(ملخص + صور) .. ندوة أستاذ/ كمال الجزولى .. العدالة الانتقالية فى دارفور .

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-16-2024, 07:39 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مكتبة مركز الخاتم عدلان للأستنارة والتنمية البشرية
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
10-20-2008, 10:06 AM

مركز الخاتم عدلان
<aمركز الخاتم عدلان
تاريخ التسجيل: 01-21-2008
مجموع المشاركات: 3485

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
(ملخص + صور) .. ندوة أستاذ/ كمال الجزولى .. العدالة الانتقالية فى دارفور .

    قدم استاذ كمال الجزولى ندوة عاصفة فى دار مركز الخاتم عدلان فى امسية الأربعاء 15 اكتوبر بعنوان
    العدالة الانتقالية فى دارفور
    وقد نالت نقاش وجدال من الحضور للندوة .



    ورقة أ/ كمال الجزولى
    القانون والعدالة
    (2) كثيراً ما يتبادر إلى الأذهان، عند سماع عبارات مثل (القانون فوق الجميع) و(سيادة حكم القانون) و(الكلُّ سواسية أمام القانون)، أن المطلب الأساسي هنا هو (القانون) نفسه، وأنه، بمجرَّد تطبيقه، تتحقق (العدالة). لكن (القانون)، في حقيقته، لا يعدو كونه أداة معياريَّة تواضعت المجتمعات البشريَّة على اعتبارها آليَّة لتحقيق (العدالة)، دون أن يعني ذلك أنها، بالضرورة، كذلك. فمفهوم (القانون) يندرج ضمن مفهوم (الثقافة) طبقيَّة المضمون فى عناصرها الجوهريَّة، فهو جماع القواعد التى تقرِّرها (الدولة)، التي هي توأم (القانون) وُلدت معه في مرحلة لاحقة من التطور هي مرحلة الانقسام الطبقي، وذلك لضبط العلاقات الاجتماعيَّة وفق القيم التى تعكس مصالح الطبقة السائدة اقتصادياً، ومن ثمَّ سياسياً. بعبارة أخرى "فقاعدة القانون إنما تصدر عن الإرادة الشارعة للمسيطر على الجماعة فى صورة أمر .. مقترن بما يضمن إحترامه من جزاء غايته الحقيقيَّة حماية مصالح الفئة المسيطرة" (س. عبد الحميد ، 1984م). وينتمي القانون إلى البناء الفوقي superstructure الذى تؤثر مكوِّناته الأساسيَّة على مستوى الوعى الاجتماعى السائد إيجابا أو سلباً.

    (3) بهذه الكيفيَّة، وأخذاً فى الاعتبار بالبطء النسبى الذى يَسِمُ حركة التغيير فى هذا المستوى، فإن (القانون) يتمظهر ، شكلاً ، كقوة خارجيَّة محايدة ، في حين أن (الدولة) التى هى توأمه ، كونها الأداة التنظيميَّة لسلطة الطبقة الاجتماعيَّة السائدة اقتصادياً ، والتعبير الأكمل عن إرادتها السياسيَّة ، تستخدِم ، لضمان إنفاذه ، ترسانة من أجهزة القمع وتدابير الإكراه ، إلى الحد الذى يمكن معه القول بأن "كل نظام قانوني يعكس مبادئ النظام الاجتماعي الذى يروم تنظيمه" (و. فريدمان ، 1964م). وربما كان من الميسور ملاحظة الفارق ، ضمن هذا الاطار ، بين طلاقة التوقير التى تحظى بها ، فى المجتمعات البدائيَّة أو الخارجة لتوِّها من مرحلة البدائيَّة ، قواعد السلوك العام المرعيَّة بالتراضي ، ومكانة الشيوخ المسلم لهم بمراقبتها عن طيب خاطر ، من جهة ، وبين الكلفة العالية (لفرض) هذا (الرضاء) عن طريق (جهاز الدولة) فى المجتمعات الحديثة نسبياً من الجهة الأخرى.

    (4) بهذه الدلالة يمثل (القانون) مؤسسة اجتماعيَّة ، أى شكلاً تاريخياً تفرض الطبقة السائدة بموجبه رؤيتها (لحقوق) و(واجبات) الأفراد والجماعات فى شتى مجالات العمل وروابط العائلة وعلاقات الملكيَّة وما إلى ذلك ، وفق قواعد محددة بأسلوب الانتاج فى المجتمع ، وطابع العلاقات بين مختلف طبقاته وفئاته وشرائحه. (فالقانون) ، إذن ، مفهوم ملتبس ، يعبِّر بشكل (قامع) عن أفق التصورات القيميَّة والمعرفيَّة المحدودة لجزء من المجتمع ، بينما (يزعم) قدرته على الإحاطة بكل قيم ومثل هذا المجتمع. لذلك ، وعلى حين يجري تصوير (القانون) كأداة خارجيَّة محايدة ، تعبر عن الجميع ، وتنتصب فوق الجميع ، وتحوز على قبول الجميع ، لتحقيق الاستقرار والسلام الاجتماعيين ، فإنه ، فى حقيقة الأمر ، يشكل حقل صراع اقتصادي سياسي واجتماعي ثقافي تاريخي.





    (5) أما (العدالة) فتأتي على رأس المعايير التى تنضبط بها معادلة (الحق والواجب) فى الذهنيَّة والوجدان العامَّين ، بحيث تضمن (السلطة) القدر المعقول من القبول بتلك القواعد الحقوقيَّة (القانون) فى علاقات الناس فيما بينهم ، من جهة ، وفيما بينهم وبينها من الجهة الأخرى ، وهى علاقات اقتصاديَّة سياسيَّة فى المقام الأول.

    (6) وإذن فمن اللازم التمييز بين مفهومي (القانون) و(العدالة) من زاوية عمل السلطة ومشرِّعيها. ذلك أنه إذا كان (القانون) أداة ضبط سلطانيَّة ، وأن نصوصه تتنزل على الأغلبيَّة ، كما أشرنا ، دون اعتبار لإرادتها ، توهُّماً من عند (السلطة) بأن (العدالة) سوف تدور حيثما دارت هذه النصوص ، فإن (العدالة) ، فى حقيقتها ، نزوع أصيل إلى الفطرة الإنسانيَّة السليمة ، و".. شعور كامن فى النفس يكشف عنه العقل السليم ، ويوحي به الضمير المستنير" (ك. عبد العزيز ، بدون تاريخ). ولعل هذا هو ، بالضبط ، ما قصد إليه وليم تمبل ، كبير أساقفة كنتربرى ، عند زيارته لبعض المحاكم فى انجلترا ، عندما خاطب قضاتها بقوله: "لا أستطيع أن أدعي أننى أعرف الكثير عن القانون ، غير أنني ، بالدرجة الأولى ، أوجِّه اهتمامي إلى العدالة" (اللورد ديننج ، 1982م). وإذن ، فالنزوع إلى (العدل) وكراهة (الظلم) طبيعة متجذرة ، بوجه عام ، فى عمق (الفطرة) الإنسانية ، وقد جرى التعويل عليها دائماً ، عبر كل مراحل تطوُّر المجتمعات البشريَّة ، لمواجهة (القمع السلطاني) المتأصِّل ، بطبيعته ، فى (القانون) ، والتخفيف من غلوائه فى كثير من الحالات ، بل وكسره فى غير القليل منها.

