من الطيب مصطفى إلى منصور خالد إلى أحمد سليمان (للتوثيق) والشكر لبكرى أبوبكر

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-20-2024, 00:31 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مكتبة د.منصور خالد
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
04-13-2003, 05:21 PM

WadalBalad
<aWadalBalad
تاريخ التسجيل: 12-20-2002
مجموع المشاركات: 737

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
من الطيب مصطفى إلى منصور خالد إلى أحمد سليمان (للتوثيق) والشكر لبكرى أبوبكر

    سلام أيها الإخوة والأخوات

    والشكر أجزله للأخ الهمام بكرى أبوبكرعلى إهتمامه الدائم لإستكتاب الأقلام الناضجة والمؤثرة فى الشأن السياسى السودانى ولعل المقال الذى قدمه العم الأستاذ أحمد سليمان هنا فى البورد يعد إضافة حقيقية يجب الوقوف عنده وإزجاء التحية له من قبل ومن بعد وها نحن نرتاح عليه بعد السهد والنضم على أحداث العراق وتخاذلات الأنظمة العربية. إن إستكتاب الأستاذ فى حد ذاته يعد خدمة كبيرة للبورد ولنا وللقضية السودانية بصورة عامة.

    لقد تشرفت بمعرفة الأستاذ قبل سنوات عديدة وهو الآن مستقر بمنطقة فيرجينيا ضواحى واشنطن العاصمة مما جعل الإتصال سهلاً به والإستعانة بعلمه الغزير وإطلاعه الواسع بشئون السياسة والمجتمع السودانى. لقد حدثنى فى آخر مكالمة معه قبل فترة عن دور الأمريكان فى إستقلال السودان!! أى والله دور الأمريكان فى إستقلال السودان. أين المؤرخين السودانيين من أمر كهذا؟ لم نسمع يوماً بدور أمريكى فى إستقلال السودان ولكنها على الأقل فرصة لسبر هذا الموضوع على صفحات هذا البورد العميق وهذه دعوة للأخ بكرى لحث الأستاذ للكتابة لنا فى هذا الموضوع وإفادتنا بالحقائق التى يعرفها وقد يكون مدخلاً هاما لمؤرخينا ومحللينا السياسيين لإلتقاط القفاز والولوج فى لب الموضوع بعمق وإستفاضة.

    الموضوع الذى كتبه الأستاذ أحمد سليمان عن مداخلة الدكتور منصور خالد على موضوع الطيب مصطفى الإنفصالى يمثل جزءاً من موضوع كبير مترابط لا يمكن فهم بعضه بمعزل عن الآخر ولذلك, وللتوثيق, فقد قمت بجمع كل تلك المقالات فى فايل واحد فى كمبيوترى الخاص (64 صفحة من السطر الواحد) كجزء من إرشيف متكامل عن المسألة السودانية وأود مشاركتكم فيه وهئنذا أنزله هنا فى 12 جزءاً من هذا البوست ويمكنكم تنزيله والإحتفاظ به للمستقبل. ومعذرة للأخ بكرى فى تجاوز بوستاته عن هذا الموضوع لكننا نظن إن ذلك سيكون خيراً إذ يمكنه أن ينزل هذه الحلقة جاهزة وكاملة فى إرشيفه المحترم.

    المقالات المنزلة هنا عددها 16 تحتوى على أهم الردود على الطيب مصطفى الذى أوردنا مقاليه فى موضوع فصل الجنوب فى صدر هذه المجموعة, وهى مصنفة كالآتى:

    (1) أما آن للشماليين المطالبة بتحرير شمال السودان من قبضة الجنوب؟ الطيب مصطفى
    (2) ولألوان كلمة: ما آن لأبناء شمال السودان أن يعلنوا دولتهم المستقل ؟ الطيب مصطفى
    (3) ظاهرة الانهزاميين الجدد والاستخفاف بمرتكزات الأمن القومي: العميد أمن «م» حسن بيومي
    (4) ولألوان كلمة: حسين خوجلى
    (5) أوهـــام الإنفصــاليين الجـــدد: عثمـــان ميرغــني
    (6) مكي علي بلايل يعقب على الطيب مصطفى: آيات الذكر والآفاق تدحض اطروحة الانفصاليين
    (7) حـــق الأغبــياء فـي التفگــير: د. غازي صلاح الدين العتباني
    ( قراءة في مقال غازي صلاح الدين: أبكر آدم إسماعيل/كندا
    (9) حق الوطنيين في التفكير .. يا غازى: يوهانس موسى فوك
    (10) الإنفصاليون الجدد ..!! بقلم : عثمان ميرغني
    (11) مكواج تينج الوزير الجنوبي: نساند دعوة الانفصال ونادمون على الاتفاق مع الحكومة
    (12) مرحبا, نحو سودان جديد: (3) إنتبهوا أيها السادة, وحدة السودان فى خطر: ودالبلد
    (13) الدكتور عبداللطيف البونى: الطيب مصطفى وفتاق السودان
    (14) كلام رجال: لبنى أحمد حسين
    (15) عجبي ممن يؤثر العوراء على العيناء: دكتور منصور خالد
    (16) من وراء البحار: الأستاذ أحمد سليمان


    ************************************************************

    (1) أما آن للشماليين المطالبة بتحرير شمال السودان من قبضة الجنوب ؟

    لماذا يتشبث ساسة الشمال بجنوب السودان بينما لا يكترث لذلك ساسة الجنوب؟
    أيهما جنى على الآخر الشمال أم الجنوب ؟

