لسؤالي:
    "بابا.. جبارة دا منو.. ما حكيت لي عنو أبدا"..
    جبارة.. ماذا سأقول لها عنه.. يمكنني أن أحكي عن رضينة أو حسب الله أو صباح أو حتى أولاد النعسان.. لكن أن أكلمها عن جبارة فأي لغة سأتكلم بها.. ماهي هذه المصيبة التي وضعتني فيها.. وكيف لي أن أتحرر من مأزقي... هل أؤلف لها قصة كما أؤلف القصص.. أم أقول لها الحكاية الحقيقة عنه..
    كانت تتأمل حيرتي.. وسكوني.. وكانت تقرأ أفكاري.. فقالت لي:
    "بابا أنسى.. استمع معي للموسيقى لكي تنسى"
    وبدأت العزف على الكمنجة.. وغنت بصوت هامس في ذلك الصباح.. لا أعرف ماذا كانت تدندن بالضبط.. لكنني عشت تلك الهنيهات التي استمرت لدقائق، لنصف ساعة تقريبا.. كنت كمن يعيش حلما جميلا.. أتأمل ابنتي وروحي بكبرياء ونشوة أب فرح بدوره في الحياة.. أسرع لاحتضانها وهي تضع الكمنجة في جيبها ومن ثم على الرف أسفل لوحة الخشخاش لفان كوخ.. ودمعة فأخرى فثالثة تنكسب من محجري.. وأنا أرى أمامي صورا لست قادرا على فرزها بالضبط.. ماذا تكون؟ كأنني أقف أمام ظلال باهتة لبيوت الطين التي عشت فيها طفولتي.. أو عربات الكارو التي قدتها في النهارات الحارة لأترزق بها.. وأنا أجري وراء والدي وهو يحملني معه من زقاق لآخر ومن فسحة لشارع.. ننقل الرمل والحجارة للبيوت تارة.. وأحيانا يفتح الله علينا بأن نحمل جوالين من الفحم إلى بيت أولاد النعسان.. فيغمروننا بالمال هذا إذا لم تحمّلنا أمهم بعمود طعام يكون هو هدية مع ما فيه.. هؤلاء أكرم ناس رأيتهم في حياتي.. لكن الحياة ليست مضمونة دائما.. فقبل أيام أخبرتني هند وهي تدردش معي بالشات في صفحتي على الفيسبوك أن أولاد النعسان لم يبق منهم واحد إلا ودخل السجن.. ربما أصغرهم ذهب إلى وديان الذهب يبحث عن نصيبه مع الباحثين.. ذكرت لي ما ذكرت وهي قادرة على التصديق.. كيف تلاشت ثروتهم التي كانت توصف بأنها كالجبال.
    كتبت لها:
    "علينا أن نصدق.. هذه هي بلادنا!!"..
    أرسلت لي ردا في شكل وجه يبدو عليه الحيرة يضع أصبعه على خده!
    ... وفتحت عيني على المكان الذي فيه أنا الآن في بيتي بالمهجر.. وماجدولين ترتب بعض أغراضها لأنني قد نويت السفر إلى الحج.. وهي ستذهب في رحلتها الأولى إلى السودان.. وبعدها سوف استقل أنا الطائرة من المدينة المنورة إلى الخرطوم لنلتقى بعد أسبوعين على الأكثر.. أما والدتها فقد سبقتنا لترتب حال أحد قصورنا قبل أن نقرر بيعه نهائيا..
                  

02-28-2013, 07:47 AM

عماد البليك
<aعماد البليك
تاريخ التسجيل: 11-28-2009
مجموع المشاركات: 897

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أحد قصوري معروض للبيع (Re: عماد البليك)

    كانت رواياتي.. قصصي.. تمثل نوعا من الحنين إلى الديار التي جئت منها.. وكنت أكتب لكي أسلي نفسي وبعد أن جاءت ماجدولين كنت أكتب لها.. عن هؤلاء الناس "الاستثنائيين" الذين هي أحبتهم كما تقول قبل أن تراهم.. أحبتهم كشخصيات روائية وهي غير متأكدة إن كانت سوف تحبهم في الواقع أم لا.. صعب على أن أحكم.. فثمة مساحة فاصلة دائما بينن ما تصوره لنا أذهاننا وتخيلاتنا وما نعيشه في الحقيقة.
    كان علي أن أخبرها عن أولاد جبارة.. وعن الغضب الإلهي الذي حل بهم كما يقول الناس هناك.. حل بسبب أبوهم وعمهم وعمتهم.. فأولاد جبارة في الأصل هما حسن وحسين وحسونة.. وثلاثتهم أولاد سفاح.. يعني "أولاد حرام".. ثلاثة توائم أنجبتهم أمهم في يوم واحد.. خرجت البنت أولا ومن ثم خرج الولدان في الماعون أسفل العنقريب.. كانت القابلة بت النبي تضع الواحد منهما في الصحن الملئ بالماء نصف الحار.. تغمسه ثم تخرجه بعد أن تكون قد غسلته من مابقي من مشيمة الرحم وبعض من الدم الآثم لامرأة سوف تموت في تلك الولادة، تفعل بنت النبي ذلك وهي تلعنهم.. ويهرب الأب.. الوالد إلى جهة غير معلومة.. لأن أهل البنت التي حملت سفاحا.. أهل حرم الله، قرروا في ذلك المساء واستجمعوا أمرهم على أن يقتلوه إن بقي بينهم.. فكان قراره أن فر بليل ولم يعد له أثر.. سمعت أخيرا أنه عاد وهو قد تجاوز الستين من عمره.. بلحية كثة بيضاء ويقال إنه قضى أربعين سنة في الإسكندرية المصرية يعيش متخفيا هناك عن أي من بنى جلدته.. ويقال إنه تزوج من مصرية غلفاء وأنجب منها خمس من الأبناء.. لكنه عاد ليموت في أرضه وبين أهله.. فلم تمض سوى أيام قليلة إلا وقد حمله المشيعون إلى مقبرة البلدة التي باتت في وسطها بعد أن كانت أقصى الشرق.. والتي أحاطت بها المساجد بدلا عن بيوت الحواري القديمة التي شهدت زنقات العصاري والمساءات في المناوشات بين رجال الشرطة والسكارى.
    وربى أبناء جبارة، أهل أمهم.. كانوا يتعاملون معهم كعار.. بيد أنهم ماذا يفعلون.. لكنهم تركوهم بلا تعليم أو وصاية.. تركوهم يتعلمون من الحياة والشوارع.. وبقدرة الله حدثت المعجزة، فقد أصبحوا مشائخ وأنوارا زكية، والآن إذا ذهبت إلى هناك ودخلت أحد البيوت مابعد ميلاد أو ختان فسوف تأتي إليك أصوات مديح بهي للرسول الكريم.. وستدخل إلى صالة معروشة بمروق الدوم لتجد رجلان وامرأة هم المادحون.. تحمل المرأة الطارة تدق عليها.. رغم أنها لاترى فقد أعمتها السنوات والإهمال والفقر..
    قلت لماجدولين:
    "هؤلاء هم أولاد جبارة يا بنتي"
    وسألتني:
    "..والطهارة كانت لمنو؟"
    ابتسمت.. فالقصة طويلة إذن.. غير أني اكتفيت بالإجابة على سؤالها:
    "الطهارة كانت لأولاد حسن.. فحسين لم يتزوج إلى أن ألتهمته الحياة على عجل.. وحسونة تزوجت مرة واحدة وتطلقت"
    كانت حسونة ذات جمال باذخ في صغرها.. أتذكر أنني رأيتها مرة شبه عارية وهي تقف أمام بئر أولاد النعسان تملأ الدلو بالماء.. لأن الشبكة الرئيسية كانت معطلة.. وبئر النعسان وقف وحلال لكل من أرادها.. رأيت نصفها الأسفل من المؤخرة.. كانت قد انحنت مع الحبل الذي حمل الدلو إلى أسفل البئر.. بيضاء بردفين سريعي الاهتزاز كأنما تريد أن ترمي بهما وتهرب.. كان سروالها واسع شفاف بحيث يمكن رؤية أشياء أخرى.. لكن الجمال ينهزم أمام "بنت الحرام" كما أخبرني حسب الله.. إلى أن جاء اليوم الذي تزوجها فيه إبراهيم المصري.. ذلك الرجل الذي قضى خمس سنوات وسطنا يدرس اللغة العربية بالمدرسة المتوسطة.. كان المدرسون المصريون في تلك الأيام في كل المدارس تقريبا.. وأعجب بها وأسرّته ولاحقها وسط الجزيرة والجنائن قريبا من النهر في العصاري.. إلى أن فاز بها.. كانت تذهب لتملأ قفتها بالنجيلة والسعدة تقلعها بيديها القوتين دون أن تستخدم المنجل.. لتعود بها إلى غنمها..
    أنتهت تلك المساسقات بينها والمصري بالزواج.. وفي النهاية قبل أن تمضي أشهر كان قد طلقها وبعدها غادر الرجل إلى دياره.. ولم يعرف أحد عن سبب الفراق.. قيلت أمور كثيرة.. وذهب السر بين صاحبيه.. ولأن حسونة كانت هي التي تؤلف أغلب المدائح لأخويها.. وهي.. إن لم يمدحا للبرعي أو حاج الماحي.. فقد كانت تستحضر في بعض مدائحها ألغازا من سيرة زواجها بطريقة تبدو غامضة، تعيد فيها ذكرى مصر بالكلام الحسن على شاكلة "مصر المؤمنة بأهل الله".
                  

