مسعد حجازى : محمود محمد طه ـ " شهيد الفكر وجاليليو العالم الإسلامى "

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-18-2024, 04:41 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مكتبة سلوى صيام(Salwa Seyam)
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
01-22-2006, 04:53 PM

Salwa Seyam
<aSalwa Seyam
تاريخ التسجيل: 04-12-2004
مجموع المشاركات: 4836

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
مسعد حجازى : محمود محمد طه ـ " شهيد الفكر وجاليليو العالم الإسلامى "

    محمود محمد طه ـ " شهيد الفكر وجاليليو العالم الإسلامى "

    بقلم مسعد حجازى ـ تورونتو ـ كندا
    " الحرب على الإرهاب " التى شنها الرئيس الأمريكى جورج دبليو بوش فى أعقاب أحداث الحادى عشر من سبتمير عام 2001 هى حرب لن يكسبها بوش، ولن تكسبها الولايات المتحدة الأمريكية، وهذا ليس كلامى بل هو كلام الرئيس بوش الإبن نفسه، ففى أحد أيام شهر أكتوبر 2004 وأثناء حملات إنتخابات الرئاسة الأمريكية الأخيرة، أدلى الرئيس بوش بحديث لــ " ماثيو لاو" مقدم برنامج " توداى شو " ـ شبكة إن . بى . سى. التليفزيونية الإخبارية قال فيه بالحرف : " إننى لا أعتقد أننا يمكن أن نكسب الحرب على الإرهاب "!!
    لم تكد تمضى ساعات قليلة على هذا التصريح الخطير لبوش حتى سارع البيت الأبيض ومستشارو الرئيس الأمريكى ومدراء حملته الإنتخابية الى نفى ما قاله بوش، وأنه لم يكن يقصد ذلك، فقد خشى هؤلاء المستشارون أن يصبح تصريح بوش هو " المانشيت " الرئيسى لكبريات الصحف الأمريكية فى صباح اليوم التالى، خاصة وأن منافس بوش مرشح الحزب الديمقراطى المعارض جون كيرى كان قد نجح فى فرض قضية الحرب فى العراق والحرب على الإرهاب على حملات الدعاية الإنتخابية.
    التصريح الذى أدلى به بوش لم يكن زلة لسان، بل كان ردا طبيعيا وبطريقة تلقائية على سؤال، إذ تصادف أن شاهدت هذا الحديث التليفزيونى الذى كان قد أذيع على الهواء مباشرة وكان بوش يتحدث مع " مات لاو " فى الباص الذى كان يستخدمه الرئيس الأمريكى ويجوب به جميع أرجاء الولايات الأمريكية فى حملته الإنتخابية.
    فى الواقع أن التصريح الخطير الذى أدلى به بوش كان محصلة آراء وتوصيات العديد من الخبراء والمستشارين ومراكز الأبحاث الأمريكية المتخصصة ، ومؤداها أن التصدى لخطر ما يسمى بـ " الإسلام المتشدد " أو المتطرف Radical Islam يكون بتشجيع الإسلام المعتدل، وطرحت فى هذا السياق اسماء عديدة لمفكرين إسلاميين معتدلين من عدة بلدان عربية واسلامية، كان من بينهم اسم محمود محمد طه، وهذا الإسم يحظى باحترام وإعجاب كبيرين فى أوساط الجامعات ومراكز الأبحاث المتخصصة فى الولايات المتحدة وكندا وأوروبا طوال العقدين الأخيرين، وللأسف فإن الجيل الحالى من الشباب فى العالم العربى لا يعرف شيئا عن هذا المفكر السودانى الكبير، وأعتقد أن الوقت قد حان لتعريف القارىء العربى والمسلم بقصة هذا الرجل الذى كان بحق شهيدا للفكر، يستحق لقب " جاليليو العالم الإسلامى "، كما أعتقد أن القائمين على هذه الصحيفة الإلكترونية الغراء يشاركوننى الرأى فى أن المفهوم العصرى للحرية، وحرية الصحافة هو حرية المواطن فى الحصول على المعلومات، وهذا المفهوم الجديد أو المتطور أصبحت تكفله قوانين خاصة صدرت فى كل من الولايات المتحدة الأمريكية وكندا خلال الربع قرن الأخير.
    إن قصة المفكر الإسلامى محمود محمد طه وهى فى الواقع مأساة ، وعلى الرغم من أنها وقعت منذ أكثر من عقدين من الزمان إلا أنها تكتسب مغزى وأبعادا جديدة فى ظل الأوضاع المأساوية الراهنة التى يمر بها العالمين العربى والإسلامى.
    فى الثامن عشر من يناير الجارى سوف تحل الذكرى الـ 21 لإعدام المفكر الإسلامى الأستاذ محمود محمد طه، رئيس الحزب الجمهوري السودانى ، وأحد كبار المهتمين بشئون الدين الإسلامي، ومن أقطابه المجتهدين في تطوره، وتمشيه مع روح العصر الحديث.. وله فيه الكثير من النظريات، والتفاسير والأراء التى طالما إحتدم الجدل والنقاش حولها سواء طوال حياته التى امتدت إلى نحو ستة وسبعين عاما وحتى بعد إعدامه فى صباح الثامن عشر من يناير عام 1985 .