    (7) ولعله ، لهذا السبب بالذات ، أصبحت أكثر التيارات (سلطويَّة) فى العصر الحديث تعي ، ولو من باب الحرص على استقرار (سلطتها) نفسها ، ضرورة ألا تصطدم (القاعدة القانونيَّة) بشكل مباشر وصارخ ، فى أىٍّ من سياقيها التشريعى أو القضائى ، بروح المجتمع ، أو بتطلعات المحكومين فيه إلى الحياة الأفضل ، أو بنضالات الأقسام المتقدمة منهم لخلق الوجود المغاير ، وأن تنفتح ، بقدر أو بآخر ، لاستيعاب تصوراتهم الفطريَّة عن الخير والشر ، والصواب والخطأ ، والجمال والقبح ، والرذيلة والفضيلة .. الخ.

    حول مفهوم "العدالة الانتقاليَّة"
    (1) إذا كان تصريف العدالة يُعتبر، فى الظروف العاديَّة، وظيفة أساسيَّة من وظائف الدولة يقوم بأمرها جهاز قضائي يُفترض فيه الاستقلال عن بقيَّة الأجهزة إدارياً ومالياً، فإن هذه الوظيفة تتقدَّم بالاحرى ، ومن باب أولى ، في الظروف غير العاديَّة التي تكون فيها الدولة في حالة انتقال من نظام شمولي إلى نظام ديموقراطي ، أو من حرب أهليَّة أو نزاعات داخليَّة مسلحة إلى سلام ومصالحة وطنيَّة شاملة، وسواء جرى هذا الانتقال راديكالياً أم إصلاحياً ، لتمثل، في مثل هذه الحالات، الأهميَّة الأكثر إلحاحاً بالمقارنة مع الوظائف الأخرى للدولة، وذلك بهدف إزالة أيِّة ظلامات ، وتضميد أيِّ جراحات تكون قد نجمت، ولا بُد، عن الممارسات القمعيَّة أو الاوضاع الحربيَّة السابقة ، وإزاحة أيِّة عقبات يمكن أن تعرقل طريق الانتقال المنشود. ومن هنا جاء مفهوم العدالة الانتقاليَّة transitional justice.

    (2) لذا فإن أول ما يلفت الانتباه عند تعريف مفهوم (العدالة الانتقالية) أنه يقرن بين مفهومين أساسيين:
    أولهما: مفهوم (العدالة)، بالمعنى الذي أشرنا إليه، والذي يتجاوز آليَّة (القانون) ومعياريَّته.
    ثانيهما: مفهوم (الانتقال) الذي يتضمَّن الإشارة، بالضرورة، إلى تحول سياسي كبير، من حالة حرب الى حالة سلم، أو من شموليَّة إلى ديموقراطيَّة.

    (3) وإذن فإن (العدالة الانتقالية) مفهوم دال على حقل من النشاط والبحث يجري فيه استلهام الكيفية التي تستطيع بها مختلف المجتمعات تصفية، لا نسيان، تركة الماضي من تجاوزات وانتهاكات واسعة لحقوق الانسان، أو غيرها من أشكال الجراح الاجتماعية الغائرة، بما في ذلك الإبادة الجماعية، وجرائم الحرب، والجرائم ضد الإنسانيَّة، بغرض تهيئة أرضية (انتقال) مناسبة لبناء مستقبل ديموقراطي أكثر عدلاً وسلاماً.

    (4) وهكذا فإن مفهوم (العدالة الانتقالية) عادة ما يعتبر منهاج عمل لمجابهة مرارات الماضي كشرط أساسي لإصلاح سياسي شامل؛ وتندرج ضمن هذا المنهاج:
    أ/ إستراتيجيات قضائية تقليديَّة، كالمحاكم الوطنيَّة أو الدوليَّة، لمحاكمة الجناة وضمان عدم الإفلات من العقاب impunity.
    ب/ إستراتيجيات غير قضائيَّة وغير تقليديَّة، كاستحداث (لجان الحقيقة والإنصاف والمصالحة) الهادفة لابتداع وتطوير حزم مختلفة من أشكال الكشف عن (الحقيقة) الكاملة لما جرى من عنف وانتهاكات، و(الاعتذار)، رسمياً وفردياً، عنها، وطلب (العفو) من ضحاياها، و(الإنتصاف والتعويض وإعادة التأهيل) لهم، وتخليد ذكراهم، وما إلى ذلك، تمهيداً لتحقيق (مصالحة) شاملة، ليس مع الأنظمة الحاكمة في المجتمعات المنقسمة، كما قد يُظنُّ خطأ، وإنما، في المقام الأوَّل، مع (الذاكرة الوطنيَّة).
    ج/ إجراء إصلاحات واسعة، من ثمَّ، في المؤسسات الحكومية التي شكلت رأس الرمح في تلك التجاوزات (كأجهزة الأمن والشرطة والجيش)، باعتبار ذلك إجراءً وقائياً ضد أية انتهاكات مستقبلية.

    (5) ويستند مفهوم (العدالة الانتقالية) إلى ركيزتين أساسيتين:
    الركيزة الأولى: أن تطور حركة حقوق الانسان كان قد أثر، وبقوة، في جعل مفهوم (العدالة الانتقالية) متمحورا حول مركز واحد هو (الضحية)، حيث تنصبُّ جهود النشطاء في هذا الحقل على حقوق الضحايا والناجين وأسرهم.
    الركيزة الثانية: أن القانون الإنساني الدولي والقانون الدولي لحقوق الإنسان أصبح يفترض، أكثر من أيِّ وقت مضى، إلتزام البلدان المارة بـ (فترات إنتقاليَّة) بتصفية أيَّة انتهاكات لحقوق الانسان، والقبض على مرتكبيها، ومحاكمتهم، وتعويض وإعادة تأهيل ضحاياهم، واتخاذ الإجراءات الكفيلة بقطع الطريق أمام تكرار مثل هذه الانتهاكات مستقبلاً، بما يعزز فرص السلام، والمصالحة، والديموقراطيَّة.

