الحيـــــطان ......رواية بها اسراركم فلا تفشوها

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-25-2024, 03:42 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مكتبة ابراهيم على ابراهيم المحامى(ابراهيم على ابراهيم المحامى)
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
04-23-2007, 07:54 PM

ابراهيم على ابراهيم المحامى

تاريخ التسجيل: 04-19-2011
مجموع المشاركات: 126

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
الحيـــــطان ......رواية بها اسراركم فلا تفشوها

    بسم الرحمن الرحيم

    رواية الحيطان

    (1)

    الضاحية

    الآن أتذكر كل شيء عن حياتي الماضية في الضاحية قبل خروجي منها. في زحمة الحياة والأحداث في الخرطوم كنت موقناً أنني لن أستطيع الكتابة عن الضاحية وأنا بعيد عنها، وكنت أتخيل أنني ربما أتمكن من ذلك إذا عدت إليها مرة أخرى، رغم أن شكوكاً كثيرة كانت تظلل عودتي. الآن فقط صدقت نبوءة أمي ورهانها على عودتي، لعلّها لا زالت تحتفظ بحفنة التراب التي أخذتها من تحت موطئ أقدامي لحظة خروجي لسفريتي الأولى، فها أنا أعود إليها بعد غياب طويل. كنت أفكر.

    انحرفت سيارة التاكسي من الشارع السريع الذي يربط مدينة مدني بالضاحية، وسلكت طريقاً جانبياً.
    جاءني صوت السائق مستفسراً ليتأكد من مدخل الضاحية:
    - نحو اليسار؟
    قلت
    - نعم.
    فولج التاكسي نحو الضاحية.

    نظرتُ في قلق إلى المرآة الصغيرة المثبتة في أعلى سيارة التاكسي لأتأكد من هيئتي وهندامي. كان بوجهي حزناً لم اخلعه منذ شهور، ولم اعد ذلك الشاب الصغير الذي خرج من الضاحية قبل سنوات طلباً للعلم. تغييرات كثيرة اعترت الجسد والروح، تحسستُ ساقي الصناعية، فكنت قد عدت إلى الضاحية بساق بلاستيكية. هذا ما نلته من وليمة السياسة في جمهورية العاصمة المثلثة.

    هل أستطيع أن احكي لأهلي وجميع سكان الضاحية كل شيء ؟ هم يحبون معرفة التفاصيل، مغرمون بمعرفة كل صغيرة وكبيرة، ولا يحبون الاختزال، إن أكثر ما يكره أهل الضاحية هو الغموض. ستكون المفاجأة شديدة عليهم، وسأكون وجبة ساخنة لأحاديثهم، يلوكونني لسنوات قادمة، سيلحون على معرفة كل شيء، كل ما حدث منذ أن تركت الضاحية، سوف يسألون بشدة عن تفاصيل ما حدث، وكيف فقدتُ ساقي هناك.

    الضاحية تمثل عالم وفكرة في أذهان سكانها، وخيال طاف بعقل زائريها وذكريات حلوة تخلد في عقول الذين عسكروا يوماً في حدائقها الغناء. الحيطان في الضاحية قصيرة وشفافة، يمكنك أن تسمع ما يدور بداخلها، وتستطيع أن ترى الأحداث تعتمل أمامك وتشاهدها، و تسمع الناس بكل وضوح وهم يحكون أدق أسرارهم. في الضاحية كل الحكاوي طيارة، أي لها قدرة على الطيران حتى ولو كانت سخيفة، تصل الجميع قبل أن يفرغ راويها من وضع فصول ختامها. وفيها يمكنك إيجاد حل لجميع مشاكلك بسهولة، وحين يجبرك اهلك على الانتماء لأفكارهم التقليدية، فيمكنك الهروب منهم نحو الأفكار العقائدية اليمينية أو اليسارية التي تكثر في الضاحية.

    أزحتُ المرآة جانباً لأرى الطريق واشم الهواء النقي، السيارة تسرع والضاحية بكل تفاصيلها تزحف نحوي مسرعة، بعباءتها القديمة، وبنيلها وغاباتها وجروفها، ومزارعها وأزقتها الضيقة التي طالما تجولت فيها، تلبس حلتها الخضراء دوماً، وتكشف ما بداخلها من غير حياء.

