الى الذين تسللوا الى جامعة فاس المغربية -نداء عاجل

Quote: أ حقوق المرأة السودانية ومكتسبات المرأة المغربية في ظل إصلاحات قانون الأحوال الشخصية ========================== الأستاذ/ أحمد عثمان محمد المبارك المحامي* [email protected] لقد بدأت المرأة السودانية في جني ثمار نضال إمتد لقرون من أجل تحسين أوضاعها وانتزاع حقوقها، حينما أقر لها الدستور المشاركة السياسية في الانتخابات لتحتل عددا من المقاعد التشريعية يجعل من المرأة مؤثر أساسي في تسير شئون الدول ، كما يجعلها في موقف قوة تستطيع من خلاله تحقيق المزيد من المكتسبات ..وتواجه المرأة السودانية تحديات إجتماعية وتشريعية قد تكون دافعاً لها للعمل والمبادرة والانطلاق نحو الأفضل وبذل جهوداً كبيرة لسد الفجوة في كثير من القضايا التي تواجه المرأة كالتعليم والصحة ومحو الأمية وحقوقها كزوجة بإعتبارها طرفا أساسيا وشريكا للرجل في بناء الأسرة.. فهل يمكن للمرأة السودانية أن تستفيد من الظروف الحالية وما توفره الأجواء السياسية من تحول ديمقراطي تماما كما فعلت المرأة المغربية عندما أنتزعت تعديلا جذريا علي قانون الأحوال الشخصية المغربي محققة بذلك مكاسب كبير بفضل ما وفره الملك محمد السادس من سياسات عديدة أدت الي تغير حفيقي في كافة المجالات؟؟ إن في أستعراض التجربة المغربية أجابة شافية للسؤال أعلاه ، قد يمكن المرأة السودانية من تحقيق مكاسب كبيرة وهي مقبلة علي عمل نيابي جديد حاملة هموم وقضايا المرأة السودانية الي البرلمان القادم الذي من المتوقع أن تمثل المرأة فيه قوة جديدة لايمكن تجاوزها ولم تعرفها برلمانات السودان السابقة... فقد استطاع المغرب أن يخطو خطوات كبيرة جعلته يتقدم الدول العربية في النهوض بالإنسان وصيانة حقوقه. فقد كان الملك الشاب محمد السادس شجاعا عندما فتح ملفا من أخطر الملفات وأكثرها حساسية وهو ملف حقوق الإنسان، فأصدر توجيهاته بإنشاء هيئة الإنصاف والمصالحة وكلفها بدراسة كل إنتهكات حقوق الإنسان في المغرب خلال السنوات الخمسين الماضية، فاستطاع كل مواطن مغربي انتهكت حقوقه في الماضي أن يتقدم بشكواه لتلك الهيئة خلال بث إعلامي مباشر شهده كل العالم. ولم يتوقف الملك الهمام عند هذا الحد فبعد أن جبر ضرر شعبه أدرك بحنكته أن الممارسة الديمقراطية الموطدة هي وحدها التي يمكن أن توجه البلاد نحو السير الثابت علي طريق النجاح، وتحقيقا للقطيعة التامة مع الممارسات والسلوكيات التي ظلت تعيق التنمية في المغرب أطلق الملك محمد السادس في 20 أغسطس 2003 مشروع التنمية البشرية والذي جاء بعنوان "50 سنة من التنمية البشرية بالمغرب وآفاق سنة 2025. وتلاحقت الإنجازات وكان للدور الهام الذي لعبته المرأة في تطور الإمكان البشري، وبعد الفترة التي كانت فيها مهملة في عملية التنمية البشرية، إستطاعت المرأة المغربية بفضل كفاح طويل قطع أشواط مهمة لاينكرها أحد والدليل علي ذلك الإصلاح الذي تم في قوانين الأحوال الشخصية بإصدار مدونة الأسرة الجديدة لسنة 2004. وقد كان العاشر من تشرين الأول/أكتوبر 2003 يوماً تاريخياً للمرأة المغربية ولكثير من المناديات بحقوقها والناشطين في مجال حقوق