03-01-2013, 08:40 AM

عماد البليك
<aعماد البليك
تاريخ التسجيل: 11-28-2009
مجموع المشاركات: 897

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أحد قصوري معروض للبيع (Re: عماد البليك)

    قلت لكم أشياء كثيرة,, قصصت لكم عن قصوري.. وعن ابنتي ماجدولين.. وعن أناس عرفتهم في سنوات طفولتي.. وعن القلق المثير الذي يسكنني وعن ذهابي إلى بيت الله للحج.. لكنني لا أعرف إن كنت أقول لكم الحق أم لا.. أين هي الحقيقة في ما أخبركم وأين الخيال؟ هل صحيح أنني متزوج ولي بنت جميلة تعزف الكمنجة اسمها ماجدولين وهل فعلا أن صديقي الفلسطيني أهدي لي نصف البيت – القصر مقابل رواية.. لست متأكدا من ذلك إن كان حقيقة أم من نسج خيالي.. فالروائيون أناس تتجه عندهم الحياة للمزج بين المساحات الواقعية والمناطق السحرية المتوهمة في الذهن.. بحيث يصعب التمييز ويمكن أن تستفحل هذه الحالة لتصبح مرضا نفسيا لدى البعض.. مثلا كافكا ذلك الذي ابتكر رجلا يتحول إلى حشرة.. هل كان يتحدث عن أمر رمزي أم عن حقيقة.. الكثيرون ربما قرؤوا القصة.. هل توقف أحدهم ليسأل ولما حشرة؟ أو كيف حدث التحول؟ وهل كان كافكا يحكي عن تجربته الشخصية ومأزقه الوجودي أم هو مجرد فن وخيال وعبث أحيانا.. هو سؤال يتعلق بجدوى الفنون في حياة البشر.. لماذا نرسم أو نكتب أو نعزف الموسيقى!! وربما لماذا نسافر ونتوقف ونتأمل ونعود بذاكرتنا للوراء.. أو نهرع بها إلى المستقبل في محاولة لفهم ما يمكن أن يحدث..
    مثلا أنا أعرف سيدة كان اسمها رضينة.. وكانت فعلا تبيع الزلابية في بيتها الساكن في الزقاق المؤدي لبيت جدي لأمي.. هذا حقيقي وغير متوهم.. لكن هل كانت داعرة ليل.. أو عصاري.. هل كانت تستغوي الرجال بسمرة جنيفر لوبيز.. هل كانت هوساوية.. يصعب علي أن أعرف بالضبط أين هي الحقائق!!.. وفي حياتنا كبشر وفي معظمها حتى في داخل علاقتنا مع ذواتنا.. حتى في تفاصيل حياتنا اليومية.. نجهل مرات كثيرة النقطة التي تقول ماهو واقعي وماهو من نسج الوهم.. لكن هل الخيال هو الوهم.. أم شيء مختلف... لا أعرف ولست مهتما بدرجة واضحة.. يهمني تلك النزعة التي تعيش جواي وتحتويني منذ سنوات بعيدة.. أن أكتب روايتي أنا.. لست مهتما بأن يعتمد السرد على قوانين محددة.. أو على منطق.. المهم أن أصدق أنا ما جرى..
    في تفسير ابن كثير هناك قصص حدثت مع أنبياء وأناس على هوامشهم.. مثلا كان هناك رجل يرافق أحد الأنبياء، كان هذا الرجل طويلا جدا.. كان يصطاد السمكة بأن يدخل يده الطويلة جدا في الماء.. يقبض على السمكة.. يخرجها.. ثم يرفع يده إلى أعلى.. يده الطويلة جدا.. ليشوي السمكة في قرص الشمس.. تكون يده قد تبللت بالحرارة دون أن تحترق.. وكان هناك نبي اسمه إدريس وآخرون يسمونه هرمس.. أو المثلث العظمة.. كان يتوكل على الله ويطير ثم يطير.. يطير بلا جناحين.. ويدور حول زحل بحلقاته المثيرة ثم يمر على الزهرة فيعود إلى الأرض.. وفي تراثنا الإسلامي كان النبي عليه السلام يسافر إلى بيت المقدس ثم يعرج إلى السماء ويرى الجنة والنار ثم يعود إلى الارض في ليلة أو أقل.. عليكم أن تصدقوا..
    ".. فالذي ليس له دليل على النفي عليه أن يحترم ما يقال على الأقل.."
    لا أدري مدى دقة هذه المقولة.. وهل هي نوع من التخدير للعقل أم هي منطقية.. قالها لي أحد شيوخ الدين.. قال لي إنك لن تفكر بطريقة أكثر من أناس سبقوك وخلدوا هذا الإرث العظيم.. كن حذرا مع المعجزات!!
    المعجزة.. كلمة جاذبة وغريبة في الوقت نفسه.. تشدني للمضي في أن أحكي روايتي إلى النهاية.. أن استنزف خيالي في استرجاع هؤلاء الناس "الاستثنائيين" أن أعيد عجنهم لأجعلهم يمشون بين الناس وفي الأمكنة.. الناس الذين هم من اختراعي.. والأمكنة التي لم توجد في أي خارطة خارج هذه الرواية..

    (عدل بواسطة عماد البليك on 03-01-2013, 08:43 AM)

                  

03-01-2013, 09:48 AM

عماد البليك
<aعماد البليك
تاريخ التسجيل: 11-28-2009
مجموع المشاركات: 897

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أحد قصوري معروض للبيع (Re: عماد البليك)

    في كتاب ودضيف أعظم روائي سوداني.. هناك قصص كثيرة يصعب تصديقها.. تعامل معها البعض كمعجزات لأولياء وصالحين من أهل البلاد.. وآخرون قالوا إنها مجرد أخاطيل وخرافات.. بالنسبة لي لم يكن ودضيف الله يبحث عن الحقيقة أو كان مؤرخا أو يعتبر نفسه ذلك.. هو لم يكن إلا روائي.. صاغ روايته ومضى.. وترك لنا حرية وتركة في تأويل نصه.. فهو يحدثنا مثلا عن الشيخ ابراهيم البولاد الذي عصر ثديه فدرت لبنا ليرضع به مولودا حديثا.. وعن الشيخ هجا ولد عبداللطيف الذي رجعت الشمس من وقت العصر إلى وقت الظهر يوم موته.. هناك قصص كثيرة أناس يموتون ويعودون للحياة.. آخرون يتكلمون من قبورهم.. من يشاهدون العرش من مواضعهم على الأرض.. ومن يتكلم في المهد كالمسيح عليه السلام.. ومن يحيي الموتى على شاكلته أيضا.. ومن يطير بعنقريبه ويحط في قرية ما.. ومن يتحول لأسد ثم يعود بشرا.. ومن يغطس في البحر فيصبح دافئا للجميع.. ومن يظل بوضوء واحد دون أن يستنجا أو يتغوط لشهور.. ومن عاد إلى طفولته بعد أن أصبح شيخا ظاعن السن.. ومن يمشي هو وحيرانه على الماء متمثلا خطى سيدنا موسى.. ومن يمزق القرآن وهو رجل صالح.. يمزقه في المسجد متبتلا إلى الله.. من يركب جملا وتريد النسوة تقبيل يده شفاعة منه فيطول الجمل طولا عجيبا فتعجز نسوة المدينة عن تقبيل اليد المقدسة..
    أما صاحبنا الشيخ إبراهيم الخواص فقد كان لصا يسرق الثياب.. وكان يتقرب الله بالسرقة.. وهناك من ادخل عُكازه في زيرين ثم قال : أ ب ت ث ج ح خ فقلبهما سمنا.. وهناك شيخ كان ابنه يبيع المطر لأهل الحي ولقب بـ "بياع المطر" وهي نفسها قصة ذلك الشيخ الذي يجامع زوجته من على البعد.. يعني بـ "الرموت كنترول".. ثم تنجب منه.. لقد جامعها وهو في الحج.. في مكة.. وهي في السودان.. وهو شيخ من شيوخ العركيين.. ولكي نفهم القصة فهو قد آتي من الحجاز ليلا وعاد في ليلته.. أسري به.. ليجامع زوجته الطاهرة من دم الحيض..
    كتب ودضيف الله: "الشيخ عبد الرحيم بن الشيخ عبد الله العركي المشهور بإبن الخطوة.. فولدته أمه وأبوه مجاور في الحرمين الشريفين. وذلك أنه طرقها ليلا.. فقالت له: سيدي أنت طرقت البلد وأنا طاهرة من الحيض وقد ماسستني وأخشى أن يقدر الله لي حملا منك والناس يعنفوني به بغيابك.. فقال لها: موضع قدمي بيعرفه الشيخ أبو إدريس أخوي.. فواقعها فحملت منه بعبد الرحيم. فإن الشيخ ابو ادريس لما رأى قدم أخيه قال البارح عبدالله أخوي طرق البلد من الحجاز.. ثم قدم الشيخ عبدالله بعد سبع سنين من ولادته، تلقاه غلام فسلم عليه.. وقال : هذا ولدي ويسموه بياع المطر.. لأنه يبيعه على الناس"..
    إذن فهو أيضا ذلك الشيخ الذي يبيع المطر..
    ... وهناك معزة تصيح في البطون لأنها مسروقة.. ورجال تخضر لهم الأشجار ساعة يجلسون تحتها.. وأخر يتقلب يميناً وشمالاً وهو ميت حتى يتمكن غاسله من غسله..