    الطيب مصطفى

    لازلت لا أفهم سر تلك اللحظة العبقرية التي تقرر فيها القبول بحق تقرير المصير لأبناء جنوب السودان بعد أربعين عاماً من إندلاع الحرب لأول مرة في أغسطس عام 1955م بالرغم من أن ذلك القرار كان أمراً بدهياً ينبغي أن يُتخذ قبل ذلك بوقت طويل ذلك أن المنطق الذي بُني عليه لم يكن ولا ينبغي أن يكون محل خلاف أو جدال بالنظر إلى أن الوحدة ينبغي أن تكون أمراً طوعياً لا قسرياً ، فإذا كان خالق الكون سبحانه لم يكره الناس حتى يكونوا مؤمنين ، فمن باب أولى أن يُخيَّر الناس فيما دون ذلك ولا ينبغي بحال من الأحول أن يُساق الناس قسراً نحو وحدة لا يرغبون فيها ، فكان أن صدر ذلك القرار التاريخي الذي سحب البساط من تحت أقدام حركة التمرد وجردها لأول مرة من أمضى أسلحتها ، حيث لم يعد هناك مبرر للحرب طالما أن الوحدة أو الإنفصال متاحان بدون قتال ، ومثَّل ذلك القرار في نظري أكبر قفزة نوعية في منهج التفكير السياسي في السودان ذلك أن جميع الأحزاب الأخرى ما لبثت أن تبنته وما كان لها أن تفعل غير ذلك ، وكأني بالجميع قد إكتشفوا فجأة ما لايحتاج إلى إكتشاف مما كان موجوداً أمام ناظريهم على الدوام ، ولكنها الغفلة أو الغشاوة التي حجبت عن الجميع ولردح من الزمان أخطر وأهم قرار سياسي منذ الإستقلال .

    أريد أن أمهِّد بحديثي هذا للدخول في لجة موضوع آخر أهم وأخطر وذلك بعد أن أقرر بأن الناس كثيراً ما يساقون نحو مسلمات وأوهام خاطئة يبقون أسرى لها لعقود من الزمان ويدمرون بتلك المسلمات أنفسهم وأوطانهم وأجيالهم بالرغم من أن الحق بيِّنٌ وواضح وضوح الشمس ، لكنها الغفلة أحياناً كما أسلفت والعجز في أحيان أخرى عن الخروج على المألوف وهو أسلوب القطيع في التفكير والسلوك وهو ذات الأسلوب الذي جعل الأمم الضالة ترفض الحق المبين إتباعاً لمألوف الآباء والأجداد وخوفاً من الجديد (بل قالوا إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون) .

    لعل تلك المقدمة تجعلني أطرح سؤالاً ربما طُرح من قبل على إستحياء آملاً أن يسهم ذلك في ميلاد لحظة عبقرية كتلك التي عاد بها الوعي إلى ساسة السودان بعد غيبوبة طويلة ليطرحوا مبدأ تقرير المصير على جنوب السودان والسؤال هو:- لماذا يا ترى يتشبث الساسة في شمال السودان منذ فجر الإستقلال بجنوب السودان بينما لايبدي ساسة الجنوب معشار ذلك الحماس للتوحد مع الشمال ، بل يتخذون من قضية الوحدة وسيلة ضغط وإبتزاز على أهل الشمال ومن هو الطرف الأحق بالحرص على الوحدة من الآخر الشمال أم الجنوب ولعل ذلك يولد أسئلة أخرى كثيرة إختصرها في السؤال ... هل جنى ويجني الشمال على الجنوب أم العكس هو الصحيح ؟!

    أطرح تلك التساؤلات بعد أن رأيت الإستفزاز الذي بلغ مداه في الجولة الأخيرة من مفاوضات مشاكوس ، فبربكم هل يجوز من الأساس أن تناقش تلك الطروحات التي تبناها وفد التمرد بما في ذلك المطالبة بنسبة 85 % من ثروات السودان جميعها بما فيها البترول أو قل 60 % لجنوب السودان ثم المشاركة في رئاسة الجمهورية (وبعد التنازل الكبير من جانب التمرد) أن يصبح قرنق نائباً أول للرئيس بسلطات إستثنائية تمنحه حق الفيتو على قرارات الرئيس ثم أربعين في المائة من مجلس الوزراء الإتحادي ، بل والخدمة المدنية جميعها بعد أن يحكم قرنق وأبناء الجنوب كل جنوب السودان بدون مشاركة من الشمال ثم تجريد العاصمة من الشريعة ثم إعادة النظر في حدود جنوب السودان ليُضاف إليه مناطق من شمال السودان سماها قرنق بالمهمشة ثم أن تظل قوات قرنق قائمة وممسكة بسلاحها طوال الفترة الإنتقالية في جنوب السودان وما سُمي بالمناطق المهمشة إلى جانب الجيش السوداني (جيشان في وطن واحد) !!

    إنني لأعلم علم اليقين أن معظم أبناء الشمال قد ضاقوا ذرعاً بالجنوب لكن للأسف الشديد ما من أحد يفكر في إستطلاع آرائهم أو منحهم حق تقرير المصير الذي يبدو أن الوسيلة الوحيدة للحصول عليه يأتي من فوهة البندقية .

    واسمحوا لي قبل أن أعلِّق على تلك المطالب المستحيلة من حركة التمرد أن أورد بعض الفقرات من مذكرة رفعتها مؤخراً مجموعة سمت نفسها بمجموعة أبناء الإستوائية إلى قرنق لكي تروا كيف ينظر مثقفو جنوب السودان للصراع الدائر بين حركة التمرد والحكومة وتروا الحقد الدفين الذي يملأ قلوبهم ، وكيف ينظرون لأبناء شمال السودان ... تقول المذكرة في بعض فقراتها :-