الإنسان. ففي هذا اليوم كان الملك محمد السادس علي موعد جديد مع شعبه فتكلم عن الإصلاحات التي تخص قانون الأحوال الشخصية. واستهل الملك خطابه الموجه لرعيته كالعادة بقول "شعبي العزيز"، إلا أن ما أعلنه كان خارجاً عن المألوف، لا بل كان إعلان الإصلاح الأكثر عمقاً منذ استقلال المغرب. وقد وصفت الدكتورة نجية طاي الوزيرة المغربية المكلفة بمحاربة الأمية إصلاحات الملك محمد السادس لمدونة الأحوال الشخصية "بالثورية" عندما تحدثت باعتبارها امرأة وليست مسئولة حكومية فقالت: "أشعر بفرح خاص يصعب عليّ وصفه، فأنا كإمرأة كنت ضحية القانون القديم للمدونة.. وأدرك معني أن تصبح الأسرة تحت رعاية الزوجين وأن تصبح الولاية من حق المرأة تختار اللجوء إليها أو لا تختار مثلما يصنع الرجل..فكثيرا ما كانت المرأة تبث في قضايا عامة كبرلمانية أو كوزيرة، ولا تستطيع أن تبث في أبسط أمورها، وهذا ما جعلني أصف الإصلاحات التي جاء بها جلالة الملك بالثورية.." ومن يتطلع علي مدونة الأسرة المغربية الصادرة في يناير 2004 ويقارنها مع قانون الأحوال الشخصية المعمول به قبل 2004 لوجد أن المدونة أتت بتغييرات ثورية حقيقة ومكتسبات واسعة إستطاعت المرأة المغربية أن تحققها عبر نضالها الطويل. هذه الإصلاحات والتي أتفق في تسميتها بالثورية مع الدكتورة نجية طاي لأن من أهم المستجدات الواردة فيها أنها بدأت بتغيير أسم القانون من "مدونة الأحوال الشخصية" إلي اسم "مدونة الأسرة" ولكون الاتفاق حولها كان عبر نقاشات ساخنة وخلافات عميقة جعلت عمل اللجنة الملكية الاستشارية لإصلاح المدونة صعبا وشاقا خاصة الخلاف الذي نشأ داخل اللجنة حول الديباجة التي أصر بعض فقهاء اللجنة الاستشارية علي الاحتفاظ بصيغتها القديمة التي تعتبر الزواج ميثاق ترابط وتماسك بين رجل وامرأة....من أجل إنشاء أسرة تحت رعاية الزوج..وحينما فشلت اللجنة في استبدال عبارة "تحت رعاية الزوج" بعبارة "تحت رعاية الزوجين" حسم جلالة الملك في خطاب العاشر من أكتوبر الشهير هذا الخلاف حينما قال: " إن الإصلاحات التي ذكرنا أهمها، لا ينبغي أن ينظر إليها علي أنها انتصار لفئة علي أخري، بل هي مكاسب للمغاربة أجمعين..وعدم اعتبار المدونة قانونا للمرأة وحدها بل مدونة للأسرة أبا وأما وأطفالا..." وقد اعتبرت الدكتورة المغربية رحمة بورقية والتي كانت عضوا في اللجنة الاستشارية الملكية لإصلاح المدونة أن قيمة مشروع المدونة تكمن في جمعه بين ثلاثة أشياء أساسية هي: أولا أخذه في الاعتبار تطور المجتمع المغربي وتطور الأسرة المغربية، ثم ثانيا مسايرته للقيم والمقاصد الشرعية الإسلامية، أما المسألة الثالثة، فتتجلي في كونه مشروعا يشرف المغرب حضاريا أمام بقية الأمم ويبدد الفكرة القائلة إن الإسلام لا يتلائم مع الحداثة. ولأن التلاؤم مع الحداثة يتطلب استخدام لغة عصرية، فقد استخدمت المدونة الجديدة صياغات رشيقة ولغة حديثة، وحرصت علي استبدال كل الكلمات الماسة بكرامة المرأة كالطاعة وغيرها من العبارات المجافية لروح العصر. فما هي إذن أهم المستجدات التي أتت بها مدونة الأسرة الجديدة والتي تعتبر مكتسبات للمرأة مقارنة بوضعها في مدونة الأحوال الشخصية المغربية المعمول بها قبل عام 2004؟ 