    (6) وتعترف (العدالة الانتقالية)، كمنهج في إدارة الإنتقال، بكون عملياتها السياسيَّة غالباً ما تكون محفوفة، على قدم المساواة، إما بالمعوِّقات، وإما بالفرص السانحة لقيام وتكريس السلام والتحوُّل الديموقراطي والمصالحة الوطنيَّة الشاملة. فقد تكون هذه العمليات ناتجة عن مفاوضات مطوَّلة ومتعسِّرة، فتؤدي إلى سلام ضعيف، وديموقراطية هشة، ومصالحة شكليَّة. وبالنتيجة، تكون العدالة في هذه الفترة، محفوفة بالعديد من العوائق، مثل:
    أ/ ضخامة أعداد المنتهكين، مما قد يفوق قدرة النظام القضائي؛
    ب/ ضخامة أعداد الضحايا والناجين وذويهم مِمَّن يرغبون في رواية قصصهم ونيل التعويضات وإعادة التأهيل؛
    ج/ وجود معوقات قانونيَّة تتعلق بالحصانات والتقادم، أو دستوريَّة ناجمة عن جولات تفاوض سابقة، كقوانين العفو عن مجرمين مرتبطين بالنظام السابق أو القائم، الأمر الذي يحد كثيراً من قدرة النظام القضائي على ملاحقتهم وتصريف العدالة بشأنهم؛
    د/ ما قد تعانيه مؤسسات الانتقال الوليدة من تدخلات أصحاب السلطة الجدد، أو التأثيرات الكامنة لمجرمي النظام السابق.
    لكل ذلك، فان (العدالة الانتقالية) تتطلب الكثير من الانتباه كي تكون شاملة، وإلا أجهضت.

    (7) التاريخ الفعلي لنشأة مفهوم (العدالة الانتقالية) غير معروف على وجه الدقة. فالبعض يرجِّح نشأته، ابتداءً ، في حقل السياسة الفرنسيَّة. لكن ظهور المصطلح بدلالته الحديثة فيعود إلى العام 1992م، في الكتاب ذي الثلاثة أجزاء بعنوان (العدالة الانتقالية: كيف تنظر الديموقراطيات الوليدة الى الأنظمة السابقة، تحرير نيل كيرتز)، ويضم أهم الكتابات الباكرة التي استخدم فيها ضمن أدبيات السياسة والقانون في مختلف بلدان العالم، كمفهوم استثنائي يشتغل فقط في البلدان التي تروم استدبار الاوضاع الشموليَّة ، وإقرار السلام وإنجاز التحوُّل الديموقراطي ، وترميم شروخات الجبهة الداخليَّة ، والسير باتجاه إعادة البناء الاجتماعي، وتحقيق المصالحة الوطنيَّة الشاملة ، وذلك من فوق تاريخ مثقل تماماً بتركة انقسام اجتماعي عميق ناجم عن حرب أهليَّة متطاولة أو نزاعات داخليَّة مسلحة، أو ممارسات إبادة جماعيَّة، أو قمع وحشي عام ، أو تعذيب منهجي للخصوم السياسيين ، أو ما إلى ذلك من انتهاكات حقوق الإنسان أو جرائم الحرب أو الجرائم ضد الإنسانيَّة.

    (8) وبالتالي فإن مفهوم ومصطلح العدالة الانتقاليَّة لا يمكن إدراكه، حسبما تمخض عن تجارب وخبرات أكثر من أربعين بلداً في مختلف القارات، مثل تشيلي (1990) وغواتيمالا (1994) وجنوب أفريقيا (1994) وبولندا (1997) وسيراليون (1999) وتيمور الشرقيَّة (2001) والمغرب (2004)، بمعزل عن شبكة من المفاهيم والمصطلحات التي يتضمَّنها مثل لجان الحقيقة والانصاف، وإعادة البناء الاجتماعي، وإعادة تأهيل الضحايا، والمصالحة الوطنية، والإصلاح القانوني والقضائي والسياسي، بما في ذلك إعادة صياغة مؤسَّسات الدولة كافة، المدنيَّة منها والعسكريَّة. كما تجدر الإشارة إلى أن هذه الخبرات والتجارب الدولية تولد عنها المركز الدولى للعدالة الانتقالية ICTJ ، بفضل جهود البروفيسير أليكس بورين والقس ديزموند توتو، واللذين يعتبران المهندسين الحقيقيين للتجربة فى جنوب أفريقيا. فقد أفضت جملة تلك التجارب إلى الارتقاء بخطاب المجتمع الدولى من مجرد المطالبة بتيسير الوصول للعدالة access to Justice ، فى سبعينات وثمانينات القرن المنصرم ، إلى تعزيز مبادئ المحاسبية accountability والتشديد على عدم السـماح بالافلات من العقاب impunity ، منذ خواتيم ثمانيناته ومطالع تسعيناته ، حتى لقد أضحت هذه الخبرات تشكل علامة انعطاف فارقة فى التاريخ الانسانى ، تجعلها جديرة بالاستهداء بها ، وبابتداع أشكال جديدة لإثرائها من واقع المخزون الاخلاقى ، الدينى والثقافى ، لدى مختلف الشعوب، وفي مختلف البلدان.

    (9) هذا التطور التاريخي والمفهومي والتطبيقي الذي لحق بحقل (العدالة الانتقالية) لم يقع بمحض الصدفة، أو بضربة واحدة، وإنما جاء متدرجاً، وعبر مراكمة أسهمت فيها خبرات هذه الشعوب والبلدان:
    أ/ ففي أوروبا الغربيَّة:
    تضرب جذور هذا المبحث بعيداً إلى ما بعد الحرب العالمية الثانية، مما تعكسه نماذج (المحكمة العسكرية الدولية في نورمبرج، وبرامج استئصال النازية في ألمانيا). لكن، على كل حال، فإن (العدالة الانتقالية)، كمفهوم وكمنهج عمل، قد نضجت أكثر، خلال ما يفوق السنوات الثلاثين الماضية، وبخاصة مع بداية محاكمات الأعضاء السابقين للنظام العسكري في اليونان (1975م)، حيث نجح القضاء الوطني في محاكمة العقول المدبرة، والمسؤولة عن انتهاكات حقوق الانسان السابقة.
    ب/ وفي أمريكا اللاتينية:
    نجح النظام القضائي الوطني أيضاً في محاكمة جنرالات الأرجنتين السابقين (1985م)، كما أسهمت جهود الكشف عن (الحقيقة)، مثل (اللجنة القومية الأرجنتينية لتقصي المختطفين، 1983م)؛ والجهد غير الحكومي في الأورغواي، والذي أفضى إلى التقرير الأكثر ذيوعا (الأورغواي: ليس مرة أخرى)؛ و(لجنة الحقيقة والمصالحة التشيلية، 1990م)، في توسيع مفهوم (العدالة الشاملة) خلال فترات الانتقال السياسي، وذلك بالاعتماد على فكرة أن (الحقيقة) مبدأ جوهري لا يجب الانتقاص منه (زالاكيت 1993م، ضمن المقدمة، ص 31). كما وأن الجهود الإضافية في الأرجنتين وتشيلي لتعويض الضحايا بكل الطرق الممكنة أسهمت أيضا في توفير العدالة لضحايا جرائم حقوق الانسان. هذا التقدم في حقل (العدالة الانتقالية) يعتبر ثمرة جهود نشطاء حركات حقوق الانسان، ورفقائهم داخل المؤسسات الحكومية، في ابتداع الأساليب المناسبة لمجابهة تركة الماضي، حيث بدأوا في تطوير منهج (العدالة الانتقالية) الحديث، ليصبح أداة فعالة لتعزيز الديموقراطيات الوليدة، وليتماشى مع الالتزامات الأخلاقية والقانونية التي ظلت تفرزها حركة حقوق الانسان نفسها، محلياً وعالمياً.
    ج/ وفي شرق أوربا:
    أسهمت الجهود المجتمعية في التعامل مع انتهاكات الماضي، عبر فتح ملفات وكالات الأمن السابقة (مثل قانون سجلات استاسي في ألمانيا 1991م)، في الدفع بالنضال العالمي من أجل العدالة خلال فترات التحول والانتقال السياسي.
    د/ وفي أفريقيا:
    واستهداءً بتجارب أمريكا اللاتينية وشرق أوروبا كوَّنت جنوب أفريقيا، عام 1995م، (لجنة الحقيقة والمصالحة) لتتناول جرائم حقوق الانسان التي حدثت خلال أجيال من الفصل العنصري. ومنذ ذلك الوقت، أصبحت (لجان الحقيقة والمصالحة) آلية عالميَّة من آليات (العدالة الانتقاليَّة)، حيث تكونت لجان شبيهة في مختلف أنحاء العالم، مثل تيمور الشرقية، وغانا، والبيرو، وسيراليون، والمغرب، رغم أن هذه التجارب تمايزت عن بعضها، وابتدعت اشكالاً وأساليب جديدة.
    هـ/ المحاكم الجنائية الدولية الخاصة والمحكمة الجنائية الدولية ICC:
    أسهمت الجهود المبذولة لمحاكمة منتهكي حقوق الانسان في تشيلي وغواتيمالا، أواخر القرن المنصرم ومطالع القرن الحالي، في تقوية وإلهام الحركات المطالبة بالمحاسبية الجنائية في مختلف البلدان. كما عزز تكوين المحاكم الجنائية الدولية الخاصة بيوغسلافيا السابقة ورواندا الدقة القانونية المطلوبة في (العدالة الانتقالية)، مما أدى إلى بعض الانتصارات التاريخية فيما يتعلق بمسألة المحاسبية accountability. لكن إصدار (نظام روما لسنة 1998م)، والذي أرسى الأساس القانوني لنشأة المحكمة الجنائية الدولية، شكل اللحظة التاريخية الأكثر أهميَّة في تطور مفهوم (العدالة الانتقالية).