    (عدل بواسطة عماد البليك on 03-01-2013, 10:21 AM)

                  

03-01-2013, 10:17 AM

عماد البليك
<aعماد البليك
تاريخ التسجيل: 11-28-2009
مجموع المشاركات: 897

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أحد قصوري معروض للبيع (Re: عماد البليك)

    وأنا في الطائرة في طريقها إلى الخرطوم قادما من بيت الله، كنت أتأمل من النافذة التي أجلس بجوارها هلامات السحاب الذي تطير الطائرة فوقه.. وكنت أمارس هوايتي في تخيل هذه السحب المتحركة هوينة وكأنها لوحات سيريالية أو تجريدية لفنانين كبار أمثال سيزان وبيكاسو وفان كوخ أو راشد دياب أو إبراهيم الصلحي أو شبرين.. أتاملها وأتخيل صورا لشخوصهم بينها.. كنت أرسم لوحات مبهرة في خيالي أشاهدها وأضحك معها وأزيز الطائرة يغسلها لأعود أرسمها مجددا.. إلى أن داهمني النوم.. فرأيت في منامي ودضيف..
    صحيح أنني تخيلت الرجل.. تخيلت شكله منذ سنوات صباي عندما قرأت كتاب طبقات ودضيف الله مبكرا حين أهداني إياه حسب الله وقال لي:
    "دا هدية ليك يا عماد"
    "لكن.. دي نسختك"
    قلت له، فرد علي:
    "لا أبدا.. عندي واحدة ثانية"
    هذا الكتاب كان يرافقني أكثر من المصحف.. ودائما ما أضعه معي في حقيبة السفر.. وهي نسخة قديمة مطبوعة في بداية السبعينات من القرن الماضي بتحقيق البروفيسور يوسف فضل.. الذي عندما رأيته لأول مرة "فيس تو فيس".. كان ذلك في بيته بسكن الأساتذة الجامعيين في مدينة بري شمال نادي الشرطة بالخرطوم.. ذهبنا أنا وصديقي عبدالله الفكي البشير الذي كان يدرس التاريخ بكلية الآداب بجامعة الخرطوم.. وكنت أنا أدرس العمارة كما أخبرتكم.. كان عبدالله تربطه علاقة وطيدة بيوسف فضل.. واستقبلنا الرجل وهو يلبس روبا أبيضا كأنه طبيب خارج من عملية جراحية استغرق فيها مهاراته وخبراته في الطب.. وتخيلته ودضيف الله منذ تلك اللحظة يعالج بمبضعه التاريخ جرحا وتعديلا.. دائما ما تأتيني صورة ودضيف الله منذ ذلك اليوم قبل ثمانية عشر عاما على أنه شبيه ليوسف فضل في قصره وجسده الممتلئ نوعا ما.. و سخريته س خ ر ي ت ه المعهودة من الأشياء والعالم.. ولامبالاته أحيانا..
    الآن أرى ودضيف الله في حلمي.. لكنه كان مختلفا تماما.. كان طويل القامة، حليق الشارب.. خفيف مثل نخلة تمايلها الرياح الشتوية الباردة في أمشير.. قدمه اليسرى بها عوج.. يمشي وكأنه يقلبها ثم يسترجعها مرة أخرى لحالها.. وتمشينا أنا وهو.. في شوارع الخرطوم ودخلنا القصر الجمهوري فلم نجد فيه أحد.. وقال لي الرجل الخفيف الظل صاحبي:
    "رأيك شنو نحكم البلد دي.. آهي الفرصة لينا والقصر فاضي"
    قلت له:
    "أنا ما عندي وقت.. عندي روايات كتار عاوز أكملن"
    قال لي:
    "يا ولد أنت عبيط.. روايات شنو.. الناس العظام بكتبوا رواياتهم في الواقع مش في الخيال"
    وكأننا طرنا من القصر على شارع النيل.. أو ركبنا طائرة هليكوبتر.. كيف حدث ذلك الله أعلم.. ففي الأحلام كما في السياسة لا قواعد ولا قوانين ولا أخلاق.. ومن أعلى كنا نشاهد الخرطوم بما حملت من أثقال.. سيارات منهكة تسير في شوارع منخفضة الإضاءة أو شبه معدمة.. إذا فقد كان الوقت ليلا.. كانت فتيات يقفن أمام محل لبيع الآيسكريم وهن يتثنين ويتخنعن.. وصبية يجرون مجموعة جوالات مربوطة بحبال متينة.. إلى إحدى الحفر.. الله أعلم ما بداخل تلك الجوالات.. وكان عساكر يقفون أعلى دبابة قريبا من مصنع لتصنيع اللحوم على شاكلة سجك وبيرقر وبوفيتك.. وآخرون يستحمون في النيل عراة كما خلقهم المولى.. وبحثت عن آثر لجامعة الخرطوم فوجدتها.. أنا وود ضيف الله وقد انمحت عن الوجود وحل محلها مرقص ليلي مزحوم ببنات هوى قادمات من الفلبين وروسيا وتايلاند ونيبال وبلدان شرق أوروبا.. كان الرجال يتراقصون سكارى وأمامهم زجاجات الويسكي والتيكلا والبراندي والروم.. وقد كتب على بعضها Made in Sudan
    وقال لي صاحبي:
    "تفضل لنأخذ واحدة.. ونبيت الليلة مع حورية"
    قلت له:
    "استغفر الله يا ودضيف الله.. أنت من كتب تاريخ الصالحين"
    قال لي:
    "يا ولد يا أهبل أنت ما بتعرف طريق الصلاح ولا الفلاح.. أنت زول مسكين"

    (عدل بواسطة عماد البليك on 03-01-2013, 10:29 AM)

                  

03-01-2013, 11:00 AM

منير عثمان
<aمنير عثمان
تاريخ التسجيل: 01-02-2013
مجموع المشاركات: 265

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أحد قصوري معروض للبيع (Re: عماد البليك)

    Up
    الاستاذ البليك سرد جميل ومشوق ، لك الشكر على هذا الابداع مع التحية والتقدير

    (عدل بواسطة منير عثمان on 03-01-2013, 01:37 PM)

                  

03-01-2013, 12:01 PM

عماد البليك
<aعماد البليك
تاريخ التسجيل: 11-28-2009
مجموع المشاركات: 897

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أحد قصوري معروض للبيع (Re: منير عثمان)

    تسلم يا منير

    مشكور
                  

03-01-2013, 08:30 PM

حامد محمد حامد
<aحامد محمد حامد
تاريخ التسجيل: 11-19-2008
مجموع المشاركات: 3085

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أحد قصوري معروض للبيع (Re: عماد البليك)

    أهلا يا عماد عدت وعادت للكتابة رونقها وقد لا يعرف البعض هنا بان لك
    باع كبير فى كتابة الرواية ......واصل الإبداع
                  

03-01-2013, 11:18 PM

عماد البليك
<aعماد البليك
تاريخ التسجيل: 11-28-2009
مجموع المشاركات: 897

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أحد قصوري معروض للبيع (Re: حامد محمد حامد)

    شكرا يا حامد

    مازلت أتذكر سؤالك لي في عام 2009 عن رواية "دماء في الخرطوم" والتي قلت انها تنفع فيلم سينمائي وان اعرض الفكرة لمنتج مصري.

    المشكلة ان تلك الرواية لم تدخل السودان فقد طبعت في الخارج.. في بيروت ومعارض الكتب في السودان ضعيفة.. كما ان قنوات التوزيع مشكلة.. هذا اذا لم تصطدم بعقبة الرقابة..

    شكرا لك
                  

03-04-2013, 02:27 AM

عماد البليك
<aعماد البليك
تاريخ التسجيل: 11-28-2009
مجموع المشاركات: 897

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أحد قصوري معروض للبيع (Re: عماد البليك)

    في مطار الخرطوم تهبط الطائرة المثقلة بجراح المغتربين والمشردين وأنات الحجيج العائدين إلى بلدهم بعد أن غسلوا أدرانهم وأوجاعهم.. وإن لم تخلوا من أناس من مختلف الجنسيات ومشارب الأرض.. عرب الخليج.. إيرانيون.. هنود.. صينيون.. فلبينيون.. روس.. بنغال.. مصريون.. شوام وعراقيون.. والرجل الأوزبكي.. من أوزبكستان الذي جلس بجواري.. والذي ايقظني من النوم ورحلتي مع محمد النور ودضيف الله.. هاقد وصلت أخيرا إلى أرض الوطن.. الرجل يبدو مرتبا ومهندما بلحيته الصغيرة البيضاء.. هو تقريبا في منتصف الخمسينات من عمره.. كان يحمل مسبحة قصيرة ذات حبات صغيرة فضية.. كان يتمتم مع نفسه ويراقب الأشياء بتحريك عينيه يمنيا ويسارا على عجل.. أخبرني والله أعلم إن كان صادقا أم كاذبا.. إنه يعمل مهندسا في مجال البترول.. ونحن في ساعات الهبوط الأخيرة.. في فصل الخريف.. حيث بدت الخرطوم معشوشبة على ضفاف الأنهار من عل.. كلمني الأوزبكي عن خيرات بلدي.. وقال لي:
    "انتم شعب يعيش في نعمة لا تدركونها.. لماذا تهاجرون يا ولدي وتهربون عن الأخذ بيد هذه الأرض الطيبة.."
    قلت لنفسي: "هذا الرجل إما أنه يسخر مني أو أنه صادق يجهل الحكاية برمتها"..
    كنت أقول لنفسي ذلك.. وأنا لا أفهم ماهي الحكاية بالضبط.. التي فرضت على الملايين مثلي.. الهجرة والتسكع في بلدان الآخرين.. تارة أكون ضيفا ثقيلا وأحيانا يحترموني على مضض وفي بعض المرات يجاهرون بعدواتي وأنني كـ "ابن السفاح" بلا أم ولا أب.. ماهو الوطن وما هي الأرض إن لم تكن الأمومة التي ترضعك من ثديها الحنون.. وماهو الوطن إن لم يكن الوالد الذي تتكئ على ظله في ظهيرة قائظة وأنت في أشد الحاجة إلى قلب يحمل الشفقة والحب والاحتمال.. كيف أشرح له ذلك وهو مشغول برواية الأرقام يخبرني عن حجم اكتشاف نفطي جديد في المربع رقم 17 ورقم 25 وفي منطقة الامتياز العاشرة.. وعن حفريات تجريبية للغاز في المنطقة الفلانية.. هل هذا حقيقي أم وهم يارب.. وأين تذهب أموال النفط؟ ولماذا يعاني الناس ويتمردون ويقاتلون بعضهم البعض.. ولماذا يكون شظف العيش والرهق والخوف من المجهول..
    أصابني صداع شديد لم أشعر به حقيقة إلا ساعة اقترب مني رجلان أحدهما ممتلئ الجثة يلبس بدلة زرقاء والآخر بعمامة وقالا لي بصوت واحد جهور:
    "السيد عمادالدين.. تفضل معنا.."
    "نعم.. ماذا تريدان؟.. ما أنتما.."
    لم يسمحا لي بالسؤال أو الحديث.. وتركاني دون أن أودع مهندس النفط الأوزبكي.. الذي هبط من الطائرة لتقله سيارة ليموزين كانت تقف بجوار المهبط تماما.. وانطلقت بسرعة جنونية اتجاه صالات المطار المخصصة لكبار الزوار..
                  