    " إنه لمن دواعي سرورنا العظيم أن نحييك بإسم حركتنا وأن نقدم إليك بوجه خاص التهنئة كقائد للحركة الشعبية والجيش الشعبي لتحرير السودان على تحقيق أولى الإنجازات في نضالنا من أجل التحرير ... إن التطور الأخير ممثلاً في بروتوكول مشاكوس ما كان له أن يتحقق بدون جهود قواتنا الجسورة تحت قيادتكم التي أدت دون شك لإرغام العدو على التنازل وتوقيع البروتوكول ... وعندما أعلن القائد أوياي دينق أجاك على العالم أجمع أن وجهته (بعد تحرير توريت) هي جوبا فإن كل واحد من أبناء وبنات بل وكل واحد من أصدقائنا أحس بالسعادة الغامرة فأخيراً أصبح بوسعنا أن نتقدم بإتجاه الحرية عبر ميدان المعركة ... إننا نتوجه إليك بالشكر للوقت الذي أتحته لنا لقراءة آرائنا والإطلاع على رغباتنا وكلنا ثقة بأنه طالما أنك قد عقدت العزم على تحرير أرضنا من يد العرب وحلفائهم فإنك ستنظر في مطالبنا بعين الإهتمام التام ونحن من خلفكم " . وقد وقّع في ذيل المذكرة عدد من ممثلي المجموعة منهم أنجلو فوجا وبيتـر لادو ودكتور سامسون نابا ودكتور مارك زانجابيو وآخرون .

    هذا هو رأي من نتفاوض معهم ليضمنا وطن واحد نسلم قيادته لجون قرنق كنائب أول للرئيس ... جون قرنق الذي ظل يردد ذات ما قاله موقعو المذكرة المشار إليها وزاد بقوله (إن العرب مكثوا في الأندلس أكثر مما مكثوا في السودان وكما خرجوا من الأندلس سيخرجون من السودان) ... جون قرنق الذي ظل يقول بأن (العرب في الشمال لا يختلفون عن البيض في جنوب أفريقيا) بما يعني أنه مانديلا الذي جاء ليحرر السودان من نير الإستعمار الشمالي العربي ولذلك لاغرو أن يسمي قرنق حركته وجيشه بالحركة الشعبية لتحرير السودان والجيش الشعبي لتحرير السودان .

    لقد رأيت بعيني رأسي في فيلم بثه تلفزيون السودان الذي كنت أديره حينها ، رأيت كاربينو كوانين محمولاً على أعناق الدبابين في النيل الأزرق بعد توقيعه إتفاقية الخرطوم للسلام مع رياك مشار . نسي الدبابون بسماحة أبناء شمال السودان ما فعله كاربينو بأخوانهم من قتل وتشريد وحملوه على الأكتاف ... لكن ماذا حدث بعد ذلك من الرجل الذي كان أول من بدأ التمرد في جولته الأخيرة عام 1983م والتي تولى جون قرنق قيادتها بعد ذلك ؟!

    فهل ياترى سيزول ذلك الحقد العنصري الذي غذته أنهار من الدماء بين عشية وضحاها فور توقيع إتفاق سلام مع جون قرنق الذي رأينا منه من قبل صنوفاً من الغدر والخديعة في سبيل تحقيق إستراتيجيته لتحرير السودان المستعمر في نظره من قِبل العرب ، وهل نضمن في ظل هذا الحقد الدفين ألاّ يهب قرنق آخر متى ما خمدت أصوات الرصاص هذه المرة ؟!

    أقول إن الحقد العنصري الذي يكنه هؤلاء لا يحتاج إلى دليل وأستطيع أن أزعم أن هذه الآراء الحاقدة تعبِِّر عن معظم مثقفي الجنوب ودونكم الطلاب الجنوبيين في الجامعات السودانية في الشمال وأرجو أن يجرى إستطلاع نزيه يحدد أين تقف الأكثرية الكاثرة من مثقفي الجنوب وهذا أمر لا يحتاج إلى إثبات فنتائج الإنتخابات بين التنظيمات الطلابية الجنوبية في الجامعات تكشف الحقيقة المرة ، وإذا رصدنا تصريحات باقان أموم وسامسون كواجي وغيرهما من قادة التمرد فإننا سنجد سيلاً يملأ كتباً من الأحقاد والضغائن التي أعتقد أنه من السذاجة بمكان التغافل عنها في سعينا لحل مشكلة الحرب في جنوب السودان والتي أرجو مخلصاً أن نأتي فيها برؤى جديدة تخرج على المألوف والمسلمات القديمة التي لم تورثنا غير الموت والدمار والتخلف ... رؤى جديدة تنظر في جذور المشكلة وتبحث في جميع الخيارات المتاحة بما في ذلك جدوى إستمرار الوحدة بين شعبين ما يفرق بينهما أكثر بكثير مما يجمع بينهما في وطن واحد ... وحدة فرضها علينا الإستعمار ولم نخترها نحن نتيجة بحوث ودراسات جدوى متعمقة ... وحدة جعلت السودان في ركاب الدول الأكثر فقراً في العالم بعد أن كان موعوداً ببلوغ الثريا تقدماً وعزاً عند نيله الإستقلال قبل ما يقارب النصف قرن من الزمان .