1. إقرار مبدأ المساواة بين المرأة والرجل: أصبحت الزوجة متساوية مع زوجها في السهر علي رعاية الأسرة وذلك بإعتبارها طرفا أساسيا وشريكا للرجل في الحقوق والواجبات، وذلك عكس مقتضيات المدونة السابقة التي تضع الأسرة تحت رعاية الزوج. 2. المساواة في سن الزواج حيت اعتمدت المدونة 18 سنة كحد أدني للزواج ينطبق علي الفتي والفتاة (بدلا من 15 سنة بالنسبة للفتاة و18 للفتي حسب القانون السابق) 3. المساواة بين البنت والولد المحضونين في سن اختيار الحاضن في 15 سنة لكل منهما بدل 12 للبنت و15 للولد في السابق. 4. جعل الولاية في الزواج حقا للمراة تمارسه الرشيدة حسب اختيارها ومصلحتها، وبذلك تم استبعاد مفهوم الوصاية في الولاية في الزواج بالنسبة للمرأة، والذي كان يشكل في المدونة القديمة شرطا من شروط صحة عقد الزواج، ولها أن تفوضها بمحض إرادتها لأبيها أو لأحد أقاربها. 5. المساواة في الحقوق والواجبات بين الزوج والزوجة لذا تم استبعاد مفهوم "طاعة الزوجة لزوجها" وعن "إشراف المرأة علي البيت وتنظيم شئونه". كما تم التخلي عن التمييز بين الحقوق والواجبات الخاصة "بالزوجة علي الزوج" و "بالزوج علي الزوجة" والتنصيص علي الحقوق المتبادلة بينهما. 6. جعل الطلاق تحت مراقبة القضاء باعتباره حلا لميثاق الزوجية، بيد الزوج والزوجة يمارسه كل منهما حسب شروطه الشرعية. 7. ومن أهم ما جاءت به المدونة هو تقييد إمكانية التعدد في الزواج أو التزوج بأكثر من زوجة بشروط صارمة تجعله شبه مستحيل. حيث منعت المدونة تعدد الزوجات إذا خيف عدم العدل، التزاما بمقاصد الإسلام السمحة في الحرص علي العدل بين الزوجات، الذي جعله الله سبحانه وتعالي قيدا علي إمكان التعدد في قوله تعالي: "فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة" وحيث أن المولي عز وجل نفي إمكانية العدل بقوله: "ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم" فقد جعله شبه ممتنع شرعا. وفي هذا السياق وحتى لا يساء استخدام هذا الحق الشرعي جاءت المدونة مقيدة لتعدد الزوجات، فاشترطت أن يأذن القاضي بالتعدد إذا تأكد من إمكانية الزوج في توفير العدل علي قدم المساواة بين الزوجة الأولي وأبناءها والزوجة الثانية، في جميع جوانب الحياة وإذا استطاع الزوج أن يثبت أن هناك مبررا استثنائيا للتزوج بامرأة ثانية. ولا أعتقد أن في هذا أي مخالفة لحق الرجل الشرعي في تعدد الزوجات بقدر ما هو تفعيل لشرط العدالة الوارد في القرآن الكريم. 8. حقا آخر اكتسبته المرأة المغربية فيما يتعلق بالزواج عليها، حيث أعطت المدونة الجديدة الزوجة الحق في أن تشترط علي زوجها عدم التزوج عليها، باعتبار ذلك حقا لها، عملا بقول سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه "مقاطع الحق عند الشروط". أما في حالة عدم استخدام الزوجة لهذا الحق أوجبت المدونة علي القاضي استدعاءها لإخبارها بالتزوج عليها، وإخبار الزوجة الجديدة بأن الزوج متزوج بغيرها، والغرض من ذلك هو إخطار الزوجة الأولي بأن هناك طلب من زوجها بالتزوج من أخري، وعليه يجب أن لا يفهم من إخطار المحكمة للزوجة بأن ذلك يعطيها