03-04-2013, 03:10 AM

عماد البليك
<aعماد البليك
تاريخ التسجيل: 11-28-2009
مجموع المشاركات: 897

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أحد قصوري معروض للبيع (Re: عماد البليك)

    لاأعرف مصير حقائبي.. وأكثر مايهمني كان كتاب الطبقات فقد كان معي في حقيببة اليد التي أخذها مني الرجل الممتلئ ورمى بها في صندوق السيارة الخلفي المظللة.. لم نمر على موظفي الجوازات ولا كتب على بطاقة سفري.. "دخول.. وبجوارها التاريخ واليوم"، بختم مقلوب كما يحدث في العادة.. ولم أفهم أين أنا.. فقد عصبوا عينيي ولم يكن ثمة وقت للتفاهم ولا رجاء لأن أفهم ما الذي يجري بالضبط.. كان ما عشته أو ما أعيشه أقرب لفيلم مكسيكي أو قصة من قصص عصابات المافيا والمخدرات كتلك التي أشاهدها في الأفلام المدبلجة عادة.. ساعة يقف رجل ممتلىء الجثة.. لكنه يحمل سيجارا غليظا وهو ينفث الدخان في وجه الضحية.. ويخاطبه بصوت غليظ أيضا يأتي أحيانا مفارقا لحركة الصورة بسبب "ضعف إشارة الاستقبال" في التلفزيون وربما بسبب سوء عملية الدبلجة.. كنت أتأمل هذه التفاصيل وراء عُصابة العينين.. القماشة التي أغلقت أمامي العالم الخارجي.. فلم أعد أرى سوى نفسي من الداخل وذكرياتي وخيالاتي الروائية.. ولكي أكون صادقا مع نفسي فإنني في تلك اللحظات شعرت بخوف يجتاح أوصالي ويتدفق بقوة في شراييني إلى القلب الذي نبض بقوة كأنه دينمو كهربائي يخشى انقطاع الوقود..
    كتبت روايات كثيرة وقصص وسيناريوهات لأفلام سينمائية ومسرحيات وتقارير صحفية من مناطق ساخنة.. لكنني لم أتخيل هذه اللحظة الخاطفة التي أخذتني عن أي توقع.. ربما للجرأة التي تمت بها.. وأنا أفكر في الغالب الأعم في ماجدولين وأمها وهما ينتظراني الآن في صالة القادمين.. حاولت أن أشرح للرجلين.. ذلك.. على الأقل أن يهتما بهما.. يعلمانهما أنني وصلت وانني بخير.. أقول ذلك وانا غير ضامن هل سأكون بخير فعلا أم لا.. وما الذي سوف يجري في الدقائق التالية.
    كان الرجلان يستمعان لي.. وسمعت صوتا ثالثا يجيب علي.. ساعة فكت العُصابة عن عيني.. لأجد نفسي في مكتب مؤثث بفخامة به شاشة تلفزيون مسطحة ماركة سامسونج حديثة بحجم هائل.. ومجموعة من الشاشة الصغيرة الأخرى الموزعة التي يظهر عليها أناس يدخلون ويخرجون من بوابات متعددة وآخرون يتجولون في مكاتب وردهات يصعب تمييزها.. كانت نظرات سريعة وسط هذه الحيرة كافية لتقييم المكان.. وتخيلت أن زعيم المافيا سوف يصل بعد قليل يحمل مسدسه، ليوجهه نحوي.. ويسألني عن شحنة الهيروين أين وصلت.. كانت خواطري مبعثرة ومتداخلة ما بين هذه اللحظة الواقعية التي أنا فيها ووجودي التخيلي داخل فيلم مكسيكي.
    رد الصوت الثالث لأنثى في الثلاثينات من عمرها تقريبا.. متوسطة الحجم والطول.. ليست قبيحة وليست جميلة.. يبدو عليها التجهم وإن كانت أسنانها البيضاء ساعة تبتسم تشير إلى عكس ذلك.. قالت لي:
    "أجلس سيد مدثر.. أليس هذا اسمك الثاني"
    أجبت بهز رأسي.. نعم.. ولم أتكلم.. لأخبرها إن ذلك في رواية وليس في الواقع.. رواية أكتب فصولها على الانترنت ساعات فراغي.. أسلي بها نفسي وأهزم وحشتي في هذا الوجود..
    أمرتهم بإحضار كوب من عصير البرتقال - تحديدا -.. وضعوه أمامي على الطاولة الصغيرة.. في الأريكة المكسوة بنعومة.. والتي جلست عندها.. وبجواري المرأة التي كانت ترتدي بدلة كاملة مغلقة الأزرار.. وطاقية تشبه طواقي العسكر.. وقد بدا الروج الأحمر طافحا بشفتيها المتورمتين وخديها الملتهبين بمجموعة من البثور التي تموج فيهما.. كنت مهتما بهذه التفاصيل رغم أن الأزمة لا تسمح بذلك.. لكن ماذا أفعل فحالة السرد التي تسكنني تجعلني أفكر في كل شيء.. وكل موقف أمر به.. كما لو أنه رواية قادمة أكتبها..
    تحركت المرأة نحوي، تكاد تلتصق بي.. وأومأت بعينيها للرجلين بأن يغادرا الغرفة.. خرجا لتكون هي في مقابلي.. وعمل ذهني سراعا في تخيل سيناريو ما سيحدث معي في الزمن الوجيز القادم.. فإذا بالحدث يستبق ما بدماغي من أفكار مشتتة.. فقد ضربت المرأة بكفها على مكان حساس في جسدي.. في الواقع كنت جالسا منفرج الساقين.. وتخيلت في تلك اللحظة مايكل جاكسون في كليب مصور لأغنيته المسماة "أسود ام ابيض"."بلاك آور وايت".. يضرب جاكسون برفق كأنه يمسد قضيبه.. في ليلة حالكة بالرياح العاتية والهواء البارد.. كأنه يعاني الوحشة أو يتشوق لأشياء غير واقعية أو يبحث عن أنثى ليضاجعها في هذه الحياة القاسية.. ويهيج ليكسر زجاج السيارات والنوافذ ويقلع مقود السيارة ويرمي به أحد النوافذ.. كانت الموسيقى تضج بأذني الآن والمرأة بجواري تكاد تلتصق بي.. وقد شحنت طاقتها بشكل غريب ومريب.. دون أن أكون قادرا على الفهم.. على التمييز... أن كنت أنا أنا أم شخص آخر.. وبجرأة طلبت مني أن أضاجعها..

    (عدل بواسطة عماد البليك on 03-04-2013, 03:22 AM)

                  

03-04-2013, 03:26 AM

عماد البليك
<aعماد البليك
تاريخ التسجيل: 11-28-2009
مجموع المشاركات: 897

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أحد قصوري معروض للبيع (Re: عماد البليك)

                  

03-05-2013, 06:01 AM

عماد البليك
<aعماد البليك
تاريخ التسجيل: 11-28-2009
مجموع المشاركات: 897

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أحد قصوري معروض للبيع (Re: عماد البليك)

    لم أعرف الخيانة أبدا.. لم أخن زوجتي.. حبيبة عمري.. ولئن كانت لي تجارب نسوية من النوع الذي يتجاوز الحدود المدركة فتلك كانت قبل الزواج.. أنا رجل مسلم .. كاثوليكي التصرف والاعتقاد في مسائل كالزواج.. أرى أن حياة الرجل لامرأة واحدة وحياة المرأة لرجل واحد.. فبمجرد أن يحدث الرباط المقدس يجب أن ينتهي كل شيء يتعلق بالنزق والبحث عن المتعة والوصال خارج حدود الحبيب... الآن سيكون عليّ أن أكسر قاعدتي وإيماني قهرا.. هل سأفعلها.. كان رأسي يدور.. هذه المرأة التي تضرب ثم تضرب والتي بدأت في فك أزرار الجكت ثم بنطالها.. هل هي عاهرة تتعرى أمامي أم تقوم بواجبها الوطني.. ضد رجل لايعرف حتى الآن ماهو جرمه الذي ارتكبه بالضبط ويعاقب عليه بأن ينكح سيدة.. فقد قالت لي بتبجح:
    "لو ما عارف أعرف.. أنا متزوجة مثلك.. مافي أي مشكلة.. تاني في حاجة"
    للحظات.. تكاد تكون خارج سياق الزمن الأرضي الذي أعرفه جيدا.. تذكرت أن هذا المشهد بالضبط كنت قد كتبت عنه في أحد رواياتي حديثة الصدور.. هل يكون علي أن أعيش تجربة متخيلة ابتكرها وحي خيالي.. أعيشها هكذا أمامي.. أعيشها أنا.. ياللهول!!.. ولم أكد أفكر بشكل جيد أو أقدر على ملاومة نفسي.. فقد كانت المرأة العارية بردفين ممتلئين جميلين يمكن تحسسهما الآن.. فقد بدت الصورة في الاتضاح الآن.. كانت قد استدارت للوراء.. وبدأت في الرقص على الطريقة الأثيوبية.. وفجأة انبعث صوت موسيقى لبوب مارلي.. من أي مكان في الغرفة لا أدري.. وعلى الشاشة الأمامية مع انطفاء الإضاءة دون سابق إنذار.. رأيت صورة هيلاسلاسي.. آخر ألهة الديانة الراستافارية Rastafarianism التي كان بوب مارلي يعتنقها.. كان مكتوبا على الشاشة على خلفية الصورة.. "راستا"..
    الراستفاليون.. أناس شجعان يحبون الموسيقى ويقدسون لذة الجسد.. عددهم في جامايكا مسقط رأس بوب مارلي يصل إلى عشرين ألف شخص.. وهم يعتقدون أن عيسي وآدم كانا سود.. وأن الكتب المقدسة أخفت الحقيقة.. وهم يميلون لفن موسيقى الريغي ذات الأصول الأفريقية ويحجون إلى أديس أبابا حيث يرون فيها مدينة أحلامهم.. قرأت عنهم من قبل وكتبت عنهم في تلك الرواية.. في ذلك المشهد الذي يعاد تمثيله الآن أمامي.. لكن عليّ ألا أتعجل فأحيانا نرى أشياء في الأحلام تصدق في الواقع.. أو نكتب أشياء تحدث كماهي.. ولم أسرح طويلا في تخيلي.. مع ارتفاع أنغام الريغي وطنطة بوب مارلي.. وهياج المرأة التي بدأت أشك أنها حبشية.. رغم أن تلك التي كتبت عنها في روايتي كانت من نساء بلادي.. ففي زمن جديد أصبح كان شيء جائزا.. وقطعت المرأة الرقص والاهتزاز.. لتقول لي:
    "يا راستا.. مش حترقص معاي".
    فكرت أن أخرج من لحظتي وأكسر معتقداتي.. ماذا تعني الاعتقادات سوى سجون نحكم على أنفسنا بالعيش داخلها.. منذ طفولتنا ونحن أسرى تلك القيود التي نعجز عن التحرر منها فقط لخوفنا.. وقلت لنفسي.. بسم الله.. ووجدت أنني أقف مع قضيبي المشدود.. ممسكا بيدي المرأة التي بدت لي بهية وخفيفة وهي تتماوج وتحركني قبل أن تطبع قبلة على جبيني وتضمني إليها بقوة.. وهي تدوس على طاقيتها العسكرية بشدة تكاد تمزقها..
    إذا كنت أنا وود ضيف قد عشنا حلما بأن نسافر فوق الخرطوم ونتجول كيفما شئنا.. فهل أنا الآن أمارس الخيانة داخل حلم.. لا ليس هو حلم.. هي الحقيقة التي يجب أن أصارح نفسي بها.. هي رغبتي أنا.. لاعزاء لي سوى أنني يجب أن أدفن رأسي في الرمال ساعة أعود إلى مسقط رأسي بعد أيام.. بعد أن أكون قد بعت القصر وأخذت ماجدولين لترى أهلها والناس "الأكسبشنل" الذين تتشوق لرؤيتهم..

