أفاق الابداع : موريس ماينر.......بقلم:الحسن محمد سعيد

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-20-2024, 01:39 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الثالث للعام 2012م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
09-24-2012, 08:39 AM

adil amin
<aadil amin
تاريخ التسجيل: 08-01-2002
مجموع المشاركات: 36829

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
أفاق الابداع : موريس ماينر.......بقلم:الحسن محمد سعيد

    (3) هتاف
    clip_image8.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


    التشكيلي سليمان سعيد
    مــــورس مـــاينــر


    الحسن محمد سعيد
    عندما دخل بيت صديقه اليمني في منطقة بيت بوس بصنعاء، لم يهزه ذلك البيت الجميل، في شكل فيلا باهرة البنيان.. ولم يثر إعجابه، ذلك الحجر الأخضر الزاهي الذي شُيدت به .. ولم يلفت نظره ذلك التصميم الذي جمع بين المعمار اليمني المتميزّ بشكله وقمرياتة، والمعمار الأوروبي الذي يمثل روح العصر وحضارته.. ولم يحركه ذلك الأثاث الفاخر ، الذي هو مزيج بين بذخ الشرق وترف الغرب .. إنما الذي شدّ اِنتباهه من بين كل تلك الأُبهة الجليلة، سيارة (مورس ماينر) قديمه مركونة بعناية في فناء الحوش الفخم، تحيط بها حديقة ذات مهرجان من الزهور وأشجار الموالح والموز، كأنها عروس اِكتملت زينتها وحُسن طلَّتها..

    توقف مأخوذاً من هذا الذي يشاهد !! جاءت دهشته من وجود هذه السيارة القديمة التي لا وجود لها الآن.. فقد عرفها جيداً في يوم ما من عمره ..عايشها وعايشته زمناً في السودان، للدرجة التي أصبحت فيها جزءاً أصيلاً من أيامه التي خلت.. ومع ذلك فهي تاريخ حيّ التذكار ، نبيل السيرة، دائم المزار، حينما تزداد وطأة الحياة وشِدَّتها ، وهي كثيرة .. ذلك أولاً .. أما ثانياً ، فإن اندهاشه ينبع من العناية الفائقة التي أُحيطت بها هذه السيارة العتيقة، التي يظهر عليها جلياً، أن الزمن لم ينل منها شيئاً ، فأضحت كما هي فتية تتحدى الأيام وكرورها الذي يقود إلى النهاية والعدم..

    قال وقد أصبحت كل تفكيره:

    - من أين لك بهذه السيارة؟ !
    اِستغرب الصديق من سؤال صديقه، الذي لم يلفت نظره في هذه الفيلا الباذخة، وتلك المناداة التي تعجّ بها تلك الأُبهة، وهاتيك الروعة التي تدير عنق كل غافل مهما كانت غفلته ، وكل تلك الاِحتفالات والكرنفالات المضيئة، إلا هذه السيارة العتيقة ، فسأله مستنكراً:

    - من هذا القصر المُنيف ، لم يلفت نظرك شيء ، إلا هذه السيارة القديمة ؟!
    قديمة ، نعم !! وهذا سرُُّ تفرَّدها .. قديمة ، نعم !! وهذه هي عظمتها التي لا يدركها إلا من عجنتهُ الأيام معها ، كحاله .. قديمة، نعم !! وهذه هي الأصالة التي لا يعيها إلا من عركه الزمن مثله .. قال جاداً:

    - هذه هي التاريخ .. والشيء لا يصبح تاريخاً إلا إذا كان ماضياً .. والماضي لا يمسي كذلك، إلا إذا كان قديماً.. وقديمنا أصبح أجمل ما فينا !!