    صور كثيرة تمر بي و أنا أدخل عبر البوابة الغربية الوحيدة من ناحية طريق المرور السريع، وكانت بيوت الضاحية مرتبة كشتول حقل البرسيم، وأشجار النيم الكثيفة المتشابكة تعلو سقوف المنازل كأنها سحابة خضراء، وسطح النيل الأزرق يظهر عند انحنائه المقوس ليتجه شمالا ناحية المدينة، ماراً بمنعطف بحيرة “بجيقا" المرفقة به.

    سور المدرسة المتوسطة المنهار منذ السبعينات، وبيوت المُدرسين التي تحن إلى طلاء جديد، وجنائن المانجو وأشجار الليمون تبدو متضجرة بوضوح من شارع الإسفلت الهزيل الذي يقود إلى داخل الضاحية. في كل عام يتآكل جسد الضاحية الأخضر، وتختفي أشجارها القديمة الشامخة لصالح الشوارع والمباني الجديدة المنتشرة في كل اتجاه.

    كان هذا هو الشارع الوحيد المعبد في الضاحية، يسير من الشرق إلي الغرب موازياً لامتداد النيل من الجهة الشمالية للضاحية، ضاعت ملامحه من كثرة الرتوق والحفر التي غطته. الإضاءات تلمع بين الأشجار من بعيد تحت سقوف المنازل المنخفضة، والضاحية ترقد وادعة على الشاطئ، يمتد جسدها كحورية مع امتداد تقوس النيل. زفير ساخن وروائح مختلطة تخرج وقت المغيب من كائنات الضاحية، ومن الأشجار، والحيوانات والنيل، وحكايات تنثر في كل ركن من أركان الضاحية.

    عادة ما تدب الحركة في الضاحية قبيل الغروب، وتمارس الأشياء اختلاطها العجيب، كأنها تعبر عن آخر لحظة في اللقاء أو أول لحظة في الوداع، فيختلط الضوء بالظلام، والروائح بالأصوات. وتشتد حركة العائدين من السوق في سيارات الأجرة أو سياراتهم الخاصة، ولاعبو الكرة انتشروا في الميادين، وعمال ورشة السيارات في تقاطع شارع الإسفلت لا زالوا في مكانهم يختمون يوماً آخر، والبهائم في حالة إياب من المشروع، تعبر شارع الإسفلت محدثة إيقاع غريب لم يألفه الناس، يتعالى خوارها وثغاءها ورغاءها، وأصوات الصيادين من ناحية النيل، تداخلت هذه الأصوات مع أصوات الناس والسيارات الفارهة التي يقودها المترفون من أهل الضاحية مسرعة نحو المدينة القريبة التي لا تبعد سوى نحو خمسة أميال فقط، يمنون النفس بسهرة ممتعة. كان إيقاع الضاحية نفس الإيقاع ولكنه زاد قليلا عما كان عليه منذ سنوات.
    كل شيء في الضاحية يتجه شمالا.
    النيل بصفحته الهادئة على يساري يظهر بوضوح هنا، لا يزال يتجه شمالا كما هو، وبينه وبين الضاحية يمتد شريط الغابة الطويل المقوس مع انحناءة النيل، وبين النيل والغابة ترقد جنائن المانجو والليمون والموز التي ترمي بظلالها على مياه النيل فتحيل لونها إلى الخضرة الداكنة، ودخان قمائن الطوب يتصاعد ويتجه شمالاً أيضا.

    عندما حاذيته كانت أشعة شمس المغيب الحمراء مسلطة على قمة مبنى "بجيقا" الغائص في الماء. أشعلتُ سيجارة وأنا أتابع مجرى النيل المحاذي لشارع الإسفلت الرقيق. عاودتني رغبة وقتية ظلت حبيسة في صدري لسنوات، وهي أن اطفي عقب سيجارتي في طمي النيل. النسيم في هذه الناحية بدا نقياً ولطيفاً، فجأة شعرتُ أنني قادر على تحريك الأحداث والأمنيات القديمة بين حيطان الذاكرة بعد أن خمدت طويلا. وهناك بقايا من أحداث لن اقدر على اجترارها الآن، فهي من نوع تلك الأحداث التي يصير مكانها في الذاكرة مسطحاً دون نتوءات مثل صفحة هذا النيل الهادئ.