    (عدل بواسطة عماد البليك on 03-05-2013, 07:40 AM)
    (عدل بواسطة عماد البليك on 03-05-2013, 08:09 AM)

                  

03-05-2013, 06:19 AM

عماد البليك
<aعماد البليك
تاريخ التسجيل: 11-28-2009
مجموع المشاركات: 897

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أحد قصوري معروض للبيع (Re: عماد البليك)

                  

03-05-2013, 06:22 AM

عماد البليك
<aعماد البليك
تاريخ التسجيل: 11-28-2009
مجموع المشاركات: 897

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أحد قصوري معروض للبيع (Re: عماد البليك)

    راستا.. بوب مارلي.. في احدى حفلاته

                  

03-05-2013, 08:00 AM

عماد البليك
<aعماد البليك
تاريخ التسجيل: 11-28-2009
مجموع المشاركات: 897

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أحد قصوري معروض للبيع (Re: عماد البليك)

    في تلك الرواية التي أنا الآن مجبر على تمثيلها.. كنت قد كتبت عن سيدة سودانية تعتنق الديانة الراستافارية.. بعد أن تكون قد تحررت من أعباء ماض مثقل بالجراح.. كنت أكتب وكانت ترد في ذهني صورة صباح.. لسبب ما يصعب علي تحديده.. ربما هي بعض من ظلال الحنين إلى مغامرات الصبا والمراهقة.. فقد كانت صباح ساعة تعود في الظهيرة من المستشفى حيث تعمل كممرضة تعين الأطباء في حقن المرضى.. كانت تمر على بيتنا.. تغزل جزءا من الوقت مع أمي وجدتي.. وهما ينظفان الملوخية استعدادا لطبخها في المطبخ الكبير بالبيت المشترك لكل العائلة.. ففي تلك الأيام كان الجميع.. أخوان وأولاد عمومة وخالات وغيرهم يأكلون من صحن واحد كبير ومن يد أمي، أما جدتي فقد كانت تكتفي بعد الانتهاء من دورها في التوريق.. بأن تصدر الأوامر لأمي: ضعي الملح بالكمية كذا.. لاتكثري من الثوم.. تذكري أن الحاج وتعني زوجها الميت.. لايحب الشطة الحمراء.. ضعي قليلا من الفلفل الأخضر وقطعيه جيدا.. كانت تتخيل أن زوجها مازال باقيا يتسكع في ردهات البيت على شاكلة شخصيات ماركيز في مائة عام من العزلة.. لكنها – جدتي كانت تستند إلى قصة البعاتي الذي يعود ليلا مجسدا للشخص الغائب.. وكانت كثيرا ما تروى عن مضاجعات ليلية تمت بينها وزوجها الميت الذي نام معها وعاد لقبره.. ولم يكن لي أن أعرف في طفولتي إن كانت تلك حقائق أم قصص متخيلة.. خاصة أنني استغربت لجدتي العجوزة كيف تقوى على الجماع.. وساعة قرأت ودضيف الله، سألت حسب الله، فقال لي:
    "حبوبتك دي خرفت يا ولد!"
    وقاطعته:
    "ولكن .. ودضيف قال..."
    قاطعني:
    ".. كلهم بخرفوا.. بس تخريف من تخريف يفرق.."
    وضحك وهو يناولني كتابا من البترينة حيث يضع الكتب الملونة التي كانت تستغويني برائحة حبر الطباعة.. والتي كان يجلدها بنفسه بكرتون مقوى تحضره ايضا صباح من المستشفى من بقايا كراتين الأدوية.. كان الكتاب هو رواية "مائة عام من العزلة" التي قرأتها بنهم في خمسة أيام كنت أرقد في سرير وأهرب لآخر.. وأحيانا أندس في الحمام أو المخزن أو في رأس البيت حتى أهرب من تكاليف أمي وجدتي.. فهما لايفتران عن ابتكار الطلبات.. أما أبي فقد كان يتركني على هواي ساعة يراني مع كتاب.. كان يعرف شغفي.. وبالتالي يذهب وحده ليطارد رزقه مع عربته المجرورة بحمار.

    (عدل بواسطة عماد البليك on 03-05-2013, 08:04 AM)

                  

03-05-2013, 09:27 AM

عماد البليك
<aعماد البليك
تاريخ التسجيل: 11-28-2009
مجموع المشاركات: 897

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أحد قصوري معروض للبيع (Re: عماد البليك)

    راستا.. راستا.. راستا.. كانت المفردة تلف بذهني.. وأنا أحاول تلمس فكرة للفكاك من هذا الموقف الذي اصبحت رهينة له.. فالمرأة التي أمامي ترفض الاستجابة لطلبي بالتحدث عن المؤامرة التي تحاك ضدي.. من الواضح إنها مؤامرة.. ففي تلك الرواية كانت هناك مؤامرة.. وكان المتأمرون عصابة شريرة تبتز ضحاياها لتقوم بتصويرهم في أوضاع مخلة ومن ثم تعرض عليهم دفع أموال وإما... وفي الغالب يتم اختيار أناس من ميسوري الحال.. ربما يستهدفون قصري الذي سأبيعه.. ربما.. ليس بإمكاني التكهن بأي شيء.. فقط عليّ الانتظار لأرى النتيجة.. المشروطة.. بالطبع بهذا الفعل الدني الذي يجب أن أقوم به..
    سأعلن رفضي.. لن افعلها.. تراجعت للوراء.. قذفت بها بعيدا عن حضني.. وصرخت بعصبية لم اعتدها:
    "أيتها الـ ع ا هـ ر ة.. أبعدي عني.."
    كانت ردة فعلها عكس توقعاتي.. فقط ضحكت مجلجلة المكان.. وهي تواصل الرقص وتفتح ما بين فخذيها منفرجة بأقصى ما يمكن.. قبل أن تقفز بخفة لاتتناسب مع حجمها من الوهلة الأولى.. وتضربني من جديد في المكان المحرم.. مع بروز أسنانها بشكل واضح لتبدو هذه المرة علامة لزئير لبوة براقة العينين.. تنتظر أسدها المستنكف عنها..
    كل ذلك يحدث.. وبوب مارلي مستمر في الغناء.. وموسيقى الريغي تضرب.. وأنا أتخيل الآلاف الذين وصلوا إلى الساحات العامة في أديس أبابا في 6 فبراير 2005 للاحتفال بالذكرى الستين لميلاد بوب مارلي.. رسولهم الذي أحبوه.. والذي كانت معجزته الغناء.. كان الراستا يمثل بالنسبة لهم قلقا مثيرا لابد منه لحياة تفتقد للمعجزات الكبيرة.. تتطلب منهم أن يعيشوا كما آلات المصانع.. مع مارلي كانت قد تشكلت لهم رغبات في العيش.. وجنون حقيقي بأن الحياة تستحق أن تعاش فعلا.. لابد للإنسان ان يستمر في تحدي كافة أشكال الظروف لكي يصنع معنى لوجوده.. دون هذا المعنى يفتقد وجود الإنسان للمغزى.
    استمرت ضحكها.. وهي تصر على أن تقبض بالجزء الحساس الذي كان يتصرف ضد إراداتي.. ياله من ماكر وج ب ا ن. هل هي حقيقتي أم أن دماغي يصدر إشارات ضد رغباتي.. أم أن الإنسان في بعض الأحيان يكون كاذبا مع نفسه حتى إن ظن نفسه صادقا.

    (عدل بواسطة عماد البليك on 03-05-2013, 09:33 AM)

                  

03-09-2013, 07:18 AM

عماد البليك
<aعماد البليك
تاريخ التسجيل: 11-28-2009
مجموع المشاركات: 897

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أحد قصوري معروض للبيع (Re: عماد البليك)

    كتب الصديق قسورة إمام في الفيسبوك معلقا

    Quote: خيال تشكل في بربر ،،، والرواية معطونة في أزقتها وريحتها بربر بربر :) ، وأنا أقرأ هذا الأبداع أراني أتبسم وأسترجع الأمكنة والشخصيات ، يا له من سرد مبهر يستعين بصور واقعية ممزوجة بالخيال والمقدرة على إمتاعنا ،، رواية تجتر ذكريات الثمانينات في تلك الربوع ، وكابن منطقة أقرأها بصورة مختلفة :) شكرا ياعماد يارائع.