    تعجب الصديق من تعليق صديقه .. إلى هذا الحد تمثل عنده عربة (المورس ماينر) أمراً له قيمة .. يجلَّها، كأنما يتعّبد فيها ؟ ! هو لا ينكر قيمتها بالنسبة له ، ولكنها ، ليست إلى هذه الدرجة من الحفاوة.. هي تمثل بالنسبة له شيئاً ، نعم !! ولكن مهما كان ذلك الشيّ ، فإنه لا يقارن مع قصره المُنيف، وهو لا يقبل أن يكون هناك تجاهل له تحت أية ، وبأي مسمى، حتى وإن كان ذلك، التاريخ نفسه.. قال:

    - أنا أمتلك هذه السيارة من عدن، ورثتها عن أبي .. كان والدي يراعيها، كما يراعينا.. وظلت على حالها التي كانت عليها منذ أن اِشتراها ، ولا زالت .. عندما وقعت من نصيبي، لم أهتم بأمرها، بل أخذتها على مضض، لأن نصيبي في القسمة جاء هكذا .. وليس من حقي أن أعْترض.. أهملتها في اِنتظار مشترٍ لها ..وقد لا تصدق، من يوم دخولها بيتي ، ورزق الله هَلَّ علينا بلا حساب !! .. لاحظت زوجتي ذلك، ولفتت نظري إلى هذه الظاهرة.. ظاهرة وفرة الرزق بقدوم ( المورس) ، بيد أني تجاهلت هذه الملاحظة ، واِعتبرتها خرافة من زوجتي ، فأهملت قولها.. لكنها كانت – ويا للغرابة – تُصر على معتقدها، فتكرر ملاحظتها في كل مناسبة يأتينا فيها الرزق الوفير..وحين بدأت في بناء هذه الفيلا، كان إيماني بخرافة معتقد زوجتي لا يزال في مكانه .. كنت متهيباً من البناء وتكلفته ، ولكن حدث ما يذهل .. رفضت زوجتي بيع ( المورس) .. وكنت أريد بيعها بأي ثمن لأستعين به على البناء ، خاصة وقد كثُر طلابها فجأة .. هددت زوجتي بترك المنزل إن أتممت البيع .. كنت أنسى خرافة زوجتي بسر ( المورس) الذي جلب لنا الرزق الوفير وسهل أمورنا، ولكنها كانت بين الفينة والأخرى تعيد عليّ حديثها، ونحن نرى الفيلا تكبر أمام أعيننا، وأمر الإنفاق عليها يسهل عندي إلى أبعد الحدود.. بدأ عنادي بخرافتها يُوهن شيئاً فشيئاً، وأخذت أسترجع الأيام، من اللحظة التي اِمتلكت فيها (المورس) .. فرأيت شيئاً عجباً.. وتأكد لي ذلك الظن عند بناء الفيلا ، وتيسير أمر تشييدها.. فآمنت كما آمنت زوجتي .. إنه سر لا يقدره ولا يؤمن به ، إلا من عايشه ويعايشه مثلنا..

    توقف الصديق قليلاً ليشرب بعض الماء ، ثم أردف ضاحكاً :
    - لكن التفاؤل بهذه السيارة العتيقة شيء ، وروعة هذا القصر المُنيف شيء آخر، وكان المفروض هو الذي يدير عنقك !!..

    لم يعقب الصديق .. وإنما غاب في ملكوت باطني آخر ..

    من قال لك أنه لم يعايشه ؟! لقد عايشه، ولكنه كان سرَّاً من نوع آخر لا يعلمه إلا الصابرون هناك في أرض الجزيرة في السودان، وعند ملتقى النيلين..

    كانت هناك عربة ( مورس ماينر) أخرى شبيهة من حيث الشكل بعربتك..أشتراها ذات يوم ماطر في مزاد علني ، أعلن عنه مشروع الجزيرة .. كان مزاداً متنوعاً، لا يجود الزمان بمثله في هذه الأيام .. عربات ، تراكترات، مواتر،مضخات، وأكوام من قطع الغيار لآليات مختلفة ..

    في هذه اللحظة تجسد أمامه كل ماضيه مع ( المورس) .. في المزاد العلني، تحسس نقوده القليلة ، وهو يرى فطاحلة الأسواق يدخلون ساحة المزاد بجلاليبهم الفضفاضة ، وجيوبهم المنتفخة.. من يا تُرى يقارع هؤلاء ، صيادي الفرص الريانة المترهلة.. لقد جاء إلى عوالمهم بالخطأ .. تطفل عليهم .. وأبخس مضارباتهم !!..