    تتبعثر الذكريات سريعاً أمامي كرذاذ مطر مشاكس. بعضها استرجعته مراراً، وبعضها يعود إلى سنوات طويلة مضت يوم خرجتُ من الضاحية التي ولدتُ وعشت فيها، انشد تعليماً جامعياً في العاصمة الخرطوم، وبعضها يخرج الآن لأول مرة، إلا انه ما زال حياً يوخز بالألم.

    بدأت حيطان الذاكرة في الانهيار، الواحدة تلو الأخرى، وبدأتُ أستبين الأحداث أمامي مثلما حدثت تماماً، بترتيب دقيق يشبه إلى حد كبير ترتيب الأمواج في الأنهار. كانت الذكريات تنهال عليْ دون مراوغة أو تجميل، عارية من كل الألوان. كم مرعبة مثل هذه الذكريات التي احملها، خاصة عندما تجد طريقها للخروج ليتناقلها أناس شرهون كسكان الضاحية. كنت أرى نفسي بوضوح وأنا أتجول بين أنقاض هذه الحيطان وأرى التاريخ بصورة محايدة تماماً. الآن أدركت خطأ أفراد الأمن الذين تولوني بالرعاية في تلك الفترات التي نزلت فيها ضيفاً على المعتقلات، وبيوت الأشباح، فمن يقوى على إفراغ الذاكرة ومحوها، خاصة عندما تكون ذاكرة وطن بأكمله ؟ ومن يضمن عدم روايتها وتفشيها بين الناس كمرض معدي، هم حاولوا محوها وفشلوا، وحاولتُ مراراً أن أفرغها على ورق ابيض فأحترق الورق، ونأت بحملها تقارير المنظمات الدولية.

    يحتد بصري وأنا أحاول أن أرى الضاحية من جديد. تمتد الأشجار أمامي وتصطف على جانبي الطريق، منحتني الإحساس بأنني أسير بسرعة شديدة نحوها، تزحف الضاحية نحوى بنفس السرعة وهي تكتسي حلتها القديمة، الخضرة نفس الخضرة، لم يتغير شيء. بعض الجروف تتوسط المسافة بين ضفة النيل وشارع الإسفلت، والمزارع تسد الأفق على الناحية اليمنى. أشجار النيم تتشابك، كنت اعرفها شجرة شجرة، الآن تزداد كثافتها وتحول الضاحية إلى مغارات وكهوف داكنة. كثافة الأشجار أصبحت تزيد من خوفي.

    سألت نفسي وأنا على حافة الارتباك:
    "هل ستمنحني الضاحية فرصة أخرى للحب والتواصل؟"
    "هل ستحبني وأنا بساق واحدة؟"
    وأنا في غمرة هذا، سمعت صوت صبي يقول وهو يؤشر علينا " لقد عاد راشد"
    ابتسمت. فقد عرفتني الضاحية إذن!

    الآن تنهار حواجز وتتدفق الذكريات بصورة لم أتوقعها من قبل، هجمت عليّ كشلال منجرف. وأحسستُ أن الوقت والمكان أصبحا مناسبين لأفرغ ذاكرتي.
                  

العنوان الكاتب Date
الحيـــــطان ......رواية بها اسراركم فلا تفشوها ابراهيم على ابراهيم المحامى04-23-07, 07:54 PM
  Re: الحيـــــطان ......رواية بها اسراركم فلا تفشوها ابراهيم على ابراهيم المحامى04-23-07, 07:58 PM
    Re: الحيـــــطان ......رواية بها اسراركم فلا تفشوها ابراهيم على ابراهيم المحامى04-23-07, 08:08 PM
    Re: الحيـــــطان ......رواية بها اسراركم فلا تفشوها ابراهيم على ابراهيم المحامى04-23-07, 08:09 PM
      Re: الحيـــــطان ......مهداة الى ضحايا التعذيب في السودان ابراهيم على ابراهيم المحامى04-30-07, 09:24 PM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de