    (11) وعلى تفاوت وتنوع هذه التجارب والخبرات ، إلا أن الكشف عن حقيقة الانتهاكات المرتكبة، والاعتذار عنها، وطلب العفو من الضحايا، والانتصاف لهم، باعتبار أن ذلك هو الطريق الوحيد المفضى إلى المصالحة الوطنية الشاملة، يكاد يكون القاسم المشترك بين معظمها. وقد يتخذ هذا الكشف عن الحقيقة شكل الاعترافات التى يدلى بها الجلادون لضحاياهم ، أو شكل الافادات التى يقدمها الضحايا علانية، وذلك من خلال جلسات الاستماع العمومى التى يحضرها الجمهور، وتنشر وقائعها الصحافة، وتبثها أجهزة الراديو والتلفزيون. وإلى ذلك اتبعت، فى أغلب هذه البلدان، شتى نظم المعالجة لحالات الانتهاكات وتعويض الضحايا فردياً وجماعياً ، أو ما يعرف بالانتصاف. وقد تتخذ هذه النظم شكل التعويض المالى، أو العلاج الجسمانى أو النفسانى، أو المساعدة على إعادة الالحاق بالعمل، أو توفير مصدر الرزق المقطوع، أو التعليم، أو السكن، وما إلى ذلك. وقد تتوجه المعالجة بالأشكال المذكورة إلى حالات الأفراد المتضررين ، مثلما قد تتوجه إلى حالات الجماعات أو المناطق المتضررة بأشكال من التمييز الايجابىpositive discrimination فى التنمية والاعمار والخدمات وغيرها. وتقوم الدولة ، بموجب قانون خاص ، بتكوين وتشكيل الآلية التى تتسم بقدر لازم من الاستقلالية ، لتنظم هذه الترتيبات وتشرف عليها ، وتتخذ فى غالب النماذج شكل (الهيئة الوطنية للحقيقة والمصالحة) أو (الهيئة الوطنية للحقيقة والانصاف والمصالحة) أو نحو ذلك بحسب الحال.

    (12) ويقوم منطق الحاجة الضرورية الدافعة إلى مثل هذا النمط من التدبير فى كون التقاضى العادى أمام المحاكم الجنائية ، سواء كانت وطنيَّة أم دوليَّة ، يتقيد مبدئياً بجملة قواعد صارمة قد تؤخر قطف ثمار الانتقال المنشود، وعلى رأسها:
    أ/ قاعدة الاثبات دون الشك المعقول beyond a reasonable doubt ، الأمر الذى يستلزم قدراً من التمهُّل وعدم استعجال الاجراءات. ولا يفى التقاضى العادى ، قطعاً ، من هذه الزاوية على أقل تقدير ، بالكشف عن القدر الهائل من الجرائم المرتكبة على نطاق واسع، خلال السنوات الطوال السابقة على الفترة الانتقالية.
    ب/ التعقيدات التى تنجم ، عادة ، عن الاصطدام الذى لا بد أن يقع فى هذا النوع من التقاضى بين بعض الاجراءات التى قد لا يكون ثمة مناص منها ، كإجراءات منح العفو لبعض المتهمين مقابل تقديمهم إفادات مفصلة عن أدوار شركائهم فى الجرائم ، بما فى ذلك ، بطبيعة الحال ، الكشف عما قاموا به هم أنفسهم، وبين بعض المبادئ القانونية الدولية التى تعتبر منح العفو غير مقبول فى حالات الانتهاكات الخطيرة لحقوق الانسان وللقانون الانسانى الدولى، وهو موقف الأمم المتحدة الثابت على هذا الصعيد. ذلك بالمقارنة مع ضمان ألا تستخدم المعلومات التى يدلي بها الجلادون أمام جلسات الاستماع العموميَّة public hearing التي تنظمها (هيئات الحقيقة والانصاف والمصالحة) فى أية دعوى تقام فى مواجهتهم ، كون هذه المعلومات مطلوبة فقط للكشف عن الحقيقة.

    (13) ومن خبرات هذا النوع من ترتيبات العدالة الانتقالية أيضاً أنه قد يستبعد المسئوليَّة الجنائيَّة والمدنيَّة فى ما يتصل ببعض الجرائم غير الخطيرة ، شريطة أن يكشف الجناة بأنفسهم كل تفاصيل جرائمهم ، وأن يقدموا اعتذارات علنيَّة عنها لضحاياهم ، وأن يوافقوا، علاوة على ذلك، على تكبد تكلفة تعويض وإعادة تأهيل هؤلاء الضحايا ، وجبر أضرارهم، أو تكفل الدولة بذلك مقابل تقديم هؤلاء المنتهكين خدمات محددة للمجتمع المحلي.