    شكرا ليك يا قسورة.. وفعلا بربر لها حضور.. فهي مسقط الرأس الذي به نلتحف أيامنا القديمة والجديدة
                  

03-09-2013, 11:00 PM

عماد البليك
<aعماد البليك
تاريخ التسجيل: 11-28-2009
مجموع المشاركات: 897

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أحد قصوري معروض للبيع (Re: عماد البليك)

    كمن أخضع لتنويم مغناطيسي أو أدخل في عوالم أخرى مفقودة لاتنتمي لهذا العالم الأرضي الذي نعيش فيه بقوانينه الكلاسيكية.. كنت قد وجدت نفسي استيقظ بعد كم من الوقت الله أعلم.. كنت عاريا كما خلقت.. وليس بجواري من أحد سوى نفسي المنهوبة الخارجة من ظلماتها.. وهي تشعر بضيق شديد لاتعرف له سببا سوى ان أمرا ما قد حدث.. شيء من قبيل الأشياء التي يجب ألا تكون وكانت.. فكل العقائد واليقين الكلي الذي ظل يهيمن علي طوال حياتي الماضية قد انفرط عقده الآن في هذا المكان الذي لم أفهم سره بعد! هذه الغرفة.. التي حولتني إلى فضيحة لنفسي.. وواجهتني بحقيقتي المخاتلة أنني مجرم حقيقي.. أخون من أحبتني.. وأعيش في العار.. لا أقدر على الفكاك منه.. ماذا سأفعل الآن وبأي لغة سوف اعتذر.. ومن سيقبل اعتذاري.. والله أعلم أيضا ماذا فعلوا بي.. لربما دبجوا الآن صوري ونشروها في مواقع الانترنت وصفحات الفيسبوك وتويتر.. يجب علي أن أفهم مقصدهم.. وصرخت لكن لا أحد يسمع لي.. لا أحد في المكان.. أين هي تلك الـ ع ا هـ ر ة.. صرخت بصوت مسموع.. صوت عال.. لا مجيب سوى الصدى في الغرفة التي ضاقت أو هكذا تخيلتها فقد انطفأت الكاميرات والشاشة التي كانت معلقة هنا.. وذابت موسيقى بوب مارلي في مكان مجهول.. ولم يعد ثمة أثر لسوى ذكريات عما كان هنا.. عما أتذكره قبيل استيقاظي.. لا أتذكر إلا تلك اللحظة الأخيرة التي كانت فيها هي قد ضغطت علي بقوة في موضع ما من جسدي الهش.. وقالت لي:
    "تأوه يا حمار.. لا تعرف كيف تتأوه.. تأوه مثلي .. آه منكم أيها الرجال الأغبياء".
    وبعدها لا أتذكر أي شيء.. ربما كنت أتمشى في ساحة ما في عاصمة أوروبية وحولي مناطق خضراء وتماثيل لنساء عاريات من الفضة وأخريات كاسيات متنقبات يحملن مصاحف وأناجيل.. ومرة أخال نفسي أطير فوق برج إيفل وأبدو طويلا جدا أطول من ناطحة سحاب.. تخيلوا رجلا يطول مثل جمل يحمل شيخا ترغب نساء في تقبيل يده.. ومن جديد كان شيخي ودضيف الله.. صديقي يطاردني في تلك الهنيهات المفارقة للزمن الأرضي المدرك.. زمن هذا الكوكب الملعون الذي أعيش أحواله شئت أم أبيت.. وفجأة أسمع صراخ.. تأوه.. أنين.. رجل يرفس كديك مذبوح وسيدة تنام بجواره كأنها تخرج من قبر أدخلت فيه للتو وهي تهرب يطاردها ملاك قبيح المنظر يحمل في يده آلة حادة يريد أن يجتز أماكن حساسة من جسدها.. ومن ثم رأيت براقا سماويا يهطل منه مطرا لكن لا أحد يشتري المطر.
                  

03-09-2013, 11:37 PM

عماد البليك
<aعماد البليك
تاريخ التسجيل: 11-28-2009
مجموع المشاركات: 897

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أحد قصوري معروض للبيع (Re: عماد البليك)

    استيقظت بعد يومين.. ثلاثة.. أربعة.. أسبوع.. لا أدري.. كان صعب علي أن أدرك كم مضى من الوقت.. كنت في كهف تحت الأرض على ما تخيلت حيث لم يكن ثمة بصيص من الضوء.. دعك عن أمل.. وكانت نار هادئة تنبعث في المكان مع أصوات بعيدة نوعا ما كأنها تخرج من باطن الأرض.. هل أنا داخل بيت للجن والشياطين.. أم في بيت أنس.. ومن جاء بي هنا.. وكيف تركت الغرفة التي كنت فيها هناك مع تلك السيدة الراستافارية.. هل هو مشهد جديد من روايتي يتكرر الآن بحذافيره.. أي هذا الواقع السمج الذي يحاكي رواية.. بدلا من أن تحاكي رواية للواقع.
    في مناقشة جرت في النادي الثقافي بمسقط.. قال لي صديقي العماني يوسف الهنائي:
    "يا عماد هؤلاء الراستافاريون.. يحبون حياة الكهوف.. يعشقون الحياة البرية.. الحياة على علاتها وكما أوجدها الله منذ الأزل.. يبدو أن قيمة الإنسان في تتبع تكوينه البدائي وعاداته التي هجرها منذ قرون طويلة"
    لم أعلق على يوسف.. أعرف أنه قد يذهب في تفسير الأمور كثيرا.. وبعيدا عن مغزاها الأساسي بحيث أنه في نهاية الأمر يكون قد رسم صوره الخاصة به وليست الصور التي كانت في ذهن الكاتب. لكن وبوصفه صديقا فقد أجبته:
    "ببساطة يا يوسف.. الراستافارية هي محاولة للعودة إلى طبيعتنا نحن الأفارقة.. وأنت أيضا فيك هذا البعد الأفريقي.. أنت أساسا جدتك لأمك من زنجبار.. ما زلت أتذكر قصتك عن هروبها مع العائلة من المجزرة الشهيرة في الستينات"
    ضحك يوسف كثيرا يومها.. وكان النادي الثقافي قد انقسم لفريقين في رؤيته للنص.. هناك من يرى أن الراستافارية كدين وكفكرة هي قائمة وموجودة.. لكن كثيرا من القصص حولها في الرواية هي من اختلاقي..
    لم أعلق.. تركت لهم حرية التفكير في النص كيفما شاءوا.. وكنت أسرح بخيالي في تذكر المرة الوحيدة في حياتي التي التقيت فيها برجل حقيقي في هذا العالم معتنق لهذه الديانة الغريبة ومؤمن بها أشد الإيمان.. كان يحج سنويا إلى أديس أبابا ويصلي هناك على إيقاع الريغي.. ويجلس في شقته المؤجرة أمامه صورة كبيرة للأمبراطور الأثيوبي هيلاسلاسي.. حدثني أن هيلاسلاسي في بعض المرات وفي آخر الليل بوجه خاص كان يغادر الإطار ويكبر حجمة شيئا فشيئا حتى يقف أمامه بكامل أبهته وأحيانا يرقص مع موسيقى بوب مارلي إلى حين قريب من الفجر.. ثم يمضي إلى اللوحة وينام بهدوء بعينين مفتوحتين.. كانت حكايات ذلك الرجل مدهشة بالنسبة لي.. كان لقاء عابرا في مطار خليجي ومن ثم اختفى عني.. حتى رقم الهاتف الذي وضعه معي كان مزيفا.. ولم أعثر له على أثر.. كأنه كان من نسج خيالي أو جاء في ضغثة من أحلامي في ذلك المطار الكبير.. حيث يكون على المرء الانتظار طويلا حتى يتم تبديل الطائرات ليواصل المسافر مثلي الرحلة من بلد إلى آخر.
    وحاولت أن استجمع ذكرياتي عنه في ذلك اللقاء.. لكن لم يكن ثمة ما يمكن إعادة تذكره سوى ما حكيته لكم.. لم يكن أمامي من مفر للتسلى بهذه القصة وجعلها واقعية بالنسبة لي سوى المضي في كتابتها.. وبالفعل حدث ذلك.. وصدرت الرواية..
    الآن لا أملك مقاومة لمصيري سوى بالانتظار أن يفرج الله همي.. وأنا أجني شر ما فعلت.. ما سطرته يداي عن هؤلاء الناس.. هل جاءوا لينتقموا مني بهذه المهزلة التي لا أفهم أي من تفاصيلها إلى اللحظة..
                  

03-10-2013, 12:08 PM

عماد البليك
<aعماد البليك
تاريخ التسجيل: 11-28-2009
مجموع المشاركات: 897

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أحد قصوري معروض للبيع (Re: عماد البليك)