    يئس من مسعاه، وأقنع نفسه بأن يتفرج على هؤلاء القوم، كيف يديرون شؤون أعمالهم.. وجد متعة في الفرجة، دون شك ، وهو يرى العروض تتصارع فيما بينها.. تتلاقى وتنفصل بتعارض، ترغي أفواه وتضحك ثغور، تكتئب ملامح وتنشرح أخرى.. ويجتهد ناظر المزاد لزيادة الحصيلة..

    هو الوحيد بين هؤلاء القوم ، الذي كان لا تعنيه حاجة مما يدور حوله، غير الفُرجة ، والتمتُّع بإنكسار الخاسرين .. دنيا يراها لأول مرة !!

    عندما قارب المزاد نهايته بقيت سيارة ( مورس ماينر) بيضاء ، تبدو وحيدة ، دون أشياء المزاد التي تسابق عليها المتسابقون .. أيعقل أن يغفل هؤلاء التماسيح عنها، وعن هذا البهاء؟!.. فلْتقرأ سورة يس ، لعل الله يعمي بصرهم وبصائرهم.. أي تدخل من أحد التماسيح ، أضاعة هو وآماله، في صحارى الفقر، وضعف الإمكانات، ووهن الإستطاعة..

    أعلن ناظر المزاد عن ( المورس ماينر) .. فأخذ صوته يجوب الآفاق:

    - عربية بحالة جيدة .. عملت في مشروع الجزيرة، مع مفتش التنمية الاجتماعية.. عمرها لا يتجاوز الخمس سنوات.. صُنعت خصيصاً للسودان وأرضه، وطقسه ، وأهله..

    بدأ المزاد بمائة جنيه.. اِنتظر أن يشب تمساح من مكمنه ويبتلعها !! ولكنّ الله ستر.. اّضحت ( المورس) تغازل دواخله .. يا رب، هل أتجاسر، وأعلن أنني هنا؟!.. هل يجدي وجود من هو مهزوم من الداخل ؟!.. أين أنا من هؤلاء التماسيح؟!.. فأنا أخاف الغرق حتى في ماء البانيو !! وهؤلاء يتحدون النيل .. بل ربما يشربونه!!..

    سكون في المكان ، إلا من صياح الناظر.. مرّت اللحظة تلو الأخرى .. ولا يعرف المزاد قلباً يتقاذف في هذا المحفل غير قلبه .. إنه يكاد يخرج من قفص صدره!! هل سترجع هذه المسكينة كاِمرأة بائرة؟! .. لا ورب العزة، لن تعودي كسيرة الفؤاد..

    قال وصوته لا يكاد يخرج من حلقه :
    - مائة وواحد !!

    صهل ناظر المزاد معلناً العرض:
    - مائة وواحد !!

    لقد تحرك المزاد بعد صمت.. شرع الناظر ينادي مناداته المألوفة .. أكثر ترديده، لعل الحصيلة تزداد بضع جنيهات .. خاب ظنه ، فأمسى مضطراً لإنهاء المزاد لصالحه دون مزايدة.. ويا للعجب !! لقد أصبحت ( المورس ماينر) مِلكه .. لعلها أول مِلْكية في حياته !!..

    كان يوماً مشهوداً في عمره حين قادها في شوارع مدني ، وأزقة وقرى الجزيرة ، وأرضها الطينية السوداء ..

    خاف في بداية الأمر أن تغوص الإطارات في الأرض اللزجة، لكن هاله أن يجدها تتحدى أرض الجزيرة الطينية المبتلة بماء المطر وقنوات الري.. كانت كالدبابة التي تحفر طريقها ولا تبالي !!

    تحرك من مدني ، متجهاً إلى الخرطوم .. كانت هذه العربة الصغيرة، التي تشبه زواحف الصحراء ، تنهب طريق الخرطوم مدني نهباً، وفي سرعة خرافية .. بعد زمن وجيز، كانت في قلب الخرطوم ..

    طال الزمن بها .. فنشأت العادة والأُلْفة .. ومع الأيام خُلقت العلاقة الحميمة، فأضحيا صديقي عمر !!

    من حبه لهذه العربة، تعلم كيف يصلح أعطالها .. أما هي ، فقد كانت كريمة إلى أقصى مدى !! أعطته سرّها بجود نادر .. وعلمته طريقة معالجتها ومعاملتها كاِمرأة وُهبت للحب ، وجبلت على العطاء .. وبادلها كرماً بكرم وفضلاً بفضل، ولم يجحدها، فأحسن معاملتها، فنال منهما أجود ما رمى إليه الإنجليزي من صنعها، لتقديم خدمة ممتازة، طويلة الأمد .. قليلة الاِنقطاع.