    (14) ولعلَّ أقرب هذه التجارب إلينا تجربتى جنوب أفريقيا والمغرب، واللتين انتهجتا، أيضاً، جلسات الاستماع العمومى، كآليَّة لاستخلاص الحقيقة ، حيث واجه الكثير من الجلادين ضحاياهم فى جنوب أفريقيا ، من خلال مكاشفات مفتوحة أمام الرأى العام ، وقدموا إعترافات علنية بما اقترفوا ، وحيث تمكن الضحايا فى المغرب ، من ".. إسماع أصواتهم من منبر عمومى رسمى .. (و) تأسيس حكي وطنى حول المعاناة والآلام الماضية" (التقرير الختامى لهيئة الانصاف والمصالحة). والتجربتان معاً مطروحتان ، فى أفق الخبرة الانسانية المشتركة ، من خلال الاشتباك الوثيق مع دور المجتمع المدنى ، بأحزابه ومنظماته وقواه الحية كافة ، فى عملية التحوُّل، أو تجاوز (سنوات الرصاص) ، بالمصطلح المغربى ، لفظاً للعنف ، وتفادياً لنزعة الانتقام ، واعتماداً للوسائل الديموقراطية فى تقصى الحقيقة ، وأداء (واجب الذاكرة) ، وفق علم النفس الاجتماعى ، وجبر الأضرار بإعادة الاعتبار للضحايا مادياً ومعنوياً ، ونقل الشعب بأسره من خانة (الرعايا) إلى خانة (المواطنين) متساوي الحقوق والواجبات ، وابتداع (الاصلاحات الهيكلية) الكفيلة ، على صعيد السلطات كافة ، التنفيذية والتشريعية والقضائية ، فضلاً عن الخدمة المدنية والقوات النظامية وسياسات التساكن وغيرها ، بقطع الطريق أمام أى انتهاكات لحقوق الانسان فى المستقبل ، وضمان ألا يتكرر ذلك مرة أخرى ، أى بإجراء مصالحة حقيقية وكاملة ، لا مع النظام، كما سبق أن قلنا، وإنما، فى المقام الأول، مع التاريخ الوطنى والذاكرة الوطنية!

    (15) ولئن استندت التجربة فى بيئات الثقافة المسيحية، كما في جنوب أفريقيا، على التعاليم الكنسية ، فإن مما يرجِّح سداد تطبيقاتها فى بيئات الثقافة الإسلامية، كدارفور، أن تعاليم الاسلام نفسها قائمة ، فى هذا الجانب ، على الاعلاء من فضيلة (العفو عند المقدرة). ويقيناً تكفل آلية الاستماع العمومى وما شابهها هذه (المقدرة) بحمل (الجلادين) و(دولتهم) على الاعتراف بالحقيقة علناً ، أو ، على الأقل ، بتمكين (الضحايا) من رواية (ما جرى) علناً أيضاً، علاوة على الانتصاف لهم.

    (16) وعموماً، لئن كانت (العدالة الانتقالية) تعني، بالأساس، التناول الشامل لانتهاكات الماضي، فإن هذا الفهم قد أخذ في التبلور والاستقرار، بشكل راسخ، مع بداية العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، حيث تزايد توافق الخبراء والنشطاء حول الركائز الأساسية لمنهج (العدالة الانتقالية)، والقائلة بأنه يمكن للاستراتيجيات القومية ذات الصلة بمجابهة ماضي انتهاكات حقوق الانسان، ومع مراعاة الظروف المحلية الخاصة، أن تسهم في الدفع بمسألة (المحاسبية ـ والحد من الإفلات من العقاب ـ وإعادة بناء علاقة الدولة بالمواطن ـ وإنشاء المؤسسات الديموقراطية). ومن ثم، ولأجل الإسهام في تثبيت مبدأ العدالة الشاملة في اللحظة التاريخية المعينة، يجدر أن تتبنى هذه الاستراتيجيات المناهج التالية:
    أ/ محاكمة المجرمين، سواءً كان ذلك في محاكم وطنيَّة، أو في محاكم أجنبيَّة، كمحاكم الدول التي تقبل الاختصاص الدولي، أو المحكمة الجنائية الدولية، أو
    ب/ تقصي (الحقيقة) فيما يتعلق بأحداث الماضي، وذلك عبر انشاء (لجان الحقيقة)، وما قد يستلزمه عملها من استفادة من البحوث التاريخية الكبيرة، أو من شهادات الضحايا الكتابية والشفاهية، أو من دعم أعمال علم الأناسة الجنائي، لأجل التوضيح الدقيق للطرق التي تمت بها وفاة الضحايا، مما قد يستوجب حتى نبش رفاتهم وتشريحها.
    ج/ وضع سياسات التعويض الملتزمة أخلاقياً تجاه الضحايا. مثل هذه السياسات قد توفر التعويضات المالية، وأيضا الخدمات الصحية (الجسدية والنفسية)، والخدمات التعليمية، وبعض الإجراءات الرمزية، كالاعتذار الرسمي من الدولة.
    د/ إحياء ذكرى الضحايا وتكريمهم، بعد التشاور معهم أو مع ذويهم، وذلك بانشاء النصب التذكارية، ومتاحف الذاكرة، كالمتحف الذي أقيم، مثلاً، داخل مصنع البطاريات بسيربينيتسا في البوسنة، حيث وضعت متعلقات 20 من أصل 8000 ضحية من المسلمين الذين تمت تصفيتهم فيه من جانب الصرب، وإلى ذلك تحويل المواقع التي كانت تستعمل في الماضي كمعسكرات اعتقال الى منتزهات تذكارية، فضلاً عن تفعيل الحوار البناء حول أحداث الماضي.
    هـ/ دعم مبادرات المصالحة، لا في القاعات المغلقة، وإنما من خلال التفاكر الوطني العام، بمشاركة الضحايا أنفسهم، حول ما يمكن عمله لإبراء الجراح، وخلق فرص التعايش السلمي مع (أعداء) الماضي، وذلك دون الانتقاص من مبادئ العدالة والمحاسبية.
    و/ إجراء الإصلاحات المناسبة في مؤسسات الدولة التي ساهمت في الماضي في انتهاك حقوق الانسان، بما في ذلك أجهزة الأمن والشرطة، وذلك بغرض الوقاية من أية انتهاكات مستقبلية، وبالمثل إعادة بناء علاقات الدولة بالمواطنين من خلال إصلاح مؤسسات الدولة الأخرى.

    (11) لكن إنجاز مهام العدالة الانتقاليَّة، بهذه الصورة، يتطلب ، ابتداءً ، توفر إرادة سياسيَّة قويَّة من جانب السلطة الحاكمة، مثلما يستوجب شكلاً مناسباً من أشكال الشراكة بين الدولة وبين المجتمع المدني. ذلك أن هذه المهام ، بطبيعتها ، لا يمكن أن تتحقق بالاقتصار، فحسب ، على اتباع الاجراءات القانونيَّة والقضائية التقليديَّة ، بل لا بُدَّ لها أيضاً من ابتداع الكثير من الاشكال والاساليب ، وابتكار ما لا حصر له من الطرق والمناهج ، باتجاه الكشف عن حقائق تلك الانتهاكات علناً ، وبشفافيَّة تامَّة ، ومعالجة آثارها بتعويض الضحايا وإعادة تأهيلهم في المستويين الفردي والجماعي ، تحقيقاً لإحساس اجتماعيٍّ بـ (العدالة) أكثر شمولاً وأبعد أثراً ، مِمَّا يمهِّد لعمليَّة السلام والتحوُّل الديموقراطي والمصالحة الوطنيَّة المرغوب فيها.