    جاء إعدام المفكر الإسلامى محمود محمد طه إثر محاكمة هزلية وباطلة من الناحيتين القانونية والشرعية بعد اتهامه بتهمة الردة كما جاء في حيثيات الحكم الهزيل، والتي وصف الاستاذ محمود قضاتها بانهم غير مؤهلين فنياً، وضعفوا اخلاقياً عن أن يمتنعوا عن ان يضعوا انفسهم تحت سيطرة السلطة التنفيذية تستعملهم لاضاعة الحقوق واذلال الشعب وتشويه الاسلام واهانة الفكر والمفكرين واذلال المعارضين السياسين.
    لقد عارض الأستاذ محمود قوانين سبتمبر 1983 الخاصة بتطبيق الشريعة الإسلامية فى السودان والتى أصدرها نظام مايو بقيادة الرئيس جعفر النميرى ، أو بمعنى أدق عارض الفهم الخاطئ والتطبيق الخاطئ للشريعة الإسلامية فى وقت كان السودان الشقيق يعانى من وطأة الفقر وانتشار المجاعة ، وسادت البلاد حالة من التذمر والإستياء نتيجة لتدهور الأوضاع وانتشار المظالم والممارسات القمعية لنظام الرئيس نميرى الذى ارتأى فى قوانين سبتمبر طوق النجاة له ولنظامه الإستبدادى الفاسد ـ أو بعبارة أخرى محاولة استغلال الدين لتحقيق أغراض ومآرب سياسية وللحفاظ على السلطة والسلطان والثروة والرشوة ـ نعم الرشوة ... ثمن تواطئ النميرى ومساعداته الثمينة للمخابرات المركزية الأمريكية السى آى إيه فى عملية تهريب يهود " الفلاشا " من اثيوبيا إلى إسرائيل عبر الأراضى السودانية .
    فى عام 1983 كان قد مضى على الرئيس نميرى فى الحكم قرابة أربعة عشر عاما فلماذا لم يحاول خلالها أن يطبق قوانين الشريعة الإسلامية بحذافيرها ؟!!
    لقد أعلن محمود محمد طه رأيه جهارا نهارا فى قوانين سبتمبر عقب صدورها ، وكرره أيضا فى محكمة الردة فى السابع من يناير عام 1985 حيث قال :
    (أنا اعلنت رأيي مراراً في قوانين سبتمبر 1983 من أنها مخالفة للشريعة وللإسلام. أكثر من ذلك فإنها شوهت الشريعة وشوهت الاسلام، ونفرّت عنه.. يضاف الى ذلك أنها وضعت واستغلت لإرهاب الشعب وسوقه الى الاستكانة عن طريق اذلاله، ثم إنها هددت وحدة البلاد.. هذا من حيث التنظير، وأما من ناحية التطبيق فان القضاة الذين يتولون المحاكمة تحتها غير مؤهلين فنياً، وضعفوا أخلاقياً عن أن يمتنعوا عن أن يضعوا انفسهم تحت سيطرة السلطة التنفيذية تستعملهم لاضاعة الحقوق واذلال الشعب وتشويه الاسلام واهانة الفكر والمفكرين واذلال المعارضين السياسين ومن اجل ذلك فإني غير مستعد للتعاون مع أي محكمة تنكرت لحرمة القضاء المستقل، ورضيت أن تكون اداة من ادوات اذلال الشعب وإهانة الفكر الحر والتنكيل بالمعارضين السياسين )... "انتهى"
    كان ما قاله محمود محمد طه هو كلمة حق فى محكمة سلطان جائر وحاكم مستبد ، وترجمة وتطبيقا عمليا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " خير الجهاد كلمة حق أمام سلطان جائر " .
    " ان الثامن عشر من يناير 1985 قد أعاد الى الأذهان احلك صفحات التاريخ الإسلامى والانساني سواداً . واخزى ايامها عاراً حينما كان القتل هو ترياق الافكار وجزاء المفكرين . في 18 يناير من عام 1985 روع العالم ، و إهتز الضمير الإنساني ، في جميع أقطار هذا الكوكب ، من جراء المؤامرة السوداء ، و الجريمة البشعة التي أرتكبت في الخرطوم حيث أغتيل الأستاذ محمود محمد طه ، على يد رئيس جمهورية السودان آنذاك جعفر نميري و بطانته المتدثرة بدثار الشريعة و التصوف .. ولقد كان لوقفة الأستاذ الفريدة وابتسامته في وجه الموت انتصارا للحق وهزيمة لخفافيش الظلام ودعاة الهوس الديني في ذلك اليوم المشهود فاستنكر العالم الجريمة النكراء وأدان مرتكبيها ومجد الشعراء والكتاب موقف الأستاذ وبطولته الأسطورية" . ( موقع الفكرة الجمهورية على الشبكة العنكبوتية )
    ويقول الدكتور نور حمد ـ الأستاذ فى جامعة واشنطن الغربية:
    (( " إعدام المفكرين التجديديين، في التاريخ الإسلامي، ليس أمرا جديدا. فلقد ظلت تهمة الزندقة، والخروج على إجماع المسلمين، هي التهمة المفضلة لدى القابضين على أزمة السلطة، والثروة، للقضاء على كل مفكر، وكل فكرة تعمل على تحريك الراكد، وعلى تنوير الناس بإنسانيتهم، وبحقوقهم المسلوبة. جرى ذلك، للحسين بن المنصور، المعروف بالحلاج، في القرن الرابع الهجري (العاشر الميلادي). ولقد كان الحلاج، من المتصوفة الذين لم يكتفوا بالصلاة، وبالتسبيح، وبتشقيق المعاني، وحسب، وإنما اتجه للحديث عن تفشي المظالم، وعن غرق الحكام في الترف، وإهمالهم شؤون العامة. حاول الحلاج نصرة المظلومين، من غمار الناس، فأزعج ذلك أهل السلطة، والثروة، في تلك الحقبة، فدبروا له تلك المحاكمة التي قضت بصلبه. ومع ذلك، نجحت السلطات، في تاليب العامة، وفي حشدهم، واستخدامهم ضده، رغم أنه لم يصدع بآرائه، إلا لنصرة أولئك العامة، هادفا إلى استرداد حقوقهم، وكرامتهم الإنسانية المضيعة )).(إنتهى)
    لقد شهد التاريخ البشرى على مر العصور تحالفا أو تفاهما ضمنيا بين سلطة الحكم أو الدولة والسلطة الدينية على إضطهاد الفكر الحر والتنكيل به ويكمن الخلاف فقط فى الأساليب المتبعة فتجد سلطة الدولة خاصة فيما يعرف باسم الدول البوليسية الفاشية تضطهد الفكر المتجدد بوسائلها المختلفة من سجن وتعذيب وسحل وهتك عرض وخطف وقتل دون محاكمة أو بإجراء محاكمات صورية هزلية لا تتوافر فيها أبسط الحقوق والضمانات للمتهم ...الخ ، كما أن السلطة الدينية أيضا مارست الإضطهاد للفكر وتمارسه بوسائلها المتنوعة من طرد من الهيكل أو الكنيسة أو من هيئة العلماء أو الحرمان من البركة والتخويف من النار أو الحرق حتى الموت أو بالتفتيش عما فى الصدور والقلوب أوالتكفير والذندقة أو بإطلاق تهم العمالة والخيانة والتجسس... الخ
    هذا التحالف المشبوه بين السلطتين فى إضطهاد الفكر هو فى الواقع إرهاب فكرى وهو أخطر صنوف وأنواع الإرهاب وأخطر من الإرهاب الجسدى لأنه فى حقيقة الأمر إرهاب لضمير الإنسان ولوجوده الحقيقى ، كما أنه إرهاب يرتكب باسم الأديان والأديان منه براء ، وإن كان من يرتكبه ماهم إلا ذئاب بشرية جائعة ومتعطشة للسلطة والمكاسب الدنيوية.
    من المعروف للخاصة والعامة أنه لا كهنوت ولا رهبانية فى الإسلام .، وبالرغم من ذلك قام بعض كبار رجال الدين وليس كلهم على مر عصور التاريخ الإسلامى وخاصة منذ العصر الأموى بتبرير الكثير من المظالم والتجاوزات والسياسات الخاطئة إما خوفا وهلعا أو نفاقا وتقربا للحكام وطمعا فى تحقيق مغانم ومكاسب دنيوية _ هى إذن سلطة غير أنها تابعة لسلطة الحكم أو الدولة على عكس حال سلطة الكنيسة الكاثوليكية فى أوروبا العصر الوسطى حيث كانت للكنيسة السلطة والسيادة المطلقة ، وللبابا سلطة وسطوة على الأمراء والملوك والأباطرة يمنحهم بموجبها البركة أو اللعنة.

    يوم الإعدام:
    فى الذكرى التاسعة عشر لإعدام المفكر المجتهد الإسلامى محمود محمد طه كتب الدكتور نور حمد مقالا قيما قال فيه:
    (( جاء في مسرحية الحلاج، للشاعر الراحل، صلاح عبد الصبور :
    صفونا صفا صفاً
    الأجهر صوتا، والأطول،
    وضعوه في الصف الأول
    ذو الصوت الخافت والمتواني،
    وضعوه في الصف الثاني،
    أعطوا كلا منا دينارا من ذهبٍ قاني
    براقاً لم تمسسه كفْ
    قالوا صيحوا: زنديقٌ كافرْ
    صحنا: زنديقٌ كافرْ
    قالوا صيحوا: فليقتل، إنا نحمل دمه في رقبتنا
    صحنا: فليقتل، إنا نحمل دمه في رقبتنا
    نفس هذا المشهد، وأعني مشهد هتاف العامة، في وجه مفكر محكوم عليه بالإعدام، تكرر بعد قرابة الألف، ومائة عام، تقريبا، في سجن كوبر بالخرطوم، في يوم 18 يناير 1985! وقد وثقت بالقلم، لمشهد تنفيذ الحكم على الأستاذ محمود محمد طه، الصحفية الأمريكية، جوديث ميللر، وأشارت إلى صدمتها عند سماع من هتفوا (تحيا العدالة)، أو (أخذت العدالة مجراها)، في ذلك اليوم الأسود، من تاريخ السودان المعاصر. كانت ميللر، وقتها، مسؤولة عن مكتب صحيفة نيويورك تايمز بالقاهرة. وقد جاءت إلى الخرطوم بقصد تغطية الحدث. وبالفعل، فقد أرسلت ميللر، تقريرها الذي أعدته عن حادثة التفيذ، إلى صحيفتها في نيويورك، وتم نشره في صبيحة يوم 19 يناير، 1985.
    وفي عام 1996 أخرجت جوديث ميللر كتابا، أسمته (لله تسعة وتسعون إسما) God has Ninety Nine Names ناقشت فيه الحركات الإسلامية، في العالم العربي، والإسلامي. وقد كرست الجزء الأول من الكتاب، لحادثة التنفيذ التي جرت في حق الأستاذ محمود محمد طه، في سجن كوبر، في العاشرة من صبيحة يوم الجمعة، 1985، والتي كانت أحد شهود العيان لها.