    لقد قرأت في كتاب (الإسلام المقاتل (Militant Islamلمؤلفه الإنجليزي المسيحي المتعصب جيفري جينسين ، كيف إبتدع الإستعمار الإنجليزي سياسة فرق تسد (Divide & rule) وبرع في إستخدامها في شتى أنحاء العالم وكيف مارسها في السودان من خلال سن قانون المناطق المغلقة (Closed Districts Act) عام 1928م الذي أغلق الجنوب في وجه الشماليين مما نتج عنه تلك الجفوة التي فجرت الحرب قبيل رحيل الإنجليز من السودان وأشعلت مشكلة الجنوب التي أرادها الإستعمار شوكة بل سكيناً سامة في خاصرة السودان تنهش من لحمه إلى الأبد ، لذلك فلا غرو أن ينتج عن وقف التمازج الإجتماعي والثقافي والحضاري والتصاهر العرقي بين أبناء الشمال والجنوب هذه الفجوة والجفوة الكبيرة التي نراها ضعيفة بدرجات متفاوتة بين القبائل الشمالية ... لكن رغم ذلك نظل أسرى صنيع الإستعمار خوفاً من خطوة سبقنا إليها كثيرون في هذا العالم بدون أن تُراق قطرة دم واحدة أو يُهدر قرش واحد بينما ظللنا نصر على هذه الخطيئة التي أهدرت موارد السودان وأفقدته خيرة بنيه ، وأني لأتساءل هل فقدت باكستان بإنفصال بنغلاديش عنها أم أن ذلك كان نعمة عليها وخير كرهته في البداية وأرغمت عليه ولكنه جعل منها قوة نووية تنتج الصواريخ العابرة للقارات ... جمهورية التشيك وجمهوريات الإتحاد السوفيتي لماذا إنفصلت دون أن تُراق قطرة دم واحدة ؟ وأخيراً تيمور الشرقية لماذا فصلت من إندونيسيا في أقل من نصف عام من تفجر المشكلة ؟

    أقول والحسرة تملأ جوانحي إن شعب السودان يستحق أن يكون في موضع غير الذي وضعته فيه هذه الحرب اللعينة فهو المتفرد بين الشعوب بتعدد الصفات الإيجابية في الشخصية السودانية والتي لا توجد في غيره من شعوب العالم وهذا كلام لا أقوله إنطلاقاً من شوفونية مغرورة بقدر ما أقوله نتاج تجارب كثيرة عايشت فيها خلال سنين الإغتراب الطويلة عن الوطن نماذج وأشتات من الشعوب والبشر الذين يكادون يجمعون على تفرد الإنسان السوداني ... وأتساءل ترى ما الذي وضع السودان وشعبه النبيل في هذا الدرك السحيق غير هذه الحرب اللعينة ؟ ترى ما الذي يجعل أريتريا بنت البارحة تتطاول علينا في شخص رئيسها الذي ربيناه فينا وليداً ليفرض نفسه على قضية جنوب السودان وتحتل قواته أرضنا مرات ومرات وفيما عدا غضبتنا الأخيرة هذه فقد ظللنا نتودد إليه على الدوام وأرجو أن تعقدوا المقارنة بين مواقفنا منه وموقف أثيوبيا عندما إعتدى عليها مرة واحدة ... ترى أي شئ غير حرب جنوب السودان أغرى أفورقي بالتطاول علينا والتحرش بنا ثم الرئيس اليوغندي موسيفيني الذي بلغ تسامحنا معه درجة السماح له بمطاردة حلفائنا بالأمس من داخل أرضنا وبالرغم من أن قواته لم تغادر السودان فقد صرح قبل حوالي شهر من الآن أو بالأحرى قبل تجديد مذكرة التفاهم مؤخراً والتي سمحنا بمقتضاها لقواته مجدداً بالبقاء في أرضنا ، صرح بقوله "لدينا بعض المؤشرات أن بعض العناصر في السودان تحاول إستئناف دعم السودان لقوات جوزيف كوني وليس لدينا براهين كافية ولا نزال نحقق في الأمر وإذا ثبتت صحة تلك المؤشرات فإننا سنقطع علاقاتنا بالسودان ونعود إلى المربع الأول" . موسيفيني يقول ذلك وهو الذي ظل يدعم قرنق صديقه من أيام الدراسة في جامعة دار السلام بتنزانيا ... ظل يدعمه حتى بعد أن سمحنا له بمطاردة حليفنا القديم جوزيف كوني من داخل الأراضي السودانية . ترى ما الذي إضطرنا إلى تجرع تلك المواقف التي تحط من كرامة وشرف الشعب السوداني الكريم غير حرب الجنوب ، وما الذي إضطرنا إلى الأخذ بفقه الحديبية الذي لا أجد مناصاً منه ونحن في هذه الحال غير حرب الجنوب ؟ .

    كم يا ترى خسر السودان إقتصادياً جراء حرب الجنوب والصرف على تمويل الحرب طوال العقود المنصرمة من الزمان منذ فجر الإستقلال ، وكم كانت كلفة تنمية الجنوب وهل كان ذلك يصرف من موازنة الشمال أم إيرادات الجنوب ، وكيف سيكون حال الشمال فيما لو صُرفت عليه تلك الأموال الطائلة التي اُهدرت في الحرب وفي تحمل عبء الجنوب ، وأيهما كان عالة على الآخر طوال تلك الفترة ، ومن يتحمل مسؤولية تدمير الجنوب وإعاقة تطور الشمال بالإصرار على الحرب كوسيلة لنيل الحقوق ؟!

    المقاطعة الإقتصادية التي نتعرض لها من قِبل الغرب والعقوبات التي فُرضت علينا بما في ذلك قانون سلام السودان الذي اُجيز في أمريكا مؤخراً ما هو سببها غير حرب الجنوب ... التدخل الكثيف في الشأن السوداني من الصغار كأفورقي وموسيفيني والكبار كأمريكا وبريطانيا وغيرهما والإتهامات من قِبل المنظمات الدولية بما فيها منظمات الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان ما هو سببها غير الحرب ... إلغاء ديون السودان التي تبلغ مليارات الدولارات تحت مظلة الدول المثقلة بالديون والأكثر فقراً الـ (Hipic)ماذا يمنعه غير حرب الجنوب ؟، وهكذا فإن سلسلة متصلة من التداعيات الإقتصادية والإجتماعية والسياسية الأخرى بما فيها مقاطعة خطوط الطيران العالمية للسودان والإدانات والتجريم والتجريح وإشانة السمعة الذي يتعرض له السودان يومياً في المحافل ووسائل الإعلام الدولية ويشمل ذلك الصور المأساوية للجوع والعري الذي تطفح به الفضائيات مصورة حالة البؤس الذي تفرزه الحرب في الجنوب والإتهامات الزائفة حول تجارة الرقيق في السودان ، كل ذلك يمثل غيضاً من فيض الخسائر التي تعرضنا لها ولا نزال جراء الحرب المدمرة في الجنوب .