الحق في الاعتراض. فإذا استوفي الزوج الشروط المطلوبة في المدونة بحقه في التزوج من امرأة ثانية والتي من ضمنها علم كل من الزوجة الأولي والزوجة الجديدة، جاز له ذلك، إلا أن المدونة أعطت للزوجة الأولي الحق في طلب التطليق إن رغبت في ذلك. 9. وفيما يتعلق بالطلاق استطاعت المرأة المغربية أن تحقق نصرا كبيرا في هذا المجال حيث حققت المدونة أقصي درجات الحماية للزوجة من تعسف الزوج في ممارسة حقه في الطلاق: وذلك من خلال تدخل القضاء الذي أصبح له سلطة أن يراقب ممارسة الزوج للحق في الطلاق، وأن يعمل القضاء علي محاولة التوفيق والوساطة بين الزوجين، وكيفما كان الحال فإنه لابد من الإذن المسبق للمحكمة بالطلاق، ودفع المبالغ المستحقة للزوجة والأطفال، وعليه لايمكن أن يقع الطلاق الشفوي وطلاق الغضبان والسكران والحلف باليمين والطلاق المقترن بعدد (طلاق الثلاث مثلا). وفي هذا حماية رفيعة لبقاء الأسرة التي هي المقصد الأساسي في بناء المجتمع الإسلامي الفاضل. 10. وفي إطار خلق التوازن بين الزوج والزوجة أقرت المدونة مبدأ رفض دعوى الزوجة لطلب التطليق لعدم الإنفاق، في حالة ثبوت عجز الزوج عن الإنفاق وتوفر الزوجة علي إمكانية الإنفاق وقدرتها علي ذلك. 11. كذلك أجازت المدونة الاتفاق بين الزوج والزوجة علي إيجاد إطار لتنظيم وتدبير واستثمار أموالهما المكتسبة خلال فترة الزواج، وذلك في وثيقة مستقلة عن عقد الزواج، وفي حالة عدم الاتفاق يتم الرجوع للقواعد العامة للإثبات وتقدير القاضي للمجهود الذي بذله كل من الزوجين في تنميتها، مع إقرار قاعدة استقلالية الذمة المالية لكل من الزوجين. 12. وقد حافظت المدونة علي حقوق الطفل والنفقة والحضانة، وضمان النفقة والحضانة، وذلك باعتبار المدونة الجديدة مدونة للأسرة وليست مدونة للمرأة، حيث تمت لأول مرة إضافة مواد جديدة تتعلق بإدراج مقتضيات الاتفاقات الدولية لحقوق الطفل التي صادق عليها المغرب وإعطاء الطفل المعاق عناية خاصة. وبهذا فقد حسم الملك محمد السادس نقاشا ظل يتواصل عدة سنوات بين اللبراليين والمحافظين، إذ عبر عن رغبته في تحقيق الإصلاحات المطروحة عبر إدخال تعديلات علي مدونة الأحوال الشخصية السابقة بإصدار مدونة الأسرة التي صودق عليها في العام 2004. وأخيرا أود أن أختتم بالسؤال التالي: هل يمكن للمرأة السودانية في ظل التوجه الديمقراطي الذي يعيشه السودان اليوم وبروز تباشير التغيير في المجتمع المدني خصوصا علي مستوي القوانين، وبالنظر الي ما حققته المرأة السودانية من إنتزاع 25% من مقاعد البرلمان القادم .. أن تمني نفسها بفهم عصري لحقوقها ينعكس علي إعادة صياغة قانون الأحوال الشخصية السوداني كما حدث في المملكة المغربية؟ أعتقد أن الإجابة متروكة للمرأة السودانية والدور الذي يمكن أن تلعبه في استغلال هذا التحول السياسي ، والوجود الكثيف لها في البرلمان القادم ، والمبادرات الكثيرة التي تطالب بمنح المرأة مزيدا من الحقوق المدنية والسياسية والدستورية، وتحقيق شئ من التطور والانفتاح في مجال الأحوال الشخصية الذي مازال مثار جدل في أغلب الدول العربية والإسلامية

احمد الأستاد :في مقر جمعية الخريجين بحي الموردة