    جاء في وصف ميللر، للحادثة، في كتابها (لله تسعة وتسعون إسماً)، ما نصه:
    (كان صباحا مثاليا. بعد سويعات، تصبح الخرطوم خانقة. ولكن عند السادسة من صباح 18 يناير من عام 1985 كان الهواء صافيا. وكانت السماء قد لبست بالفعل زرقة حمام السباحة.
    في غرفتي بفندق الهيلتون، كان الصوت الوحيد، هو صوت مكيف الهواء، ذي العشرين سنة، وهو يضخ هواء محتمل السخونة. شربت قهوتي، وقرأت جريدة الصباح، محاولة ألا أفكر فيما سيحدث. لقد رأيت وقمت بأشياء كثيرة، بوصفي رئيسة مكتب صحيفة نيويورك "تايمز" بالقاهرة. كما شهدت أحداثا مروعة عديدة منذ رحلتي الأولى إلى الإقليم في عام 1971، وأنا لم أزل طالبة حديثة السن. غير أني، لم أغطي حادثة تنفيذ حكم بالإعدام.
    بعد ساعة خرجت في طريقي إلى سجن كوبر. ساحة سجن كوبر مستطيلة الشكل، وبحجم ميدان لكرة القدم. عندما وصلت برفقة جمال محي الدين، مدير مكتب مجلة "تايمز" بمصر، كانت ثلاثة أرباع تلك الساحة ممتلئة بالناس. كنت ألبس جلبابا أبيضا فضفاضا، وغطاء للرأس، لئلا يكتشف حراس السجن أنني شخص أجنبي. لوح لنا الشرطي بيده إيذانا لنا بدخول موقف السيارات. فعل ذلك، من غير أن يلقي حتى بنظرة ثانية نحوي في المقعد الخلفي. علما بأن المقعد الخلفي هو المكان الطبيعي، لوجود امرأة في سيارة، في الشرق الأوسط. خفضت رأسي بينما سرنا أنا وجمال ببطء، وسط الحشد، نحو قلب ساحة السجن، لنجد مكانا للجلوس على الأرض الرملية.
    كانت المشنقة في الجانب البعيد من الساحة. مرتفعة نوعا ما، غير أنها أقل في الارتفاع من حوائط السجن المبنية من الحجر الرملي. كان المشهد في كوبر مرحا. لا شئ هناك يشبه الصور المتجهمة التي رأيتها للسجون الأمريكية حيث يحتشد أصدقاء وأقارب المحكوم عليهم بالإعدام، خارج الأسوار، وسط المتظاهرين المعترضين الذين يحملون الشموع في الليل.
    يبدو أنني كنت المرأة الوحيدة في الساحة. وبدا أن كثيرا من الحاضرين، الذين يقدرون ببضع مئات، يعرفون بعضهم البعض. ظلوا يحيون بعضهم البعض، بتحية الإسلام التقليدية " السلام عليكم" ويجيء الرد مرات ومرات "وعليكم السلام". الرجال ذوو البشرات الداكنة، في عمائمهم التي يبلغ ارتفاعها القدم، وجلابيبهم البيضاء الفضفاضة، يتضاحكون ويتجاذبون أطراف الحديث، حول حالة الطقس، بشائر محصول تلك السنة، والحرب التي لا تنتهي في جنوب السودان. ورويدا رويدا، جلس كل واحد على الرمل، تحت وهج الشمس، التي بدأت حرارتها تزداد قسوة مع كل دقيقة تمر. كان الموعد المعلن لتنفيذ الحكم هو الساعة العاشرة.
    قبل الزمن المحدد بقليل، قيد محمود محمد طه إلى الساحة. الرجل المحكوم عليه والذي كانت يداه مربوطتان خلف ظهره، بدأ لي أقل حجما مما كنت أتوقع. ومن المكان الذي كنت أجلس فيه، وبينما كان الحراس يسرعون به إلى الساحة، بدا لي أصغر من عمره البالغ ستة وسبعين عاما. سار مرفوع الرأس، وألقى نظرة سريعة على الحشد. عندما رآه الحاضرون، انتصب كثيرون منهم واقفين على أقدامهم، وطفقوا يومئون ويلوحون بقبضات أيديهم نحوه. ولوح قليلون منهم بالمصاحف في الهواء.