    لقد تحدث أحد قادة مجلس الكنائس السوداني في لقاء صحفي اُجري معه مؤخراً عن الإستعلاء العرقي الذي يمارسه الشماليون مع أبناء الجنوب ، وتبنى الرجل كل طروحات قرنق بالرغم من أنه وصف نفسه بالمحايد وطالب بأن يتزوج المسيحي الجنوبي من المسلمة الشمالية ، وتحدث عن أهمية أن تكون العاصمة علمانية وعن كثير من الترهات التي يطلقها حليفه قرنق ، وهكذا فإننا مطالبون بالتخلي عن ديننا إسترضاءً لهؤلاء المغرورين ، فأي ضريبة ندفعها في سبيل المحافظة على وحدة لم تورثنا غير الموت والخراب والهوان ... يتحدثون عن الإستعلاء العرقي بالرغم من أنهم يعلمون تماماً أن ذلك يُمارس بشكل أقوى بين القبائل الجنوبية ولن أذكر رأي الدينكا في قبيلة الفرتيت حفاظاً على المشاعر ، كما يُمارس بدرجة أخف حتى بين القبائل الشمالية وكذلك يُمارس في شتى أنحاء العالم بما في ذلك أمريكا وأوروبا ويُمارس في الهند بشكل لا مثيل له ، لكن ذلك كله لم يفجِّر حرباً ضروساً كالتي يشهدها السودان ولم يتحول إلى سيل من الأكاذيب والأراجيف التي ملأت الدنيا ضجيجاً حول تجارة الرقيق في السودان ... ترى ما الذي أدى إلى ذلك التضليل والإفك وإشانة السمعة في حق أكرم وأنبل شعوب الدنيا غير حرب الجنوب؟

    أما الشهداء فهؤلاء لا يمكن التعبير عنهم بلغة الأرقام لأنهم أغلى من كل تلك الموارد المهدرة بإعتبارهم (نقاوة) الشعب السوداني ، ويا لهفي ولهف كل أهل السودان الذي لم تنج عائلة واحدة فيه من فقد واحد أو أكثر من أعز أبنائها .

    أذكر أن الرئيس عمر البشير كان قد قال في إحدى المناسبات الموثقة "إذا خُيِّرنا بين إستمرار الحرب والإنفصال فسنختار الإنفصال" فلماذا إذن ظلت الحرب مستمرة وفي المقابل لماذا يكون ثمن وقف الحرب تفكيك السودان الذي نعرفه ليحل محله مسخ مشوه لا لون له ولا طعم ولا رائحة ... مسخ لا مستقبل له بعـد أن يُجرد من ثرواته وموارده وهويته وسمته وسلامه وأمنه الإجتماعي والثقافي .

    وهكذا فإن الجنوب يصبح بمثابة الغدة السرطانية التي إستنزفت الشمال خلال فترة الحرب المتطاولة ويُراد لها أن تستنزفه خلال فترة السلام وتجرده من هويته وتحرمه من عوامل النهوض كما حرمته طوال فترة الحرب ، والأدهى والأمر هو أنه إذا كانت المعارك بعيدة عن الخرطوم والشمال بصورة عامة خلال فترة الحرب الضروس فإنها ستنتقل إلى الخرطوم خلال فترة السلام ، حيث سيحكمها قرنق نائباً أول للرئيس مع وزرائه الذين يشكلون أربعين في المائة من الحكومة الإتحادية ، بل ومن قادة وقاعدة الخدمة المدنية في الشمال علاوة على حكم الجنوب بكامله بدون مشاركة من الشماليين ، نعم سيدخل قرنق الخرطوم فاتحاً وحاكماً بسلطات إستثنائية تُمنح لنائب الرئيس بعد أن قتل خيرة أبناء الشمال ، فأي إنتصار له أكبر من هذا وأي هزيمة ستلحق بنا وأي سودان سيصبح ذلك الذي يُسلم لرجل لم نعهد عليه غير الغدر والخداع ... رجل يحلم بسودان جديد الله وحده يعلم ما يضمره من تخطيط ومكر لتحقيقه بعد أن فرشنا له الطريق وعبدنّاه لدباباته الفاتحة لتحيل السلام والوئام الإجتماعي الذي ظللنا ننعم به في الخرطوم والشمال إلى كابوس من الخوف والرعب لندشن بذلك بداية مرحلة جديدة في التعاطي مع مشكلة الجنوب أخشى أن تجعلنا نتحسر على أيام الحرب (الجميلة) البعيدة عن الخرطوم !!

    إن هذا السيناريو المخيف يضعنا أمام خيارات ثلاثة ينبغي أن نرتبها ترتيباً صحيحاً ... فإما سلام مُخزٍ وإما حرب مستمرة وإما إنفصال تام ولا أجد أدنى تردد في أن أحكم بأنه إذا خُيِّرت بين إستمرار الحرب أو الإنفصال فإني سأختار الإنفصال كما حدد الرئيس البشير من قبل ، أما إذا خُيِّرت بين السلام المُخزي وفقاً لسيناريوهات جون قرنق أو وفق ما عرضه وفد الحكومة عليه وبين إستمرار الحرب وبين الإنفصال فإني لن أتردد كذلك في تقديم الخيارين الأخيرين وأعني بهما الإنفصال وإستمرار الحرب على خيار الخزي والإستسلام ، وأستطيع أن أزعم أن هذا هو تفكير معظم أبناء الشمال ، وبالتالي فنحن كما ذكرت أمام ثلاثة خيارات أكثرها إستحالة هو الرضوخ لمطالب قرنق المستفزة حتى لو عُدِّلت وأفضلها وأيسرها هـو الإنفصال ، ويأتـي خيار إستمرار الحرب كبديل مر لا مناص من تقديمه على معاهدة مشاكوس التي لا أجد مثيلاً لها غير معاهدة نورمبرج المُخزية التي وقعها الحلفاء المنتصرون مع ألمانيا الجريحة في نهاية الحرب العالمية الثانية ، وإذا كان موقعو المذكرة المرسلة من بعض مثقفي الجنوب قد وصفوا نتائج بروتوكول مشاكوس الأول بأنه إنتصار أرغم عليه العدو فماذا يا ترى سيقولون عندما يفتح قرنق الخرطوم حاكماً رغم أنف الدبابين والشماليين بعد أن (يحرر) الجنوب ويحكمه بالكامل دون مشاركة شمالية ؟!