    داخل الكهف.. يمضي الزمن غامضا.. ليس بمستطاعي أن أقدر هل هو سريع، عجول أم متأن وكسول.. ويصعب عليّ أيضا أن أقدر الزمن الفاصل ما بين هبوط الطائرة في مطار الخرطوم، وبين اللحظة الراهنة التي أنا فيها هنا.. وفي لحظة أخرى أتخيل كما لو أنني ذلك الصبي الذي ينام على العنقريب في ظل الضحى.. بعد أن يكون قد قام بواجبات منزلية روتينية وتكليفات من الجدة في الغالب.. تلك المرأة التي كانت تشعرني بحب العالم والشغف بالوجود بقدر ما كانت في بعض المرات تجعلني أكره الحياة تماما.. خاصة إذا ما حملت عصاها وسارت في مطاردتي بقوتها الخارقة رغم كبر السن.. تطاردني في جنينة البيت ولا تحفل إن كانت تخرب الزرع..زرع أمي أم لا.. وفي العصر تسألها ابنتها.. أمي. فتقول الجدة المكارة بكل قلة ذوق ودون أن تتذكر إن كانت تكذب أم لا:
    "الكدايس الله يلعنها.. الكدايس خربت الزراعة"
    "كدايس شنو يا يمه.. نحن ما عندنا كدايس.."
    "كدايس ناس جبارة جات الصباح هنا.."
    تعرف جدتي كيف تبتكر الأكاذيب.. وتعرف كيف تتخارج من مواقف محرجة.. وفي أيامها الأخيرة كانت تقول كل شيء ثم تتراجع عن كل شيء.. كانت مسلية لي عندما أتبرم ضيقا من الكتب أو كتابة الشعر وأنا في أعلى شجرة النيم الكبيرة في بيت جدي.. أصعد هناك حيث يكون بإمكاني أن أرى العالم من عل، كإله صغير أبدأ في تدوين اشعاري.. التي اسكب فيها عذاباتي المختصرة وجنوني صباي.. واهيم فيها حبا بصباح التي لم انال منها وطري بعد.. إلى أن جاء ذلك اليوم الذي كتبت فيه القصيدة التي أعلنت فيها ندمي.. وخلت بعدها انني لن اكتب شعرا..
    كانت صباح قد جاءت في ذلك اليوم كغير عاداتها مبكرة بعض الوقت.. هي كما تعرفون تأتي من المستشفى.. وكانت كأنها تبكي.. فقد رأيت الدموع تبلل ثوبها.. من أطرافه.. ورأيتها تأخذني لأحضانها كأم تحضن طفلها.. قالت لي بصوت هامس مذبوح.. مغسول من أية حاجة للكذب أو التمسك بنضال أجوف.. إنهم فصلوني..
    "فصلوني يا مدثر"
    أي جرم ارتكبت صباح.. لم تحك لي الحكاية، ما الذي جرى معها بالضبط.. كانت تريد أن تبلل دموعها بالنسيان، بالخروج من تلك الدقائق العصية على الروح الإنسانية ساعة تشعر بالظلم.. سمعتها تقول مع نفسها وهي تغسل وجهها في الطشت تحت الزير.. "ربنا ينتقم منهم.. حرامية أولاد حرام.."
    كأنها كانت تريد ان تحكي لي ما حدث.. لكن هل كانت تعتبرني صغيرا جدا.. على الفهم.. على أن أدرك قصص الكبار.. وأنا الذي اقرأ "الحب في زمن الكوليرا" وأسرح جيدا في عوالمها المسنة.. في معنى الحب والانتقام والفضيلة والأنا.. كيف يمكن للكبار أن يكونوا شجعان أو جبناء.. أو غامضين أو قتلة.. غير أن إحساسي بها ربما كان غير دقيق مطلقا.. فصباح كانت ذكية.. نعم .. ربما أدركت ذلك لاحقا ومتأخرا.. اليوم فقط وأنا أكتب عن تلك الأيام البعيدة في مخيلتي المتورطة في التيه.. كانت ذكية أنني لم أعد ذلك الصبي الذي لا يفهم.. وكان حسب الله يعلم ذلك وهو الذي أوصاني بأن أفعل كما فعلوا في "قرنفل وقرفة".. أفعل كما فعل جورجي آمادو مع غابرييلا تلك الخلاسية التي تتدفق أحلاما لكل من رآها من الرجال.
    كانت صباح.. تصنع قصتها.. روايتها.. هي كانت تمارس الأكاذيب مثل جدتي تماما.. كانت في ذلك الصباح تعلم حق العلم أن أمي قد أخذت طريقها على عجل إلى المدينة المجاورة لنا في البص الصباحي.. ذهبت هذه المرة دون أن تأخذني معها لتشتري أغراض العيد.. ففي هذه الأيام يكون الاستعداد على أشده لأجل المناسبة التي تحدث فيها المذبحة الكبيرة للخراف.. ذلك الحدث الذي يؤلمني جدا.. كنت أرى الدم فأهرب إلى أي ركن أنطوى فيه.. وأحاول أن أمسح عن ذاكرتي صورة الخروف المذبوح وهو يبكي.. يشهق عاليا.. في حين ترتفع روحه للسماء.. أو هكذا أتخيلها..
    كانت صباح تعلم أيضا أن جدتي الآن في سابع نومة.. فلدى جدتي أيام معينة من السنة.. خاصة في العشر الأوائل من شهر الحج.. تحرص على الصيام.. ولأن جسدها رغم قوته لايعينها أو هي تحب الأكل.. فتستعين على الصوم بالنوم إلى ما بعد الظهر الذي تصليه ثم تنوم مجددا.. إذن لا أحد في البيت.. وأنا الذي كنت وحدي ممسكا بـ "الحب في زمن الكوليرا".. يدق قلبي.. يدق بقوة كأنه طاحونة هوائية هولندية كالتي رأيتها أمس في غلاف مجلة في بترنية المكتبة الوحيدة بوسط البلد.. عندما اصطحبني حسب الله لنشتري بعض الكتب.. هو حمل صحفه وبعض من المجلات المصرية منها أكتوبر والمصور وآخر ساعة وروزاليوسف.. في حين اشترى لي مجموعة من قصص الشياطين الـ 13 ومجموعة من كتب عبدالحميد جودة السحار.. لكن ما إن عدنا قلت له إنني لا أرغب في هذه الكتب.. وأنني أريد ذلك الكتاب الذي على غلافه.. رجل مسن يحتضن امراة مسنة ويقبلها بقوة ممتصا شفتيها كعجوة.. كنت أقول له ذلك وأتخيل جدي الميت ساعة يحل ليلا لينام مع جدتي ويسرع إلى قبره قبل أن يبزغ الفجر ويرآه أحد..
    وأخذتني صباح بعد أن غسلت وجهها جيدا.. كانت قد اطلقت صرختين مكتومتين في الهواء الطلق.. وهي تعلم لا أحد سوف يسمعها الآن فالبيوت خاوية على عروشها.. ففي هذه المواسم الكل يطارد الأسواق كي يجهز أغراض العيد.. إنه موسم الفرح الذي لم يعد موجودا ساعة كبرنا.. لكن المهم أنها أخذتني إلى الحمام وبحركة ما يصعب استعادتها في الذاكرة بالكتابة.. كانت قد أغلقت الباب الخشبي.. واحتضنتي بقوة إليها.. وبدأت تمص عجوتي.. فقد كانت لي شفتين موردتين صغيرتين غير أنهما مكتنزتان بشيء طري ساعة اتحسسهما بأطراف أناملي وأنا أمررها فوقهما بهدوء في تلك الساعات التي استغرق فيها في قراءة غابرييلا وأنا استحضر صورا لفتيات أحلم بمطاردتهن.. لكنهن في أحياء بعيدة.. رأيتهن في أيام متفاوتة وأنا في رحلاتي مع أبي نجلب الحصى للبيوت.. أبي الذي يئس مني رغم أن الموسم موسمه، تماما كما أمي التي لم تأخذني معها كالعادة.. وتركاني لرواياتي ولم يكن أبي كما أمي يدري أنني بدلا من قراءة الروايات سوف أكون قد قذفت بأول فيض من حيويتي في تلك الجارة التي خدعتني وأغوتني.. وكأنني يوسف.. لكنني هممت بها وأرتويت منها وفهمت في ذلك الضحى أنني قد بلغت وأنه لايجدر أن ألقب بعد اليوم بالصبي.. كانت عيناي مشرقتين ووجهي صبوحا.. وشفتياي متورمتين وكأنني أحد عشاق غابرييلا قد خرج من باطن الكتاب إلى العالم.. وشعرت بدوخة في رأسي كأنها حمى الملاريا التي ساعة تداهمني لا أعرف أين أنا بالضبط وأنسى اسمي.. كنت قد هرعت للنوم بجوار جدتي بالسرير العالي الذي انتخبته لنفسها دون أي من أهل البيت.. ولم استيقظ إلا بعد الظهيرة على صوت أمي تكركب وهي تفرغ الأغراض التي أحضرتها من سوق المدينة المجاورة..

    (عدل بواسطة عماد البليك on 03-10-2013, 12:14 PM)
    (عدل بواسطة عماد البليك on 03-10-2013, 12:20 PM)

                  

03-15-2013, 08:54 PM

عماد البليك
<aعماد البليك
تاريخ التسجيل: 11-28-2009
مجموع المشاركات: 897

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أحد قصوري معروض للبيع (Re: عماد البليك)

    في تلك اللحظات البعيدة في الذاكرة.. القريبة جدا كان يمكن فهم بعض الأشياء، على الأقل كان ممكنا التعامل مع العالم كما لو أنه أمرا ساحرا ونادرا.. مخلوق للدهشة.. على الإنسان أن يمارس تلك الدهشة في كل تفاصيل وجوده، على الأقل كي يبقى منجذبا إلى الحياة.. لكن فجأة يكبر الإنسان ويكون قد دخل في مساحات أخرى من الزمن.. من حياة تشبه الأحلام ليصعب عليه أن يميز الأشياء بوضوح.. فأنا الآن داخل هذا الكهف.. لا أفهم جيدا أين موضعي من العالم ولا السبب وليس لدي من دلائل على طبيعة انتمائي إلى الدنيا.. هل أنا حي فعلا أم في برزخ بين الحياة والموت.. أم أنني على أعتاب حياة أخرى.. أم داخل حلم مزعج.. كابوس مثير للذات ومستفز لها.
    أحاول أن أسترجع ما جرى معي.. غير أني أتوصل لنتيجة مبدئية.. ما الفائدة!.. ما الذي سوف أجنيه من وراء إعادة مراجعة الخطوات والمشاهد والحكايات التي مررت بها.. ما الفائدة المتحصلة لي الآن من فرز أكوام الوقائع والواقع في جهة.. والخيال والمحكيات المجردة من جهة ثانية.. هذه العملية بدت لي كنوع من الترف الذي يمارسه المرء عندما يكون قد أدرك طوق النجاة وعرف أنه في النقطة المعينة التي يجب عليه عندها.. وقتها اتخاذ القرار.. فقط ما يشغلني ابنتي ماجدولين ما الذي يدور بخلدها الآن.. وأي مرفأ ذهبت هي وأمها وهما ينتظراني.. لا علم لي.. وتمنيت في تلك اللحظة لو أن لي قوة خارقة كتلك التي يتمتع بها أبطال ودضيف الله في مروياته أو كتلك التي أشاهدها في أفلام الخيال العلمي لكي أنجو ببدني.. أحتاج فقط لأثير روحي أن يقفز وراء الحواجز ليصل إليهما.. ابنتي وزوجتي ليكون لي أن أرى ما الذي حدث.. لكني وأنا أتذكرها.. زوجتي أعود من جديد لحالة الألم التي توقظ فيّ الحيرة والارتباك اتجاه علاقتي مع ذاتي كرجل يكون جديرا بالاحترام لو أنه التزم بالمبادئ التي يؤمن بها.. ليس ذلك الرجل التائه والـ و ض ي ع الذي يقرر ما يقرر ثم يعض أصبع الندم.. أما كان ممكنا التصرف بطريقة أفضل أمام تلك المرأة الغريبة.. ثم أنني ألم أخترع تلك المرأة نفسها في روايتي ثم آتي الآن لأنكر هذا الوضع وألومه ساعة ينطبق معي في الواقع.. إنها حالة اليأس التي أعانيها الآن.. حالة الالم والغربة الذاتية المرة التي تقتحم تفاصيل وجودي لتتركني في مواجهة حقيقتي.. فمهما حاول الإنسان أن يعيش حرا وأبيا وماكرا فلن يكون إلا هو.. سيظل تاريخه وطفولته وذكرياته تطارده لتصب عليه جام اللعنات اللامتناهية.
    ماذا سأفعل سوى الانتظار.. فالذين مثلي انتظروا طويلا في حياتهم.. أربعين سنة في الانتظار.. مضى نصف العمر.. إن كنت سأعيش نصفا آخر.. الانتظار يبقى هو الحل الوحيد وسط هذه العتمة والقلق المثير الذي لا يهدأ وأنا لا أعرف مصيري!