    تمكنت فقط من التقاط لمحة خاطفة من وجه طه، قبل أن يضع الحارس الذي قام بالتنفيذ، كيسا ملونا على رأسه وجسده. ولن أنسي ما حييت، التعبير المرتسم على وجهه. كانت عيونه متحدية، وفمه صارما، ولم تبد عليه مطلقا، أية علامة من علامات الخوف. بدأ الحشد في الهتاف، بينما كان مجندان سودانيان يلبسان زيا رملي اللون، يضعان عقدة الحبل على المكان المفترض أن تكون فيه رقبة محمود طه. ورغم أن ضجيج الحشد قد ابتلع أصوات الجنديين، إلا أنه بدا وكأنهما كانا يصيحان ضده. فجأة تراجع الحراس للوراء، ثم سُحبت أرضية المنصة. فاشتد الحبل، واهتز الغطاء الموضوع على جسد طه في الهواء. اشتعل الهدير في الساحة "الله أكبر". وتكثف الهتاف عندما بدأ الحشد في تكرار الهتاف بشكل جماعي، "الإسلام هو الحل". الرجال الذين امتلأوا حماسة، عانقوا وقبَّلوا بعضهم البعض. أحد الرجال الذين كانوا بجانبي صرخ، "أخذت العدالة مجراها"، ثم جثا على ركبتيه، ووضع جبهته على الرمل وتمتم بصلاة إسلامية. الحالة الاحتفالية التي جرت من حولي، صعقتني، وأصابتني بالغثيان. جذبت جمال من كم قميصه، محاولة أن أشعره بأنه يتعين علينا مغادرة المكان، فقد كنت بالفعل، عاجزة عن النطق. في حالة التوتر العصبي التي اعترتني لابد أنني قد قمت لا شعوريا بسحب الغطاء الذي كان يغطي رأسي، فانحرف عن موضعه. استشعر جمال الخطر، وجذب الغطاء على ناصيتيْ شعري اللتين انكشفتا، ودفعني بحزم صوب المخرج. وبينما كنا نشق طريقنا صوب البوابة الحديدية الثقيلة، بدأت الرمال في الثوران والارتفاع في شكل سحابة برتقالية نتيجة لجرجرة الحشد لأقدامهم على الأرض الترابية. عند وصولي للمدخل، لويت عنقي لألقي نظرة أخيرة على المشنقة. كان الكيس، وجسد طه لا يزالان متدليان على الحبل. فتساءلت في نفسي، متى سينزلونه؟.
    لدى كثير من السودانيين الذين هللوا لإعدامه في ذلك اليوم، فإن طه قد اقترف أسوأ جريمة يمكن أن ترتكب. لقد أدين بتهمة الردة عن الإسلام. وهي تهمة نفاها طه، الذي أصر حتى النهاية، أنه ليس مهرطقا، أو مرتدا عن الإسلام، وإنما مصلح ديني، ومؤمن وقف في وجه التطبيق الوحشي للشريعة الإسلامية، "قانون المسلمين المقدس" والطريقة التي فهمها ونفذها بها الرئيس جعفر نميري. من وحي الموقف، أحسست، أنا أيضا، أن طه لم يقتل بسبب يتعلق بنقص في قناعته الدينية، وإنما بسبب من نقصهم هم)) .. إنتهى نص ميللر. (ص. ص.11 –12).
    التهليل لإعدام أي إنسان، بغض النظر عن جريرته، سلوك قوي الدلالة، على سيطرة الروح الهمجية والبربرية، على وعي من يتحمس له، ويقوم به. وقد مر الغرب بتجارب مماثلة لهذه التجارب، في مسار تطوره الوئيد، نحو الديمقراطية، وترسيخ حكم القانون، ودولة الحقوق، والمواطنة. فمشهد العامة الذين تحشدهم السلطات، وتعبئهم ضد المفكرين، والعلماء، فيتوافدون على ساحات التنفيذ، مستمتعين بإعدام الأبرياء، مهللين له، مشهد قد كان شائعا، في أوروبا القرون الوسطى. ولقد عرفت المناطق الوسطى من أوروبا، حتى بداية القرن السابع عشر، محاكم الساحرات، وإدانتهن بتهمة ممارسة السحر، بل وحرقهن في أتون المحارق، وهن حيات. كما ظلت أنجلترا، تمارس محاكمة المخالفين للعقيدة الدينية السائدة، حتى القرن السابع عشر. وقد تعرض وليام بن، الذي هاجر في عام 1682 ، إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وأصبح الأب المؤسس لولاية بنسلفانيا، إلى المحاكمات، والسجن، بسبب إنتمائه إلى طائفة الكويكرز. وطائفة الكويكرز، طائفة دينية، مسالمة، لا يؤمن أتباعها بالعنف، وبالحرب. وهي طائفة تدعو إلى الإخاء، والمساواة، وكفالة الحريات. غير أن الكويكرز تعرضوا لمحاكمات مستمرة من جانب السلطات الكنسية الإنجليزية، حتى إضطروا إلى الهجرة، إلى الولايات المتحدة الأمريكية، بسبب المضايقات. ولعل أكثر ما اثار حفيظة رجال الدين الإنجليز على الكويكرز، قولهم بضرورة خروج رجال الدين من بين الله، وبين الناس. ومعروف أن الكويكرز ليس لهم قساوسة مثل بقية الطوائف المسيحية.
    لاحقت الكويكرز المحاكمات، في أمريكا التي هربوا إليها. فقد حوكموا في أمريكا، وعذبوا، وسجنوا. وتم منعهم من الدخول إلى الأراضي الأمريكية. وقد وصل الأمر بسلطات نيو إنجلند، حد محاكمة قبطان أي سفينة تأتي إلى السواحل الأمريكية، بواحد من طائفة الكويكرز. والطريف أن أمريكا التي منعتهم من دخول أراضيها، بادئ الأمر، بل وقامت بشنق بعضهم، أسست فيما بعد، أهم سمات دستورها، وقوانينها على فكر الكويكرز. ويعتبر ويليام بن، الذي ورد ذكره قبل قليل، أحد الآباء المؤسسين للحريات الدينية في التاريخ الأمريكي. وقد أعتبرت الوثيقة التي كتبها ويليام بن، وحملت عبارة: ((ليس هناك رجال يملكون التخويل، أو السلطة، حتى يتحكموا في ضمائر الناس، في الأمور الدينية))، أول تأكيد واضح، في التاريخ الأمريكي، على هيمنة (القانون الأساس)، على كل قانون آخر، يمكن أن تتم إجازته.