    أقول بأنه لا خيار أمامنا غير أن نعمل بجد في سبيل إنقاذ المستقبل حتى لايصيبه ما أصاب الماضي الطويل المهدر في غيابة جب الجنوب ، وأتساءل ببراءة ألم يجعل الله تعالى الطلاق حلاً لا غنى عنه ولا بديل عندما تستحيل الحياة الزوجية إلى جحيم لا يطاق ويتعذر الإمساك بمعروف ؟ ألا يكفي التعنت والتعقيد الذي ظل يتزايد يوماً بعد يوم في قضية الجنوب مبرراً لتغليب خيار الطلاق ؟ كيف كانت مشكلة الجنوب عند فجر الإستقلال ، وكيف أصبحت عام 1972م عند توقيع إتفاقية السلام بين نميري وحركة أنانيا بقيادة جوزيف لاقو والتي كانت تخاطب قضية جنوب السودان لوحدها ، وكيف صارت اليوم والجنوب حسب تعريف قرنق غير الجنوب بحدوده القديمة والحركة لا تخاطب قضية الجنوب التي قادها لاقو وإنما أصبحت حركة لتحرير السودان كله من (المستعمرين) العرب والتدخل الخارجي الذي لم يكن شيئاً مذكوراً أيام لاقو ، ولم يكن موجوداً أصلاً أيام وليم دينق عام 1965م لايمكن مقارنته بما صار عليه الحال اليوم والعالم كله بما فيه الصغار من حولنا يحشر أنفه في الشأن الجنوبي ، بل وفي مشاكل السودان السياسية من بوابة الجنـوب ... ألا يكفي كل ذلـك دليلاً على أن المشكلة تتفاقم مع الأيام ولا تتناقص مما يستدعي معالجتها بمنطق الحياة الزوجية الذي أشرت إليه آنفاً والذي أقره ديننا الحنيف ؟! ثم إذا ثبت أن قضية الجنوب تتفاقم ولا تتناقص وتتمدد جغرافياً ولاتتقلص وذلك على طريقة الإنتشار السرطاني ألا ينبغي أن نتعامل معها بمنطق الأطباء الذين يبترون العضو الموبوء بالسرطان قبل أن يعدي الأعضاء الأخرى ؟

    إننا للأسف ننطلق في التعاطي مع مشكلة الجنوب من أوهام رددناها حتى صدقناها بأن الشمال قد ظلم الجنوب بالرغم من أن العكس هو الصحيح ، ولذلك نرضخ للإبتزاز والإستفزاز مثل ترديد كثير من قادة التمرد خلال الفترة الأخيرة بعد توقيع مشاكوس الأولى أن قيام الوحدة أو الإنفصال رهين بطريقة تعامل الشمال مع الجنوب خلال الفترة الإنتقالية ، أي أن على الشمال أن يتحلى بحسن السير والسلوك ويغدق على الجنوب والجنوبيين لكي يوافقوا على الوحدة وهذا يستدعي بالطبع أن يُمنح الجنوب والجنوبيون من السلطة والثروة أضعاف ما يُمنح للولايات الأخرى الفقيرة في الشمال التي لم ترفع السلاح وتنتزع حقوقها إنتزاعاً وهذه لعمري قسمة ضيزي لن يرضى بها إلاّ منهزم كسير اُكره على توقيع إتفاق تحت تهديد السلاح ، كما أنها تقوم على فرية كبرى وإفتراض ساذج يزعم مردوده بأن الجنوبيين رغم ثقلهم الكبير في الشمال وفي العاصمة سيختارون الإنفصال إن عُرض عليهم اليوم ، وللأسف فإن البدائية التي تسود حياتنا تحرمنا من تبني المنهج العلمي في إتخاذ القرارات الكبرى من خلال إستقصاء وإستطلاع الرأي العام فقد كان من اليسير القيام بإستطلاع رأي جنوبيي العاصمة والشمال لمعرفة رأيهم اليوم وليس بعد إنقضاء الفترة الإنتقالية حول الوحدة مع البقاء في الشمال أو الإنفصال والرحيل إلى الجنوب ولكن !! إنه لمن الغريب أن نرضى أن يُستنزف الشمال طوال الفترة الإنتقالية ولمدة ست سنوات ثم يتاح للجنوبيين أن يقرروا مصيرهم بعد ذلك ، فأي غفلة تلك التي تسوِّق هذا المنطق المقلوب !!