    (عدل بواسطة عماد البليك on 03-15-2013, 08:59 PM)

                  

03-23-2013, 09:06 AM

فتح العليم محمد أبوالقاسم
<aفتح العليم محمد أبوالقاسم
تاريخ التسجيل: 07-24-2010
مجموع المشاركات: 1059

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أحد قصوري معروض للبيع (Re: عماد البليك)

    موضوع جميل ومرتب وفي انتظار المذيد
    مع احترامي
                  

03-23-2013, 06:01 PM

عماد البليك
<aعماد البليك
تاريخ التسجيل: 11-28-2009
مجموع المشاركات: 897

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أحد قصوري معروض للبيع (Re: فتح العليم محمد أبوالقاسم)

    شكرا فتح العليم

    وهناك ما تبقى من القصة
                  

04-01-2013, 10:08 AM

عماد البليك
<aعماد البليك
تاريخ التسجيل: 11-28-2009
مجموع المشاركات: 897

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أحد قصوري معروض للبيع (Re: عماد البليك)

    لكل الاصدقاء

    الاغنية التي يحبها صديقنا محسن خالد .. تدشن ميلاد الربع الجديد من البورد..

    من اجل الاستعداد وشحن الطاقات

                  

05-24-2013, 10:56 PM

عماد البليك
<aعماد البليك
تاريخ التسجيل: 11-28-2009
مجموع المشاركات: 897

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أحد قصوري معروض للبيع (Re: عماد البليك)

    استعادة
                  

05-25-2013, 00:05 AM

عماد البليك
<aعماد البليك
تاريخ التسجيل: 11-28-2009
مجموع المشاركات: 897

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أحد قصوري معروض للبيع (Re: عماد البليك)

    عندما أفرجوا عني بعد عدة أسابيع كنت في المشفى النفسي وكان حولي الأطباء والأصدقاء القدامى، منهم من جاء بدافع الشفقة ومنهم من جاء ليرى أين وصلت بي الحياة وهناك من كان حسودا وحقودا ويريد أن يراني في حالة لايرثى لها. وهكذا.. تحولت إلى مفرجة للجميع في هذا الصباحي الخرطومي والناس تتحدث عن الغلاء والحروب الطاحنة بين المتمردين والحكومة، وعن كيف أن الدولار ارتفع بقدرة قادر وهبط ثم ارتفع، وعن نفط الجنوب سيصدر عن طريق الشمال.. لن يصدر سيصدر.. لن يصدر.. سيصدر.. أما أنا فكنت أسمع لتلك الأصوات.. أي البشر.. مع صوت التلفاز ذي الشاشة المسطحة أعلى السرير في المستشفى وعيناي لاتكادان تميزان شيئا وهما متعثرتان إلا عن رؤية هلاما من الأشياء المتداخلة في الفراغ. وقلبي يدق بقوة ويسألني هل أنت حقيقة أم خيال، وما الذي جرى معك بالضبط.
    ودخل رجل يبدو شهما.. لكن علينا ألاننخدع في هذا الزمان.. تعلمت هذا من التجارب..
    وقال لي: "أنا مرسل إليك من شيخ الجماعة.. سيدهم.. هو يبلغك السلام"!!.
    "أي جماعة وأي سلام.. ألن تنتهي هذه المتاهة"، قلت لنفسي.. وحملقت فيه قويا.. وقلت أيضا بصوت عال متسائلا:
    "هل بعث هيلاسلاسي من الموت؟!"
    ولم يفهم الرجل مرادي قطعا.. وكيف يفهم ما كان يدور بخاطري.. أو في داخل رواية أنا بطلها.. أو أنني أكتب جزءا من فصولها في موقع على الإنترنت.. وكان عليّ أن أكون حليما وأصبر عليه لأفهم ماذا يريد مني بالضبط..
    فسمعته يخبرني:
    "هم يشكرونك على أية حال على أنك نجحت في الاختبار.. فاستعد للمهمة الكبيرة"
    هذا الرجل يكاد يصدعني.. فأنا لا أفهم شيئا.. ووجدت نفسي أخرج عن طوري وصبري فأصرخ فيه غاضبا:
    "أخبرني ما الذي تريد أن تقوله بالضبط؟!"
    جلس على الأرض، متكئا بطرف السرير، ممكسا بالقماش الأبيض على الطاولة بجواري.. وهو يضع طرف جلبابه من أسفل في فمه، وهمس لي:
    "هم يعرفون قدرك ولهذا اختاروك لأن تكون رسولهم لهذا البلاغ المبين.. لا تسعجل أمرك وغدا ستعرف كل شيء.. استودعك الله الآن.."
    وخرج من الغرفة، وكأنه شيطان تسرب إلى أعلى أو جن طار واختفى أو إنسان كان هنا. أو كأني كنت أكلم نفسي.. لست متأكدا على أية حال من حقيقة ما أنا فيه.

    (عدل بواسطة عماد البليك on 05-25-2013, 00:08 AM)

                  

05-25-2013, 00:48 AM

عماد البليك
<aعماد البليك
تاريخ التسجيل: 11-28-2009
مجموع المشاركات: 897

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أحد قصوري معروض للبيع (Re: عماد البليك)

    حتى لا تكون الأشياء من حولنا كلها ألغازا يجب الاعتراف بأن الحياة فيها مساحات لبعض الحقائق.. لقد ظللت أؤمن بهذه القاعدة رغم أنها ليست صحيحة في كل الأحوال. وعندما أكتب فإنني أحاول أن أجمع بين الخرافة والمتعة.. كيف يحدث ذلك؟ لا أفهم.. أيضا لا يمكنني أن أفسر بشكل واضح معنى الخرافة.. أو معنى المتعة.. لأن الفعل في حد ذاته.. فعل الكتابة هو ذاتي.. هو مغامرة الكاتب ساعة يحاول إنجاز نصه من خلال حوار مع الأنا المتعالية التي تتزل في السطور.. وغالبا فإن كثيرا من الفراغات تظل موجودة.. ويحدث أن يكون الغموض مقصودا أو بسبب العجز أحيانا.. وربما بسبب الغفلة.. كل التأويلات ممكنة.
    كنت قد أخبرتكم عن تلك السيدة اليونانية التي أهدت لي اللابتوب ماركة توشيبا.. هي قالت إن التيجاني يوسف بشير اكتسب تفرده من الغموض.. "" طبعا لا يوجد جديد في هذا".. كلنا نعرف أن الغموض سمة من سمات شعر التيجاني.. لكن المهم ما قالته السيدة بعد ذلك..
    ".. كان التيجاني غامضا لأنه كان يبحث عن ذاته.. عن من يكون هو في هذا العالم.. وكان قد عجز... كان مهووسا بأشياء كثيرة في الدنيا .. أشياء كالحب والشهرة والمتع الذاتية.. وايضا التنزه في الطبيعة.. وربما السفر إلى القاهرة.. ليس كما أشاعوا أنه كان يريد أن يذهب من أجل العلم وأن ابيه لحق به في محطة القطار وأعاده.. بل لأن الفتاة التي أحب من بنات الأقباط كانت قد هربت إلى مصر مع أسرتها.. كان يريد اللحاق بها.. كان أهله يفهمون جيدا أن كان يريد أن يغسل روحه بأن يسافر لأجلها.. لكنهم وقفوا ضد ذلك لأن وضعه الصحي كان بائسا لا يسمح بذلك أبدا.. كان منهوكا ومتعبا ويقترب من الموت.. ولهذا كان بقاؤه بجوار العائلة ضروريا.. وقد ساعدته هذه الحالة فيما بعد أن يكتب أجمل القصائد المتأملة في الذات بوصفها معادلا للكون كما في الصوفي المعذب وعبدناك يا جمال.. وغيرهما.. كان الغموض عنده لأنه أصيب بتلك الحالة التي جعلته غير قادر على التمييز بين حقيقته كذات وحقيقته كمحب وكعابد وكروح آدمية أو شيطان متمرد على طقوس العادة.. الصلاة والصوم والتبتل لله.. كان التيجاني روحا شفافة وسرعان ما أصبح شقيا وعنيدا.."
    كانت السيدة اليونانية قد كتبت أشياء كثيرة في دراستها تلك.. ولئن أتذكرها اليوم وأنا في سرير الاستشفاء تنتابني حالة كتلك التي كان يعيشها التيجاني.. حالة الكائن الراستفاري الذي لا يعرف ما هي حدود الألم وأين تجاور حد المتعة؟ كيف للإنسان أن يكون صحيح البدن أو عليلا؟!.. ليس ثمة مساحة فاصلة بين هذا وذاك طالما كانت الروح معذبة.. عذاب لانهاية له سببه الأشواق لعوالم مفقودة قد يكون البحث عنها ولو حين في الكتابة أو الرسم أو سماع الموسيقي أو تأليفها أو على الأقل تأمل الطيور في الصباح وهي تغادر أوكارها تبحث عن معنى وجودها من خلال الروتين.. هذا هو العالم الذي كان نعرفه جميعا.. تحديدا أعرفه أنا الآن في هذه الغرفة.
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de