    في أزمات السودان من شح البنزين في عقدي السبعينات والثمانينات ، كانت فريدة زمانها.. توقفت أعظم العربات نتيجة لتلك العلة ، إلا هي !! كانت تتهادى في شوارع الخرطوم كعروس النيل ، تقول في شموخ، نحن هنا !!

    ومن عطائها الممَّيز أنها كانت قادرة على تحمل مصائب الشارع وحوادثه المريعة.. فذات مرة في شارع الجامعة ، فاجأتها سيارة (أوبيل) ألمانية، دخلت الشارع في سرعة مجنونة .. كان سائق ( الأوبيل ) سارحاً في تفكير عميق ، فصدم ( المورس ) صدمة لها دوي .. وحين فاق من هوْل الموقف ، ترَّجل ليتفقد الصدمة، فرأى (الأوبيل) الفارهة قد تهشمت مقدمتها تماماً.. وأضحت ( المورس) على حالها، كأن هذه الهوْل المريع لم يمسها، ولا يعنيها في شيء !! ..

    صاح سائق (الأوبيل) :

    - يا ناس دي مُصفحَّة ، مش عربية !!

    لم يرد عليه، وإنما رشقه باِبتسامة ساخرة كأنما يقول له : هكذا أرادتها أرض الجزيرة ..

    ****
    بعد هذا التأمل الذاتي الذي مرَّ عليه، كأنما يستحضر كل ماضيه، ليعيد إليه أياماً نامت في تلافيف الذاكرة الخاملة، فأشعلتها كوهج الجمر الحارق، قال في أسى ظاهر:

    - لقد عرفتُ سِرّك مما قلت ، ولم تعرف سِرَّي، ولو عرفته لأُدمي قلبك على أناس، كان الذهب الأبيض يوماً مفخرتهم.. وكانت هذه السيارة جزءاً من أصول مشروعهم ذي التنمية الحقيقية، القائمة على التكامل الاِقتصادي والاِجتماعي، كأول تجربة رائدة في أفريقيا .. وفجأة جار عليهم الزمان، فأدركتهم الفاقة، وأمسوا لا يملكون حتى نعمة النظر إلى هذه ( المورس ماينر)..

    ****

    كاتب من السودان مقيم في اليمن
    صنعاء
    01/01/2012
                  

العنوان الكاتب Date
أفاق الابداع : موريس ماينر.......بقلم:الحسن محمد سعيد adil amin09-24-12, 08:39 AM
  Re: أفاق الابداع : موريس ماينر.......بقلم:الحسن محمد سعيد adil amin09-24-12, 08:44 AM
    Re: أفاق الابداع : موريس ماينر.......بقلم:الحسن محمد سعيد adil amin09-25-12, 09:16 AM
      Re: أفاق الابداع : موريس ماينر.......بقلم:الحسن محمد سعيد othman mohmmadien09-25-12, 10:08 AM
      Re: أفاق الابداع : موريس ماينر.......بقلم:الحسن محمد سعيد othman mohmmadien09-25-12, 10:12 AM
      Re: أفاق الابداع : موريس ماينر.......بقلم:الحسن محمد سعيد othman mohmmadien09-25-12, 10:12 AM
        Re: أفاق الابداع : موريس ماينر.......بقلم:الحسن محمد سعيد othman mohmmadien09-25-12, 10:15 AM
          Re: أفاق الابداع : موريس ماينر.......بقلم:الحسن محمد سعيد othman mohmmadien09-25-12, 08:07 PM
            Re: أفاق الابداع : موريس ماينر.......بقلم:الحسن محمد سعيد adil amin09-26-12, 10:46 AM
              Re: أفاق الابداع : موريس ماينر.......بقلم:الحسن محمد سعيد othman mohmmadien09-27-12, 08:15 AM
                Re: أفاق الابداع : موريس ماينر.......بقلم:الحسن محمد سعيد adil amin09-27-12, 09:23 AM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de