    كان الشعار الملازم للأستاذ محمود محمد طه، طوال حركته الفكرية، هو شعار: ((الحرية لنا، ولسوانا)). وقد قال الأستاذ محمود أيضا، في هذا المنحى، :
    (( ليس هناك رجل من الكمال بحيث يؤتمن على حريات الآخرين، فضمان الحرية، هو دوام سهر كل فرد عليها)).
    وقد انصبت كثير من كتابات الأستاذ محمود على نقد ظاهرة رجال الدين، وأنها ظاهرة دخيلة على الفضاء الإسلامي. فهي، كما يرى الأستاذ محمود، ظاهرة ذات جذور يهودية مسيحية. وقد انتقلت إلى الفضاء الإسلامي، حين تحولت الدولة الإسلامية إلى مملكة، وأصبحت لرجال الدين وظائف في بلاط الملوك، الغرض منها الحفاظ على الأوضاع السائدة، وإعطاء تلك الأوضاع سندا دينيا. وما من شك، أن تهديد افكار الأستاذ محمود لهذا الكهنوت الدخيل الذي ظل مستمرا منذ العصر الأموي، هو الذي قاد رجال الدين عندنا، إلى السعي الدؤوب لإعدامه.
    أردت أن أشير، بكل ما تقدم، في قصة الكويكرز، ومحاكماتهم، إلى أن التاريخ الإنساني، متشابه. ونحن لا نزال نعيش، بهذا المعنى، في المرحلة الأدني في مسار حركة نمو الوعي. خاصة، فيما يتعلق بكيفية إدارة الصراع في قضايا الخلاف الديني، وقضايا الحرية، والدستور، والحقوق. نحن لا نزال في المنطقة التي خرجت منها أوروبا، وخرجت منها أمريكا، قبل ثلاثة قرون تقريبا. ولابد أن ترسى بنا السفينة، في مجال كيفية التعامل مع قضايا الخلاف الديني، وكيفية إدارة الخلاف الفكري، في نفس المرسى الذي رسوا فيه هم قبلنا، بنحو قرنين، أو ثلاثة. ولا يعني هذا أنه لا فكاك لنا من أن يكون الغرب، مرجعيتنا في كل شيء. وإنما يعني فقط، أن قضية الحقوق الأساسية، قضية عالمية، ولابد من أخذ المرجعية الغربية فيها، بعين الإعتبار. والمرجعية الغربية نفسها لم تأت من العدم. وإنما تعود إلى مرجعيات سبقتها، في الفكر الإسلامي، وفي الفكر الإغريقي.
    مشكلتنا أننا نسينا سمة التركيب في تراثنا. وأصبحنا ننظر إلى ثقافة الغير، بعين الريبة. حتى بلغنا درجة العجز عن رؤية عناصر، ومكونات ثقافتنا التي حدث أن تبناها الآخرون، وطوروها.
    هناك إتجاه، وسط بعض الناشطين الإسلامويين لكي يجعلوا من قضية الحقوق، قضية نسبية، تأخذ مرجعيتها، من المحيط الثقافي الخاص بالجماعة البشرية المعينة. وكأنهم يريدون بذلك أن يقولوا: ليس هناك مقياس عالمي موحد لحقوق الإنسان. ولذلك، لا يحق لبقية العالم أن يحشر أنفه في شؤوننا، فيما يتعلق بقضايا الحقوق. وكل هذه الإلتواءات التي يمارسها الناشطون الإسلامويون، القصد، الأول، والأخير منها، هو تكريس حالة مصادرة الحقوق القائمة في الفضاء العربسلامي. وهذه النسبية، التي تبدو مثل،(نسبية بلا ضفاف)، يمكن أن تجعل ـ على سبيل المثال ـ من استخدام القانون لمنع النساء، من قيادة السيارات، في بلد مثل السعودية، عملا مبررا، دستوريا، وقانونيا. كما يمكن، أيضا، أن تجعل من قتل الناس، بسبب أرائهم عملاً مبرراً أيضا!.
    نعم، هناك اختلافات فيما يتعلق ببعض الحقوق، بين ثقافة وأخرى. فقضايا مثل الإجهاض، والمثلية الجنسية، والزواج من نفس الجنس، (الجندر) على سبيل المثال، ستظل قضايا خلافية. وهي محل خلاف شديد، حتى في داخل الفضاء الغربي نفسه. غير أن الحقوق الأساسية، التي لا يكون الدستور دستوراً، إلا إذا تضمنها، تبقى أمرا عالميا، لا خلاف عليه. وحقيقة الأمر، فإن الإعتراضات على (عالمية) حقوق الإنسان، لا تاتي عادة، إلا من جانب البلدان العربية، والإسلامية، التي هي صاحبة أسوأ سجل في حقوق الإنسان!