    سلام دارفور
    والشكل غير التقليدي للعدالة الانتقاليَّة؟!
    (1) عرفت بلادنا، حتى الآن، ثلاث فترات إنتقاليَّة، إثنتان منها أعقبتا هبتين شعبيتين أطاحتا بنظامين شموليين، وهما فترة ما بعد ثورة أكتوبر التي أسقطت نظام عبود (1964 ـ 1965م)، وفترة ما بعد انتفاضة أبريل التي أسقطت نظام النميري (1985 ـ 1986م). أما الثالثة التي سنركز عليها هنا، فهي الفترة الانتقالية الحالية (2005 ـ 2011م) التي ترتبت على اتفاقية السلام الشامل (CPA) المبرمة بين حكومة السودان والحركة الشعبية/ الجيش الشعبي لتحرير السودان في 9 يناير 2005م، والتي أوقفت حرباً أهلية ظلت مستعرة، في مرحلتها الثانية، منذ العام 1983م، وقد سبقتها مرحلة اشتعلت خلالها طوال السنوات من 1955م إلى 1972م، حيث تم إخمادها على مدى أحد عشر عاماً بموجب إتفاقية أديس أبابا بين نظام النميري وحركة أنانيا آنذاك، لتعود للاشتعال مجدداً عام 1983م في إثر خرق النميري لتلك الاتفاقية.

    (2) رغم اختلاف الظروف والملابسات السياسية التي أحاطت بترتيب كل واحدة من هذه الفترات الانتقالية الثلاث، إلا أنه يمكننا القول بأن المهام التي أنيطت بها جميعها تمحورت في كل مرة، بوجه عام، حول تمهيد الأرضية المناسبة لإرساء السلام والانتقال من الحكم الشمولي إلى الحكم الديموقراطي.

    (3) لعبت عوامل شتى أدوار كبيرة في إجهاض مهام الفترتين الانتقاليتين الأولى والثانية. لكن العامل الأساسي، بالنسبة للأولى، تمثل في اتباع حكومة أكتوبر لسياسة (عفا الله عما سلف)، في معنى طي ملف نظام عبود، بكل ما اشتمل عليه من جرائم ومظالم وانتهاكات طالت العديد من الحريات العامة والحقوق الأساسية للأفراد والجماعات، علاوة على استعار الخلاف السياسي، والحصار الذي فرضته القوى الحزبية الرئيسة على تلك الحكومة، الأمر الذي صرفها عما كان ينتظر منها أداؤه من مهام. أما بالنسبة للثانية فقد شكل بعض أهم الأسباب الرئيسة في إجهاض مهامها اختلال الميزان السياسي لصالح القوى التي تتناقض مصالحها مع فتح ملفات النظام السابق، والنهج الانتقائي الذي اتبع في معالجة جرائمه ومظالمه وانتهاكاته، والمزايدات التي ما لبثت أن انفجرت في الساحة السياسية حول أسس اقتضاء الحقوق العامة والخاصة، فضلاً عن الاقتصار على الإجراءات القضائية التقليدية، بكل ما تتسم به من بطء، مقارنة بضخامة عدد الملفات التي كان يتوجب فتحها.

    (4) وبصرف النظر عن تفاصيل أسباب وعوامل الفشل في الحالتين، فإن انقضاء الفترتين الانتقاليتين بدون إنفاذ آليات مناسبة وكافية للعدالة، واقتضاء الحقوق، وإبراء الجراح، خلف دملاً محتقناً بصديد الغبن، ما لبث أن تسبب في تسمم جسد التجربتين الديموقراطيتين، فسهلت الاطاحة بهما في كل مرة!

    (5) وفي الثلاثين من يونيو عام 1989م مكن انقلاب (الانقاذ) حزب (الجبهة الاسلاميَّة القوميَّة) من بسط سيطرته على مقدرات البلاد ، وإنفاذ خطته الشموليَّة على جميع الأصعدة الاقتصاديَّة السياسيَّة والاجتماعيَّة الثقافيَّة. وبالنتيجة:
    أ/ تأسس في السودان، على مدى العقدين الماضيين، أسوأ نظام للحكم القائم على إفشاء القمع ، وتكميم الأفواه ، وفرض الرؤية الأحاديَّة ، على تفاوت قبضته السلطويَّة من فترة لأخرى ، ولأسباب وعوامل مختلفة ، بين الشدَّة والشدَّة الأقل!
    ب/ شاعت ، في ظل هذا النظام ، حالة عامة مزرية من إهدار الحريات والحقوق والانتهاكات الجسيمة للقانون الدولى لحقوق الانسان والقانون الانسانى الدولى تمثلت فى أبشع أشكال التنكيل الذى طال الآلاف من المعارضين السياسيين ، والقادة النقابيين ، وغيرهم من نشطاء المجتمع المدنى، بل والمواطنين العاديين، ناهيك عن مفاقمة أوضاع التهميش التاريخيَّة التى ظلت تعانى منها أصلاً تكوينات قوميَّة مختلفة فى جنوب وغرب وشرق بل وشمال السودان.
    ج/ فاقمت تلك العوامل من حدَّة أوضاع الانقسام والاستقطاب الداخليين، وألهبت أوار الحرب الأهلية في الجنوب ، وأدت لامتداد ألسنة حريقها إلى مناطق أخرى، ومن أخطرها الحريق المشتعل طوال السنوات الماضية في دارفور التي تحوَّلت من مجرَّد قضيَّة داخليَّة، أو حتى إقليميَّة، إلى همٍّ دولي يكاد لا يغيب عن أجندات الأمم المتحدة، بمختلف أجهزتها ووكالاتها المتخصِّصة، دع التجمُّعات الإقليميَّة، أفريقياً وعربياً وإسلامياً، والمنظمات المدنيَّة العالميَّة من شتى البلدان والقارات. هذا فضلاً عن كون انتهاكاتها قد شكلت أوَّل ملف في تاريخ المحكمة الجنائيَّة الدوليَّة يُحال إليها من مجلس الأمن، بموجب الفصل السابع، بل وقد انقطع، عملياً، شوط بعيد في إجراءات هذا الملف، حيث قرَّرت محكمة ما قبل المحاكمة، العام الماضي، قبول أدلة المدَّعي الجنائي الدولي في القضيَّة الأولى ضد هارون وكشيب، وأصدرت مذكرات التوقيف بشأنهما، وتنظر، حالياً، في الأدلة المقدَّمة إليها في القضيَّة الثانية ضدَّ رئيس الجمهوريَّة عمر البشير، ومع ذلك فإن الحكومة ما تزال تجرجر أقدام استهانتها واستخفافها بالمحكمة وإجراءاتها!