    إن إحدى أكبر أخطاء مشاكوس أنها وحَّدت الجنوبيين جميعهم تقريباً خلف جون قرنق من خلال منحه حق التعبير عن أحلامهم وأشواقهم في السلطة والثروة بأكثر مما يستحقون ، وهذا لعمري مكسب كبير للرجل ، وسواء نجحت المفاوضات أو لم تنجح فقد حقق قرنق نجاحاً مذهلاً بانتزاعه من الحكومة إعترفاً بحقه في التعبير عن أبناء جنوب السودان جميعهم وفي المقابل فإننا حرمنا أنفسنا من أن نحشد خلفنا أبناء الشمال من خلال المواعين التنظيمية والسياسية التي تعبِّر عنهم ، بل إننا أتحنا لقرنق على الأقل تحييد أو ربما كسب قطاع معتبر من أبناء الشمال من المنضوين تحت راية التجمع الوطني الديمقراطي ونتج عن صنيعنا هذا أن حملنا عن التجمع والأحزاب الأخرى عبء إتخاذ مواقف سياسية قد تُحسب عليهم في مقبل الأيام ، ولا أظن أن الصادق المهدي أو الميرغني أو الترابي سيكونون أقرب إلى طرح قرنق المستفز لقواعدهم حول علمانية الخرطوم مثلاً أو الإستئثار بحصة كبيرة من السلطة والثروة لا تتناسب مع حجم الجنوب والجنوبيين ، وليتنا نستدرك ذلك في مقبل الأيام بشتى السبل حتى نحشد القوى الشمالية جميعها خلف رؤية وإستراتيجية واحدة وجديدة نتعاطى بها مع مشكلة الجنوب .

    أقول بأن قضية الجنوب قد قعدت بالسودان وشوهت من صورته ومن صورة المشروع الإسلامي الذي تبناه في عهد الإنقاذ ولا أشك لحظة في أن شمال السودان كوطن منفصل سيصبح منطقة ضغط حضاري عال تهب منه الرياح إلى غيره بعد أن يمتلئ إسلاماً ، أما السودان الضعيف والمتنازع الهوية فإنه سيظل منطقة إنخفاض حضاري تهب عليه الرياح من كل حدب وصوب أو من الداخل والخارج لتجرده من هويته ومشروعه الإسلامي ، وهذا موضوع متشعب أرجو أن أعالجه في مقال آخر .

    أكرر في خاتمة مقالي هذا ما ذكرته بأننا في حاجة إلى طرح رؤى جديدة نعيد بها النظر في مفهوم عاطفي مغلوط ساد ردحاً من الزمن لدى الساسة الشماليين جعلهم يقدسون (نعم يقدسون) الوحدة بصورة بعيدة عن العقلانية مصمين آذانهم وأبصارهم عن أية نظرة جديدة لعلاقة الشمال بالجنوب ومغلقين الباب في وجه الخيارات الجديدة التي جربها وبنجاح تام كثيرون غيرنا في شتى بقاع العالم بدون أن يخوضوا حروباً مدمرة كالتي خضناها ، وفي المقابل كان الساسة الجنوبيون على الدوام لا يعيرون قضية الوحدة هذه إهتماماً يذكر ، بل على العكس فإنهم إتخذوا من موقف رصفائهم في الشمال وسيلة ضغط وإبتزاز ، ومعلوم أنه ما من شيئ يغري التاجر (الشاطر) بالمغالاة في أسعاره أكثر من تلهف المشتري على السلعة (وليتها كانت سلعة تستحق كل هذا العناء والعذاب) وهو ذات ما حدث كذلك بعد تفاهم مشاكوس الأول ، حيث فرحنا فرحاً غامراً أعطى إشارة خاطئة للطرف الآخر الذي أظهر وقاراً وأدار مشاعره بذكاء وحنكة ليبتزنا بعد ذلك أيما إبتزاز !!

    أقول إنه إذا كانت الحكمة الأمريكية تقول " إن التاريخ يصنعه الخارجون على القانون" فإنها لا تقصد المعنى المباشر للعبارة بقدر ما تقصد أن تعبر عن روح الحضارة الغربية التي تحلت بالجرأة حين فتحت الأبواب الموصدة وحطمت الأغلال وأتاحت الحرية المطلقة للمبدعين في كل فن وعلم حتى صنعت النهضة والحضارة التي تربعت على عرش العالم بالرغم من طغيانها وتجبرها ونحتاج نحن كذلك إلى تبني تلك الحكمة بالخروج على المألوف القديم الذي كبلنا وحصرنا في حيز ضيق من التفكير سجنّا أنفسنا في غياهبه بدون وعي منا بالرغم من المآسي التي ذقنا مراراتها جراء إصرارنا على سجن النفس وتعذيب الذات لعقود من الزمان جعل من حربنا هذه اللعينة الأطول في تاريخ العالم الحديث ، وكان بمقدورنا أن نخرج من سجننا الكئيب لاستنشاق الهواء العليل وإستقبال الأفكار الجديدة مهتدين بتجارب أخرى جنَّبت فاعليها تلك الأخطاء التاريخية التي دمرنا بها بلادنا وقتلنا أبناءنا . إنني أدعو لأن نضع في الإعتبار في نظرتنا الجريئة الجديدة أن أس المشكلة يكمن علاوة على الإعتبارات التاريخية في إنعدام عوامل التوحد بين أبناء الشمال وأبناء الجنوب سواء من حيث إختلاف الدين أو اللغة أو العرق أو العادات والتقاليد أو الوجدان والمشاعر المشتركة ، بل إن تلك العوامل متوافرة بين أبناء الشمال وكل من الشعبين التشادي والأريتري وكذلك مع الشعب المصري بأكثر مما هي متوافرة بين أبناء الشمال وأبناء الجنوب ، ولعل أبناء الجنوب أقرب من حيث المشاعر إلى الشعبين الأوغندي والكيني وعلى الأقل فهم لا يضمرون تجاههم مشاعر البغض التي يكنونها للعرب والجلابة وغير ذلك من التعريفات العنصرية التي يطلقونها على أبناء الشمال ، وعلاوة على مشاعر الكراهية والحواجز النفسية التي غذتها الحرب وأحدثت بها شروخاً وقروحاً يصعب إندمالها وخروقاً يتعذر رتقها فإن الفوارق الإجتماعية من حيث مستوى المعيشة والثقافة ستظل توغر الصدور الموغرة أصلاً بسيل من الأحقاد الدفينة .