    من الحقوق الأساسية التي لا خلاف عليها، (عالميا) حرية الإعتقاد، وحق التعبير عن الرأي، والدعوة للمعتقد، وحق التنظيم، وحق اختيار الحاكم، وحق عزله. قال أبو العلاء المعري، قبل قرون، وقرون:
    مُلَّ المقام، فكم أعاشر أمةًً، أمرت بغير صلاحها، أمراؤها
    ظلموا الرعيةَ، واستباحوا كيدَها، وعدوا مصالحَها، وهم أجراؤها
    فضرورة أن يكون للناس الحق، في انتخاب من يلي أمورهم، وحقهم في عزله، متى ما حاد عن خدمة مصالحهم، ليست مسألة غربية بحتة. كما أن حرية الضمير، والمعتقد، أمور كفلها القرآن أصلا، ولم يتركها لأهواء القابضين، على أزمَّة السلطة، والثروة. فقد جاء في القرآن الكريم: ((فذكر إنما انت مذكر، لست عليهم بمسيطر)). وجاء أيضا: ((لا إكراه في الدين، قد تبين الرشد، من الغي)). وقبل هذا وذاك فالبداهة تقول، ليس من حق كائن من كان، أن يدعي أن الله قد منحه، تخويلاً بأن يقرر في صحة وبطلان عقائد الناس، إلى الحد الذي يمكنه به إهدار دمهم، وتجويز قتلهم. نعم، لم يجر تطبيق عملي للآيات التي سبق ذكرها، في الحيز العملي، عبر التاريخ الإسلامي. فالتاريخ الإسلامي، على سبيل المثال، قد أقر الرق، الذي وجده ممارسا، كما أمر بقتل المرتد، بل وقتل تارك الصلاة. غير أن التاريخ الإسلامي، مشابه لتاريخ بقية الأديان الأخرى، على ظهر الكوكب. فالغرب المسيحي، لم يعرف كفالة الحقوق، إلا قبل قرنين، أو ثلاثة، فقط، كما تقدم. غير أن الغرب، تجاوز تلك المرحلة. وبقينا نحن فيها. وأسوأ من ذلك، أننا بدل أن نفهم الإطار التاريخي للحقوق، ونفهم من ثم ضرورة التطوير، أصبحنا ندافع عن قيم القرون الوسطى، وما قبلها.
    من أميز ما جاء به الأستاذ محمود محمد طه، هو التفريق بين أصول القرآن، التي تكفل الحقوق الأساسية، ولكن لم يتم تطبيقها في الماضي، وبين فروع القرآن التي لم تكفل كل الحقوق، وتم تطبيقها في الماضي كمرحلة إعداد نحو الأصول. ودعوة الأستاذ محمود، التي سوف لن يجد المسلمون منصرفا عنها، فيما أرى، إنما تؤكد على ضرورة نسخ الفروع، التي كانت محكمة منذ القرن السابع، وإحكام الأصول التي كانت منسوخة منذ القرن السابع.
    وقد يحاجج هنا بعض المغالين من دعاة العلمانية، بأن فكر الأستاذ محمود، فكر جيد، في حالة أنه لا خيار لنا، إلا في إقامة دولة دينية. غير أن الدولة الدينية، مرفوضة، من الأساس، لدى العلمانيين. ومشكلة هذا الإعتراض، تكمن في كونه اعتراض صفوي محض. فهو اعتراض يفترض أن الجماهير، مؤمنة بإشكاليات الدولة الدينية، تماما كما تؤمن بها الصفوة، ذات التوجه الغربي. وظن الصفوة والنخب السياسية التي تستلهم النموذج الغربي، ظن لا سند له في الواقع العملي. وقد أثبتت التجربة العملية، التفاؤل، غير المؤسس، لدعاة هذا النهج. فالدين ظل وسوف يبقى عاملا شديد التاثير في مجريات الأمور، وفي تشكيل رؤى الناس. ولا بد من تاسيس اتجاهات التحديث من داخله، لا من خارجه. وهذا ما وقف له الأستاذ محمود عمره، ولم تستجب له عبر أربعين عاما سوى قلة قليلة من المتعلمين. ولعل الوقت قد أزف، ليدرك المثقفون، نفاذ رؤية هذا المفكر العظيم.
    الإتجاه للتحديث، من غير التاسيس له من مصادر ثقافتنا، يفقد حركة التحديث كثيرا من حجيتها، وشرعيتها، خاصة في نظر السواد الأعظم من الجماهير. ومن ثم يصبح التحرك في وجهة التحديث، مثار شك لدى الجماهير العريضة. وفي الناحية الأخرى، فإنه ولو بقي الناس على قديمهم، فيما يتعلق بالمفاهيم الدينية، وظلوا يلوكون ذلك القديم البالي، ويعيدون تدويره، فإن فرص الرقي، والتمدن، والإنسجام مع المحيط الكوكبي المشرئب، كل صبح جديد، إلى التقارب، والتشابك، سوف تصبح ضعيفة جدأ. هذا إن لم نقل باحتمال أن نرتد إلى أوضاع أسوأ من أوضاعنا الراهنة، من حيث الإنغلاق، والعزلة. ومن يقرأ ما جرى لنا في العقود الثلاث الأخيرة، لابد أن يلحظ مستوى تراجع الفهوم، وتراجع الممارسة عن مكتسبات التحديث، في كثير من بقاع منطقة الشرق الأوسط. وحادثة إعدام الأستاذ محمود، نفسها، لأبلغ دليل على هذا التراجع المخيف. ))
    انتهى كلام دكتور حمد وقد آثرت أن أعرض الجزء الأكبر من مقاله بنصه ودون تعليق منى لأننى أكاد أتفق معه فى معظم ما قاله .
    لقد نجحت المجتمعات الأوروبية والغربية فى التخلص من محاكم التفتيش وبقيت المشكلة فى مجتمعاتنا العربية الإسلامية ،
    والسؤال هو كيف نتخلص نحن من أصحاب محاكم التفتيش عندنا ؟!! من أولئك الذين ينصبون أنفسهم أوصياء وقضاة يفتشون عما فى القلوب والصدور مع أن رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم قد وضع نهاية للوصاية على العقل البشرى والضمير الإنسانى حينما قال" أنتم أعلم بشئون دنياكم " ، وأيضا عندما قال لأحد الصحابه : " هلا شققت عن قلبه؟ " وكأن هذه العبارة الوجيزة البسيطة الواضحة لم تكن كافية فيجادل الرجل رسول الله قائلا:
    ـ يارسول الله ، إنه يخفى فى نفسه غير ما يعلن. ويجيبه رسول الله وخاتم النبيين:
    " إن الله لم يأمرنى أن أشق صدور الناس لأرى ما فيها".