    (6) فى 9/1/2005م ، أبرمت (إتفاقيَّة نيفاشا) أو (إتفاقية السلام الشامل CPA) بين النظام وحزبه (المؤتمر الوطني) وبين (الحركة الشعبيَّة/الجيش الشعبي لتحرير السودان ـ SPLM/SPLA) ، والتى أوقفت الحرب في الجنوب ، ونصَّت على فترة انتقاليَّة مدَّتها ست سنوات ، وصدر ، بموجبها ، الدستور الانتقالى لسنة 2005م ، كما أبرمت بعدها اتفاقيات أخرى بين النظام وبين أقسام مختلفة من المعارضة السياسيَّة في الشمال (إتفاق القاهرة)، وفصيل المعارضة المسلحة في دارفور (إتفاق أبوجا)، علاوة على جبهة الشرق (إتفاق أسمرا). وفي الطريق الآن، في ما لو جرت الأمور على أكمل ما يُرام، الإتفاق المؤمَّل إبرامه بين الحكومة والحركات والفصائل الرافضة لـ (أبوجا) في دارفور، وهي الأغلبيَّة.
    (7) غير أن (نيفاشا) و(دستور 2005م) يُعتبران ، في كلِّ الأحوال، ولأسباب عديدة ، الأكثر تأثيراً على راهن ومستقبل الاوضاع في البلاد ، على الاقل خلال الفترة الانتقاليَّة المذكورة. فعلى الرغم من الانتقادات الموضوعيَّة التى وجِّهت ، أو يمكن أن توجَّه إلى هتين الوثيقتين المهمَّتين ، وإلى الآليَّة والمنهجيَّة اللتين استخدمتا فى إصدارهما بناء على ذلك الاتفاق الثنائي الذي تمَّ بمعزل عن مشاركة الغالبيَّة العظمى من الاحزاب والقوى السياسيَّة والاجتماعيَّة فى البلاد، فإن بإمكانهما ، مع ذلك ، وفى ما لو توفرت (الارادة السياسيَّة) الكافية لدى طرفيهما ، أن تؤسِّسا ، فى المحصلة النهائيَّة ، لمسار انتقالي سلس صوب هدفيهما الرئيسين المعلنين: (السلام الشامل المستدام) و(التحوُّل الديموقراطى).

    (8) لكن ها قد انقضت، حتى الآن، قرابة الأربع سنوات (يناير 2005م ـ أكتوبر 2008م) دون أن يحدث فى الواقع ، للأسف ، ما يشير إلى أدنى تحرُّك جدِّي على ذلك المسار المأمول من جانب ما أصبح يُعرف بـ (حكومة الوحدة الوطنية) التي تكوَّنت بناء على تلك الترتيبات ، أو ، للدقة ، من جانب (المؤتمر الوطني) ، الحزب الرئيس في هذه الحكومة ، والذي يستأثر ، بموجب إحدى أهم نقاط الضعف في (نيفاشا) ، على 52% من السلطة الاتحاديَّة ، مقابل 28% لـ (الحركة الشعبيَّة) ، وأنصبة ضئيلة لا تكاد تذكر تفتتت بين بقيَّة الاحزاب والقوى المشاركة في هذه الحكومة أو في (المجلس الوطني ـ البرلمان)!

    (9) المطلب الأساسى لهذه الورقة هو:
    أ/ التشديد، أولاً، على خطل أيَّة محاولة لخلق أيِّ تناقض بين مطلبي السلام والعدالة في دارفور؛ فبدون الوفاء بشرط الانتصاف للضحايا وابراء الجراح، في السودان عموماً، وفي دارفور بخاصَّة، وفي ضوء ما تراكم من خبرات عالمية للعدالة الانتقاليَّة، وفق ما عرضنا له أعلاه، وما يمكن أن ينضاف إلى هذه الخبرات من إرثنا الثقافي المحلي، يصعب، إن لم يكن يستحيل، استدبار تركة الماضى المؤلمة، والانطلاق نحو المستقبل الأفضل بجناحي (نيفاشا) أو بأيِّ اتفاق وطني آخر: السلام والتحوُّل الديموقراطي.
    ب/ والتشديد، ثانياً، على اعتبار الشكل غير التقليدي من العدالة، خلال هذه الفترة الانتقالية، يكاد يكون المبضع الأكثر ملائمة لعمليَّة إبراء الجراح المطلوبة. ذلك أن الخيارات المتاحة، نظرياً، ثلاثة لا رابع لها غير استمرار الحكومة فى تجاهل معالجة أثار هذه التركة ، الأمر الذى لو ركنت إليه هى فيستحيل أن يقبل به ملايين المتضرِّرين الذين ينوءون بجراح فاغرة تنزف فى صدر كل منهم ، بل وفى صدور جميع المحبين للعدل والانصاف فى بلادنا والعالم.

    (10) هذه الخيارات الثلاثة للعدالة خلال الفترة الانتقاليَّة هي:
    أ/ أن تتولاها المحاكم الوطنيَّة ، الأمر الذي يستلزم إجراء إصلاحات قانونيَّة لا بُد منها، وتشمل:
    أولاً: إدخال عناصر القانون الجنائي الدولي في القانون الوطني (الإبادة الجماعيَّة + قوانين الحرب + قوانين الجرائم ضدَّ الإنسانيَّة).
    ثانياً: مراجعة أوضاع الحصانات ومدد التقادم في قانوننا الوطني، والتي لا تتسق ومعايير القانون الجنائي الدولي.
    ثالثاً: مراجعة إجراءات الإقصاء لأهل الكفاءة والإحلال لأهل الولاء، والتي أفقدت قضاءنا باقة من أفضل القضاة الذين استثمرت الدولة فيهم، تدريباً وتأهيلاً، على مدى سنوات طوال.
    وواضح، بطبيعة الحال، أنه ليس ثمَّة زمن ليسعفنا كي نفي بكل هذه الالتزامات، على أهميَّتها وضرورتها،
    ب/ وإما أن يتولاها القضاء الجنائى الدولى ، بما في ذلك المحكمة الجنائيَّة الدوليَّة ، حال امتناع أو عجز الدولة الوطنيَّة عن توليها.
    وهذا السبيل، على أهميَّته في سياق التطوُّر التاريخي للقانون الجنائي الدولي والقضاء الجنائي الدولي، لا يقصُر، فحسب، عن الإحاطة بمئات القضايا في الإقليم، إن لم يكن بآلافها، مقارنة بالطاقة الفعليَّة لهذا القضاء، بل يحجب مبدأ مهمَّاً من مبادئ المحاكمة العادلة، وهو المبدأ القائل بأن "العدالة التي تصرَّف هي العدالة التي ترى وهي تصرَّف justice to be done is justice to be seen as been done". وهكذا فإن هذا الخيار هو (خيار أم خير)، على حدِّ المثل السوداني السائر، لكنه، موضوعياً، ليس الأفضل في قائمة هذه الخيارات الثلاث، إلا إذا انسدَّت السبل، نهائياً، أمام الخيارين الآخرين!
    ج/ وإما أن تستخدم لإنفاذه آليَّة الحقيقة والانصاف والمصالحة ، ضمن المناهج غير التقليدية لترتيبات العدالة الانتقاليَّة ، والتي يمكن أن تفضى إلى تفريغ الاحتقان وإزالة الغبن فى ما لو أخذت بحقها ، وذلك عن طريق الكشف عن حقيقة الانتهاكات ، ثم الاعتذار العلني عنها ، ثم إنصاف ضحاياها بتعويضهم وإعادة تأهيلهم فردياً وجماعياً، وصولاً إلى المصالحة الوطنيَّة الشاملة، بهذا الترتيب وعلى التوالى.