    إن إقدامنا على خطوة كهذه لا يختلف كثيراً عن قبولنا بتقرير المصير بعد عقود من (ركوب الرأس) ولا أدري سبباً مقنعاً لأية فتـرة إنتقالية تتجاوز العام الواحد ، كما لا أدري سبباً كذلك لحرمان أبناء الشمال من الحق في تحديد علاقتهم بالجنوب ذلك أنهم هم الخاسر الأكبر من الحرب قديماً وحديثاً ومن إستمرارها مستقبلاً ذلك أن عاماً واحداً كافٍ لإجراء الإستفتاء لكل من الشعبين الشمالي والجنوبي بحيث يصار إلى ما يقرره الشعبان ولا يجوز لأحدهما أن يقرر الوحدة في ظل رفض الآخر ، بمعنى أن قرار أي منهما بالإنفصال ينبغي أن يكون كافياً لفصل (البلدين) عن بعضهما حتى ولو قرر الآخر الإستمرار في الوحدة ولا ينبغي أن نرضى بأن يقرر الجنوبيون البقاء معنا في وطن واحد رغم أنفنا حتى ولو كنا كارهين ، وأعتقد أن هـذا العـام كافٍ تماماً للإتفاق حول الترتيبات الإنتقالية فيما لو تقرر الإنفصال ، وأرجو أن يطمئن أهل الشمال بأن مساحة بلادهم الجديدة ستكون ضعف مساحة مصر التاريخ والجغرافيا والحضارة وأن يثقوا في مستقبل كريم يسـوده السلام والوئام الإجتماعي في وطن يضم أعظم شعب في العالم .

    إنني لأرجو أن يجد هذا الموضوع حظه من التداول الحر ، فقد ظل أبناء الشمال صامتين تاركين للحكومات المتعاقبة التقرير بشأن مشكلة الجنوب بالرغم من أنهم هم المكتوون بنار الحرب المتجرعون ويلاتها وآن لهم أن يقرروا مصيرهم بدلاً من ترك ذلك لأبناء الجنوب وحدهم وكأن الجنوب والجنوبيين هم الضحايا الوحيدون لهذه الحرب المتطاولة .

    ولذلك فإني في الختام أجد كل المنطق في المطالبة بإنشاء حركة شعبية لتحرير شمال السودان من الجنوب ، واسمحوا لي أن أسميها " الحركة الشعبية لتحرير شمال السودان NSPLM" ، وأرجو أن أسمع وأقرأ رأي الأغلبية الصامتة أو بالأحرى الأغلبية المغيّبة من أبناء شمال السودان ، وسيتلو ذلك طوات سيُعلن عنها في حينه إن شاء الله .

    الطيب مصطفى

    (عدل بواسطة WadalBalad on 04-13-2003, 06:07 PM)

                  

العنوان الكاتب Date
من الطيب مصطفى إلى منصور خالد إلى أحمد سليمان (للتوثيق) والشكر لبكرى أبوبكر WadalBalad04-13-03, 05:21 PM
  Re: من الطيب مصطفى إلى منصور خالد إلى أحمد سليمان (للتوثيق) والشكر لبكرى أب WadalBalad04-13-03, 05:26 PM
  Re: من الطيب مصطفى إلى منصور خالد إلى أحمد سليمان (للتوثيق) والشكر لبكرى أب WadalBalad04-13-03, 05:28 PM
  Re: من الطيب مصطفى إلى منصور خالد إلى أحمد سليمان (للتوثيق) والشكر لبكرى أب WadalBalad04-13-03, 05:30 PM
  Re: من الطيب مصطفى إلى منصور خالد إلى أحمد سليمان (للتوثيق) والشكر لبكرى أب WadalBalad04-13-03, 05:32 PM
  Re: من الطيب مصطفى إلى منصور خالد إلى أحمد سليمان (للتوثيق) والشكر لبكرى أب WadalBalad04-13-03, 05:35 PM
  Re: من الطيب مصطفى إلى منصور خالد إلى أحمد سليمان (للتوثيق) والشكر لبكرى أب WadalBalad04-13-03, 05:39 PM
  Re: من الطيب مصطفى إلى منصور خالد إلى أحمد سليمان (للتوثيق) والشكر لبكرى أب WadalBalad04-13-03, 05:42 PM
  Re: من الطيب مصطفى إلى منصور خالد إلى أحمد سليمان (للتوثيق) والشكر لبكرى أب WadalBalad04-13-03, 05:45 PM
  Re: من الطيب مصطفى إلى منصور خالد إلى أحمد سليمان (للتوثيق) والشكر لبكرى أب WadalBalad04-13-03, 05:50 PM
  Re: من الطيب مصطفى إلى منصور خالد إلى أحمد سليمان (للتوثيق) والشكر لبكرى أب WadalBalad04-13-03, 05:54 PM
  Re: من الطيب مصطفى إلى منصور خالد إلى أحمد سليمان (للتوثيق) والشكر لبكرى أب WadalBalad04-13-03, 05:57 PM
  Re: من الطيب مصطفى إلى منصور خالد إلى أحمد سليمان (للتوثيق) والشكر لبكرى أب WadalBalad04-13-03, 06:00 PM
    Re: من الطيب مصطفى إلى منصور خالد إلى أحمد سليمان (للتوثيق) والشكر لبكرى أب nadus200004-13-03, 09:00 PM
  Re: من الطيب مصطفى إلى منصور خالد إلى أحمد سليمان (للتوثيق) والشكر لبكرى أب singawi04-13-03, 09:55 PM
  Re: من الطيب مصطفى إلى منصور خالد إلى أحمد سليمان (للتوثيق) والشكر لبكرى أب ABUHUSSEIN04-13-03, 10:30 PM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de