    وكلمات الرسول صلى الله عليه وسلم هذه رغم يسرها وبساطتها إلا أنها تنطوى على مضمون ومعان تشكل فى جوهرها دستورا هائلا يحمى الضمير الإنسانى ويصون حريته فى الفكر وإعمال العقل ، وهذا التقدير لحرمة الفكر ورعايته من جانب رسولنا الكريم هو بحق نقطة إنطلاق الضمير فى شريعة محمد بن عبد الله ودينه الحنيف ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
    ويقول الله تعالى فى كتابه العزيز:
    إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ( الزمر ـ آية 7 )
    ثم اقرأ قوله تعالى لنبيه الكريم: ((اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ)) ( الأنعام ـ آية 106 ، 107 )

    لقد أصدرت المحكمة الهزلية حكمها بالإعدام على المهندس الأستاذ محمود محمد طه ... على مناضل كافح الإحتلال الإنجليزى للسودان وزج به فى سجون الإحتلال قرابة ثلاث سنوات ، على رجل مسالم لقبه معارفه وإخوانه بغاندى السودان، على شيخ كبير طاعن فى السن لم يملك من حطام الدنيا شيئا ـ ولا حتى عصا يتكأ عليها فى شيخوخته ـ إلا إيمانا عميقا وعقلا راجحا وبصيرة نافذة . ، ورفض المتصوف الزاهد الأستاذ محمود محمد طه أن يتراجع عن أراءه ويقدم إلتماسا بالعفو عنه إلى الرئيس نميرى الذى أخذته العزة بالإثم فتكبر واستكبر ورفض جميع النداءات والتوسلات من جميع دول العالم بأن يرفض التصديق على حكم الإعدام الذى نفذ فى صباح الثامن عشر من يناير عام 1985 . قتل الأستاذ محمود حتى يكون عبرة لغيره من المعارضين كما جاء فى حيثيات الحكم الهزلى لمحكمة المهداوى الهزلية . الشيخ المتصوف المسلم المسالم قتلته السياسة .
    وأحدث خبر إعدام الأستاذ محمود محمد طه البالغ من العمر ستة وسبعين عاما صدمة وردود فعل مدوية فى جميع أرجاء العالم ، ولأن ربك بالمرصاد لكل طاغية جبار فهو يمهل ولا يهمل تشاء الحكمة والإرادة الإلهية أن يهب الشعب السودانى بعد مرور ستة وسبعين يوما بالتمام على إغتيال الشهيد محمود فى انتفاضة عارمة أطاحت بالرئيس السودانى جعفر النميرى ونظامه الذى استمر فى حكم السودان نحو ستة عشر عاما ويفر النميرى خارج البلاد ... إلى أين؟ إلى مصر ليعيش فيها كلاجئ سياسى ينعم بالأمن والأمان!!! ... مصر التى رفض النميرى طلب رئيسها حسنى مبارك ونداءات ومناشدات أحزابها السياسية بالإبقاء على حياة الشهيد الأستاذ محمود محمد طه .
    وفى عام 1986 ترفع إبنة الأستاذ محمود محمد طه دعوة قضائية لإبطال وإلغاء حكم الردة الصادر ضد أبيها ، وتصدر المحكمة العليا فى السودان حكمها ببطلان محكمة المهداوى من أساسها ، ولكن جاء الحكم متأخرا وبعد فوات الأوان!!
    ويرحم الله الشاعر الكبير صلاح عبدالصبور حين قال في "مأساة الحلاج":
    " ليس الفقر هو الجوع إلي اللقمة
    والعُري إلي الكسوة
    الفقر هو القهر."
    نعم الفقر هو القهر . . وظلم الإنسان لأخيه الإنسان
    فلينكسر السيف الأموى الباطش المسلط على رقاب العرب والمسلمين . نحن ياسادة فى القرن الحادى والعشرين. *
    كاتب وصحفى مصرى ـ كندى
    [email protected]
                  

العنوان الكاتب Date
مسعد حجازى : محمود محمد طه ـ " شهيد الفكر وجاليليو العالم الإسلامى " Salwa Seyam01-22-06, 04:53 PM
  Re: مسعد حجازى : محمود محمد طه ـ " شهيد الفكر وجاليليو العالم الإسلامى " Dr.Elnour Hamad01-22-06, 06:12 PM
  Re: مسعد حجازى : محمود محمد طه ـ " شهيد الفكر وجاليليو العالم الإسلامى " Salwa Seyam01-23-06, 06:20 PM
  Re: مسعد حجازى : محمود محمد طه ـ " شهيد الفكر وجاليليو العالم الإسلامى " منصوري01-24-06, 01:02 AM
    Re: مسعد حجازى : محمود محمد طه ـ " شهيد الفكر وجاليليو العالم الإسلامى " osama elkhawad01-24-06, 02:58 AM
  Re: مسعد حجازى : محمود محمد طه ـ " شهيد الفكر وجاليليو العالم الإسلامى " Salwa Seyam01-24-06, 09:49 PM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de