    (11) هكذا، وأخذاً في الاعتبار بالهدفين المعلنين من اتفاقية السلام الشامل CPA المبرمة فى 9/1/2005م ، والدستور الانتقالى لسنة 2005م ، وهما إقرار (السلام الشامل) وإنجاز (التحول الديموقراطى)، وبالنظر إلى الوضعيَّة الراهنة لميزان القوَّة في الصراع السياسي على المستوى الوطني، فإنه لا يعود ثمَّة جدال في جدوى التعويل على هذا الخيار الثالث، خلال ما تبقى من الفترة الإنتقالية الممتدة حتى العام 2011م، أي الشكل غير التقليدي من العدالة الانتقاليَّة.

    (12) ولعلَّ من حسن الطالع، بالنسبة لإمكانيَّة الدفع باتجاه هذا الخيار، توفر ظرفين معنويين في غاية الأهميَّة:
    أ/ السند الدستوري المتمثل في نصِّ المادة/21 من الدستور الانتقالي على توجيه واضح للدولة بأن "تبتدر .. عمليَّة شاملة للمصالحة الوطنيَّة وتضميد الجراح من أجل تحقيق التوافق الوطنى والتعايش السلمى بين جميع السودانيين". فبرغم أن المأخذ الأكبر على هذا النص هو وروده بعبارات فضفاضة ضمن المواد الموجهة لا الملزمة، إلا أن الدفع الجاد الذي يمكن أن تقوم به القوى الوطنيَّة كافة من أجل توفير القدر اللازم من الارادة السياسيَّة لدى السلطة الحاكمة سيكفل قطعاً تفسيره بما تقتضي الحاجة الملحَّة إليه كمطلب عاجل، بصرف النظر عن موضعه من الدستور، أو عمَّا قد تؤمل فيه الحكومة، الآن، من أشكال المصالحة التقليدية القائمة على مبدأ (عفا الله عمَّا سلف)، تطبيقاً على نموذج مصالحة عام 1977م بين النميري وبعض خصومه السياسيين، والتي ترتبت على مبادرة المرحوم فتح الرحمن البشير!
    ب/ الانتباهة التي بدأت توليها قوى سياسيَّة أساسيَّة لأهميَّة آليَّة العدالة الانتقاليَّة، مِمَّا يعكسه موقف الحركة الشعبية لتحرير السودان، والذي عبَّر عنه د. منصور خالد في أكثر من مناسبة، والكتابات والمحاضرات الصادرة مؤخَّراً عن السيِّد الإمام الصادق المهدي، رئيس حزب الأمة القومي، والتعبيرات المختلفة الصادرة أيضاً عن بعض قادة الحزب الاتحادي الديموقراطي، كالأستاذ على محمود حسنين، وتضمين الحزب الشيوعي برنامجه الذي سيقدَّم إلى مؤتمره الخامس فصلاً بأكمله عن المسألة، وهذا على سبيل المثال.

    ***





    (عدل بواسطة مركز الخاتم عدلان on 10-27-2008, 08:14 AM)
    (عدل بواسطة مركز الخاتم عدلان on 10-27-2008, 08:32 AM)
    (عدل بواسطة مركز الخاتم عدلان on 10-28-2008, 08:36 AM)
    (عدل بواسطة مركز الخاتم عدلان on 10-28-2008, 08:45 AM)

                  

العنوان الكاتب Date
(ملخص + صور) .. ندوة أستاذ/ كمال الجزولى .. العدالة الانتقالية فى دارفور . مركز الخاتم عدلان10-20-08, 10:06 AM
  Re: (ملخص + صور) .. ندوة أستاذ/ كمال الجزولى .. العدالة الانتقالية فى دارفور . مركز الخاتم عدلان10-20-08, 10:32 AM
    Re: (ملخص + صور) .. ندوة أستاذ/ كمال الجزولى .. العدالة الانتقالية فى دارفور . Hussein Mallasi10-20-08, 11:22 AM
      Re: (ملخص + صور) .. ندوة أستاذ/ كمال الجزولى .. العدالة الانتقالية فى دارفور . أيزابيلا10-20-08, 01:30 PM
  Re: (ملخص + صور) .. ندوة أستاذ/ كمال الجزولى .. العدالة الانتقالية فى دارفور . مركز الخاتم عدلان10-20-08, 01:31 PM
  Re: (ملخص + صور) .. ندوة أستاذ/ كمال الجزولى .. العدالة الانتقالية فى دارفور . مركز الخاتم عدلان10-21-08, 08:27 AM
    Re: (ملخص + صور) .. ندوة أستاذ/ كمال الجزولى .. العدالة الانتقالية فى دارفور . Hussein Mallasi10-21-08, 08:48 AM
    Re: (ملخص + صور) .. ندوة أستاذ/ كمال الجزولى .. العدالة الانتقالية فى دارفور . عمرو كمال ابراهيم10-21-08, 08:50 AM
  Re: (ملخص + صور) .. ندوة أستاذ/ كمال الجزولى .. العدالة الانتقالية فى دارفور . مركز الخاتم عدلان10-21-08, 10:53 AM
  Re: (ملخص + صور) .. ندوة أستاذ/ كمال الجزولى .. العدالة الانتقالية فى دارفور . مركز الخاتم عدلان10-28-08, 08:34 AM
  Re: (ملخص + صور) .. ندوة أستاذ/ كمال الجزولى .. العدالة الانتقالية فى دارفور . مركز الخاتم عدلان11-05-08, 08:51 AM
  Re: (ملخص + صور) .. ندوة أستاذ/ كمال الجزولى .. العدالة الانتقالية فى دارفور . مركز الخاتم عدلان11-05-08, 09:05 AM
  Re: (ملخص + صور) .. ندوة أستاذ/ كمال الجزولى .. العدالة الانتقالية فى دارفور . مركز الخاتم عدلان11-05-08, 09:09 AM
  Re: (ملخص + صور) .. ندوة أستاذ/ كمال الجزولى .. العدالة الانتقالية فى دارفور . مركز الخاتم عدلان11-05-08, 09:17 AM
  Re: (ملخص + صور) .. ندوة أستاذ/ كمال الجزولى .. العدالة الانتقالية فى دارفور . مركز الخاتم عدلان11-05-08, 12:33 PM
  Re: (ملخص + صور) .. ندوة أستاذ/ كمال الجزولى .. العدالة الانتقالية فى دارفور . مركز الخاتم عدلان11-06-08, 01:37 PM
  Re: (ملخص + صور) .. ندوة أستاذ/ كمال الجزولى .. العدالة الانتقالية فى دارفور . مركز الخاتم عدلان11-09-08, 08:28 AM
  Re: (ملخص + صور) .. ندوة أستاذ/ كمال الجزولى .. العدالة الانتقالية فى دارفور . مركز الخاتم عدلان11-10-08, 08:20 AM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de